انوار الفقاهه: كتاب الخمس و الانفال

اشارة

سرشناسه : مكارم شيرازي، ناصر، - 1305

عنوان و نام پديدآور : انوار الفقاهه: كتاب الخمس و الانفال/ مكارم شيرازي

مشخصات نشر : تهران: نسل جوان، 1416ق. = 1374.

مشخصات ظاهري : ص 654

شابك : 7000ريال

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس

عنوان ديگر : كتاب الخمس و الانفال

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

موضوع : خمس

موضوع : انفال

رده بندي كنگره : BP183/5 /م7الف85 1374

رده بندي ديويي : 297/342

شماره كتابشناسي ملي : م 75-5860

وجوب الخمس

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

صرح المحقق اليزدي- رضوان اللّه تعالي عليه- في صدر كلامه في كتاب الخمس بانه من الفرائض و قد جعلها الله تعالي لمحمّد صلي اللّه عليه و آله و سلم و ذرّيته عوضا عن الزكاة اكراما لهم … بل من كان مستحلا لذلك كان من الكافرين.

فهنا مسائل:

اشارة

الاول- اصل وجوبه.

الثاني- كونه عوضا عن الزكاة.

الثالث- كونه من الضروريات التي يوجب انكارها الكفر اجمالا.

و لكن ينبغي بيان تعريف الخمس الذي هو موضوع هذا الحكم.

قال ثاني الشهيدين- قدس سرهما- في المسالك: «الخمس عوض مالي يثبت لبني هاشم في مال مخصوص بالاصالة عوضا عن الزكاة».

و احترز بالحق المالي عن غير المالي كالولاية، و بثبوته لبني هاشم عن الزكاة و شبهها، و بقوله في مال مخصوص عن ملك الامام عليه السّلام لجميع ما في الارض (علي القول بانه كسائر الاملاك و لكن في طول مالكية الاشخاص حتي لا يتناقضان) و بقوله بالاصالة عما ثبت لهم بالنذر و الوقف.

هذا و لكن يرد عليه انّ هذا تعريف لنصف الخمس لا جميعا، لأنّ

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 12

سهم اللّه تعالي خارج و سهم النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الائمة ثابت بمقتضي كونهم ذا ولاية مطلقة الهية لا بما انّهم من بني هاشم و لذا يعطي سهم الامام عليه السّلام لغير بني هاشم، مضافا الي انّ قوله عوضا عن الزكاة لا يكون الّا تأكيدا.

فالاولي ان يقال: هو حق مالي يثبّت لله و لرسوله و الائمة الهادين من اهل بيته و بني هاشم في مال مخصوص بالاصالة.

و ذكر المحقق الخوانساري: «ان المراد بالحق ان كان ما هو في مقابل الحكم و يكون في كثير من الموارد

قابلا للإسقاط فهو مبني علي عدم كونه بعنوان الاشاعة او الكلي في المعين و هو محل الاشكال (لأنا نقول بملكية ذوي القربي لسهم من الخمس بنحو الاشاعة او بنحو الكلي في البعض و من الواضح انّهما من مصاديق الملك لا الحق) و ان كان المراد منه المال فهو غير مناسب لتوصيفه بالمالية». «1» يعني لا يصح اخذه جنسا في التعريف لأنه عليه يصير التعريف هكذا: الخمس مال مالي.

اقول: عنوان الحق قد يقع في مقابل المال فيكون قسيما له كما في ابواب تعريف البيع و الخيار، و لكن قد يكون بالمعني الاعم منه و من المال كما يقال لي حق في ارث فلان او في ارض فلان من طريق الشركة، او يقال للفقراء حق في اموال الاغنياء بحيث لا ينافي شركتهم، و حينئذ لا مانع من توصيفه بكونه ماليا، لان توصيف العام بقيد خاص لإراءة مصداق معين لا محذور فيه علي ان الحق اذا اتي به بنحو الاطلاق لا يكون الا بالمعني الاعم و هو بهذا المعني (كما عرفت) يشمل المال و غيره فيصح اخذه جنسا لتعريف الخمس ثم تقييده بانه ماليّ.

فلنرجع الي المسائل الثلاث:

______________________________

(1)- جامع المدارك، المجلد 2، الصفحة 102.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 13

أما الأولي: [أصل وجوبه] فيدل عليه الأدلة الثلاثة، كتاب اللّه و السّنّة المتواترة و الإجماع.

قال اللّه تعالي: «و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فانّ للّه خمسه و للرّسول و لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابن السّبيل ان كنتم آمنتم باللّه و ما انزلنا علي عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان و اللّه علي كلّ شي ء قدير». «1»

دل علي وجوب الخمس في الغنائم، و اما المراد من الغنائم ما ذا، فسيأتي الكلام فيه مبسوطا ان شاء اللّه. و ظاهر

الاية مشحون بالتأكيدات: ذكر اسم اللّه في عداد من له الخمس، و جعل الاعتقاد بالخمس شرطا للإيمان، و التأكيد ب «ان» و كون الجملة اسمية، (و تقديم الجار و المجرور) فانه قال تعالي: «فانّ للّه خمسه و للرّسول الخ» و لم يقل فان خمسه لله. «2»

هذا و قد اتفق المسلمون علي وجوب الخمس في الغنائم و ان خصها الجمهور بما يؤخذ في الحرب، كما قال شيخ الطائفه في الخلاف في المسألة الاولي من كتاب الفي ء و قسمة الغنائم: «كل ما يؤخذ بالسيف قهرا من المشركين يسمي غنيمة بلا خلاف، و عندنا ان ما يستفيده الانسان من ارباح التجارات و المكاسب و الصنائع يدخل أيضا فيه و خالف جميع الفقهاء في ذلك» ثم استدل باجماع الفرقة علي عموم الحكم، و بظهور الاية الشريفه و اطلاقها.

و الظاهر انهم (العامة و الخاصة) اتفقوا أيضا علي وجوب الخمس في

______________________________

(1)- سورة الانفال، 41.

(2)- و اما التعبير بكونه فريضة في كلام صاحب العروه فلوروده في الخبر المذكور في المتن و هو ما عن الصادق (ع): ان الله لا إله الا هو حيث حرم علينا الصدقة انزل لنا الخمس فالصدقه علينا حرام و الخمس لنا فريضة و الكرامة لنا حلال. (وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 29، الحديث 7)

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 14

الركاز و هو الكنز كما صرح في الخلاف في المسألة 145 من مسائل الزكاة (فانه ذكر مسائل الخمس تارة في طي مباحث الزكاة من دون افراد باب له، و اخري خصوص الغنائم في كتاب الفي ء و الغنائم).

كما يظهر منهم الاتفاق أيضا علي وجوبه في المعدن و ان اختلفوا في انواع المعادن من الذهب و الفضه و

غيرها و من المنطبع و غير المنطبع (كالياقوت و الزبرجد و الفيروزج).

و اما الاخبار: فمن طرقنا متواترة كما يظهر لمن راجع كتاب الخمس في الوسائل، فقد حكي فيه زهاد مأئة رواية في ابوابه المختلفة، و من طرق اهل الخلاف لو لم تكن متواترة فلا أقلّ من انها متظافرة كما لا يخفي علي من راجع سنن البيهقي.

و بالجمله اصل وجوبه بحسب الحكم اجمالا فمما لا ريب فيه و لا شبهة تعتريه، نعم في تفاصيله خلاف كثير سيأتي إن شاء اللّه.

*** أما الثانية: أعني كونه عوضا عن الزكاة التي هي أوساخ أيدي الناس

، فقد اشير اليه في روايات كثيرة مروية في كتاب الخمس في الباب الاول من ابواب قسمه الخمس:

منها ما رواه سليم بن قيس عن امير المؤمنين عليه السّلام و قال خطب امير المؤمنين عليه السّلام و ذكر خطبه طويلة يقول فيها: «نحن و اللّه عني (اللّه) بذي القربي الذين قرننا اللّه بنفسه و برسوله. فقال: فللّه و للرّسول و لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابن السبيل فينا خاصة (الي ان قال) و لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا، اكرم اللّه رسوله و اكرمنا اهل البيت ان يطعمنا من اوساخ الناس فكذبوا الله و كذّبوا رسوله و جحدوا كتاب اللّه الناطق بحقنا و منعونا

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 15

فرضا فرضه اللّه لنا الحديث». «1»

و منها ما رواه الريان بن الصلت عن الرضا عليه السّلام و قال: « … فلما جاءت قصة الصدقة نزّه نفسه و رسوله و نزه اهل بيته، فقال: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ الآيه ثم قال: فلما نزه نفسه عن الصدقة و نزه رسوله و نزه اهل بيته لا بل حرم عليهم لان الصدقة محرمة علي محمد

و آله و هي اوساخ ايدي الناس لا تحل لهم لأنهم طهروا من كل دنس و وسخ». «2»

و منها مرفوعة الصفار عن احمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفع الحديث قال: «الخمس من خمسة اشياء … و الذي للرسول هو لذي القربي و الحجة في زمانه، فالنصف خاصة و النصف لليتامي و المساكين و ابناء السبيل من آل محمد- عليهم السلام- الذين لا تحل لهم الصدقة و لا الزكاة، عوضهم الله مكان ذلك بالخمس الحديث». «3»

و منها ما رواه في الوسائل في ابواب الزكاة من تفسير العياشي عن الصادق عليه السّلام قال: «ان الله لا إله الا هو لما حرم علينا الصدقة ابدل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام و الخمس لنا فريضة و الكرامة لنا حلال». «4»

(و لعل المراد من الكرامة النذر و اشباهه).

و منها صحيحة الفضلاء عنهما- عليهما السلام- قالا: «قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم:

ان الصدقة اوساخ ايدي الناس و ان اللّه قد حرم علي منها و من غيرها ما قد حرمه». «5»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 7.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 2، باب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 10.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 9.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 29 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(5)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 29 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 16

و لعل التعبير بكونها او ساخا مأخوذ من قوله تعالي في سورة البراءة، الآية 10 خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا، كان في الاموال التي بايدي

الناس و سخا ذاتيا لا تطهر الا بازالة الاوساخ منها، فاخذ الصدقات يوجب طهارة للنفوس و للأموال كلها، لكن المأخوذ في الواقع هو نفس الاوساخ و لا جل ذلك لا يحل لهم.

و قد مر انه تعالي فرق في كتابه بين الخمس فاضاف الاموال في باب الزكاة و الصدقات الي الناس و قال خذ من اموالهم، و لكن في باب الخمس جعل الشركة بين ارباب الخمس و صاحبي الاموال، فقال: و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فانّ للّه خمسه و للرّسول … الآية.

ان قلت: التعبير بالاوساخ يوجب تنفر الطباع عن اخذ هذه العطية الالهية- اعني الزكوات- و هذا مناف لشأنها.

قلت: و لعل النظر أيضا تنفير الطباع منها حتي لا يحسبها الناس اموالا يتبرك فيها بل تكون عندهم امرا لا يقصر الا عند الضرورة و الحاجة الشديدة

______________________________

ان قلت: لو كانت الصدقة حراما علي بني هاشم فلما ذا يجوز اعطائهم منها عند قصور الخمس عن كفايتهم بلا خلاف بين الاصحاب؟ كما قال في الحدائق الناضرة: الثالث- لا خلاف بين الاصحاب رضوان الله عليهم علي ما نقله غير واحد في جواز اعطائهم (يعني بني هاشم) من الصدقة الواجبة عند قصور الخمس عن كفايتهم … انما الخلاف في القدر الذي يجوز لهم اخذه في تلك الحال. (المجلد 12، الصفحة 219)

قلت: ذلك مختص بموارد الضرورة و الضرورات قبيح المحظورات لكنها تقدر بقدرها و لذا قال في الحدائق بعد الكلام المتقدم منه: و بالجملة فالادلة المتقدمة قد صرحت لا لتحريم خرج منه ما وقع عليه الاتفاق نصا و فتوي من القدر الضروري. (نفس المصدر) علي ان الصدقة، وسخ ما دام لم تصل الي مستحقها، كما عرفت لكنها بمجرد وصولها اليه تطيب له

كما في اموال اليتامي حيث ان آكله ظلما يأكل النار في بطنه علي حد تعبير القرآن الكريم لكنها تطيب لليتامي انفسهم.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 17

كي يرغب الناس في السعي لتحصيل معاشهم، و تبقي الزكاة للزمني و اليتامي و من لا يقدر علي شي ء. «1»

هذا مضافا الي ان قرابات رؤساء الحكومات كثيرا ما يتغلبون علي اموال بيت المال و حقوق الناس، و يوجب ذلك التهمة و الشّين علي رئيس الحكومة، و كان اللّه تعالي اراد تنزيه ساحة النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الائمّة- عليهم السلام- عن هذا الدنس فحرّم بني هاشم و هم قراباته صلي اللّه عليه و آله و سلم عن الزكاة مطلقا، حتي انه يظهر من بعض الروايات انهم اذا اتوه و سألوه ان يستعملهم علي الصدقات كي يكون لهم سهم العاملين عليها لم يقبل منهم. و قال: «يا بني عبد المطلب (هاشم) ان الصدقة لا تحل لي و لا لكم و لكني قد وعدت الشفاعة». «2»

فاراد جلب رضاهم بهذا الامر المعنوي بدل الامر المادي.

ان قلت: كيف يكون الخمس عوضا عن الزكاة و الحال ان آية الخمس وردت في سورة الانفال، و فيها اشارات كثيرة الي غزوة بدر فهي من اول ما نزلت بالمدينة و اما آية الزكات (خذ من اموالهم … الآية) «3» فقد نزلت بعد فتح مكة فهي من آخر ما نزلت عليه؟

قلت: الظاهر ان تشريع الزكاة كان من قبل و قد اشير اليها في سائر السّور

______________________________

(1)- و لا يخفي ان مقتضي هذا البيان كون الصدقات طاهرة عند وصولها الي ايدي مستحقيها و إلا للزم تنفير طباعهم مضافا الي وهنهم و ذلك بعيد

عنه تعالي جدا بعد ورود اخبار كثيرة في مدح الفقراء و الامر بمجالستهم و قول النّبيّ (ص): الفقر فخري و به افتخر فراجع.

اللهم الا ان يقال بانه ينبه الفقراء و ذوي الحاجة علي انه و ان كانت الصدقة حلالهم لكنها مع ذلك اوساخ ما في ايدي الناس فيرغبهم علي الاجتهاد في سبيل تحصيل الرزق حتي لا يحتاجوا الي الزكاة، فتأمل.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 29 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1).

(3)- سورة التوبة، 103.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 18

القرآنية «1» و لم يكن تشريعه بعد فتح مكة، كيف و هي من اقدم ما يلزم في تأسيس الحكومة الاسلامية و اصلاح امر بيت المال، فآية البراءة تأكيد عليها او نزلت بلحاظ ما فيها من الخصوصيات- كتطهير النفوس بالصدقات و صلاة النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم فلا مانع من كون الخمس عوضا عن الزكاة و تشريعه مقارنا لها.

و قد ذكرنا جوابا آخر لهذا الاشكال في تعليقاتنا علي العروة الوثقي فراجع.

ان قلت: أ ليس في جعل هذه الاموال العظيمة لبني هاشم و جعل الزكاة التي قد تكون أقلّ منها لجميع فقراء الناس و سائر المصارف، نوع تبعيض مناف للعدالة و المساواة التي امرنا اللّه تعالي بها في الإسلام؟

قلت: كلا ليس الامر كذلك اذا تدبرنا في هذه الاحكام حق التدبير، اما بالنسبة الي سهم الامام عليه السّلام (اعني السهام الثلاثه الاولي) فلانه ليس من حق الفقراء في شي ء، بل حق ولاية الامر بمالها من المصارف الهامة المعلومة لكل احد، «2» و اما السهام الثلاثة الباقية، فهي مختصة بفقراء بني هاشم كما ان الزكاة مختصة بغيرهم لا تفضل احدهما علي الاخر، فان

الفقير لا يجوز له ان يأخذ اكثر من قوت سنته علي المختار- كما سيأتي ان شاء اللّه- فقراء كل من الطائفتين يأخذون بمقدار قوت سنتهم لا ازيد، و زكاة الاموال- لو اداها الناس- كانت وافية بحاجة الفقراء كما في الأحاديث، و حقّ السادة لو عمل بها الناس، و ان زاد علي صاحبتهم في بعض الاعيان، كما في الجوامع التي

______________________________

(1)- كقوله تعالي في سورة الاعراف، 156: … و رحمتي وسعت كلّ شي ء فَسَأَكْتُبُهٰا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ. و سورة النمل، 3: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ و سورة فصلت، 7: الّذين لا يؤتون الزّكاة. الي غير ذلك من الآيات التي نزلت بمكة المكرمة.

(2)- و لذلك لا يورث بل يصل الي الامام (ع) من بعده.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 19

اتسعت فيها الصنائع و التجارات (لا خصوص الزرع و الضرع) و لكن الزائد عن حاجتهم يعود الي بيت المال، كما في الحديث المشهور الذي رواه في الوسائل في الباب 3 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 1 و 2.

قال في الثاني بعد ذكر تحريم الزكاة علي آل محمد صلي اللّه عليه و آله و سلم: «عوضهم الله مكان ذلك بالخمس فهو يعطيهم علي قدر كفايتهم فان فضل شي ء فهو له و ان نقص عنهم و لم يكفهم اتمه لهم من عنده، كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان».

و هاتان الروايتان و ان كانتا ضعيف السند بالارسال و الرفع، و لكنهما موافقان للقاعدة «1» كما لا يخفي.

المسألة الثالثة: كونه من الضروريات التي يوجب إنكارها الكفر إجمالا

. و قد وقع الخلاف بين الاعلام من ان انكار الضروري يوجب الكفر مطلقا او بشرط ان يرجع الي انكار الالوهية او التوحيد او الرسالة، و الحق

كما اثبتناه في محله هو الثاني و التفصيل موكول الي هناك.

______________________________

(1)- و هي عدم الدليل علي اعطاء شخص اكثر من مئونة سنته من الزكاة او الخمس.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 20

الفصل الأول في ما يجب فيه الخمس

اشارة

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 23

1- غنائم دار الحرب

اشارة

المعروف بينهم انه يجب في سبعة اشياء:

الاول: الغنائم المأخوذة من الكفار من اهل الحرب قهرا بالمقاتلة معهم

. و الازم البحث في اصل المسألة و ادلتها ثم في خصوصياتها و شرائطها و فروعها الكثيرة مما يرجع الي نوع الغنيمة و مقدارها و نوع الحرب و اقسام الكفار و ما يستثني من الغنائم و غيرها.

اما الاول: فيدل عليه بعد الاجماع كتاب اللّه عز و جلّ و الروايات الآتية.

قال اللّه تعالي: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ … «1»

و قد وقع الكلام في المراد من الغنيمة، فالمشهور بين الاصحاب كما يستفاد من كلمات شيخ الطائفة في الخلاف هو كل ما يستفيده الانسان (غير ما استثني) حينما يكون اتفاق المخالفين علي اختصاصها بغنائم دار الحرب، و الاولي تفصيل الكلام في هذه المسألة و ان كان محلها من بعض الجهات خمس ارباح المكاسب.

قال الشيخ في الخلاف في مبحث الفي ء و الغنائم كل ما يؤخذ بالسيف قهرا من المشركين الي آخر ما مر آنفا و قال في ذيل كلامه: «و أيضا قوله تعالي

______________________________

(1)- سورة الانفال، 41.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 24

و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فانّ للّه خمسه» عام في جميع ذلك فمن خصه فعليه الدلالة.

و قال امين الإسلام الطبرسي- رضوان اللّه عليه- في تفسيره ذيل الآية الشريفة ما نصه: «و قال اصحابنا: ان الخمس واجب في كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب و ارباح التجارات و في الكنوز و المعادن و الغوص و غير ذلك مما هو مذكور في الكتب، و يمكن ان يستدل علي ذلك بهذه الاية، فان في عرف اللغة

يطلق علي جميع ذلك اسم الغنم و الغنيمة».

و قال النراقي في المستند: «اعلم ان الاصل وجوب الخمس في جميع ما يستفيده الانسان يكتسبه و يغنمه للآية الشريفه و الاخبار، اما الآية فقول اللّه سبحانه و اعلموا انّما غنمتم …

فان الغنيمة في الاصل الفائدة المكتسبة، صرح به في مجمع البحرين و غيره من اهل اللغة و ليس هناك ما يخالفه، و يوجب العدول عنه بل المتحقق ما يثبته و يوافقه من العرف و كلام الفقهاء و الاخبار». «1»

و قال في المدارك: «ذكر الشهيد في البيان ان هذه السبعة كلها مندرجة في الغنيمة». «2»

و قال في الحدائق بعد نقل كلام الشهيد في البيان ما حاصله انه يدل علي هذا التعميم روايات عديدة. «3»

الي غير ذلك من كلمات الاصحاب.

نعم يظهر من صاحب الجواهر نوع ترديد في المسألة حيث قال بعد

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 1، الصفحة 71.

(2)- مدارك الاحكام، الصفحة 335.

(3)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 320

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 25

الاستدلال بالآية الشريفة: «سواء قلنا بكون الغنيمة في الآية و النصوص حقيقة في المفروض (اي غنائم دار الحرب) كما لعله الظاهر عرفا بل لغة كما قيل او في الاعم منه و من غيره مما افاد الناس كما يومي اليه ادراج السبعة فيها في البيان، بل هو كصريح جهاد التذكرة و غيره، بل ظاهر كنز العرفان، و عن مجمع البيان نسبته الي اصحابنا». «1»

و علي كل حال يمكن الاستدلال علي العموم مضافا الي ما عرفت من شهادة الفقهاء بذلك و استظهار هم من الاية الشريفة، بكلمات ارباب اللغة و المفسرين و الأحاديث الكثيرة و موارد استعمال كلمة الغنيمة.

اما الاول: فقد قال الراغب في المفردات: «ثم

استعملوا في كل مظفور به من جهة العدي و غيره و هو ظاهر في عمومية معني الكلمة».

و قال في تاج العروس في شرح القاموس: «الغنم و الغنيمة الفوز بالشي ء بلا مشقة، و دلالته علي العموم واضحة».

و قال ابن منظور في لسان العرب: «و الغنم الفوز بالشي ء من غير مشقة …

و الغنم و الغنيمه و المغنم الفي ء و في الحديث الرهن لمن رهنه له غنمه و عليه غرمه، غنمه زيادته و نمائه و فاضل قيمته … و غنم الشي ء فاز به».

و قال في مجمع البحرين: «ان الغنيمة هي كل فائدة مكتسبة».

و قال في المقاييس: «الغين و النون و الميم اصل صحيح واحد يدل علي افادة شي ء لم يملك من قبل، ثم يختص به ما اخذ من مال المشركين بقهر و غلبة، و ظاهره ثبوت المعني العام و الخاص له».

و الذي يظهر من مجموع كلمات اهل اللّغة ان لها معنيين: معني عام، و هو الاصل لهذه الكلمة الظفر بالشي ء مطلقا، او الظفر به بلا مشقة كثيرة

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 6.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 26

و معني خاص، و هو غنائم الحرب و استعماله في هذا المعني يحتاج الي قرينة بعد كون اصل اللغة عاما غير مقيد بالحرب.

اما الثاني: و هو كلمات ارباب التفسير في هذا الباب فهي أيضا فهذا الطبرسي في مجمع البيان فانه و ان ذكر المعني الخاص عند تفسير هذه اللغة في بحث اللغات الا انه صرح فيما بعده بالمعني العام، و انه في عرف اللغة يطلق علي جميع المنافع اسم الغنم وال الغنيمه. «1»

و قال في تفسير الميزان: «الغنم و الغنيمة اصابه الفائدة من جهة تجارة او عمل

او حرب، و ينطبق بحسب مورد نزول الاية علي غنيمة الحرب». «2»

اما روايات الاصحاب في عمومية معني الاية، فهي أيضا كثيرة نشير الي ما ظفرنا به:

1- منها صحيحة علي بن مهزيار عن الامام الجواد عليه السّلام و هي رواية طويلة تأتي ان شاء اللّه بطولها و محل الحاجة منها هنا قوله: في تفسير قوله تعالي «و اعلموا انّما غنمتم من شي ء الخ» فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة من الانسان للإنسان التي لها خطر و الميراث الذي لا يحتسب من غير اب و لا ابن الخ «3» و هي ظاهرة الدلالة علي المقصود.

2- منها ما رواه التهذيب و في الكافي عن حكيم موذن بني عيس قال:

«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن قول الله تعالي: و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فانّ للّه خمسه و للرّسول و لذي القربي. فقام ابو عبد الله عليه السّلام بمرفقيه علي ركبتيه ثم

______________________________

(1)- مجمع البيان، المجلد 4، الصفحة 544.

(2)- تفسير الميزان، المجلد 9، الصفحة 89.

(3)- الوسائل، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 27

اشار بيده قم قال: هي و اللّه الافادة يوما بيوم الا ان ابي جعل شيعته في حل ليزكيهم». «1»

و حكم موذن بني عيس مجهول الحال و لكن الروايات في المقام متظافرة مضافا الي صحة اسناد بعضها.

3- ما في الفقه الرضوي بعد ذكر الاية: «و كل ما افاده الناس فهو غنيمة لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص و … ». «2»

4- صحيحة عبد الله بن سنان قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

ليس الخمس الا في الغنائم خاصة» «3» بناء علي بعض التفسيرات فقد فسر في بعض الكلمات بعمومية معني الخمس فيشمل غير الغنائم بالمعني الاخص، و معناه علي هذا انه ليس الخمس الا في الفوائد اما اصل المال بلا فائدة فلا.

و هناك تفسيرات أخر له

منها: ان المراد الخمس في ظاهر القرآن في خصوص غنائم دار الحرب، او محمول علي التقية. اضف الي ذلك كله ان موارد استعمال هذه الكلمة تنادي باعلي صوتها علي ان معناه اعم من غنائم الحرب، و كفاك ما ورد من ذلك في روايات المعصومين (النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الائمة الهادين عليهم السلام).

منها: قول امير المؤمنين عليه السّلام: «اغتنم المهل و بادر الاكل». «4»

و منها قوله عليه السّلام: «ان اللّه سبحانه جعل الطاعة غنيمة الاكياس». «5»

______________________________

(1)- الوسائل، المجلد 6، الباب 4 من الانفال، الحديث 8.

(2)- رواه في المستدرك، المجلد 2، كتاب الخمس، الباب 6 من ابواب ما يجب فيه الخمس.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(4)- نهج البلاغة، خطبة 76.

(5)- نفس المصدر، حكمت 331.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 28

و منها قوله عليه السّلام: «فو اللّه ما كنزت من دنياك تبرا و لا ادّخرت من غنائمها و فرا». «1»

و منها قوله عليه السّلام: «و لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم». «2»

و منها ما عن امير المؤمنين عليه السّلام: «لقاء الاخوان مغنم جسيم و ان قل» «3»

و عنه عليه السّلام: «اغتنموا الدعاء عند اربع عند قراءة القرآن و عند الاذان و عند نزول الغيث و عند التقاء الصفين للشهادة». «4»

و منها ما عن رسول الله صلي اللّه عليه و آله

و سلم: «اذ اعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها ان تقولوا اللهم اجعلها مغنما و لا تجعلها مغرما». «5»

و عنه صلي اللّه عليه و آله و سلم: «المحروم من حرم غنيمة كلب (الظاهر ان المراد منه كلب الماشيه او الحارس او شبههما مما لها دور في حياة العرب خصوصا في صدر الإسلام)». «6».

نعم هذه الكلمة او مشتقاتها وردت في الكتاب العزيز في ستة آيات كلها ناظرة الي غنائم الحرب- كمصداق لهذا الكلي- ما عدا موردا واحدا و هو قوله تعالي: يا ايّها الّذين آمنوا اذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا … فعند اللّه مغانم كثيرة «7» و لكن مجرد استعماله في المعني الخاص لا يدل علي كونه حقيقة فيه فقط بعد اطراد استعماله في الاعم منه، و قد عرفت في محله ان الاطراد و كثرة الاستعمال في معني دليل علي كونه حقيقة فيه.

______________________________

(1)- نفس المصدر، الكتاب 45.

(2)- نهج البلاغة، الكتاب 53.

(3)- اصول الكافي، المجلد 2، الصفحة 175، الحديث 16.

(4)- اصول الكافي، المجلد 2، الصفحة 477، الحديث 3.

(5)- سنن ابن ماجه، المجلد 1، الصفحة 573، الحديث 1797.

(6)- مسند احمد، المجلد 2.

(7)- سورة النساء، 94.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 29

ان قلت: ان آية الغنيمة ورد في عداد آيات الجهاد، فالآية التي قبلها:

«وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰي لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ» و الآيات التي بعدها قوله تعالي: «اذ انتم بالعدوة الدّنيا» الي آخر ما ورد في شرح غزوة بدر و سباياها و غنائمها، فهي محفوفة بهذه القرينة الدالة علي اختصاصها بغنائم الحرب، فلو سلمنا كون معني الغنيمة عاما لكنها استعملت في مصداق خاص في الآية الشريفة مع القرينة.

قلت: مجرد ذلك لا يكون دليلا علي استعمالها في المعني الخاص،

فان المورد لا يمكن ان يكون خارجا عن الحكم المذكور فيه، لا انه دليل علي اختصاص الحكم به، مثلا لو فرض نزول قوله تعالي: «يسئلونك عن الانفال» في بعض الغزوات التي اخذت الغنائم فيها بغير حرب لا يمنع ذلك عن شمولها لأراضي الموات و شبهها، و كذا لو نزل حكم تحريم المسكر في مورد الخمر لا يكون دليلا علي تخصيص الحكم بالخمر خاصة، بل يمكن كون الحكم عاما و ان كان المورد خاصا، و هذا جار في جميع العمومات الواردة في موارد خاصة كما لا يخفي.

ان قلت: لو كان المفهوم من الآية حكما عاما، فلما ذا لم ينقل في رواية و لا تاريخ اخذ الخمس في عصر رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم من غير غنائم الحرب او مع المعدن و الكنز، و هذا من العجائب ان يكون الخمس في جميع ما يستفيده الانسان و لم يعمل به في عصره صلي اللّه عليه و آله و سلم و لا في اعصار الائمة المعصومين (عليهم السلام) المتقدمين مثل علي بن أبي طالب عليه السّلام و الحسنين عليه السّلام و بعض آخر (سلام الله عليهم اجمعين).

قلت: اوّلا هذه عويصة يجب علي الجميع حلها لا خصوص من قال بعموم الاية، و بعبارة اخري كل من قال بوجوب الخمس في ارباح المكاسب يجب عليه التصدي لحل هذا الاشكال سواء قال بدلالة الآية عليه أم لا، فان

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 30

الاشكال يدور حول اصل وجوب الخمس في الارباح لا مدار دلالة الآية عليه.

و ثانيا- سيأتي ان شاء اللّه في محله ان الامر في تحليل الخمس و اخذه، او تحليل بعضه و اخذ

بعضه بيد ولي الامر (رسول اللّه و الائمه الهادين من آله) فاذا رأي مصلحة في ترك اخذه في برهة من الزمان احله لجميع الناس او لبعضهم، و اذا كان الامر بالعكس اخذه كله.

و يشهد لذلك الروايات الكثيرة الدالة علي تحليلهم الخمس من المساكن و المتاجر و السبايا «1» لتطيب ولادتهم.

او تحليل جميع حقوقهم في بعض الازمنة، مثل ما رواه يونس بن يعقوب قال: «كنت عند ابي عبد الله عليه السّلام فدخل عليه رجل من القماطين، فقال:

جعلت فداك تقع لي في ايدينا الاموال و الارباح و تجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك معصرون. فقال ابو عبد الله عليه السّلام: ما أنصفناكم ان كلفنا كم ذلك اليوم». «2»

و لعل الامر كان كذلك علي عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فكان الناس في ضيق شديد و حرج اكيد، فاباح صلي اللّه عليه و آله و سلم خمس الارباح للناس، ثم انه قد كثر بعد ذلك غنائم الحروب و خراجات الاراضي بحيث استغني بيت المال عن خمس الارباح كما لا يخفي علي من راجع التاريخ، فانه ينادي بوضوح بوفور الارزاق و مزيد الاموال و غني كثير من الناس بل وصولهم الي ما فوق حد الغناء او لمصالح اخري قد تخفي علينا.

و بالجملة تأكيد بعض الائمة- عليهم السلام- علي اداء خمس الارباح و عفو بعضهم عليه السّلام عنه اوضح دليل علي ما ذكر، و به تنحل عقدة الاشكال.

______________________________

(1)- راجع الباب 4 من ابواب الانفال.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 4 من ابواب الانفال، الحديث 6.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 31

و سيوافيك مزيد توضيح له- ان شاء اللّه- عند

البحث عن خمس الارباح و مسألة التحليل فانتظر.

هذا تمام الكلام في دلالة الآية الشريفة علي المطلوب.

*** و يدل علي وجوبه في الغنائم أيضا روايات كثيرة اوردها في الوسائل في الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، فقد اورد فيها 15 حديثا لا يدل قليل منها علي المقصود مثل الحديث 3 و 13 و 14 و الباقي دليل عليه و لا حاجة الي سردها جميعا لوضوحها.

نعم بعضها يصرح بان الخمس ليس الا في الغنائم، مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ليس الخمس الا في الغنائم خاصة». «1»

و مرسلة العياشي عن سماعة عن الصادق عليه السّلام و عن ابي الحسن عليه السّلام قال:

سألت احدهما من الخمس؟ فقال: ليس الخمس الا في الغنائم». «2»

و لكن في بعضها الاخر حصره في خمسة اشياء مثل ما رواه حماد بن عيسي قال رواه لي بعض اصحابنا ذكره عن العبد الصالح ابي الحسن الاول عليه السّلام قال: «الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و من الغوص و الكنوز و من المعادن و الملاحة». «3» و هو متحد السند و المضمون مع الحديث 4 من الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 15.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 32

و ما رواه ابن ابي عمير قال: «ان الخمس علي خمسة اشياء، الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة و نسي

ابن ابي عمير الخامسة». «1»

و الظاهر ان ما نسيه هو الملاحة و الجمع بينه و بين رواية الاربعة فان ظاهر، الملاحة و هي الارض المملحة نوع من المعدن، و كذا الجمع بينهما و بين ما دل علي ان الخمس منحصر في الغنائم فان الغنيمة حيث ما عرفت عام.

ان قلت: كيف تلائم الاخبار التي عدت ما يجب فيه الخمس خمسة اشياء مع التي عدته سبعة و الحال انها لم تكتف بمجرد ذكر العدد بل عد الاشياء باسمائها، فيشكل الالتزام بالتخصيص.

قلت: قد عرفت ان للغنيمة معني عاما يشمل جميع ما يجب فيه الخمس و عليه فذكر بعض الموارد الواجب فيها الخمس بعدها كالغوص و الكنز و غيرهما انما هو من باب ذكر الخاص بعد العام، فلعلها في الاخبار التي عد ما يجب فيه الخمس خمسة بمعناها العام أيضا.

علي ان وجوب الخمس في المال المختلط بالحرام ليس علي وزان وجوبه في ساير الاشياء كما سيأتي، فانه مصالحة من الشارع مع المالك للامتنان عليه و تصفية امواله من الحرام لكي يجوز له التصرف فيه بعد التخميس، و لذلك يصرف في الفقراء مطلقا سواء كانوا من بني هاشم أم لا.

و اما الارض التي اشتراها الذمي من مسلم فسيأتي ان الخمس فيها من باب الخراج و انه في الحقيقة عشران. و مع خروج هذين الموردين عما يجب فيه الخمس لا يبقي الا اربعة او خمسة باضافة الملاحة، فتدبر.

فالمسألة بحمد الله من الواضحات، انما الكلام في

شرائطها و حدودها و فروعها و ما يلحق بها و هي أمور

اشارة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 33

1- أن تكون الغنيمة مأخوذة من أهل الحرب بالمقاتلة معهم

، و هل يشمل ما اخذ منهم بغير القهر و الغلبة؟

قال في الجواهر: «منها تقييد الغنيمة الواجب فيها الخمس باذن الامام لإخراج المأخوذ بغير اذنه و بالقهر و الغلبة لإخراج المأخوذ باذنه بغيرهما كالسرقة و الغيلة و الدعوي الباطلة و الربا و نحوها، اذ الاول للإمام عليه السّلام و الثاني لأخذه». «1»

لكن حكي عن الروضة ان هذا التقييد للإخراج عن اسم الغنيمة بالمعني المشهور. نعم هو غنيمة يقول مطلق فيصح اخراجها منه.

و قال في الحدائق بان في المسألة قولين: «احدهما التقييد و الاخر الاطلاق». «2»

و استدل لعدم الوجوب في غيره مضافا الي الاصل بقوله في مرفوعة الصفار عن احمد بن محمد قال: «حدثنا بعض اصحابنا رفع الحديث قال:

الخمس في خمسه اشياء- الي ان قال- و المغنم الذي يقاتل عليه» «3». فان ظاهر القيد كونه في مقام الاحتراز و لكن سند الرواية ضعيفة بالارسال و القطع.

و كذا قوله في رواية ابي بصير عن ابي جعفر عليه السّلام: «كل شي ء قوتل عليه علي شهادة ان لا إله الا اللّه و انّ محمّد رسول اللّه فان لنا خمسه». «4»

اللهم الا ان يقال: هذه الرواية في مقام اثبات الغنيمة في هذا المورد

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 11. و لا يخفي ان السرقة من الكفار الحربي و ان كانت جائزة بالحكم الاولي لكنها لا يجوز بالحكم الثانوي في زماننا هذا الذهاب ماء وجه المسلمين و اشاعة دعايات باطلة من قبل الكفار عليهم.

(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 323.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 2 من

ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 11.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، باب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 34

و اثبات الشي ء لا ينفي ما عداه و لا مفهوم، فالعمدة هي الاول التي قد عرفت ضعف سندها.

ان قلت: هذه الاشياء مما يتعلق به الخمس سواء كانت داخلة تحت عنوان الغنيمة بالمعني الاخص، او مطلق الفائدة المكتسبة و هي الغنيمة بالمعني الاعم، فاي فائدة في هذا النزاع؟

قلنا: الفرق بينهما ظاهر، فان الاول لا يعتبر فيها الزيادة عن مؤنة السنة حينما يعتبر ذلك في الثاني فهذا فارق لهم، مضافا الي ما قد يقال من اعتبار النصاب في الغنيمة بالمعني الخاص كما سنشير اليه ان شاء اللّه عن قريب (و ان كان ضعيفا).

و الانصاف ان دخول ما يؤخذ منهم بالسرقة و الغيلة و الدعوي الباطلة و شبهها في عنوان الغنيمة بالمعني الخاص بعيد جدا، سنته، و سيأتي لذلك زيادة توضيح عند بيان حكم اخذ مال الناصب.

نعم اذا لم يتحقق الحرب و كان الاستعداد له موجودا و قد حضر المقاتلون في الميدان قد يقال بكفايته في صدق الغنيمة بالمعني الخاص المستفاد حكمه من الروايات الخاصة و بعض الروايات السابقة و ان كان ظاهرا في فعلية المقاتلة و لكن قد عرفت انها ضعيف السند، و الحق انه تصدق عنوان الغنيمة بالمعني الخاص عليه.

نعم في رواية معاوية بن وهب ما ينافيه، «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام السرية يبعثها الامام فيصيبون الغنائم كيف تقسم؟ قال عليه السّلام: ان قاتلوا عليها مع امير امرة الامام اخرج منها الخمس للّه تعالي و للرسول و قسم بينهم ثلاثة اخماس و ان لم يكونوا

قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 35

حيث احب». «1»

و هو كالصريح في انه اذا لم يكن هناك قتال كان جميع الغنيمة للإمام عليه السّلام و لعله لذلك اورده في الوسائل في ابواب الانفال، و لازمه عدم كفاية مجرد التهيؤ للقتال بل تعتبر فعلية القتال.

و سند الرواية صحيحة لان ابن محبوب و هو الحسن بن محبوب من اجلاء اصحاب الكاظم و الرضا- عليهما السلام- و هو من اصحاب الاجماع و كان يعد من الاركان.

و روي عن ستين رجل من اصحاب ابي عبد الله عليه السّلام.

و معاوية بن وهب ثقة صحيح حسن الطريقة كما ذكره النجاشي و العلامة، و كان من اصحاب الصادق و ابي الحسن الكاظم- عليهما السلام- و ليس في سندها من يمكن الايراد فيه، و جلالة ابراهيم بن هاشم أيضا معلومة، و مع ذلك لا ادري لم عبر عنها في المستمسك بالمصححة التي يدل علي نوع ترديد منه في ذلك، فتحصل ان التهيؤ للمقاتلة غير كاف و نرجع به عما ذكرناه في التعليقة علي العروة الوثقي. و لكن قد جعل فيها للمقاتلين ثلاثة اخماس و هو مما لم يقل به احد، فان لهم اربعة اخماس الغنائم كما يدل عليه قوله تعالي: فانّ للّه خمسه و للرّسول و لذي القربي الآية فجعل خمس الغنائم للّه و الرسول الخ و الباقي للمقاتلين.

و لا يخفي انه يشكل الاخذ ببعض الرواية و ترك بعضها الاخر لجريان سيرة العقلاء علي التشكيك في تمام السند الذي وجد ضعف في بعضه فتأمل، فانه قال معلق الوسائل عند ذكر الحديث: «و الصحيح كما في المصدر و كما يأتي هناك اربعة اخماس»

و لكن مع ذلك كله لا يمكن الركون

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 36

عنده كما سيأتي تفصيله إن شاء اللّه فانتظر.

*** 2- أن يكون القتال بإذن الإمام
اشارة

، فلو لم يكن باذنه كان كله للإمام عليه السّلام. قال الشيخ في الخلاف: «اذا دخل قوم دار الحرب و قاتلوا بغير اذن الامام فغنموا كان ذلك للإمام عليه السّلام خاصة و خالف جميع الفقهاء ذلك، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم». «1»

و قال العلامة في المنتهي: «اذا قاتل قوم من غير اذن الامام ففتحوا كانت الغنيمة للإمام، ذهب اليه الشيخان و السيد المرتضي و اتباعهم و قال الشافعي حكمها، حكم الغنيمة مع اذن الامام لكنه مكروه، و قال ابو حنيفة هي لهم و لا خمس و لا حمد ثلاثة اقوال: كقول الشافعي و ابي حنفيه و ثالثها لا شي ء لهم فيه». «2»

و ادعي في المستند: «الشهرة العظيمة المحققة و المحكية في كتب الجماعة و عن الخلاف و السرائر دعوي الاجماع عليه و في الروضة لا قائل بخلافهما». «3»

و لكن مع ذلك حكي عن المدارك كونها كالغنيمة المأخوذة باذن الامام و قواه في المنتهي و تردد في النافع.

و استدل لهذا القول بامور:

1- و اطلاق الآية الكريمة و ساير اطلاقات ادلة الخمس في الغنيمة الواردة في روايات الباب، فانها دالة علي عموم الحكم فيشمل صورة عدم الاذن

______________________________

(1)- كتاب الفي ء و الغنائم، المسألة 16.

(2)- المنتهي، مبحث الانفال، الصفحة 553.

(3)- المستند، المجلد 2، مبحث الانفال، الصفحة 195.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 37

أيضا و هو جيد لو لا الدليل علي التقييد كما سيأتي إن شاء اللّه.

2- و استدل له أيضا بصحيحة الحلبي او حسنته عن ابي عبد الله عليه السّلام في الرجل من اصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة قال:

«يؤدي خمسا و يطيب له». «1»

و كونه مصداقا لعدم اذنهم واضح، ما ذكره في الجواهر من المحامل:

من

احتمال التقيه او تحليل الامام عليه السّلام له خاصة او كون الحرب باذنهم لان اصحابه عليه السّلام لم يصدروا غالبا الا باذن منهم، كلها مخالف لظاهر الحديث او اطلاقه.

نعم يمكن ان يقال بان معاملة الاراضي الخراجية مع الاراضي التي اخذت في الفتوحات الاسلامية مع انه لو لا الاذن كانت كلها للإمام، و كذا التصريح بتحليل خمسهم من السبايا حتي تطيب ولادتهم، كلها دليل علي امضائهم لهذه الفتوحات كلها لكونها في طريق اعلاء كلمة الحق و ان كانت علي ايدي الغاصبين من الامويين و غيرهم و لا يزال اللّه يؤيد هذا الدين برجال الاخلاق لهم.

ففي التفسير المنسوب الي مولانا العسكري عليه السّلام: «عن آبائه عن امير المؤمنين عليه السّلام انه قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: قد علمت يا رسول اللّه انه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر فيستولي علي خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه فلا يحل لمشتريه لان نصيبي فيه فقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحل لهم منافعهم من مأكل و مشرب و لتطيب مواليدهم و لا يولدون اولادهم اولاد حرام الحديث». «2» و هو كالصريح في انه ليس لهم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 20.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 38

من هذه الا الخمس و لا يصح الا علي ما ذكرنا اي اذنهم للمقاتلين و الا كانت جميعها لهم.

3- و استدل له أيضا بصحيحة علي بن مهزيار الطويلة و فيها في عداد ما يجب فيه الخمس «و مثل عدو

يصطلم فيؤخذ ماله». «1»

و لكنها اجنبية عما نحن بصدده لان الكلام في ما يؤخذ بالقهر و الغلبة لا باذنهم- عليهم السلام- اللهم الا ان يقال بانها تدل علي المقصود بطريق اولي فتأمل.

و لكن في مقابل هذا كله مرسلة العباس الوراق عن رجل سماه عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «اذ غزي قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام و اذا غزوا بامر الامام فغنموا كان للإمام الخمس». «2»

و دلالتها صريحة علي مذهب المشهور و هو كون الخمس مشروطا باذن الامام في الحرب و الا كانت الجميع من الانفال و له عليه السّلام.

اما سندها ضعيفة بالارسال و لكن العباس ثقة و هو عباس بن موسي وثّقه النجاشي و العلامة، و الرواية مجبورة بعمل الاصحاب كما لا يخفي و قد قال الشهيد في المسالك: «و ضعفها منجبر بالشهرة» و من هنا يظهر ان الانجبار بالشهرة كان قبل زمان الشيخ الانصاري- رحمه اللّه- خلافا لما قد يتوهم من كون اكثر الانجبارات بعد زمان الشيخ.

هذا مضافا الي ما افاده صاحب الحدائق- قدس سره- حيث ذكر في ابواب الانفال (لا في باب خمس الغنيمه) ما نصه: «و الظاهر ان منشأ هذا الخلاف انما هو من حيث انهم لم يقفوا علي دليل لهذا الحكم الا مرسلة العباس

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 16.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 39

الوراق المتقدمة و هي ضعيفة باصطلاحهم سيما مع معارضتها بظاهر حسنة الحلبي المذكورة و انت خبير بانه قد تقدم في صحيحة معاوية بن وهب او حسنته بابراهيم بن

هاشم (3/ 5 من الانفال) ما يدل علي ما دلت عليه رواية الوراق و حينئذ فلا يتم لهم الطعن في دليل القول المشهور بضعف السند بناء علي انه لا دليل عليه الا الرواية التي ذكروها انتهي». «1»

و كأنه- قدس سره- استدل بصدرها الدال علي اعتبار قيدين المقاتلة و اذن الامام، حيث قال: «ان قاتلوا عليها مع امير امره الامام عليهم اخرج منها الخمس للّه و للرّسول».

نعم المذكور في ذيلها خصوص مفهوم القيد الاول و هو عدم المقاتلة و انه حينئذ كان الجميع للإمام، و لكن ظهور الصدر في المفهوم مما لا ينكر و عدم ذكره في ذيل الرواية غير مانع.

و لكن الذي يوهن الرواية ان ظاهر قوله: «اخرج منها الخمس للّه و للرّسول و قسم بينهم ثلاثة اخماس» كون خمس لله و خمس للرسول و ثلاثة اخماس للمقاتلين، هذا شي ء لم يعرف قائل به مطلقا بل هذا مخالف صريح لآية الخمس، فانها تدل علي وجوب خمس واحد للّه و لرسوله الخ لا خمسان كما في هذه الرواية، فلا محيص الا من طرح الرواية و طردها لمخالفتها لكتاب الله و للإجماع.

و القول بان عدم العمل ببعضها لا ينافي العمل بالباقي مدفوع بما عرفت سابقا من ان عمدة دليل حجية خبر الواحد هو بناء العقلاء و ليس بنائهم علي تقطيع امثال هذه الروايات و العمل ببعضها و ترك بعضها الاخر، بل انهم اذا وجدوا في رواية او سند وقف او وصية مما هو باطل قطعا، سري الشك لهم

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 478.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 40

في باقيها و توقفوا عن العمل بها.

ان قلت: الموجود في نسخة الكافي الذي هو المصدر

للحديث هو اربعة اخماس، فالخطأ انما هو في نسخة الوسائل و لعله وقع من الناسخ.

قلت: كلا، اكثر نسخ الكافي (علي ما حكاه محققه في بعض حواشيه) هو ثلاثة اخماس و كذا النسخة الموجودة عند المجلسي- قدس سره- الذي بني عليها شرحه المعروف بمرآة العقول، و كذا النسخة الموجودة عند الفيض الكاشاني التي بني عليها كتاب الوافي، و كذا النسخة الموجودة عند صاحب الجواهر كما يظهر من كلامه في ج 16، صفحه 127، و هكذا النسخة الموجودة عند صاحب المستند كما يظهر من قوله فيه المجلد 2 الصفحة 195، نعم في الوسائل في ابواب الجهاد «1»، هو اربعة اخماس و لكنه حكاه في ابواب الخمس ثلاثة اخماس، و صاحب الحدائق حكاه اربعة. «2»

و كذا سيدنا الحكيم في محل الكلام من المستمسك.

و الحاصل: ان اكثر النسخ القديمة كانت بعنوان ثلاثة اخماس كما يظهر من مجموع كلماتهم، و يؤيده عدم استدلال المشهور بها في المقام مع ظهورها في المطلوب.

سلمنا ان النسخ مختلفة لا يفضل احداها علي الاخري، و لكن هذا كاف في اسقاطها عن جواز الاستدلال بها.

ان قلت: قوله «اخرج منها الخمس للّه و للرّسول» في صدر الرواية دليل علي اخراج خمس واحد منها فيبقي اربعة اخماس فهذا قرينة علي نسخة الاربعة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 14، كتاب الجهاد، الباب 41، الحديث 1.

(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 471.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 41

قلت: يمكن ان يكون المراد من هذه العبارة اخراج خمس للّه و اخراج خمس للرّسول بقرينة الذيل، و لو سلم ظهور هذه العبارة في صدرها في الجملة لكن يمنعه صراحة نسخ الثلاثة في ذيلها.

ان قلت: ان قوله عليه السّلام «ان قاتلوا عليها

مع امير امره الامام» في صدر الرواية ليس في مقام الاحتراز عن صورة عدم اذن الامام، بل هذه العبارة بملاحظة كون القيد مأخوذا في كلام الراوي حيث قال: «السرية يبعثها الامام».

قلت: هذا علي عكس المطلوب ادل، لان اذن الامام لو لم يكن شرطا في الحكم لم يحتج الي تكراره في قوله «مع امير امره الامام» بل كان عليه تركه، و هذا مثل ان يسأل الراوي عن دخوله في البلد عن السفر قبل الظهر في شهر رمضان، فقال عليه السّلام في الجواب «ان كنت دخلت البلد قبل الظهر فصم»، كان هذا القيد ظاهرا في الاحتراز.

و لذا قال المحقق الهمداني في بعض كلماته في المقام: «لكن ذكر هذا القيد في الجواب مع كونه مفروضا في السؤال مشعر بان له دخلا في الاستحقاق لو لم نقل بكونه ظاهرا في ذلك». «1»

ان قلت: فلما ذا لم يذكر مفهوم هذا القيد في ذيل الرواية و اكتفي بذكر مفهوم القيد الثاني و هو المقاتلة فقط؟

قلت: كأنه او كله الي وضوحه، فانه لا يحتاج الي ذكر مفهوم كل قيد قيد، و يكفي ذكر بعضها مما هو محل الحاجة كما في المقام.

فتحصل من جميع ذلك: ان الاقوي ما هو المشهور من ان الغنيمة لو لم تكن باذن الامام كان جميعا له و تدل عليه مرسلة العباس الوراق المنجبرة

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، كتاب الخمس و الزكاة، الصفحة 153.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 42

بعمل الاصحاب و لعل السرّ فيه انه مجازاة لهم حتي لا يقاتلوا بغير اذنه حتي لا يكون الطمع في الغنائم سببا لإثارة الحروب بغير اذن ولي امر المسلمين، و لو لا ذلك قام بعض الناس علي حرب الكفار طمعا

في غنائمهم، لا اقول هذا دليل الحكم بل اقول لعل الحكمة كانت كذلك.

هذا مضافا الي ما في دعوي الخصم من الضعف و الفشل.

اما العمومات فقد عرفت امكان تقييدها بما عرفت من دليل المشهور، و اما رواية الحلبي فقد عرفت ضعف دلالتها علي المطلوب، بل سندها أيضا ضعيفة فان السعد و هو سعد بن عبد اللّه و ان كان ثقة من المشايخ الا ان المروي عنه و هو علي بن اسماعيل المعروف بعلي بن السندي محل اشكال، لانا لم نر له توثيقا في الرجال ما عدا توثيق نصر بن الصباح عنه، و لكن النصر، أيضا مجهول الحال بل ورد في ذمه بعض كلمات اهل الرجال انه كان غاليا. نعم كون علي بن اسماعيل من اصحاب الرضا عليه السّلام و كثير الرواية مع نقل المشايخ عنه لعله يجعله من الممدوحين، و لكن هذا المقدار غير كاف في صحة سند الروايه كما هو ظاهر.

*** 3- هل الخمس يختص بالمنقول و ما حواه العسكر أو يشمل غير المنقول
اشارة

و ما لم يحوه، من الاراضي و الدور و غيرهما؟ صرح في العروة بعدم الفرق و لكن اشكل عليه كثر من المحشين بعدم ثبوت الخمس في الاراضي او الترديد فيه.

و المشهور عدم الفرق بينهما، قال الشيخ قدس سره في الخلاف: «ما لا ينقل و لا يحول من الدور و العقارات و الارضين عندنا ان فيه الخمس فيكون لأهله و الباقي لجميع المسلمين من حضر القتال و من لم يحضر فيصرف

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 43

ارتفاعه في مصالحهم و عند الشافعي ان حكمه حكم ما ينقل و يحول، خمسه لأهل الخمس و الباقي للمقاتلة الغانمين … و ذهب قوم الي ان الامام مخير بين شيئين ان يقسمه علي الغانمين و بين

ان يقفه علي المسلمين … و ذهب ابو حنيفة و اصحابه الي ان الامام مخير بين ثلاثة اشياء بين ان يقسمه علي الغانمين و بين ان يقفه علي المسلمين و بين ان يقر اهلها عليها و يضرب عليهم الجزية باسم الخراج … و ذهب مالك الي ان ذلك يصير وقفا علي المسلمين بنفس الاستغنام و الاخذ … دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم». «1»

و ظاهر هذا الكلام اجماع الشيعة علي تعلق الخمس بالارضين أيضا، كإجماعهم علي كون الباقي ملكا لجميع المسلمين (ملكا شبه الوقف) و لكن اختلف المخالفون فهم بين قائل بمذهب الشيعة و بين قائل بالتخيير بين اثنين او ثلاثة او اختصاصها بالمسلمين من غير خمس.

و قال الشيخ- قدس سره- في النهاية: «كل ما يغنمه المسلمون في دار الحرب من جميع الاصناف … مما حواه العسكر يخرج منه الخمس و اربعة اخماس ما يبقي يقسم بين المقاتلة و ما لم يحوه العسكر من الارضين و العقارات و غيرها من انواع الغنائم يخرج منه الخمس و الباقي تكون للمسلمين قاطبة». «2»

و قال النراقي في المستند: «صريح جماعة عدم الفرق في غنائم دار الحرب بين المنقول و غيره و أظهر من بعض المتأخرين التخصيص بالاول». «3»

______________________________

(1)- الخلاف، كتاب الفي ء و قسمة الغنائم، المسألة 18.

(2)- النهاية، الصفحة 198.

(3)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 72.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 44

و ظاهر كلام الجواهر في كتاب الجهاد عدم الخمس فيها و حكي فيها عن بعض حواشي القواعد التفصيل بين حال ظهور الامام عليه السّلام فيخرج منها الخمس و حال الغيبة فلا يخرج، و لعله ناظر الي نصوص التحليل. «1»

و ممن صرح بعدم الخمس فيها أيضا صاحب

الحدائق و قال: «لم يقف علي مستند يدل علي ما هو ظاهر الاصحاب من وجوب الخمس فيها الا ظاهر الاية التي يمكن تخصيصها بالاخبار». «2»

فالمتحصل مما ذكرنا ان الاقوال في المسألة عند الاصحاب ثلاثة:

1- تعلق الخمس بها و هو المشهور لا سيما بين القدماء.

2- عدم تعلق الخمس و هو ظاهر جمع ممن تأخر كصاحب الجواهر و الحدائق، و جمع من محشي العروة.

3- التفصيل بين زمن الحضور و الغيبة، فيجب في خصوص الاول و هو المحكي عن بعض حواشي القواعد.

و الاقوي هو القول بالعدم، فان غاية ما استدل به علي مذهب المشهور امور:

1- اهمها اطلاق الآية الشريفة، فان الغنيمة مطلقة تشمل المنقول و غيره و لا وجه لتخصيصها بالمنقول.

و فيه: ان ظاهرها تعلق الخمس بما يكون اربعة اخماسه الباقية للمقاتلين، فان قوله «غنمتم» ظاهر في كون الغنيمة للمقاتلين الذين اكتسبوها، و انه يخرج منها الخمس و يبقي الباقي لهم، هذا مثل ان يقال اذا اكتسبت ربحا ادّ خمسه الي الامام يعني يكون الباقي لك، و هذا امر ظاهر، و من المعلوم ان

______________________________

(1)- الجواهر، المجلد 21، الصفحة 156.

(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 324.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 45

الاراضي لو قلنا بتعلق الخمس بها لا يكون باقيها للمقاتلين بالإجماع بل لجميع المسلمين، و هذه القرينة الخارجية سبب انصراف ظهور الآية و اختصاصها بالمنقول.

و قد ظفرت بعد ذلك بتعبير جيد في مستند العروة في المقام قال:

«الغنيمة هي الفائدة العائدة للغانم بما هو غانم فتخصص بما يقسم بين المقاتلين و هي الغنائم المنقولة». «1»

و يؤيده ان المتداول بين الناس قبل الإسلام عدم تقسيم الاراضي المفتوحة بين المقاتلين، فنزلت الآية في جو كان المسلم عندهم ذلك

و هذا يوجب انصراف الغنيمة المذكورة في الاية عن غير المنقول.

هذا و ذكر بعض الفقهاء مثل صاحب الحدائق بعد قبول ظهور الآية في العموم، انه يمكن تخصيصها بالاخبار الدالة علي انحصار الخمس فيما ينقل و يحول. «2»

و اورد عليه المحقق الخوانساري بان النسبة بينهما عموم من وجه و مورد الافتراق من ناحية الاخبار المتعرضة لأحكام الاراضي الخراجية هو الاراضي التي فتحت صلحا. «3» (و مادة الاجتماع الاراضي المفتوحة عنوة).

هذا و الظاهر ان اكثر الاراضي الخراجية كانت من المفتوحة عنوة بحيث لا يمكن اخراجها عن عموم الاخبار الدالة علي حكمها للزوم تخصيص الاكثر، فاللازم معاملة العموم و الخصوص معهما و تخصيص عموم الاية بهذه الاخبار الظاهرة في عدم الخمس و بعبارة اخري بما ان اكثر الاراضي

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 12.

(2)- نفس المصدر السابق.

(3)- جامع المدارك، المجلد 2، الصفحة 102 و ما بعدها.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 46

الخراجية كانت من المفتوحة عنوة، لو اخرجناها من تحت الاخبار و ادخلناها تحت عموم الآية ستبقي الاخبار مشتملة علي اراضي الصلح فقط، فيلزم تخصيص الاكثر القبيح و عليه فالقاعدة في امثال المقام جعل النسبة عموما مطلقا لا من وجه.

2- ما رواه ابو حمزة عن الباقر عليه السّلام قال: «ان اللّه جعل لنا اهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي ء … و اللّه يا ابا حمزة ما من ارض تفتح و لا خمس يخمس فيضرب علي شي ء منه الا كان حراما علي من يصيبه فرجا كان او مالا الحديث». «1»

3- ما رواه عمر بن يزيد عن ابي سيار مسمع بن عبد الملك (في حديث) قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: اني كنت و ليت

الغوص فاصبت أربعمائة الف درهم و قد جئت بخمسها ثمانين الف درهم و كرهت ان احسبها عنك و اعرض لها و هي حقك الذي جعل الله تعالي لك في اموالنا. فقال: و ما لنا من الارض و ما اخرج اللّه منها الا الخمس، يا ابا سيار الارض كلها لنا فما اخرج الله منها من شي ء فهو لنا الحديث». «2»

4- اطلاق رواية ابو بصير عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «كل شي ء قوتل عليه علي شهادة ان لا إله الا اللّه و انّ محمّدا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم، فان لنا خمسه و لا يحل لا حد ان يشتري من الخمس شيئا حتي يصل إلينا حقنا». «3»

5- اطلاق رواية احمد بن محمد قال: «حدثنا بعض اصحابنا رفع الحديث قال: الخمس من خمسة اشياء من الكنوز و المعادن و الغوص

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 19.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 47

و المغنم الذي يقاتل عليه و لم يحفط الخامس الحديث». «1»

استدل بهذه الروايات الاربعة المحقق اليزدي في بعض حواشيه. «2»

و العجب من مستند العروة حيث ذكر في وجه كون النسبة عموما من وجه ان نصوص الخراج تختص بغير المنقول و تعم مقدار الخمس و غيره «3» مع ان النسبة لا بد ان تلاحظ بين الموضوعين لا بين الحكمين، فلا بد ان يكون مورد الاخبار- اي الاراضي- اعم من وجه من مورد الآية و هو الغنائم و هذا لا يكون

الا باضافة اراضي الصلح اليها، و اما تعلق الخمس و عدمه فهو نفس الحكم في الدليلين فتدبر فانه دقيق.

اقول: اما الرواية الاولي فلا دلالة لها علي المقصود، لاحتمال كونها ناظرة الي خصوص المنقول من الغنائم بقرينة ذيلها و هو التصريح بالفرج (اي السبايا) و المال.

فالمراد من قوله «ما من ارض تفتح» الغنائم الحاصلة من الفتح مما ينقل و يحول.

هذا مضافا الي ان الاستدلال باية الخمس أيضا قرينة علي ما ذكر بعد ما عرفت ظهورها في ما يكون الباقي للغانمين، و يزيدك هذا وضوحا مراجعة صدر الرواية فانها بصدد بيان حكم السبايا التي تكون من الغنائم و هي مما ينقل.

هذا مضافا الي ضعف سند الحديث لجهالة حسن بن عبد الرحمن.

و اما الثانية فلضعف دلالتها أيضا لظهورها في كون جميع الاراضي لهم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 11.

(2)- حاشية المكاسب، الصفحة 52.

(3)- مستند العروة الوثقي، كتاب الخمس، الصفحة 13.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 48

و هذا لا يكون الا بمعني آخر غير ما نحن بصدده و هو ملكهم لجميع الاراضي سواء المفتوح عنوة و غيرها، هذه هي الملكية التي منحها اللّه لهم في جميع الاراضي تبعا لملكه تعالي لجميع السماوات و الارض، او ناظرة الي ان جميع الاراضي تكون ملكيتها بالاحياء بعد ما كانت في الاصل مواتا، و الموات من الانفال و هي لا تملك الا باذن ولي الامر، فهي أيضا خارجة عما نحن بصدده كما هو ظاهر.

اما بحسب السند فرجاله و ان كان غالبا من الثقات و لكن ابا جعفر الراوي عن الحسن بن محبوب كنية لجماعة كثيرة من الروات و مشتركة بين عدة كثيرة.

و

لكن الظاهر كونه احمد بن محمد بن عيسي (و هو ثقة) بقرينة رواية سعد عنه فقد قال في الوسائل عن ابي جعفر يعني احمد بن محمد بن عيسي و هذا التفسير قرينة جيدة مضافا الي قرائن اخري.

منها ما ذكره جامع الروات في الفائدة الثانية فراجع.

اما الحديث الثالث و الرابع، فلا يزيد ان عن الاطلاق و هما من قبيل قوله الخمس في خمسة اشياء من الغنائم و من الغوص و الكنوز و من المعادن و الملاحة و ما اشبهه، و من المعلوم امكان تقييدهما بالاخبار الدالة علي حكم الخراج من دون استثناء الخمس من الاراضي.

هذا مضافا الي ان الرواية الثانية ضعيفة بالارسال و الاولي بعلي بن حمزه قائد ابي بصير و هو و ان كان كثير الرواية الا انه مذموم جدا، قال علماء الرجال في حقه انه كذاب او ملعون او انه احد عمد الواقفه الذين وقفوا علي ابي الحسن الكاظم عليه السّلام و لم يعترفوا بامامة الرضا عليه السّلام و قال الحسن بن علي بن فضال: لا استحل نقل شي ء من رواياته.

هذا غاية ما يستدل به علي قول المشهور، اما دليل القول بعدم الخمس

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 49

في الاراضي و شبهها هو اصالة العدم مضافا الي الروايات الواردة في باب الاراضي المفتوحة عنوة، فان ظاهرها كون جميعها ملكا للمسلمين من دون استثناء الخمس منها و كيف يكون خمسها للإمام (و بطبيعة الحال خمس خراجها أيضا للإمام) مع عدم وجود ذكر منه في شي ء منها فلا عين و لا اثر من حكم الخمس فيها مع كثرتها و اطلاقها و ورودها في مقام البيان، و إليك بعض ما ظفرنا عليه في هذا

الباب (و قد اوردها في الوسائل في الباب 71 و 72 و 41 من ابواب جهاد العدو و الباب 21 من ابواب عقد البيع).

1- منها ما عن ابي بردة بن رجا قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السّلام كيف تري في شراء ارض الخراج؟ قال: و من يبيع ذلك هي ارض المسلمين. قال قلت: يبيعها الذي هي في يده. قال: و يضيع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثم قال:

لا بأس اشتري حقه منها و يحول حق المسلمين عليه و لعله يكون اقوي عليها و املي بخراجهم منه». «1»

2- و منها ما رواه صفوان و احمد بن محمد بن ابي نصر جميعا قالا:

«ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها اهل بيته، فقال: من اسلم طوعا تركت ارضه في يده و اخذ منه العشر مما سقي بالسماء و الانهار و نصف العشر مما كان بالرشا فيما عمروه منها و ما لم يعمروه منها اخذه الامام فقبله ممن يعمره و كان للمسلمين و علي المتقبلين في حصصهم العشر او نصف العشر و ليس في أقلّ من خمسة او سق شي ء من الزكاة و ما اخذ بالسيف فذلك الي الامام يقبله بالذي يري كما صنع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم بخيبر قبل سوادها و بياضها يعني ارضها و نخلها و الناس يقولون لا تصلح قبالة الارض و النخل و قد قبل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم خيبر قال و علي المتقبلين سوي قبالة الارض العشر

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 72 من ابواب جهاد العدو، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 50

و

نصف العشر في حصصهم ثم قال: ان اهل الطائف اسلموا و جعلوا عليهم العشر و نصف العشروان مكة دخلها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عنوة و كانوا اسراء في يده فاعتقهم و قال اذهبوا فانتم الطلقاء». «1»

3- و منها ما رواه احمد بن محمد بن ابي نصر قال: «ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام الخراج و ما سار به اهل بيته. فقال: العشر و نصف العشر علي من اسلم طوعا تركت ارضه في يده و اخذ منه العشر و نصف العشر فيما عمر منها و ما لم يعمر منها اخذه الوالي فقبله ممن يعمره و كان للمسلمين و ليس فيما كان أقلّ من خمسة اوساق شي ء … و قد قبل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم خيبر و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر». «2»

4- و منها ما رواه الحلبي و هو اصرح من الجميع قال: «سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد.

فقلت: الشراء من الدهاقين. قال: لا يصلح الا ان تشتري منهم علي ان يصيرها للمسلمين فاذا شاء ولي الامر ان يأخذها اخذها. قلت: فان اخذها منه؟ قال: يرد عليه رأس ماله و له ما اكل من غلتها بما عمل». «3»

5- ما رواه ابو الربيع الشامي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تشتر من ارض السواد (اراضي اهل السواد) شيئا الا من كانت له ذمة فانما هو في ء للمسلمين». «4»

6- منها ما رواه محمد بن شريح قال: «سألت

ابا عبد اللّه عليه السّلام عن شراء

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 72 من ابواب جهاد العدو، الحديث 2.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الباب 21 من ابواب عقد البيع، الحديث 4.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الباب 21 من ابواب عقد البيع، الحديث 2.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الباب 21 من ابواب عقد البيع، الحديث 9.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 51

الارض من ارض الخراج فكرهه و قال: انما ارض الخراج للمسلمين. فقالوا له فانه يشتريها الرجل و عليه خراجها. فقال: لا بأس الا ان يستحيي من عيب ذلك». «1»

الي غير ذلك مما قد يظفر عليه المتتبع، و تظافر هذه الأحاديث يغنينا عن ملاحظة اسنادها مع ان فيها ما يصح اسنادها.

فتلخص من جميع ما ذكرنا ان الاقوي عدم تعلق الخمس بالاراضي المفتوحة عنوة و غيرها من الاموال غير المنقولة من الاشجار و الابنية فانها لم تكن تنفك عن تلك الاراضي كما لا يخفي فما ذهبت اليه المشهور هنا ضعيف.

بقي هنا أمران

1- من العجب ما ذكره في مستند العروة من «ان المشهور انما ذهبوا الي التخميس في الاراضي الخراجية زعما منهم انها غنيمة للمقاتلين لا باعتبار كونها غنيمة لعامة المسلمين كما لا يخفي». «2»

مع انه لم يقل احد بكونها للمقاتلين بل هي للمسلمين عامة و قد حكي الاجماع عليه جماعة من اكابر الفقهاء و قال في الجواهر:

«لا اجد فيه خلافا بيننا و ان توهم من عبارة الكافي في تفسير الفي ء و الانفال لكنه في غير محله». «3»

نعم كونها للمقاتلين مذهب بعض العامة- كما مر عند نقل الاقوال- و لم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 41 من ابواب جهاد العدو، الحديث 2.

(2)- مستند العروة الوثقي، كتاب

الخمس، الصفحة 14.

(3)- جواهر الكلام، المجلد 21، كتاب الجهاد، الصفحة 157.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 52

يوافقهم احد من اصحابنا فيما نعلم فكيف بالمشهور.

و من هنا يظهر ان السر في عدم تعلق الخمس بها لعله مقاربة مصرف الخمس و الاراضي الخراجية من بعض الجهات، فان سهم الامام عليه السّلام تصرف في مصالح الحكومة التي هي مصالح المسلمين كما ان مال الخراج أيضا كذلك، و لا تؤخذ الماليات من الماليات.

2- هل هناك تفاوت بين عنوان المنقول و غير المنقول و عنوان ما حواه العسكر و ما لم يحوه، او هما عبارتان لموضوع واحد؟

ظاهر عبارة النهاية هو الثاني حيث قال:

«مما حواه العسكر … و ما لم يحوه من الارضين و العقارات و غيرها». «1»

(و العقار كل ماله اصل و قرار كالأرض و الدار). و الظاهر ان «من» بيانية لا تبعيضة.

و كذلك ظاهر كلام المحقق في الشرائع حيث قال: «الاول غنائم دار الحرب مما حواه العسكر و لم يحوه من ارض و غيرها».

و يظهر ذلك من عبارة المحقق الهمداني في مصباح الفقيه «2» و يظهر ذلك من غيرهما أيضا.

و لكن ظاهر بعض آخر هو التفاوت بينهما كالعلامة في التذكرة حيث قال: «الاول الغنائم المأخوذة من دار الحرب فما حواه العسكر و ما لم يحوه، امكن نقله كالثياب و الدواب و غيرها او لا كالأراضي و العقارات». «3»

و ظاهر العروة أيضا ذلك بل ادعي في مستند العروة انه علي الاول- اي

______________________________

(1)- النهاية، الصفحة 198.

(2)- مصباح الفقيه، كتاب الخمس و الزكاة، الصفحة 108.

(3)- تذكرة الفقهاء، المجلد 1، الصفحة 251.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 53

عدم الفرق بين ما حواه العسكر و غيره- الاجماع، و

علي الثاني- اي عدم الفرق بين المنقول و غيره- هو الشهرة و هو كالصريح في الفرق.

و الظاهر ان مراد هؤلاء مما حواه العسكر، الغنائم التي وقعت في ايديهم و ما لم يحوه ما لم يقع في ايديهم و ان كانت منقولة كالمواشي و الاغنام الموجودة في تلك الاراضي و ساير ما فيها و في دورهم من الادوات.

و لكن لو كان مرادهم ذلك امكن الاشكال فيه، لان الظاهر من عنوان «غنمتم» هو الغنائم التي وقعت بايديهم و تحت سلطتهم بحيث يصدق عليها انه مما حواه العسكر، فانه بمعني القبض و الاحراز، اما ما خرج من تحت سلطتهم فهو ما لم يحوه العسكر و يشكل صدق الغنيمة عليه بل هو باق علي ملك صاحبه لو كانت تحت يده او لا يكون ملكا لأحد لو كان اعرض عنه، و ليس هناك ما يدل علي كونها ملكا مطلقا، فدعوي الاجماع عليه بعيد جدا.

و يؤيد ما ذكرنا ما رواه جميل عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «انما تضرب (تصرف) السهام علي ما حوي العسكر» «1» فالاولي تفسيرهما بمعني واحد حتي لا يرد اشكال من هذه الناحية و عدم اجراء حكم الغنيمة علي ما ليس تحت استيلاء العسكر فتدبر.

*** 4- المعروف بين جماعة من الأصحاب، كون الخمس بعد إخراج المؤن

و اختاره في الشرائع و الجواهر و غيرهما و قال في العروة (في الخمس) بعد اخراج المؤن التي انفقت علي الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ و حمل و رعي و نحوها و لم يستشكل عليه احد من المحشين فيما رأينا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 2، الباب 41 من ابواب جهاد العدو، الحديث 7.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 54

و قال النراقي- قدس سره- في المستند: «و يشترط في وجوب الخمس

في الفوائد المكتسبة باقسامها الخمسة وضع مؤنة التحصيل التي يحتاج اليها …

من حفظ الغنيمة و نقلها». «1»

و لكن قال في الحدائق: «قد اختلفوا في تقديم الخمس علي المؤن و عدمه». «2»

و يظهر من هذا الكلام وجود الخلف في المسألة، و حكي القول بالعدم عن الخلاف و الشهيدين و غيرهم استنادا الي اطلاق الآية.

و علي كل حال يدل علي استثنائها امور:

1- عدم صدق الغنيمة بمعني الفائدة علي ما يقابلها، فلو عرض كونها بمقدار الغنيمة او اكثر منها لم يستفد فائدة.

2- قاعدة العدل و الانصاف، فانه مال مشترك بين الغانمين و ارباب الخمس فلا وجه لاختصاص المئونة بالاول فقط.

3- الروايات الدالة علي كون الخمس بعد المئونة:

1- منها صحيحة البزنطي عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «كتبت الي ابي جعفر عليه السّلام: الخمس اخرجه قبل المؤونة او بعد المئونة؟ فكتب: بعد المئونة». «3»

2- ما عن ابراهيم بن محمد الهمداني ان في توقيعات الرضا عليه السّلام اليه: «ان الخمس بعد المئونة». «4»

3- مرسلة محمد بن الحسن الاشعري قال: «كتب بعض اصحابنا الي ابي

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 79.

(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 327.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 12 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 12 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 55

جعفر الثاني عليه السّلام: اخبرني عن الخمس اعلي جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و علي الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطه:

الخمس بعد المئونة». «1»

هذا و لكن هل المراد بالمئونة في هذه الروايات هو مؤنة المعاش للإنسان او اعم منه و من مؤنة

الاعمال؟ قد يدعي اطلاقها و لا أقلّ من الاجمال و الابهام فيمنع عن الاخذ بالعموم و هل يسري هذا الاجمال الي العام اعني قوله تعالي: و اعلموا انّما غنمتم الآية؟ ذهب المحقق النراقي في المستند الي السراية، فحكم بعدم جواز التمسك بالعام لإجماله فلا يجب الخمس في مئونة التحصيل، و لكن التحقيق خلافه لان اجمال الخاص انما يسري الي العام اذا كان المخصص متصلا دون ما اذا كان منفصلا لانعقاد ظهور العام كما في المقام و عليه فلا يجوز اخراج مؤنه التحصيل بقطع النظر عن سائر الادلة. هذا و لكن الانصاف ظهورها في مؤنة المعاش بقرينة ساير ما ورد في هذا الباب، مثل قوله عليه السّلام: «بعد مؤنتة و مؤنة عياله». «2»

و قوله عليه السّلام: «بعد مؤنتهم». «3»

و قوله عليه السّلام: «من كانت ضيعته تقوم بمئونته». «4» و قوله: «الخمس مما يفضل من مؤنته» «5» الي غير ذلك.

فالعمدة في الاستدلال هي عدم شمول الغنيمة لها، و قاعدة العدل و الاحسان.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(5)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 56

ثم ان المئونة علي ثلاثة اقسام:

منها يصرف لأمور الحرب و لا شك انه ليس لتحصيل الغنيمة و لا دخل لها.

و قسم يصرف لتحصيل الغنيمة كما اذا كانت

في محل لا تصل الايدي اليها الا بصرف مؤنة. و قسم منها يصرف لحفظها و حملها الي الامام و شبه ذلك. و الاول مانع من صدق الغنيمة بمقداره، و اما الثاني فليس بمانع لأنه بعد صدق الغنيمه و القول بانه أيضا مانع، لان الانتفاع منها لا يمكن بدونه كما تري، فان الانتفاع غير معتبر في حقيقة الغنيمة و مفهومها فالاولي الاستدلال علي استثنائها بقاعدة العدل و الانصاف و مقتضي حكم الشركة بين الغانمين و ارباب الخمس.

*** 5- و استثني غير واحد منهم الجعائل

و هو ما يجعله الإمام من الغنيمة علي مصلحة من مصالح المسلمين و قد ارسله بعضهم ارسال المسلمات.

و قد اشار اليه في الجواهر من دون ذكر الدليل حيث قال: «عن اللمعة و الروضة التصريح باخراج الجعائل علي مصلحة من مصالح المسلمين و هو قوي». «1»

و قد يستدل له بمرسلة حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح في حديث قال: «و الامام صفو المال … و له ان يسد بذلك المال جميع ما ينوبه فان بقي بعد ذلك شي ء اخرج الخمس منه». «2»

و لكنه مشكل لضعفها بالارسال، و انجبارها بالشهرة غير ثابت مع انه

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، خمس الغنائم.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 4.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 57

مخالف لظاهر الاية حيث لم يجعل للإمام عليه السّلام و ارباب الخمس ما يزيد عليه، اللهم الا ان يتمسك بكون النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم اولي بالمؤمنين من انفسهم و كذا الائمة المعصومين عليهم السلام.

و هل يجوز ذلك للفقيه القائم مقامه؟ لا يبعد ذلك اذا كان مصلحة للمسلمين مصلحة اقوي و اهم من حكم الغنيمة بحيث

دخل تحث قاعدة الاهم و المهم و الا كان مشكلا (و هذا اذا لم يجد بدا منه كموارد الاضطرار).

*** 6- كذا استثنوا صفايا الملوك

، قال المحقق في المعتبر: «و من الانفال صفايا الملوك و قطائعهم و معني ذلك اذا فتحت ارض من اهل الحرب فما كان يختص به ملكهم مما ليس بغصب من مسلم يكون للإمام كما كان للنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم ثم استدل علي ذلك بسيرة النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم اولا و بغير واحد من الروايات ثانيا.

ثم حكي عن الجمهور القول ببطلانه بعد موته عليه السّلام اي لا يجوز ذلك لأحد بعده صلي اللّه عليه و آله و سلم». «1»

و عن المنتهي انه ذهب اليه علمائنا اجمع «ما لم يضر بالعسكر» و الظاهر ان الحكم متسالم بينهم كما اشار اليه في مستند العروة.

و يدل عليه غير واحد من الأحاديث.

1- منها ما رواه سماعة قال: «سألته عن الانفال، فقال: كل ارض خربة او شي ء يكون للملوك فهو خالص للإمام و ليس للناس فيه سهم». «2»

______________________________

(1)- المعتبر، المجلد 2، الصفحة 633.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 8.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 58

2- و في رواية حماد الطويلة عن العبد الصالح: «و للإمام صفو المال». «1»

3- و في رواية اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه السّلام: «و ما كان للملوك فهو للإمام». «2»

4- و في مرسلة المفيد عن الصادق عليه السّلام: « … و لنا صفو المال يعني يصفو ها ما احب للإمام من الغنائم و اصطفاه لنفسه قبل القسمة من الجارية الحسناء و الفرس الفارة و الثوب الحسن و ما اشبه ذلك

من رقيق او متاع». «3»

5- و اوضح من الكل ما رواه ابو بصير عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «سألته عن صفو المال. قال الامام: يأخذ الجارية الروقة و المركب الفارة و السيف القاطع و الروع، قيل ان تقسم الغنيمة و هذا صفو المال». «4»

و الجارية الروقة هي الجميلة جدا، و المركب الفارة هو الجميل الشاب او الماهر في العدو.

و اختلاف تعبير انها لا يضر بالمقصود، فان الظاهر ان المراد من الدرع هو الدرع النفيس الذي يعد من الصفايا، و قوله ما كان للملوك مرادف لصفو المال و كذا المصاديق المذكورة في الروايات تتحد مع هذا العنوان.

و الظاهر ان هذا الامر كان متداولا في الحروب قبل الإسلام و ان كان ذلك لطمع الملوك و تجبرهم و لكن امضاه الإسلام لحكمة اخري و هي ان كون هذه الامور بايدي الناس سببا للتشاجر و التنازع بين الناس غالبا و كل يدعي اولويته لها و يتفاخر بها علي غيره.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 4.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 20.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 21.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 15.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 59

فلم يرض الشارع المقدس بهذا الامر و جعل امرها بيد امام و جعل امرها بيد امام المسلمين، و الا لم يسمع انتفاع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم في عصره بهذه الامور شخصا و لا شك انه كان بين غنائم عصره امورا نفيسة لا سيما غنائم خيبر و امثاله، نعم تزوج صلي اللّه

عليه و آله و سلم به جلبا لحماية اليهود و دفعا لبغضاهم.

و الحاصل ان هذا حكم سياسي امضاه الشارع لدفع الخصومات لا غير.

*** 7- و مثلها قطائع الملوك

و قد ادعي عليه الاجماع، لكن الظاهر عدم ذكرها في كلمات كثير منهم و ان نطق بهذا الحكم غير واحد من روايات الباب.

1- منها ما رواه داود بن فرقد قال: «قال ابو عبد الله عليه السّلام: قطائع الملوك كلها للإمام و ليس للناس فيها شي ء» «1» و قد وصفه في مستند العروة بالصحة …

2- منها رواية اخري مرسلة عن داود بن فرقد عن ابي عبد الله عليه السّلام: «قلت له: و ما الانفال؟ قال: بطون الاودية و قطائع الملوك». «2»

3- مرسلة الثمالي عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «ما كان للملوك فهو للإمام». «3» و يدل عليه أيضا بعض ما مر آنفا في مبحث الصفايا.

انما الكلام في المراد من القطائع، و قد فسده بعضهم بخالصة الملوك، و قد يحتمل انها عبارة عما يقطعون من الغنيمة لغيرهم او لأنفسهم مما ليس بمنقول (كما في مجتمع البحرين).

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 6.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 32.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 31.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 60

و من الواضح ان الاول داخل في الصفايا و الثاني في الجعائل، فليس هناك عنوانان مختلفان و لعله لذلك يذكره غيره واحد من اساطين الفقه، و الثالث اعني كون القطائع من غير المنقول لا يوافق المختار من عدم الخمس في الاراضي و شبهها حتي يحتاج الي الاستناد.

و الظاهر ان النسبة بينهما عموم مطلق، فالصفايا عبارة عن

كلّ ما يختص بالملوك بالفعل او يليق ان يكون كذلك من نفايس الغنائم و ما يكون نفيسا في حد ذاته و ان لم يكن خاصا بالملوك و لكن القطائع تختص بالاول فقط.

هذا و لو قيل انهما بمعني واحد لم يكن بعيدا اذا اريد من الصفايا ما يليق بهم و ان لم يكن فعلا لهم، و القطائع ليس شيئا و رأي ذلك فانهم لا يقطعون كل شي ء بل الاشياء النفيسة التي تليق بهم، نعم لو أريد منها القطائع بالفعل كان اخص من الصفايا، و علي كل حال لا وجه لعطفها علي الصفايا في العروة بقوله «و كذا قطائع الملوك» فتدبر.

و علي كل حال الظاهر عدم اختصاصها بالامام المعصوم و تشمل نائب الغيبة لما مر من اطلاق ادلة النيابة الشاملة لما نحن فيه اولا و لأنه حكم امضائي سياسي ثانيا، فتأمل.

ثم انه كرر البحث في العروة الوثقي عن اشتراط كون الغزوة باذن الامام و صرح بانه: «ان كان في زمن الحضور و امكان الاستئذان منه فالغنيمة للإمام عليه السّلام و ان كان في زمن الغيبة فالاحوط اخراج خمسها من حيث الغنيمة».

اقول: اما في زمن الحضور فالامر واضح كما مر و المسألة مشهورة غاية الاشتهار و ان لم تكن اجماعية و يدل عليه ما عرفت مبسوطا في الشرط الثاني.

و اما في زمن الغيبة فان قلنا بجواز الجهاد الابتدائي باذن نائب الغيبة فالامر أيضا واضح، لان اذنه يقوم مقام اذن الامام عليه السّلام فلو قاتلوا بغير اذنه

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 61

كانت الغنيمة كلها من الانفال المعلوم مصرفها، و ان قلنا بعدم جوازه فالاقوي أيضا كونها كذلك، لان ظاهر حديث الوراق و غيره اشتراط الاذن

فاذا انعدم كانت الغنيمة كلها للإمام سواء كان لعدم وصول اليد اليه عليه السّلام او عدم اذنه مع وصولها و الانصراف الي الاول بدوي، و الحكمة المظنونة او المقطوعة لهذا الحكم- و هي عدم مبادرة الناس الي الحروب بغير الاذن طمعا في الغنائم- عامة شاملة لعصر الحضور و الغيبة.

نعم اذا كان الحرب للدفاع عن الإسلام و المسلمين كما اذا كان هناك هجوم من ناحية الكفار، كانت الغنيمة فيها للمقاتلين و لأرباب الخمس هو الخمس لا غير لإطلاق الاية و عدم اشتراط الاذن في الدفاع.

فالحروب التي تكون في اعصارنا ان كانت بهذا العنوان لم يتعلق بغنائمها غير الخمس، و ان كانت بعنوان الجهاد الابتدائي كانت كلها من الانفال اذا قلنا بعدم جوازه في هذه الاعصار او قلنا بجوازه و لم تكن باذن نائب الغيبة.

نعم كثيرا ما تحتاج الحروب الدفاعية أيضا في عصرنا الي اجازة نائب الغيبة و تجنيد الجنود و تخطيط الخطوط و تجهيز الاسباب بحيث يكون الحرب بدونها سببا للهزيمة قطعا كما في هجوم حزب بعث العراق ضد المسلمين في ايران طول ثمان سنين فالشروع في الدفاع لا يحتاج الي اذن الولي الفقيه لكن استدامته محتاجة باذنه.

و في هذا الحال اذا اقدم واحد او جماعة الي الحرب بدون اذن الولي الفقيه و من طريق الخبراء في هذا الامر، لم يبعد كون غنائمها كلها من الانفال أيضا فتأمل. و الحاصل انه لا يكون الخمس الا فيما يشرع الحرب فيه بلا حاجة الي الاذن او مع الاذن عند الحاجة اليه.

*** 8- صرح بعضهم بأن الفداء الذي يؤخذ من أهل الحرب لفكّ الأساري، [و … كلها من الغنائم]

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 62

و كذا الجزية المبذولة لتلك السرية (لا مطلق الجزية التي تؤخذ من اهل الذمة) و مثله مال المصالحة،

كلها من الغنائم اذا كان كل ذلك بعد القهر و الغلبة عليهم، و قد حكي الاول عن الدوس و المسالك و الجواهر و الروضة و كشف الغطاء و لا ينبغي الشك فيه، فان الاساري من الغنائم و فدائها مثلها بلا اشكال، و اما مال الصلح و الجزية فيمكن الاشكال فيهما لعدم ورود دليل خاص في شي ء من ذلك، و الترديد في شمول الغنيمة بالمعني الاخص لهما، لان ظاهرها هو ما يؤخذ قهرا لا ما يعطونه بانفسهم و ان كان ذلك بعد ما قهروا في الحرب و الفرق بينهما ظاهر، نعم لا يبعد دعوي الغاء الخصوصية فان لفظ الغنيمة بمعناها الخاص و ان كان لا يشملهما الا ان العرف لا يري اي فرق بينهما و بين الغنائم المأخوذة من الكفار و هذا كاف في الغاء الخصوصية، و لكن اذا اخذ منهم و الحروب قائمة لم تطفأ و الا فيشكل دخولهما فيها فتدبر.

*** 9- هل هناك فرق بين الغنائم المأخوذة في الحروب الحديثة مع ما كان في قديم الأيام

، و هل يفترق المقاتلون فيها مع المقاتلين في تلك الحروب؟

هذه مسألة مهمة لا بد من كشف النقاب عنها فانها هي المبتلي بها اليوم، و الانصاف ان المقاتلين في عصرنا علي صنوف: صنف منهم يشترك في الجهاد باختياره، و طلبا لمرضاة اللّه، و يسمي بالبسيج في عصرنا و هؤلاء داخلون في الغانمين بلا اشكال و صنف منهم ملزمون علي الشركة بحكم القوانين الجارية اليوم، و الظاهر انهم أيضا داخلون فيهم لعدم الفرق بينهم و بين المقاتلين في صدر الإسلام الذين كان النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم يفرض عليهم الجهاد.

و صنف منهم مستأجرون و موضفون للحروب يأخذون من بيت المال

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 63

اجورا مستمرة طول عمرهم

مما لم يكن منه في عصر نزول القرآن عين و لا اثر ظاهرا، و دخول هؤلاء في الغانمين لا يخلو عن اشكال، لاحتمال انصراف الادلة عنهم و كونها ناظرة الي من يبذل نفسه و امواله في سبيل اللّه بلا عوض و هؤلاء يأخذون اجرهم في مقابل جهودهم نعم للإمام ان يجعل لهم الجعائل. «1»

ان قلت: كانت مصارف الحروب في تلك الايام علي عهدة المقاتلين (مصارف السلاح و الغذاء و المراكب) و لكنها في عصرنا يكون كل ذلك علي الحكومات، فلا سهم من الغنيمة لواحد من هذه الاصناف بعد وجود هذا الفرق الواضح لانصراف الاطلاقات عنهم.

قلنا: كلا لم تكن المصارف دائما علي المقاتلين بل كانت الاغنياء يبذلون الاموال و الانفس و لكن الفقراء منهم لا يبذلون الا انفسهم و كانت نفقتهم عليه صلي اللّه عليه و آله و سلم من الزكاة و الاعانات بل كان صلي اللّه عليه و آله و سلم يعطيهم السلاح و المركب احيانا كما يظهر من قوله تعالي:

«وَ لٰا عَلَي الَّذِينَ إِذٰا مٰا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لٰا أَجِدُ مٰا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّٰا يَجِدُوا مٰا يُنْفِقُونَ». (التوبه- 90)

هذا بالنسبة الي المقاتلين، و اما الغنائم فهي أيضا علي ضروب:

قسم منها تنحصر فائدته في الحروب و لا يمكن حيازته الا للحكومة- كالطائرات و الدبابات و السفن الحربية و المدفعية و اشباهها- و انصراف ادلة الغنائم من مثلها قوي جدا، لا لعدم امكان تقسيمها بين الغانمين، لأنه يمكن

______________________________

(1)- قال في الجواهر: «لا خلاف كما اعترف به الفاضل بل و لا اشكال في انه يجوز لوالي الجيش اماما او غيره جعل الجعائل لمن يدله علي مصلحة من مصالح المسلمين كالتنبيه

علي عورة القلعة و طريق البلد الخفي او نحو ذلك … سواء كان مسلما او كافرا لعموم الادلة» (جواهر الكلام، المجلد 21، الصفحة 117).

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 64

تقسيم قيمتها بينهم، بل لان شمول ادلة الغنيمة لمثلها مشكل جدا.

و قسم آخر و ان كان يمكن تقسيمها بعينها بينهم فضلا عن قيمتها، و لكنها اشياء ممنوعة بحسب القوانين الخاصة بالحكومة الاسلامية الموضوعة لحفظ النظام و حفظ النفوس و الدماء كالمسدس (تفنك و … ) و شبههما، و حيث يحرم حفظها و الانتفاع بها بغير اذن الحكومة وفق القانون، لا تشملها عمومات الغنائم أيضا، كما لا تشمل سار المحرمات- سواء كانت بالذات او بالعرض- و ذلك لان المتفاهم العرفي من الآية هو انه: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ» من الحلال الذي يجوز الاستفادة منه و تقسيمه بين المقاتلين شرعا فان للّه خمسه الآية.

و قسم ثالث منها لا يدخل في هذا و لا ذاك كالألبسة و الأطعمة و السيارات غير الحربية و الفلوس و المجوهرات و متاع البيوت و شبهها، و هذه كلها داخلة في الغنائم يجب تقسيمها بين الغانمين بعد اخراج خمسها (مع الشرائط السابقة) و لا مانع منه كما هو ظاهر.

ثم ان الحروب في ايامنا قد اتسع نطاقها و تأخذ منطقة وسيعة جدا، ففي مثلها الغنائم تختص بالمجاهدين في كل هجمة من الهجمات في هذه الجبهات و لا يعد الجميع عسكرا واحدا و حربا واحدا فالمشتبكون في كل هجوم يشتركون في غنائمه، و لذا قد يكون يشب نيران الحرب في بعض نواحيها حينما يكون الهدوء حاكما علي ساير النواحي. «1»

هذا كله بالنسبة الي الكفار المحاربين واضح، اما المسلمون البغاة

______________________________

(1)- قال في الجواهر: «اما

لو خرج جيشان من البلد الي جهتين، لم يشرك احدهما الآخر في غنيمة بلا خلاف اجده فيه و لا اشكال. نعم لو اجتماعا كانا جيشا واحدا». (جواهر الكلام، المجلد 21، الصفحة 210)

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 65

فسيأتي الكلام فيهم.

10- من المستثنيات عن الغنيمة هو الرضخ الذي يكون للنساء و العبيد و الكفار

الذين قاتلوا باذن الامام في صفوف المسلمين، فانه لا سهم لهم من الغنيمة كما ادعي الاجماع عليه فيبذل لهم الامام شيئا يسيرا قبل تقسيم الغنائم، فان الرضخ في اللغة «هو اعطاء القليل من مال كثير» و كان ينبغي للمصنف استثنائه و لكن لا نعلم لما ذا لم يشر اليه.

و كيف كان قال في الجواهر في كتاب الجهاد عند قول المحقق: «ثم (يبدأ الامام ب ما تحتاج (الغنيمة) اليه من النفقة … و بما يرضخه للنساء و العبيد و الكفار ان قاتلوا باذن الامام» بلا خلاف اجده.

ثم حكي عن العلامة في المنتهي و التذكرة دعوي الاجماع علي حكم النساء و الكفار.

و استدل عليه بما رواه عثمان بن عيسي عن سماعة عن احدهما- عليهما السلام- قال: «ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم خرج بالنساء في الحرب يداون الجرحي و لم يقسم لهن من الفي ء شيئا و لكنه نفلهن». «1»

هذا و لم ينقل دليل علي حكم الكافر ما عدا الاجماع و لعله كذلك بعد كونهم محرومين عن القسمة ظاهرا …

*** بقي هنا مسائل (مما يلحق بالغنائم)

المسألة الأولي: في حكم الإغارة علي الكفار و أخذ أموالهم

، و حكم ما يؤخذ منهم بالسرقة و الغيلة، و ما يؤخذ منهم بالربا و الدعوي الباطلة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 41 من ابواب جهاد العدو، الحديث 6، الصفحة 86.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 66

اما الاول اعني الاغارة فقد صرح في العروة بدخولها في الغنيمة بالمعني الخاص و لكن خالفه جماعة من المحشين.

و لكن الانصاف ان ظاهر ادلة الغنيمة بمعناها الخاص هو ما يؤخذ في الحروب لا الغارات التي لا يصدق عليها عنوان القتال، اللهم الا ان يقال بالغاء الخصوصية من هذه الجهة و هو لا يخلو عن تأمل،

او يقال بالغاء الخصوصية عن ادلة جواز اخذ مال الناصب و ان فيه الخمس ان قلنا بانه ليس من خمس الارباح فتشمل الكفار الحربي أيضا فان كلبهما غير محترمي المال، و اما السرقة و الغيلة فهما اوضح حالا من الغارات لعدم وجود القتال فيهما ابدا مع اخذه في عنوان الغنيمة بالمعني الخاص.

نعم الغاء الخصوصية عما يؤخذ من مال الناصب هنا أيضا غير بعيد بناء علي القول به هناك كما سيأتي الكلام فيه.

و اوضح حالا من الجميع ما يؤخذ بالدعوي الباطلة و الربا، فانه ليس غنيمة بالمعني الخاص كما هو واضح، نعم هو داخل في الغنيمة بالمعني الاعم و لكنه يشابه المأخوذ من الناصب، فلو قلنا فيه بوجوب الخمس من دون ملاحظة مؤنة السنة فكذلك هنا.

و ليعلم ان اقامة الدعوي الباطلة عليهم حرام من ناحية الكذب و قول الزور، و لكنه حرام تكليفي و لا اثر له فيما يقع في يده من الاموال، فلا ينافي حليتها.

و اما الربا فهو جائز كما ذكر في محله بل يمكن ان يقال لا يكون مشابها لأخذ مال الناصب، فالاقوي انه من ارباح المكاسب فتأمل.

*** المسألة الثانية (في حكم أخذ مال الناصب)
اشارة

: و قد صرح في الحدائق فيما

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 67

حكي عنه بان فيه الخمس بل يظهر منه كونه اجماعيا بين الاصحاب فيما حكي عنه في الجواهر بان الاصحاب خلفا و سلفا حكموا بكفر الناصب و جواز اخذ ماله و قتله. «1»

و لكن مع ذلك يظهر من المحقق البروجردي (استاذنا الاعظم قدس سره) اعراض الاصحاب عن الروايتين الآتيتين في حكم جواز اخذ مال الناصب مع اداء الخمس و ظاهره عدم فتوي الاصحاب بذلك، و هو مع ما ذكره في الحدائق علي

طرفي النقيض و سيأتي إن شاء اللّه ما يمكن معه حل هذه العويصة.

و كيف كان لا اشكال في عدم شمول ادلة الغنيمة بمعناها الخاص لمال الناصب و شبهه لأخذ عنوان القتال فيها كما عرفت.

و لكن هناك روايات خاصة تدل علي الحكم فيه:

1- منها صحيحة الحفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس». «2»

2- ما رواه معلي بن خنيس عن الصادق عليه السّلام هذا المضمون مع تفاوت يسير جدا: «قال عليه السّلام: خذ مال الناصب حيثما وجدت و ادفع إلينا خمسه». «3»

و قد ايدهما بعضهم بمرسلة اسحاق بن عمار قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:

مال الناصب و كل شي ء يملكه حلال الا امرأته. قال: نكاح اهل الشرك جائز … ». «4»

و المراد انه جائز لأهل الشرك، فلا يجوز اخذ نسائهم الا ان يكون ذلك

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 12.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الصفحة 222، الحديث 1.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 26 من ابواب جهاد العدو، الحديث 2، الصفحة 60.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 68

تحت شرائط السبي.

هذا و لكن لا دلالة للأخير علي مسألة الخمس الذي هو محل الكلام، غاية ما يستفاد منه هو جواز اخذ مال الناصب فقط.

و علي كل حال لا غبار في دلالة الحديثين و لا في سند احدهما فلذا يجب العمل بهما و اخراج الخمس منه كما يظهر من الحدائق و بعض كلمات الجواهر و صريح بعض محشي العروة، و يبقي الكلام في الاعراض المدعي في كلمات سيدنا الاستاذ البروجردي

حيث قال:

«ان الناصب منتحل بالاسلام و ان كان قد انكر ضروريا من ضرورياته و هو حب اهل البيت- عليهم السلام- الثابت بقوله تعالي: «قل لا اسئلكم عليه اجرا الّا المودّة في القربي» لكنه لم يعمل الاصحاب بظاهر الروايتين و لم يقولوا بحلية مال كل ناصبي لكل شيعي اينما وجده و كيفما وجده، كمال الكافر الحربي». «1»

و هذه الدعوي كأنها نشأت عن عدم التصريح بالمسألة في كلمات الاصحاب، و يمكن ان يكون الوجه فيه اكتفاهم بعد الناصب في زمرة الكفار في ابواب النجاسات و غيرها فلم يحتج الي التصريح به هنا فقد ادعي الاجماع علي نجاسة الناصب كما عن الحدائق، و عن جامع المقاصد انه مما لا خلاف فيه، و قد ورد في حكم عدم جواز نكاح المرأة العارفة بالناصب او نجاسة غسالته غير واحد من الروايات، فكفره كان مفروغا عنه عندهم بحيث لم يحتاجوا الي التصريح به هنا.

و مجرد انتحال الإسلام غير كاف كما في الغلاة و شبههم و كذا منكر الضروري، و كيف كان لا نري وجها في العدول عن العمل بالروايتين.

______________________________

(1)- زبدة المقال في خمس الرسول و الآل، الصفحة 13.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 69

نعم كثيرا ما تترتب علي اخذ اموالهم مع كونهم مدعين للإسلام مفاسد عظيمة كثيرة، فيكون المنع حينئذ للعناوين الثانوية و لا بد للفقيه و الحاكم الشرعي ان يكون علي بصيرة من هذه الامور.

و المراد بالناصب و القدر المتيقن منه من نصب العداوة للأئمة- عليهم السلام- او سبهم (العياذ باللّه) و ان لم ينصب الحرب لهم، و كذا اذا نصب العداوة للشيعة و ابغضهم لكونهم شيعة اهل البيت- عليهم السلام- الذي يعود الي نصبه للعداوة معهم.

و

الحاصل ان الناصب علي اقسام:

1- من يقدح في علي عليه السّلام و ينصب العداوة له.

2- من يقدح في الائمة- عليهم السلام- و ينصب العداوة لهم.

3- من ينصب الحرب لهم عليهم السلام.

________________________________________

شيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، در يك جلد، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)؛ ص: 69

4- من يسبهم (العياذ باللّه).

5- من يعادي شيعتهم بما هم شيعتهم و هذا يرجع مآلا الي الثاني.

6- من يعاديهم زعما منه انه ليس علي طريقتهم عليهم السلام.

7- من ينكر فضلهم- عليهم السلام- علي غيرهم او يرجح غيرهم عليهم.

هذا و المنسوب الي اكثر الاصحاب انه من نصب العداوة لأهل البيت- عليهم السلام- و حكي عن ظاهر الحدائق انه لا خلاف فيه، و عن العلامة في المنتهي انه الذي يقدح في علي عليه السّلام، و عن القاموس انه المتدين ببغض علي عليه السّلام، و لا يخفي ان الائمة- عليهم السلام- كلهم من نور واحد فلا فرق بين علي عليه السّلام و اولاده الائمة المعصومين- عليهم السلام- فما عن القاموس لعله من باب المثال. ثم لا شك في صحة المعني الاول و الثاني، و اما الثالث فيشترط فيه كونه الحرب ناشيا عن عداوتهم- عليهم السّلام- لا عدم المعرفة بحقهم- عليهم السلام- اما الرابع فلا شك في ان السب علامة العداوة فيدخل في

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 70

الثاني. و اما الخامس فيرجع الي الثاني أيضا لان العداوة شيعتهم ليس الا من جهة انتسابهم بالأئمة- عليهم السلام- فهو في الحقيقة يعادي الائمة عليهم السلام.

و اما السادس و

السابع فيشكل عدهما من النواصب جدا علي انه لو قلنا بالسابع ليشمل كل مخالف و هو واضح البطلان للدليل علي طهارتهم و السيرة المستمرة علي ذلك خلافا لشاذ نادر.

و يظهر من ذلك كله ان الثابت كون الطوائف الاربع الاولي منهم و اما غيرهم فهو غير ثابت فلا يمكن الحاقهم بهم.

ثم انه هل يكون الواجب فيهم من باب خمس الارباح حتي يكون بعد المئونة او لا يتقيد بذلك؟ ظاهر اطلاق الروايتين هو الاخير و لكن حيث انه يكون من سنخ مطلق الفائدة لا من سنخ الغنائم فيمكن الحاقه بارباح المكاسب و لكن الاحوط اخراج خمسه مطلقا عملا بظاهر المطلقات و لعل احتياط المحقق اليزدي أيضا ناظر الي ذلك.

*** حكم غنائم البغاة

اما البغاة- و هم الخارجون علي الامام عليه السّلام او الحكومة الاسلامية بالحرب معه كأصحاب الجمل و اشباههم و هذا غير الباغي بتعبير القرآن حيث اطلقه علي طائفة من المؤمنين في قوله تعالي: و ان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما علي الاخري فقاتلوا الّتي تبغي حتّي تفي ء الي امر اللّه.

فهم علي قسمين: قسم منهم داخلون في عنوان الناصب كمن خرج بالسيف في مقابل الامام المعصوم عليه السّلام بغضا له، فهؤلاء لا اشكال في حلية اموالهم قبل الحرب و بعده و في الاحوال العادية لما عرفت من الدليل هناك.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 71

و قسم آخر غير داخلين تحت هذا العنوان كمن تمرد عن قول المعصوم عليه السّلام طلبا للرئاسة و حرصا علي حطام الدنيا، او من خرج عليه شبهة و لعل كثيرا من اصحاب الجمل كانوا كذلك و قد حسبوا ان الدفاع عن أمّ المؤمنين يكون فريضة عليهم فسلوا سيف

البغي علي امامهم المعصوم عليه السّلام و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا، او من خرج علي الفقيه العادل المتصدي للحكومة الاسلامية فهؤلاء ليسوا داخلين تحت عنوان الناصب، فحينئذ يقع الكلام في جواز اخذ مالهم و في حكم خمسه، و قد وقع الخلاف هنا فذهب الشيخ في الخلاف الي انه كالكافر الحربي و ادعي اجماع الفرقة عليه و اخبارهم و تبعه في ذلك جماعة و نسبه في محكي الروضة الي الاكثر، و لكن عن السيد المرتضي و ابن ادريس و العلامة الاجماع علي عدم الجواز.

فالاجماعان متعارضان و الخلاف ثابت، و ذكر المحقق في الشرائع في كتاب الجهاد:

«انه لا يجوز تملك شي ء من اموالهم التي لم يحوها العسكر سواء كانت مما تنقل كالثياب و الالات او لا تنقل كالعقارات لتحقق الإسلام المقتضي لحقن الدم و المال».

و قال في الجواهر بعد نقل هذا الكلام بلا خلاف اجده في شي ء من ذلك ثم نقل عن غير واحد الاجماع عليه. «1»

و ذكر في الشرائع بعد نقل هذا الكلام ما نصه: «و هل يؤخذ ما حواه العسكر مما ينقل و يحول (كالسلاح و الدواب و غيرهما) قيل لا» (و ذكر في الجواهر القائل هو المرتضي و ابن ادريس و الفاضل و الشهيد في الدروس علي ما حكي عن بعضهم) لما ذكر من العلة (يعني حقن دمائهم و اموالهم

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 21، الصفحة 339.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 72

بالاسلام) و قيل نعم (و ذكر في الجواهر ان القائل هو العماني و الاسكافي و الشيخ في محكي الخلاف و النهاية و العلامة في المختلف و الشهيد الثاني و المحقق الكركي و جماعة اخري) عملا بسيرة علي عليه السّلام

و هو الاظهر «1» و المراد من سيرة علي عليه السّلام، سيرته عليه السّلام في حرب الجمل و كيف كان فالمسألة خلافية بالنسبة الي ما حواه العسكر (اي ما هو تحت يد المقاتلين في جبهة القتال كما يظهر من كلام المحقق هنا) و اما بالنسبة الي ما خرج عنه فالمنع اجماعي.

و العمدة فيها ما روي من سيرة علي عليه السّلام في حرب جمل مع اهل البصرة بعد هزيمتهم و قد اختلف فيها كلماتهم و هناك روايات (و طرقها غير نقية).

و يظهر من ما عرفت من كلام المحقق ان سيرته عليه السّلام كان هو تقسيم ما حواه العسكر، و لكن المحكي عن الدروس هو العكس حيث قال: «الاقرب العدم عملا بسيرة علي عليه السّلام في اهل البصرة فانه امر برد اموالهم فاخذت حتي القدور».

و قال الشيخ في المبسوط فيما حكي عنه: روي اصحابنا ان ما يحويه العسكر من الاموال فانه يقسم (او يغنم).

و حكي عن موضع آخر من المبسوط: انه روي ان عليا لما هزم الناس يوم الجمل، قالوا: يا امير المؤمنين عليه السّلام الا نأخذ اموالهم؟ قال: لا لأنهم تحرموا بحرمة الإسلام، فلا تحل اموالهم في دار الهجرة.

و فيه أيضا روي ابو قيس: «ان عليا عليه السّلام نادي من وجد ماله فليأخذه فمر بنا رجل فعرف قدرا نطبخ فيها فسألناه ان يصبر حتي ينضج فلم يفعل فرمي

______________________________

(1)- نفس المصدر. و يظهر من هذا الكلام ان المراد بما حواه العسكر ما هو في ميدان الحرب من السلاح و الدواب و شبههما.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 73

برجله فاخذه». «1»

و التحقيق ان يقال: ان الروايات الناظرة الي سيرة علي عليه السّلام في البغاة من

اصحاب الجمل المروية في الوسائل و المستدرك و غير واحد من الكتب الفقهية علي طوائف.

الطائفة الاولي ما دل علي ان سيرة علي عليه السّلام كانت علي رد اموالهم اليهم و عدم اخذ الغنيمة عنهم مثل ما يلي:

1- ما رواه في التهذيب عن مروان بن الحكم قال: «لما هزمنا علي بالبصرة رد علي الناس اموالهم من اقام بينة اعطاه و من لم يقم بينة احلفه. قال فقال له قائل: يا امير المؤمنين اقسم الفي ء بيننا و السبي فلما اكثروا عليه. قال:

ايكم يأخذ أمّ المؤمنين في سهمه؟ فكفوا». «2»

2- مرسلة الصدوق قال الصدوق: «و قد روي ان الناس اجتمعوا علي امير المؤمنين يوم البصرة فقالوا: اقسم بيننا غنائمهم. فقال: ايكم يأخذ امه في سهمه»؟ «3»

3- ما رواه المفيد عن عمرو بن شمر عن جابر عن ابي جعفر عليه السّلام في حديث: «ان امير المؤمنين عليه السّلام قال لعبد اللّه بن وهب الراسبي لما قال في شأن اصحاب الجمل انهم الباغون الظالمون الكافرون المشركون، قال:

ابطلت يا بن السوداء ليس القوم كما تقول لو كانوا مشركين سبينا او غنمنا اموالهم و ما ناكحناهم و لا وارثناهم». «4»

4- ما رواه ابو قيس: «ان عليا نادي من وجد ماله فليأخذه فمر بنا رجل

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 21، الصفحة 341 و 340.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 25 من ابواب جهاد العدو، الحديث 5.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 25 من ابواب جهاد العدو، الحديث 7.

(4)- مستدرك الوسائل، المجلد 11، الباب 23 من ابواب جهاد العدو، الحديث 7.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 74

فعرف قدرا نطبخ فيها فسألناه ان يصبر حتي ينضج فلم يفعل و رمي برجله فاخذها». «1»

الطائفة

الثانية ما يدل علي جواز اغتنام اموالهم دون سبي ذراريهم ما يلي:

5- ما رواه العلامة في المختلف علي ما رواه في المستدرك عن ابن ابي عقيل: «انه روي ان رجلا من عبد القيس قام يوم الجمل فقال: يا امير المؤمنين ما عدلت حين تقسم بيننا اموالهم و لا تقسم بيننا نسائهم و لا انبائهم. فقال له: ان كنت كاذبا فلا اما تك اللّه حتي تدرك غلام ثقيف و ذلك ان دار الهجرة حرمت ما فيها و ان دار الشرك احلت ما فيها فايكم يأخذ امه في سهمه؟» «2»

الطائفة الثالثة ما يدل علي جواز اخذ ما حواه العسكر و عدم جواز ما لم يحوه العسكر من الاموال مثل:

6- ما رواه دعائم الإسلام: «انه لما هزم اهل الجمل جمع كل ما اصابوا في عسكرهم مما اجلبوا به عليه فخمسه و قسم اربعة اخماسه علي اصحابه و مضي فلما صار الي البصرة قال اصحابه: يا امير المؤمنين اقسم بيننا ذراريهم و اموالهم. قال: ليس لكم ذلك. قالوا: و كيف احللت لنا دمائهم و لم تحلل لنا سبي ذراريهم؟ قال: حاربنا الرجال فقتلنا فاما النساء فلا سبيل لنا عليهن لأنهن مسلمات و في دار هجرة فليس لكم عليهن من سبيل و ما اجلبوا به عليكم و استعانوا به علي حربكم و ضمه عسكرهم و حواه فهو لكم و ما كان في دورهم فهو ميراث علي فرائض اللّه». «3»

7- ما رواه صاحب الدعائم. قال موسي بن طلحة: «كان علي عليه السّلام قد

______________________________

(1)- المبسوط، الصفحة 224.

(2)- مستدرك الوسائل، المجلد 11، الباب 23 من ابواب جهاد العدو، الحديث 10.

(3)- مستدرك الوسائل، المجلد 11، الباب 23 من ابواب جهاد العدو، الحديث 1.

أنوار الفقاهة

- كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 75

اغنم اصحابه ما اجلب به اهل البصرة الي قتاله. اجلبوا به يعني اتوا به في عسكرهم و لم يعرض لشي ء غير ذلك لورثتهم و خمس ما اغنمه مما اجلبوا به عليه فجرت أيضا بذلك السنة». «1»

8- ما رواه صاحب الدعائم أيضا في شرح الاخبار قال في ضمنه: «و ما كان بالعسكر فهو لكم مغنم و ما كان في الدور فهو ميراث يقسم بينهم». «2»

9- ما رواه أيضا في الدعائم عنه (اي عن علي) عليه السّلام انه قال: «ما اجلب به اهل البغي من مال و سلاح و كراع و متاع و حيوان و عبد و امة و قليل و كثير فهو في ء يخمس و يقسم كما تقسم غنائم المشركين». «3»

10- ما رواه ابو بصير عن الصادق عليه السّلام في حديث طويل في قضية نهروان الي ان قال: «احللت لنا سبي الكراع و السلاح و حرّمت علينا سبي الذراري … و قلت لنا بصفين اقتلوهم مدبرين … و احللت لنا سبي الكراع و السلاح و الذراري. الحديث». «4»

11- ما رواه في المبسوط قال: «روي اصحابنا ان ما يحويه العسكر من الاموال فانه يقسم (او يغنم)». «5»

الطائفة الرابعة ما دل علي انه كان له عليه السّلام اغتنام اموالهم و سبي ذراريهم و لكنه لم يفعل لعلمه عليه السّلام بغلبة القوم في المستقبل علي شيعته و فعلهم مثله فلم يفعل ذلك، مثل ما يلي:

12- ما رواه في الدعائم عن علي عليه السّلام انه سأله عمار حين دخل البصرة

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل، المجلد 11، الباب 23 من ابواب جهاد العدو، الحديث 5.

(2)- نفس المصدر، الحديث 6.

(3)- نفس المصدر، الحديث 2.

(4)- نفس المصدر، الحديث

9.

(5)- المبسوط، كتاب قتال اهل البغي، الصفحة 226.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 76

فقال: «يا امير المؤمنين باي شي ء تسير في هؤلاء؟ قال: بالمن و العفو كما سار النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم باهل مكة». «1»

13- ما رواه في الدعائم عن ابي جعفر عليه السّلام انه قال: «سار علي عليه السّلام بالمن و العفو في عدوه من اجل شيعته (لأنه) كان يعلم انه سيظهر عليهم عدوهم من بعده فاحب ان يقتدي من جاء من بعده به فيسير في شيعته بسيرته و لا يجاوز فعله فيري الناس انه تعدي و ظلم». «2»

14- ما رواه درست بن ابي منصور عن معلي بن خنيس عن كتاب درست سأل المعلي بن خنيس عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «جعلت فداك حدثني عن الحجة اذا قام يسير بخلاف سيرة علي عليه السّلام؟ قال فقال له: نعم. قال: فاعظم ذلك معلي و قال: جعلت فداك مم ذاك؟ قال فقال: لان عليا عليه السّلام سار بالناس سيرة و هو يعلم انه سيظهر عدوه من بعده و ان الحجة عليه السّلام اذا قام ليس الا السيف فعوّدوا مرضاهم و اشهدوا جنازتهم و افعلوا فانه اذا كان ذاك لم تحل مناكحتهم و لا موارثتهم». «3»

15- ما رواه عبد اللّه بن سليمان قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان الناس يرون عن عليا عليه السّلام قتل اهل البصرة و ترك اموالهم، فقال: ان دار الشرك يحل ما فيها و ان دار الإسلام لا يحل ما فيها. فقال: ان عليا عليه السّلام انما من عليهم كما من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم علي اهل

مكة و انما ترك علي عليه السّلام لأنه كان يعلم انه سيكون له شيعة و ان دولة الباطل ستظهر عليهم فاراد ان يقتدي به في شيعته و قد رأيتم آثار ذلك و هو ذا يسار في الناس بسيرة علي عليه السّلام الحديث». «4»

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل، المجلد 11، الباب 23 من ابواب جهاد العدو، الحديث 3.

(2)- نفس المصدر، الحديث 4.

(3)- نفس المصدر، الحديث 8.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 25 من ابواب الجهاد، الحديث 6.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 77

16- ما رواه الصدوق قال: «و قد روي ان الناس اجتمعوا الي امير المؤمنين عليه السّلام يوم البصرة فقالوا: يا امير المؤمنين اقسم بيننا غنائمهم.

قال: ايكم يأخذ أمّ المؤمنين في سهمه؟». «1»

و طريق الجمع بين الطوائف الثلاث الاولي واضح، فان ما دل علي حرمة اموالهم يحمل علي ما لم يحوه العسكر، و ما دل علي اباحتها يحمل علي ما حواه بقرينة الطائفة الثالثة المفصلة بين الامرين، مضافا الي انه البعيد جدا ان تكون الطائفة الاولي ناظرة الي مثل السلاح و الكراع «2» التي يكون ردها سببا لقوة العدو و استعداده لحرب آخر بل هي ناظرة الي مثل القدور و شبهها.

و يؤيد ذلك بقوله عليه السّلام: «ان دار الشرك يحل ما فيها و ان دار الإسلام لا يحل ما فيها» (في صدر رواية عبد اللّه بن سليمان).

و لكن التعارض بين الطائفة الرابعة و غيرها باق بحاله لان ظاهر الاخير كون سبي نسائهم و اخذ اموالهم التي لم يحوها العسكر كان مباحا له- عليه السلام- و لم يفعله لعلمه بغلبة الاعداء في المستقبل علي شيعته، فاراد ان يكون هذا سنة بين الناس فلو لم يكن

الخوف من هذه الناحية كان من الممكن ان يأخذ جميع اموالهم و يسبي ذراريهم.

هذا و لكن يظهر من غير واحد من روايات هذه الطائفة انه لا يجوز هذا لأحد حتي يظهر المهدي عليه السّلام (فراجع 1 و 2 و 3/ من الباب 25 من جهاد العدو في الوسائل).

و ما رواه في المستدرك «3» فهي من هذه الجهة متهافتة، متعارضة، ساقطة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 25 من ابواب الجهاد.

(2)- الكراع بالضم هو الخيل و البغال و الحمير و قد يطلق علي الاعم منها و من السلاح.

(3)- مستدرك الوسائل، المجلد 11، الباب 23 من ابواب جهاد العدو، الحديث 8.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 78

بنفسها.

و علي كل حال التعارض و التهافت انما هو بالنسبة الي ما لم يحوه العساكر، و اما بالنسبة الي ما حواه العسكر فجميع الروايات متوافقة علي جوازها فلا يبقي اشكال من هذه الناحية، و اما بالنسبة الي غيرها فالتعارض ثابت فان الثلاثة الاولي بعد الجمع تنافي الطائفة الرابعة الدالة علي جواز اغتنام ما لم يحوه العسكر أيضا و انه عمل فيهم بالمن و العفو (و جاز له الا يمن و لا يعفو) او كان هناك مصلحة خاصة.

و من الواضح ان الترجيح للطوائف الاولي، لان الاصل في الاموال اهل القبلة الحرمة الا ما خرج بالدليل و اولي من ذلك بالنسبة الي نفوسهم، و انما دل الدليل في خصوص ما حواه العسكر فهي موافقة للكتاب و السنة القطعية من هذه الجهة.

و اما اطلاق قوله تعالي: «و اعلموا انّما غنمتم … » فالظاهر انه منصرف الي غنائم الكفار، و يؤيده الآيات السابقة و اللاحقة فانها صريحة في الكفار.

هذا مضافا الي ضعف الطائفة

الاخيرة عن اثبات الجواز لدلالة بعضها علي اختصاص الجواز بولي هذا الامر المهدي- عجل اللّه له الفرج- و هو ما رواه في الوسائل عن ابي بكر الحضرمي قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

لسيرة علي عليه السّلام في اهل البصرة كانت خيرا لشيعته مما طلعت عليه الشمس انه علم ان للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته. قلت: فاخبرني عن القائم عليه السّلام يسير بسيرته؟ قال: لا ان عليا عليه السّلام سار فيهم بالمن لما علم من دولتهم و ان القائم يسير فيهم بخلاف تلك السيرة لأنه لا دولة لهم». «1» و عن محمد بن مسلم قال: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن القائم اذا قام باي سيرة يسير في الناس؟

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 25 من ابواب جهاد العدو، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 79

فقال: بسيرة ما سار به رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم حتي يظهر الإسلام. قلت: و ما كانت سيرة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم؟ قال: ابطل ما كان في الجاهلية و استقبل الناس بالعدل و كذلك القائم اذا قام يبطل ما كان في الهدنة مما كان في ايدي الناس و يستقبل بهم العدل». «1» و عن الحسن بن هارون بياع الانماط قال: «كنت عند ابي عبد الله عليه السّلام جالسا فسأله معلي بن خنيس أ يسير الامام (القائم خ ل) بخلاف سيرة علي عليه السّلام؟ قال: نعم و ذلك ان عليا عليه السّلام سار بالمن و الكف لأنه علم ان شيعته سيظهر عليهم و ان القائم عليه السّلام اذا قام سار فيهم بالسيف و السبي لأنه يعلم

ان شيعته لن يظهر عليهم من بعده ابدا». «2» و في مستدرك الوسائل من معلي بن خنيس و قد مضي سابقا.

فتلخص من جميع ما ذكر ان الجواز فيما حواه العسكر ليس ببعيد و لا يضره ضعف الاسناد فيها غالبا بعد تضافرها و ان كان الاحوط استحبابا تركه.

بل يمكن التمسّك بالعناوين الثانية هنا للجواز فان رد السلاح و الكراع و ما هو موجود في ميدان الحرب الي البغاة غالبا يوجب قوتهم و قدرتهم علي ايقاد نار الحرب و الهجمات المستقبلة.

و هذا مما لا يساعده العقل و اصول المذهب.

هذا و لا ينبغي ترك الاحتياط في اموال البغاة في اعصارنا من حيث ان جميع مصارف الحروب من السلاح و الكراع و غيرها علي عهدة الحكومات بل كثيرا ما يأخذ المقاتلون اجورا كثيرة علي سعيهم في هذا الطريق و قد مر الكلام فيه آنفا.

و علي كل حال فاللازم اخراج خمسه في صورة التقسيم للتصريح به في

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 2.

(2)- نفس المصدر، الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 80

غير واحد من روايات الباب مضافا الي اطلاق آية الخمس بالنسبة الي الغنائم بعد الغاء الخصوصية عنها.

*** المسألة الثالثة: [يشترط في المغتنم أن لا يكون غصبا]
اشارة

قد تكون الغنيمة مالا مغصوبا، فإن كان مغصوبا من بعض اهل الحرب (و ان لم يكونوا من المقاتلين) فلا اشكال في دخوله في الغنيمة.

و كذا اذا كان امانة او عارية او شبه ذلك من اهل الحرب عند بعض المقاتلين كما اذا اخذ سلاحه من غيره عارية او اجارة، كل ذلك لإطلاق ادلة الغنيمة و عدم وجود دليل علي تقييدها.

اما اذا كان غصبا من مسلم او ذمي او معاهد محترم المال، فالمحكي عن المشهور وجوب رده الي مالكه، و حكي الخلاف

عن شاذ من قدماء الاصحاب كالشيخ في النهاية و القاضي في بعض كتبه.

و لا شك ان الموافق للقاعدة و الاصول المعلومة من المذهب هو مقالة المشهور لاحترام مال المسلم و شبهه، فما لم يدل دليل قاطع علي الجواز يجب حفظ حرمته.

و يدل علي مقالة المشهور:

1- ما رواه طربال عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سئل عن رجل كان له جارية فاغار عليه المشركون فاخذوها منه ثم ان المسلمين بعد غزوهم فاخذوها فيما غنموا منهم. فقال: ان كانت في الغنائم و اقام البينة ان المشركين اغاروا عليهم فاخذوها منه ردت عليه و ان كانت قد اشتريت و خرجت من المغنم فاصابها ردت عليه برمتها و اعطي الذي اشتراها الثمن من المغنم من جميعه.

قيل له: فان لم يصبها حتي تفرق الناس و قسموا جميع الغنائم فاصابها بعد؟

قال: يأخذها من الذي هي في يده اذا اقام البينة و يرجع الذي هي في يده اذا

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 81

اقام البينة علي امير الجيش بالثمن». «1» و لكن سنده ضعيف لجهالة طربال، اللهم الا ان يقال بجبره بعمل المشهور.

2- صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه قال: «سأله رجل عن الترك يغزون علي المسلمين فيأخذون اولادهم فيسرقون منهم أ يرد عليهم؟ قال:

نعم و المسلم أخو المسلم و المسلم احق بما له اينما وجده». «2» و لكن موردها هو خصوص السرقة لا الغنيمة و قد يعارض ذلك بما رواه هشام بن سالم عن بعض اصحاب ابي عبد اللّه عليه السّلام في السبي يأخذ العدو من المسلمين في القتال من اولاد المسلمين او من مماليكهم فيحوزونه ثم ان المسلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم و سبوهم و اخذوا منهم ما

اخذوا من مماليك المسلمين و اولادهم الذين كانوا اخذوهم من المسلمين كيف يصنع بما كانوا اخذوه من اولاد المسلمين و مماليكهم؟ قال فقال: اما اولاد المسلمين فلا يقامون في سهام المسلمين و لكن يردون الي البهم و اخيهم و الي وليهم بشهود و اما المماليك فانهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون و تعطي مواليهم قيمة اثمانهم من بيت مال المسلمين. «3» و هي دليل علي استحقاق القيمة فقط. لكنها مرسلة و ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل لقيه العدو و اصاب منه مالا او متاعا ثم ان المسلمين اصابوا ذلك كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال: اذا كانوا اصابوه قبل ان يجوزوا متاع الرجل رد عليه و ان كانوا اصابوه بعد ما حازوا فهو في ء المسلمين فهو احق بالشفعة». «4»

4- ما رواه جميل عن رجل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (4/ 35) و هو أيضا دليل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 35 من ابواب جهاد العدو، الحديث 5.

(2)- نفس المصدر، الحديث 3.

(3)- نفس المصدر، الحديث 1.

(4)- وسائل الشيعة، الباب 35 من ابواب جهاد العدو، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 82

علي رد الثمن اليه دون الاصل.

و المتحصل من الجميع ان الطائفة الاولي دليل علي وجوب اداء العين الي صاحبه و قيمته الي المقاتلين، و الطائفة الثانية علي العكس.

و من المعلوم ان الترجيح مع الطائفة الاولي لموافقتها لعمومات الكتاب و السنة الدالة علي احترام مال المسلم، و لموافقتها للشهرة المحكية.

و لا فرق في ذلك بين ان يكون العلم بكونه مال المسلم قبل القسمة او بعدها كما لا يخفي.

*** المسألة الرابعة: هل للغنيمة نصاب؟

ظاهر المشهور و صريح كثير من الاصحاب

عدمه، فيخرج منها الخمس قليلا كان او كثيرا.

قال في الجواهر: «لا اعرف فيه خلافا سوي ما يحكي من ظاهر غرية المفيد من اشتراط بلوغ مقدار عشرين دينارا ثم قال و هو ضعيف جدا لا نعرف له موافقا و لا دليلا».

اقول: و كأنه فهم العموم من قوله عليه السّلام في صحيحة البزنطي «1» و مرسلة المفيد. «2»

______________________________

(1)- عن ابي الحسن الرضا (ع) قال: «سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس».

وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

(2)- قال: «سئل الرضا (ع) عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس و ما لم يبلغ حد ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه» نفس المصدر، الحديث 6.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 83

فان قوله عليه السّلام «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» قد يستفاد منه العموم بالنسبة الي جميع موارد الخمس، و لكنه كما تري لان الظاهر منه هو خصوص مورد السؤال و هو الكنز فتأمل.

*** المسألة الخامسة: هل في السلب خمس

(و هو كما في مجمع البحرين بفتح الام ما يسلب من المقتول من ثياب و سلاح و جبة للحرب)؟

قال الشيخ في الخلاف: «السلب لا يستحقه القاتل الا ان يشترط له الامام و به قال ابو حنيفة و مالك، و قال الشافعي هو للقاتل و ان لم يشترط له الامام و به قال الاوزاعي و الثوري و احمد بن حنبل، دليلنا انه اذا شرطه استحقه بلا خلاف و اذا لم يشترط ليس علي استحقاقه له دليل». «1»

ثم صرح في المسألة 9 انه لا خمس عليه و

نقل اختلاف فتاوي العامة في الخمس و عدمه. و صرح في المبسوط أيضا بعدم اختصاص السالب بالسلب الا باشتراط الامام و انه ليس عليه خمس حينئذ. «2»

و قال الشهيد في القواعد: «قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم من قتل قتيلا فله سلبه فيه تردد من حيث كونه فتوي و عدمه فقيل فتوي فيعم و هو قول ابن الجنيد و قيل تصرف بالامامة فيتوقف علي اذن الامام و هو اقوي هنا». «3»

و قال في الجواهر بعد ذكر كلام المحقق: «السلب اذا شرطه (الامام) للقاتل و لو لم يشترطه لم يختص به بل يكون كباقي مال الغنيمة بلا خلاف

______________________________

(1)- كتاب الفي ء و الغنائم، المسألة 8.

(2)- المبسوط، المجلد 2، الصفحة 66.

(3)- القواعد، المجلد 1، الصفحة 214 ذيل القاعدة 62.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 84

اجده في الاول لعموم «المؤمنون» و لقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم يوم خيبر «من قتل قتيلا فله سلبه» و علي المشهور في الثاني بل لا اجد فيه خلافا الا عن الاسكافي لعموم ما دل علي قسمة الغنيمة بين المقاتلين الذي لا يخصصه ما يظهر من بعض نصوص الجمهور من كون ذلك جعلا من النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم لكل قاتل في كل غزوة بعد عدم ثبوت حجيته بل اعراض المشهور بل الجميع عداه عنه». «1»

اقول: ففي المسألة مقامان:

احدهما: كون السلب للقاتل مطلقا او يكون له بالاشتراط.

ثانيهما: تعلق الخمس به علي التقديرين.

اما الاول: فلا دليل علي كونه له مطلقا، بعد اطلاق ادلة الغنيمة الظاهرة في اشتراك جميع المقاتلين فيها، و عدم دليل علي تخصيصها، و اما ما رواه الجمهور في هذا الباب

فاثباته من طرقنا مشكل كما عرفت في كلام الجواهر، مضافا الي ان قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم «من قتل قتيلا فله سلبه» يمكن ان يكون من باب الجعائل في غزوات خاصة او غزواته صلي اللّه عليه و آله و سلم فهو حكم ولائي لا حكم فتوائي دائمي، فاذا كان بحكم الغنيمة دخل في حكم الخمس أيضا.

نعم يجوز اشتراطه للقاتل لما عرفت من كون الجعائل بيد ولي امر المسلمين رعاية لمصالحهم.

اما الثاني: (اعني تعلق الخمس به مطلقا او عند جعل الامام و اشتراطه) فهو أيضا محل اشكال نظرا الي ما قد يقال من ان ادلة خمس الغنيمة ناظرة الي الغنائم التي يقسم خمسها بين المقاتلين لا ما يختص ببعضهم، و لذا ورد في

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 21، الصفحة 186.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 85

بعض ما سبق من الروايات انه يخمس منها الخمس ثم يقسم الباقي. «1»

هذا و لكن الانصاف ان سكوت بعضها او ظهورها في خصوص ما يقسم من الغنائم لا يمنع عن اطلاق غيره، لصدق الغنيمة علي السلب ظاهرا فيشمله قوله تعالي: «و اعلموا انّما غنمتم … » و لا أقلّ من الاحتياط، هذا بالنسبة الي خمس الغنائم و اما خمسه من باب ارباح المكاسب فسيأتي الكلام فيه ان شاء اللّه.

______________________________

(1)- راجع مستند العروة الوثقي، كتاب الخمس، الصفحة 35.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 87

2- المعادن

اشارة

المعروف بين الاصحاب بل بين علماء الإسلام جميعا وجوب الخمس في المعادن في الجملة انما الكلام في خصوصياتها.

قال شيخ الطائفة في الخلاف: «المعادن كلها يجب فيها الخمس من الذهب و الفضة و الحديد و الصفر و النحاس و الرصاص و

نحوها مما ينطبع و مما لا ينطبع كالياقوت و الزبرجد و الفيروزج و نحوها و كذا القير و المومياء و الملح و الزجاج و غيره.

و قال الشافعي لا يجب في المعادن شي ء الا الذهب و الفضة … ثم نقل عن ابي حنيفة الوجوب في خصوص ما ينطبع مثل الحديد و غيره ثم قال دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم». «1»

و قال المحقق في المعتبر: «الثاني (مما يجب فيه الخمس) المعادن و هي كل ما استخرج من الارض مما كان فيه و هو مشتق من عدن بالمكان اذا قام فيه و منه جنات عدن و الخمس فيها واجب علي اختلافها منطبعة كانت او غير منطبعة او المائعة كالنفط و الغاز و الكبريت ثم استدل لصدق الغنيمة عليها و دخولها في عنوان الركاز فيما روي عنه صلي اللّه عليه و آله و سلم في الركاز الخمس و ما روي من

______________________________

(1)- الخلاف، كتاب الزكاة، المسألة 137.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 88

طرق الاصحاب». «1»

و قال النراقي في المستند: «وجوب الخمس فيها اجماعي و النصوص به مستفيضة». «2»

و كيف كان اللازم قبل كل شي ء نقل احاديث المعدن علي اختلاف مفاهيمها ليعلم علي ما يدور الحكم، ثم ملاحظة مفهوم المعدن و الركاز في اللغة.

ثم ملاحظة كلمات الاصحاب في جزئياتها حتي يظهر حال المسألة.

و الروايات هنا علي طوائف

الأولي: ما دل علي وجوب الخمس في مطلق المعادن

مثل:

1- ما رواه عمار بن مروان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس». «3»

2- ما رواه ابن ابي عمير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الخمس علي خمسة

اشياء علي الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة و نسي ابن ابي عمير الخامس». «4»

3- ما رواه البزنطي عن ابي الحسن عليه السّلام قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عما اخرج المعدن من قليل او كثير هل فيه شي ء؟ قال: ليس فيه شي ء حتي يبلغ ما

______________________________

(1)- المعتبر، المجلد 2، الصفحة 619.

(2)- المستند، المجلد 2، الصفحة 72.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 89

يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» «1» و القول بكونها في مقام بيان النصاب فقط فلا يصح استفادة الاطلاق منها، غير قادح علي فرض التسليم لوجود اخبار كثيرة في المقام.

4- ما رواه حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح قال:

«الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة». «2»

5- ما رواه احمد بن محمد قال: «حدثنا بعض اصحابنا رفع الحديث قال: الخمس من خمسة اشياء من الكنوز و المعادن و الغوص و المغنم الذي يقاتل عليه و لم يحفظ الخامس». «3»

6- ما رواه تفسير النعماني عن علي عليه السّلام قال: « … و الخمس يخرج من اربعة وجوه من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين و من المعادن و من الكنوز و من الغوص». «4»

7- ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن المعادن ما فيها؟

فقال: كل ما كان ركازا ففيه الخمس و قال ما عالجته بمالك ففيه ما اخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفي الخمس». «5»

الثانية: ما دل علي تعلق الخمس بخمسة أشياء من المعادن

من دون نفي شي ء

اخر مثل:

8- ما رواه محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن معادن

______________________________

(1)- نفس المصدر، الباب 4، الحديث 1.

(2)- نفس المصدر، الباب 2، الحديث 4.

(3)- نفس المصدر، الباب 2، الحديث 11.

(4)- نفس المصدر، الحديث 12.

(5)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 90

الذهب و الفضة و الصفر و الحديد و الرصاص فقال: عليها الخمس جميعا». «1»

9- ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الكنز كم فيه؟ قال: الخمس. و عن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس. و عن الرصاص و الصفر و الحديد و ما كان من المعادن كم فيها؟ قال: يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضة». «2»

و هو أيضا من الأحاديث العامة من جهة.

الثالثة: ما دل علي وجوب الخمس في الملاحة (و هو معدن الملح)

و الكبريت (الظاهر انه المائع منه) و النفط و هو:

10- ما رواه محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن الملاحة؟ فقال: و ما الملاحة؟ فقال (فقلت): ارض سبخة مالحة يجتمع فيه الماء فيصير (و يصير) ملحا فقال: هذا المعدن فيه الخمس. فقلت:

و الكبريت و النفط يخرج من الارض. قال: فقال: هذا و اشباهه فيه الخمس». «3» و لا يخفي انه سأل الامام عليه السّلام عن الملاحة ليتضح ان السائل يطلقها علي اي شي ء حتي لا يبقي ابهام في المراد منها، لا لجهله عليه السّلام بها معاذ اللّه فانه وارث علوم الانبياء عليهم السلام.

و لكن يظهر من قوله «هذا المعدن فيه الخمس» عموم الحكم لكل معدن حتي مثل الملح و هو من هذه الجهة من

الروايات العامة.

الرابعة: ما دل علي الخمس في معادن الذهب و الفضة بالخصوص

من دون نفي شي ء آخر و هو:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- نفس المصدر، الحديث 2.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 91

11- ما رواه محمد بن علي بن ابي عبد اللّه عن ابي الحسن عليه السّلام قال:

«سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة هل فيها زكاة؟ فقال: اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس». «1»

و طريق الجمع بين هذه الأحاديث ظاهرة واضحة، و حاصلها تعلق الحكم بكل ما يسمي معدنا من دون فرق بين المنطبع و غير المنطبع و الجامد و المائع و الظاهر و الباطن في الارض و القليل و الكثير، و لا ينافي ذلك ذكر بعضها بالخصوص في الرواية، فان اثباته في شي ء لا ينافي اثباته في اشياء اخري.

فلنرجع الي تفسير لفظ المعدن فنقول و من اللّه التوفيق و الهداية:

قال في القاموس: «المعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب و نحوه لإقامة اهله فيه دائما او لا نبات اللّه تعالي اياه فيه، و مكان كل شي ء فيه اصله (انتهي)».

و ظاهر وجود معنيين للمعدن، معني خاص يختص بمعدن الجواهر (الفلز الثمين)، و معني عام و هو مكان كل شي ء فيه اصله.

و قال في النهاية الاثيرية: «المعادن المواضع التي يستخرج منها جواهر الارض كالذهب و الفضة و النحاس و غير ذلك … و المعدن الاقامة و المعدن مركز كل شي ء (انتهي)».

و هو أيضا كالقاموس في اثبات معنين للمعدن و في اختصاص المعني الخاص بالجواهر.

و قال في مجمع البحرين: «و منه (من

معني الاقامة) سمي المعدن كمجلس، لان الناس يقيمون فيه الصيف و الشتاء و مركز كل شي ء معدنه، و المعدن مستقر الجواهر (انتهي)».

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 92

و مفاد هذا الكلام هو ما مر في ما قبلهما.

و قال الراغب في المفردات: «عدن بمكان كذا، استقر، و منه المعدن لمستقر الجواهر».

و ذكر له في لسان العرب معان متعددة:

«مركز كل شي ء معدنه- المكان الذي يثبت فيه الناس لان اهله يقيمون فيه و لا يتحولون عنه شتاء و لا صيفا (في مقابل منازلهم في خصوص الصيف و الشتاء) و معدن الذهب و الفضة سمي معدنا لإنبات اللّه فيه جوهرهما و اثباته اياه في الارض».

و قال في منتهي الارب (بالفارسية): «معدن كمجلس كان جواهر از سيم و زر و جز آن، بدان جهت كه همواره اهل آن در آن قيام مي دارند يا آن كه حقتعالي جواهرات را در آن ثبات داده، و جاي با شش تابستان و زمستان، و اصل و مركز هر چيزي (انتهي)».

و هو أيضا موافق لما سبق اجمالا.

و يظهر من هذه الكلمات امور:

1- انهم ذكروا للمعدن معان ثلاثة: منبت الجواهر، و مركز كل شي ء، و محل الاقامة في الصيف و الشتاء، كلها مرتبط بمعناه الاصلي و هو الاقامة و من الواضح ان محل الكلام ناظر الي المعني الاول.

2- المعدن اسم المحل الذي يكون فيها هذه الجواهر و هو المناسب لمعني اصل هذه الكلمة و هو «عدن»، و لكن الفقهاء- رضوان الله تعالي عليهم- خصوه بما يخرج من هذه الامور من الارض.

قال العلامة في التذكرة: «المعادن كل ما خرج من الارض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة» ثم

مثل له بالفلزات و الياقوت و شبهه و الملح و الكحل

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 93

و غيرهما و المائعات كالقير و النفط. ثم قال: «عند علمائنا اجمع». «1»

و ظاهر هذا الكلام او صريحه انه اسم للحال و كذا غيره من اشباهه و اهل هذا التعبير كان بملاحظة محل ابتلائهم و حاجتهم.

3- المعدن يختص بمنبع الجواهر عند اهل اللغة و ظاهرها عدم الشمول امثال الملح و القير و غيرهما مع ان الفقهاء عمموه لغيرها أيضا كما عرفت من كلام التذكرة.

و لذا ذكر في المسالك أيضا: «المعدن هنا كل ما استخرج من الارض مما كان منها بحيث يشتمل علي خصوصية يعظم الانتفاع بها و منها الملح و الجص و طين الغسل و حجارة الرحي و المغرة» «2» (المغرة هو الطين الاحمر).

و لعل الفقهاء فهموا العمومية هنا من أمور

أحدها: ما ورد في صحيحة محمد بن مسلم

(الباب 3 من ما يجب فيه الخمس، الحديث 4، و قد سبق ذكرها) فان قوله بالنسبة الي الملاحة «هذا المعدن» دليل علي عمومية المراد من لفظ المعدن هنا بحيث يشمل منابت الجواهر و غيرها مما خرج من اسم الارض و عظم الانتفاع به (و يمكن ان يكون تركيب الجملة بعنوان المبتدأ و الخبر فهذا مبتدأ و المعدن خبره، او كون المعدن عطف بيان و فيه الخمس خبر).

و اما ما لم يخرج منها مثل حجارة الرحي و الطين الاحمر و الجص قبل طبخه فانها من مسمي الارض يجوز السجود عليها و التيمم بها، هل يتعلق بها

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 109.

(2)- مسالك الافهام، المجلد 1، الصفحة 66.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 94

الخمس من ناحية عنوان المعدن أم لا؟ فسيأتي الكلام فيه ان شاء اللّه.

هذا بناء علي نسخة الشيخ في التهذيب

و لكن رواه الصدوق في الفقيه و المقنع بهذه العبارة: «هذا مثل المعدن فيه الخمس» و حينئذ يكون ظاهره عدم شمول موضوع المعدن له بل يشمله حكمه و هو الخمس فهو شبيه له من جهة حكمه و ان كان خارجا موضوعا، و من الواضح عدم الفرق من هذه الناحية في ما نحن بصدده.

و يؤيد ذلك عد الملاحة في مقابل المعدن في رواية حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام قال: «الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة». «1» فان المقابلة وعد الملاحة امرا خامسا يجب فيه الخمس دليل علي خروجها موضوعا، و الظاهر ان هذا هو الذي نسيه ابن ابي عمير في روايته المعروفة فهي أيضا مؤيدة لخروجها موضوعا.

ثانيها: شمول عنوان الركاز الوارد في صحيحة زرارة

: «كل ما كان ركازا ففيه الخمس» «2» بناء علي ما ذكره بعضهم من انه «يشمل كل ما له ثبات و قرار و مرتكز في مكان حتي مثل الملح». «3»

و لكنه لا يخلو عن تأمل لان ارتكاز الماء المالح في بعض الاماكن ليس الا كارتكاز المياه في البحار، و الركاز بماله من المعني الذي سيأتي ذكره عن كتب اللغة (إن شاء اللّه) يشكل شموله له، و اشد اشكالا منه ما لم يخرج من اسم الارض كحجارة الرحي او حجر الخص قبل ان يطبخ الذي يصح

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

(2)- نفس المصدر، الباب 3، الحديث 3.

(3)- مستند العروة الوثقي، كتاب الخمس، الصفحة 38.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 95

السجود عليه و كذا التيمم، فان صدق الركاز عليها مشكل جدا (كما سيأتي

الاشارة اليه عن قريب).

ثالثها: شمول عموم آية الخمس لها

، فان جميع ذلك داخلة في الغنيمة بالمعني العام لشمولها كل فائدة من الفوائد و المعادن منها.

و يرد عليه ان المقصود هو اثبات الخمس فيها بالخصوص حتي لا تكون المئونة خارجة منها و بغير النصاب فيها علي القول باعتباره في المعدن، و من الواضح ان هذا الدليل غير كاف في اثبات هذا المعني.

فتحصل من جميع ما ذكرنا: ان العمدة لإثبات العموم هي صحيحة محمد بن مسلم لا غير لكنها لا يستفاد منها ازيد من الاصناف الثلاثة (انواع الفلزات، انواع العقيق و الفيروزج و ما اشبههما و انواع المعادن المائعة كالنفط و شبهه) و اما ما لم يخرج عن اسم الارض مطلقا كحجر الرحي و الجص و الاحجار المتخذة للبناء في ايامنا و انواع الطين المستفاد منها للبناء و السفال و الاجر و غيرهما، فلا دليل علي دخوله تحت هذا العنوان.

و لعله لذلك كله ذكر في العروة الوثقي بعد ذكر ثمانية عشرة من الانواع الثلاثة الاولي، ما نصه: «بل و الجص و النورة و طين الغسل و حجر الرحي و المغرة و هي الطين الاحمر علي الاحوط و ان كان الاقوي عدم الخمس فيها من حيث المعدنية».

فهذه الامثلة الخمس داخلة في النوع الرابع الذي لا دليل علي دخولها في عنوان المعدن و تدخل في عمومات ارباح المكاسب. «1»

***

______________________________

(1)- و من هنا يظهر انه يمكن العدول عما ذكرناه من الاحتياط الواجب في التعليقة الي الاحتياط المستحب.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 96

بقي هنا أمور

1- لو شككنا في بعض هذه الأقسام و دخولها في عنوان المعدن و عدمه لا ينبغي الشك في كون المرجع عمومات أرباح المكاسب

و الغنائم بالمعني الاعم فلا يعتبر فيه النصاب و يستثني منه مؤنة السنة، فان التمسك بلا عموم عند الشبهة المفهومية في المخصوص المنفصل مما لا مانع منه كما ذكر في محله، نعم

لو كان المخصص متصلا امكن التشكيك فيه من جهة سراية الاجمال و الابهام الي العموم.

هذا و لو فرض عدم عموم هناك من حيث عدم كون المعدن منفعة مستمرة، فهل المرجع البراءة في غير ما زاد عن مؤنة السنة فيدخل المشكوك في حكم الارباح او لا بد من الاخذ بالاحتياط؟ الظاهر هو الاخير، للعلم الإجمالي بانه لو كان داخلا في عنوان المعدن لا يستثني منه مؤنة السنة، و لكن يستثني منه ما نقص عن النصاب علي القول به، و لو كان داخلا في الارباح استثني منه مقدار المئونة و لا يستثني منه ما نقص عن النصاب، و لازم العلم الإجمالي الاحتياط بين الامرين فلا يستثني منه ما نقص من النصاب و لا مقدار المئونة فتأمل.

2- لا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة له

و بين ان يكون تحت الارض او علي ظهرها، كل ذلك لا طلاق الادلة، بل صريح بعضها بالنسبة الي الثاني فان الملاحة بل النفط و الكبريت كانت في تلك الايام في ظاهر الارض.

3- لا فرق بين أن يكون المخرج مسلما أو كافرا ذميا بل و لو حربيا

، بناء علي ظهور اطلاقاتها دليلا علي تعلق الخمس بنفس المعدن مطلقا؛ فقوله:

«هذا و اشباهه فيه الخمس» و امثاله، دليل علي وجود الخمس في انواع

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 97

المعادن من دون اي فرق بين المالكين، و بعبارة اخري الخمس حكم وضعي لا تكليفي فالحكومة الاسلامية لو كان قادرا علي اخذ الخمس من الكفار الذميين اخذ منهم و كذا الحربيين لا بعنوان استنقاذ اموالهم بل بعنوان الخمس، و لو استنقذ انسان اموالهم و كانت مما اخرج من المعادن وجب عليه اخراج خمسها لتعلق الخمس بالعين كما سيأتي ان شاء اللّه، هذا مضافا الي ان الكفار مكلفون بالفروع كما هم مكلفون بالاصول و لو اسلم الكافر و العين موجودة اخذ منه الخمس و لو تلف و استقر الخمس في ذمته امكن الحكم بجب الإسلام عما سبقه.

4- و كذا لا فرق بين أن يكون المخرج للمعدن بالغا أو صبيا أو مجنونا أو عاقلا

، لان ظاهر ادلة الخمس كونه حكما وضعيا لا يختص بالمكلفين فقط بل يشمل اموال الصبي و المجنون.

فقوله: «هذا و اشباهه فيه الخمس» او قوله في الجواب عن السؤال عن المعادن و عن الرصاص و الصفر و الحديد و … : «فيها الخمس» «1» و غير ذلك مما هو في معناه، دليل علي تعلق الخمس بهذه الاموال من دون فرق بين كون مالكها مكلفا بالغا او غير مكلف.

و سيأتي مزيد كلام لهذا، في المسألة 75 من ما يجب فيه الخمس في باب تعلق الخمس بالعين و في المسألة 84 منه.

5- لا ينبغي الإشكال ظاهرا في جواز استخراج المعادن بمعونة الغير

، و في انه يملك حاصله و يتعلق به الخمس دون المعين الذي لم يقصد بفعله تملك ما في المعدن بل قصد غيره ذلك بمعونته، انما الكلام في انه اذا اقدم بعض الحكومات علي ذلك كما هو المتداول اليوم في اخراج النفط و البترول

______________________________

(1)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 و 4.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 98

بل و كثير من المعادن الاخر بمعونة العمال و المهندسين، فهل هي تملكه و تتعلق به الخمس او لا؟

الحق انه تملكه لما ذكرنا في محله من صحة مالكية «الجهة» و «العنوان» مثل عنوان «الحكومة» او شركة فلان او جمعية فلان، بل و كذا يملك المسجد او الحسينية اشياء تتعلق بها و يهدي اليها، لان الملكية امر اعتباري عقلائي لا يعتبر فيها عندهم كون المالك شخصا خارجيا بل يكفي كونه شخصا حقوقيا و عنوانا اعتباريا كالأمثلة السابقة.

و كذا لا يعتبر فيها كون المالك من ذوي العقول كما عرفت، و الوسوسة في ذلك بعد ما نشاهد مصاديقها الكثيرة

دارجة بين العقلاء من اهل العرف امر غريب، كيف و كثير من اموال العالم لو لم نقل اكثرها ملك الجهة- اي الحكومات- في اقطار الارض، و مجرد عدم وجود هذا في عصر النّبيّ عليه السّلام و الائمة- عليهما السلام- غير ضائر بالمقصود بعد اخذ الموضوعات من العرف و الاحكام من الشرع، كما هو كذلك في الموضوعات المستحدثة و المصاديق الجديدة لموضوعات الاحكام.

بل لا نسلم عدم وجودها في تلك الاعصار بعد وجود الحكومات في تلك الازمنة و عدم المعاملة مع اموالها معاملة الملك الشخصي.

و كذلك الاوقاف العامة او الخاصة التي هي في الحقيقة ملك العنوان فلذا لا تتوارت، بل كل من كان داخلا تحت العنوان يستحقه و اذا خرج منه خرج عن استحقاقها.

و تمليك شي ء للمسجد او الحسينية او الكليسا و اشباهه امر دارج بينهم.

و الحاصل: ان صحة التملك من هذه الجهة لا ينبغي الريب فيه- كما انه لا وجه لعدم تعلق الخمس بها- بعد اطلاقات ادلته، فالمعدن يتعلق به الخمس من دون فرق بين ان يكون مالكه شخصا عينيا او عنوانيا، و لا وجه

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 99

للقول بعدم شمول الاطلاقات له او انصرافه عنه كما هو ظاهر، فيجوز للحاكم الشرعي اخذ الخمس ممن استخرج المعادن سواء كان شخصا او شركة او حكومة.

نعم اذا كانت الحكومة الاسلامية هي المتصدي للإخراج يمكن دعوي عدم شمول الخمس له نظرا الي عدم تعلق الخمس بما يتملكه صاحب الخمس و يدل علي ذلك او يؤيده ما رواه علي بن الحسين بن عبد ربه قال:

«سرح الرضا عليه السّلام بصلة الي ابي فكتب اليه ابي هل علي في ما سرحت الي خمس؟ فكتب اليه لا خمس

عليك فيما سرح به صاحب الخمس» «1» و ان كان في سنده اشكالا.

فاذا لم يتعلق الخمس بما يعطيها صاحب الخمس فلا يتعلق بامواله بطريق اولي و هكذا بالنسبة الي تعلق الزكاة باموال الحكومة.

اضف الي ذلك ان دعوي الانصراف هنا قوي و ان هو الّا من قبيل اخذ الماليات من اموال الحكومة، فان الماليات تؤخذ لدعم الحكومة و تقويتها و تزويدها بما يعينها علي مقاصدها و حينئذ لا معني لأخذ الخمس من اموال الحكومة الاسلامية و اخراجه من بعض جيوب الحكومة الي بعضها الاخر.

ان قلت: هذا الكلام في نصف الخمس و هو سهم الامام عليه السّلام صحيح تام فلا يتعلق باموال الحكومة، و اما سهم الهاشميين و هو النصف الاخر ليس كذلك فهو حقهم لا بد من اخذه من اموال الحكومة الاسلامية أيضا.

قلت: الذي يظهر من الادلة هو ان امر الجميع بيد الامام عليه السّلام و لذا قد يبيحه لبعض الشيعة او لجميعهم في بعض الاعصار، فهي في الحقيقة من قبيل اموال الحكومة و ان كان مصرف النصف منها هم السادة الكرام فتأمل.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 11 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 100

كما ان سهم الفقراء غير السادة في الزكاة كذلك و لذا لم يسمع اخذ الزكات من اموال بيت المال و لو كانت الآلاف و الالوف من الدراهم و الدنانير او في سهمه من الاراضي الخراجية او المواشي الحاصلة لها من ناحية الخمس او غير ذلك.

و بالجملة انصراف ادلة الخمس عما نحن فيه قوي جدا.

*** 6- هل يعتبر النصاب في المعدن و علي تقديره فهل مقداره دينارا و عشرون دينارا؟

اختلف الاقوال في ذلك و لقد اجاد في الحدائق في كيفية جمع الاقوال في المسألة حيث قال:

«و

قد وقع الخلاف هنا في موضعين احدهما في اعتبار النصاب و عدمه في المعدن و علي تقدير اعتباره فهل هو عشرون دينارا او دينار واحد؟

فذهب الشيخ في الخلاف الي وجوب الخمس فيها و لا يرعي فيها النصاب و هو اختياره في الاقتصاد أيضا، و نقل عن ابن البراج و ابن ادريس مدعيا عليه الاجماع حيث قال: اجماعهم منعقد علي وجوب اخراج من المعادن جميعها علي اختلاف اجناسها قليلا كان او كثيرا … و هذا اجماع منهم بغير خلاف.

1- و نقل عن ابن الجنيد و ابن ابي عقيل و المفيد و السيد المرتضي و ابن زهرة و سلار انهم اطلقوا وجوب الخمس و هو ظاهر في موافقة القول المتقدم.

2- و اعتبر ابو الصلاح بلوغ قيمته دينارا واحدا و رواه ابن بابويه في المقنع و من لا يحضره الفقيه.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 101

3- و قال الشيخ في النهاية: و معادن الذهب و الفضة لا يجب فيها الخمس الا اذا بلغت الي القدر الذي يجب فيه الزكاة و نحوه في المبسوط.

و اختاره ابن حمزة و عليه جمهور المتأخرين (انتهي كلام الحدائق)». «1»

فتحصل من ذلك ان القدماء عدا شرذمة قليلة علي عدم اعتبار النصاب فيها و اما بين المتأخرين يكون الامر بالعكس، و من قال باعتبار النصاب من بين القدماء و هم ابو الصلاح و ابن بابويه و الشيخ (في بعض كتبه) و ابن حمزة علي قولين، فالاول ان علي اعتبار دينار واحد، و الاخيران علي اعتبار عشرين دينارا.

و من فقهاء الجمهور، فالحنفية قالوا: بوجوب الخمس في خصوص المنطبع من المعادن، و المالكية قالوا: بوجوب الزكاة في معادن الذهب و الفضة بشروط الزكاة (منها

النصاب و هو عشرون مثقالا عندهم) و قالت الحنابلة: ان المعدن ان كان ذهبا او فضة و بلغ حد النصاب بعد التصفية وجب عليه الزكاة ربع العشر، و قالت الشافعية: ان المعدن خاص بالذهب و الفضة و يجب فيه ربع العشر بشروط الزكاة. «2»

و عمدة ما يدل علي عدم اعتبار النصاب هو العمومات و الاطلاقات الواردة في باب خمس المعدن، و اما دليل اعتبار عشرين دينارا الذي عليه اكثر المتأخرين هو ما رواه البزنطي في الصحيح:

«قال: سألت الرضا عليه السّلام عما اخرج المعدن من قليل او كثير هل فيه شي ء؟

قال: ليس فيه شي ء حتي يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا». «3»

______________________________

(1)- الحدائق الناظرة، المجلد 12، الصفحة 329.

(2)- تلخيص من الفقه علي المذاهب الاربعة، المجلد 1، الصفحة 612.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 102

و قد اورد عليها من جهات ثلاث:

1- من ناحيه السند باعراض قدماء الاصحاب عنه فانه لم ينقل العمل به الا عن الشيخ و ابن حمزة، بل الشيخ أيضا مخالف له في الخلاف بل ادعي الاجماع فيه، و ما في بعض الكلمات من ان المخالف بين اربعة اشخاص او خمسة و انه معارض بموافقة المتأخرين «1» كما تري، فان المخالف جميع من نقل عنه الفتاوي من القدماء نعم يمكن ان يكون بعض كلماتهم مطلقة لم يصرح فيه بشي ء و هذا أيضا كاف، لان السكوت في مقام الافتاء و البيان يدل علي الاعراض و قد عرفت نقل كلماتهم في كلام الحدائق الذي يستفاد منه مخالفة اكثر من عشرة منهم، من مصرح بعدم النصاب و من قائل

بوجوب الخمس في الغنيمة مطلقا، و من عامل بخبر الدينار الواحد.

و اعجب من هذا جعل موافقة المتأخرين معارضا لاعراض القدماء و ذلك لان المدار في الاعراض و العمل هو كلمات القدماء باعتبار انهم كانوا قريب العهد الي عصر المعصومين- عليهم السلام- و كان عندهم كتب و قرائن ليست عندنا، و اما حال المتأخرين معلوم لنا لا تزيد مداركهم علي المدارك الموجودة عندنا.

2- اما من ناحية الدلالة فلعدم التصريح بمسألة الخمس فيها فلعل المراد منها هو الزكاة فتكون الرواية علي نحو ما عرفت من كلمات العامة فقد مر ان ثلاثة من ائمتهم الاربعة قائلون بوجوب الزكاة في المعادن، او معادن الذهب و الفضة اذا بلغ حد النصاب و حينئذ تحمل علي التقيه، و هذا الاحتمال مع ملاحظة كلمات فقهائهم غير بعيد، نعم قد يقال ان اطلاق المعدن في صحيحة البزنطي و عدم اختصاصه بمعادن الذهب و الفضة من جانب و التعبير

______________________________

(1)- مستند العروة الوثقي، كتاب الخمس، الصفحة 41.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 103

بمثل في قوله عليه السّلام حتي يبلغ ما يكون في مثله الزكاة من جانب آخر، دليل واضح علي ان المراد منه الخمس لا الزكاة.

لكن يمكن الجواب من كليهما، اما الاول: فلان المماثلة انما يكون في خصوص الاجناس الزكوية كالذهب و الفضة و إلا كان اللازم ان يقول حتي يبلغ ما يكون في مقداره بحسب القيمة فان الحديد و لو بلغ من الكثرة ما بلغ لا يكون في مثله زكاة ابدا كما هو ظاهر.

و اما الثاني: فلعل المراد مماثلة غير المسكوك بالمسكوك فان الذهب و الفضة اللذين يضرب عليهما الزكاة بحسب المتعارف هو المسكوك (بل الشرط عندنا ان يكونا مسكوكين و

عندهم في بعض مصاديق غير المسكوك خلاف فراجع). «1»

فالمعني اذا بلغ الذهب و الفضة الخارجيين من المعدن ما يكون فيه الزكاة من الدراهم و الدنانير فتأمل.

و اما ذكر خصوص نصاب الذهب دون الفضة يمكن ان يكون من باب ذكر المثال و معلومية الفضة منه.

3- من ناحية المعارض فقد روي البزنطي أيضا عن محمد بن علي بن ابي عبد اللّه عن ابي الحسن قال: «سألته عما يخرج من البحر … الي ان قال و عن معادن الذهب و الفضة هل فيهما زكاة؟ فقال: اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس». «2»

و رواه الصدوق عن ابي الحسن موسي بن جعفر عليه السّلام. «3»

______________________________

(1)- الفقه علي المذاهب الاربعة، المجلد 1، الصفحة 601.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(3)- راجع وسائل الشيعة/ المجلد 6/ الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس/ الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 104

و محمد بن علي بن ابي عبد الله و ان كان مجهولا الا ان احمد بن محمد بن ابي نصر لا يروي الا عن ثقة كما حكاه سيدنا الاستاذ العلامة البروجردي- قدس سره الشريف- عنه علي ما ففي بعض تقريراته. «1»

قال الشيخ- قدس سره- في عدة الاصول: « … و لا جل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير و صفوان بن يحيي و احمد بن محمد بن ابي نصر و غيرهم من الثقات الذين عرفوا بانهم لا يروون و لا يرسلون إلا عمّن يوثق به و بين ما اسنده غيرهم». «2»

فتكون الروايتان متعارضتين و كلاهما شاذان بحسب الفتوي و عمل القدماء و يشكل ترجيح احدهما علي

الاخر بعمل المتأخرين كما عرفت.

و بعض ما ذكرنا في تضعيف الرواية من الجهات الثلاثة و ان كان قابلا للنقض و الابرام الا انّ ملاحظة مجموعها يمنعنا عن الفتوي، و ينبغي ان يحتاط في المسألة بعدم ترك الخمس في ما نقص عن النصاب أيضا لا سيما مع وجود الاطلاقات الكثيرة الواردة مورد البيان الخالية جميعها عن هذا القيد مع انه مورد الابتلاء شديدا.

ان قلت: ما يكون أقلّ من النصاب امر نادر في المعادن، فلذا لم يتعرض له روايات الباب الا في حديث واحد فيصح تقييد تلك المطلقات الكثيرة برواية واحدة.

قلت: كلا فان عشرين دينارا يساوي 15 مثقال صيرفيا و هو في ايامنا يبلغ اكثر من 75 الف تومانا و كثير من المعادن لا سيما مثل الملح و الزرنيخ و النورة و شبهها و لا سيما في تلك الاعصار بل الامر بالعكس كما اشار اليه في

______________________________

(1)- زبدة المقال في خمس الرسول و الآل، الصفحة 19.

(2)- عدة الاصول، الصفحة 386.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 105

المصباح فانه قلما يتفق هذا النصاب في مثل الملح، فالاحتياط لا ينبغي تركه.

اما دليل القول باعتبار دينار واحد فقد عرفت ما يدل عليه من حديث البزنطي أيضا و ما فيه من اشكال في السند و اشكل منه ان الرواية معرض عنها بين الاصحاب لعدم عمل القدماء و المتأخرين بها و عدم الفتوي بها الا من شاذ قليل.

بقي هنا امور علي تقدير القول باعتبار النصاب.

اولها: هل الخمس علي جميع المعدن او بعد اخراج المئونة؟ اي مؤنة الانتاج لا ينبغي الشك في كونه بعده و قد ارسله في الجواهر ارسال المسلمات و هو كذلك لان ظاهر ادلة الخمس تعلقه بالمنافع الحاصلة لا

سيما اذا ادرجنا الجميع تحت عنوان الغنيمة، و من الواضح ان ما يحاذي المئونة ليس من المنافع بل قد تكون المئونة اكثر من منافع المعدن بحيث يكون فيه الخسارة فهل يلتزم احد بوجوب الخمس في مثله.

و قد يستدل مضافا الي ذلك بقوله عليه السّلام: «الخمس بعد المئونة» و ما ورد في صحيحة زرارة حيث قال عليه السّلام (بعد السؤال عن حكم المعدن): «ما عالجته بمالك ففيه ما اخرج الله سبحانه من حجارته مصفي الخمس». «1»

و قد يقال انه كالصريح في المقصود.

و يرد علي الاول ما عرفت من ان الظاهر من مجموع ما ورد في باب كون الخمس بعد المئونة انه مؤنة السنة لا مؤنة المكسب فراجع.

اما الثاني فظهوره غير ثابت فكيف بصراحته و انما يستفاد منه ان الخمس يتعلق بالمصفي فقبله لا خمس فيه فكأنه بصدد بيان زمان تعلق الخمس و انه لا يتعلق بتراب المعدن الا بعد التصفية فتدبر، بل قد ذكر في الجواهر ظهور

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 106

الصحيحة في هذا المعني و ان المراد تعلق الخمس بعد التصفية. «1»

فالعمدة في المسألة ما عرفت من مناسبة الحكم و الموضوع، و انصراف الاطلاقات الي تعلق الخمس بالمنافع الناشئ من ارتكاز ذلك عند المتشرعة، و الظهور العرفي المستفاد من اطلاق ادلة كون الخمس علي المعدن فان المتفاهم العرفي منه ان ما يأتي بيد الانسان مما هو داخل في ملكه يكون فيه الخمس، اما المصارف الذاهبة فلا خمس فيها.

ثانيها: هل النصاب علي القول به بعد اخراج المئونة او قبلها؟ فلو كان ما اخرج من المعدن اربعون دينارا و

مصارف اخراجه ثلثون دينارا فان قلنا بملاحظة النصاب من دون كسر المصارف فهو بالغ للنصاب و ان قلنا ان المدار بعد كسر المؤن و المصارف فهو لا يكون اكثر من عشرة دنانير فليس فيها خمس اصلا، و لكن علي الاول يكون في خصوص العشرة كما لا يخفي.

قال في المدارك في مبحث استثناء المئونة عن الخمس ما نصه: «ثم ان قلنا بالاستثناء فهل يعتبر النصاب بعد المئونة او قبلها فيخرج منه ما بقي بعد المئونة و جهان: اظهر هما الثاني» (اي كون ملاحظة النصاب قبل اخراج المئونة». «2»

و قال في الجواهر في هذا المقام ما نصه: «هل يعتبر النصاب فيما اعتبر فيه من انواع الخمس قبلها (المئونة) او بعدها؟ و جهان في المدارك، اقواهما الثاني … وفاقا للمنتهي و التذكرة و البيان و الدروس بل ظاهر الاولين كونه مجمعا عليه بيننا حيث نسب الخلاف فيه فيهما الي الشافعي بل في المسالك

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 12.

(2)- المدارك، عدد الصفحة غير مذكور فيه.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 107

نسبته الي تصريح الاصحاب أيضا بل قال انهم لم يتعرضوا فيه لخلاف» (انتهي). «1»

و استدل علي القول المشهور تارة بالاصل و ظاهره اصالة البراءة، و اخري بما هو منساق من مجموع الادلة. «2»

و اورد علي الاول ان ثبوت الخمس فيه مقطوع به علي كل حال و لو من باب ارباح المكاسب و اجيب عنه بان المراد نفي وجوب الخمس من باب المعادن حتي يكون فوريا من دون استثناء مؤنة السنة.

و الظاهر ان مراده من منساق مجموع الادلة هو انه اذا كان الخمس بعد المئونة لا بد ان يكون النصاب أيضا بعده لان الخمس يتعلق بالفوائد،

فالفوائد الثابتة بعد اخراج المؤن اذا بلغت حدا معينا وجب فيها الخمس فكأنه لا انفكاك في نظر العرف بين اخراج المؤن عن تعلق الخمس و بين اخراجها عن تعلق النصاب، لان جميع الادلة في هذه الابواب نفيا و اثباتا ناظر الي ما يصدق عليه الفائدة فهي المدار للخمس و النصاب و غيرهما.

و استدل لقول المدارك باطلاق صحيحة البزنطي، فان قوله ليس فيه شي ء حتي يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا مطلق لم يستثن منه مؤنة الاخراج مع ان الغالب وجودها في جميع المعادن.

هذا و لكن الانصاف ان هذا الاطلاق انما هو في النظر البدوي و الا فبعد ملاحظة ما ذكرناه آنفا لا يبقي له مجال، فالاقوي كون النصاب بعد اخراج المئونة فتأمل.

ثالثها: قد يكون هناك اخراجات متعددة عن معدن واحد، او اخراجات

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 83.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 83.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 108

عن معادن متعددة، او اخراج واحد عن معدن واحد لأشخاص متعددة شركاء في ذلك، او اخراج اجناس متعددة كالذهب و الفضة عن معدن واحد، فهل النصاب يراعي بعد انضمام بعضها الي بعض في جميع المقامات الاربعة من تعدد الاخراج و المعدن و الشركاء و الجنس، أم لا؟

اما بالنسبة الي الاول فقد ذكر بعض سادة اساتذتنا فيه وجوها ثلاثة:

احدها انه لا بد من ان يكون النصاب في دفعة واحدة. و الثاني انه لا فرق بين ان يكون في دفعة او دفعات. و الثالث ان يفرق بين صورتي الاعراض و عدمه. «1»

و يظهر من المحقق الهمداني ابداء وجه رابع حيث قال: «ان الاعراض المتخلل في البين ان كان علي وجه عد العود اليه

في العرف عملا مستأنفا من غير ارتباط بعضها ببعض لوحظ كل واحد مستقلا في النصاب، اما اذا كان عوده اليه بمنزلة اعراضه عن الاعراض السابق و الرجوع الي عمله فهو بمنزلة عمل واحد، ثم رجع عنه و ذكر في ذيل كلامه ان القول بكفاية بلوغ المجموع، النصاب مطلقا ان لم يكن اقوي فهو احوط» (انتهي ملخصا). «2»

اقول: لم يرد في النصوص دليل خاص علي هذا الحكم و المرجع هو الاطلاقات، و قد يقال- كما في الحدائق- «ان ظاهر النصوص المتقدمة وجوب الخمس هنا كيف اتفق الاخراج و التقييد بعدم الاعراض يحتاج الي دليل و ليس فليس». «3»

و اختاره بعين هذا الدليل في زبدة المقال و به افتي في الجواهر ثم حكي عن العلامة في المنتهي الفرق بين صورة الاعراض و عدمه ثم قال لم نعرف له

______________________________

(1)- زبدة المقال في خمس الرسول و الآل، الصفحة 21.

(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 114.

(3)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 331.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 109

مأخذا معتدا به. «1»

و اختار الاحتياط بالانضمام مطلقا في العروة هنا، و الانصاف ان المدار هنا علي الصدق العرفي فكلما يعد اخراجا واحدا يعتبر فيه النصاب لان قوله «ما اخرج من المعدن» ظاهر في الاخراج الواحد و ان كان بدفعات عديدة، و اما الاخراجات المتعددة فيعتبر فيها نصابات متعددة، و الظاهر ان التعدد حاصل بالاعراض عرفا و لا اثر لما ذكره في المصباح من انه اذا رجع الي عمله و اعرض عن اعراضه يعد شيئا واحدا، فان الاعراض العملي (لا في النية فقط) اذا حصل في الخارج لا يقيده الاعراض عن الاعراض، بل لا معني له.

هذا بالنسبة الي الاخراجات المتعددة، اما اذا

كانت المعادن متعددة فيه كلام بين الاصحاب.

اختار في الجواهر في اول كلامه: انه لا فرق بين المعدن الواحد و المعادن المتعددة و ان الجميع تحسب واحدا في النصاب ثم نقل هذا القول عن استاده كاشف الغطاء تبعا لصاحب المسالك و صاحب المدارك في وجه فيهما ثم قال: الانصاف عدم خلوه عن الاشكال. «2»

و حكي في المصباح عن شيخنا المرتضي- قدس سره- اعتبار الوحدة و عن غير واحد التوقف في المسألة. «3»

اقول: لو كانت المعادن متقاربة في ارض واحدة بحيث يعد الجميع في العرف واحدا فلا كلام، و ان كانت متباعدة بحيث تعد متعددة فالانصاف اعتبار الوحدة فيها في النصاب لظهور صحيحة البزنطي في ذلك، نعم عند الشك يشكل الرجوع الي الاصل كما ذكره في الجواهر الظاهر في اصالة

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 19.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 21.

(3)- مصباح الفقيه، الصفحة 115.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 110

البراءة، بل الظاهر الرجوع الي العمومات و الحكم يتعلق الخمس بموارد الشك اذا بلغ المجموع نصابا لأنه المتيقن.

اما اذا اشترك جماعة في الاخراج و لم يبلغ حصة كل واحد منهم النصاب و لكن بلغ المجموع نصابا، فقد قال في العروة بان الظاهر وجوب خمسه و لم يخالفه الا قليل من المحشين.

و حكي في الجواهر عن غير واحد التصريح بعدم الوجوب قال: «بل لا اعرف فيه من صرح بخلافه» ثم قال: «لكن قد يقال بظهور صحيح ابن ابي نصر السابق بل و غيره من الاخبار بخلافه كما اعترف به الشهيد في بيانه و هو احوط ان لم يكن اولي بل قد يدعي ظهور الصحيح المذكور في عدم اعتبار ذلك في المتعددين غير الشركاء أيضا

و ان كان بعيد جدا ان لم يكن ممتنعا. «1»

اقول: قد عرفت ان الخمس في الواقع يتعلق بالفوائد و المنافع و الغنيمة بالمعني الاعم، و من الواضح ان فائدة كل انسان امر مستقل لنفسه و بالجملة الخمس و ان تعلق بالمعدن و لكنه بما هو منفعة لصاحبه و طبيعة الحال يقتضي ملاحظة نفع كل انسان بحاله.

و بالجملة: اطلاق صحيحة البزنطي منصرف الي وجوب الخمس علي كل انسان اذا بلغ سهمه من المعدن بمقدار النصاب (علي القول به) و الظاهر ان عدم تصريح الاصحاب بخلافه انما نشاء من هذه الجهة.

و اعجب من مسألة الشركاء ما عرفت من الجواهر من كلامه الخير من ملاحظة النصاب في المجموع، و لو لم يكن هؤلاء شركاء بل كان كل منهم مستقل في الاخراج عن معدن واحد.

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 20.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 111

و اما الرابع فحاله اوضح من الجميع، فانه لا بد من ملاحظة مجموع الاجناس المستخرجة من معدن واحد شيئا واحدا و لحاظ النصاب فيها، لإطلاق صحيحة البزنطي من هذه الناحية.

هذا و لكن قال المحقق النراقي في المستند ما نصه: «و في اعتبار اتحاد النوع و جهان احتملهما في البيان و استجود في الروضة الاعتبار و كأنه للأصل و الشك في دخول الانواع المختلفة في الافراد المتبادرة من الاطلاق و اختار في المنتهي و التذكرة و التحرير و المدارك العدم لما مر من اطلاق النص و هو الاظهر لذلك (يعني للإطلاق) (انتهي)». «1»

و من الجدير بالذكر ان المعادن كثيرا ما توجد مركبا من جواهر مختلفة، فلو كان كل جنس يحتاج الي نصاب خاص لم يصح اطلاق الكلام في حديث البزنطي، لأنه

يلزم منه كون الرواية ناظرة الي الفرد النّادر من المعدن المستخرج منه جنس واحد مع ان الغالب فيه اخراج اجناس متعددة من معدن واحد.

رابعها: قال في العروة

لا يعتبر استمرار التكون و دوامه

يعني اذا كان في المعدن مقدارا محدودا من الجوهر بما يبلغ النصاب و استخرجه وجب عليه الخمس و ان لم يوجد فيه شي ء آخر بعد ذلك، و هو امر واضح فان جميع المعادن او غالبها فيها مقادير معينة من الجواهر كثيرة كانت او قليلة و قلما تتكوّن الجواهر في زمان قصير بل في زمان طويل جدا قد يكون آلاف او ملائين سنة او بمقدار عمر الارض، و علي كل حال لا يعتبر في صدق المعدن ان يكون مركزا للتكون الجديد مثل البئر بالنسبة الي الماء كل ذلك لإطلاق الادلة.

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 79.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 112

بقي هنا مسائل

الأولي: في حكم تراب المعدن قبل التصفية

و قد يقع الكلام تارة في تعلق الخمس به حينئذ و اخري في جواز اداء الخمس منه.

اما الاول فقد عرفت كلام الجواهر آنفا و انه استظهر من ذيل صحيحة زرارة «1» تعلق الخمس بعد التصفية و ظهور الجوهر و حكي في مصباح الفقيه انه في الكتاب المنسوب الي شيخنا المرتضي و الظاهر ان اول وقته بعد التصفية فيما يحتاج اليها لظاهر صحيحة زرارة …

ثم قال: «فعلي هذا لو نقله الي آخر ببيع او صلح و نحوه قبل التصفية لا يجب الخمس علي احدهما (و كأنه استغرب هذا) ثم اجاب عن رواية زرارة بانها ناظرة الي بيان وجوب الخمس فيما يخرج من حجارته مصفي لا ان اول وقته بعد التصفية». «2»

اقول: الانصاف ان الاستدلال بها مشكل و ان كان المراد المصفي

من الحجارات لا المصفي من المؤن كما توهم، و ذلك لاحتمال كونه ناظرا الي التعارف الغالب من ان الانتفاع بهذه المعادن انما يكون بعد التصفية و يشهد لذلك جعله في مقابل الركاز في الرواية فكأنه قال ان كان شيئا ينتفع به بغير معالجة يؤخذ خمسه و ان كان يحتاج الي العلاج فيعد ما يصالح و يكون قابلا للانتفاع.

و بالجملة لا يمكن رفع اليد عن الاطلاقات الدالة علي وجوب الخمس من اول الاستخراج بمثل هذا الظهور الضعيف بل لعله لا ظهور له.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 و قد مر ذكرها.

(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 113.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 113

هذا مضافا الي ان حديث الاول من الباب 6 من ابواب ما يجب فيه الخمس «1» كالصريح في تعلق الخمس بتراب المعدن و ان كان سنده لا يخلوا عن ضعف فلا أقلّ من تأييده للمقصود.

نعم اذا كان اخراج خمس التراب غير متعارف اشكل الرجوع فيه الي الاطلاقات.

ان قلت: الخمس يتعلق بالعين.

قلت: نعم و لكنه اجاز عليه السّلام بيعه الفضولي فاخذ العوض.

اما الثاني: اعني اداء الخمس من نفس تراب المعدن، فقد فصل في العروة بين ما اذا علم بتساوي الاجزاء في الاشتمال علي الجوهر او بالزيادة فيما اخرجه فيجوز و ما ليس كذلك فلا يجوز، و الوجه فيه التمسك بقاعدة الاشتغال ظاهرا.

لكن الانصاف ان يفصل بين ما اذا كان قيمة التراب متساويا و هذا المعني متعارف في كثير من ممالك الارض، فانهم يستخرجون احجار الحديد او الصفر او غير ذلك من المعادن و يصدرونها الي بلاد اخري بقيم معلومة فمثل هذا مما لا اشكال في

جواز اخراج الخمس من ترابه علم بتساوي الجواهر أم لا، لان المدار علي مساواة القيمة فيها و هو حاصل و ان كانت

______________________________

(1)- عن الحرث بن حصيرة الازدي قال: «وجد رجل ركازا علي عهد امير المؤمنين (ع) فابتاعه ابي منه بثلاثمائة درهم و مأئة شاة متبع فلامته أمي و قالت: اخذت هذه بثلاثمائة شاة اولادها مأئة و انفسها مائة و ما في بطونها مأئة قال: فندم ابي فانطلق ليستقيله فابي عليه الرجل فقال خذ مني عشر شياة خذ مني عشرين شياة فاعياه فاخذ ابي الركاز و اخرج منه قيمة الف شاة فاتاه الآخر فقال: خذ غنمك و اتني ما شئت فابي فعالجه فاعياه فقال: لاضرن بك فاستعدي امير المؤمنين (ع) علي ابي فلما قص ابي علي امير المؤمنين (ع) امره قال لصاحب الركاز: ادّ خمس ما اخذت فان الخمس عليك فانك انت الذي وجدت الركاز و ليس علي الآخر شي ء لأنه انما اخذ ثمن غنمه».

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 114

التراب مختلفة بحسب القيمة، فلا بد من اداء ما يساوي خمس قيمتها قليلا كان او كثيرا بحسب الوزن و المقدار.

و اما ان لم يكن للتراب قيمة و لا يوجد له باذل فاداء الخمس منه مشكل جدّا بل لا بد من ادائه بعد التصفية لانصراف العمومات و الاطلاقات منه كما هو ظاهر. «1»

*** الثانية: هل الاستخراج شرط في وجوب الخمس أم لا؟

فاذا خرج تراب المعدن و احجاره، او نفس الجوهر الخالص الموجود فيه بسبب طبيعي كالسيل و المطر و الريح و الزلازل فاخذه انسان و تملكه، او علم باخراج انسان له و لم يخرج الخمس منه فهل علي الواجد الخمس؟

و المحكي عن كاشف الغطاء انه لو وجد شيئا من المعدن مطروحا في

الصحراء فاخذه فلا خمس.

و يظهر ذلك مما حكاه المحقق الهمداني عن المحقق الأردبيلي أيضا، و لكن ظاهر العروة وجوب الخمس في الجميع من باب الاحتياط الوجوبي.

و فصل في مصباح الفقيه بين ما اذا كان الاخراج بسبب الرياح و جري السيول و شبهها فلا يجب، و ما كان بفعل انسان غير المالك فيجب بدعوي الغاء خصوصية الفاعل عرفا.

اقول: التحقيق ان يقال ان للمسألة صور، احدها- ما اذا كان المخرج من قبيل السيل و المطر و الريح و حينئذ لا يبعد القول بتعلق الخمس به لا لشمول عنوان «المعدن» او ما يخرج عن المعادن و اشباههما للمقام، لعدم

______________________________

(1)- و الحاصل انه ان كان لتراب المعدن قيمة و يوجد له باذل يكفي اداء خمسه بما يحاذي خمس القيمة و الا فيشكل اداء الخمس منه مطلقا.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 115

شمولها له ظاهرا بعد خروجه عن محل المعدن و كان مطروحا في الصحراء، و اما الاستناد الي التعبير بالركاز الوارد في بعض الروايات فلا يفيد اكثر مما يستفاد من التعبير بالمعدن، لأنه في مقام بيان طبيعة المعدن من ارتكازه في الارض و ساكت عن اشتراط الاستخراج و عدمه بل لإلغاء الخصوصية عرفا عنه لان العرف لا يري فرقا بينهما بل صار الامر عليه اسهل، فيجري عليه احكام خمس المعدن لا خمس مطلق الارباح و لا أقلّ من انه احوط لما عرفت من عدم اعتبار النّصاب فيه.

ثانيها: ما اخرج بيد انسان و قصد حيازته فهو ماله و الخمس عليه فان عرف صاحبه اخذ منه و ان لم يعرف كان بحكم اللقطة او مجهول المالك و حكم خمسه يظهر مما يأتي. و اما اذا لم يقصد حيازته

كما اذا اراد حفر بئر او بناء جدار و اخرج التراب من الارض لبناء الاساس و كان ذلك تراب المعدن فلم يعرفه او عرفه و لم يعتن به، يجوز لغيره اخذه و لا يبعد وجوب اداء خمسه لما عرفت من الغاء الخصوصية.

و هناك صورة ثالثة و هو ما اذا قصد تملكه ثم اعرض عنه، و حينئذ يجوز تملكه لكل من يحوزه لان الاعراض سبب للخروج عن الملك علي الاقوي، لجريان سيرة العقلاء عليه و لكن الخمس المتعلق بالعين باق فيه. و ان شئت قلت: الاعراض يؤثر في اربعة اخماس منه لا في الجميع، و اذا شك في اداء خمسه قبل الاعراض امكن حمل فعله علي الصحة لان الاعراض عنه حينئذ حرام، و كذا في الصور السابقة لان الخمس فوري. «1»

______________________________

(1)- و الحاصل: ان الخمس في جميع صور المسألة ثابت الّا اذا احتمل ادائه بعد الحيازة في وقت ممكن. و هكذا نعدل عما ذكرناه سابقا في تعليقتنا علي العروة الوثقي من اشتراط الاستخراج.

ثم لا يخفي انه يجوز اجراء قاعدة اليد في الصورة الثالثة أيضا فان الظاهر منها مالكية الاول (اعني

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 116

و مما ذكرنا ظهر الاشكال في ظاهر عبارة العروة حيث قال: «او انسان لم يخرج خمسه وجب عليه اخراج خمسه» و ذلك لان ذلك الانسان ان قصد الحيازة فلا يجوز اخذ هذا المعدن حتي يخرج خمسه و ان لم يقصد فلم يتعلق به الخمس، فاي معني لقوله لم يخرج خمسه بعد فرض عدم الحيازة اللهم الا ان يحوزه ثم يعرض عنه.

*** الثالثة: في حكم المعادن المستخرجة عن الأراضي المختلفة من حيث الملكية
اشارة

حتي يتعلق بها الخمس فنقول و منه سبحانه نستمد التوفيق و الهداية.

المعادن علي اقسام

1- تارة تكون في ارض مملوكة لإنسان خاص.

2- اخري تكون في الاراضي المفتوحة عنوة.

و المراد منها ما كان في معمور تلك الاراضي فان غير معمورها بحكم الانفال.

3- ما كان في ارض موات.

قال في الجواهر في ابواب الخمس ما حاصله: انه قد اختلف كلمات الاصحاب في المعادن و هم بين من أطلق كونها من الانفال و انها للإمام عليه السّلام كالمفيد و عن الكليني و الشيخ و الديلمي و القاضي و القمي في تفسيره و اختاره في الكفاية كما عن الذخيرة و هو ظاهر كاشف الغطاء (من دون فرق بين ما كان في ارض مملوك او غيره).

______________________________

المخرج) لمجموع ما اخرجه لا لأربعة اخماسه فقط.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 117

و بين من أطلق كونها من المباحات الاصلية و ان الناس فيها شرع سواء كما اختاره المحقق في النافع و الشهيد في البيان بل حكاه في الروضة عن جماعة.

و بين من فصل بين ارضه و غيرها كابن ادريس الحلي و العلامة في المنتهي بل و التحرير و الشهيد في الروضة و غيرهم «1» و ذكر المسألة في كتاب احياء الموات و ادعي: ان المشهور نقلا و تحصيلا علي ان الناس فيها شرع سواء بل قيل قد يلوح من محكي المبسوط و السرائر نفي الخلاف فيه. «2»

و لكن صرح في بعض فروع المسألة: انه لو احيا ارضا فيها معدن باطن ملكه تبعا لها بلا خلاف اجده فيه كما عن المبسوط و السرائر الاعتراف به بل قيل ان ظاهر الاول بل الثاني نفيه بين المسلمين. «3»

اقول: الظاهر انه لا يوجد ثمرة مهمة عملية بين

كونها من المباحات الاصلية او كونها من الانفال في زماننا بعد اذنهم- عليهم السلام- في تملك الانفال لمن احياها، نعم قد تظهر الثمرة بالنسبة الي الحاجة الي اذن الحكومة الاسلامية و نائب الغيبة.

فالعمدة اثبات كونها من الأنفال مطلقا او التفصيل، فقد استدل علي كونها من الانفال مطلقا بروايات عديدة:

1- موثقة اسحاق بن عمار قال: «سألت ابا عبد الله عليه السّلام عن الانفال.

فقال: هي القري التي قد خربت و انجلي اهلها فهي لله و للرسول و ما كان للملوك فهو للإمام و ما كان من الارض بخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 129.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 38، الصفحة 108.

(3)- نفس المصدر، الصفحة 113.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 118

و كل ارض لا رب لها و المعادن منها و من مات و ليس له مولي فماله من الأنفال.» «1»

و لكن الكلام بعد في ان صحيح العبارة «المعادن منها» او «المعادن فيها» فان كان الثاني اختص بالمعادن الموجودة في اراضي الانفال، و اما علي الاول يمكن دعوي الاطلاق و ان كان أيضا لا يخلو عن اشكال و ذلك لاحتمال كون (من) تبعيضية فيصير المعني هكذا: و المعادن التي تكون من الاراضي الخربة تعد من الانفال فالاخذ بعموم الحديث علي كل حال مشكل.

2- مرسلة العياشي عن ابي بصير عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «لنا الانفال.

قلت: و ما الانفال؟ قال: منها المعادن و الاجام و كل ارض لا رب لها و كل ارض باد اهلها فهو لنا». «2»

3- مرسلته عن داود بن فرقد و رواه بطريق اخر في المستدرك في الباب الاول من الانفال الحديث الاول من كتاب عاصم

بن جميل عن ابي عبد الله عليه السّلام (في حديث) قال: «قلت: و ما الانفال؟ قال: بطون الاودية و رءوس الجبال و الآجام و المعادن و كل ارض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و كل ارض ميتة قد جلا اهلها و قطائع الملوك». «3»

فما صحت اسناده لا دلالة فيها و ما يدل لا سند له بل يمكن ان يقال انه لا دلالة للأخرين أيضا لانصرافهما الي الفرد الغالب من المعادن و هو الموجود في اراضي الموات.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب الاول من ابواب الانفال، الحديث 20.

(2)- نفس المصدر، الحديث 28.

(3)- نفس المصدر، الحديث 32.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 119

اما القول الثاني اي كون الناس في المعادن شرعا سواء، فقد استدل له في الجواهر بامور:

1- الاصل. 2- السيرة. 3- اشعار اطلاق اخبار الخمس في المعادن، ضرورة انه لا معني لوجوبه علي الغير و هي ملك للإمام عليه السّلام. «1»

و مراده من الاصل هو اصالة الاباحة او اصالة عدم استقرار ملك احد عليها، و مراده من السيرة انتفاع الناس بالمعادن من دون استيذان الامام عليه السّلام و اما اخبار الخمس فالاولي ان يقال انها ظاهرة في كون ما عدا الخمس للمستخرجين لا انها مشعرة، و هذا دليل علي جواز تملك المعادن لكل احد.

هذا و لكن الاخيرين لا ينافيان كونها للإمام مع عموم اذنه للتصرف و التملك لكل احد احياها كما هو كذلك بالنسبة الي الموات و شبهها.

و لكن الخروج عن الاصل بلا دليل مشكل، و قد يقال ان المعادن من سنخ الانفال فان المعمول بين جميع الدول جعل ما لا رب لها خصوصا مثل المعادن من الاموال العامة التي امره

بيد الحكومة.

اقول: هذا استحسان ظني لا يبلغ حد القطع و لا يمكن الركون اليه في الخروج عن الاصل. و اما ادعاء كونه مما استقرت عليه سيرة العقلاء، فلا تجدي الا اذا ثبت استمراره الي زمن المعصوم عليه السّلام و عدم ردعه عنه، و الظاهر خلافه لان المعادن في عصرهم- عليهم السلام- لم تكن امرها بيد الحكومة.

و اما القول الثالث اي التفصيل فيدل عليه: اولا- ما عرفت من تسالم القوم عليه، و عدم نقل خلاف من احد بل يظهر من كلماتهم ارساله ارسال المسلمات، و الامور المجمع عليها.

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 129.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 120

و ثانيا- ما قد يقال ان مقتضي الاحياء هو ملك الارض و ملك المنافع بتبعها بحسب استقرار السيرة العقلائيه.

و لكن يرد عليه امران:

1- لا بد في الحيازة و الاحياء القصد، فلو كان هناك معدن تحت ارض و احياها انسان من دون علم بوجود المعدن فيها فلم يقصد حيازتها و المفروض عدم بلوغ الاحياء للمعدن، فكيف يمكن الحكم بالتبعية و لذا ذكر القوم انه لو وجدت لؤلؤة في بطن سمك فهو لواجدها و ان كان هو المشتري لا بايع السمك مع انه الذي قصد حيازة السمك اولا فلما ذا لا يقال انه ملك اللؤلؤ بالتبع (و قد نطقت بهذا الحكم اخبار عديدة (رواها في الوسائل) و افتي به الاصحاب).

اللهم الا ان يقال: ان وجود اللؤلؤ في السمك امر نادر خارج عن طبيعته فلا يتوجه اليه القصد حتي بالتبع، بخلاف وجود المعدن في الاراضي، و لذا صرح القوم بان الكنز اذا وجد في دار اشتراها من بايع قبله و علم بانه ليس من امواله فهو لواجده،

مع فتواهم بان المعدن تابع للأرض المملوكة و ليس هذا الا للفرق الظاهر بين الكنز و المعدن.

و الحاصل: انه لا يبعد ان يقال ان المعدن يملك بالتبع و لا يحتاج الي قصد الحيازة تفصيلا بل يكفيه القصد الإجمالي كما هو كذلك في المياه الموجودة تحت الارض لا سيما اذا كان قريبا منها فانه يملكها و ان لم يعلم بها و لم يقصد حيازتها تفصيلا، فالقصد الإجمالي في جميع ذلك كاف.

و يمكن ان يقال: ان مالك الارض و ان لم يكن مالكا لذلك المعدن لعدم احيائه (فان المعدن أيضا يحتاج الي الاحياء في تملكه) و لكن مالك الارض اولي و احق من غيره بذلك، و هذا المعني قريب جدا.

2- لا بد من التفصيل هنا (اولا) بين المعادن التي تكون قريبة من الارض

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 121

بحيث تعد تابعة لها، و ما تكون بعيدة عنها بحيث لا تعد في العرف تابعة لها فالاول ملك لمالكه و الثاني لا، و بين المعادن الصغار و الكبار.

ان قلت: كيف يمكن هذا التفصيل و قد اشتهر بينهم ان الانسان اذا ملك ارضا ملك ما فوقها الي عنان السماء و ما تحتها الي تخوم الارض بالتبع.

قلت: كلا، هذه من المشهورات التي لا اصل لها فان قاعدة التبعية في الملك متخذة من العقلاء و قد امضاها الشارع، و العقلاء يجعلون له حدا متعارفا فمن ملك ارضا ملك ما تحتها مما تبلغه السراديب و الآبار، و ما فوقها مما تبلغه الغرف المبنية فوقها بل و ما يسمي اليوم بناطحات السحاب و اما ما ورائها فلا، فلو طار طائرة من فوق الاراضي المعمورة او البيوت في البلاد من دون اذن

مالكي الاراضي و البيوت لا يعد غاصبا و كذا من حفر نقبا في عمق آلاف متر مثلا، فلا مانع لإخراج المعادن الموجود في ذاك العمق و شبهه. و امّا ما ورد في الكعبة من امتداده من تخوم الارض الي عنان السماء فهو مختص بها و تدل عليه الرواية. و لو شك في ذلك فالاصل عدم التبعية لأنه مردد بين الاقل و الاكثر، او يقال الاصل هو الاباحة.

و هكذا المعادن الكبار، فانها لا تدخل تحت ملكية فرد خاص كما اذا كان منابع النفط و البترول العظيمة الكبار تحت بعض الاراضي المملوكة، نعم لصاحب الارض الانتفاع بها و تملكها بمقدار جرت العادة عليه لأوضع اليد علي جميعها و اختصاصها بها دون الناس.

و السر في ذلك ان احياء الموات و كذا حيازة المباحات و غيرها من اشباهها، لها حدود عقلائية فلا يرخصون لواحد من الناس احياء او تحجير ما بين البصرة و الكوفة و مكة و المدينة و لو قدر عليه، او حيازة جميع اسماك البحر و طيور الهواء و لو قدر عليها، بل يجعلون لكل انسان سهما يحده العقلاء، و كذا الامر بالنسبة الي حيازة المعادن او احيائها فله ذلك

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 122

بمقدار حاجاته الضرورية او الرفاهية و ما هو متداول في الكسب. «1»

بقي هنا شي ء و هو انه لو اخرج غير المالك المعدن الموجود في ارض مملوكة (بما عرفت له من القيود) فقد صرح في العروة بانه لا يملكه و يكون لصاحب الارض و عليه الخمس من دون استثناء المئونة لأنه لم يصرف عليه مؤنة.

اقول: هذا مبني علي كونه ملكا لصاحب الارض و لكن هنا احتمال آخر ليس به بأس

و هو ان يكون هو اولي من غيره بتملكه لا انه ملكه فعلا و حينئذ لا يملكه الا بعد قصد حيازته فيجب عليه الخمس مع انه لو قلنا بكونه ملكا لصاحب الارض وجب عليه خمسه سواء قصد الحيازة أم لا و هذا هو الفرق بين القولين و حيث انه يقصد حيازته بعد الاستخراج يأتي الكلام السابق في تعلق الخمس به و عدمه لأنه من قبيل ما أخرجه السيل او الانسان بدون قصد التملك لان المفروض عدم جواز تملكه للمخرج و ان قصده كلا قصد، و الامر سهل بعد ما عرفت من وجود الخمس في جميع صور المسألة.

*** الرابعة: إذا كان المعدن في معمور الأرض المفتوحة عنوة

التي هي للمسلمين فاخرجه واحد من المسلمين فهل يملكه اولا؟ مقتضي ما عرفت آنفا من مسألة التبعية في كثير من المعادن هو كون المعادن الواقعة في هذه الاراضي تابعة لها و كذلك ما وقع في الانفال، فان الظاهر ان التبعية في الملك امر واحد في الجميع كالمرافق الثانية للأملاك.

______________________________

(1)- و الحاصل انه يفصل بين ما يكون قريبا من الارض بحيث يعد تبعا لها و بين ما يكون بعيدا لا يعد تبعا و كذا بين المعادن الصغار التي يتداول تملكها لكل احد و بين غيرها.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 123

و ما في مستند العروة من دعوي القطع بعدم التبعية و ان المعادن الكامنة في اجوافها ملك لمخرجها لا لعامة المسلمين عجيب، و كأنّ سبب هذا الادعاء هو السيرة الجارية من استخراج الناس المعادن في غير املاكهم الشخصيّة مع عدم ورود ردع من الائمة- عليهم السلام- عليهم لكن فيه انه كان باذنهم- عليهم السلام- و لا غرو في عدم الاشارة اليه و لو في رواية واحدة

بعد ما عرفت من حكم العقلاء بالتبعية.

و حينئذ فالظاهر وجوب استيذان الحاكم الشرعي في استخراج ما كان في معمور الاراضي الخراجية و اداء خراجها اليه لان امر تلك الاراضي بيد الحاكم يتولاها في طريق منافع المسلمين فتأمل.

و من هنا يعلم ان الامر في اراضي الانفال كذلك فهي للإمام عليه السّلام او من اباحها له، و حيث انهم اذنوا اذنا عاما لمن يحييها و ينتفع بها لا يبقي اشكال من هذه الناحية، و لا تنحصر اخبار خمس المعادن علي كثرتها علي المعادن الواقعة في الاملاك الشخصية كما ذكره مستند العروة.

*** اما اذا اخرج غير المسلم المعادن الموجودة في الاراضي المفتوحة عنوة فقد اشكل في العروة في تملكه، و اما اذا كان في اراضي الموات (الموات حال الفتح) فاجاز تملكه و عليه الخمس، و لكن كلمات الاصحاب في ذلك مختلفة:

قال الشيخ في الخلاف: «الذمي اذا عمل في المعدن يمنع منه فان خالف و اخرج شيئا منه ملكه و يؤخذ منه الخمس و به قال ابو حنيفة و الشافعي الا انه قال لا يؤخذ منه شي ء لأنه زكاة و لا يؤخذ منه زكاة». «1»

______________________________

(1)- كتاب الخلاف، المسألة 43 من مسائل الزكاة.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 124

و قال في المدارك بعد نقل كلام الشيخ: «لم يدل دليل علي منع الذمي من ذلك (انتهي)».

و قال في الجواهر: «نعم اعترف في المدارك بانه لم يقف له علي دليل يقضي بمنع الذمي من العمل في المعدن و هو كذلك بالنسبة الي غير ما كان في ملك الامام عليه السّلام من الاراضي الميتة و نحوها او المسلمين كالأراضي المفتوحة عنوة اما فيها فقد يقال بعدم ملكه اصلا فضلا عن

منعه فقط لعدم العلم بتحقق الاذن من الامام عليه السّلام لهم في الاول و عدم كونه من المسلمين في الثاني كما انه قد يقال ببقاء المعادن علي الاباحة الاصلية لسائر بني آدم من الحطب و الماء و ان كانت في الاراضي المذكورة او يقال بالفرق بين ما كان للإمام عليه السّلام و المسلمين فيلتزم بعدم الملك في الثاني دون الاول لعموم اذنه عليه السّلام الحاصل من قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم من أحيا ارضا ميتة فهي له او يفرق بين الذمي و غيره بامكان التزام معاملة الذمي لذمته معاملة المسلمين في نحو ذلك دون غيره». «1»

فاذن الاقوال او الاحتمالات في المسألة خمسة:

1- كونها كالمباحات الاصلية يجوز حيازتها و تملكها لكل احد.

2- لا يجوز التصرف فيها و لكن يملكها اذا استخرجها.

3- الفرق بين ما كان في الموات و المفتوحة عنوة فيجوز في الاول دون الثاني.

4- الفرق بين الكافر الذمي و الحربي فيجوز للأول دون الثاني.

5- القول بعدم ملكهم مطلقا.

و قال المحقق الهمداني بعدم الريب في كونها بحكم الماء و الكلاء

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 23.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 125

الموجودين فيها، يجوز الانتفاع بها لكل احد. «1»

اقول: التحقيق ان يقال اما بالنسبة الي ملكية المعادن فقد عرفت ان مقتضي قاعدة التبعية الموجودة عند العقلاء الممضاة من قبل الشارع هو كون المعادن في الانفال ملكا للإمام عليه السّلام و الموجودة في المحياة من المفتوحة عنوة ملك لجميع المسلمين، الا ان يكون في اعماق الارض بحيث لا تشمله قاعدة التبعية، نعم اذا كانت المعادن خارجة عن هذه الاراضي كلها مثل ما كان في تحت البحار او الانهار، او كانت في

اعماق الارض بحيث لا تشملها التبعية كانت من المباحات الاصلية، فالقول بانها من المباحات مطلقا لا سيما مع دعوي عدم الريب فيه- كما سمعته من المحقق الهمداني كلام بلا دليل.

اما بالنسبة الي جواز تملكها بالاحياء و الاستخراج فقد يقال، ان ادلة الاذن في احياء الموات لكل احد من آحاد الناس كما هو مقتضي اطلاق الاخبار دليل علي جواز استخراجها لكل احد.

قال في الجواهر بعد قول المحقق: «فهي (اي المعادن) تملك بالاحياء» لصدق الاحياء الذي هو سبب الملك … فان احياء كل شي ء بحسبه، و من هنا يملك البئر ببلوغه الماء الذي هو فيها اذ هو كالجوهر الكائن فيها و يبلغه بحفرها و حينئذ فلو قهره ظالم و اخرج منه شيئا كان ملكا للمحيي بل و لا اجرة للظالم.» «2»

و العمدة هو ثبوت الاذن منهم- عليهم السلام- في ذلك: ظاهر اطلاق الصحيحة المروية علي لسان سبعة من الفضلاء (زرارة و محمد بن مسلم و ابي بصير و فضيل و بكير و حمران و عبد الرحمن بن ابي عبد الله) عن الصادقين

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 114.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 38، الصفحة 111 و 110.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 126

- عليهما السلام- عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم: «من أحيا ارضا مواتا فهي له». «1»

و كذا غيره من اشباهه مثل قول الباقر عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام: «ايما قوم احيوا شيئا من الارض او عمروها فهم احق بها» «2» و غيرها من اشباهها هو العموم من دون فرق بين اصناف الناس من المؤمن و الكافر باقسامه.

و تؤيده السيرة المستمرة لان المسلمين يعاملون مع ما يخرجه

الكفار من المعادن معاملة الملك في جميع الاعصار و الامصار، فهم لم يزالوا و لا يزالون يستخرجونها و يبيعونها في بلاد المسلمين و غيرها.

بناء علي صدق الاحياء علي استخراجها لان المرجع فيها العرف كما صرح به المحقق في الشرائع و قرره عليه في الجواهر بل ادعي عدم الخلاف بين الاصحاب في ذلك «3» و قد عرفت كلامه في كون احياء كل شي ء بحسبه فيكون احياء المعدن باخراجه.

اللهم الا ان يقال ان ظاهر كلمة «الارض» عدم شمولها فان استخراج المعدن يعدّ احياء لها لا احياء للأرض فلا يشمله الحديث، لأنه قال صلي اللّه عليه و آله و سلم:

«من أحيا ارضا» لا معدنا لا سيما اذا كان المعدن من قبيل المملحة و شبهها، و حينئذ لا يبقي هناك دليل الا السيرة المستمرة و هي غير بعيدة عن الحق لكن لقائل ان يقول ان استخراج المعدن في الاراضي التي تصلح له دون غيره من الزراعة و امثالها يعد احياء للأرض، فان احياء الاراضي الصالحة للزرع او الغرس بزراعتها و الغرس فيها و احياء الاراضي المعدنية باستخراج المعدن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 1 من كتاب احياء الموات، الحديث 5.

(2)- نفس المصدر، الحديث 3.

(3)- جواهر الكلام، المجلد 38، الصفحة 65.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 127

منها، فتدبر. نعم اذا أحيا أرضا ميتة كان فيها معدن امكن الحكم بملكيتها للكافر بالتبع، و لكن هذا غير كاف في اثبات المطلوب.

هذا و قد يقال: «ان الاخبار المستفيضة الصادرة عن الائمة- عليهم السلام- الواردة في مقام التعريض علي المخالفين كالنص في قصر الرخصة و اباحة ما يتعلق بهم من الاراضي و غيرها علي شيعتهم». «1»

و هو اشارة الي:

1- ما رواه

مسمع بن عبد الملك عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: اني كنت وليت الغوص فاصبت أربعمائة الف درهم و قد جئت بخمسها ثمانين الف درهم و كرهت ان احبسها عنك و اعرض لها و هي حقك الذي جعل الله تعالي لك في اموالنا. فقال: و ما لنا من الارض و ما اخرج الله منها الا الخمس يا ابا سيار الارض كلها لنا فما اخرج الله منها من شي ء فهو لنا. قال قلت له: انا احمل إليك المال كله. فقال لي: يا أبا سيار قد طيبناه لك و حللناك منه فضمّ إليك مالك و كلّ ما كان في ايدي شيعتنا من الارض فهم فيه محللون و محلل لهم ذلك الي ان يقوم قائمنا فيجيبهم طسق ما كان في ايدي سواهم فان كسبهم من الارض حرام عليهم حتي يقوم قائمنا فيأخذ الارض من ايديهم و يخرجهم منها صغرة». «2» و لكنها اشارة الي ان ملكية الارض كلها لهم و هو ملك في طول ملكية المالكين، و لا بد ان يفسر الملك فيه بمعني آخر غير ما هو المعهود منه في الفقه فتأمل.

2- ما رواه عمر بن يزيد قال: «سمعت رجلا من اهل الجبل يسأل ابا عبد الله عليه السّلام عن رجل اخذ ارضا مواتا تركها اهلها فعمرها و كري انهارها

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 114.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 128

و بني فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا؟ قال فقال ابو عبد الله عليه السّلام: كان امير المؤمنين عليه السّلام يقول: من أحيا ارضا من

المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤديه الي الامام في حال الهدنة فاذا ظهر القائم فليوطن نفسه علي ان تؤخذ منه». «1» فان التقييد بالمؤمنين في مقام التحديد يدل علي المفهوم، و لكن الظاهر ان الحكم فيه كان مختصا بزمان علي عليه السّلام لعدم وجوب الطسق في احياء اراضي الموات فعلا بل لعله لا خلاف فيه (اللهم الا ان تري الحكومة الاسلامية المشروعة ذلك فتدبر).

3- ما رواه الحارث بن المغيرة عن ابي جعفر عليه السّلام حيث انه بعد ما اشار الي الانفال و غيرها قال: «اللهم انا قد احللنا ذلك لشيعتنا». «2»

4- و مثل الاول ما رواه يونس بن ظبيان او المعلي بن خنيس عن ابي عبد الله عليه السّلام فانها أيضا تدل علي ان الارض كلها للإمام و ان اوليائهم لفي اوسع فيما بين السماء و الارض و انه ليس لعدوهم منها شي ء. «3»

هذا غاية ما يدل علي المطلوب من الروايات الواردة في المسألة، و يدل علي هذا المعني ما رواه ابو خالد الكاهلي عن ابي جعفر عليه السّلام عن علي عليه السّلام و فيها: «و من أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها الي الامام من اهل بيتي الحديث». «4» و في هذه الأحاديث، بعض الأحاديث الصحيحة مضافا الي تظافرها.

و لكن الانصاف عدم تعارضها للروايات العامة الكثيرة الواردة في مقام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 13.

(2)- نفس المصدر، الحديث 14.

(3)- نفس المصدر، الحديث 17.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 3 من كتاب احياء الموات، الحديث 2.

________________________________________

شيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، در يك جلد، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه

السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)؛ ص: 129

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 129

البيان عن رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم و غيره من المعصومين- عليهم السلام-.

لوجوه:

1- لما عرفت من ان هذه الروايات الكثيرة واردة في مقام البيان من دون اي قيد، فيشكل تقييدها باخراج غير المسلمين بل غير الشيعة منها كما لا يخفي، فتقدم تلك الأحاديث التي هي اوضح سندا و دلالة عليها، مضافا الي موافقتها لقاعدة الاحياء.

2- هذا التقييد مخالف للسيرة المستمرة في جميع الاعصار من معاملة الملك مع المعادن المستخرجة من ناحية الكفار في بلاد المسلمين بل و بلادهم بعد نقلها الي بلاد الإسلام، و اوضح من ذلك ما استخرجه المخالفون من المعادن المختلفة.

3- قد عرفت ان دلالة غير واحد منها مشكوكة لدلالتها علي كون جميع الارض ملكا لهم- عليهم السلام- الذي له معني آخر من الملك، و الا لا معني لكون خصوص الأنفال ملكا لهم او خصوص الخمس بل جميع الاموال و الاراضي اعم من الموات و العامرة و كذا الخمس و الاربعة الباقية لهم- عليهم السلام- و هو حق بمعني آخر ذكرناه في محله.

مضافا الي اشتمال غير واحد منها علي وجوب اداء الخراج من الموات المحياة، و الظاهر انه مخالف لما هو المشهور.

4- يمكن الجمع بينهما بحمل ما دل علي المنع علي تصرف اعدائهم- عليهم السلام- بقرينة ما ورد في رواية يونس بن ظبيان او المعلي «1»، فغير الاعداء يجوز لهم اخراجها و تملكها.

5- و هناك بعض ما ورد التصريح فيه بجواز احياء الموات لغير

______________________________

(1)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب

الانفال، الحديث 17.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 130

المسلمين، مثل ما رواه ابو بصير قال: «سألت ابا عبد الله عليه السّلام عن شراء الارضين من اهل الذمة؟ فقال: لا بأس بان يشتريها منهم اذا عملوها و احيوها فهي لهم الحديث». «1»

الي غير ذلك و هو دليل علي جواز احيائهم لأراضي الموات، و الرواية صحيحة لصحة طريق الشيخ الي الحسين بن سعيد و كون المراد من شعيب هو شعيب العقر قوقي (العقرقوق قرية قريبة من بغداد) الذي هو من الثقات، و الراوي منه حماد بن عثمان و هو أيضا ثقة. يبقي الكلام في ابي بصير و لا يبعد ان يكون هو الليث المرادي.

فتحصل من جميع ذلك ترجيح الاخبار المطلقة الدالة علي جواز تملك الكفار للأراضي الموات و كذلك المعادن بناء علي كونها منها، و لو قيل بانها من المباحات الاصلية فالامر اوضح، و لذا افتي المحقق اليزدي في العروة و غالب محشيها فيما رأينا بملكية الكافر، و مما ذكرنا يظهر الحال في الاقوال الاخر و جوابها.

و اما وجوب الخمس عليه، فهو مقتضي الاطلاقات الدالة علي ان المعادن فيها الخمس و لا يبعد ذلك، نعم اذا لم يؤد خمسها و باعها جاز الاشتراء منه لأنه داخل في مسألة الاشتراء ممن لا يعتقد الخمس.

هذا كله في المعادن الموجودة في الموات، و اما الموجودة في المفتوحة عنوة في الاراضي العامرة حال الفتح فالظاهر انها أيضا تبع لها كما عرفت و حينئذ يكون امرها بيد امام المسلمين في ان يوجرها و يصرف خراجها في مصالح المسلمين و لا دليل ظاهرا علي منع الكفار عن اخذها بخراج اذا اقتضت مصالح المسلمين ذلك، نعم لا ينبغي الشك في كون

المسلمين اولي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 4 من احياء الموات، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 131

بذلك لأنه ملكهم، و لكن اذا اقتضت المصلحة ذلك كما هو كذلك في ايجار دورهم و سياراتهم و طياراتهم بغير المسلمين احيانا (و الاراضي الخراجية اشبه شي ء بالاراضي المستأجرة بل لعلها منها فان الخراج يشبه مال الاجارة) و يدل علي ما ذكرنا ما ورد من ابقاء رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم اراضي خيبر في ايدي اليهود بسهم من محصولها.

*** المسألة الخامسة: هل يجوز استيجار الغير لاستخراج المعدن حتي يملكه المستأجر أو لا؟

صرح الشيخ بجوازه بشرط كون الاجرة معلومة لا اذا كانت مجهولة كما اذا قال لك ثلثه او دونه «1» و ذلك لان مقدار ما يخرج من المعدن غير معلوم.

و الاصل في ذلك ان عنوان الاحياء او الحيازة او شبههما كما يصح ان يكون بالمباشرة يجوزان يكون بالتسبيب، فمن استأجر من يحيز او يحيي له صدق عليه انه أحيا الارض او حاز المباح او المعدن و لو بالواسطة، و ان شئت قلت: ان العناوين الواردة في لسان الادلة بعضها ظاهر في المباشرة كوجوب الصلاة و الحج و الصيام علي الاحياء (و اما وجوب قضائها من الاموات فهو علي خلاف الاصل لكن ورد فيه دليل خاص) مما يراد به تربية النفوس او غير ذلك مما يقوم بالانسان نفسه، و بعضها ظاهر في الاعم منه كما في وجوب تطهير المسجد او نجات الغريق او ايصال الحقوق الي صاحبها، فان متفاهم العرف من هذه الامور هو الاعم لحصول المقصود منها و لو بالتسبيب و مثله ما ورد في بعض الأحاديث من ان من بني مسجدا فله من

______________________________

(1)- المبسوط، المجلد 3، الصفحة 279 من كتاب احياء

الموات.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 132

الاجر كذا و كذا و من الواضح انه لا يشترط في تحصيل الاجر و الثواب كون الباني نفسه بنّاء.

و ما نحن فيه من القسم الاخير لان المقصود يحصل و لو من طريق تسبيب الغير كما هو ظاهر، مضافا الي ان استيجار الغير للحيازة و الاحياء كان متداولا بين الناس من قديم الايام و استقرت السيرة العقلائية علي جواز التسبيب فيهما و لم يردع عنه الشارع و المنيع من ذلك يحتاج الي دليل، و التفاوت بين القسمين يظهر بالقرائن.

و مما ذكرنا يظهر انه لا يعتبر في ملكية الموجر هنا ان يقصد الاجير النيابة، او يقصد الحيازة او الملكية او غير ذلك لان العمل في الواقع عمل المستأجر و القصد قصده و الاجير هنا كالآلة، كما اذا استخرج المعدن بسبب الالات و المكائن المستحدثة و شبه ذلك.

نعم قد صرح في الشرائع بان المستأجر يملك ما يحصل من ذلك- اي الاقتطاب و الاصطياد و غيرهما- في مدة الاجارة و قال في الجواهر «لأنه نماء عمله المملوك له».

ثم قال: «انه قد يشكل ذلك بانه لا يتم بناء علي عدم قبول هذه الاشياء للنيابة الذي صرح به المصنف في كتاب الوكالة و انه يملكها المحيز و ان نواها الغير».

ثم نقل عن جامع المقاصد انه ان جوزنا التوكيل جوزنا الاجارة، و إلا فلا، حكاه عن صريح التذكرة ثم منع هو (صاحب الجواهر) عن التلازم بينهما حيث ان ملك المباح هنا من توابع ملك العمل بالاجارة ثم قال:

«و الامر سهل عندنا بعد صحة التوكيل». «1»

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 26، الصفحة 334 من كتاب الشركة و قد تعرض له في كتاب

أنوار الفقاهة - كتاب

الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 133

اقول: اولا لا ينبغي الاشكال في جواز النيابة في حيازة المباحات و احياء الموات لعدم الدليل علي المنع من شي ء منهما، و ظاهر هذه الامور بحسب متفاهم العرف قبولها للنيابة و الوكالة فتحمل الاطلاقات عليها، اللهم الا ان يقال: ان ترتب الملك علي هذه الامور امر قهري لا يحتاج الي القصد كما يظهر من قوله من حاز ملك في بدو النظر، فاذا كان هذا اثرا قهريا للإحياء و الحيازة لا يبقي مجال لقصد الغير.

و لكنه توهم فاسد لعدم حصول الملك بلا قصد الحيازة و التملك قطعا، فلذا لا يملك الصياد اللؤلؤة الموجودة في بطن المسكة و يملكها الواجد القاصد للحيازة، مضافا الي ان سببية احياء الموات و الحيازة للملك حكم عقلائي كان دارجا بينهم من قديم الايام بل منذ عرف الانسان نفسه، و قد امضاه الشارع المقدس و من المعلوم انهم يعتبرون فيه قصد الحيازة و التملك شرطا، و اما اطلاقات روايات من حاز ملك لغير القاصد، اطلاق بدوي يزول بادني تامل.

ثانيا: الظاهر انه لا فرق بين الاجارة و النيابة في المقام، و ما ذكره صاحب الجواهر- قدس سره- من ان ملكية عمل الاجير توجب ملكية آثاره غير كاف لو كانت الحيازة او الاحياء سببا لملك المحيز و المحيي من دون حاجة الي القصد، فلا تصح مثل هذه الاجارة لعدم عود نفع من عمله الي المستأجر علي الفرض.

فالعمدة هي كون استخراج المعادن او حيازة المباحات مما لا يعتبر فيه المباشرة بل يكفي التسبيب.

ثالثا: قد استقرت سيرة العقلاء علي ذلك كله و لم يردع عنه الشارع

______________________________

المضاربة أيضا المجلد 22، الصفحة 358 و في الوكالة المجلد 27، الصفحة 380.

أنوار الفقاهة - كتاب

الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 134

المقدس، فاستخراج المعادن بمعونة الاجراء و كذا الاستقاء من الانهار بسببهم امر رائج بينهم، بل لا يمكن استخراج المعادن العظيمة بدون ذلك.

بقي هنا شي ء: و هو انه لو قصد الاجير ملكية نفسه للمعدن او الارض المحياة او غير ذلك فهل يملكه اولا؟ صرح في العروة بعدم ملكيته، و الظاهر ان الوجه فيه كون عمله ملكا للغير فلا يصح ان ينتفع به نفسه بل منافعه للغير أيضا.

و لكن هذا انما يصح اذا كانت الاجارة علي عمله الخاص لا علي ما في ذمته (مثل البيع الشخصي لا بيع الكلي في الذمة) بل يمكن ان يقال: علي فرض كونه علي عمله الخاص مثل البيع الشخصي أيضا لا مانع من تملك الاجير له اذا قصده نفسه، لأنه في النهاية من قبيل حيازة المباح او اخراج المعدن بآلة مغصوبة، و دليل من حاز ملك عام يشمل من حاز و لو بآلة مغصوبة او فعل متعلق للغير، و لكن المسألة لا تخلو من اشكال لاحتمال انصراف العمومات من مثل هذا الاجير.

و مما ذكرنا ظهر حال العبد اذا كان مخرجا للمعدن، فلا يحتاج الي مزيد بحث لا سيما مع عدم الابتلاء به في زماننا.

*** المسألة السادسة: إذا عمل في جوهر المعدن عملا يوجب زيادة قيمته

كما اذا ضربه دينارا او درهما او جعله حليا، فقد صرح في الجواهر بانه يعتبر الخمس فيه من الاصل الذي هو المادة و هو واضح ثم قال: «و به صرح في المسالك و المدارك». «1»

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 21.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 135

و الوجه فيه ان متعلق حق ارباب الخمس هو قيمة المادة و اما الزائد فهو للمالك فقط، و لكن قال في مستند العروة: «ان

الهيئة من حيث هي لا مالية لها و لا تقسط عليها الثمن و لا شأن لها الا ازدياد مالية المادة و لأجل ذلك لا يصح تعليل الحكم بان الصفة لعاملها، بل الوجه فيه عدم تعلق الخمس بنفس العين بل هو حق متعلق بماليته و اما شخصية العين فللمالك (انتهي محل الحاجه)». «1»

قلت: لا حاجة الي بناء المسألة علي القول بعدم شركة ارباب الخمس في العين الذي هو خلاف ظاهر آية الخمس و غيرها، بل اذا زادت مالية العين و لو بسبب الهيئة كان المالك احق بهذه الزيادة، و انما يستحق ارباب الخمس، خمس المادة قبل هذه الزيادة.

و لكن الكلام في جواز ذلك للمالك، فان كان هذا التصرف الموجب لتغيير كيفيتها جائزا له بحسب حكم الشرع كان هو احق بما ازدادت به ماليتها، و الا كان الواجب اخراج الخمس منها حاليا لأنه يكون كالتصرف في المال المغصوب بما يوجب ازدياد ماليته، كما اذا عمر الدار المغصوبة او خاط الثوب المغصوب.

و جواز هذا التصرف المستخرج للمعدن لا يكون الا باحد الوجهين:

احدهما: ان يكون ذلك معمولا متداولا في مورده، كما اذا كان المعمول ضرب الذهب و الفضة سكة عند استخراجهما من المعدن بلا فاصلة، او لم يمكن الاستخراج لبعض العلل الا بذلك.

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 69، لكنه بعد ان بيّن المبنيين من تعلق الخمس بشخصية العين و تعلقه بماليتها ذهب في ذيل كلامه الي اصحيّة المبني الاول و قال: و حيث نستعرف في محله إن شاء الله تعالي ان المبني الاول (يعني تعلق الخمس بشخصيته العين) هو الأصحّ فالاقوي لزوم اخراج خمس المجموع انتهي فراجع تمام كلامه في محله.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)،

ص: 136

ثانيهما: اذا لم يوجب ذلك تأخيرا في اداء حق الخمس و لم يناف الفورية العرفية، لأنه لا دليل علي منع المالك عن انواع التصرفات غير المنافية لحق ارباب الخمس بل يجوز له اداء الخمس من مال آخر.

اما اذا اتجر به قبل ان يخرج خمسه ناويا الاخراج من مال آخر ثم اداه من مال آخر، فقد صرح في العروة بكون الربح للمالك فقط، نعم اذا لم يكن من نيته الاخراج من مال آخر شاركه ارباب الخمس في الربح.

و قد اورد عليه جماعة من اعلام المحشين- قدس الله اسرارهم- بان مجرد نية اخراج الخمس من مال آخر لا اثر له في المقام، و هو كذلك لعدم الدليل علي انتقال الخمس الي الذمة بمجرد هذه النية بعد كونه في نفس العين (بنحو من الانحاء) و حينئذ لا يبعد شركة ارباب الخمس في الربح أيضا بشرط امضاء الحاكم الشرعي و لا بد له من امضائه اذا كان فيه انفع ارباب الخمس، اللهم الا اذا كان البيع باذن الحاكم الشرعي للمالك بان يتصرف فيه و يكون عوض الخمس في ذمته، او يتصرف فيه مع كون الخمس في العين بان يكون الربح له فقط و كان في ذلك مصلحة لحفظ متعلق حق ارباب الخمس او غير ذلك، و حينئذ لا مانع من كون المنافع للمالك.

*** المسألة السابعة: لو قلنا باعتبار النصاب في خمس المعادن و شك في بلوغه هذا الحد

، فالأحوط بل الاقوي وجوب الاختبار عليه لما ذكرناه في محله من ان الفحص عن الموضوعات و ان لم يكن واجبا بحكم الاجماع و بعض الروايات الواردة في مبحث الطهارة و النجاسة و الجبن و سوق المسلمين او غير ذلك و كذا بحكم العقلاء و بنائهم، الا انه يستثني من ذلك موردان:

أنوار الفقاهة - كتاب

الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 137

احدهما: ما اذا كان الوقوف علي واقع الامر سهلا جدا بحيث كان علمه ببابه او في كمه و كيسه، كما اذا شك في مقدار دينه بزيد مثلا و تردد امره بين الاقل و الاكثر، او في اصل الدين و كان ذلك مكتوبا في دفتره يطلع عليه بسهولة، فان الفحص هنا واجب لانصراف اطلاقات البراءة عن مثله، و عدم شمول الاجماع له، و كون بناء العقلاء علي الفحص في مثله.

ثانيهما: ما كان طبيعة الامر فيه عدم الوصول الي الواقع عادة بغير الفحص، مثل مسألة الاستطاعة، و ربح المكسب، و مقدار النصاب، و مقدار الزكات الواجب عليه، فان هذه الامور لا تعلم غالبا بغير فحص، و بناء العقلاء فيها علي الفحص، فلا يجوز الرجوع الي الاطلاقات لانصرافها منه و لا يقدر احد علي ترك الفحص.

و ان شئت قلت: عمدة الدليل علي البراءة في الموضوعات قبل الفحص هو الاخذ ببناء العقلاء و ما سواه امضاء له، و من المعلوم عدم استقرار بنائهم عليه فيما نحن فيه.

و قد يقال: ان الوجه في وجوب الفحص في المقام هو العلم الإجمالي بالوقوع في مخالفة الواقع كثيرا (او في الجملة) و هو مانع عن الاخذ بالبراءة و لو كان ذلك تدريجا، لما ذكر في محله من كون العلم الإجمالي منجزا و لو في الامور التدريجية.

و هذا الاستدلال جيد في نفسه و لكن الانصاف ان وجوب الفحص لا ينحصر بموارد العلم الإجمالي، كمن شك في الاستطاعة و لو مرة في تمام عمره و لم يكن له شي ء آخر يحتاج الي الفحص، فان الواجب عليه أيضا الفحص و ليس الدليل عليه الا ما ذكرنا.

فالاحوط لو لا الاقوي وجوب الفحص

في المقام و نظائره و اشباهه، و لو قلنا بعدم وجوبه فالمرجع هو استصحاب عدم بلوغ النصاب اذا اخرج المعدن

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 138

تدريجا، و اما اذا استخرج في دفعة واحدة مقدارا يحتمل كونه بالغا حد النصاب- كما في معادن الذهب و الفضة و العقيق و غيرها- فلا يجري الاستصحاب الا علي القول بجريانه في العدم الازلي بان يقال بانه لم يكن بالغا حدّ النصاب و لو لعدم وجوده و الان نشك في بلوغه، و لكن قد ذكرنا مرارا عدم حجية هذا الاستصحاب لعدم اتحاد القضية المتيقنة و المشكوكة بعد كون السالبة في الاول من قبيل السّالبة بانتفاء الموضوع و في الثانية بانتفاء المحمول، هذا مضافا الي ان انتفاء الوصف بانتفاء الموصوف امر غير مفهوم عند اهل العرف كما لا يخفي، و حينئذ يمكن الرجوع الي البراءة عن اداء الخمس اللهم الا ان يقال انه يشك حينئذ في اصل تعلق ملكه به بناء علي شركة ارباب الخمس فيه من اول الامر فتأمل.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 139

3- الكنز

اشارة

و مما اتفقت كلمتهم علي وجوب الخمس فيه هو الكنز و لنذكر ادلة وجوبه فيه اولا، و معني الكنز ثانيا، و ذكر دليل ملكية الكنز لواجده و شرائط تملكه ثالثا، و نذكر أيضا انه هل يصح للحكومة الاسلامية المنع عن تملك الكنوز و تحصيصها بنفسه او لا؟

[المقام الأول في بيان حكمه]

فنتكلم اولا في بيان حكمه، ثم نتكلم في بيان موضوعه و حدود مفهوم الكنز، خلافا لما هو المتعارف بينهم من ذكر معني الكنز اولا، ثم بيان حكمه، كما في الحدائق و العروة و ما سيأتي من كلام شيخ الطائفة و غيرها، و انما نتكلم عن الاحكام قبل تحقيق حال الموضوعات- مع ان الموضوع بحسب طبعه مقدم علي الحكم- لان موضوعات الاحكام متخذة من لسان الادلة، فلا يصح لنا التكلم فيها في مقام الاثبات قبل ذكر ادلة الحكم و ملاحظة ان المأخوذ مثلا في لسان الدليل هو الكنز او الركاز او كلاهما، فالموضوع مقدم علي الحكم في مقام الثبوت و مؤخر عنه في مقام الاثبات و الابحاث العلمية كما لا يخفي.

فنقول و منه سبحانه نستمد التوفيق و الهداية: قال شيخ الطائفة في الخلاف في اواخر كتاب الزكاة: «الركاز و هو الكنز المدفون يجب فيه الخمس بلا خلاف و يراعي عندنا فيه ان يبلغ نصابا يجب في مثله الزكاة و هو

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 140

قول الشافعي في الجديد و قال في القديم يخمس قليله و كثيره، و به قال مالك و ابو حنيفة، دليلنا: اجماع الفرقة و أيضا ما اعتبرناه لا خلاف ان فيه الخمس و ما نقص فليس عليه دليل». «1»

و ظاهر كلامه الاستدلال بالإجماع و القدر المتيقن لخصوص اعتبار النصاب، و اما اصل

وجوب الخمس في الكنز فقد جعله امرا مفروغا عنه كما ان ظاهر كلامه اتحاد عنواني الكنز و الركاز مع تقييد الكنز بخصوص المدفون.

و قال في الحدائق: «لا خلاف بين الاصحاب في وجوب الخمس فيه». «2»

الي غير ذلك مما في هذا المعني.

و يدل عليه مضافا الي آية الغنيمة بناء علي ما عرفت من عمومية معناها، الروايات الكثيرة المتضافرة المروية من طرقنا و طرق العامة فيها صحاح و غيرها:

1- منها صحيحة الحلبي انه سأل ابا عبد الله عليه السّلام عن الكنز، فقال: «فيه الخمس.» «3»

2- صحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس». «4»

3- ما ورد في وصية النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السّلام قال: «يا علي ان عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن اجراها الله له في الإسلام (الي ان قال) و وجد كنزا

______________________________

(1)- الخلاف، كتاب الزكاة، المسألة 145.

(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 332.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 141

فاخرج منه الخمس و تصدّق به فانزل الله: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ الآية». «1»

4- ما رواه الحسن بن علي بن فضال في هذا المعني أيضا عن ابيه عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام (في حديث) قال: «كان لعبد المطلب خمس من السنن اجراها الله له في الإسلام حرّم نساء الآباء علي الابناء، و سنّ الدية في القتل مأئة

من الابل و كان يطوف بالبيت سبعة اشواط و وجد كنزا فاخرج منه الخمس و سمّي زمزم حين حفرها سقاية الحاج». «2»

5- مرسلة المفيد قال: «سئل الرضا عليه السّلام من مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينة ففيه الخمس و ما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه». «3»

و يدل عليه أيضا روايات كثيرة من الباب الثاني من الوسائل من ابواب ما يجب فيه الخمس حيث عدّ الكنز مما يجب فيه الخمس (فراجع الروايات 2 و 4 و 9 و 11 و 12 من ذاك الباب).

نعم في بعض الروايات ما قد يوهم الخلاف، و هو ما رواه هارون بن خارجة عن ابي عبد الله عليه السّلام في المال يوجد كنزا أ يؤدي زكاته؟ «قال: لا.

قلت: و ان كثر؟ قال: و ان كثر فاعدتها عليه ثلاث مرات». «4»

و لكن الانصاف عدم منافاته لما مضي، لان المراد منه نفي الزكاة من دون النظر الي نفي الخمس.

هذا كله مضافا الي شمول آية الغنيمة له، لان شمولها له اولي من شموله

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 3.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس.

(3)- نفس المصدر، الحديث 6.

(4)- نفس المصدر، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 142

لأرباح المكاسب لتفسير الغنيمة في بعض العبارات بما يصل اليه الانسان بدون مشقة و هذا شامل للكنز و لا يخفي انه قد وردت في المقام اخبار من طرق العامة كما في السنن للبيهقي في باب زكاة الركاز من ابي هريرة يخبر عنه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: « … و في الركاز الخمس

و فيه أيضا ان انس بن مالك اخبره قال قدمنا مع رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم فدخل صاحب لنا خربة يقضي فيها حاجته فذهب ليتناول منها لبنة فانهارت عليه تبرا فاخذها فاتي بها النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم فقال: زنها فوزنها فاذا هي مأتي درهم. فقال رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم: هذا ركاز و فيه الخمس الي غير ذلك من الأحاديث فراجع». «1»

أما المقام الثاني أي معني الكنز و الركاز

: اما الاول فقد ذكر في لسان العرب: «ان الكنز اسم للمال اذا احرز في وعاء و قيل للمال المدفون».

و في مجمع البحرين للطريحي: «اصل الكنز المال المدفون لعاقبة ما ثم اتسع فيه فيقال لكل قنية يتخذها الانسان كنز».

و قال الراغب في المفردات: «الكنز جعل المال بعضه علي بعض و حفظه واصله من كنزت التمر في الوعاء … و الذين يكنزون الذهب و الفضة اي يدخرونها».

و قال في القاموس مع شرحه في تاج العروس: «الكنز المال المدفون تحت الارض هذا هو الاصل ثم تجوز فيه فقيل اذا اخرج منه الواجب لم يبق كنزا و لو كان مكنوزا و منه الحديث كل مال لا تؤدي زكاته فهو كنز».

و قال في الصحاح: «الكنز المال المدفون و في الحديث كل ما لا تؤدي زكاته فهو كنز (انتهي)».

الي غير ذلك من اشباهه، و من الواضح انه ليس المراد منه في الروايات

______________________________

(1)- السنن للبيهقي، المجلد 4، الصفحة 155.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 143

و كلمات الفقهاء هو معناه المطلق اي كل مال يحرز في وعاء و لا معناه المجازي و هو كل مال لا يؤدي زكاته الواجبة، بل المراد هو المعني المعروف المشهور

الذي يعبر عنه في الفارسية ب «گنج» و يتبادر له خصوصيات، و يمكن ان تكون هذه الخصوصيات من جهة القصد تارة (فان بعض الفقهاء عبروا عنه بالمال المذخور الظاهر في كون اذخاره عن قصد). و اخري من جهة الدفن، و ثالثة من جهة الجنس و الكيفية، و رابعة من جهة المقدار و الكمية، و خامسة من جهة الزمان اي المقدمة و عدمها.

*** قال في الشرائع: «الكنز كل مال مذخور تحت الارض» و نقله في الجواهر عن التنقيح و التذكرة و المنتهي و البيان و الروضة و المسالك مع زيادة «قصدا» عن الاخيرين.

و قد صرح الشهيد الثاني في المسالك بانه لا عبرة باستتار المال بالارض بسبب الضياع بل يلحق باللقطة، و يعلم ذلك بالقرائن الحالية كالوعاء. «1»

و قال في مصباح الفقيه: «المتبادر منه كونه عن قصد فلا يشمل المال المستتر بالارض لا عن قصد او بقصد غير الادّخار كحفظه في مدة قليلة». «2»

و الكلام هنا تارة يكون من ناحية صدق الاسم- اي الكنز- و اخري من ناحية تنقيح المناط من ناحية الحكم، و الانصاف ان المتبادر هو الاعم من المقصود و غيره و مما كان تحت الارض او تحت جدار (كما في قضية يتيمين في سورة كهف: «فوجدا فيها جدارا يريد ان ينقضّ فاقامه- الي قوله- و امّا

______________________________

(1)- المسالك، المجلد 1، الصفحة 66.

(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 115.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 144

الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة و كان تحته كنز لهما» «1» فان الظاهر ان الكنز لم يكن تحت الارض بل كان علي سطح الارض تحت الجدار بحيث اذا سقط الجدار ظهر الكنز، فاقام الجدار كي لا يتبين.

او كان في نفس

الجدار، او في جوف السقف بل جوف كهف، او جوف شجر علي اشكال فيه، كل ذلك يعد كنزا، و ان ابيت عن ذلك فلا ينبغي الشك في تنقيح مناط الحكم و الغاء الخصوصية بالنسبة الي هذه الامور.

و هكذا من ناحية القصد بل هو اظهر من السابق لأنه لا يشك عرفا في صدق الكنز علي ما يوجد تحت الاراضي و ان لم يعلم اذخارها قصدا، و اظهر منه الغاء الخصوصية، نعم لو كان المال ظاهرا علي وجه الارض او تحت ورق الشجر و الاخشاب، يشكل صدق الكنز عليه.

و اما بالنسبة الي جنس المال، فقد قال العلامة في التذكرة: «و يجب الخمس في كل ما كان ركازا و هو كل مال مذخور تحت الارض علي اختلاف انواعه و به قال مالك و احمد و الشافعي في القديم» ثم استدل عليه بقوله صلي اللّه عليه و آله و سلم و في الركاز الخمس و ببعض ما ورد عن طرقنا مثل قول الباقر عليه السّلام كل ما كان ركازا ففيه الخمس. «2»

و ما استدل به من رواية الباقر عليه السّلام هو ما رواه زرارة عنه قال: «سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كل ما كان ركازا ففيه الخمس و قال: ما عالجته بمالك ففيه ما اخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفي الخمس». «3» و لكنه في جواب سؤال زرارة عن المعادن فلا دخل له بما نحن فيه، اللهم الا ان

______________________________

(1)- سورة الكهف، 77- 82.

(2)- تذكرة الفقهاء، المجلد 1، الصفحة 252.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 145

يقال ان كون الجواب بامر اعم

من المعدن و الكنز مما لا اشكال فيه فتأمل و سيأتي الكلام في معني الركاز.

و علي كل حال لا ينبغي الشك في عدم صدق عنوان الكنز علي كل مال مدفون او مذخور حتي مثل الاواني عن السفال و صور المجسمة و ان غلت قيمتها نظرا الي قدمتها او امور اخر، و هكذا اذا كان من المواد الغذائية او الكتاب، بل المتبادر من معني الكنز كونه من اموال لها شأن خاص من الدراهم و الدنانير و الجواهر و شبهها، و لو شك فالاصل العدم لأنه شبهة مفهومية.

و يظهر من عبارة العروة اختصاص عنوان الكنز بالذهب و الفضة و غيرهما من الجواهر، بل يظهر من بعض المحشين الترديد في صدقه علي الذهب و الفضة غير المسكوكين.

و الا و الانصاف انه ليس الامر في التضييق علي ما ذكروه، و لا في التوسعة علي ما يظهر من ظاهر كلام التذكرة فيما عرفت حيث يشمل كل مال، بل الحق امر بين الامرين و هو الاجناس النفيسة و لو كان من غير اجناس الفلزات، و لا أقلّ من الغاء الخصوصية بحسب الحكم حتي بالنسبة الي ماله قيمة كثيرة لقدمتها علي الاحوط.

و مما ذكرنا ظهر الحال فيه من جهة المقدار: فلو كان مقداره قليلا كما اذا ظفر علي سكة واحدة او سكتين فصدق الكنز عليه مشكل جدا مع قطع النظر عن اعتبار النصاب، اللهم الا ان يقال ان اعتبار النصاب فيه شرعا انما هو لصدق العنوان.

و اما بحسب الزمان: فصدقه علي ما كان زمانه جديدا مشكل كما اذا وجد مالا مدفونا من قوم بادوا لبعض الزلال في اسبوع قبله بحيث لم يبق منهم احد، فهذا لا يسمي كنزا عرفا بل يعتبر فيه

نوع مرور زمان، و لكن الحاقه به

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 146

حكما مما لا ينبغي الاشكال فيه علي فرض جواز تملكه، هذا كله في عنوان الكنز.

بقي هنا شي ء و هو انه استدل بعض الاعلام لعدم شمول حكم الكنز لغير النقدين بما ورد في صحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام قال:

سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس». «1» بناء علي كون ظاهر السؤال عن الجنس و الماهية لا عن المقدار و الكمية، و حيث انه لا يوجد فيما يخرج من الكنوز جنس مما ثل للأجناس الزكوية غير الذهب و الفضة فالخمس في الكنز منحصر فيه، و العجب انه لم يقنع بذلك حتي حكم بالخمس في خصوص المسكوك منهما دون غير المسكوك. «2»

اقول: قد اعترف هذا المحقق بان الحكم هنا خاص و ان كان عنوان مفهوم الكنز عاما فيرفع اليد عن الاطلاقات بسبب صحيحة البزنطي، هذا و لكن الانصاف ان المراد منه ما فهمه الاصحاب منه من الاستدلال به للنصاب لا سيما بقرينة ما ورد في مرسلة مفيد عن الرضا عليه السّلام قال: «سئل الرضا عليه السّلام من مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس الحديث». «3»

و لعلهما حديث واحد لا تعدد فيهما و الثاني من قبيل النقل بالمعني من ناحية المفيد (رضوان الله عليه) فهو أيضا لم يفهم من الحديث الا هذا، مضافا الي ورود شبيه هذا التعبير في رواية اخري للبزنطي في المعدن مع كونها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

(2)- مستند العروة الوثقي،

كتاب الخمس، الصفحة 77- 79.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 147

كالصريح في كونها بصدد بيان المقدار قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عما اخرج المعدن من قليل او كثير هل فيه شي ء؟ قال: ليس فيه شي ء حتي يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا». «1»

و قد فرق هذا المحقق بين الحديثين بما لا يخفي التكلف فيه علي المتأمل، و الانصاف انه لا محيص عن العمل بالاطلاقات هنا و لا دليل علي التّقييد.

اما الركاز فقد صرح العلامة في التذكرة فيما عرفت بعد الحكم بوجوب الخمس في الركاز: «بانه هو كل مال مذخور تحت الارض علي اختلاف انواعه ثم حكاه عن مالك و احمد و الشافعي في القديم». «2»

و قال المحقق في المعتبر: «الركاز هو الكنز المدفون و فيه الخمس بلا خلاف و هو مشتق من الركز و هو الصوت الخفي و يقال ركز رمحه في الارض اي اخفي اسفله و قيل هو دفين الجاهلية و قيل هو المعدن». «3»

و المعنيان الاولان واحد تقريبا بخلاف الاخير.

و قال في صحاح اللغة: «الركاز دفين الجاهلية كأنه ركز في الارض».

و تفسيره بالمال المدفون في الجاهلية في معني و المعدن في معني آخر هو الذي ورد في المصباح المنير.

هذا و لكن الظاهر من الراغب انه وضع لمعني عام جامع بين المعنيين حيث قال: «ركزت كذا اي دفنته دفنا خفيا و منه الركاز للمال المدفون اما بفعل آدمي كالكنز و اما بفعل الهي كالمعدن و يتناول الركاز الامرين و فسر

______________________________

(1)- نفس المصدر، الباب 4، الحديث 1.

(2)- تذكرة الفقهاء، المجلد 1، الصفحة 252.

(3)- المعتبر، المجلد

2، الصفحة 620.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 148

قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم و في الركاز الخمس بالامرين جميعا».

و هذا المعني هو الذي يظهر من النهاية أيضا حيث قال: «في حديث الصدقة و في الركاز الخمس الركاز عند اهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الارض، و عند اهل العراق المعادن و القولان تحتملهما اللغة لان كلا مركوز في الارض اي ثابت».

و لعل اختلاف اهل اللغة في ذلك (بعضهم يري الركاز بمعني دفائن الجاهلية و بعضهم يراه بمعني اعم يشمل المعادن أيضا) صار سببا لاختلاف اقوال فقهاء العامة، و إليك بعض ما ورد في ذلك في كتاب الفقه علي المذاهب الاربعة.

الحنفية قالوا: «المعدن و الركاز بمعني واحد و هو شرعا مال وجد تحت الارض سواء كان معدنا خلقيا … او كنزا دفنه الكفار … ».

المالكية قالوا: «المعدن هو ما كان خلقه الله تعالي في الارض من ذهب او فضة او غيرهما … و اما الركاز فهو ما يوجد في الارض من دفائن الجاهلية من ذهب او فضة او غيرهما».

و الحنابلة قالوا: «المعدن هو كل ما تولد من الارض و كان من غير جنسهما. و اما الركاز فهو دفين الجاهلية … ».

و الشافعية قالوا: «المعدن ما يستخرج من مكان خلقه الله و … اما الركاز فهو دفين الجاهلية و يجب فيه الخمس حالا … ». «1»

و في معاني الاخبار للصدوق أيضا ذلك قال في تفسير قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم و في الركاز الخمس قال: «اهل العراق الركاز المعادن كلها، و قال اهل الحجاز

______________________________

(1)- الفقه علي المذاهب الاربعة، المجلد 1، الصفحة 615- 612.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و

الأنفال (لمكارم)، ص: 149

الركاز المال المدفون خاصة مما كنزه بنو آدم». «1» و في دعائم الإسلام عن الصادق عليه السّلام قال: «في الركاز من المعدن و الكنز القديم يؤخذ الخمس من كل واحد منهما و باقي ذلك لمن وجد في ارضه». «2»

فان كان الكنز معطوفا علي المعدن كان الركاز عاما، و ان كان معطوفا علي الركاز كان خاصا كما لا يخفي.

و يتحصل بحمد الله من جميع ما ذكرنا ان الركاز لفظ مشترك معنوي بمعني المال المخفي في الارض من الركز و هو الصوت الخفي، و يطلق علي الدفائن التي دفنها الانسان تارة و علي المعادن اخري، بل يظهر من بعض الروايات اطلاقه علي المال الصامت المنقوش اي الدراهم و الدنانير كما في صحيحة علي بن يقطين عن الكاظم عليه السّلام قال: « … و كل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء قال قلت و ما الركاز قال الصامت المنقوش». «3»

و لكن الظاهر انه معني مجازي، لأنه لم نر قولا من اصحاب اللغة لكون المال الموجود علي سطح الارض الخارج عن المعاملة و التجارة ركازا.

و يعلم مما ذكرنا أيضا ان الاستدلال بالاحاديث النبويّة الدلالة علي ان الركاز فيه الخمس لوجوبه في الكنوز مما لا غبار عليه و لا اشكال.

فلنعد الي كلام العروة قال- قدس سره-:

«الكنز و هو المال المذخور في الارض او الجبل او الجدار او الشجر»

فقد عرفت الاشكال في اخذ قيد المذخور المشعر باعتبار القصد بل المعتبر المدفون باي سبب كان كما انه قد عرفت ان المدفون في الشجر قد لا يكون مصداقا لموضوع الكنز و لكنه

______________________________

(1)- معاني الاخبار، الصفحة 303.

(2)- المستدرك، ابواب الخمس.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب زكاة

الذهب و الفضة، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 150

ملحق به حكما.

ثم قال:

«و المدار علي الصدق العرفي سواء كان من الذهب و الفضة المسكوكين او غير المسكوكين او غيرهما من الجواهر»

و هو كلام جيد موافق للتحقيق بجميع اركانه و اما زيادة القيمة الحاصلة لشي ء بسبب مرور الزمان، فالظاهر عدم كونه مشمولا للكنز فانه ظاهر في مال له نفاسة ذاتيته لا عرضية.

ان قلت: لو شككنا في بعض المصاديق انه من الكنز او لا فالي ايّ شي ء نرجع؟

قلنا: المرجع هو عمومات الارباح و المنافع و الغنيمة بالمعني الاعم خرج منه ما علم كونه كنزا و بقي الباقي تحته (فيجب فيه الخمس و لكن مع شرائط الارباح لامع شرائط الكنز) و ذلك لأنه من قبيل الشبهة المفهومية، و المرجع فيه عموم العام لا الاصول العملية لأنه مع وجود العام لا تصل النوبة اليها.

أما المقام الثالث: أعني مالكية الكنز [و هل للحكومة الإسلامية المنع عن تملكه]

حتي يجب فيه الخمس و انه هل هو لواجده مطلقا او في بعض الصور خاصة، ففيه كلام بين الاعلام و تفصيل الكلام فيه ان الاصحاب قسموا الكنز علي اقسام:

فانه اما يوجد في دار الحرب او دار الإسلام، و علي كل تقدير اما عليه اثر الإسلام أم لا، و في كل من هذه الاقسام الاربعة اما تكون الارض التي يوجد فيها من المباح او الانفال او ملك خاص لمسلم.

فان كان في دار الحرب باقسامه الاربعة و كذا في دار الإسلام و ليس عليه اثر الإسلام مع كون الارض مباحة او مواتا، فقد ادعي عدم الخلاف في كونه ملكا لواجده بل قد ادعي الاجماع في جميع هذه الصور او بعضها علي الاقل.

و ادعي في الجواهر عدم وجدانه الخلاف فيما وجد فيما وجد في

دار الحرب مطلقا، و ما وجد في دار الإسلام اذا كان في ارض مباحة او ما ليس ملكا

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 151

لواحد من المسلمين بالخصوص و لم يكن عليه اثر الإسلام. «1»

و في مصباح الفقيه مثله بل و في فرض وجود اثر الإسلام عليه أيضا. «2»

و في الحدائق دعوي عدم خلاف الاصحاب فيما يوجد في دار الحرب. «3»

اقول: اما ما يوجد في دار الحرب باقسامه، فقد استدل علي كونه لواجده مضافا الي ما عرفت بامرين:

1- ان الاصل في الاشياء الاباحة، فان التصرف في مال الغير انما يحرم اذا كان ملكه محترما و الا فلا، و هنا غير معلوم بل ظاهر كونه في دار الحرب انه مال لغير محترم، و مجرد وجود اثر الإسلام عليه غير مفيد فان غير المسلم أيضا قد يملك النقود الاسلامية، و لو شك في كونه مملوكا لمسلم فالاصل عدمه علي ان وجدانه في دار الكفر امارة علي عدم كونه مملوكا لمسلم، اقوي من وجود اثر الإسلام عليه.

2- و اظهر منه الأخذ بعمومات ادلة الكنز و اطلاقاته، فانها ظاهرة في كونه ملكا لواجده فلا رباب الخمس خمسه و اربعة اخماسه للواجد (هذا بالنسبة الي الصور الاربعة).

اما اذا كان في دار الإسلام و لم يكن عليه اثر الإسلام و كان في الاراضي المباحة، كان أيضا لواجده لعين ما مر بعد دعوي عدم الخلاف من الدليلين- اي اطلاقات الادلة و اصالة الاباحة- و دعوي عدم اجراء اصالة الاباحة في الاموال كما تري فانها في غير محل الكلام مما يحتمل عدم جريان يد مسلم

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 28.

(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 117.

(3)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 333.

أنوار

الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 152

عليه، نعم اذا جري عليه يد المسلم لا يمكن الاستناد الي اصالة الاباحة و شبه ذلك.

اما اذا كان في دار الإسلام في الموات و شبهه و عليه اثر الإسلام، فالظاهر انه كذلك أيضا. و قد حكي ذلك عن الخلاف و السرائر و المدارك و ظاهر المفيد و المرتضي و غيرهم، و اختاره في الجواهر لعين ما مر من الادلة السابقة.

و لكن في مقابل هذا القول قول القائلين بانها في حكم اللقطة، ذهب اليه اكثر المتأخرين فيما نسب اليهم و غير واحد من قدماء الاصحاب مثل الشيخ في المبسوط حيث قال: «اما الكنوز التي توجد في بلاد الإسلام فان وجدت في ملك انسان وجب ان يعرف اهله فان عرفه كان له و ان لم يعرفه او وجدت في ارض لا مالك لها فهي علي ضربين فان كان عليها اثر الإسلام مثل ان يكون عليها سكة الإسلام فهي بمنزلة اللقطة سواء … و ان لم يكن عليها اثر الإسلام … فانه يخرج منها الخمس». «1»

و قد حكي هذا القول عن القاضي و الفاضلين و الشهيدين أيضا.

و قد استدل له في مصباح الفقيه بامور:

1- اصالة عدم التملك بمجرد الوجدان.

2- انه مال ضائع في دار الإسلام و عليه اثر الإسلام فيكون لقطة كأشباهه.

3- اشتماله علي اثر الإسلام امارة قوية علي كونه ملك مسلم.

4- موثقة محمد بن قيس عن الباقر عليه السّلام قال: «قضي علي عليه السّلام في رجل وجد ورقا في خربة انه يعرفها فان وجد من يعرفها و الا تمتع بها». «2»

______________________________

(1)- المبسوط، المجلد 1، الصفحة 236.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 5 من ابواب اللقطة، الحديث 5.

أنوار الفقاهة -

كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 153

اقول: و هناك رواية اخري، يرد علي الاول ان اصالة الاباحة حاكمة علي استصحاب عدم الملكية لأنها اصل سببي بالنسبة اليها، و اوضح حالا من ذلك عمومات ادلة الكنز فانها مقدمة علي الاستصحاب و قد عرفت انها ظاهرة في كون اربعة اخماسه لواجده، بل الظاهر ان الخمس تتعلق بالغنائم بالمعني الاعم و الفوائد كذلك، فما لم يكن هناك فائدة لإنسان لم يتعلق به الخمس (و سيأتي ان حساب المال المختلط بالحرام و الارض المشتري من ناحية الذمي حساب آخر). و القول «بانها ليست في مقام بيان كون اربعة اخماسه لواجده» ليس في محله، لان الحكم بوجوب الخمس في مال لا ينفك عن كون الاربعة اخماس الباقية لمن وجب عليه الخمس.

و علي الثاني بان اطلاقات اللقطة ناظرة الي غير الكنز و منصرفة عنه لا سيما مع بعد الزمان المشترط في مفهوم الكنز علي ما مر، فان ظاهر اللقطة كونه المال الضائع غير المكنوز، سلمنا انها اعم من المال الظاهر و المكنوز و لكن اطلاقات ادلة الكنز مقدمة عليها لأنها اخص منها، و قد عرفت انها ظاهرة في كون اربعة اخماس الباقية للواجد.

و علي الثالث بان مجرد وجدان اثر الإسلام عليه و ان كان قرينة ظنية علي كونه لمسلم، و لكن لا دليل علي حجية مثل هذا الظن، و كونها من الامارات العقلائية فانها معدودة معروفة ليس هذا منها.

ان قلت: الاصل في جميع الاموال الاحترام من غير اناطته بالاسلام بالسيرة العقلائية و حكومة العقل القاضي بقبح الظلم الا اذا ثبت الغائه و الاذن فيه بدليل خاص كما يثبت في الكافر الحربي، و قد ورد في التوقيع الشريف لا يحل لأحد ان

يتصرف في مال غيره الا باذنه، و لذا لا ينبغي الشك في انا اذا وجدنا شخصا مجهول الحال في بادية و لم نعلم انه مسلم او كافر لا يجوز لنا

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 154

اخذ ماله، و كذا اذا اخفاه في مكان لا يجوز اخذه. «1»

قلت: اما اصالة احترام الاموال عموما فهو معلوم و لكنه من العام المخصص (لخروج اهل الحرب منه) و من المعلوم انه لا يجوز الرجوع الي عموم العام في الشبهة المصداقية، و قوله: «الا اذا ثبت الغائه و الاذن فيه» مخالف لظاهر دليل التخصيص، لعدم اخذ العلم في موضوعه فلا يجوز التمسّك بادلة حرمة الظلم، و التوقيع الشريف بعد ما عرفت من التخصيص.

نعم الانصاف ان الاموال التي توجد في البلاد الاسلامية الاصل كونها مالا لمسلم فلذا تكون لقطتهم محترمة كما ان لقيطهم بحكم ولد المسلم، و ما ذكرت من انه لا يجوز اخذ مال مجهول الحال انما هو من هذه الناحية، لان مجهول الحال فيهم بحكم المسلم فادلة اللقطة و كذا ادلة اللقيط دليل علي احترام اموال مجهول الحال و كذا احترام اولادهم، و لعل ادلة السوق أيضا تؤيده، فالاصل في الاموال هو الحرمة في هذه البلاد و ان لم يكن عليه اثر الإسلام.

و لكن اجراء هذا الحكم علي الكنوز المدفونة القديمة التي لا يعلم حالها و انها دفنت في الإسلام او قبل الإسلام، و كذا ما دفن بعد ظهور الإسلام مع عدم العلم بجريان يد مسلم عليه، مشكل.

و لو سلم شمول هذه الامارة حتي لما ذكر فالظاهر انها لا تقاوم اطلاقات ادلة الكنز و ان الترجيح معها، نعم اذا احتمل دفنه من زمن قريب امكن الحكم

لكونها لقطة، و لكن قد عرفت ان صدق الكنز عليه مشكل بدون مضي زمان كثير.

______________________________

(1)- ذكر بعض هذا الاشكال في مستند العروة الصفحة 82- 81 و قد سبقه الي هذا في مصباح الفقيه فراجع الصفحة 117 و ما بعده.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 155

و يرد علي الرابع انه غير ناظر الي ما نحن بصدده فان صدق الكنز علي مجرد الورق الواحد غير ثابت، و لا ظهور في الحديث في كونه مدفونا فيمكن حمله علي وجد انه ملقي علي الارض و يجري عليه احكام اللقطة.

ان قلت: كيف يصح له تملكه و هو لقطة؟

قلنا: الحق في اللقطة بعد اليأس عن وجدان صاحبها التخيير بين امور اربعة: التملك، و حفظها بعنوان الامانة، و التصدق عن قبل مالكها، و اعطائها بيد الحاكم الشرعي، فليست الموثقة من هذه الجهة مخالفة للقاعدة.

و هناك رواية اخري في هذا المعني و هو ما رواه اسحاق بن عمار قال:

«سألت ابا ابراهيم عليه السّلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه و لم يذكرها حتي قدم الكوفة كيف يصنع؟

قال: يسأل عنها اهل المنزل لعلهم يعرفونها. قلت: فان لم يعرفوها؟ قال:

يتصدق بها». «1»

و لكنها يمكن حملها علي ما اذا كانت مخزونة من زمان قريب كزمان موسم الحج، مضافا الي ان التصريح بوجدانه في بعض بيوت مكة يخرجه عن محل الكلام لأنه من قبيل ما يوجد في ملك شخصي.

و قد عرفت اعتبار مضي زمان معتد به علي الكنز بحيث يعد من الاموال التي لا مالك لها عرفا، فالحديثان في انفسهما غير دالان علي ما نحن فيه.

هذا مضافا الي معارضتها بصحيحة محمد بن مسلم

عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال: ان كانت معمورة فيها اهلها فهي لهم و ان كانت خربة قد جلا عنها اهلها فالذي وجد المال احق به». «2»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 5 من ابواب اللقطة، الحديث 3.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 5 من ابواب اللقطة، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 156

و صحيحة اخري له عن احدهما- عليهما السلام- في حديث قال: «و سألته عن الورق يوجد في دار؟ فقال: ان كانت معمورة فهي لأهلها فان كانت خربة فانت احق بما وجدت». «1» و الظاهر انهما حديث واحد نقل احدهما بالمعني، و لكن بينهما فرق من حيث التقييد بقيد «ما جلا عنها» الموجب لإلحاقه بالكنز حكما و ان لم يلحق به موضوعا لقلته فتأمل.

و بعد التعارض يرجع الي الترجيح للآخيرين سندا او التخيير فيثبت المطلوب.

و الحاصل: ان اجراء احكام اللقطة علي محل الكلام مشكل جدا.

و ان شئت قلت: ان اللقطة و و الكنز متضادان مفهوما و ذلك لأنّ المتبادر من عنوان و المفهوم من موارد استعمالاتها انه مال ضائع له صاحب لا يعرف بعينه، و الحال ان الكنز في متفاهم العرف مال ليس له صاحب لطول الزمان و انقراض مالكه.

و التعبير بدفائن الجاهلية في معني الكنز او الركاز اشارة الي هذا.

و هذا امر ينفعنا في المباحث الآتية أيضا فليكن علي ذكر منك.

و لسيدنا الاستاذ المحقق البروجردي- قدس سره الشريف- في المقام كلام يمكن التأييد به لبعض المقصود قال ما حاصله:

ان الكنز لم يذكر في رواية مستقلا الا في رواية عبد المطلب و اما في غيرها و هي العمدة ذكر مع غيره مما

يتعلق به الخمس مثل رواية الصدوق و غيرها، فانها تشتمل علي المعادن و الغوص و الغنيمة ثم ان تحصيل المال من هذه الطرق طريق عقلائي يجري عليه العقلاء خلفا عن سلف (و الشارع

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 157

المقدس امضي ذلك و ان تصرف في بعض جهاتها سعة و ضيقا). «1»

و من الواضح ان العقلاء لا يجوزون غصب حق الغير و اخذ ما هو ملك له بل يرونه ظلما و جورا فهذا أيضا مؤيد لما ذكرنا من ان الكنز يعد عندهم من الاموال التي لا مالك لها فتدبر جيدا.

و لنعم ما افاده المحقق الهمداني فيما ذكره في المقام حيث قال: ان الملكية علاقة اعتبارية عرفية قد تنقطع اما اختيارا كما في صورة الاعراض او قهرا كما في الاموال التي توجد في البلاد الخربة في الاعصار القديمة مما لا يحفظ اضافته الي مالك مخصوص و حينئذ يعامل معه عند العرف و العقلاء معاملة المباحات الاصلية (انتهي ملخصا). «2»

و العمدة فيما ذكره هو سيرة العقلاء في ذلك مع امضاء الشارع المقدس له و لو بعدم الردع عنها بل بامضائه بادلة وجوب الخمس في الكنز الدالة علي جواز تملكه لما عرفت من ان لسان تلك الادلة كونه نوع غنيمة و نوع فائدة يباح تملكها، هذا تمام الكلام فيما استدل لكونه لقطة.

و اما ما يدل علي عدم الحاقه باللقطة بل كونه لواجده ما مر من اطلاقات ادلة الكنز و عدم الدليل علي تخصيصها، اما اصالة الاباحة فقد مر الاشكال فيها فيما يوجد في بلاد الإسلام، و كذلك استصحاب عدم جريان يد محترمة عليه، نعم صحيحة محمد بن مسلم لا سيما الثانية أيضا

مؤيد او دليل علي المطلوب، فان الورق فيها جنس يشمل القليل و الكثير، و كذلك الوجدان اعم من الوجدان علي سطح الارض او تحتها.

و مما ذكرنا ظهر حال ما يوجد في ارض مملوكة له بالاحياء فانه لواجده،

______________________________

(1)- زبدة المقال في خمس الرسول و الآل، الصفحة 34.

(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 118.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 158

و ذلك لان الارض المحياة لم تكن ملكا شخصيا لأحد قبل احياء الواجد لها فيدخل فيما يوجد في الاراضي المباحة من دار الإسلام.

بقي القسم السابع و الثامن: اي اذا وجده في ارض مملوكة سواء كان عليه اثر الإسلام أم لم يكن، قال في الشرائع: «و لو وجده في ملك مبتاع عرفه البائع فان عرفه فهو احق به و ان جهله فهو للمشتري».

و قال في الجواهر قيل ذلك: «اما لو كانت مملوكة بابتياع او هبة او نحوهما مما لا يحصل بسببه ملك للكنز و كان عليه اثر الإسلام ففي المنتهي و التذكرة و المسالك و غيرها عرفه البائع فان عرفه و إلا فالمالك الذي قبله و هكذا بل لا اجد فيه خلافا بيننا لوجوب الحكم به له مع دعواه اياه اجماعا في المنتهي قضاء لظاهر يده السابقة». «1»

و قال في موضع آخر: «اما اذا لم يكن عليه اثر الإسلام فقضية اطلاق لقطة الكتاب (الشرائع) بل كاد يكون صريح الشهيدين في الدروس و المسالك مساواته للأول في وجوب التعريف أيضا و ترتيبه بل قد يظهر من الغنية الاجماع علي تعريفه من البائع». «2»

هذا و لكن عن المدارك المناقشة في وجوب التعريف لذي اليد السابقة اذا احتمل عدم جريان يده عليه، لأصالة البراءة من هذا التكليف، مضافا الي اصالة عدم

التقدم، بل في الحدائق لا يخلو من قرب.

و قال المحقق النراقي في المستند: «المصرح به في كلماتهم انه يجب تعريف الناقل فان عرفه دفع اليه و الا فهو للواجد». «3»

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 31.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16.

(3)- المستند، المجلد 2، الصفحة 73.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 159

و في المقام قول ثالث لبعض الاساتذة الاعلام في مستند العروة، حاصله عدم الفرق بين المالك السابق و غيره بل حكم الكنز في الارض المبتاعة حكمه في الارض الموات في انه ان احتمل ان له مالكا محترما موجودا بالفعل كان من مجهول المالك و وجب التعريف و ان لم يوجد مالكه فيتصدق به و اما لو لم يحتمل وجود المالك الفعلي جاز له تملكه و عليه الخمس. «1» فتلخص ان هناك ثلاثة اقوال:

1- و هو المشهور من انه يجب التعريف فلو عرفه البائع فهو احق به و ان جهله فهو للمشتري.

2- ما لعله يظهر من المدارك و الحدائق من عدم وجوب التعريف.

3- ما ذكره في مستند العروة من كونه كما يوجد في الارض الموات.

اقول: و يظهر من جميع ذلك ان المشهور هو وجوب التعريف و القول بعدمه شاذ و عمدة ما استدل به لذلك امور:

1- مقتضي اليد السابقة ذلك، و قد اورد عليه اولا: بان حجية اليد سواء كان مستندها السيرة العقلائية أم بعض النصوص خاصة باليد الفعلية اما الزائلة فهي ساقطة. و ثانيا: انه لو تمت هذه الحجة لوجب الحكم بملكيته لذي اليد السابقة من غير حاجة الي تعريفه و دعواه لأنه مالك بمقتضي يده.

و لكن يدفع الاول بان ادلة حجية اليد عامة تشمل اليد الزائلة لا بالنسبة الي الحال بل

بالنسبة الي زمان وجودها، فليست هي في الحقيقة زائلة بل بلحاظ زمان وجودها موجودة فلذا لا ينبغي الشك في انه لو وجد شيئا من الاموال لا بصورة الكنز كما اذا وجد صندوقا فيه البسة في بعض بيوته بعد بيعه بايام يعلم وجودها في ذاك الزمان في البيت، يحكم بكونه لذاك المالك

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 89.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 160

بلا ريب، بل و كذا لو جاء ثالث و ادعي انه مالك الثمن لكونه مالكا للدار لا يصغي اليه قضاء بحكم اليد السابقة.

و اما الثاني: فيدفعه ما مر آنفا في بيان الفرق بين الكنز و اللقطة، فالمقام مصداق مشكوك فسؤاله انما هو لتشخيص المصداق المشكوك بعد ما عرفت من عدم جريان احكام الكنز علي ما لم يقطع علقة المالك به عرفا لمرور الزمان، و عدم جريان احكام اللقطة علي ما هو مصداق للكنز الذي هو مال بلا مالك عرفا، هذا بحسب القاعدة.

اما بحسب الروايات فقد استدل له بروايات:

1- ما مر من موثقة اسحاق بن عمار قال: «سألت ابا ابراهيم عليه السّلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه و لم يذكرها حتي قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال: يسئل عنها اهل المنزل لعلهم يعرفونها. قلت: فان لم يعرفوها؟ قال: يتصدق بها». «1»

فانها مصداق للكنز بعد كونه مالا كثيرا مدفونا و الامر بتعريفها لأهل المنزل شاهد علي المقصود.

و فيه اولا: ان المراد بوجوب التصدق بها من ادل الدليل علي عدم كونه كنزا، اذا لكنز لواجده و ثانيا: ما عرفت سابقا من ان ظاهرها عدم كون المال مصداق الكنز بل كان مما دفنه

الحاج لعدم الامن في حمله بقرينة كونه في بيوت مكة، فهو مصداق لمجهول المالك لا غير.

2- ما رواه محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «قضي علي عليه السّلام في رجل وجد ورقا في خربة ان يعرّفها فان وجد من يعرفها و الّا تمتع بها». «2»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 5 من ابواب اللقطة، الحديث 3.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 5 من ابواب اللقطة، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 161

و هو احسن من سابقه من جهة التصريح بجواز التمتع به بعد عدم معرفة صاحبه و أسوأ حالا منه من حيث عدم صدق الكنز علي وجدان ورق واحد.

اضف الي ذلك ان التمتع به لا يدل علي كونه مشمولا لحكم الكنز، لجوازه في اللقطة أيضا اذا لم يجد صاحبها.

3- مصححة عبد الله بن جعفر قال: «كتبت الي الرجل عليه السّلام اسأله عن رجل اشتري جزورا او بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم او دنانير او جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقّع عليه السّلام: عرّفها البائع فان لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك الله ايّاه». «1» من اللقطة و عدم التصريح باسم الامام عليه السّلام لعله لا يضر بالمطلوب بعد كون القرائن دالة عليه، و قد جعله في محكي الحدائق من المؤيدات للمسألة و ارتضاه في الجواهر.

و تقريب دلالتها علي المقصود ما ذكره المحقق النراقي في المستند من عدم الفرق بين الارض و الحيوان، فان ثبت فهو و الا فمقتضي الاطلاقات كونه للواجد من غير تعريف. «2»

و الانصاف انه لا ربط له بالمقام، لعدم شمول عنوان الكنز لما اكله الجزور بل و لا ملاكه، فانه مال

ضائع له صاحب لا يعرف بعينه غير مسبوق بسابقة كثيرة بل لم يمض عليه الا يوم او مثله، فهو مصداق واضح للقطة و كونه للأضاحي- ان كان المراد منه الاضحية في المني كما هو ظاهرها- مما يوجب اليأس عادة من وجدان صاحبها لو لم يعرفها البائع لكثرة الناس هناك و عدم استقرارهم في مكان فجعله مما رزقه الله ليس امرا مخالفا للقاعدة، بل هو علي وزان سائر افراد اللقطة مما اذا حصل اليأس من وجدان مالكها جاز

______________________________

(1)- نفس المصدر، الباب 9، الحديث 1.

(2)- المستند، الصفحة 73.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 162

فيه التصدق و التملك و غيرهما مما ذكر في محله.

فالحق في المسألة الاخذ بمقتضي القاعدة و العمل بما ذكره المشهور من تعريف البائع و ما قبله و ان لم يعرفوه جاز له تملكه و وجب عليه الخمس.

بقي هنا أمور

1- قد عرفت ان تعريفه للبائع انما هو لكونه مصداقا مشتبها للكنز و اللقطة، و هذا نوع فحص لتشخيص الحال في الاموال التي بنائها علي الاحتياط، و هل يجب علي البائع ذكر الامارات الدالة علي ملكه او اقامة البينة او يعطي بمجرد دعواه؟ ظاهر كلمات القوم كفاية دعواه و الظاهر انه مقتضي اليد. اللهم الا ان يقال: انه شبهة مصداقية للكنز القديم او الملك الجديد و لعل يده لم يجر عليه ابدا فالاخذ بقاعدة اليد هنا لا يخلو عن اشكال، و لكن الاحوط اعطائه ذلك، لان الامر بالنسبة الي اربعة اخماس دائر بين الواجد و البائع و الاحوط للواجد اعطائه البائع المدعي له فيما اذا لم يكن مدعيا في الايادي السابقة عليه (اي البائع) و ان كان وجوبه عليه بدون بينة محل تامل.

2- هل

يجب تعريف البائع فقط او من قبله أيضا مما يصل يده اليه؟

مقتضي القاعدة عدم الفرق بينهم بعد وحدة الملاك و هو اليد فيهم و قد عرفت ان الدليل هو اليد، و اما عدم ذكر غير البائع في رواية الجزور و غيره فقد عرفت انه ناش عن عدم التمكن من الوصول اليهم، و هذا في رواية الجزور ظاهر و في غيره أيضا غير بعيد.

3- لو تنازع الملاك فيه، قال في العروة يجري عليه حكم التداعي و لازمه التقسيم بينهم و لكن الانصاف ان الترجيح مع ذي اليد الاخيرة، لان استقرار يده يوجب زوال يد غيره فلذا لا شك انه لو وجد صندوقا في دار ابتاعه من غيره كان للبائع، و لو ادعي الذي كان قبله لا يسمع منه كما استقرت عليه

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 163

سيرة العقلاء من تقديم الاخير علي الايادي السابقة عند التعارض.

4- لو ادعاه المالك السابق ارثا و كان له شركاء نفوه دفعت اليه حصته و ملك الواجد الباقي و اعطي خمسه هكذا ذكره المحقق اليزدي في العروة، و هذا الحكم بالنسبة الي نفوذ دعوي المالك السابق في سهمه دون سهم غيره واضح و كذا ملك الواجد للباقي، و لكن قد عرفت آنفا ان الركون الي مجرد دعواه بلا بينة او امارات توجب الاطمينان مشكل.

5- اذا وجده في ارض مستأجرة او مستعارة او مغصوبة او ارض يعمل فيها للمالك فوجد فيها كنزا فهل هو للمالك او الواجد او فيه تفصيل؟ سيأتي الكلام فيه ان شاء الله عند التكلم في المسائل الباقية من احكام الكنز.

6- و هاهنا فرع مهم مبتلي به في عصرنا و هو انه قد جرت عادة الحكومات

علي اخذ ما يوجد من الكنوز و لا يرون في ذلك حقا للواجد (او حقا قليلا فقط) بل لعلهم يجعلون لمن وجدها و لم يسلمها الي الحكومة تعزيرات مالية او غيرها، فهل هذا يبتني علي شي ء؟

الذي يظهر من اتفاق العلماء و اجماعهم و الروايات الكثيرة او المتواترة الواردة في الباب ان الكنز للواجد بشروطها و انما يكون للحكومة الخمس للصرف في مصارفه لا غير، و لقد تفحصنا كلمات العامة أيضا في هذا المقام فرأيناهم موافقين في هذا الحكم لأصحابنا، و قد عرفت كلام شيخ الطائفة في الخلاف في المسألة 145 من كتاب الزكاة و غيره، و راجعنا كتاب الفقه علي المذاهب الاربعة «1» فرأيناهم متفقين علي هذا الامر، فعلي هذا لا وجه لأخذ الكنوز عن واجدها فيكون غصبا و حراما فيما زاد علي الخمس الا باحد وجوه:

______________________________

(1)- الفقه علي المذاهب الاربعة، المجلد 1، الصفحة 195.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 164

الاول: ما يلوح من بعض كلمات المعاصرين من ان الكنوز كالمعادن من الانفال و الاموال العامة التي امرها بيد الحكومة (اي ولي الامر في الإسلام) و ما ورد من جواز تملكه انما هو من باب اجازة النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الائمة- عليهم السلام- و لنائب الغيبة صرف النظر عن هذه الاجازة.

و يرد عليه ان موارد الانفال في رواياتنا معينة معلومة ليست الكنوز منها و لم يرد في رواية من روايات المعصومين مع وجود الكنوز في تلك الاعصار و مع كون الروايات في مقام البيان من هذه الجهة و لم يفت احد من فقهائنا بذلك فعدّه من الانفال عجيب.

و جريان سيرة العقلاء اليوم علي عدد من الاموال العامة

امر مستحدث، و من الواضح عدم حجية السيرة العقلائية ما لم يرجع الي زمن المعصومين حتي يثبت امضائها من قبلهم و بعبارة اخري قد كانت السيرة العقلائيته في زمن المعصومين- عليهم السلام- قائمة علي كون الكنز لواجده ثم تبدلت في ايامنا الي عدّة من الاموال العامة، و هذه سيرة مستحدثة لم يقم دليل علي امضاء الشارع لها.

بل ظاهر روايات الباب و صريح بعضها كونها للواجد و انه ليس لبيت المال (الولي من قبل ارباب الخمس) الا خمسها فتدبر جيدا.

الثاني: ان يكون الكنز من الاشياء المهمة القديمة التي ترتبط بحياة ملة و حضارتهم و يكون ابقائه عند الحكومة حفظا لبعض ما يهتم الإسلام بامره، فان الكنوز في عصرنا متفاوت حالها مما سبق فلا ينظر اليها من حيث المالية فقط بل من حيث الامور المعنوية و الثقافية.

و الحاصل انه لا بد ان يندرج تحت عنوان ثانوي قطعي لا الظنون الاستحساني، فان ثبت هناك فهو و الا كان الحكم ما عرفت.

و كذلك اذا كان بقائه تحت يد مالك شخصي مظنة لخروجه عن

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 165

المملكة الاسلامية و كان خروجه خسارة علي المسلمين و بلادهم لا يرضي الشارع المقدس بها، و لكن في جميع ذلك لا بد من اعطاء ثمنه للواجد للجمع بين الحقين كما لا يخفي.

الثالث: قد يكون المال المدفون غير متعلقة بالاعصار الماضية حتي يقطع علقتها عن مالكه و يثبت الاعراض القهري، فيكون من قبيل مجهول المالك الذي يكون امره بيد الحاكم الشرعي فيتصدق به ففي هذه الموارد أيضا يمكن تدخل الحكومة في امره و لكنه خارج عن محل الكلام من بعض الجهات كعدم شموله الكنوز القديمة التي هي الغالب فيها.

المقام

الثالث: في مسألة النصاب قال في الحدائق: «لا خلاف بين الاصحاب في ما اعلم في اشتراط الخمس في هذا النوع ببلوغ عشرين دينارا او مأتي درهم و هو النصاب الاول من الذهب و الفضة». «1»

و قال الشيخ في الخلاف فيما عرفت من مسأله 145 من مسائل الزكاة:

«الركاز هو الكنز المدفون يجب فيه الخمس بلا خلاف و يراعي فيه عندنا ان يبلغ نصابا يجب في مثله الزكاة و هو قول الشافعي في الجديد و قال في القديم يخمس قليله و كثيره و به قال مالك و ابو حنيفة- دليلنا اجماع الفرقة و أيضا ما اعتبرناه لا خلاف ان فيه الخمس و ما نقص فليس عليه دليل (انتهي)».

و قد عرفت ان استدلاله بالإجماع، و القدر المتيقن الثابت من هذا الحكم انما هو لإثبات النصاب لا لإثبات اصل وجوب الخمس.

و حكي في المعتبر عدم اعتبار النصاب عن احمد أيضا، فلم يوافقنا في هذا الحكم من فقهائهم ما عدا الشافعي في الجديد.

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 332.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 166

نعم حكي في الجواهر عن الغنية: «انه يكفي بلوغ قيمته دينارا فصاعدا بدليل الاجماع ثم قال و هو (اي اصل كلام الغنية) غريب، و دعواه الاجماع اغرب اذ لم نعرف له موافقا و لا دليلا. انتهي». «1»

و لكن المحقق الهمداني ما ذكره في الجواهر اشتباه نشأ من غلط النسخة المحكي عنها هذا القول و الا فعبارة الغنية صريحة في خلافه حيث قال: «و يعتبر في الكنوز بلوغ النصاب الذي يجب فيه الزكاة و في المأخوذ بالخوض بلوغ قيمته دينارا فصاعدا بدليل الاجماع المتكرر». «2»

اقول: و قد ظهر مما ذكرنا ان المسألة ظاهرا اجماعية

لم ينقل فيه خلاف، و العمدة فيها ما رواه البزنطي في الصحيح عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس». «3»

و يؤيده مرسلة المفيد في المقنعة قال: «سئل الرضا عليه السّلام من مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس و ما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه». «4»

و قد عرفت قوة احتمال كونهما واحدا و ان الثاني من قبيل النقل بالمعني و دلالة الصحيحة كسندها ظاهرة معلومة، و ان عرفت فيما سبق ان بعض الاساتذة الكرام قال بعدم كونها ناظرة الي المقدار بل الي الجنس او الاعم فاوجب الخمس في كنوز الذهب و الفضة فقط، و لكن قد عرفت ان هناك

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 26 و لكن في امالي الصدوق موافقته في هذا الحكم اي الدينار الواحد (المجلس 93، الصفحة 385.)

(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 116.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب في الخمس، الحديث 2.

(4)- نفس المصدر، الحديث 6.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 167

قرائن عديدة من فهم الاصحاب و غيره تدل علي انها بصدد بيان المقدار لا غير فراجع و لا نعيد.

هذا علي اجماله مما لا كلام فيه، انما الكلام في ان المستفاد من المماثلة هنا هو المماثلة مطلقا او من بعض الجهات؟ توضيح ذلك انه قد يكون الكنز من النقدين المسكوكين و اخري من غير المسكوك و ثالثة من غيرهما من الجواهر و الاشياء النفيسة فان كان من احدهما فهل يلاحظ نصابه من نصابه في الزكاة اولا؟

الظاهر انه ان كان من الدنانير فيعتبر فيه كونه عشرين دينارا، و ان كان من الدراهم فالمعتبر كونه مأتي درهم و لا يكفي بلوغ كل منهما قيمة الاخر، و ان كان أقلّ من نصاب عينه فلا يكفي كونه عشرة دنانير و ان فرض كون قيمته تبلغ مأتي درهم احيانا، و كذا لا يكفي كونه مأئة و خمسين درهما و ان بلغت قيمتها عشرين دينارا احيانا، و ذلك لعدم الاطلاق من هذه الجهة (اي من جهة القيمة) اذا كان جنس الكنز من الدراهم و الدنانير.

و هكذا اذا كان الكنز من جنس الذهب و الفضة و ان كانا غير مسكوكين لانصراف الاطلاق الي بلوغ كل من النوعين ما يحاذي نصابه لا ما يعادل قيمته، بل يمكن ان يقال ان هذا مقتضي المماثلة الظاهرة في المماثلة من حيث الجنس مهما امكن.

و اما سائر الاجناس فلا محيص فيها الا ملاحظة المماثلة من حيث القيمة و مقتضي الاطلاق كفاية بلوغ قيمتها أقلّ القيمتين من عشرين دينارا او مأتي درهم، فلو بلغ احدهما دون الاخر يصدق عليه بلوغه الي ما يجب فيه الزكاة الوارد في الصحيحة و المرسلة.

ان قلت: قد صرح في الشرائع بان المعتبر في نصاب الكنز بلوغه عشرين دينارا و اقتصر علي الدينار فقط و حكاه في الجواهر عن السرائر و ظاهر التذكرة

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 168

و المنتهي «1» و المدارك، مع ان المصرح به في صحيحة البزنطي و كذا مرسلة المفيد هو بلوغه ما يكون في مثله الزكاة فمن اين نشأ هذا الفتوي؟

قلت: الظاهر انهم اخذوها من رواية اخري له في باب نصاب المعدن المصرحة بعشرين دينارا بعد قوله: «ما يكون في مثله

الزكاة» و لكنه لا يخلو عن بعد، او ذكروه في المقام من باب المثال، و علي كل حال فالحق ما عرفت من عدم الاختصاص بعشرين دينارا كما هو معقد اجماع الخلاف أيضا.

*** بقي هنا مسائل سبع

الأولي: [لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفها و تعريف المالك أيضا]

لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفها و تعريف المالك أيضا، فان نفياه كلاهما كان له و عليه الخمس، و ان ادعاه احدهما اعطي بلا بينة، و ان ادعاه كل منهما ففي تقديم قول المالك وجه لقوة يده، و الا وجه الاختلاف بحسب المقامات في قوة احدي اليدين

- هكذا ذكره في العروة في مسألة 14 من مسائل الخمس.

اقول: اما وجوب تعريفه للمستأجر و المستعير فلما عرفت من انه في مورد يحتمل جريان يده عليه، و هذا من باب الجمع بين الحقوق حق واجد الكنز و حق صاحب اليد و لذا لا يعطي بدون السؤال، و لا فرق في مسألة اليد هنا بين المالك و المستعير و المستأجر.

و اما اعطائهما بدون بينة فقد عرفت الاشكال فيه فيما سبق لأنه من قبيل الشبهة المصداقية، و انما يسئل منه احتياطا في الاموال و جمعا بين الحقوق.

و اما قوة يد المالك فهي ليست دائمية فقد يكون الملك له و لم يسكنه الا

______________________________

(1)- و لكن ظاهر المنتهي (الصفحة 549) و التذكرة (الصفحة 253) خلافه فراجع.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 169

يوما واحدا و الحال ان المستأجر و المستعير سكنه عشرة سنة مثلا و قد يكون بالعكس و مراده من ملاحظة المقامات هو هذا، و الانصاف ان المدار هنا أيضا لا بد ان يكون علي اليد الاخيرة لعدم الفرق بين المالك الاخير و المستأجر من هذه الجهة كما لا يخفي. «1»

بقي هنا شي ء:

و هو انه لو كان هناك اجير لحفر البئر مثلا فعثر علي كنز، فهل يجري عليه احكام الواجد او لا بد في الواجد ان يكون صاحب اليد بالملك او الاجارة او الاستعارة؟

التحقيق انه لا نجد فرقا بينه و بين غيره في ملاك الحكم، لصدق الوجد عليه و ان كان في ملك غيره فاذا عرّفه المالك و لم يعرفه كان له و عليه الخمس.

بل يمكن اجراء هذا الحكم في حق الغاصب للأرض لان غصب الارض لا يمنع عن اجراء حكم الواجد عليه فهو غاصب للأرض لا للكنز فاذا لم يعرفه المالك كان له و ذلك لشمول الاطلاقات الواردة في الكنز له، لكن المسألة لا تخلو عن شوب الاشكال و ان كان الاظهر ما ذكرنا عاجلا.

*** الثانية: قد عرفت أن المعتبر في مفهوم الكنز هو كونه لزمان بعيد انقطع عنه ملاكه

و صار كمال بلا مالك، و بتعبير آخر يكون من قبيل الاعراض القهري و من هنا يظهر النظر فيما ذكره في العروة من انه:

«لو علم الواجد انه

______________________________

(1)- التعليقة علي المسألة 14- و الا قوي تعريف ذي اليد الاخيرة و هو المستأجر أو المستعير فان لم يعرفه فالمالك لان المفروض زوال يده و لو موقتا و لا منافاة بين الملكية مع عدم كونه تحت يده فعلا و قد عرفت ان وجوب اعطائه لذي اليد مشكل.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 170

لمسلم موجود هو او وارثه في عصره مجهول، ففي اجراء حكم الكنز او حكم مجهول المالك عليه وجهان» (انتهي).

فانه لا ينبغي الريب في اجراء حكم مجهول المالك عليه بعد عدم صدق الكنز عليه.

*** الثالثة: قال في العروة [الكنوز المتعددة لكل واحد حكم نفسه]

: «الكنوز المتعددة لكل واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب و عدمه … نعم المال الواحد المدفون في مكان واحد في ظروف متعددة يضم بعضه الي بعض».

لكن قال الفقيه الماهر في الجواهر: «في اجزاء حصوله (اي النصاب) بضم بعض الكنوز الي بعض وجه و قول تقدم نظيره في المعادن مع ان المصرح به هنا في السرائر و المنتهي و التذكرة عدمه بل لعله لا يخلو عن قوة». «1»

اقول: لكن من المعلوم ان المرجع هنا اطلاق صحيحة البزنطي، و ظاهرها كونها من قبيل العام الافرادي لا المجموعي فكل ما يصدق عليه انه كنز لا بد من بلوغه بمقدار يجب فيه الزكاة فلا يضم بعض الكنوز الي بعض.

نعم الكنز الواحد و لو كان من اجناس مختلفة يضم بعضه الي بعض بان كان مقدارا من الذهب و مقدارا من الفضة و مقدارا من غيرهما تبلغ المجموع نصابا يكون فيه الخمس.

*** الرابعة: لا يخفي أنه لا يعتبر في تعلق الخمس بالكنز إخراجه من محله

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 28.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 171

بل اذا كشفه و وضع يده عليه بقصد التملك وجب عليه الخمس- سواء اخرجه من محله أم لا- و ليس الكنز من قبيل المعادن التي يعتبر في تعلق الخمس بها بحسب ظاهر الادلة اخراجها، فما ذكر في العروة (و الظاهر انه اخذه من عبارة الجواهر في المقام) من انه لا يعتبر الاخراج دفعة بمقدار النصاب فلو كان مجموع الدفعات بمقدار النصاب وجب الخمس، مما لا مورد له بعد ما عرفت، فان البحث عن اعتبار الدفعة او دفعات الاخراج مترتب علي القول باعتبار الاخراج في تعلق الخمس بالكنز و قد عرفت ان الصحيح خلافه.

*** الخامسة: إذا اشتري دابة و وجد في جوفها شيئا فقد قطع الأصحاب بوجوب الخمس فيه

كما في محكي المدارك و ظاهر الكفاية الاتفاق عليه فيما حكي عنه، هذا بالنسبة الي وجوب الخمس و اما في ناحية وجوب التعريف فقد قال في الحدائق ما نصه: «قد ذكر جملة من الاصحاب في المقام انه لو اشتري دابة و وجد في جوفها شيئا له قيمة عرفها البائع فان عرفه فهو له و ان جهله فهو للمشتري و عليه الخمس». «1»

و لا بد من التكلم في المسألة «اولا» علي مقتضي القواعد و اطلاقات الادلة ثم الرجوع الي بعض النصوص الخاصة بالمسألة «ثانيا».

اما الاول فلا ريب في عدم صدق عنوان الكنز عليه لغة و عرفا كما صرح به في الحدائق و الجواهر بل قال في الثاني: «لم اعرف احدا من الاصحاب صرح بخلافه نعم قد يظهر من بعضهم الحاقه به تنقيحا و هو موقوف علي الدليل فان ثبت اجماعا كان او غيره تعين القول به و الا كان محل منع

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 338.

أنوار الفقاهة

- كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 172

و الظاهر انه كذلك لعدم وصول شي ء منها إلينا». «1»

و ما ذكراه حسن فلا يشمله عنوان الكنز لما عرفت انه المال المدفون الذي مرّت عليه سنين كثيرة، و ليس شي ء من القيدين موجودا هنا، و كذلك تنقيح المناط ليس هنا قطعيا مع انه من شرطه ان يكون قطعيا و الا لكان قياسا باطلا فيكون من قبيل مجهول المالك لا بد فيه من تعريف المالك و غيره تحريا لوجدان مالكه و ان لم يجده كان سبيله سبيل غيره مما لا يعرف صاحبه، و يحتمل اجراء حكم اللقطة عليه لأنه مال ضائع فيجوز تملكه بعد تعريفه بالمقدار الواجب و عدم وجدان صاحبه لان التملك مع الضمان احد اطراف التخيير في اللقطة (و يجوز أيضا حفظها امانة لصاحبها و التصدق بها و دفعها الي الحاكم الشرعي).

و لو وجب فيه الخمس كان من باب الارباح بل و مطلق الفائدة كما سيأتي ان شاء الله.

هذا بحسب القواعد، اما بحسب الاخبار الخاصة فلم يرد فيه الا ما مر سابقا من صحيحة عبد الله بن جعفر قال: «كتبت الي الرجل اسأله عن رجل اشتري جزورا او بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم او دنانير او جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقع عليه السّلام: عرفها البائع فان لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك الله اياه». «2»

و قريب منها ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري قال: «سألته عليه السّلام في كتاب عن رجل اشتري جزورا او بقرة او شاة او غيرها للأضاحي او غيرها فلما ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم او دنانير او جواهر او غير ذلك

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16،

الصفحة 36.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 9 من ابواب اللقطة، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 173

من المنافع لمن يكون ذلك؟ و كيف يعمل به؟ فوقّع عليه السلام: عرفها البائع فان لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك الله اياه». «1»

و لكن فيه «للأضاحي او غيرها … ».

و يمكن ان تكون الرواية موافقة للقاعدة بان يكون موردها مصداقا للقطة باعتبار اخذ الدابة اياها من الارض، و اليأس من وجدان صاحبها بعد تعريفها للمالك و عدم معرفته لها لا سيما في مثل المني من مواقف الحج و قوله او «غيرها» في الرواية الثانية لا ينافي اشتراء الدابة في الموسم لغير الاضحية و لو فرض اطلاقها من هذه الجهة بحيث تشتمل ما اذا احتمل وجدان مالكها بتعريف غير البائع فيجوز ترك تعريفها و تملكها، يشكل الاعتماد علي هذا المقدار من الظهور الضعيف في ترك القواعد المعروفة و اكل اموال الناس مع احتمال وجدان صاحبها فتدبر جيدا.

*** اما لو وجد جوهرة في جوف سمكة فالمشهور كما حكي جواز تملكها للواجد من دون تعريف و عليه الخمس، بل من دون وجوب تعريف للبائع لان الظاهر بقائها علي الاباحة الاصلية فيجوز حيازتها و تملكها، لان الصياد لم يقصد حيازتها بعد جهله بالحال.

و ما حكي عن العلامة في التذكرة من الميل الي الحاق السمكة بالدابة في تعريف البائع مطلقا، لان القصد الي حيازتها يستلزم القصد الي حيازة جميع اجزائها و ما يتعلق بها، ممنوع اولا بان هذا القصد التبعي المغفول عنه ليس كافيا بل ليس قصدا لان المفروض هو الغفلة عما في جوفها، نعم لو كان

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)،

ص: 174

محتملا لوجود الجوهرة فيها فقصد تملكها علي فرض وجودها و كان بانيا علي شق بطنها و التفحص عنها فنسي و باعها من غير فحص، امكن الحكم بانها للصياد و لكن هذا خلاف المفروض المعروف.

و ثانيا: لو كان هذا القصد التبعي المغفول عنه كافيا، كان بيعه للمشتري أيضا كذلك، فقد باعها بجميع ما في جوفها و المشتري أيضا اشتراها مع هذه الصفة فملكها المشتري بالبيع. و حكي في التذكرة عن احمد: انما تكون للصياد، لأنه اذا لم يعلم ما في بطنها لم يبعه و لم يرض بزوال ملكه عنه فلم يدخل في المبيع كمن باع دارا له مال مدفون فيها. «1»

و انت خبير بان تعليله لعدم البيع بانه لم يعلم به يمكن ان يكون بعينه علة لعدم تملك الصياد من اصل، لأنه اذا لم يعلم به لم يقصد تملكه، و كفاية القصد التبعي في الحيازة، و التملك تجري في البيع أيضا، فالبائع قصد بيعه تبعا و المشتري قصد اشترائه كذلك.

و من العجب قول العلامة- قدس سره- بان قول احمد لا بأس به عندي و اعجب منه ما حكاه عن احمد من تفريقه بين ما يصطاد من البحر و ما يصطاد من النهر و العين بجعل الثاني لقطة «2» مع انه لا دليل عليه من القواعد العامة و الادلة الخاصة الا ان يحمل علي فروض نادرة ستأتي الاشارة اليها، او يحمل علي كون النهر ملكا لشخص خاص فتأمل.

فلا ينبغي الشك في جواز تملكها لأنها من المباحات، بل و لا في عدم وجوب تعريف البائع لأنها حصلت بتكون طبيعي الهي لا بفعل انسان، و لو فرض كونها في ماء محصور كما في اعصارنا فانه يربي السمك في

______________________________

(1)-

التذكرة، المجلد 2، الصفحة 265.

(2)- نفس المصدر.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 175

حياض كبيرة محصورة، او احتمل وقوع اللؤلؤة ممن مر علي الماء كان للإشكال في هذا الحكم وجه، و لكن امثال هذه الفروض النادرة خارجة عن محل الكلام، هذا بحسب القواعد.

اما بحسب الروايات الخاصة الواردة في المسألة، فقد رويت روايات متظافرة تربو علي خمس روايات حاكيات لوقائع ثلاثة كان احدها في بني اسرائيل و ثانيها في عصر رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم و ثالثها في عصر الامام علي بن الحسين عليه السّلام، و تظافرها يوجب الغض عن اسنادها لا سيما مع عمل الاصحاب بها و اشتهارها بينهم.

منها ما رواه ابو حمزة عن ابي جعفر عليه السّلام في حديث: «ان رجلا عبدا من بني اسرائيل كان محارفا فاخذ غزلا فاشتري به سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين الف درهم فجاء سائل فدقّ الباب، فقال له الرجل: ادخل فقال له: خذ احد الكيسين فاخذ احدهما و انطلق فلم يكن باسرع من ان دقّ السائل الباب. فقال له الرجل: ادخل، فدخل فوضع الكيس في مكانه. ثم قال: كل هنيئا مريئا انا ملك من ملائكة ربك انما اراد ربك ان يبلوك فوجدك شاكرا ثم ذهب». «1»

و قريب منها ما رواه حفص بن غياث عن الصادق عليه السّلام قال: «كان في بني اسرائيل رجلا و كان محتاجا فالحت عليه امرأته في طلب الرزق فابتهل الي الله في الرزق فرأي في النوم ايما احب إليك درهمان من حل او الفان من حرام؟ فقال: درهمان من حل. فقال: تحت رأسك فانتبه فرأي الدرهمين تحت رأسه فاخذهما و اشتري بدرهم سمكة و اقبل الي

منزله فلمّا رأته المرأة اقبلت اليه كاللائمة و اقسمت ان لا تمسّها فقام الرجل اليها فلما شق بطنها اذا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 10 من ابواب اللقطة، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 176

بدرتين فباعهما باربعين الف درهم». «1»

و روايت اخري لأبي حمزة عن الباقر عليه السّلام قال: «كان في بني اسرائيل عابدا و كان محارفا تنفق عليه امرأته فجاعوا يوما فدفعت اليه غزلا فذهب فلا يشتري بشي ء فجاء الي البحر فاذا هو بصياد قد اصطاد سمكا كثيرا فاعطاه الغزل و قال: انتفع به في شبكتك فدفع اليه سمكة فرفعها و خرج بها الي زوجته فلما شقّها بدت من جوفها لؤلؤة فباعها بعشرين الف درهم». «2»

و منها ما في تفسير الامام الحسن العسكري عليه السّلام في حديث طويل: «ان رجلا فقيرا اشتري سمكة فوجد فيها اربعة جواهر ثم جاء بها الي رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم و جاء تجار غرباء فاشتروها منه باربعمائة الف درهم فقال الرجل: ما كان اعظم بركة سوقي اليوم يا رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: هذا بتوقيرك محمدا رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم و توقيرك عليا اخا رسول الله و وصيه و هو عاجل ثواب الله لك و ربح عملك الذي عملته». «3»

و منها ما رواه الصدوق بسنده عن الزهري عن علي بن الحسين عليه السّلام في حديث: «ان رجلا شكا اليه الدين و العيال فبكا. و قال: ايّ مصيبة اعظم علي حرّ مؤمن من ان يري باخيه المؤمن خلّة فلا يمكنه سدها الي

ان قال علي بن الحسين عليه السّلام: قد اذن الله في فرجك يا جارية احملي سحوري و فطوري فحملت قرصتين فقال علي بن الحسين عليه السّلام للرجل: خذهما فليس عندنا غيرهما فان الله يكشف بهما عنك و يريك خيرا واسعا منهما ثم ذكر انه اشتري سمكة باحد القرصتين و بالاخري ملحا فلما شق بطن السمكة وجد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 10 من ابواب اللقطة.

(2)- نفس المصدر، الحديث 3.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 10 من ابواب اللقطة، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 177

فيها لؤلؤتين فاخرتين فحمد الله عليهما فقرع بابه فاذا صاحب السمكة و صاحب الملح يقولان جهدنا ان نأكل من هذا الخبز فلم تعمل فيه اسنانا فقد رددنا إليك هذا الخبز و طيبنا لك ما اخذته منا فما استقر حتي جاء رسول علي بن الحسين عليه السّلام و قال: انه يقول لك: ان الله قد اتاك بالفرج فاردد إلينا طعامنا فانه لا يأكله غيرنا و باع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضي منه دينه و حسنت بعد ذلك حاله». «1»

و الظاهر انه لا يستفاد منها شي ء يخالف القواعد المعروفة كما عرفت آنفا، فالجوهرة لواجدها من غير حاجة الي تعريفها الا في فروض نادرة، و اما وجوب الخمس فيها مبني علي عدم اختصاصه بارباح المكاسب بل شموله لكل فائدة كما سيأتي الكلام فيه ان شاء الله.

*** السادسة: لا ينبغي الشك في كون الخمس هنا بعد المئونة، أي مؤنة إخراج الكنز

اذا احتاج اخراجه الي مؤنة لعدم صدق الفائدة و الغنيمة بالمعني الاعم عليه، و قد عرفت ان الخمس بجميع انواعه يتعلق بالفوائد و المنافع (الا في الارض التي اشتراها الذّمّي و المال المختلط و سيأتي ان شاء الله ان الخمس فيهما من واد آخر

فتأمل) فاذا كان قيمة الكنز الفا مثلا و مؤنة اخراجه خمس مأئة لم يصدق الفائدة الا علي الخمس مأئة الباقية، و لا ينافي ما ذكرنا حصول الملك بمجرد وضع اليد عليه و ان لم يخرجه كما لا يخفي.

و اما النصاب فهل يعتبر بعد اخراج هذه المؤن او قبله؟ صرح في العروة بكونه بعده و وافقه عليه جمع من المحشين، و لعل الوجه فيه ظهور قوله عليه السّلام

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 10 من ابواب اللقطة.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 178

في صحيحة البزنطي «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» فان الخمس لا يجب في مقدار المئونة (مؤنة الاخراج) كما عرفت مع ان ظاهره انه اذا بلغ النصاب يجب الخمس في جميعه فلا بد ان يكون المدار في النصاب هو الذي يتعلق به الخمس، فلو وجب الخمس في الباقي كان مدار النصاب أيضا هذا المقدار.

و من هنا يظهر الاشكال في ما افاده في مستند العروة من انه لا دليل علي ذلك اذ لم ينهض دليل علي تقييد اطلاق النصاب بما بعد اخراج المؤن انتهي. «1»

و قد عرفت انه لا اطلاق له من اول الامر بل ظاهره كون المدار في النصاب هو ما يتعلق به الخمس، و قد اعترف بعدم وجوب الخمس في مقدار المئونة.

*** السابعة: إذا اشترك جماعة في كنز فهل يعتبر النصاب في سهم كل واحد أو المجموع؟

ظاهر كلام العروة كفاية النصاب في المجموع و قد خالفه غير واحد من المحشين، و كان الدليل علي الكفاية هو اطلاق دليل النصاب، و فيه اشكال ظاهر فان بلوغه الي حد يجب فيه الزكاة ظاهر في بلوغ سهم كل واحد لان الزكاة أيضا كذلك، نعم لو كان دليله مجملا وجب الاخذ باطلاقات ادلة الكنز، و الحاصل ان

تشبيهه بالنصاب في الزكاة ظاهر في ذلك فتدبر.

*** الثامنة: كثيرا ما يستخرج في أعصارنا من أعماق الأرض ما يتعلق بالأمم السالفة

______________________________

(1)- مستند العروة الوثقي، كتاب الخمس، الصفحة 107.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 179

ليس لها قيمة في نفسها و لكن من حيث تعلقه بتلك الاعصار لها قيمة عظيمة تبذل بازائها الاموال بل تكون اكثر قيمة من الذهب و الفضة فهل هي داخلة في عنوان الكنز أم لا؟ الظاهر عدم شموله لها لان مفهوم الكنز عرفا هو ما يكون غاليا ذاتا لا بالامور العرضية، فلو كان هناك عظم من بعض الحيوانات القديمة يشتري للمتاحف العامة او الخاصة لبعض الدراسات بقيمة عالية لا يطلق عليه الكنز، نعم هو داخل في عنوان الغنيمة بالمعني العام فيتعلق به الخمس و لكن يستثني منه مؤنة السنة.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 181

4- الغوص

[حكم الخمس فيه]

اشارة

و مما اتفقت كلمات الاصحاب علي وجوب الخمس فيه اجمالا هو ما يخرج بالغوص، و قد ادعي في الجواهر عدم الخلاف فيه و قال في الحدائق أيضا: «لا خلاف بين الاصحاب في وجوب الخمس فيه». «1»

و قال العلامة في المنتهي (علي ما حكاه في المدارك): «انه قول علمائنا اجمع» «2» و كذا النراقي- قدس سره- في المستند. «3»

و بالجملة اتفاق كلمات الاصحاب في وجوب الخمس فيه ظاهر، و اما العامة فالظاهر ذهاب اكثرهم الي العدم كما حكاه المحقق في المعتبر حيث قال: «الثالث الغوص و هو ما يخرج من البحر كاللؤلؤ و المرجان و العنبر و به قال الزهري واحدي الروايتين عن احمد و انكره الباقون». «4»

و استدل له تارة بعموم آية الغنيمة بناء علي ما عرفت من شموله لجميع انواع المنافع، و لكن الانصاف انه علي خلاف المقصود ادل، لان المقصود اثبات الخمس فيه بعنوانه الخاص حتي لا يستثني منه مؤنة

السنة الثابتة

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 343.

(2)- المدارك، المجلد 5، الصفحة 375.

(3)- المستند، المجلد 2، الصفحة 74.

(4)- المعتبر، المجلد 2، الصفحة 621.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 182

في جميع المنافع.

و اخري- و هو العمدة- الروايات الكثيرة المحكية في الباب 7 و الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس.

منها ما رواه الحلبي في الصحيح قال: «سألت ابا عبد الله عليه السّلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ؟ فقال: عليه الخمس الحديث». «1»

و منها مرسلة الصدوق قال: «سئل ابو الحسن موسي بن جعفر عليه السّلام عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة هل فيها زكاة؟ فقال: اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس». «2»

و منها مرسلة المفيد عن الصادق عليه السّلام انه قال: «في العنبر الخمس». «3»

و منها مرسلة حماد عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام قال:

«الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة الحديث». «4» (و الظاهر اتحادها مع مرسلة اخري منه قال: «رواه لي بعض اصحابنا ذكره عن العبد الصالح ابي الحسن الاول عليه السّلام قال:

الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و من الغوص و الكنوز و من المعادن و الملاحة». «5»

و منها مقطوعة ابن ابي عمير: «ان الخمس علي خمسة اشياء الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة و نسي ابن ابي عمير الخامسة». «6»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- نفس المصدر، الحديث 2.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس.

(4)- نفس المصدر، الباب 2 من ابواب ما

يجب فيه الخمس، الحديث 4.

(5)- نفس المصدر، الحديث 9.

(6)- نفس المصدر، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 183

و منها مرفوعة محمد بن الحسن الصفار عن احمد بن محمد قال: «حدثنا بعض اصحابنا رفع الحديث قال: الخمس من خمسة اشياء من الكنوز و المعادن و الغوص و المغنم الذي يقاتل عليه و لم يحفظ الخامس الحديث». «1»

و منها ما رواه النعماني في تفسره بسنده عن علي عليه السّلام و في ذيله … :

«الخمس يخرج من اربعة وجوه من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين و من المعادن و من الكنوز و من الغوص». «2»

و اسناد كثير منها و ان كانت ضعيفة و لكن بعضها قوي مضافا الي تظافرها في نفسها و انجبارها بعمل الاصحاب أيضا.

هذا و لكن محتواها مختلفة جدا، ففي كثير منها «عبر بالغوص» و هي الروايات الخمسة المروية في الباب 2 (من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل).

و في بعضها «العنبر و غوص اللؤلؤ» (1/ 7). و في ثالث «ما يخرج من البحر من اللؤلؤ» (2/ 7) «و الياقوت و الزبرجد» (5/ 3). و في رابع «العنبر» فقط (3/ 7) و في خامس «ما يخرج من البحر» (6/ 3).

و الاخير اعم من الجميع لشموله لما يخرج من اعماقه و سطحه، ثم عنوان الغوص لأنه عام لجميع ما يخرج من اعماقه، و بعدهما ما صرح فيها بعناوين خاصة من اللؤلؤ، و في الحقيقة هناك عناوين ثلاثة (ما يخرج من البحر- الغوص- العناوين الخاصة).

و قد يقال: ان النسبة بين الاولين عموم من وجه لان الغوص اعم من

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 11.

(2)- نفس المصدر، الحديث 12.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال

(لمكارم)، ص: 184

البحار و الانهار بينما يكون ما يخرج من البحر خاصا بالبحار، و لكنه اعم من جهة الاخراج بالغوص او بالآلات و شبهها ثم يتكلم في طريق الجمع بينهما، و هل هو العمل بكل منهما فيكفي اخراج شي ء بالغوص او بالآلة من البحار او الانهار لعدم المنافاة بينهما.

او يقيد كل واحد من العنوانين بالاخر فلا بد ان يكون بالغوص و في البحار بمقتضي قاعدة التقييد او يرجح عنوان الغوص، بناء علي كون الاخراج من البحر اشارة اليه، او يرجح عنوان الاخراج من البحار بناء علي عدم خصوصية في الغوص؟

هذه وجوه اربعة و لكن الانصاف ان الامر لا يصل الي المعارضة و العموم من وجه بل لا بد من الدقة في هذه العناوين و ما يمكن الغاء الخصوصية منها اولا ثم ملاحظة النسبة.

فنقول و منه جل ثنائه التوفيق و الهداية: لا ينبغي الشك في عدم الخصوصية للبحر او النهر فاذا اعطي هذا العنوان بيد العرف يعرف منه حكما عاما، و كذا لا ينبغي الشك في ان الغوص أيضا لا تري عندهم فيه خصوصية بعد كون المدار عندهم علي ما استفادها من جواهر البحر- سواء اخرجه بالآلات او بالغوص بل لعل تعلق الخمس علي ما يخرج بالآلات اولي لكون الوصول اليه اسهل و الآلة طريق لا موضوعية لها في نظر العرف، و حينئذ يرجع كل من العناوين الي الاخر و لا يبقي بينهما معارضة.

و الحاصل انه لا تصل النوبة الي ملاحظة المعارضة و الجمع العرفي بينهما، بل كل واحد من العنوانين مع قطع النظر عن الاخر لا دلالة له فيما ينافي الاخر.

لكن الكلام في صحة اسناد كل واحد من هذين العنوانين الجامعين.

اما الغوص فالظاهر ان تضافرها

كاف في اثبات اسناد ما دل عليه، مضافا

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 185

الي مرسلة ابن ابي عمير التي بمنزلة الصحيحة و لا سيما انها مروية عن غير واحد فتدبر.

و اما ما يخرج من البحر فلم يرد الا في رواية واحدة و هي رواية عمار بن مروان، و قد يقال انه مشترك بين رجلين «اليشكري»، «الثقة» و «الكليني» (او الكليني فان النسخ مختلفة) المجهول، و لكن ظاهر عبارة جامع الروات اتحادهما حيث قال في شرح حال عمار بن مروان اليشكري: «ابو ايوب الخزاز عن عمار بن مروان الكليني في مشيخة الفقيه في طريقة».

و قال العلامة الممقاني في تنقيح المقال: «عمار بن مروان الكلبي لم اقف فيه الا علي وقوعه في طريق الصدوق في باب ما يجب علي المسافر في الطريق من كتاب الحج و في المشيخة و ليس له ذكر في كتب الرجال» (انتهي).

و لعل عدم ذكره في كتب الرجال دليل علي اتحاده مع اليشكري الثقة، و لكن الاكتفاء بهذا المقدار في رفع الابهام عن حال الرجل مشكل، و الذي يسهل الخطب ما عرفت من وحدة مفهوم العنوانين (عنواني الغوص و ما يخرج من البحر) بعد الغاء الخصوصية من كل واحد منها.

هذا و يمكن ان يقال ان جميع المطلقات في المسألة منصرفة الي الجواهرات التي تخرج من البحر، و قد ذكر امثلتها في الروايات الخاصة من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و حينئذ يشكل شمولها لمثل الاسماك و غيرها من الحيوانات التي تخرج من البحار و ان غلت اثمانها و ان حكي عن الشيخ و بعض معاصري الشهيد الاول و غيرهما الحاقها بالغوص.

قال المحقق النراقي في المستند: «و الظاهر جريان الحكم في

كل ما يخرج من البحر بالغوص و لو كان حيوانا … لإطلاق المرسلتين و رواية

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 186

الخصال». «1»

اقول: الغوص له معني معروف عند اهل العرف لا يشمل مثل هذه الامور و ان كان اللفظ عاما، و كذلك عنوان «ما يخرج من البحر» و الروايات الخاصة من احسن الشواهد علي ذلك.

نعم في شموله للجواهرات لا فرق بين ما كان من قبيل الاحجار او النبات او الحيوان، فقد ثبت اليوم ان المرجان الذي يشبه اغصان الشجرة نوع من حيوان البحر قد خفي امره في سابق الايام، و قد ثبت اليوم انه حيوان صغير يكسب لنفسه جدارا من النورة و بعد موته يبقي منه بيته الذي من الثورة و قد تتراكم و يشكل جزائر مرجانية و له اي لبيته الوان مختلفة بعضها ثمينة جدا كالمرجان الاحمر (هكذا في بعض كتب دائرة المعارف).

او كان من قبيل الاشجار البحري كما قد يقال في ما يسمي باليسر و يعمل منه التسبيح، و بالجملة المدار علي كونه معدودا من الجواهرات سواء كان من الأحجار او الحيوان او النبات.

و كيف كان فلا اطلاق هناك يدل علي وجوب الخمس في الاسماك و شبهها، و يؤيده او يدل عليه استقرار سيرة المسلمين علي عدم تخميسها بمجرد صيدها من البحر او النهر فتدبر.

و اما النصاب فقد اتفقت الاصحاب علي اعتبارها و المشهور كونه دينارا واحدا، قال في المدارك: «اما اعتبار النصاب فيه فهو موضع وفاق بينهم و اختلف كلماتهم في تقديره: فذهب الاكثر الي انه دينار واحد … و حكي العلامة في المختلف عن المفيد في المسائل الغرية انه جعل نصابه عشرين دينارا كالمعدن». «2»

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2،

الصفحة 74.

(2)- المدارك، المجلد 5، الصفحة 375.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 187

و إليك عبارة المفيد في رسالته الغرية علي ما حكاه المختلف:

«و الخمس واجب فيما يستفاد من غنائم الكفار و الكنوز و العنبر و الغوص فمن استفاد من هذه الاربعة الاصناف عشرين دينارا او ما قيمته ذلك كان عليه ان يخرج منه الخمس». «1»

و عن الحدائق: «اتفق الاصحاب قديما و حديثا علي نصاب الدينار في الغوص» و كأنه لم يعتن بمخالفة المفيد في الغرية (و لكن لم نجد هذه العبارة في الحدائق بل وجدنا خلافه فانه ادعي الاجماع في اصل النصاب). «2»

و مستند المشهور ما رواه محمد بن علي بن ابي عبد الله عن ابي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة هل فيها زكاة؟ فقال: اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس». «3» و رواه الصدوق بعينه مرسلا كما في الوسائل. «4»

لكن هذه الرواية ضعيف السند لجهالة الراوي- كما في المدارك- لكن يمكن القول بجبر سندها بعمل الاصحاب، مضافا الي ما قد قيل كما في الرياض من ان الراوي عنه و هو البزنطي ممن لا يروي الا عن ثقة- كما حكي عن شيخ الطائفة- لكن الذي يشكل الاعتماد عليها اشتمالها علي ما يخالف المشهور من اعتبار الدينار الواحد في المعدن أيضا، فان المعروف فيه اما عدم اعتبار النصاب فيه مطلقا و لعله الاقوي، او اعتبار عشرين دينارا اما اعتبار الدينار الواحد فلم يقل به إلا شاذ.

______________________________

(1)- المختلف، الصفحة 203.

(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 344.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس،

الحديث 5.

(4)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6 الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 188

و التفكيك بين اجزاء الحديث قد عرفت الاشكال فيه مرارا لا سيما اذا كان في جملة واحدة منه، و لعل حكم المحقق الخوانساري في جامع المدارك «1» بعدم العمل به و حكاية رميه بالشذوذ ناظر الي ما ذكرنا، اللهم الا ان يحمل حكم المعدن علي نوع من التقية و شبهها و يحكم بوجوب العمل بالحديث في مورد الغوص، او يقال قام الاجماع علي اعتبار النصاب فيه او القدر المتيقن الدينار الواحد اي لا يجب في أقلّ منها، و يعمل في الاكثر باطلاقات الوجوب كما لا يخفي.

بقي هنا أمور
1- لا فرق بين اتحاد النوع و تعدده

، فلو اخرج في غوص واحد شيئا من المرجان و اللؤلؤ و غيرهما و كان المجموع دينارا وجب فيه الخمس، لإطلاق دليل النصاب من الرواية و معاقد الاجماعات كما هو كذلك في المعدن و الكنز.

2- قد يقال لا فرق بين الدفعة و الدفعات فيضم بعضها إلي بعض

كما في العروة.

قال في الحدائق: «و الاحوط ضم الجميع و ان اعرض او طال الزمان.» «2»

و قال في المدارك: «و الاقرب ضم الجميع و ان اعرض او تباعد الزمان». «3»

______________________________

(1)- جامع المدارك، المجلد 2، الصفحة 111.

(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 344.

(3)- المدارك، المجلد 5، الصفحة 376.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 189

و اشكل عليه بعض الاساتذة الاعلام لظهور الدليل في الانحلال و ان كل فرد موضوع مستقل و هو كذلك.

3- إن اشترك جماعة في الغوص لا يبلغ نصيب كل واحد منهم حد النصاب و لكن يبلغ المجموع حده

، فهل المدار علي المجموع او علي نصيب كل واحد منهم؟ صرح في العروة بالاول و وافقه غير واحد من المحشين، و لكن لا يبعد ان يكون الاعتبار بنصاب سهم كل واحد لما عرفت من ان الخمس يدور مدار الغنيمة لكل انسان و ان كان الاول احوط.

4- الخمس إنما هو بعد إخراج المؤن

لما عرفت من عدم صدق الفائدة و الغنيمة الجامعة بين اقسامه عليه بدون ذلك و كذا بالنسبة الي ملاحظة النصاب، فان قوله: «اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» الوارد في حديث النصاب «1» ظاهر في تعلق الخمس بجميعه بعد بلوغه حد النصاب، و لا يكون ذلك الا باخراج المؤن قبل ملاحظة النصاب و الا اذا بلغ النصاب تعلق الخمس بغير المئونة و هو بعضه (و قد مر نظيره في الكنز.)

5- إذا غاص و شده بآلة ثم أخرجه بعد ذلك بالآلة فلا إشكال في صدق إخراجه بالغوص عليه

، و اما اذا اخرجه بالآلة من دون غوص فقد صرح غير واحد منهم بعدم تعلق خمس الغوص به و ان تعلق به خمس المكاسب، منهم المحقق في الشرائع قال: «و لو اخذ منه شي ء من غير غوص لم يجب فيه الخمس» و حكي في المدارك عن الشهيدين مساواة ما يؤخذ من البحر من غير غوص لما يؤخذ بالغوص». «2»

و المحقق اليزدي في العروة احتاط في المسألة و لكن يظهر مما سبق ان

______________________________

(1)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(2)- المدارك، المجلد 5، الصفحة 376.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 190

تعلق الخمس به اقوي، لان اهل العرف لا يرون فرقا بين هذه الامور بل يرون التفرقة بينهما من قبيل الجمود علي عبارة النص من دون مجوز.

6- مما ذكرنا ظهر حال ما يؤخذ من وجه الماء من الاصداق و الجواهرات

او علي الساحل فان المصرح به في كلمات غير واحد منهم و ان كان عدم وجوب الخمس فيه من باب الغوص (و ان كان فيه الخمس من باب الارباح) كما ذكره في العروة و وافقه عليه كثير من المحشين، لكن الانصاف ان الغاء الخصوصية بالنسبة اليه أيضا قوي، و ان العرف يري الغوص طريقا و وسيلة للوصول الي الجواهرات الموجودة قعر البحار، فان ظفر بها اتفاقا من طريق الامواج التي القاها علي الساحل او ما اشبه ذلك كان مشمولا للحكم عنده، و يري التفرقة بينها و بين غيرها من الجمود الباطل.

7- المتناول من الغواص تحت الماء داخل في الغوص بلا إشكال

اذا لم يقصد الغواص الاول تملكه و حيازته، و الا وجب الخمس عليه و كان بالنسبة الي الثاني من قبيل التمليك بالهبة او شبهها، و اما اذا تناول منه خارج الماء بعد ما حازه الغواص فلا اشكال أيضا في خروجه عن هذا الحكم، نعم ان اخرجه من غير قصد و من دون حاجة اليه فالقاه علي الساحل و تملكه غيره لا يبعد وجوب الخمس عليه لما عرفت آنفا.

8- إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئا، فإن قصد حيازته وجب عليه الخمس

من دون اشكال لإطلاق الادلة، و لو قيل بانصرافها الي ما قصد الحيازة من اول الامر فلا ينبغي الشك في كونه انصرافا بدويا و لا أقلّ من الغاء الخصوصية، و العجب من العروة (و بعض محشيها) حيث ذكر في المسألة وجهين و ان كان الاحوط عندهم اخراجه، مع ان الانصاف انه ليس للمسألة الا وجه واحد و هو شمول اطلاقات الغوص و ما يخرج من البحر له، و قد عرفت ان اعتبار اصل الغوص هنا ممنوع فكيف بفروعه، و كأنهم اعتبروا

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 191

للغوص موضوعية خاصة في المسألة.

و ان لم يقصد الحيازة فلا خمس فيه لأنه فرع التملّك كما هو واضح، و لا يمكن حمل ما افاده في العروة عليه كما هو ظاهر.

9- إذا أخرج بالغوص حيوانا و كان في بطنه شي ء من الجواهر

، فقد فصل فيه في العروة بانه ان كان معتادا (كالصدف بالنسبة الي اللؤلؤ) وجب فيه الخمس، و ان كان من باب الاتفاق بان بلع شيئا اتفاقا فالظاهر عدم وجوبه و ان كان احوط و قد اخذ هذا الحكم من الجواهر حيث اشكل في المسألة اذا فرض عدم اعتياد كون الحيوان محلا لذلك بينما نقل عن استاده كاشف الغطاء تعلق الخمس به مطلقا. «1»

و كان الوجه في التفصيل انصراف الاطلاقات الي المتعارف، و خروج غير المعتاد منها، و لكن الانصاف انه أيضا انصراف بدوي اذا كان بلع شيئا من جواهر البحر، فاي فرق بين ما اذا اخذه من دون حيوان من قعر البحار او اخذ حيوانا بالغوص و وجد في بطنه الجوهرة التي التقمها من البحر.

نعم اذا كان الحيوان ابتلع شيئا القي من الخارج في البحر، يشكل شمول الحكم له.

هذا و لو وجد الجوهرة في بطن

الحيوان المأخوذ من طريق الصيد لا الغوص، فلا خمس فيه من حيث الغوص لا لعدم الاطلاق في احاديث الباب فانه قابل للكلام، بل لما عرفت من الروايات الكثيرة الواردة في اللؤلؤة التي وجدها في بطن سمكة فتدبر.

10- الأنهار العظيمة كدجلة و الفرات و النيل حكمها حكم البحر

بالنسبة الي ما يخرج منها اذا فرض تكون مثل ذلك فيها كالبحر (ذكره في الجواهر

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 43.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 192

و وافقه في العروة) و استدل عليه باطلاق الادلة بعد حمل ذكر البحر في بعض الاخبار «1» علي الغالب، ثم اجاب عن القول بانصراف الاطلاقات الي البحر خاصة لأنه المتعارف بان ذلك لعله من ندرة الوجود لا الاطلاق.

اقول: ندرة الوجود غير ثابت أيضا لا سيما بالنسبة الي الانهار العظيمة المتصلة بالبحار في مصب ورودها بالبحر، و التفصيل بينها و بين غيرها من الانهار مشكل، و لو لا ذلك امكن ان يكون ندرة الوجود سببا للانصراف كما ذكرنا في محله من ان ندرة الوجود كثيرا ما يكون سببا لندرة الاستعمال و سببا للانصراف.

و الذي يسهل الخطب في المقام انه لو فرض قصور في اطلاقات الباب، فلا قصور من ناحية الغاء الخصوصية كما عرفت مرارا.

11- كثيرا ما يفرق الأشياء في البحار و الأنهار ثم يخرجها الغواصون
اشارة

، فهل يصح تملك هذه لهم؟ ثم هل يتعلق الخمس بها أم لا؟

قال العلامة في القواعد: «و لو انكسرت سفينة في البحر فلأهله ما اخرجه البحر و ما اخرج بالغوص لمخرجه ان تركوه بنية الاعراض».

و يظهر من مفتاح الكرامة في شرح هذا الكلام: «ان الاصحاب اختلفوا في ان المخرج يملكه او يباح له التصرف، فبعضهم ذهب الي الاول كالعلامة فيما عرفت من كلامه، و بعضهم جزم بالثاني كالشهيد الثاني و الفاضل المقداد، و المحقق الثاني رأي الاحتمال الثاني اقرب الي الاحتياط». «2»

و قال في الجواهر بعد نقل كلام المحقق (لو انكسرت سفينة في البحر فما اخرجه البحر فهو لأهله و ما اخرج بالغوص فهو لمخرجه) «علي الاشهر

______________________________

(1)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب

3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(2)- مفتاح الكرامة، كتاب القضاء، المجلد 10، الصفحة 135.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 193

عند الاصحاب كما في الكفاية و ان كنا لم نتحققه». «1» اي بدون قيد الاعراض.

و قال في الحدائق: «فيما يخرج بالغوص من الاموال التي عليها اثر الإسلام اشكال».

ثم ذكر الروايتين الاثنتين ثم قال: «ان ظاهر الخبرين غير خال من الاشكال لان الحكم به لمخرجه مع وجود اهله من غير ناقل شرعي مشكل». «2»

و الاولي البحث عن مقتضي القواعد في المسألة ثم التكلم عن الحديثين.

اما الاول: فان كان الكلام في موارد الاعراض اعني اعراض مالكه عنه و لو بسبب يأسه عن امكان استخراجه، فالحق جواز تملكه لما ذكرناه في محله من خروج المال بالاعراض عن الملكية، و هل مجرد اليأس ملازم للاعراض المنقول من المحقق الأردبيلي ذلك و لكن استشكل عليه في المفتاح بان الاعراض غير اليأس، و الانصاف ان اليأس في الغالب سبب للاعراض و ان كان قد ينفك منه، فالقول باتحادهما دائما مشكل لا سيما اذا كان الزمان قريبا.

________________________________________

شيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، در يك جلد، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)؛ ص: 193

اما اذا لم ييأس و لم يعرض عنه طبعا، فلا يحل لأحد التصرف في ذاك المال و كان باقيا علي ملك مالكه الاصلي و لذا لو اغرق المال غير مالكه كان ضامن لبدل الحيلولة ما دام كذلك حتي يرد عينه الي صاحبه.

و لو القاه البحر الي جانبه فان كان قبل الاعراض فهو

لصاحبه بلا اشكال،

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 40، الصفحة 400.

(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 344.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 194

و ان كان بعده يشكل الحكم بعوده اليه ما لم يكن هناك حيازة جديدة منه و ان كان الحكم بجواز حيازته لكل احد أيضا مشكلا لا سيما اذا كان الزمان قريبا و لعله من جهة ان الاعراض كان مشروطا فتأمل، و الاحوط هنا رده الي مالكه- هذا بحسب القواعد-.

اما بحسب الاخبار، فقد رويت هنا روايتان احداهما من السكوني عن ابي عبد الله في حديث عن امير المؤمنين عليه السّلام قال: «اذا غرقت السفينة و ما فيها فاصابه الناس فما قذف به البحر علي ساحله فهو لأهله و هم احق به و ما غاص عليه الناس و تركه صاحبه فهو لهم». «1»

و الثاني عن الشعيري قال: «سئل ابو عبد الله عليه السّلام عن سفينة انكسرت في البحر فاخرج بعضها بالغوص و اخرج البحر بعض ما غرق فيها؟ فقال: اما ما اخرجه البحر فهو لأهله الله اخرجه و اما ما اخرج بالغوص فهو لهم و هم احق به». «2»

و قد ورد في بعض العبارات الشغيري بالغين المعجمة، و اختلفت كلماتهم في انهما رجل واحد و هو السكوني (اسماعيل بن ابي زياد) فله لقبان، او ان الشغيري تلميذ السكوني كما قيل، و علي كل حال لا كلام في ضعف الرواية الثانية بامية بن عمر و لجهالته، و لكن الرواية الاولي معتبرة ان قلنا بوثاقة السكوني و لكنه محل كلام و اشكال، فالركون عليها أيضا مشكل من حيث السند.

و اما من حيث الدلالة فلا يستفاد من رواية السكوني شي ء ما وراء القواعد لقوله «و تركه صاحبه»

الظاهر في الاعراض، فلو صحت اسنادها لم تدل علي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 11 من ابواب اللقطة، الحديث 1.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 11 من ابواب اللقطة.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 195

شي ء ازيد مما تقتضيه القاعدة.

اما الثانية فهي خالية عن هذا القيد فتدل علي الاعم من صورة الاعراض و عدمه، و لكن لا يصح الركون عليها أيضا. اما اولا: فلان احتمال وحدتهما قوية فيفسر بعضها بعضا (و لا يضر نقل احداهما عن الصادق عليه السّلام و الاخر عنه عن امير المؤمنين عليه السّلام كما لا يخفي) و ثانيا: سندها ضعيف كما مر بامية بن عمرو و ثالثا: لا يمكن الركون في مخالفة مثل هذه القاعدة المسلمة الثابتة في الكتاب و السنة و العقل و الاجماع، و هي عدم جواز التصرف في مال الغير بدون رضاه، و عدم جواز اكل المال بالباطل بخبر واحد و لو فرض بلوغه حد الحجية.

و العجب من صاحب الجواهر حيث احتمل في الرواية الثانية كون جميع المال لأهله (بان يكون قوله اما ما اخرج بالغوص فهو لهم اي لملاكه لا الغواصين!) و اعتذر عن التفضيل في الجواب ب «اما» بان التفصيل انما هو في السبب «باخراج الله، و اخراج الغير» و الا فالنّتيجة واحدة كما عن بعضهم الجزم به. «1»

و الانصاف ان طرح الرواية لبعض ما ذكر سابقا اولي من حملها علي هذه المحامل البعيدة.

و في بعض كلمات الشهيد الثاني في المسالك انه يجبر ضعف سند رواية الشغيري (بعد قوله باتحاد الرجلين) بالشهرة و غيرها. «2»

فان اراد شهرة الحكم في صورة الاعراض عن المال المغروق فهو غير بعيد، و ان اراد في صورة عدم الاعراض

عنه فقد عرفت عدم ثبوته.

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 40، الصفحة 400.

(2)- مسالك الافهام، المجلد 2، الصفحة 38.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 196

و لذا قال في آخر كلامه انه لا يحل اخذه بدون الاعراض مطلقا عملا بالاصل.

بقي هنا أمران

احدهما: انه اذا شك في الاعراض و عدمه، فان امكن احراز الحال من مضي الدهور و العصور الذي قد عرفت يكون سببا للاعراض القهري في عرف العقلاء او من طريق آخر فلا كلام، و الا فاللازم الحكم ببقائه علي ملك صاحبه فان لم يعرف صاحبه كان بحكم اللقطة و يجري عليه احكامها كما لا يخفي.

ثانيهما: انه لا خمس فيه عند جواز تملكه من باب الغوص و ان تعلق به من باب الارباح، و ذلك لان الظاهر من ادلة وجوب الخمس في الغوص او ما يخرج من البحر هو ما يتكون فيه من الجواهر و شبهه لا ما القي فيه من الخارج، و هذا هو المتبادر منها لا سيما بقرينة ما ذكر في هذه الروايات من الامثلة.

12- إذا فرض معدن من العقيق و الياقوت أو الذهب و الفضة و شبهها قعر البحار

بحيث لا يمكن اخراجها الا بالغوص لا اشكال في تعلق الخمس بها، و لكن هل هو من باب خمس المعدن او الغوص حتي تظهر الثمرة في نصابهما المتفاوت، استظهر في العروة الثاني- اي الغوص- و وافقه كثير من المحشين.

و ما ذكره قوي لأنه مقتضي اطلاق روايات الغوص لعدم التفصيل بين المحال التي تعد معدنا لهذه الجواهرات و ما لا يعد، و قد عرفت سابقا انه لا يعتبر في معني المعدن ان يكون دائما تحت الارض فقد يكون فوق الارض، فاذا كانت نقطة من البحر يتكون فيها الجواهرات من اللؤلؤ

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 197

و المرجان بمقدار معتد به كان معدنا له و هو داخل في اطلاقات الغوص و هذا فرد شايع فيشمله ادلته.

ان قلت: اطلاقات المعدن أيضا كذلك اعم مما يوجد تحت الماء او في الصحراء.

قلت: الانصاف اطلاقاتها من هذه الناحية ضعيفة بل قد يدعي

انصرافها منه و لا أقلّ انه ليس فردا شايعا للمعدن بالنسبة الي ما يوجد في الصحاري و الجبال (لا سيما في تلك الازمنة) و ليس كذلك اطلاقات الغوص.

و ان شككنا و لم يكن هناك ظهور اقوي، فمقتضي القاعدة العمل بهما لعدم المنافات بينهما و ان هو الا مثل ان يقول المولي لعبده اضف كل عالم اليوم، و قال أيضا اضف كل عادل اليوم و اعطه الف درهم، فاذا انطبق العنوانان علي رجل واحد و كان عالما عادلا فلا مانع من العمل بمقتضي كل منهما في حقه بل هو واجب فاضافته واجبة بمقتضي العنوانين و اهداء الف درهم أيضا واجب بمقتضي العنوان الثاني.

و في المقام اذا كان المخرج عشرين دينارا فلا كلام في وجوب الخمس عليه لانطباق العنوانين (و الخمس يكون واحدا لظهور الادلة) و ان كان أقلّ منه و اكثر من دينار واحد فيجب عليه الخمس لانطباق عنوان الغوص عليه فتدبر جيدا.

13- لا إشكال في وجوب الخمس في العنبر

، كما قال في المدارك:

«قد اجمع الاصحاب علي وجوب الخمس فيه» «1» و هو مروي في صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال: «سألت ابا عبد الله عليه السّلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ؟ فقال: عليه الخمس». «2»

______________________________

(1)- المدارك، المجلد 5، الصفحة 377.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 198

انما الكلام في امور ثلاثة (المراد من العنبر و انه من باب الغوص، و مقدار نصابها).

الاول: العنبر ما ذا؟ اختلفت كلمات الفقهاء و ارباب اللغة في حقيقته غاية الاختلاف، و إليك نموذج منها:

1- قال في محكي القاموس: «العنبر من الطيب روث دابة بحرية … »

2- قال فيه أيضا:

«او نبع عين فيه،» حكاه الشهيد أيضا في البيان عن اهل الطب.

3- و في لسان العرب (في بعض ما ذكره في تفسيره): «هي سمكة كبيرة بحرية تتخذ من جلدها التراس و يقال للترس عنبر و في مجمع البحرين عن حياة الحيوان العنبر سمكة بحرية يتخذ من جلدها التراس و العنبر المشموم».

4- و فيه أيضا (في مجمع البحرين): «قيل انه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابه لدسومته فيقذفه رجيعا فيطفو علي الماء فتلقيه الريح الي الساحل و هو يقوي القلب نافع من الفالج و اللقوة و البلغم الغليظ».

5- و في التذكرة قال الشيخ: «العنبر نبات من البحر و قيل هو من عين في البحر و قيل العنبر يقذفه البحر الي جزيرة فلا يأكله شي ء إلا مات و لا ينقله طائر بمنقاره الا نصل منقاره و اذا وضع رجله فيه نصلت اظفاره و يموت». «1»

فهم بين قائل بانه مائع يخرج عن عين في البحر، و قائل بانه نبات، و قائل بانه حيوان او روث حيوان، و يمكن الجمع بين غير واحد منها بان يكون نباتا فيأكله دابة و يكون هذا روثها، او يخرج عن عين ثم يأكله السمكة فيلقيه الي غير ذلك. و لكن القدر المسلم او المشهور فيها امور: طيب، يؤخذ من سطح الماء له فوائد و منافع (اذا استعمل بمقدار لازم)، اما انه يخرج من قعر

______________________________

(1)- التذكرة، المجلد 1، الصفحة 253.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 199

البحر، او نبات، او روث حيوان فشيئ منها غير ثابت.

و في غياث اللغة: «انه نوع من الطيب يوجد في جبال هند و چين يكون من نوع من النحل يأكل النباتات الطيبة و يحمله السيل الي

البحار و يأكله بعض حيوان البحر و حيث ليس قابلا للهضم يلقيه الي الخارج و قد شوهد فيه دباب النحل». «1»

و مما يدل علي انه نوع من الموم انه يذاب بالحرارة.

هذا كله ما ذكره الفقهاء و القدماء في هذا المجال.

اما علماء العصر الجديد فلهم تحقيقات ادق في هذه المسألة، ففي المجلد الرابع من المعجم الزولوجي الحديث بالعربية في مادة العنبر ما هذا نصه:

«العنبر علي وزان جعفر اسم لنوع من الحيتان يستخرج منه المادة المعروفة بالعنبر و الدهن المعروف بمن القاطوس، … و العنبر اورام تحدث في امعائه.

ثم يبترزها فتطفوا علي سطح الماء و يكون لها صنان كريه و لونها اغبر فيأخذها الصيادون و يبيعونها و قد تباع القطعة باربعة جنيهات حسب حجمها فتعالج بعد ذلك حتي تطيب رائحتها … و العنبر (اي الحوت المذكور) لا يخشي الانسان … سمي بذلك لأنه يستخرج منه المادة المعروفة بالعنبر (و قد رسم صورة هذا الحوت دقيقا في الكتاب)». «2»

و قال في المعجم الفارسي المسمي ب «معين»: سمك العنبر يوجد في امعائه بسبب بعض الترشحات مادة اسود بسبب انه تأكل السمك المعروف

______________________________

(1)- حكاه في دائرة المعارف لدهخدا نقلا عن غياث اللغة.

(2)- المعجم الزولوجي الحديث، المجلد 4، الصفحة 337.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 200

بالمداد (ما هي مركب) و قد يشق و يوجد في امعائه المادة المعروفة بالعنبر.

و قد ذكر بعض الباحثون ان له نوعين نوع يطفوا الماء (لأنه خالص) و نوع يرسب في قعر البحار (لأنه مخلوط باشياء ثقيلة) و الوانه أيضا مختلفة الابيض و الازرق و الاصفر و الاخضر و الاسود و احسنها الابيض و اردئها الاسود ظاهرا».

و الأصحّ من الجمع هو ما ذكره المعجم

الذي سبق ذكره، الذي جمعه مؤلفه من منابع الشرق و الغرب طول عشرين سنة.

الثاني: هل هذا الموضوع عنوان مستقل في مسألة الخمس كما يظهر من بعض عبارات الفقهاء بل لعله ظاهر الصحيحة المذكورة حيث جعله في مقابل الغوص، او انه داخل في عنوان المعدن بناء علي خروجه من عين من قعد البحر، او قلنا ان معدن الشي ء هو محل يتكون فيه كثيرا و حيث ان العنبر يتكون في بعض مناطق البحار بكثرة سواء كان نباتا، أم روث حيوان بحري يصدق عليه عنوان المعدن.

لكن الاخير بعيد جدا و إلا كان البحر معدنا للسمك و الاجمّة معدن للشجر حيث يتكون فيه كثيرا مع انه لا يصدق المعدن عليه الا بمعني مجازي او كنائي كما لا يخفي، و خروجه عن عين في قعر البحر غير معلوم بل المعلوم خلافه كما عرفت فصدق المعدن عليه مشكل، و كذا الغوص بعد عدم حاجته الي الغوص لأنه يؤخذ عن سطح البحار.

نعم قد عرفت ان قسما منه يخرج من قعر البحار، و ذلك لاختلاطه بما يوجب رسوبه في الماء لكنه ليس من الجواهر حتي يشمله عنوان الغوص اذ لعله مختص بالاشياء الثمينة الموجودة في اعماق البحار مضافا الي التفريق بينه و بين غوص اللؤلؤ في صحيحة الحلبي حيث قال: «سألته عن العنبر و غوص اللؤلؤ» علي انه لو صدق عليه الغوص فانما صدق علي قسم منه

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 201

لا علي تمام اقسامه.

فالاولي ان يقال انه عنوان مستقل، و من هنا يظهر الكلام في المقام.

الثالث: و هو انه هل يعتبر فيه النصاب؟ و لو اعتبر فيه فنصابه ما ذا؟ الذي يظهر من المدارك ان في المسألة اقوالا

ثلاثة:

1- ما ذهب اليه الاكثر و هو التفصيل بين ما اخرج بالغوص فيراعي فيه نصاب الغوص و هو دينار واحد و ما يجني من وجه الماء او الساحل كان له حكم المعدن.

2- ما يظهر من اطلاق المفيد في المسائل الغرية و هو ان نصابه عشرون دينارا كالكنز.

3- وجوب الخمس فيه مطلقا قليلا كان او كثيرا و هو ظاهر اختيار الشيخ و قواه في المدارك. «1»

و حكي في الجواهر عن السرائر دعوي الاجماع علي هذا القول «2»

و يظهر من الفقيه سيد اساتيدنا العلامة البروجردي نقل قول رابع و هو ما نسب الي كاشف الغطاء من اعتبار نصاب الغوص فيه مطلقا (اي سواء اخذ من سطح الماء او بالغوص او غير ذلك).

و الظاهر بعد ما عرفت من انه عنوان مستقل ليس من المعادن و لا من الجواهر المأخوذة بالغوص بل هو اشبه شي ء بالسمك الذي يصطاد من البحار، فاجراء حكم المعدن او الغوص عليه مشكل. اللهم الا ان يقال ان جعله في عداد غوص اللؤلؤ دليل علي انه ملحق به و الا لم يكن وجه للجمع بينهما. و الاحوط اخراج الخمس منه قليلا كان او كثيرا.

______________________________

(1)- المدارك، المجلد 5، الصفحة 377.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 44.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 203

5- الحلال المخلوط بالحرام

المقام الأول وجوب الخمس في هذا المال (في الجملة) هو المشهور

كما في المفاتيح للفيض الكاشاني- رحمه اللّه- و عليه اكثر العلماء كما في المنتهي و عليه الاجماع كما في ظاهر الغنية او صريحها علي ما حكاه عنهم في الجواهر. «1»

و قال في الحدائق القول بوجوب الخمس هنا هو المشهور و نقل عن الشيخ المفيد و ابن ابي عقيل و ابن الجنيد انهم لم يذكروا الخمس هنا في عداد الافراد المتقدمة كما

لم يذكروه في سابق هذا المقام (اي الارض التي اشتراها الذمي من المسلم). «2»

و قال في الغنية: «و في المال الذي لم يتميز حلاله من حرامه و في الارض التي يبتاعها الذمي، (الخمس) بدليل الاجماع المتردد». «3»

و استدل له في الجواهر بامور:

1- الاجماع المذكور بعد شهادة التتبع له في الجملة.

2- اندراجه في عنوان الغنيمة.

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 70.

(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 363.

(3)- الغنية التي طبعت مع الجوامع الفقهية، الصفحة 507.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 204

3- صحيحة ابن مهزيار و فيها في عداد ما يجب فيه الخمس: و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب و ما صار الي موالي من اموال الخرمية الفسقة. «1»

4- ما رواه الحسن بن زياد عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «ان رجلا اتي امير المؤمنين عليه السّلام فقال يا امير المؤمنين اني اصبت مالا لا اعرف حلاله من حرامه فقال له: اخرج الخمس من ذلك المال فان الله عز و جل قد رضي من ذلك المال بالخمس و اجتنب ما كان صاحبه يعلم». «2»

5- ما رواه السكوني عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «اتي رجل امير المؤمنين عليه السّلام فقال: اني كسبت مالا اغمضت في مطالبه حلالا و حراما و قد اردت التوبة و لا ادري الحلال منه و الحرام و قد اختلط علي فقال امير المؤمنين عليه السّلام تصدّق بخمس مالك فانّ الله قد رضي من الاشياء بالخمس و سائر المال لك حلال». «3»

6- ما ارسله الصدوق قال: «جاء رجل الي امير المؤمنين عليه السّلام فقال يا امير المؤمنين اصبت ما لا اغمضت فيه أ فلي توبة؟ قال:

ايتني خمسه فاتاه بخمسه فقال: هو لك ان الرجل اذا تاب تاب ماله معه». «4»

7- ما رواه عمار بن مروان قال: «سمعت ابا عبد الله عليه السّلام يقول: فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس». «5»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما جيب فيه الخمس، الحديث 5، و الخرمية هم اتباع بابك خرمدين الذي خرج من ايران و قد اباحوا كل الاشياء لأنفسهم.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(3)- نفس المصدر، الحديث 4.

(4)- نفس المصدر، الحديث 3.

(5)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 205

و لكن العمدة من بينها هي الروايات الاربعة الاخيرة، فان الاستناد في مثل هذه المسألة بعد وجود هذه المدارك الي الاجماع كما تري كما ان اندراج المسألة في عنوان الغنيمة غير واف باثبات المقصود، فان الغرض اثبات وجوب الخمس فيه بعنوان مستقل لا بهذا العنوان، مضافا الي ان صدق الغنيمة علي الحرام لا يفي له و علي الحلال الموجود فيه كذلك، لأنه ربما يكون من مال مخمّس او ما لا يتعلق به الخمس كالميراث و شبهه.

و اما الثالث (صحيحة علي بن مهزيار) فهو أيضا خارج عن المقصود، فان المال الذي لا يعرف له صاحب ليس من المخلوط، و كذا اموال الخرمية بعد كونهم كفارا يجوز اخذ اموالهم و هو مثل سائر الغنائم، فهل الغنائم المأخوذة من الكفار داخل تحت عنوان الاموال المختلطة بالحرام؟

و الاشكال في اسناد هذه الروايات الاربعة لو تم لا يضر

بالمقصود بعد تضافرها و عمل المشهور بها و كذا الاشكال بان المذكور في رواية السكوني هو وجوب التصدق بالخمس أيضا غير ضائر في هذا المقام (اعني اثبات الحكم علي اجماله)، و سيأتي الكلام فيه إن شاء الله.

هذا و يستدل أيضا بما رواه ابن ابي عمير عن غير واحد عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «الخمس علي خمسة اشياء علي الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة» و نسي ابن ابي عمير الخامس «1» بضميمة ما ذكره الصدوق في الخصال قال:

«اظن الخامس الذي نسيه ابن ابي عمير ما لا يرثه الرجل و هو ان يعلم ان فيه من الحلال و الحرام و لا يعرف اصحاب الحرام فيؤديه اليهم و لا يعرف الحرام بعينه فيجتنبه فيخرج من الخمس». «2»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.

(2)- الخصال، المجلد 1، الصفحة 140.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 206

اقول: و لكن هذا الظن لا يغني من الحق و لا يمكن الركون عليه بمجرده بل يشكل اخراجه بعنوان مؤيد في المسألة بعد احتمال كون الخامس «الملاحة» الواردة صريحا في مرسلة حماد «1» و مرسلته الاخري في نفس الباب، «2» و الظاهر انهما رواية واحدة، و لا أقلّ انه يساوي هذا الاحتمال لما ذكره الصدوق- رحمه الله- الموافق احتمالا لما رواه عمار بن مروان (6/ 3).

و كذا قد يستدل له بما رواه عمار عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «انه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: لا، الا ان لا يقدر علي شي ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر علي حيلة فان فعل فصار في يده

شي ء فليبعث بخمسه الي اهل البيت». «3»

فانه يحتمل ان يكون من قبيل ارباح المكاسب، و المنع انما هو من جهة الدخول في عمل السلطان و الا فحلية امواله قد ثبتت في بحث جوائز السلطان بعد كون امواله من قبيل المخلوط الذي ليس تمام اطراف العلم محلا لابتلائه حتي يجري عليه آثار العلم الإجمالي.

و مثله الكلام في ما رواه الحلبي عن ابي عبد الله (8/ 2) «في الرجل من اصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة؟ قال: يؤدي خمسا و يطيب له» و الظاهر ان الخمس فيها خمس الغنائم التي تكون باذن الامام عليه السّلام و لا دخل له بمسألة المخلوط بالحرام.

و بالجملة المسألة اوضح من تحتاج الي هذه الاستدلالات الضعيفة.

***

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

(2)- نفس المصدر، الحديث 9.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 10، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 207

المقام الثاني هذه المسألة: - أي الأموال المخلوطة بالحرام- ذات وجوه أربعة

كما ذكره في المدارك و مستند الشيعة بل و اشار اليه في الحدائق اجمالا، و حاصلها انه تارة: يكون مع الجهل بمقدار الحرام و صاحبه.

و اخري: يعلم المقدار و لا يعلم المالك.

و ثالثة: يكون بالعكس يعلم المالك و لا يعلم المقدار.

و اربعة: يعلم كليهما.

و من الواضح ان الاخبار و ان كانت مطلقة و لكنها لا يشمل القسم الاخير قطعا بعد انصرافها من هذه الصورة، و وضوح القواعد، و لزوم رد المال الي مالكه عند معرفته، و حرمة اكل المال بالباطل.

و اما الصورة الاولي فهي القدر المتيقن من هذه الاخبار، و كان الشارع المقدس اجاز بمصالحة المال الحرام بهذا المقدار لتطهير امواله.

تبقي الصورتان الثانية و الثالثة، اما الثانية فالمعروف

و المشهور بل قد يدعي الاتفاق عليه التصدق بمقدار الحرام عن مالكه بعد اليأس عن وجدانه، و عن علامة و جماعة- قدس سرهم- وجوب التخميس اولا ثم التصدق بالزائد، و عن صاحب الحدائق القول بالتخميس فقط، فالمسألة ذات اقوال ثلاثة.

اما الذي يدل علي مذهب المشهور، اي التصدق بمقدار الحرام اي مقدار كان هو روايات عديدة واردة في مجهول المال تشمل باطلاقها محل الكلام:

1- منها ما ورد في ابواب اللقطة من مصححة يونس بن عبد الرحمن قال:

«سئل ابو الحسن الرضا عليه السّلام و انا حاضر الي ان قال فقال: رفيق كان لنا بمكة فرحل منها الي منزله و رحلنا الي منازلنا فلما ان صرنا في الطريق اصبنا بعض

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 208

متاعه معنا فاي شي ء نصنع به؟ قال: تحملونه حتي تحملوه الي الكوفة.

قال: لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع؟ قال: اذا كان كذا فبعه و تصدق بثمنه. قال له: علي من جعلت فداك؟ قال: علي اهل الولاية». «1»

و لا يخفي ان الحديث ورد في المال المتميز المجهول مالكه، و الكلام في غير المتميز منه بحيث اختلط مع سائر الاموال لكن لا يبعد الغاء الخصوصية العرفية.

2- ما رواه نصر بن حبيب صاحب الخان قال: «كتبت الي العبد الصالح عليه السّلام لقد وقعت عندي مأتا درهم و اربعة دراهم و انا صاحب فندق و مات صاحبها و لم اعرف له ورثة فرأيك في اعلامي حالها و ما اصنع بها فقد ضقت بها ذرعا؟ فكتب: اعمل فيها و اخرجها صدقة قليلا قليلا حتي يخرج». «2»

و لا يخفي ان هذا الحديث كسابقه وارد في المال المتميز، و اما امره عليه

السّلام بالتصدق التدريجي فلعلّه للتوسعة عليه.

3- ما رواه علي بن ابي حمزة قال: «كان لي صديق من كتاب بني امية فقال لي: استأذن لي علي ابي عبد الله عليه السّلام فاستأذنت له عليه فاذن له فلما ان دخل سلم و جلس ثم قال: جعلت فداك اني كنت في ديوان هؤلاء القوم فاصبت من ديناهم ما لا كثيرا و اغمضت في مطالبه فقال ابو عبد الله عليه السّلام: لو لا ان بني امية وجد و الهم من يكتب و يجبي لهم الفي ء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا … قال فقال الفتي جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟ … قال له: فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرف تصدقت به و انا اضمن لك علي الله عز و جل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 7 من ابواب اللقطة، الحديث 2.

(2)- نفس المصدر، الباب 6 من ميراث الخنثي، الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 209

الجنة، الحديث». «1»

و لا يضر ضعف اسناد بعضها بعد قوة اسناد بعضها علي الظاهر، و عمل الاصحاب بها، و نقلها في الكتب المعتبرة الي غير ذلك من المؤيدات.

و قد اشار المحقق الهمداني في تأييد هذه الروايات الي الاخبار الكثيرة الواردة في التصدق ببعض مصاديق مجهول المالك مثل ما رواه حفص بن غياث قال: «سألت ابا عبد الله عليه السّلام عن رجل من المسلمين او دعه رجل من اللصوص دراهم او متاعا و اللص مسلم هل يردّ عليه؟ فقال: لا يرده فان امكنه ان يرده علي اصحابه فعل و الا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها

حولا فان اصاب صاحبها ردّها عليه و الّا تصدّق بها فان جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الاجر و الغرم، الحديث». «2»

و امتياز هذه الرواية انها و ان وردت في بعض كتب الحديث في احكام اللقطة لكنها ليست من اللقطة، و اما الامر بالتصدق في خصوص مورد اللقطة (و لو كان بعنوان احد افراد التخيير في الواقع) كثير و ان شئت فراجع الروايات 2 و 7 و 14 من الباب 2 من ابواب اللقطة.

و يؤيده أيضا ما ورد في بيع تراب الصياغة و التصدق بثمنه، مثل ما رواه علي بن ميمون الصائغ قال: «سألت ابا عبد الله عليه السّلام عما يكنس من التراب فابيعه فما اصنع به؟ قال: تصدّق به فإمّا لك و اما لأهله قال: قلت فان فيه ذهبا و فضة و حديدا فبايّ شي ء ابيعه؟ قال: بعه بطعام. قلت: فان كان لي قرابة محتاج اعطيه منه؟ قال: نعم». «3» و ما رواه علي الصائغ قال: «سألته

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الباب 47 من ابواب ما يكتسب به، الحديث 1.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 18 من ابواب اللقطة، الحديث 1.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الباب 16 من ابواب الصرف، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 210

عن تراب الصواغين و انا نبيعه قال: اما تستطيع ان تستحله من صاحبه؟ قال:

قلت اذا اخبرته اتهمني. قال: بعه. قلت: باي شي ء نبيعه؟ قال: بطعام.

قلت: فايّ شي ء اصنع به؟ قال: تصدق به امّا لك و امّا لأهله. قلت: ان كان ذا قرابة محتاجا اصله؟ قال: نعم». «1»

نعم قد يورد علي جميع ذلك تارة بما اشار اليه في الحدائق من ان روايات الصدقة وردت في

المال المتميز من غيره، و هذا غير ما نحن فيه مما اختلط الحلال بالحرام.

و اخري بما ورد في صحيحة ابن مهزيار في خمس الغنائم و الفوائد حيث جوز تملك مال يعرف صاحبه مع اداء خمسه، و لازمه عدم وجوب التصدق بل يكفي الخمس فيه.

هذا و لكن يمكن الجواب عن الاول اولا: بانه اي فرق بين المتميز و غيره بعد حصول الشركة فيه (لا سيما في مثل الدراهم و الدنانير) و معلومية حقه من المشاع، فالغاء الخصوصية القطعية العرفية هنا مما لا غبار عليه.

ثانيا: ان الذي يقتضيه مناسبة الحكم و الموضوع هو كون التصدق من قبل مالكه نوع ايصال اليه فانه و ان لم يصل اليه بنفسه لكنه وصل اليه بثوابه، و من الواضح ان هذا المعني لا يتفاوت فيه الحال بين كون المال مفروزا او مشاعا.

و ثالثا: انا لو سلمنا عدم دخول المقام في روايات التصدق فلا نشك في عدم دخوله في روايات الخمس اذا كان المقدار أقلّ منه بكثير او اكثر منه اضعاف مضاعفة فكيف يمكن الزام الخمس علي من يعلم ان سهم الغير من ماله المشاع عشر او نصف العشر، و كذلك كيف يمكن الاكتفاء بمقدار

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الباب 16 من ابواب الصرف، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 211

الخمس مع العلم بان نصف المال او اربعة اخماسه للغير، فانصراف روايات تخميس المال المخلوط بالحرام عما نحن بصدده واضح لا ريب فيه.

و اما الثاني اعني صحيحة ابن مهزيار لعلها اشارة الي اللقطة فقوله يؤخذ بمعني اخذه لقطة بقرينة قوله «و لا يعرف له صاحب» فالخمس فيه خمس الارباح بقرينة ما قبله و ما بعده (و قد ذكرنا

في محله انه يجوز تملك اللقطة كما نطقت به كثير من الاخبار) هذا اولا.

و ثانيا ان لازم ذلك اداء خمس خصوص مجهول المالك لا خمس جميع المال و هذا اجنبي عما نحن بصدده.

الحاصل: ان مذهب المشهور هو المنصور، اما القول بوجوب دفع مقدار الخمس خمسا و الباقي صدقة فكأنه نشأ عن الجمع بين روايات الخمس و الصدقة، و لكنه جمع تبرعي في غاية البعد لا يشهد له شاهد و لا تدل عليه قرينة.

و قد يتراءي من بعض كلمات المحقق الهمداني في مصباح الفقيه قول رابع في المسألة و هو وجوب اداء المقدار المعلوم كونه للغير خمسا (اي ادائه الي ارباب الخمس لا في مصرف الصدقة) «1» و هو اضعف الاقوال، و كان الوجه فيه جمع تبرعي آخر بين اخبار وجوب التصدق و اخبار الخمس فيؤخذ في المقدار بالاول و في المصرف بالثاني، و من الواضح ان امثال هذا الجمع مما لا يوزن بشي ء في ميزان الفقه و الفقهاء.

*** و اما الصورة الثالثه و هي ما كان المالك فيه معلوما و مقدار الحرام

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 138 و ما بعده.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 212

مجهولا ففيه وجوه و اقوال:

1- الاقتصار علي القدر المتيقن (كما اذا علم بان سدس المال للغير قطعا فيعطيه) فقط.

2- اعطاء اكثر ما يحتمله حتي يعلم بالبراءة (كما اذا علم بانه لا يملك الغير اكثر من النصف).

3- اعطاء الاقل، و فيما بينه و بين الاكثر يرجع الي القرعة او قاعدة العدل و الانصاف فينصف (ففي المثال السابق يعطيه سدسا بعنوان القدر المتيقن ثم يقرع علي السدسين او يقال بالتنصيف بينهما).

4- يرجع في التفاوت الي الصلح اجبارا كما حكي عن

كاشف الغطاء انه لو عرف المالك دون المقدار وجب صلح الاجبار (حكاه في مصباح الفقيه ص 137 و ما بعده).

5- يدفع الخمس فقط لصاحب المال و كأنه مصالحة شرعية للمقدار المجهول بهذا المقدار، حكي هذا القول عن التذكرة.

وجه الاول: هو الاخذ بقاعدة اليد فان المفروض كون المجموع في يده و مقتضاها كون جميعه ملكا له الا ما خرج قطعا، و لا معني هنا للأخذ بالبراءة كما في بعض كلمات الاعلام لا البراءة التكليفية و لا بالنسبة الي الحكم الوضعي لان الاصل في الاموال المملوكة عدم جواز التصرف فيها الا ما ثبت كونه له، و براءة الذمة هنا لا معني لها بعد كون الكلام في المال الخارجي.

وجه الثاني: الرجوع الي قاعدة الاشتغال و اصالة عدم جواز التصرف لسقوط اليد عن الحجية بعد كونها عادية، لشيوع الحرام في مجموعه.

و وجه الثالث: ان مقدار التفاوت مال مردد بين شخصين و لا دليل علي ملكية احدهما بالخصوص فسبيله سبيل غيره من الاموال المردد اما التنصيف لقاعدة العدل و الانصاف المتبعة في هذه الموارد او القرعة (و هي بعيدة بعد

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 213

وجود القاعدة المذكورة فانها لكل امر مجهول).

و وجه الرابع: ان القرعة لا يجري هنا لعدم شمول ادلتها له و كذا التنصيف ليس طريقا ثابتا و مقدار التفاوت مال مشكوك بينهما، فلا محيص الا عن الصلح لعدم اليقين علي جواز التصرف لأحدهما الا بذلك.

و وجه الخامس: ما اورده في مصباح الفقيه حيث قال: «كان مستنده دعوي دلالة الاخبار المزبورة الواردة في مجهول المالك علي ان الخمس تحديد شرعي لمقدار الحرام الممتزج الذي لا يعرف مقداره، و لا فرق بين كون المالك مجهولا او

معلوما».

و العمدة في المقام هو مسألة جريان قاعدة اليد و عدمه بالنسبة الي مقدار المشكوك (و نفرض الكلام فعلا فيما اذا لزم من الامتزاج الشركة و الاشاعة و دار الامر بين الاقل و الاكثر و يأتي حكم غيره فيما بعد ان شاء اللّه).

فلو جرت القاعدة لا تصل النوبة الي القرعة و التنصيف و المصالحة و شبهها، و الا اشكل الامر، و الانصاف انه لا ينبغي الاشكال في جريان القاعدة هنا، نعم قد يورد عليها من ناحية كونها عادية بالنسبة الي المجموع لشيوع الحرام في المجموع (كما ذكره في مصباح الفقيه).

و فيه اولا: انه قد يكون الامتزاج بالحرام من دون تقصير منه لان محل الكلام عام (فهذا الاشكال و الايراد اخص من المدعي). و ثانيا: انما هي عادية بالنسبة الي مال الغير لا المجموع، و كيف يمكن ان يقال ان يد الانسان علي ماله الموجود في الخارج عادية، و مجرد كون اليد عادية في مقدر منه لا يمنع عن حجيتها في المشكوك بعد اطلاق ادلتها، نعم قد اشكلنا علي حجية يد السارق و شبهه ممن يغلب علي امواله الحرام فليست حجة لا بالنسبة اليه و نفسه لا بالنسبة الي غيره، و يمكن اخراجه عن حكم المسألة.

و هنا اشكال آخر علي قاعدة اليد ذكره المحقق الخوانساري في جامع

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 214

المدارك و حاصله: ان امارية يد الانسان بالنسبة الي نفسه مطلقا محل اشكال لبعض الاخبار و هو ما رواه جميل بن صالح قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السّلام:

رجل وجد في منزله دينارا. قال: يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم كثير. قال:

هذا لقطة. قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا. قال: يدخل احد

يده في صندوقه غيره او يضع فيه شيئا؟ قلت: لا. قال: فهو له». «1» (و الرواية صحيحة ظاهرا لان جميل بن صالح وثقه غير واحد من اكابر الرجال و باقي السند معلوم الحال). و يحتمل ان يكون يده كيد من وجد في بيته الذي يدخل فيه غيره دينارا و الاجماع علي امارية اليد مطلقا غير محقق.» «2»

و الانصاف ضعف هذا الاشكال أيضا لان الرواية غير ناظرة الي ما نحن بصدده و ليس مضمونها شيئا تعبد يا مخالفا للقواعد العقلائية، فان حجية اليد عندهم انما هي في غير من يكون منزله محلا لو رود افراد مختلفة لا ما كان محلا لو رود نفسه غالبا و ان كان يأتيه بعض الضيوف احيانا و ما نحن فيه من القسم الاخير، و اليد في القسم الاخير حجة.

و الحاصل: ان حجية اليد ليست امرا تعبديا مأخوذا من الشارع بل امر دارت عليه سيرة العقلاء و امضاها الشارع المقدس و الظاهر شمولها للمقام، و لا فرق في حجية اليد بالنسبة الي صاحبها و غيرها الا اذا كان صاحبها مقصرا في ضبط مقدار حق الغير و لا يبعد ان يكون الاحتمال حينئذ منجزا في حقه و وجوب تحصيل العلم بالبراءة لهذا التقصير.

فالاقوي وجوب اداء الاقل، فلا تصل النوبة الي وجوب الاحتياط و الرجوع الي قاعدة الاشتغال، او الرجوع الي القرعة و قاعدة التنصيف

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 3 من ابواب اللقطة، الحديث 1.

(2)- جامع المدارك، المجلد 2، الصفحة 126.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 215

و المصالحة الاجبارية كما لا يخفي.

و اما الرجوع الي عموم رواية الخمس في المقام بعيد جدا، لان موردها خصوص مجهول المالك و قياس غيره

عليه مما لا يوافق مباني الاصحاب.

*** المقام الثالث في مصرف هذا الخمس

ان مصرف هذا الخمس هل هو مصرف ساير موارده او لا؟

قال المحقق النراقي في المستند: «قال جمهور من اوجبه ان مصرف هذا الخمس مصرف ساير الاخماس و نسبه في البيان الي ظاهر الاصحاب». «1»

و قال في جامع المقاصد: «و مصرفه مصرف الخمس عملا بحقيقة اللفظ و في الزيادة تردد». «2» كأنه (ره) رأي ان الخمس صار حقيقة شرعية فيما يدفع الي الامام عليه السّلام و السادة.

و في الحدائق نسبه الي جمهور الاصحاب، و في رسالة شيخنا الاعظم نسبه الي المشهور (حكاهما في المستمسك) و لكن حكي عن جماعة من متأخري المتأخرين كون مصرفه الفقراء و اختاره سيدنا الاستاذ البروجردي كما يظهر من بعض محاضراته. «3»

و العمدة ان الخمس هنا هل هو منصرف الي الخمس المصطلح المعروف في هذه الابواب او المراد معناه اللغوي اي خمس مجموع المال الذي يقابل الربع و الثلث فلا مانع من كون مصرفه مصرف مجهول المالك.

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 75.

(2)- جامع المقاصد، المجلد 3، الصفحة 53 الطبعة الحديثة.

(3)- زبدة المقال في خمس الرسول و الآل، الصفحة 69.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 216

و الذي يؤيد الاول او يدل عليه عده في عداد ساير موارد الخمس في ما رواه عمار بن مروان حيث قال: «سمعت ابا عبد الله عليه السّلام يقول فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس». «1» انتهي لكن اختلفوا في وثاقة عمار بن مروان و الظاهر انه غير موثق و كذا رواية ابن ابي عمير لو قلنا بان المنسي هو المال المختلط بالحرام فراجع. «2»

فوحدة السياق

دليل علي المطلوب، و يدل عليه أيضا ما رواه «عمار» عن ابي عبد الله عليه السّلام حيث قال: «فليبعث بخمسه الي اهل البيت». «3»

لكن قد عرفت انه ليس من المال المخلوط بالحرام، لان الدخول في عمل السلطان لو كان حراما حرمت اجرته كله و ان كان حلالا حلت اجرته كله، فان العمل حلال علي الفرض و ما يعطيه انما يعطيه من بيت المال و لا يقصر عن جوائز السلطان التي تثبت حليتها.

يدل عليه أيضا قوله «ايتني خمسه» في مرسلة الصدوق «4» لكن ذيله لا يخلو عن غموض.

هذا كله مضافا الي ظهور لفظ الخمس في استعمالات الشارع في ذلك

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(2)- عن ابن ابي عمير عن غير واحد عن ابي عبد الله (ع) قال: «الخمس علي خمسة اشياء علي الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة». و نسي ابن ابي عمير الخامس (الحديث 7، الباب 3 من ما يجب فيه الخمس) قال الصدوق (ره) في الخصال (المجلد 1، الصفحة 140): «اظن الخامس الذي نسيه ابن ابي عمير مالا يرثه الرجل و هو ان يعلم ان فيه من الحلال و الحرام و لا يعرف اصحاب الحرام فيؤديه اليهم و لا يعرف الحرام بعينه فيجتنبه فيخرج منه الخمس».

انتهي و لكن الظن لا يغني من الحق شيئا.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 217

(فهذه دلائل ثلاثة).

و لكن يدل علي الثاني أيضا امور:

1- قوله تصدق بخمس مالك فان الله قد

رضي من الاشياء بالخمس «1» لظهور الصدقة في غير الخمس و ما قد يقال انه يطلق الصدقة علي الخمس أيضا لو فرض ثبوته لا شك في كونه نادرا بالنسبة الي غيره، و لكن رويت هذه الرواية بعينها في الفقيه من دون ذكر عنوان الصدقة و فيها: « … فقال علي عليه السّلام: اخرج خمس مالك فان الله عز و جل قد رضي من الاشياء بالخمس» «2» فلا يصح الركون الي ظهور اللفظ لاختلاف النسخ علي ان صحة سند الرواية محل كلام.

2- الخمس المعهود انما هو في الغنائم و الفوائد، و من الواضح عدم كون المقام مصداقا له فقد يكون مقدار الحرام في الواقع أقلّ من الخمس فلا يكون مصداقا للفائدة، و رفع المنع عن اصل ماله بالخمس لا يكون سببا لصدق الغنيمة و الفائدة الا بالتسامح و المجاز و الا فالمال هو ماله السابق من دون اضافة و تنمية.

3- المعروف في حكم مجهول المالك و المرتكز متشرعيا هو الصدقة، و السر فيه انه نوع ايصال له الي مالكه كما عرفت آنفا و قد نطقت به كثير من الاخبار بل ظاهرها انه لو ظفر بمالكه و لم يقبل الاجر در اليه ماله و من البعيد جدا ان يحكم الشارع في المقام مع انه من قبيل مجهول المالك مصرفا آخر من المصارف، و مجرد الفرق بين المقامين من وضوح المقدار في اخبار المجهول المالك و عدم وضوحه هنا لا اثر له ظاهرا، و ان شئت قلت: الذي

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 4.

(2)- من لا يحضر الفقيه، المجلد 3، باب الدين و القرض، الحديث 35.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 218

يستفاد من ادلة الخمس هنا تعيين

المقدار المجهول في مقدار الخمس، و اما مصرفه فهو علي وزان سائر المقامات في مجهول المالك.

*** نعم يظهر من بعض الروايات ان مجهول المالك للإمام عليه السّلام و الصدقة انما هو باذنه، فلو ثبت هذا امكن التصالح بين القولين و رفع التعارض بين روايات الباب و ادلة الطرفين، فان التصدق أيضا يكون بامره فيكون من قبيل الخمس المصطلح الذي يكون امره بيده حتي امر سهم بني هاشم لأنه بنفسه منهم بل رئيس بني هاشم.

ففي رواية داود بن ابي يزيد عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «قال رجل: اني قد اصبت مالا و اني قد خفت فيه علي نفسي و لو اصبت صاحبه دفعته اليه و تخلصت منه قال فقال لي ابو عبد الله عليه السّلام: و الله ان لو اصبته كنت تدفعه اليه؟ قال: اي و الله. قال: فانا و الله ماله صاحب غيري. قال: فاستحلفه ان يدفعه الي من يأمره. قال: فحلف: فقال: فاذهب فاقسمه في اخوانك و لك الامن مما خفت منه. قال: فقسمته بين اخواني». «1»

و لكن سندها لا يخلو عن اشكال لاشتراك موسي بن عمر بين ابن بزيع الثقة و ابن يزيد المجهول، «2» و قد تصدي بعض الاعلام في مستند العروة لحل هذه المشكلة من طريق وقوع ابن يزيد في اسناد كامل الزيارات، بناء منه علي ان من وقع في اسناده كان ثقة و ان سمعنا رجوعه دام علاه عنه اخيرا، و لكن يشكل الاعتماد علي سندها و الحال هذه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 7 من ابواب اللقطة، الحديث 1.

(2)- و لم يذكر في جامع الروايات غير هما الا موسي بن عمر الحصيني الذي هو من اصحاب الهادي

(ع) و لا يحتمل انطباق محل الكلام عليه.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 219

و قد يستدل أيضا بما رواه محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار عن ابي الحسن عليه السّلام: «في رجل كان في يده مال لرجل ميت لا يعرف له وارثا كيف يصنع بالمال، قال ما اعرفك لمن هو يعني نفسه». «1»

و لكن الحديث مضافا الي ضعف سنده بعباد بن سليمان لجهالة حاله يحتمل معنيين: احدهما- حمله علي مجهول المالك بان يكون له وارث لا يعرف (و لو بحكم الاستصحاب) ثانيهما- حمله علي من لا وارث له، و من المعلوم انه ملك الامام و لا ربط له بمجهول المالك، و لا يبعد ترجيح الاخير لان المراد ممن لا وارث له، هو من لا يعرف له وارث لا من علم بعدم الوارث له، لان احراز ذلك مشكل جدا لا سيما في الغرباء و العبيد الذين اشير اليهم في روايات الباب. «2»

و مما يشهد علي عدم كون مجهول المالك او اللقطة للإمام عليه السّلام ظاهرا انه لو وجد صاحبه و لم يرض بالصدقة كان الواجب تداركه، فلو كان ملكا للإمام عليه السّلام و كان التصدق باذنه لم يكن وجه وجيه للضمان. فهذا التصالح أيضا لا يمكن الاعتماد عليه و الاحوط صرفه في مصرف ينطبق عليه مصرف الصدقه و الخمس و هو فقراء السادة لأنهم مصرف الامرين معا.

ان قلت: كيف تجوز الصدقة عليهم و المعروف ان الصدقة علي آل محمد صلي اللّه عليه و آله و سلم محرمة.

قلت: الحرام هو الصدقة الواجبة بعنوانها الاولي كالزكاة، اما الكفارات الواجبة التي لا يصدق عليها عنوان الصدقه و كذا الصدقات المستحبة فهي غير محرمة عليهم، و

في مجهول المال و ان كانت واجبة و لكنها بعنوان ثانوي و الا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 6 من ميراث الخنثي، الحديث 12.

(2)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 3 من ابواب الولاء من الميراث.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 220

فهو بعنوانها الاولي مستحب، و هذا من قبيل المال الذي اوصي به المالك ان يجعل صدقة في سبيل الله او نذره كذلك.

و ان شئت قلت: الذي تعطي الصدقة من قبله و هو المالك لا تجب عليه هذه الصدقة بل تستحب في حقه، و قد تعرضنا لذلك في ابواب اوصاف المستحقين للزكاة ذيل كلام صاحب العروة «1» و ليس المقام، مقام بسط الكلام فيه.

*** بقي هنا أمران

1- هل يجب ان تكون الصدقه باذن الحاكم الشرعي؟ ظاهر اطلاق روايات الباب عدم الحاجة اليه. اللهم الا ان يقال: امر الامام عليه السّلام بالصدقة بنفسه مصداق الاذن، و حينئذ لو كان الواجب الاستيذان من الامام الحي او نائبه، يشكل الاخذ بالاطلاقات المذكورة بعد عدم صدورها عن الحجة الثاني عشر و كونها ناظرة الي الازمنة السابقة.

و ان قلنا: ان مجهول المالك للإمام نفسه كما مر في بعض الروايات السابقة كان وجوب استيذانه اظهر، لكن قد عرفت الاشكال في اسنادها، و هناك طريق آخر للقول بوجوب استيذانه و هو انه بما ان الامام ولي الغائب فهو ولي المالك المجهول فلا بد من استيذانه.

فالاحوط لو لا الاقوي وجوب الاستيذان في جميع هذه المقامات مما يتصدق فيها مجهول المالك و الله العالم.

2- هل يجوز صرفها في غير اهل الاستحقاق من فقراء المؤمنين، من

______________________________

(1)- راجع المسألة 21 من باب اوصاف المستحقين للزكاة.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 221

ساير مصارف

الخير و ما ينتفع به المسلمون من بناء المستشفيات و المدارس و القناطر و المعامل او لا؟ يجري علي السنة بعض المعاصرين جواز صرفه في المصارف الثّمانية المذكورة في الاية الشريفة، و لكن لم يقم علي مدعاه دليلا ما عدا احتمال كون المراد بالتصدق مفهوما عاما يشملها جميعا و ان كان في عرفنا ظاهرا في مفهوم خاص.

و انت خبير بانه دعوي بغير بينة و لا برهان بل المتبادر من عنوان الصدقة هو مفهومه الخاص و مقتضي اصالة عدم النقل كونه كذلك في عرف الشارع أيضا، و لو شك في ذلك فمقتضي قاعدة الاشتغال عدم جواز صرفه عي غير المصرف الخاص.

نعم لو كان ملكا للإمام عليه السّلام امكن احراز رضاه عليه السّلام بالصرف في جميع ذلك، و لكن اني لنا باثباته و قد عرفت الاشكال في ما ذكره بعضهم في ذلك.

*** و هاهنا مسائل اثني عشر

المسألة الأولي: الاختلاط علي نحوين

: تارة يكون بالاشاعة كما اذا اختلط جنس واحد بعضها ببعض بحيث لا يتميز بينهما كاختلاط الحنطة بالحنطة او الدراهم بالدراهم، او اختلاط جنسين بحيث لا يمكن تمييزهما كاختلاط دقيق الحنطة بدقيق الشعير، و اختلاط دهن اللوز بالجوز، فان ذلك كله يوجب الشركة و الاشاعة القهرية.

و قد ذكر المحقق اليزدي الشركة اربعة اقسام: «فانها اما قهرية او اختيارية و كل منهما اما واقعية او ظاهرية».

فالواقعية القهرية مثل الشركة في مال الارث.

و الواقعية الاختيارية كما اذا احيا شخصان ارضا مواتا بالاشتراك.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 222

و الظاهرية القهرية كما اذا امتزج مالهما من دون اختيارهما بحيث لا يتميز.

و الظاهرية الاختيارية كما اذا مزجا باختيارهما من دون قصد الشركة.

و لكن ذكرنا في محله ان للشركة نوعين فقط اختيارية و قهرية، و ان جميع

ما ذكر من الشركة الظاهرية عندنا واقعية، فاذا امتزج المالان بحيث لا يتميز احدهما من الاخر حصلت الشركة واقعا عند العرف و العقلاء و يبطل حكم الاجزاء الواقعية سواء كان ذلك باختيارهما او حصل قهرا، و الملكية امر اعتباري تابع لنحو اعتباره في العرف و سيرة العقلاء و امضاء الشارع و تمام الكلام في محله.

هذا كله في الاختلاط الذي يوجب الشركة، و قد يكون الاختلاط بغير الشركة كاختلاط الكتب من انواع مختلفة بعضها ببعض لا يدري ايّ واحد ملكه و ايّ واحد ملك غيره، او اختلاط انواع مختلفة من متاع البيت اكتسب بعضها من حرام و بعضها من حلال و اختلطا بحيث لا يعلم الحلال من الحرام.

و الظاهر ان اطلاقات روايات الخمس يشملها جميعا من دون اي فرق بينها اذا لم يعلم المقدار و المالك كما هو ظاهر، نعم يكون الفرق بينهما في الفرض الذي يعلم المالك و لا يعلم المقدار الذي قد عرفت ان الواجب فيه التصدق لا الخمس الي اربابه، و قد عرفت ان الواجب عليه انما هو القدر المتيقن من الحرام و اما بالنسبة الي الزائد فتجري فيه قاعدة اليد الدالة علي الملك، و لكن هذا انما يجري في فرض الاشاعة فانها التي يمكن الاخذ فيها بالقدر المتيقن.

اما اذا كان من القسم الثاني الذي لا يوجب الشركة كاختلاط الكتب او الالبسة المختلفة فقاعدة اليد في كل منهما معارضة بالاخر فتتساقطان، فهو

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 223

من قبيل المال المجهول مالكه الذي دار امره بين رجلين و ليس في يد واحد منهما، و من الواضح انه لا يمكن الاستناد الي قاعدة اليد هنا فطريق حل المشكل اما المصالحة و

الا فالقرعة او التقسيم من حيث القيمة بحسب قاعدة العدل و الانصاف و لا يترك الاحتياط بالمصالحة فانها الاحوط في مقام الافتاء و لو اصر احدهما علي عدمها فلا يبعد ان تكون القرعة هنا اولي من غيرها لعدم وضوح قاعدة العدل هنا فتأمل.

و من هنا يظهر الحال فيما اذا كان الاختلاط بنحو يقتضي الشركة، و لكن لم يكن في يد واحد منهما بل في يد ثالث يكون وكيلا من كل منهما مثلا فالاولي هناك أيضا هو المصالحة، و لكن اجراء قاعدة العدل و الانصاف بالنسبة الي المقدار المشكوك هنا قوي، مثلا: نعلم بان ثلث المال لهذا و ثلثه للاخر و لكن نشك في الثلث الاخير و المفروض عدم كونه في يد واحد منهما بالخصوص حتي يستند الي قاعدة اليد.

*** المسألة الثانية: إذا جهل المقدار و المالك فقد عرفت أنه لا إشكال في وجوب إخراج الخمس

و لكن قد يعلم اجمالا بان مقدار الحرام اكثر من الخمس مثلا انه ليس أقلّ من الثلث، كما انه قد يعلم اجمالا بانه أقلّ منه مثلا يعلم بانه لا يكون اكثر من العشر فهل الحكم المذكور يشمل هاتين الصورتين؟

فالذي يظهر من عبارة العروة شمول الحكم للجميع و خالفه اكثر المحشين فيما رأيناه.

و العمدة هنا ان الاطلاقات هل هي منصرفة عن هاتين الصورتين فيعمل فيهما بالقواعد، او شاملة لها و التحليل بالخمس حكم تعبدي من ناحية

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 224

الشارع كما قد يستظهر من ما رواه السكوني عن ابي عبد الله عليه السّلام و فيها قال امير المؤمنين عليه السّلام: «تصدق بخمس مالك فان الله رضي من الاشياء بالخمس و سائر المال لك حلال». «1» و مثله رواية الحسن بن زياد. «2»

و الانصاف ان الاطلاقات منصرفة عن مثل هاتين الصورتين، لان المرتكز

في اذهان اهل الشرع انه لا يحل مال امر مسلم الا عن طيب نفسه، و لا يخرج من هذا تعبدا الا بدليل قوي جدا لا مثل الاستظهار السابق الذي صرح في الجواهر بان ظاهرها عدم معرفة الحلال من الحرام عينا و قدرا.

بل اضاف هو قدس الله نفسه الزكية: «انه لو اكتفي باخراج الخمس هنا لحل ما علم من ضرورة الدين خلافه اذا فرض زيادته عليه كما انه لو كلف به مع فرض نقيصته عنه وجب عليه بذل ماله الخاص له». «3» و ان لم يكن الامر في الشدة علي ما ذكره، لأنه لو كان هناك دليل قوي متين امكن تخصيص العمومات الواردة في الشرع بها تعبدا بامر مالك الملوك، و لكن اني لنا باثباته.

هذا و لازم ما عرفت عدم صرفه في مصارف الخمس بل في مصارف الصدقة لخروج المورد عن عمومات الخمس لما مر ذكره، و لكن يبقي هنا اشكال و هو ان العلم الإجمالي حاصل دائما بمقدار قد يزيد عن الخمس و قد ينقص عنه، فلو شك في ذلك يسئل عن درهم واحد من الحرام الذي هو مقطوع به مثلا فيزيد حتي يقف و لا يعلم بالازيد، و علي هذا لا يبقي مورد لاخبار الخمس.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

(2)- راجع نفس المصدر، الحديث 1.

(3)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 74.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 225

قلت: ليس الامر كذلك فان العلم الإجمالي غير حاصل لغالب الناس في موارد الاختلاط بالحرام و ان فرض حصوله للخواص من طريق التفكر و التدبر في الموضوع مرة بعد اخري، بل بالنسبة الي الخواص أيضا قد يحتاج الي

فحص كثير جدا في جوانب الموضوع، فعلي هذا يبقي لاخبار الباب مصاديق كثيرة.

ثم ان المحقق اليزدي بعد ما افتي بكفاية الخمس و لو مع العلم الإجمالي قال: «و الاحوط مع اخراج الخمس المصالحة مع الحاكم الشرعي أيضا بما يرتفع به يقين الشغل و اجراء حكم مجهول المالك عليه» و كان اللازم ان يقول الاحوط هو الاخذ بما يعلمه اجمالا و احوط منه اخراج المقدار الذي يعلم معه بالبراءة (اي الحد الاكثر الذي يحتمله) و اما المصالحة مع الحاكم الشرعي فلا وجه لها بعد العلم الإجمالي بمقدار خاص فتدبر. «1»

*** المسألة الثالثة: قد يكون المالك المجهول مرددا بين عدد محصور مع العلم بمقدار الحرام

، فلا ينبغي الشك في خروجه عن عمومات الخمس، و عدم كفاية اخراج الخمس الي اربابه في طهارة المال بعد كون مالكه معلوما اجمالا كالاثنين و الثلاثة و شبه ذلك، انما الكلام في انه كيف يمكن له التخلص عن الحرام، بالمصالحة او القرعة او القسمة او الاحتياط باعطاء هذا المقدار الي كل واحد منهم عملا بالاحتياط.

قال المحقق النراقي في المستند: «و لو علم المالك اجمالا … و كانوا

______________________________

(1)- الا اذا قلنا بالمصالحة مع الحاكم الشرعي في الزائد علي القدر المعلوم بالاجمال احتياطا استحبابيا.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 226

محصورين ففي وجوب تحصيل البراءة اليقينية بصلح، او غيره و لو بدفع امثال المال الي الجميع، او كونه مجهول المالك، او الرجوع الي القرعة، اقوال اجودها الوسط سيما مع تكثر الاشخاص و الاحتياط لا ينبغي تركه». «1»

و قال في مصباح الفقيه: «الا وجه الالزام بوجوب الاحتياط و تحصيل الجزم بتفريغ ذمته بصلح و نحوه و لو بدفع امثال المال الي الجميع لدي الامكان كما صرح به بعض بل لعله المشهور حيث ان تضرره بذلك نشأ

من سوء اختياره». «2»

ففي المسألة وجوه او اقوال خمسة نذكرها مع ما يمكن الاستدلال لها و الجواب عنها:

احدها وجوب الخروج عن عهدة مال المالك المردد بين محصور ببذل امثال المال لكل واحد، الا اذا رضوا بالصلح بما دونه و هو مقتضي قاعدة اليد و اشتغال الذمة يقينا الذي يدعو الي البراءة كذلك.

و قد اورد عليه غير واحد منهم بان ذلك ضرر منفي بالادلة- لا سيما اذا كانت الاطراف متعددة كما اذا كانوا عشرة، و يجاب عنه اولا: بانه معارض بضرر المالك و ان كان ضرره أقلّ، فلو قلنا بتقديم الاقوي عند التعارض كان الترجيح لنفي ضرر صحاب المختلط. و ثانيا: ان هذا الضرر انما نشأ بسوء اختياره حيث خلط ماله بمال آخر عن علم و اختيار.

لكن يرد عليه ان محل الكلام اعم مما اذا كان بسوء اختياره او بعدم سوء اختياره فغايته التفصيل بين المقامات، هذا مضافا الي ان الزامه ببذل مثل المال الي عشرة افراد ربما لا يعد عند العقلاء من الطرق المعقولة

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 77.

(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 139.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 227

للتخلص عن الضمان، فهو و ان كان مقصرا في فعله و لكن هذا ليس طريقا للتخلص، نعم اذا كان اطراف الاحتمال اثنين او شبهه امكن هذا القول مع اشكال.

ثانيها: المعاملة معه معاملة مجهول المالك نظرا الي ان العلم الإجمالي لا يعد علما في هذه المقامات، لان العلم يساوق التشخيص و هو منتف في المقام بل لو كان العلم الإجمالي بالمالك علما واقعيا لم يبق مورد لمجهول المالك، لوجود هذا العلم في كثير من الموارد، فتشمله العمومات السابقة الدالة علي وجوب التصدق بالمقدار المعلوم،

و لكن يرد عليه بان المفروض امكان ايصال المال الي صاحبه و لو من طريق التقسيم او القرعة او الصلح او الاحتياط فكيف يجوز صرف النظر عنه و بذله لغير من هو مالكه فالاطلاقات منصرفة عنه.

و ثالثها: الرجوع الي القرعة نظرا الي عموم ادلتها لكل امر مجهول، و لكن قد عرفت غير مرة ان شمولها للمقام الذي يوجد فيه طرق اخري لحل المشكل مشكل.

رابعها: التوزيع بينهم لقاعدة العدل و الانصاف، و اورد عليه بعدم ثبوت عموم لهذه القاعدة.

و هنا احتمال خامس ذكره بعضهم و حاصله التخيير بين التوزيع و القرعة لتعذر الاحتياط التام، ففي التوزيع موافقة قطعية في البعض مع المخالفة في البعض، و في الثاني احتمال للموافقة القطعية في الكل مع احتمال المخالفة كذلك و لا ترجيح بينهما.

و فيه ان الأخذ بالموافقة القطعية في البعض في هذه المقامات اولي في حكم العقل و العقلاء، فما دام يمكن العمل بالتوزيع لا تصل النّوبة الي القرعة.

و الاقوي من بين هذه الوجوه هو وجوب التوزيع، و دليله سيرة العقلاء

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 228

فانها جرت علي هذه القاعدة- اي قاعدة العدل و الانصاف في الاموال المشكوكة- و لم يردع عنه الشارع بل امضاها في بعض مواردها بالخصوص، مثل ما ورد في ابواب الصلح عن السكوني عن الصادق عليه السّلام في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه الاخر دينارا فضاع دينار منها قال: «يعطي صاحب الدينارين دينارا و يقسم الاخر بينهما نصفين». «1»

و قد افتي به المشهور كما صرح به في الدروس و معظم الاصحاب كما في الجواهر. «2»

فان كان في الرواية ضعف ينجبر بالشهرة، و يدل عليه أيضا ما ورد في المال الذي في

يد رجلين مع دعواهما فيه و هو صحيحة عبد الله بن المغيرة عن غير واحد من اصحابنا عن ابي عبد الله عليه السّلام في رجلين كان معهما درهمان فقال: «احدهما الدرهمان لي و قال الآخر هما بيني و بينك. فقال عليه السّلام: اما الذي قال هما بيني و بينك فقد أقر بأن احد الدرهمين ليس له و انه لصاحبه و يقسم الاخر بينهما». «3» و الاصحاب افتوا به أيضا ظاهرا بل يظهر من بعض كلماتهم اجمالا انهم تعدوا عنهما الي غير مواردهما، و الظاهر انه ليس ذلك الا لأنهم فهموا معنا عاما.

و هناك روايتان اخريان واردتان في التداعي علي عين واحد يشهد لعمومية القاعدة، و هي ما رواه غياث بن ابراهيم عن ابي عبد الله عليه السّلام ان امير المؤمنين عليه السّلام اختصم اليه رجلان في دابة و كلاهما اقاما البينة انه انتجها فقضي بها للذي في يده و قال: «لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين». «4»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 13، الباب 12 من ابواب الصلح، الحديث 1.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 26، الصفحة 227- 226.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 13، الباب 9 من ابواب الصلح، الحديث 1.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 18، الباب 12 من ابواب كيفيته الحكم، الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 229

و ما رواه اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه السّلام ان رجلين اختصما الي امير المؤمنين عليه السّلام في دابة في ايديهما … فقيل له: «فلو لم تكن في يد واحد منهما و اقاما البينة؟ فقال: احلفهما فايهما حلف و نكل الاخر جعلتها للحالف فان حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين، الحديث». «1» و لا يخفي

انه و ان كان مورد الخبرين و موضوعهما واحدا الا ان تعدد الطرق يدل علي تعدد الأحاديث.

ان قلت: ان هذه الروايات لم ترد في موضع الضمان، فالتعدي منها الي محل الكلام غير ممكن لأنه قياس مع الفارق.

قلنا: اولا قد لا يكون هناك ضمان لعدم وقوعه تحت يده، بل اختلط الحلال و الحرام بغير فعله و بلا ضمان كما اذا كانت الاموال في بيت مشترك بينهم فاختلطت، او في محل لا يكون في يد واحد منهم. و ثانيا يظهر من لحن الروايات و تناسب الحكم و الموضوع ان هذا حكم المال المردد بين اثنين و شبهه من غير دخل للضمان و عدمه، اما كون ذلك بسوء اختياره او عدم سوء اختياره فهي مسألة اخري قد عرفت الجواب عنه.

و يؤيد ذلك فهم الاصحاب و تعديهم عن موردها الي موارد آخر مخالفة لها من بعض الجهات، فهذا كله دليل علي كونها ناظرة الي امضاء ما عند العقلاء من قاعدة العدل و الانصاف.

هذا كله اذا كان المقدار معلوما، و منه و مما سبق في المسائل السابقة يظهر حال ما اذا كان المقدار مجهولا فان الواجب حينئذ الاخذ بالقدر المتيقن كما سبق، و ان كان الاختلاط موجبا للإشاعة و الاشتراك و دار الامر بين الاقل و الاكثر ثم المعاملة معه معاملة المقدار المعلوم من التنصيف او غيره

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 230

من المباني، و اما لو كان دائرا بين المتباينين فاللازم المصالحة معهم جميعا علي المال المشكوك ثم التنصيف بينهم، و الحاصل ان الحكم في المسألة هو الاخذ بقاعدة العدل الا اذا كان هو السبب في ابهام المالك و جهالة حاله فحينئذ

يحتاط.

*** المسألة الرابعة: هذا كله إذا كان الحرام في الخارج، أما إذا كان حق الغير في ذمته

فلا يجري فيه حكم الخمس- علم صاحبه او لم يعلم- و الكلام هنا في مقامين الاول في عدم جريان حكم الخمس فيه، الثاني في الصور المتصورة في المسألة.

اما الاول: فالوجه فيه ان الخمس انما هو في فرض الاختلاط، و لا يتصور ذلك الا في الاعيان الخارجية لا في الذمة.

و في تقريرات بعض الاعاظم «1» انه تارة يتلف المختلط … و اخري يختلط في الذمة بمعني انه يتلف المال الحلال و الحرام و لا يدري كمية واحد منهما. (انتهي) و لم افهم معني محصلا للخلط في الذمة فان مال الحلال هو مال الرجل نفسه، و من الواضح ان تلقه لا يوجب ضمانا (و لعل الخلط من المقرر).

و لكنه- قدس سره الشريف- ذكر في بعض كلماته في هذه المسائل طريقا آخر عند اشتباه المالك المجهول بين افراد محصورين بانه يجعل المال المشكوك اذا كان مقداره معلوما (او القدر المتيقن اذا كان مجهولا) في محل يكون تحت يد الجميع و هذا كاف (كما اذا كانوا مجتمعين في بيت و يجعل المال في

______________________________

(1)- هو السيد المحقق الميلاني نزيل المشهد الرضوي- قدس سره-.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 231

ذلك البيت و يعلمهم بان المال لواحد منهم، بل يمكن ان يقال: ان اعلامهم بذلك كاف، لأنه تخلية اليد و هو مصداق الاداء عند العرف) و حينئذ ان كان يدعيه بعضهم او جميعهم يعمل علي وفق احكامه (انتهي ملخصا).

و كيف كان هنا تفصيل من بعض اعلام العصر تبعا لشيخنا الاعظم الانصاري من الفرق بين ما اذا كان الحرام ثابتا في الذمة من اول الامر- كمن اتلف مال الغير بعينه- و بين ما اذا اختلط الحرام و الحلال في

ماله اولا، ثم تلف الجميع في يده و انتقل المال المجهول مالكه الي الذمة ففي الثاني يجري حكم الخمس، و قد بني هذا الحكم علي ان الاختلاط بنفسه سبب لشركة ارباب الخمس في المال كما في ساير انواعه من الكنز و المعدن و الغوص، او انه سنخ آخر فلا شركة لأربابه في المال بل الخمس مطهر للمال عن الاختلاط، فالمال باق علي كونه مخلوطا بالحرام قبل التلف و بعده، فينتقل مال الغير بعينه الي الذمة لا سهم ارباب الخمس، ثم قوي الاول و اختار الخمس في خصوص هذه الصورة.

اقول: ليس في شي ء من روايات الباب ما يدل علي شركة ارباب الخمس في المال المختلط الا رواية عمار بن مروان حيث قال عليه السّلام فيما يخرج من المعادن و الحلال المختلط بالحرام … الخمس، فان ظاهرها تعلق الخمس به بمجرد الاختلاط مع جهل المالك (و المقدار) و لكن قد عرفت الكلام في عمار بن مروان و انه مشترك بين الثقة و غير الثقة.

هذا مضافا الي ان لحن ساير روايات الباب كون الخمس مطهرا للمال، فان قوله عليه السّلام: «ان الله عز و جل قد رضي من ذلك المال بالخمس» «1» و قوله عليه السّلام:

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 232

«تصدق بخمس مالك فان الله رضي من الاشياء بالخمس». «1» ظاهر في هذا المعني، نعم اسنادهما محل الكلام و لكن يمكن اخراجهما مؤيدا للمطلوب.

و اوضح من ذلك ما عرفت من ان الخمس المعهود انما هو في الغنائم خاصة بالمعني الاعم، و ليس المال المختلط منها قطعا لأنه قد يكون في

الواقع أقلّ من الخمس فليس هنا غنيمة، و احتمال كون جواز تصرفه فيه بعد اخراج الخمس داخلا تحت عنوان الغنيمة مع بعده في ذاته انما يكون بعد اخراجه مع ان عنوان الغنيمة لا بد ان تكون صادقة قبل اخراج الخمس لأنه من قبيل الموضوع له.

فالمقام من قبيل مصالحة قهرية الهية بين المالك للبعض و الشارع المقدس ولاية علي المال المجهول و لا دليل علي حصولها قبل ادائه، و لذا لو ظهر المالك المجهول قبل اداء الخمس كان المال ماله و لا اظن الخلاف فيه، و لو كان بمجرد الاختلاط يجب فيه الخمس لم يكن وجه لانتفائه بعد ذلك فتأمل.

هذا و لو شك في تعلقه به بمجرد الاختلاط او كون الخمس مطهرا، فالاصل يقتضي بقاء كل من المالين علي ملك مالكه الاصلي كما لا يخفي.

و اما المقام الثاني: فقد ذكر فيه وجوه اربعة، من جهة كون الجنس و المقدار كلاهما معلومين او مجهولين او الاول معلوما و الثاني مجهولا او بالعكس، و لكن الاحسن ان يقال هنا امور:

1- ما كان الجنس و المقدار فيه معلومين (كمن يعلم بكون مأئة كيلو من الحنطة في ذمته).

2- ما كان الجنس فيه معلوما و المقدار مجهولا مرددا بين الاقل و الاكثر

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 4.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 233

(كمن علم بكون الحنطة في ذمته و لكن لا يعلم مقداره مأئة او تسعين كيلو).

3- ما لم يعلم جنسه و كان قيميا (كما اذا تردد التالف بين الابل و الغنم).

4- ما لم يعلم جنسه و كان مثليا (كما اذا شك في كونه مأئة من حنطة او شعيرا) و ليعلم انه لا اثر للعلم بالمقدار و عدمه في

هاتين الصورتين.

و كل هذه الصور اما لا يعرف صاحبه في عدد محصور، او يعرفه في عدد محصور، او يعرفه بعينه، فالصور اثنا عشر صورة:

اما الاولي من الاربعة: و هي ما كان الجنس و المقدار فيه معلومين، فان علم مالكه بعينه لا كلام في وجوب رده اليه و ان كان مرددا بين عدد محصور فقد عرفت ان القاعدة تقتضي التوزيع بينهم الا ان يكون صاحب المال هو المقصر في ذلك فلا يبعد حينئذ وجوب التصالح.

و ان كان في عدد غير محصور فمقتضي ما عرفت سابقا لزوم التصدق به و ان يكون باذن الحاكم علي الاحوط.

و في الصورة الثانية: كما اذا علم ان المال الذي في ذمته هو الحنطة و لكن لا يعلم مقداره، فاللازم الاخذ بالقدر المتيقن ثم العمل علي وفق المسألة السابقة في المالك المعلوم او المجهول بين عدد محصور او غير محصور.

و في الصورة الثالثة: كما اذا علم بانه ضامن لأحد شيئين اما الابل او الغنم، فحيث انه قيمي و يكون الضمان بالنسبة الي القيمة و يدور امرها بين الاقل و الاكثر فالواجب عليه هو الاقل، ثم يعمل بالنسبة الي الحالات الثلاثة للمالك علي طبق المسائل السابقة.

و في الرابعة: مثل ما اذا علم بانه ضامن لأحد شيئين مثليين كالحنطة و الشعير، فحيث ان الواجب اداء المثل و هو مردد بين المتباينين مقتضي

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 234

القاعدة هو الاحتياط «1» اللهم الا ان يدفع بلزوم الضرر منه، فيرجع الي التصالح او القرعة او الاخذ بقاعدة العدل و الانصاف بين القيمتين و لا يترك الاحتياط لا سيما اذا كان هو المقصر في هذا الشك، ثم بالنسبة الي الحالات الثلاثة لصاحب هذا

المال يرجع الي المسائل السابقة.

و قد ظهر مما ذكرنا انه لا اثر للعلم بالمقدار و عدمه في الصورتين الاخيرتين لمجهولية الجنس، «2» و لأنه يؤخذ بالاقل في الصورة الاولي علي كل حال و بالنسبة الي المقدار في الاخيرة و ان كان يحتاط بالنسبة الي الجنس و الله العالم بحقيقة احكامه.

اما اذا دار الامر بين كونه مثليا او قيميا فهو في الحقيقة دائر بين المتباينين فيلزم الاحتياط، فتدبر.

*** المسألة الخامسة (32 من العروة): لا إشكال في جواز إعطاء خمس المعادن و الأرباح و شبهها من ناحية المالك

، بل الاقوي كما سيأتي في محله- ان شاء الله- جواز اخراج سهم السادة اليهم بلا حاجة الي اذن الحاكم الشرعي، بل للمالك اعطاء الخمس من مال آخر غير ما تعلق به الخمس، فهل الامر في خمس المال المختلط أيضا كذلك أم لا؟

مقتضي ما عرفت من احتمال كونه من باب الصدقة او الاحتياط باعطائه لمن يكون مصداق مصرف الصدقة و ساير الاخماس الاستيذان من الحاكم

______________________________

(1)- و ذلك بدفع المالك كلا المتباينين و عدم اخذ المدفوع اليه شيئا منهما لعدم علمه بالجنس و هذا الاحتياط ينجر الي التصالح.

(2)- فانه اذا لم يعلم الجنس هل هو حنطة او شعير لا اثر للعلم بمقداره من كونه كيلوا او كيلوين لاختلافهما في القيمة.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 235

الشرعي بناء علي وجوب الاستيذان منه في مثل هذه الصدقة، نعم علي القول بان مصرفه، مصرف ساير الاخماس يكون المالك بالخيار.

و حيث قد عرفت ان الاحتياط عندنا هو الاستيذان، فلا يترك هنا ذلك كما لا يترك الاحتياط بعدم تبديله بمال آخر الا باذن الحاكم الشرعي اذا رآه مصلحة، و قد ورد في بعض روايات صدقة مجهول المالك الامر ببيعها بطعام فراجع. «1»

*** المسألة السادسة (33 من العروة): لو تبين المالك بعد أداء الخمس

فهل هو ضامن كما هو المعروف في مجهول المالك في باب اللقطة، أم لا؟

صرح في العروة بالضمان مطلقا و خالفه كثير من المحشين، و في الجواهر: «في الضمان و عدمه و جهان بل قولان من اطلاق قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم علي اليد ما اخذت حتي تؤدي و من انه تصرف باذن المالك الاصلي (و هو الله تعالي) فلا يستعقب ضمانا ثم قال و لعل الاقوي الاول وفاقا للروضة و البيان و كشف

الغطاء». «2»

اقول: لا ينبغي الشك في ان مقتضي القاعدة عدم الضمان بعد كونه بامر الشارع المقدس الذي هو الولي المطلق، و قاعدة علي اليد يخصص بظاهر هذه الروايات لأنها اقوي و اظهر الا ان يدل دليل علي خلافه، بل ظاهر قوله:

«ان الله رضي من الاشياء بالخمس» في روايتي الحسن بن زياد و السكوني «3»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الباب 16 من ابواب الصرف، الحديث 1 و 2.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 75.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 و 4.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 236

و قوله عليه السّلام: «و سائر المال لك حلال» (في الرواية الثانية) ظاهر جدا في كون تمام الباقي له لا انه مديون بعد ذلك بمال الناس.

و قد يقال: ان الامر في جميع موارد مجهول المالك (غير اللقطة) أيضا كذلك، لعدم ورود نص علي الضمان فيها (قاله في مستند العروة) و لكن الانصاف ورود بعض النصوص فيه فراجع ما رواه حفص بن غياث «1» و ان كان في «حفص» كلام.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 18 من ابواب اللقطة، الحديث 1. «سألت ابا عبد الله (ع) عن رجل من المسلمين اودعه رجل من اللصوص دراهم او متاعا و اللص مسلم هل يرد عليه؟ فقال: لا يرده فان امكنه ان يرده علي اصحابه فعل و الا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا فاذا اصاب صاحبها ردها عليه و الا تصدق بها فان جاء طالبها بعد ذلك خيره بين الاجر و الغرم، الحديث».

و هذه الرواية و ان وردت في ابواب اللقطة لكنها ليست منها في شي ء بل قد شبّه

الامام (ع) المال المجهول مالكه باللقطة، و لا يخفي انه لم يستشكل صاحب مستند العروة في سند الرواية لكنه محل كلام لوجود حفص بن غياث و سليمان بن داود المنقري و قاسم بن محمد في سندها. اما الثالث فلا شك في ضعفه، و اما سليمان بن داود فقد وثقه النجاشي و العلامة في خلاصة الرجال، لكن قال ابن الغضائري انه ضعيف جدا لا يلتفت اليه يوضع كثيرا من المهمات. و هذه العبارة صريحة في ضعفه و لا يمكن تأويلها الي معني آخر بما قيل انه لا يصح الركون الي التضعيفات الصادرة من ابن الغضائري و لا أقلّ من الابهام في سليمان.

و اما حفص بن غياث فقد سكت فيه بعض من الرجاليين كالنجاشي، و قال الكشي: «انه عامي و لم يذكره بتوثيق و لا تضعيف» و قال الشيخ الطوسي في عدة الاصول (الصفحة 379):

«و لأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث و غياث بن كلوب و السكوني و غيرهم من العامة عن ائمتنا (ع)». (و مراده مما قاله عدم اشتراط المذهب بل اشتراط الصدق)

فتري انه- رحمه اللّه- نسب العمل بروايات هؤلاء الي الاصحاب، لكن كيف يمكن ذلك و الحال ان النجاشي و الكشي سكتا في حفص بن غياث و لم يذكراه بتوثيق؟

فتلخص ان الصحيح عدم الركون الي هذه الرواية لضعف قاسم بن محمد و لو لم نضعّف حفص بن غياث و سليمان بن داود، نعم يمكن الاستناد اليها كمؤيّد لا كدليل.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 237

نعم لا ينبغي الشك في ظهور غير واحد من روايات اللقطة في كونه ضامنا اذا وجد صاحبه و لم يرض بالصدقة، فهل هذا الضمان

موافق لقاعدة الاتلاف او انه ضمان (تعبدي) يتحقق بمجرد مطالبة المالك بتعبد من الشارع فلا ضمان قبل المطالبة و لا اثر للإتلاف الحاصل بالتصدق بعد ان كان مستندا الي اذن المولي. «1»

اقول: هذا شي ء عجيب لا يعرف له نظير في الفقه بان يكون مجرد مطالبة المالك موجبا للضمان بعد ان لم يكن هناك سبب له و كان الاتلاف السابق كالعدم، فان بناء الشارع في المعاملات علي امضاء السيرة العقلائية لا التعبد المحض: فالاولي ان يقال: ان هذا الضمان من شئون الاتلاف بعنوان احد اطراف التخيير في مسألة اللقطة، و لكنه مراعي و مشروط بشرط متأخر و هو ان يرضي مالكه به لو عرف بعد ذلك و الا كانت البراءة علي حالها، و الشرط المتأخر ليس بعديم النظير في الفقه بل له امثلة كثيرة كما لا يخفي.

و هذا هو مقتضي الجمع بين ادلة التصدق و قاعدة علي اليد.

*** المسألة السابعة (34 عروة): لو علم بعد إخراج الخمس أن الحرام كان أزيد من الخمس أو أقل

، فهل يسترد الزائد في الصورة الثانية و هل يجب عليه التصدق بالمقدار الزائد في الصورة الاولي أم لا؟

فيه قولان و ذكر هنا احتمال ثالث و هو ان يسترد الخمس من ارباب الخمس ثم يتصدق بالجميع (كما اذا كان الحرام الواقعي نصفا و ما اعطاه لأهله خمسا فيسترده ثم يتصدق بالنصف بل يمكن ابداء وجه رابع و هو عدم

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 162.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 238

استرداد الزيادة لأنه كان صدقة لله تعالي و ما كان لله لا يسترجع ابدا، و وجوب الصدقة بما بقي اذا كان الحرام الواقعي اكثر مما بذل. و المسألة مبنية علي ان حكم الشارع هنا بالخمس عند الجهل بالمقدار من قبيل المصالحة الواقعية بين الواقع المجهول

و مقدار الخمس وقعت بحكم المالك الحقيقي و هو الشارع المقدس؟ او انه حكم ظاهري ثابت في زمان الجهل، فان كان من قبيل الاول فلا اشكال في الاجزاء و عدم استرداد الزائد و عدم وجوب بذل شي ء آخر كما في ساير موارد الصلح في الاموال المجهولة بين الناس، فاذا صالح زيد و عمرو في مالهما المجهول علي شي ء ثم تبين كون مال زيد أقلّ او كثر مما تصالحا به لم يسترد شي ء منه كما هو واضح.

نعم الاحكام الظاهرية ثابتة في حال الجهل فاذا ارتفع الجهل ارتفعت و لا ينافي ذلك مسألة الاجزاء في الاحكام الظاهرية عندنا، فان ذلك ثابت في الاوامر لا في الاحكام الوضعية فاذا كان شي ء طاهرا (لغسله بماء طاهر بحكم الاستصحاب) ثم تبين كون الماء نجسا و الشي ء باق حكم بنجاسته بلا اشكال.

و حيث ان ظاهر روايات الباب من قوله: «ان الله رضي من الاشياء بالخمس» و قوله: «ساير المال لك حلال» بل و مناسبة الحكم و الموضوع كونه من قبيل القسم الاول، فالاقوي هو الاجزاء.

مضافا الي انه يمكن التمسّك باطلاق اخبار الباب من اجزاء الخمس و لو انكشف كونه أقلّ او اكثر بعد ذلك، اللهم الا ان يدعي انصرافها عن صورة انكشاف الخلاف.

و كيف كان كونه مصالحة واقعية هو الاظهر من الادلة و مناسبة الحكم و الموضوع و ان كان الاحتياط لا ينبغي تركه.

اما احتمال التفصيل بين صورة بذل الزائد علي الخمس فلا يسترجع لأنه

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 239

كان لله و ما كان لله فلا يرجع ابدا بخلاف صورة بذل الاقل فان الحرام باق بعد فيدفعه، مضافا الي ما عرفت من المصالحة الواقعية ان ما لا

يرجع من الصدقة انما هو اذا كان بعنوان الصدقة من ناحية المالك، اما اذا بذله بظن انه مامور به واقعا و لم يكن كذلك و كان بذل الخمس حكما ظاهر يا فليس كذلك كمن ظن الخمس في ماله فبذله لأربابه ثم تبين عدم كونه مديونا لأرباب الخمس و كان العين موجودا فلا ينبغي الريب في اعادته اذا لا يصح اجباره بتحميل ضرر عليه فانه لم يدفع الخمس مطلقا بل انما دفعه مشروطا باختلاط حرام بماله في الواقع فاذا انتفي الشرط بانكشاف الخلاف انتفي المشروط، فالاولي بناء المسألة علي ما ذكرنا و اللّه العالم.

*** المسألة الثامنة (35 عروة): قال في الجواهر

: «لو خلط الحرام بالحلال عمدا خوفا من كثرة الحرام و ليجتمع شرائط الخمس فيجتزي باخراجه عصي بالفعل و اجزاه الاخراج، و يحتمل قويا تكليف مثله باخراج ما يقطع معه بالبراءة الزاما له باشق الاحوال و لظهور الادلة في غيره». «1»

و حكي عن شيخنا الانصاري في رسالته في المسألة في بيان وجه عدم اجزاء الخمس هنا بانه كمعلوم المالك حيث ان مالكه الفقراء قبل التخليط، و اقتبس صاحب العروة من كلام الشيخ هنا ما ذكره.

و قال في المستمسك: «لا يبعد اطلاق النصوص بنحو يشمل الفرض لان الغالب في الاختلاط كونه بعد التمييز … فتخصيص النصوص بغير الفرض غير ظاهر». (انتهي)

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 76.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 240

اقول: ينبغي الكلام اولا في اطلاق النصوص و شموله لما نحن فيه او الانصراف، و الحق انصرافها عمن تعمد الخلط للفرار عن اكثر من الخمس، نعم لا انصراف لها عن مجرد تعمد الخلط بعد العلم بالحرام لان كون الحرام معلوما قبل الخلط فرد ظاهر لا يمكن اخراجه منه

و ان لم يكن غالبيا لكثرة المصداق من الطرفين، لكنهه منصرف عن صورة التعمد بقصد الفرار عن الزائد عن الخمس فتأمل.

فاذا لم تشمله العمومات كان الواجب عليه الاحتياط في المقدار و بذل الاكثر لعدم شمول ادلة اليد له بعد ما عرفت، و كأنّ هذا هو مراد الجواهر من الأخذ باشق الاحوال و الا لا دليل علي اخذ الغاصب باشق الاحوال كما ذكرنا في محله بل اللازم اجراء العدالة في حقه بحسب ظواهر ادلة الشرع، سواء كان اخف او اشق.

و ثانيا هل المقام من قبيل مجهول المالك او معلومه؟ قد عرفت ذهاب العروة تبعا للمحكي عن شيخنا الاعظم انه كمعلوم المالك، و الحال ان المال المجهول مالكه لا يكون ملكا للفقير الا بعد التصدق به و قبضه و الا فهو باق علي ملك مالكه الاصلي (و المشهور ان القبض شرط لصحة الهبة و منها الصدقة).

و لذا تكلف لتوجيهه في مستند العروة بان المراد كون المال الحرام المعين معلوم المصرف لا معلوم المالك فهو يشابه معلوم المالك من هذه الجهة. «1»

و انت خبير بان مجرد ذلك غير كاف في اجراء احكام معلوم المالك عليه، و القياس ليس من مذهبنا لا سيما انه مع الفارق للفرق الكثير بين معلوم

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 167.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 241

المالك و معلوم المصرف، نعم لنا ان نقول بانصراف اطلاق روايات الباب منه فيعود الي الامر الاول.

*** المسألة التاسعة (36 عروة): لو كان المال المختلط مما تعلق به الخمس في نفسه

كما اذا كان حاصلا من المعدن او الكنز او ارباح المكاسب، فهل يخرج له خمسا واحدا للجهتين او يكون هذا الخمس من جهة الاختلاط، و يبقي عليه خمس آخر من جهة الارباح او المعدن او غير ذلك فيجب

عليه اخراج خمسين؟

و علي فرض تعدد الخمس فهل اللازم اخراج خمس الاختلاط اولا، ثم خمس الارباح و شبهه أم لا، و هل يكون بين الامرين فرق؟ فقد يدعي انه يختلف النتيجة كما سيأتي الاشارة اليه.

قال في مصباح الفقيه: «قال شيخنا المرتضي (قده) وفاقا لغير واحد ما لفظه لو كان الحلال مما فيه الخمس لم يسقط باخراج هذا الخمس لعدم الدليل علي سقوطه … و القول بوحدة الخمس كما يحكي ضعيف جدا».

انتهي. «1»

و قد صرح الشهيد الثاني في المسالك بانه: «لو كان الخليط مما يجب فيه الخمس لم يكن الخمس كافيا عن خمسه بل يخرج الخمس لأجل الحرام اولا … ثم يخمس الباقي بحسبه من غوص او مكتسب». «2»

و قال المحقق النراقي في المستند: «لو كان الخليط مما يجب فيه

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 137.

(2)- المسالك، المجلد 1، الصفحة 67.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 242

الخمس، خمسه بعد اخراج الخمس بحسبه». «1»

و قال صاحب الجواهر (قده) في رسالته نجاة العباد ما نصه: «لو كان خليط الحرام مما فيه الخمس أيضا وجب خمس آخر بعد خمس التطهير». «2»

قلت: لا بد ان نتكلم اولا عن مقتضي القاعدة ثم مقتضي ظاهر نصوص الباب، و لا شك في ان قاعدة عدم التداخل في الاسباب يقتضي تعدد الخمس هنا بتعدد اسبابه.

و ان شئت قلت: هذا الخمس سبب لتطهير المال عن الحرام و اخراج مال الغير من ماله بمصالحة قهرية الهية، و بعد التطهير يكون مشمولا لأدلة الخمس في المعادن او الارباح او شبهها و لا وجه لسقوط الثاني بالاول.

هذا و لكن الذي يظهر من روايات الباب لعله غير هذا «3» فان ظاهر غير واحد منها انه جمع المال من

ارباح المكاسب طول مدة مديدة و كان مختلطا بالحرام فامره الامام عليه السّلام باخراج خمسه، و سائر المال له حلال مع انه مضي عليه سنة او سنوات، و لا أقل انه مطلق من هذه الجهة و كأنه عليه السّلام وهبه خمس الارباح ببركة تطهير ماله من ناحية الحرام او غير ذلك من الاحتمالات.

و لكن الانصاف ان فهم الاطلاق منها مشكل بعد ما عرفت من اقتضاء القاعدة عدم التداخل لا سيما في الامور المالية، و كيف يمكن ان يقال ان خمس المعدن هنا غير واجب بملاحظة تعلق الخمس من ناحية المال المختلط بالحرام؟

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 78.

(2)- نجاة العباد، الصفحة 90.

(3)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 243

و ان شئت قلت: ان خمس المختلط في الحقيقة من قبيل مصالحة حق المالك المجهول بهذا المقدار و افراز ماله عن ماله و هذا لا دخل له بخمس الارباح و المعادن و شبهها و لا يغني واحد منهما عن الاخر.

ثم انه هل يجب اخراج خمس المختلط اولا ثم اخراج خمس الارباح و شبهها او يجوز العكس أيضا و هل هناك فرق بينهما؟

قال في مستند العروة ما حاصله: ظاهر العروة تقديم خمس الاختلاط علي خمس الارباح و لكن الحق تقديم التخميس بعنوان الارباح، فان المالك يعلم ان مقدارا من هذا المال هو ملك السادة لا له و لا من المال الحرام فلا بد من اخراجه او لا ليتمحض المال في كونه حلالا مخلوطا بالحرام، ثم يخمس بعدئذ للتحليل.

ثم قال لا شك في ان هنا تفاوتا بين الطريقين فلو فرض مجموع المال

75 دينارا فعلي قول العروة يخرج اولا خمس المجموع للتحليل 15 دينارا فيبقي 60 دينارا ثم يخرج خمسه فيبقي 48 دينارا، اما علي طريقتنا يخرج خمس المتيقن كونه من الحلال (فلنفرض كونه 50 دينارا) فيبقي 65 دينارا ثم يخرج خمس الاختلاط 13 دينارا فيبقي 52 دينارا، يتفاوت مع الطريقة السابقة باربع دنانير. (انتهي) «1»

و فيه اولا: ان المفروض عدم معلومية مقدار ماله فكيف يقدر علي تخميسه فلا بد اولا من احراز ماله و ان هو الا كمال اختلط بمال رجل آخر معروف لا بد من المصالحة معه او شبهه حتي يعرف مقدار ماله، ثم يخمسه من ناحية الارباح فما دام ماله غير معلوم كيف يصح له اخراج خمسه نعم باخراج خمس الاختلاط تقع المصالحة الشرعية مع المالك المجهول بامر من

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 169.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 244

الشارع المقدس فتبين مقدار ماله ثم يخمسه من ناحية الارباح او شبهها.

ثانيا: لما ذا يؤخذ بالقدر المتيقن، فان اليد اما حجّة هنا فاللازم الاخذ بالاكثر، و ان لم يكن حجّة كان الزائد من المال المجهول بين الطرفين لا يمكن تبيين حاله الا بالخمس.

و ما اعتذر به عن هذا الاشكال في الهامش من ان اليد علي فرض اجرائه دليل علي الملكية لا علي كونه من الارباح خلاف المفروض فان المفروض كون ماله منحصرا في الارباح مثلا و الحرام، كما هو ظاهر كثير من روايات الباب.

و كذا اعتذاره بان اليد لا تجري في موارد الاختلاط و الا لم يحتج الي التخميس غير نافع فان مفهومه عدم جريان اليد في المقام فيبقي المال مشكوكا بينه و بين غيره، فلا بد من تبيين حاله بالتخميس

اولا ثم تخميسه من جهة الارباح. و لا يجوز الاخذ بالقدر المتيقن من الحلال لاحتمال كونه أقلّ من الحلال الواقعي فيوجب تقليل الخمس المخرج منه (فاذا كان الحلال الواقعي 50 دينارا كان خمسه 10 دنانير مع انه لو كان القدر المتيقن من الحلال عندئذ 40 دينارا كان خمسه 8 دنانير) و ذلك يوجب تنقيصا في حق ارباب الخمس علي انه لا يوجد دائما مقدار متيقن في البين بل قد يكون مجهولا من رأسه.

هذا و قد ظهر مما ذكرنا ان ما يجري علي بعض الالسن في عصرنا لا سيما بالنسبة الي اموال بعض اعوان الظلمة و شركاء الطواغيت من وجوب اخراج خمسين منها الظاهر في اعطاء ثلاثة اخماس لأربابها و اخذ خمسين منها لبيت المال خلاف التحقيق بل الظاهر وجوب اخراج خمس التحليل اولا ثم اخراج خمس الارباح بعد ذلك لعين ما ذكرناه.

و الفرق بين الامرين ظاهر، فلو كان المال 50 دينارا فعلي طريقتنا يخرج

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 245

خمسه فيبقي 40 دينارا، ثم يخرج خمسه فيبقي 32 دينارا، اما علي ما هو الجاري علي الالسن يخرج من اول الامر 20 دينارا فيبقي 30 دينارا و الفرق بينهما بدينارين، و هذا امر كثير في الاموال الضخمة.

*** المسألة العاشرة (37 عروة): لو كان الحرام المختلط من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاص أو العام

فهل هو كمعلوم المالك فلا تصل النوبة الي اخراج الخمس (بل اللازم العمل بما مر من المصالحة او التنصيف في المقدار المجهول او ملاحظة اليد بتفاوت المقامات) او تجري عليه احكام الخمس، او يفصل بين الاوقاف فتكون كمعلوم المالك، و بين الاخماس و الزكوات فتكون كمجهول المالك؟ وجوه و اقوال.

قال في الجواهر: «لو كان الاختلاط من اخماس او زكوات فهو كمعلوم الصاحب في وجه قوي و

في الكشف ان الاقوي كونه كالسابق، و لو كان الاختلاط مع الاوقاف فهو كمعلوم الصاحب في وجه قوي». «1»

و اختار في العروة أيضا الالحاق بمعلوم المالك و كذا المحشون فيما رأينا من كلماتهم و هو الاقوي، و الوجه فيه اما في الأوقاف الخاصة فانها ملك خاص و في الاوقاف العامة ملك الجهة، و كذا في الاخماس كما هو الحق، و اما في الزكاة فان قلنا انه ملك الجهة أيضا فلا كلام، و كذا اذا قلنا بانه من قبيل الحق فانه يبقي علي ملك مالكه مع تعلق حق به من ناحية الفقراء و اشباههم فليس ملكا لمجهول كما هو ظاهر، و العجب من كاشف الغطاء- قدس سره- انه كيف الحقه بمجهول المالك مع انه ليس كذلك قطعا و تعلق

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 77.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 246

الملك بالجهة مما لا ينبغي الريب فيه، و اي فرق بين الاوقاف العامة و الاخماس و شبهها.

*** المسألة الحادية عشرة (38 عروة): إذا أتلف المال المختلط قبل إخراج خمسه

(او تلف في يده علي نحو يوجب الضمان) فهل الواجب عليه اداء الخمس منه، او اللازم اجراء حكم مجهول المالك عليه من التصدق؟ فيه خلاف. ظاهر الجواهر او صريحه هو الاول «1» و هو المستفاد من المحقق الهمداني و به قال في العروة، و لكن صريح غير واحد من اعلام المحشين هو الوجه الثاني، و هو الاقوي عندنا و ان كان الاحوط المصالحة مع الحاكم الشرعي في مقداره ثم صرفه في ما ينطبق علي المصرفين.

و المسألة مبنية علي ما مر سابقا من ان الخمس ثابت في المال المخلوط بمجرد الاختلاط بحيث يكون ارباب الخمس شركاء في المال (بناء علي الاشاعة في الخمس) نظير ساير موارد الخمس،

او ان المال الحرام المخلوط يبقي علي ملك مالكه و لكن يجب تطهيره باداء الخمس منه، و كأنه مصالحة شرعية قهرية تقع باذن المولي الحكيم بالنسبة الي المال المجهول، و حيث قد عرفت ان ظاهر الادلة هو الثاني فاللازم القول بانتقال المال الحرام بعينه الي الذمة بالاتلاف و لا معني حينئذ للاختلاط، لان مال الانسان بعد التلف لا ينتقل الي ذمته فليس في ذمته الا الحرام، فلا يصدق عليه حينئذ عنوان المال المختلط حتي يجب فيه الخمس فلا يبقي مجال الا الاجراء احكام مجهول المالك عليه، و اذا لم يعلم مقدار الحرام فاللازم الرجوع الي البراءة عن الزائد

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 76.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 247

عن القدر المتيقن. اللهم الا ان يقال: ان تقصيره في مقدمات هذا الضمان يوجب عليه الخروج القطعي منه لاشتغال ذمته به و هذا ان لم يكن اقوي فلا أقلّ من انه احوط.

اما علي القول الاول- اي تعلق الخمس- فان لم يعلم مقدار المختلط حتي يحاسب خمسه فهل الواجب عليه دفع ما يتيقن به البراءة او يجوز الاقتصار علي القدر المعلوم منه؟ قال في العروة: الاحوط الاول و الاقوي الثاني، و ذكر الوجهين في الجواهر و اضاف اليه وجها ثالثا و هو وجوب الصلح مع الامام لأنه من هذه الجهة كمعلوم الصاحب (فان الخمس مال الامام عليه السّلام او لأربابه تحت نظره).

اقول: لما ذا تجب المصالحة مع انه ليس في الذمة اختلاط، غاية الامر انتقل خمس المال الي ذمته و لكن لا يعلم مقداره و اللازم الاخذ بالمتيقن.

*** المسألة الثانية عشرة: لو باع المال المختلط بالحرام قبل إخراج خمسه

، يأتي فيه الخلاف المتقدم من انه لو قلنا بتعلق الخمس بمجرد الاختلاط و شركة ارباب

الخمس في المال، فالبيع فضولي بالنسبة الي حصتهم، و ان قلنا بان الخمس في المقام مصالحة قهرية الهية لا ملكا لأرباب الخمس فكذلك البيع فضولي لكن بالنسبة الي مال المالك المجهول.

ثم لو امضي الحاكم الشرعي البيع بما انه ولي الغيب و القصر فقد انتقل الخمس من المبيع الي الثمن علي القول الاول و انتقل سهم مالك المجهول منه الي الثمن علي القول الثاني.

هذا و قد قال في العروة: «اذا تصرف في المختلط قبل اخراج خمسه ضمنه كما اذا باعه مثلا فيجوز لولي الخمس الرجوع اليه». انتهي و هذا الكلام

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 248

كما تري لا يخلو عن مناقشة اذا المالك كان ضامنا قبل الاختلاط فضمانه بعده ليس شيئا جديدا كما قد توهمه عبارة العروة.

و لا يخفي انه يجب علي الحاكم الشرعي مراعاة مصلحة المالك المجهول فيجوّز البيع اذا كان بمصلحته كما اذا باعه باعلي القيم او باعه بقيمة قليلة فيما اذا لم يمكن حفظه مدة طويلة كالخضروات و الثلج.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 249

6- الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم

[حكم الخمس فيه]

اشارة

المعروف بين الاصحاب وجوب الخمس في الارض التي اشتراها الذمي من المسلم، و لكن هذه الفتوي غير معروفة عند من تقدم علي الشيخ- قدس سره- و لذا قال المحقق النراقي في المستند: «وجوب الخمس فيها مذهب الشيخ و اتباعه و هو المشهور بين المتأخرين و عن المعتبر و المنتهي الاجماع عليه و هو كذلك … خلافا لظاهر كثير من القدماء حيث لم يذكروا هذا النوع و مال اليه الشهيد الثاني في بعض فوائده لتضعيف الرواية- و هو ضعيف- او لمعارضتها مع ما مر من الأخبار الحاصرة للخمس في خمسة». «1»

لذا قال في

الجواهر بعد ذكر وجوب الخمس فيه: «عند ابني حمزة و زهرة و اكثر المتأخرين من اصحابنا بل في الروضة نسبته الي الشيخ و المتأخرين اجمع». «2»

و قال في المعتبر: «روي جماعة من الاصحاب ان الذمي اذا اشتري ارضا من مسلم فان عليه الخمس ذكر ذلك الشيخان و من تابعهما» ثم قال: «و قال مالك يمنع الذمي من شراء ارض المسلم اذا كانت عشرية لأنه تمنع الزكاة فان

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 75.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 65.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 250

اشتراها ضوعف عليهم العشر فاخذ منهم الخمس و هو قول اهل البصرة و ابي يوسف … و قال الشافعي و احمد يجوز بيعها من الذمي و لا خمس عليه و لا زكاة كما لو باع السائمة من الذمي … و الظاهر ان مراد الاصحاب ارض الزراعة لا المساكن». «1»

و قال العلامة في المنتهي: «الذمي اذا اشتري ارضا من مسلم وجب عليه الخمس ذهب اليه علمائنا». «2»

فقد تحصل مما ذكرنا ان وجوب الخمس هو المعروف بين الشيخ و من تأخر عنه و لكن غير معروف بين من تقدم عليه و ليكن هذا علي ذكر منك.

و استدل علي هذا الحكم بصحيحة ابي عبيدة الحذاء عن الباقر عليه السّلام قال:

«ايما ذمي اشتري من مسلم ارضا فان عليه الخمس». «3» و الرواية صحيحة الاسناد لا وجه لتضعيفها، و قد يؤيد ذلك بمرسلة المفيد عن الصادق عليه السّلام قال: «الذمي اذا اشتري من المسلم الارض فعليه فيها الخمس». «4» و هذه رواية اخري لاختلاف المروي عنه.

اقول: و الذي يوجب الوهن في الاستدلال و الابهام في مفهوم الرواية ما عرفت من ذيل كلام المحقق

عند نقل الاقوال حيث يظهر منه ان كلام العامة و اختلافهم في تعلق الخمس بهذه الارض انما هو تعلق الخمس بعوائدها لا بعينها و ان الكلام في الاراضي العشريه التي يؤخذ منها العشر بعنوان الزكاة فالذمي لا يعاف عن الزكاة بل يؤخذ منه عشران بدل العشر، خلافا لبعضهم حيث قال: لا يؤخذ منه خمس و لا عشر، و من الواضح انه لا ربط له بما نحن

______________________________

(1)- المعتبر، المجلد 2، الصفحة 624.

(2)- المنتهي، المجلد 1، الصفحة 549.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 9 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(4)- نفس المصدر، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 251

بصدده من خمس الاعيان، و العجب ان المحقق نقل هذه الاقوال عنهم في مقابل اقوال الاصحاب بحيث يستفاد منه ان مصب اقوال الاصحاب أيضا هذا و الا كان عليه التنبيه علي هذا الاختلاف الفاحش.

و اوضح حالا منه ما افاده شيخ الطائفة في كتاب الزكاة من الخلاف في هذا الباب في المسألة «82»: «اذا اشتري الذمي ارضا عشرية وجب عليه فيها الخمس و به قال ابو يوسف فانه قال عليه عشران و قال محمد عليه عشر واحد و قال ابو حنيفة تنقلب خراجية و قال الشافعي لا عشر عليه و لا خراج».

ثم قال: «دليلنا: اجماع الفرقة فانهم لا يختلفون في هذه المسألة و هي مسطورة لهم منصوص عليها روي ذلك ابو عبيدة الحذاء … ». «1»

(و في المسألة 85 و 86 أيضا ما يدل علي المقصود) و ظاهر هذه العبارة ان ما اجمع عليه الاصحاب هو خمس عوائد الارض لا خمس عينها، لأنه ذكر هذا القول ثم قال و به قال ابو يوسف مع

ان قول ابي يوسف انما هو في عوائد الارض.

و لصاحب المدارك أيضا في المقام كلام يؤيد ما عرفت حيث قال: «و قال بعض العامة ان الذمي اذا اشتري ارضا من مسلم و كانت عشرية ضوعف عليه العشر و اخذ منه الخمس، و لعل ذلك هو المراد من النص». انتهي «2»

و للمحقق الهمداني في مصباح الفقيه كلام اوضح من هذا حيث انه بعد ذكر كلام المدارك.

قال: «و الانصاف ان هذا الاحتمال في حد ذاته- بعد الالتفات الي خصوصيات المورد … في غاية القوة و لكن رجع عنه في آخر كلامه لا طلاق

______________________________

(1)- الخلاف، كتاب الزكاة، الصفحة 300.

(2)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 386.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 252

النص، و استلزامه للحمل علي التقية الذي هو مخالف للأصل». «1»

و قال صاحب المعالم في منتقي الجمان: «ظاهر اكثر الاصحاب الاتفاق علي ان المراد من الخمس في هذا الحديث معناه المعهود و للنظر في ذلك مجال و يعزي الي مالك القول بمنع الذمي من شراء الارض العشرية و انه ان اشتراها ضوعف (عليه) العشر فيجب فيه الخمس و هذا المعني يحتمل ارادته من الحديث … و مع قيام هذا الاحتمال بل قربه لا يتجه التمسك بالحديث في اثبات ما قالوا». «2»

و العجب من بعض الاعلام في محاضراته حيث قال: بان الشائع في زمن الباقر عليه السّلام كان هو مذهب ابي حنيفة علي ما ذكره صاحب الحدائق، و انما اشتهر مذهب مالك و الشافعي و الحنبلي في سنة 550.

اقول: اولا قد عرفت نقل هذا القول عن ابي يوسف و هو تلميذ ابي حنيفة، و ثانيا الأقوال الجارية علي لسان ائمتهم الاربعة لم تكن مما ظهر في

خصوص زمانهم بل كانت جارية علي السن فقهائهم من قبل غالبا، فلا يرد اشكال من هذه الناحية مضافا الي انه ليس الكلام في خصوص الخمس بل الكلام في ان مصب جميع فتاواهم هو عوائد الارض لا رقبته و هذا امر لا سترة عليه.

نعم الاشكال الذي قد يبدو في الذهن- كما اشار اليه سيدنا الاستاذ العلامة البروجردي رضوان اللّه تعالي عليه- هو ان كتاب المبسوط للشيخ متأخر عن الخلاف و قد اختار فيه كون الخمس في رقبة الارض كسائر الاخماس. «3»

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 132.

(2)- منتقي الجمان، المجلد 2، الصفحة 144.

(3)- المبسوط، المجلد 1، الصفحة 237.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 253

و لكن الانصاف ان كلامه في الخلاف اصرح و اوضح فلا يمكن رفع اليد عنه فتأمل.

و قال صاحب الحدائق بعد نقل كلام صاحب المعالم في المنتقي و ذكر قرائن له ما نصه: «و بالجملة فما ذكره المحقق المشار اليه لا يخلو عن قرب». «1»

فاشكال هؤلاء الاعلام او تضعيفهم اما هو المشهور بين المتاخرين دليل علي عدم كون الحكم اجماعيا و لا من قبيل المسلمات بينهم و ان فتح باب الخلاف فيه ممكن جدا.

و كان المحقق العلامة المجلسي لما هذا الاختلاف و امكان احتمال صحيحة ابي عبيدة علي وجهين مختلفين جمع بينهما و قال: «و الظاهر ان الاختيار الي الامام او نائبه في اخذ العين او القيمة او خمس الحاصل كل سنة و يحتمل ان يكون الاختيار الي الذمي». «2»

فالخمس يتعلق بالعين او لا بالذات بنظره و لكن للحاكم الشرعي عدم اخذ الخمس منه و يبقيها بحالها و يأخذ الخمس من عوائدها، و لا ربط لهذا الخمس بالزكاة بل خمس منافع العين لاشتراك

ارباب الخمس فيها.

و الحاصل: ان العمدة في المقام هو حديث ابي عبيدة، و هو و ان كان ظاهرا في بدء النظر في المعني المشهور للخمس الا ان وروده في جوّ يحكم عليه ما عرفت من فتوي العامة يشهد علي حمله علي هذا المعني.

[و مما يؤيد عدم الوجوب أمور:]
اشارة

و مما يؤيده أمور:

1- عدم تعرض قدماء الأصحاب له غالبا

مع كونهم في مقام بيان ما يتعلق

______________________________

(1)- الحدائق الناظرة، المجلد 12، الصفحة 361.

(2)- روضة المتقين، المجلد 3، الصفحة 121.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 254

الخمس به، فعدم ذكرهم دليل علي خلافهم في المسألة.

2- مصححة عبد الله بن سنان: «ليس الخمس إلا في الغنائم»

. «1» بناء علي كون المراد منه المعني الاعم كما مر في صدر ابحاث الخمس، و ان المراد من الاية أيضا هو الاعم، و هذا المعني شامل لجميع موارد الاخماس لا يشذ منه شاذ (و قد عرفت الاشكال في كون خمس المختلط من قبيل الخمس بالمعني المعروف) و من الواضح ان محل الكلام ليس من الغنائم و الفوائد دائما، فان الذمي كثيرا ما لا ينتفع بالارض ازيد مما بذل في مقابلها من الثمن.

3- الروايات الحاصرة للخمس في خمسة

مثل ما رواه حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام قال: «الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة». الحديث. «2»

و ظاهرها نفي الخمس في محل الكلام.

و مثله ما رواه حماد بن عيسي قال: «رواه لي بعض اصحابنا ذكره عن العبد الصالح ابي الحسن الاول قال: الخمس من خمسة اشياء من الغنائم و من الغوص و الكنوز و من المعادن و الملاحة». «3»

و كذا ما رواه علي بن الحسين المرتضي في رسالة المحكم و المتشابه نقلا من تفسير النعماني باسناده الآتي عن علي عليه السّلام: « … و الخمس يخرج من اربعة وجوه من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين و من المعادن و من الكنوز و من الغوص». «4» (و الحصر في الاخير في الاربعة انما هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.

(4)- نفس المصدر، الحديث 12.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال

(لمكارم)، ص: 255

لاندراج الملاحة في المعادن بمعناه الاعم).

4- ما يظهر من بعض روايات الجزية، أنه كان من المتداول بين العامة و حكامهم أخذ الخمس من أراضي أهل الذمة

(سوي الجزية المعمولة علي رءوسهم) و هي ما روي عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السّلام: أ رأيت ما يأخذ هؤلاء من هذا الخمس من ارض الجزية و يأخذ من الدهاقين جزية رءوسهم اما عليهم في ذلك شي ء موظف؟ فقال:

كان عليهم ما اجازوا علي انفسهم و ليس للإمام اكثر من الجزية ان شاء الامام وضع ذلك علي رءوسهم و ليس علي اموالهم شي ء و ان شاء فعلي اموالهم و ليس علي رءوسهم شي ء. فقلت: فهذا الخمس؟ فقال: انما هذا شي ء كان صالحهم عليه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم». «1»

و هذه الرواية و ان لم تخل عن بعض الابهامات في ناحية سندها و دلالتها، و لكن يمكن جعلها مؤيدة للمقصود.

و قد ذكر العلامة المجلسي في روضة المتقين: «ان هذا الخمس وضعه الخليفة الثاني و ان قول الامام عليه السّلام هذا شي ء صالحهم عليه رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم انما هو من اجل التقية».

فمن هذا كله يشكل الفتوي بوجوب الخمس بمعناه المعروف في هذه الاراضي، فالاحوط المصالحة مع الذمي بالنسبة الي رقبة الارض و بالنسبة الي عوائدها للعلم الإجمالي بتعلق الخمس باحدهما من غير تعيين خاص، نعم مقتضي الاصل وجوب الاحتياط عليه بالجمع بينهما، و لكن مقتضي الاصل أيضا عدم جواز الاخذ منه من ناحية الحاكم الشرعي الزائد من القدر المتيقن فالطريق هو المصالحة فتدبر جيدا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 68 من ابواب جهاد العدو، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 256

و لكن الاقوي تعلق الخمس بخصوص العوائد

لما مر من المؤيدات الموجبة للاطمينان بالحكم.

*** بقي هنا أمور
اشارة

قد عرفت ان الحكم بوجوب الخمس في رقبة الارض التي اشتراها الذمي محل اشكال من اصله، و يحتمل قويا تعلق الخمس بعوائد الارض اي يضاعف عليه العشر (اي الزكاة) و يؤخذ منه الخمس، و لكن علي كل حال هنا امور يتفرع علي كل من القولين (القول بتعلقه برقبة الارض و القول بتعلقه بعوائد الارض) و بعضها يتفرع علي القول المشهور- اي تعلقه برقبة الارض لا بد من ذكرها، فنقول و منه جل ثنائه نستمد التوفيق و الهداية.

1- هل الحكم عام شامل لكل أرض- سواء كانت أرض مزرع أو مسكن أو دكان أو خان أو غيرها- أو خاص بأرض المزرع؟

قد يقال كما في الجواهر: «ان ظاهر النص و الفتوي بل هو صريح جماعة عدم الفرق بين ارض المزرع و المسكن و غيرهما، خلافا لما عن المعتبر حيث خصها بالمزرع دون المسكن و تبعه عليه في المنتهي بعد اعترافه بان اطلاق الاصحاب يقتضي العموم، و استجود الاختصاص في المدارك، كما ان صاحب الجواهر قواه اولا ثم رجع عنه اخيرا و قال الاولي ثبوت الخمس سواء كانت مزرعا او مسكنا». «1»

و اختاره أيضا صاحب العروة و جمع من محشيها بينما اختار غير واحد منهم التفصيل بين ما اذا وقع البيع علي المسكن و شبهه بعنوان الارض (كما

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 66.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 257

اذا قال اشتريت ارض هذه الدار بكذا و كذا) و بين ما اذا وقع علي عنوان الدار او الدكان، فالمسألة ذات اقوال ثلاثة.

و حيث قد عرفت ان العمدة في المسألة هي صحيحة ابي عبيدة الحذاء «1» فاللازم الرجوع اليها، و الانصاف ان قوله عليه السّلام: «ايما ذمي اشتري من مسلم ارضا فان عليه الخمس» ظاهر في شراء الارض بعنوانها لا بعنوان انها جزء من الدار او الدكان، و

هذا الظهور مما لا ينبغي الريب فيه.

لا اقول ان الارض تبع كتبعية المسامير و الاسلاك الكهربائية و شبهها حتي يقال بان الارض ليست كذلك قطعا بل هي من اجزاء المثمن و لذا يقسط عليها الثمن و لو ظهرت مملوكة للغير تبعضت الصفقه (كما ذكره في مستند العروة «ص 177») بل اقول ان النص ظاهر فيما اذا كانت الارض مستقلة في عنوان المعاملة لا جزء لشي ء آخر.

نعم يمكن دعوي الغاء الخصوصية و لكن القطع به مشكل جدا، لان حكمة هذا الحكم غير واضحة عندنا و هل هي المنع عن استيلاء غير المسلمين علي اراضيهم الزراعية او هي اعم منها؟

نعم اذا صرح في المعاملة بانه انما يشتري ارض المسكن في المعاملة بكذا، فشمول الاطلاق غير مانع له.

هذا كله اذا قلنا بمقالة المشهور، و اما علي المختار من كون الخمس في العوائد فلا ريب في اختصاصه بالاراضي الزراعية كما هو ظاهر.

2- هل مصرف هذا الخمس مصرف غيره من الأخماس أم لا؟

ظاهر فتاوي المشهور هو الاول كما ذكره النراقي في المستند حيث قال:

«الاظهر موافقا لظاهر الاصحاب انه كسائر الاخماس». «2»

________________________________________

شيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، در يك جلد، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)؛ ص: 257

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 9 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 75.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 258

و ما ذكره المحقق الهمداني حيث قال: «اما مصرفه فالمعروف بين من اثبته هو مصرف خمس الغنيمة».

و لكن مع ذلك يظهر من جماعة من متأخري المتأخرين (علي ما حكاه المحقق النراقي

في المستند) خلافه فجوزوا ان يكون المراد تضعيف العشر علي الذمي اذا كانت الاراضي عشرية كما هو مذهب مالك (انتهي).

و استدل في مصباح الفقيه بانصراف اطلاق الخمس الي ارادة الخمس المعهود اما بدعوي صيرورته حقيقة فيه في عصر الصادقين عليه السّلام …

او المعهودية الموجبة لصرف الاطلاق اليه حيث لو كان المراد غيره لوجب بيانه. «1»

و ما ذكره حسن و لكنه مبني علي ما ذهب اليه المشهور من تعلق هذا الخمس بعين الارض لا بعوائدها، و اما علي الثاني و هو المختار فلا ينبغي الشك في كون المصرف مصرف الزكاة بعينه لأنه زكات مضاعفة فيصرف في مصارفها، فكل من هذين القولين ناظر الي مبني و لا ينبغي جعلهما قولين مختلفين في محل واحد كما يظهر من بعض ما مر آنفا.

3- هل الحكم خاص بالاشتراء في البيع، أو يشمل مطلق المعاوضات

، او هو اعم منها فيشمل جميع الانتقالات حتي مثل الهبة و الصلح بلا عوض و غيرهما؟

نسب الي ظاهر المشهور الاول، و الثاني الي كاشف الغطاء، و الثالث الي ظاهر الشهيدين.

قال في مصباح الفقيه: «مقتضي الجمود علي ظاهر النص و الفتوي قصر الحكم المزبور علي خصوص ما لو اشتراها الذمي من مسلم و لكن

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 133.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 259

صرح كاشف الغطاء بعمومه لما تملكها منه بعقد معاوضة كائنة ما كانت دون الانتقال المجاني و عن ظاهر الشهيدين عمومه حتي في الانتقال المجاني». «1»

و صرح في الحدائق بعدم جواز التعدي عن مورد النص، و هو ظاهر بعض محشي العروة و ان اختار هو التعدي الي مطلق المعاوضات.

اقول: لا ينبغي الشك في ظهور النص و هو صحيحة ابي عبيدة في الشراء، انما الكلام في انه هل يمكن الغاء الخصوصية عنها

و تنقيح المناط بالنسبة الي مطلق المعاوضة او مطلق الانتقال؟ فان قلنا بان العلة في هذا الحكم هي عدم تسلط الكفار علي اراضي المسلمين فالتعدي الي مطلق المعاوضات بل مطلق الانتقالات ظاهر، و لكن اني لنا اثبات ذلك بدليل قطعي و ان كان مظنونا فالظن لا يغني من الحق شيئا و حينئذ يشكل القول بالتعدي مطلقا، اللهم الا ان يقال: ان الغاء الخصوصية العرفية هنا حاكم و ان لم يعلم المناط فان العرف لا يفرق بين الاشتراء و الصلح مع العوض و شبهه و لا شغل له بمناطات الاحكام بل بظواهر الادلة فقد لا يفهم لبعض القيود ظهورا في تقييد الحكم بل يراه من قبيل ذكر المصداق. «2»

هذا كله علي فرض القول المشهور، و اما علي القول المختار فالظاهر التعدي منه الي مطلق الانتقال لان ظاهره حفظ حق الفقراء من زكات الارضين، فالغاء الخصوصية او تنقيح المناط هنا اوضح.

و قد ذكر في العروة ان الاحوط اشتراط الخمس عليه في عقد الشراء و هل

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 133.

(2)- كفؤله (ع) رجل شك بين الثلاث و الاربع حيث لا يري العرف خصوصية لرجوليته الشاك فيري الحكم ثابتا بالنسبة الي المرأة أيضا.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 260

يصح هذا الشرط؟ الظاهر انه لا مانع منه، و لكن هل يكفي هذا الشرط عن الخمس الواجب عليه (علي القول به) او يجب عليه خمس آخر فيه اشكال. «1»

فالاولي ترك الشرط و المصالحة مع الذمي في هذه الموارد علي القول المشهور، اما علي المختار فقد عرفت ان التعميم قوي فتأمل.

4- هل يتعلق الخمس بالأرض فقط أو هي مع الأشجار و الأبنية و غيرها؟

لا ينبغي في ظهور النص في الاول لخروجها عن معني الارض فلا موجب للخمس فيها بعد كون الخمس

علي خلاف القاعدة لان اخذ مال الغير يحتاج الي دليل، هذا علي القول المشهور اما علي القول الاخر فالامر اوضح لان الخمس فيه بمعني الزكاة المضاعفة.

5- يتخير الذمي بين دفع الخمس من الأرض أو من قيمتها

، لجوازه في ساير موارد الخمس بما يأتي فيها من الدليل فينصرف اليه اطلاق الحكم في المقام- سواء علي قول المشهور و غيره- لكن هنا اشكال يجري علي القول بوجوب الخمس في جميع الانتقالات و هو انه اذا دفع الذمي القيمة بدل العين فقد انتقل اليه خمس الارض فيجب عليه خمس هذا الخمس و هكذا.

و ان شئت قلت: ارباب الخمس يملكون هذا المقدار من العين بالاشاعة و لكن للمالك ان يبدله بالقيمة و يتملك سهم ارباب الخمس فهذا تملك جديد، فلو قلنا بوجوب الخمس في كل تملك جديد يأتي فيه ما ذكر و لا مناص له الا اعطاء العين في بعض المراحل فتدبر.

______________________________

(1)- من ان الخمس تكليف الهي، امر وضعه و رفعه بيد الشارع فلا يمكن اشتراطه ضمن عقد كما لا يصح اشتراط اتيان الصلوات اليومية في اول اوقاتها. لكن لقائل ان يقول انه من قبيل شرط الفعل بان يدفع الذمي خمس الارض الي اربابه علي كل حال سواء كان الخمس لهم واقعا أم لا فتأمل.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 261

و لم أر من تعرض لهذه المسألة عد المحقق الهمداني حيث اشار اليها في بعض كلماته و قال: «فهل هو بمنزلة شرائه منه ثانيا حتي يثبت فيه الخمس و جهان اوجههما العدم فان هذا لا يعد في العرف شراء الخمس الذي هو من الارض … فلا يعد عرفا من المعاوضات فضلا عن ان يطلق عليه اسم الشراء». (انتهي) «1»

اقول: ما افاده من عدم صدق الشراء

عليه عرفا حق لا ريب فيه و لكن لا ريب انه نوع انتقال للملك اليه بعوض، فلو قلنا بهذه المقالة في جميع الانتقالات لم لا يدخل في الحكم؟ لا سيما اذا قلنا ان الحكمة فيه عدم المنع عن سلطة الكفار علي اراضي المسلمين مهما امكن.

و علي كل حال ان اختار الذمي بذل القيمة و كانت مشغولة بالزرع او الغرس او البناء (علي القول به في مثله) تقوم مشغولة بهذه الامور مع الاجرة لما سيأتي من عدم جواز قلعها من ناحية ولي الخمس كما انه لا وجه لبقائها فيها بدون الاجرة، فالجمع بين الحقين تقتضي بقائها مع الاجرة كما هو ظاهر.

6- ليس لولي الخمس كما عرفت قلع أشجارها و لا تخريب بنيانها

اذا كانت هذه الامور فيها عند اشترائها، لان المفروض ان الارض انتقلت اليه مشغولة بهذه فله حق فيها من هذه الجهة فكيف يجوز له قلعها، فاذا انتقلت خمس الارض الي اربابه كان عليه الاجرة و الا لم يكن للأرض فائدة غالبا، نعم لا يجوز له احداث هذه الامور بعد الانتقال اليه لتعلق حق ارباب الخمس بها (علي قول المشهور).

7- يجوز لولي الخمس أخذ الأرض أو قيمتها و إيصالها إلي أرباب الخمس

، و هل يجوز له ابقائها في يد الذمي او غيره بعنوان الاجارة فيأخذ مال

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 134.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 262

الاجارة و يوصلها الي ارباب الخمس؟

و لا يختص الحكم بمحل الكلام بل يجري في جميع موارد الخمس من ان الواجب علي ولي الخمس تفريقها بين اهلها، او يجوز له ايجارها و اخذ ارتفاعها و تقسيمها بينهم لا سيما اذا كانت مشغولة بشي ء مما ذكر.

صرح في الجواهر في المقام بتخيير الحاكم في ذلك، و صرّح غير واحد منهم أيضا بذلك كصاحب الحدائق و المسالك و الروضة و كاشف الغطاء و الشهيد في الحواشي المنسوب اليه فيما حكي عنهم، الي غير ذلك.

بل لم أر من خالف في ذلك عدا بعض اعلام العصر دام ظله كما في مستند العروة حيث اشكل في هذا الحكم بالنسبة الي سهم السادة، فان سهم الامام عليه السّلام يجوز التصرف فيه بما هو رضاه و احراز رضاه في هذا الامر ممكن، اما بالنسبة الي سهم السادة فليس لولي الامر الا الولاية عليهم في قبض حقهم من الارض و صرفها فيهم اما الايجار فلم يثبت ولايته عليه، نعم لو أخّر الذمي دفع الارض فله اخذ اجرة المثل منه. «1»

اقول: الانصاف كما فهمه الاصحاب عموم ادلة الولاية من هذه

الجهة، فالحاكم الشرعي بالنسبة الي الزكوات و الاخماس و اموال المسلمين من الخراج و غيره كالوالد للولد، بل يستفاد من ادلة ولاية الفقيه اكثر من ذلك فقد تكون المصلحة في حفظ هذه الاموال و ارتزاقهم من ارتفاعها لا تفريق نفس هذه الاموال بينهم، فعليه ملاحظة مصالحهم في كل مورد بل قد يكون تفريقها بينهم سببا لتضييعها في مدة قليلة بينما يكون ايجارها سببا لبقائها مدة طويلة مع الانتفاع بمنافعها، و لا يبعد القول بذلك حتي في مثل زكاة الفطرة و زكات الاموال أيضا فتدبر.

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 180.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 263

و الحاصل: ان الفقيه بما انه ولي المسلمين و ولي ارباب الخمس يجب عليه تدبير امورهم بما هو الاصلح بحالهم، و تدبير الامور بما هو معروف بين العقلاء من اوضح مصاديق الولاية كما لا يخفي، و فتح هذا الباب يوجب رفع المضايق الكثيرة من المسلمين عامة و من الحوزات العلمية خاصة كما لا يخفي علي الخبير.

8- لا نصاب في هذا القسم من الخمس

لما عرفت من اطلاق دليله و هو صحيحة ابي عبيدة الحذاء، سواء قلنا بمقالة المشهور أم قلنا بان المراد الزكاة المضاعف كما لا يخفي بل لم ينقل من احد احتمال النصاب فيها نعم يجري فيه نصاب الزكاة علي المختار.

9- هل يعتبر فيه نية القربة من ناحية الحاكم الشرعي

بعد عدم امكانها من ناحية الذمي، لعدم امكان التقرب له لمحل كفره؟

ظاهر الجواهر و غيره عدم وجوبه لإطلاق الدليل و لكن حكي عن الدروس و ظاهر المسالك و غيره وجوبه للحاكم، و ظاهر العروة و اكثر حواشيها أيضا عدم الوجوب.

نعم احتاط بعضهم كسيدنا الحكيم بوجوبها عند الدفع الي السادة.

و العمدة ما عرفت من اطلاق الدليل هنا، و عدم وجود دليل علي وجوب نية القربة من ناحية الفقيه، بل ذكرنا في باب الزكاة التي هي الاصل في المسألة انه لا دليل علي وجوب نية القربة علي الحاكم الشرعي لو أخذها من الممتنع فضلا عن الكافر، و كونها عبادة انما هو بالنسبة الي مؤديها لا بالنسبة الي الحاكم.

10- هل هذا الحكم ثابت في غير الذمي من الكفار أم لا؟

مثلا اذا لم يعمل اهل الكتاب الموجودون في البلاد الاسلامية بشرائط الذمة كدفع الجزية (علي ما هو المعروف من انه من اهم شرائطه) او كان هناك رجال من

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 264

سائر البلاد الاسلامية بذلوا رءوس اموالهم للتجارات و الصنائع في البلاد الاسلامية و لم يكونوا حربيين بل كانوا مهاندين يعاشرون المسلمين بالمعروف، فاشتروا بعض الاراضي لهذه المقاصد غير المحرمة علي الفرض فهل يقتصر في الحكم علي الذمي العامل بشرائط الذمة و يستثني هؤلاء أم يقال بشموله لهم أيضا؟

ظاهر صحيحة ابي عبيدة في بدء النظر الاختصاص بهم و عدم التعدي عنهم لعدم دخولهم تحته، و لكن لقائل ان يقول بشمول الحكم لهم بالاولوية القطعية، و يؤيده ما ذكروه في حكمة هذا الحكم و ان الغرض عدم استيلائهم علي هذه الاراضي او قلة استيلائهم عليها و لم أر من تعرض للمسألة فيما نظرته عاجلا، و لكن الشمول ليس ببعيد من جهة الاولوية او الغاء الخصوصية

القطعية و الله العالم بحقايق الحاكمه.

*** بقي هنا مسائل عشر أشار إليها في العروة الوثقي
الأولي: هل الحكم شامل للأراضي المفتوحة عنوة أم لا؟

قال في الشرائع «سواء كانت مما فيه الخمس كالأراضي المفتوحة عنوة او ليس فيه كالأراضي التي اسلم عليها اهلها» و اضاف اليه في الجواهر:

«حيث يصح بيعها كما لو باعها امام المسلمين في مصالحهم او باعها اهل الخمس اذ قد عرفت ثبوته في الاراضي من الغنائم بل قد يقال به في المبيع منها تبعا لآثار التصرف فيها وفاقا للمحكي عن جمع من المتأخرين بناء علي حصول الملك للمتصرف بذلك، و ان كان يزول بزوال تلك الآثار». انتهي. «1»

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 66.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 265

و لكن عن المحقق الأردبيلي و صاحب المدارك الاشكال فيه و تبعهما في ذلك بعض اعلام العصر. «1»

و الظاهر ان نزاعهم فيه لفظي او قريب منه، و حاصل الكلام في المسألة انه اذا جاز بيعها كما اذا كان باذن الامام في مصالح المسلمين، او قلنا بوجوب الخمس في هذه الاراضي (و ان كان خلاف التحقيق) فباع السادة حقهم منها، فلا اشكال و لا كلام في شمول الحكم لها لإطلاق الدليل و عدم القرينة علي تقييده.

و اما في غير هذه الصور، فان قلنا بان الارض المفتوحة عنوة تملك بتبع الآثار فيباع كذلك فالظاهر أيضا شمول الحكم له لصدق عنوان الشراء عليها، و كون الملك متزلزلا، و تبعا للآثار غير ضائر بعموم الحكم بعد اطلاق الدليل.

و اما اذا قلنا بعدم الملك لها حتي تبعا للآثار و انه ليس هناك الا حق الاختصاص، فشمول عنوان الشراء له غير واضح الا مجازا- كما أطلق عليه في اخبار الاراضي الخراجية- فلا يجري فيه هذا الحكم.

و من العجب تصريح العروة بشموله لها حتي في

هذا الفرض، اللهم الا ان يقال بتنقيح المناط و شمول حكمة الحكم لها، و لكنه ضعيف جدا.

*** بقي هنا شي ء و هو ان المعروف بين الاصحاب ان هذه الاراضي ملك للمسلمين كافة، بل قد ادعي الاجماع عليه في الخلاف و التذكرة، و قد صرح في روايات كثيرة بانها في ء للمسلمين او انها للمسلمين جميعا (لمن هو اليوم

______________________________

(1)- محاضرات في فقه الامامية، كتاب الخمس، الصفحة 107.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 266

و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد) و قد افتي بها كثير من الاصحاب.

و لكن حيث يعامل مع هذه الاراضي- و منها ارض العراق- معاملة الملك ببناء المساجد و سائر الاعيان الموقوفة و بيعها و شرائها في هذه الاعصار بل و قبلها وقع فقهائنا- رضوان اللّه عليهم- في حيص بيص.

فقال غير واحد منهم بان ذلك انما يكون في خصوص ما اذا رأي امام المسلمين جواز بيع بعضها لمصلحة او في خصوص سهم السادة بناء علي ملكهم لخمس الارض (كما هو مختار جماعة) او انها كانت في الموات منها حال الفتح فان احكام المفتوحة عنوة لا تجري الاعلي المحياة حال الفتح و لكن مع ذلك قال في مفتاح الكرامة:

بجواز بيع هذه الاراضي و لو مستقلة و من دون تبعية للآثار بل حكاه عن ظاهر الدروس و جامع المقاصد، و استدل له بانه كان متداولا بين المسلمين في زمن الحضور و الغيبة عند الخاصة و العامة في الاراضي المشهورة بانها كانت مفتوحة عنوة في جميع الاعصار و الامصار الي عصرنا هذا من دون انكار احد لذلك و اجراء احكام المساجد علي ما جعل مسجدا و كذا اجراء احكام الملكية

عليها.

ثم قال: «و حمل ما كان يتصرفون فيه منها في الاعصار السابقة علي ان الامام باعه لمصلحة المسلمين او كان مواتا حين الفتح او ان ذلك كان في خمسها تعويل علي الهباء و اتكال علي المني». «1»

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة، المجلد 4، الصفحة 243. و الظاهران مما دعاه الي هذا القول هو ما نراه من بيع اراضي السواد بلا التفات الي كونها من الموات حال الفتح او غيرها و لا سيما انها كانت معمورة حتي قبل التاريخ.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 267

و تبعه في ذلك صاحب الحدائق و صرح بان ظاهر الاخبار جواز البيع و الشراء من تلك الاراضي مع قيام المشتري بما عليها من الخراج ثم قال:

«و يحمل ظاهر المنع الذي اشعرت به تلك الاخبار من حيث كونها فيئا للمسلمين علي الشراء علي وجه يتملكه بذلك من غير وجوب دفع حق المسلمين اي الخراج». «1»

و لكن صرح غير واحد منهم وفاقا لما في المسالك بان عدم صحة بيعها و وقفها و هبتها انما هو فيما اذا باع رقبتها مستقلة، اما لو فعل ذلك تبعا لآثار التصرف من بناء و غرس و زرع فجائز علي الاقوي، فاذا باعها بايع مع شي ء من هذه الآثار دخلت في البيع علي سبيل التبع … فاذا ذهبت اجمع انقطع حق المشتري. هكذا ذكره جمع من المتأخرين و عليه العمل. «2»

و لكن صاحب الجواهر انكر ذلك أيضا حيث قال: «انه مناف للأدلة القاضية بانها ملك للمسلمين علي كل حال بل قيل ان الملك مناف لترتب الخراج عليها مضافا الي ان بناء الملك علي التاييد و الدوام دون الدوران مدار الآثار.

اضف الي انه لم يقم دليل علي ملكيته

تبعا للآثار سيما مع ملاحظة فتوي العلماء الذين هم حفاظ الشريعة». (انتهي ملخصا) «3»

اقول: هذه معضلة عويصة، فمن ناحية تدل الادلة علي انها في ء للمسلمين و ملكهم جميعا و من ناحية اخري نري بيع اراضي العراق و شبهها دائما- سواء فيها الدور و البساتين و الاراضي الزراعية، بمرأي من علماء الدين و مسمع منهم، فكل

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 18، الصفحة 304.

(2)- مسالك الافهام، المجلد 1، الصفحة 155.

(3)- جواهر الكلام، المجلد 22، الصفحة 349.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 268

منهم تلخص منها بطريقة و اخذ مهربا، و العمدة من بينها طرق ثلاثة:

1- بعضهم كصاحبي مفتاح الكرامة و الحدائق انكروا بقاء حكم الملكية للمسلمين من اصلها مع انها مشهورة معروفة و قد ورد التصريح بها في روايات كثيرة (و ان ورد التصريح بالبيع و الشراء في غير واحد من الروايات أيضا لكن لها محامل آخر).

2- و بعضهم مال الي القول بالملكية الموقتة تبعا للآثار مع ما فيه من الاشكال من جهة عدم معروفية الملكية الموقتة بين العرف و العقلاء، و عدم ثبوت الخراج في الملك بل هو شبه مال الاجارة، مضافا الي عدم قيام دليل خاص يدل عليه.

اضف الي ذلك عدم كفاية الملك الموقت في الوقف للمسجد و شبهه.

3- و بعضهم حمل هذه التصرفات علي خصوص ما كان مواتا حال الفتح (و لا أقلّ من احتماله مع حمل فعل المسلم علي الصحة) او كان من خصوص سهم السادة- بناء علي ملكيتهم لخمس الاراضي- او في موارد رأي امام المسلمين المصلحة في بيع بعضها.

و فيه أيضا من الاشكال ما لا يخفي، فانه لا يزل يتصرف في هذه الاراضي كأراضي العراق و ما فتحت عنوة في

غرب ايران او في الشامات و اراضي مصر و غيرها من دون فرق بين جوانبها و نواحيها.

فكل من هذه الطرق الثلاثة فيه مزية و اشكال.

و هناك طريق رابع لعله اقوي و اولي و هو ان الذي يشتري فيها هو حق الاولوية و الاختصاص بها المشابه لحق السرقفلي في عصرنا، و اما احداث المساجد فيها فهو باعتبار انها من مصالح المسلمين فيجوز بيعها و شرائها لذلك و لما اشبهه و قد اذنوا- عليهم السلام- شيعتهم لذلك، هذا بالنّسبة الي

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 269

الروايات الدالة علي جواز بيعها و شرائها، و لكن مع ذلك لا يسقط الخراج منها و تركه و عدم رعايته بعد البيع و الشراء كأنه نشأ عن التسامح و التساهل و قلة المبالاة، و الاحوط لأهل الدين و الورع ان يحاسبوا خراجها و لا أقلّ من الاستيذان عن الحاكم الشرعي بالنسبة الي خراجها و الله العالم بحقائق احكامه.

و علي كل حال تعلق الخمس بها اذا لم يدخل الارض في المبيع مما لا وجه له، و من هنا يظهر الاشكال في كلام العروة، و كذا اذا دخلت تبعا لما عرفت من ظهور الدليل في استقلالها بالبيع و صدق شراء الارض لإشراء الدار و الدكان و شبهها.

الثانية: قال في المسالك: «و لا يسقط الخمس عن الذمي ببيع الأرض

قبل اخراج الخمس و ان كان البيع لمسلم، و لا باقالة المسلم له في البيع مع احتمال السقوط هنا». «1»

و قال المحقق النراقي في المستند بعد التصريح بعدم سقوط الخمس بالبيع لمسلم: «و كذا لا يسقط لو فسخ الذمي البيع، و لو كان ذلك بخيار لأحدهما يشكل الحكم، و يحتمل انتقال الخمس أيضا متزلزلا». «2»

اقول: انتقالها من الذمي الي مسلم قد يكون بالبيع و

نحوه، و اخري بالارث، و ثالثة بالاقالة، و رابعة بالفسخ بالخيار، و الظاهر عدم سقوط الخمس في شي ء من هذه الفروض الخمسة لا طلاق رواية ابي عبيدة، و ما ذكر من ان الملاك هو عدم السلطة فهو من باب الحكمة لا العلة كما هو واضح هذا من ناحية.

______________________________

(1)- مسالك الافهام، المجلد 1، الصفحة 67.

(2)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 57.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 270

و من ناحية اخري لو قلنا: ان الاقالة فسخ من اصل (سواء قلنا بالكشف او الانقلاب) اشكل الحكم بوجوب الخمس عليه لانحلال العقد من اصله، و كذا الكلام في الفسخ بالخيار و لكن هذا الاحتمال بعيد في المقامين.

هذا من ناحية ثانية و من ناحية اخري قد يقال: في موارد امكان الفسخ بالخيار ان البيع متزلزل من اصله (و كذا في موارد الشفعة) و الحديث منصرف عن مثل هذا الحكم، و لكن الانصاف ان رفع اليد من الاطلاق بمثل هذه الامور مشكل جدا.

و من ناحية رابعة قد يقال: انه لو باعها من مسلم شيعي دخل في مسألة من ينتقل اليه المال ممن لا يعتقد الخمس و انه لا خمس فيه فيكون المعاملة صحيحة في جميعها حتي في مقدار الخمس، و لكن يجاب عنه بان هذا لا ينافي تعلق الخمس بالذمي فاذا انتقل مجموع الارض الي مسلم شيعي وجب الخمس في ذمته.

و من جانب خامس قد يقال كما في مستند الشيعة انه: «لو نقل الذمي الارض الي غيره قبل اخذ الخمس (منه) لم يسقط الخمس بل لا يصح النقل في قدره و يكون للمشتري الخيار ان كان النقل بالبيع … و لو اخذ المبيع من الذمي بشفعة فالظاهر تقسيط

الثمن اخماسا». «1»

و الوجه فيه تعلق الخمس بالعين علي نحو الاشاعة و شبهها فيكون البيع فضوليا في سهم السادة فالبيع فيه باطل او منوط باجازة ولي الامر، و كذا بالنسبة الي الشفعة فانه لا يصح الأخذ بالشفعة في سهم السادة لما ذكروه في محله من ان الشفعة انما هو في ما اذا انتقل اليه بالبيع لا بغيره من النواقل

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 57.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 271

كالهبة و الاصداق و الصلح و نحو ذلك». «1»

فتكون الشفعة في خصوص اربعة اخماس الارض باربعة اخماس من الثمن، و كان مراد المحقق النراقي أيضا هذا.

هذا كله علي تقدير القول بتعلق الخمس بالعين و اما علي تقدير تعلقه بالمنافع فلا وقع لهذه الاشكالات، لان المدار علي بقائها في يده و زرعها بما يتعلق به الزكاة كما هو واضح.

الثالثة: إذا اشتري الذمي الأرض من المسلم و شرط عليه الخمس، فهو علي أنحاء ثلاثة

: تارة يشترط عدم الخمس فهذا الشرط مخالف للشرع قطعا فلا يصح. و ثانية يشترط ان يكون الخمس علي المسلم و هو أيضا شرط مخالف للشريعة لان الخمس بحسب حكم الشرع واجب علي المشتري الذمي لا علي البائع المسلم، و هل يسري فساد الشرط في هاتين الصورتين الي العقد اولا؟ فيه خلاف و لعل الاقوي الثاني. و ثالثة يشترط في ضمن العقد ان يبذل المسلم مالا معادلا للخمس بقصد ابراء ذمة المشتري الذمي و هذا القسم لا مانع منه، لعدم مخالفته لحكم الشرع لجواز دفع الغير عمن يجب عليه الخمس، و حيث يكون بامره و اشتراطه فهو المؤدي للخمس و لو بالتسبيب و هذا المقدار (كاف كمن يستدعي من الغير اداء دينه) و لكن لا يسقط الخمس عنه بمجرد هذا الاشتراط بل انما يسقط

بعد العمل به كما لا يخفي.

الرابعة: قال في العروة الوثقي (مسألة 43): [إذا اشتراها من مسلم]

«إذا اشتراها من مسلم ثم باعها منه او من مسلم آخر ثم اشتراها ثانيا وجب عليه خمسان، خمس الاصل للشراء اولا و خمس اربعة اخماس للشراء ثانيا». انتهي.

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 37، الصفحة 240.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 272

اقول: مقتضي الاطلاق وجوب الخمس علي الذمي في كل شراء و لا دليل علي تقييده، فيجب عليه خمس مجموع الارض في الشراء الاول بلا اشكال- كما ذكره في العروة- لكن الكلام في وجوبه عليه في الشراء الثاني فيما اذا دفع قيمة الخمس في الاول بدلا عن دفع العين فملك مجموعها فباعها ثم اشتراها، فهل عليه خمس المجموع او خمس اربعة اخماسها؟ من الواضح وجوب خمس المجموع عليه لأنه اشتري (في الشراء الثاني) مجموع الارض لا اربعة اخماسها فقط. و علي هذا فالصحيح ان يعلّق علي ما ذكره في العروة هكذا: «الّا اذا ادّي الخمس من قيمتها ففي هذه الصورة يجب دفع خمس مجموع الارض ثانيا». هذا كله فيما اذا لم يكن المشتري شيعيا، و اما اذا كان كذلك فقد ملك الارض لمجموعها بشرائها من الذمي و ذلك لشمول ادلة التحليل للمقام فانه اشتراها ممن لا يعتقد الخمس، فاذا باعها من الذمي وجب عليه (اعني الذمي) خمس المجموع سواء ادفعه قبل بيعها من الشيعي من قيمتها أم لا.

الخامسة: إذا اشتري الأرض من المسلم ثم أسلم بعد الشراء

قال في العروة:

«لم يسقط الخمس منه»

و وافقه كثير من المحشين، و لكن حكي في المدارك عن المحقق في المعتبر في كتاب الزكاة و العلامة في جملة من كتبه من ان الزكاة تسقط عن الكافر بالاسلام و ان كان النصاب موجودا لقوله عليه السّلام:

«الإسلام يجب عما قبله» «1» ثم اورد عليه بانه يجب التوقف في هذا الحكم

لضعف الرواية المتضمنة للسقوط سندا و متنا، ثم استدل بما ورد في الاخبار الصحيحة من عدم سقوط الزكاة عن المخالف اذا استبصر «2»، و بقاعدة

______________________________

(1)- عوالي اللئالي، المجلد 2، الصفحة 54 و بحار الأنوار، المجلد 6، الصفحة 23.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 1، الصفحة 97، الباب 31 من ابواب مقدمة العبادات.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 273

الاشتغال، و بان لازمه عدم وجوب الزكاة علي الكافر لامتناع ادائها حال الكفر و سقوطها بالاسلام. انتهي «1».

و في مفتاح الكرامة في كتاب الزكاة «2» حكي القول بسقوط الزكاة بالاسلام عن المفيد في كتاب الاشراف، و الشيخ و ابن ادريس و ابن حمزة و سائر المتأخرين عنهم ثم قال «و ما وجدنا من خالف او توقف قبل صاحب المدارك و صاحب الذخيرة» ثم ذكر كلام المدارك ثم قال: «ان الخبر منجبر بالشهرة في سنده و كذا دلالته بل بالإجماع … و قياسه علي المخالف قياس مع الفارق».

اقول: الظاهر انه لا فرق بين الزكاة و الخمس من هذه الجهة، و انه لا ينبغي الاشكال في سقوطه عن الكافر أيضا لما حققناه في محله من ان سند الحديث منجبر بالشهرة المحققة بل دلالته أيضا تامة لعمومه او اطلاقه، بل صرح في مصباح الفقاهة في كتاب الزكاة بعد حكاية تسالم الاصحاب علي العمل بها: «ان مثل الزكاة و الخمس و الكفارات و اشباهها من الحقوق الثابتة في الإسلام بمنزلة القدر المتيقن منها».

و العجب من صاحب العروة حيث صرح في كتاب الزكاة في المسألة 17 من اصل الوجوب بانه: «لو اسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه و ان كانت العين موجودة فان الإسلام يجب ما قبله و وافقه

المحشون فيما رأينا نعم اشكل بعضهم في هذا الحكم عند وجود العين، و نطالبهم بالدليل علي الفرق بين المقامين. و القول بان محل الكلام ليس من الخمس الواجب علي كل احد بل علي خصوص الذمي فهذا لا يسقط بالاسلام ممنوع جدا بعد

______________________________

(1)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 42.

(2)- مفتاح الكرامة، المجلد 3، الصفحة 30.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 274

اطلاق الدليل، بل الحكم بسقوط هذا القسم اولي فانه اذا سقط ما هو مشترك بين الإسلام و الكفر فسقوط ما يختص بحال الكفر اولي و انسب».

و علي كل حال الدليل علي المقصود مضافا الي اطلاق حديث الجب المنجبر ضعفه بعمل الاصحاب، جريان السيرة القطعية من النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الائمة- عليهم السلام- القائمين مقامه من عدم مطالبة من دخل في الإسلام باداء الزكوات و الاخماس الماضية مع ان كثيرا من اعيانها كانت موجودة بل عند اسلام الذميين مع وجود بعض الاراضي المشتراة من المسلمين في ايديهم.

اما قياس المسألة علي المخالف فقد عرفت انه قياس مع الفارق، و كذا تمسك المدارك بقاعدة الاشتغال بعد قيام الدليل علي البراءة فاسد.

و اما امتناع ادائها علي الكافر لعدم صحته منه حال كفره و سقوطه عنه بالاسلام، فيرد عليه ان فائدة وجوبها عليه حال الكفر بعنوان حكم وضعي متعلق بامواله، امكان اخذه منه من ناحية الحاكم الشرعي علي ان اشكال يجري حتي في قضاء عباداته لعدم تأتي قصد القربة منه، فما اجيب به هناك نجيب به هنا و حاصله حصول فائدة التكليف و عدم لغويته بترتب آثار عليه من قبيل صحة العقاب فتأمل.

و علي كل حال لا ينبغي الاشكال في اصل المسألة، و

اوضح حالا منه ما لو كانت المعاملة مما يتوقف الملك فيه علي القبض (كما سيأتي) فاسلم بعد العقد و قبل القبض، فان المفروض عدم حصول الملك بالاشتراء حتي يجب عليه الخمس كما هو واضح.

انما الكلام في انه كيف يتصور اشتراط القبض هنا و ذلك يمكن من وجوه:

منها: ان يكون المسلم قد وهب الذمي الارض هبة معوضة او غير

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 275

معوضة، و المعروف في الهبة اشتراط القبض في حصول الملكية فقبله لا يكون ملكا له حتي يجب الخمس فيه، و المفروض حصولها في حال الإسلام (و لكن قد عرفت الاشكال في تملك الارض بغير الشراء).

منها: ان يكون اشتراء الارض بعنوان السلم- كما في بعض كلمات مستند العروة- «1» و لكن الذي يظهر من المحقق و صاحب الجواهر و المسالك و غيرهم عدم جوازه عندنا حيث اطلقوا عدم جواز الاسلاف في العقار و الارضين و لم ينقلوا فيه مخالفا. «2»

و لعله لاشتراط كونه في مبيع كلي قابل للتوصيف، و من المستبعد جدا امكان توصيف ارض كلي بصورة واضحة لاختلاف القيم تبعا لاختلاف الامكنة.

مضافا الي ان ظاهر دليل وجوب الخمس هنا انما هو اشتراء الارض الشخصي لا ارض كلي بعنوان السلف، نعم بعد تعينها في ارض شخصي لا يبعد صدق تملك الارض بالشراء.

و منها: ان تكون الارض ثمنا في السلف لعين اخري كما اذا باع الذمي ثيابا سلفا بارض حاضرة و قبل قبض الثمن و هو الارض قد اسلم و بعد الإسلام قبض و تملك الارض، و لكن الانصاف انه غير مفاد رواية ابي عبيدة الحذاء فان مفادها تملكها مثمنا لا ثمنا، اللهم الا ان يقال: بالغاء الخصوصية فتأمل. فتلخص انا

لم نجد مثالا صحيحا لما ذكره في العروة خاليا عن المناقشة، و لو سلم فلا اشكال في سقوط الخمس عنه لعدم تحقق الملكية في حال الكفر فانها متوقفة علي القبض و المفروض ان الذمي لم يقبض الارض

______________________________

(1)- راجع مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 190.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 24، الصفحة 283.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 276

الا بعد اسلامه.

هذا كله علي القول بتعلق الخمس بالعين، اما لو قلنا بتعلقه بعوائدها فهو أيضا كذلك اعني اذا اسلم لم يجب عليه الا زكاة واحدة و لو كان العين موجودة بل الامر اوضح هنا لعدم الحاجة الي قاعدة الجب بعد تبدل العنوان فان الزكاة المضاعفة واجبة علي الذمي و هو الان مسلم (و الحمد لله علي كل حال).

السادسة: إذا تملك الذمي الأرض من ذمي آخر

(او من كافر غير ذمي) لعقد مشروط بالقبض- كالأمثلة السابقة علي اشكالاتها- فاسلم الكافر الثاني قبل القبض و الاقباض، و حينئذ يصدق انتقال الارض الي الاول عند اسلام البائع فهل يجب علي الذمي الخمس؟ قال في العروة: «فيه و جهان: اقواهما الثبوت» و اشكل عليه جماعة من المحشين.

و قال في مصباح الفقيه: «انه لا يخلو عن نظر لخروجه عن منصرف النص». «1»

لكن قال صاحب الجواهر بان: «الاقوي فيه الخمس». «2»

اقول: ما ذكره في مصباح الفقيه من احتمال الانصراف او قوته كما يظهر من الجواهر حسن جيد، فيشكل جعل الخمس عليه حينئذ و الاصل عدمه.

السابعة: إذا شرط البائع المسلم علي الذمي أن يبيعها بعد الشراء لمسلم

، فهل يسقط الخمس منه او لا؟

الظاهر عدم سقوطه لان الملك قد حصل له بل و قد استقر، غاية الامر ان هذا الشرط قد جعله في معرض الزوال (لا انه ملك متزلزل).

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 134.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 67.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 277

و حينئذ يمكن ان يقال بانصراف النص عنه و ظهوره في ملك ليس كذلك لا سيما اذا كانت السلطة علي املاك المسلمين علة للحكم، و لكن الانصراف ممنوع و السلطة انما هي بمنزلة الحكمة لو قلنا بها لا العلة التي يدور مدارها الحكم.

ثم ان هذا الشرط من الشرائط الصحيحة لعدم مخالفتها للشرع و لا لمقتضي العقد و لا لغير ذلك من الشرائط المعتبرة في الشروط. نعم هو مخالف لإطلاق العقد و ذلك جائز بلا اشكال كما هو الشأن في كل شرط هذا و قد ذهب بعض الي بطلان ما لو اشترط البائع علي المشتري ان يبيعه منه ثانيا و ذلك لوجود روايات خاصة لا لمخالفته لمقتضي القاعدة.

الثامنة: اذا اشتري المسلم من الذمي أرضا ثم فسخ البيع بإقالة أو خيار

، قال في العروة:

في ثبوت الخمس فيه وجه ثم جعل الاقوي خلافه.

قلت: وجه الخمس انه انتقل الي الذمي الارض من المسلم لان المفروض انها صارت للمسلم ثم رجعت الي ملك الذمي، فلو قلنا بثبوت الخمس في كل انتقال فهذا من مصاديقه.

و لكن قد عرفت انه لم يثبت الخمس في جميع الانتقالات، سلمنا و لكن لا يصدق عليه الانتقال اليه من مسلم بعد ان كان الفسخ بالخيار او الاقالة هو ابطال المعاوضة السابقة لا معاوضة جديدة فيرجع الملك الي ما كان من قبل كما هو ظاهر.

التاسعة: من بحكم المسلم من أطفال المسلمين و مجانينهم فهو بحكم المسلمين

، فلو اشتري الذمي الارض المملوكة من طفل من اطفال المسلمين باذن وليه وجب عليه الخمس، لجريان جميع احكام المسلمين علي اولادهم في طيات كتب الفقه، و كذا الحكم في عكسه بان اشتري الذمي لولده مثلا ارضا من مسلم فانه داخل في مورد الرواية (بناء علي تعلق الخمس

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 278

بغير البالغين و لكنه محل للكلام) و كان الاولي لصاحب العروة ذكره أيضا كما ذكره صاحب الجواهر- قدس سره-. «1»

المسألة العاشرة: إذا بيع خمس الأرض التي اشتراها الذمي عليه أو علي ذمي آخر

وجب الخمس في ذلك الخمس و كذلك الي أية مرحلة انتهي اليها البيع، هذا اذا كان بعد اداء الخمس الي اربابه او الي الحاكم الشرعي و لو بتخلية اليد لتحقق ملك المسلم لها، اما اذا كان قبل الاداء فان قلنا بتعلق الخمس بالعين علي نحو الاشاعة او الكلي في المعين فالامر أيضا واضح، اما اذا قلنا بعدم ذلك و انه حق مالي يتعلق بالعين فاذا بيع عليه يشكل تعلق الخمس بذلك الخمس، لعدم صدق الاشتراء بالنسبة الي الارض بل بالنسبة الي الحق المتعلق به فتأمل جيدا.

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 69.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 279

7- مما يتعلق به الخمس أرباح المكاسب

اشارة

هذا القسم اوسع نطاقا من جميع موارد الخمس، و عليه يدور رحي كثير من الخدمات الدينية و الحوزات العلمية و امر الحكومة، و هو سبب لتنمية هذه الامور و ستعرف انه من مختصات الشيعة لم يقل به احد من فقهاء العامة، و صار هذا سببا لاتّكالهم في مصارف النشاطات الدينية علي الحكومات الظالمة و الحركة علي وفق مراداتهم و التسليم لأوامرهم و نواهيهم من دون اي استقلال في هذه الامور.

اما شيعة اهل البيت- عليهم السلام- فببركة ارشاداتهم و في ضوء هداهم، استغنوا بسبب هذا الحكم عن قرع باب الظالمين و الحاجة اليهم في امورهم الدينية.

و علي كل حال هنا مقامات ثلاثة:

اشارة

1- اصل وجوب الخمس في الارباح.

2- استثناء المئونة و فروعاتها.

3- مصرفها في حال الحضور و الغيبة و انه هل ثبت تحليلهم له مطلقا او في خصوص زمن الغيبة.

اما الثالث فالكلام فيه موكول الي آخر مباحث الخمس في الفصل الاخر

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 280

من هذا الكتاب اي فصل قسمة الخمس.

و أما الأول: فحاصل الكلام فيه أن وجوب الخمس في هذا القسم من المشهورات

بل ادعي الاجماع فيه و تواتر الاخبار به.

قال الشيخ- قدس سره- في الخلاف في المسألة 138 من كتاب الزكاة:

«يجب الخمس في جميع المستفاد من ارباح التجارات و الغلات و الثمار علي اختلاف اجناسها بعد اخراج حقوقها و مؤنتها و اخراج مؤنة الرجل لنفسه و مؤنة عياله سنة و لم يوافقنا علي ذلك احد من الفقهاء.

دليلنا: اجماع الفرقة و اخبارهم و طريقة الاحتياط تقتضي ذلك».

و حكي في الجواهر عن الغنية و التذكرة و المنتهي و ظاهر الانتصار و السرائر الاجماع عليه … ثم قال: «و هو الذي استقر عليه المذهب و العمل في زماننا هذا بل و غيره من الازمنة السابقة التي يمكن دعوي اتصالها بزمان اهل العصمة- عليهم السلام-». «1»

هذا و لكن المحقق في المعتبر بعد نسبة القول بذلك الي كثير من الاصحاب قال: «و قال ابن ابي عقيل و قد قيل الخمس في الاموال كلها …

لان ذلك افادة من الله و غنيمة». و قال ابن الجنيد فاما ما استفيد من ميراث او كد بدن او صلة اخ او ربح تجارة او نحو ذلك فالاحوط اخراج خمسه لاختلاف الرواية في ذلك و لو لم يخرجه الانسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها». «2»

و ظاهر تعبير الاول ب «قيل» و تعبير الثاني بالاحوط لا سيما مع تصريحه في آخر كلامه

بعدم كون تاركه مثل تارك الزكاة التردد في وجوب الخمس

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 45.

(2)- المعتبر، المجلد 2، الصفحة 628.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 281

في هذا القسم، فهل ترددهم كان من جهة اصل وجوبه او من جهة العفو عنه و تحليله، و علي كل حال لا يظهر منهم المخالفة بل الترديد في المسألة، و لو فرض مخالفتهم في ذلك فلا يبعد انعقاد الاجماع علي خلافهم كما عن الشهيد في البيان قال: «و ظاهر ابن الجنيد و ابن ابي عقيل العفو عن هذا النوع و انه لا خمس فيه و الاكثر علي وجوبه لانعقاد الاجماع عليه في الازمنة السابقة لزمانهما و اشتهار الروايات فيه». «1»

*** و الذي يدل علي ثبوت الحكم فيه قبل كل شي ء هو آية الخمس، و قد مر ان الغنيمة تعم جميع المنافع و لا يختص بغنائم دار الحرب، و ورودها في مورد آيات الجهاد لا يوجب تخصيصها بهذه الغنائم خاصة فكم من عام ورد في مورد خاص و كم من قانون كلي انطبق علي مصداق جزئي.

و ذلك لأمور:

1- قد اشرنا سابقا الي كلمات ارباب اللغة و المفسرين و موارد استعمال هذه الكلمة و ان الغنيمة عندهم هو «كل مال مظفور به من جهة العدي و غيره» (كما في المفردات).

«و الغنم الفوز بالشي ء، من غير مشقة» (كما في لسان العرب).

«و ان الاصل فيها هو افادة شي ء لم يملك من قبل» (كما في المقاييس).

«و ان الغنم و الغنيمة الفوز بالشي ء بلا مشقة» (كما في تاج العروس، و في شرح القاموس الي غير ذلك و مما ورد في هذا الباب و قد ورد في الكتاب العزيز: فَعِنْدَ اللّٰهِ مَغٰانِمُ كَثِيرَةٌ

«2»

______________________________

(1)- حكاه في الحدائق، المجلد 12، الصفحة 347.

(2)- سورة النساء، 94.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 282

و هو ليس بمعني غنائم الحرب كما هو واضح.

2- و قد ورد في احاديث رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلم:

غنيمة مجالس الذكر الجنة الجنة.

و الغنيمة من كل برّ.

اغتنموها و اطلبوا المغفرة. «1»

و اغتنمت الدعوة. «2»

3- و قد ورد استعمالها في احاديث ائمة المعصومين- عليهم السلام- في المعني الاعم الي ما شاء الله، ففي حديث لأمير المؤمنين عليه السّلام: «لقاء الاخوان مغنم». «3» و في حديث آخر له عليه السّلام: «اغتنموا الدعاء عند اربع: عند قراءة القرآن و عند الاذان و عند نزول الغيث و عند التقاء الصفين للشهادة». «4»

و يدل علي ذلك او يؤيده اطلاق الغنم علي الحيوان المعروف، فانه انما أطلق عليه ذلك لكثرة منافعه و الا لم يكن الغنم مما يغنمه العرب في حروبه حتي يقال: كثرة اخذه بعنوان الغنيمة صارت سببا لا طلاق هذا الاسم عليه.

قد وردت في كلمات مولانا امير المؤمنين عليه السّلام فيما حكي عنه في نهج البلاغة موارد كثيرة، منها: «الحمد لله … مانح كل غنيمة». «5»

و منها: «ان اللّه سبحانه جعل الطاعة غنيمة الاكياس». «6»

و منها: «من اخذ بها (شرايع الدين) لحق و غنم». «7»

______________________________

(1)- مسند احمد، المجلد 5، الصفحة 454.

(2)- مسند احمد، المجلد 6، الصفحة 2 و 5.

(3)- اصول الكافي، المجلد 2، الصفحة 179.

(4)- اصول الكافي، المجلد 2، الصفحة 477.

(5)- نهج البلاغة، خطبة 83.

(6)- نهج البلاغة، قصار الحكم، 331.

(7)- نهج البلاغة، خطبة 120.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 283

و منها: «لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم». «1»

و منها: «اغتنم المهل و

بادر الاجل و تزود من العمل». «2»

و قد ورد التصريح بعمومية معني الغنيمة في خصوص الآية الشريفة أيضا روايات.

منها: ما رواه علي بن مهزيار في حديث طويل له عن ابي جعفر عليه السّلام و فيه: «فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام قال الله تعالي:

و اعلموا انما غنمتم من شي ء … و الغنائم و الفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة من الانسان للإنسان التي لها خطر … ». «3»

و منها: ما ورد في رواية حيكم موذن بني عيس من ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«قلت له: و اعلموا انما غنمتم من شي ء فان للّه خمسه و للرّسول قال هي و اللّه الافادة يوما بيوم الا ان ابي جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا». «4»

و منها: ما رواه في الفقه الرضوي بعد ذكر الآية «و كل ما افاده الناس فهو غنيمة».

و منها: قوله عليه السّلام «ليس الخمس الا في الغنائم» «5» الي غير ذلك.

و من ذلك كله تعرف النظر في ما في المدارك و قد حكي متابعة صاحب الذخيرة له فيه من الاشكال في دلالة الآية، و ان المتبادر من الغنيمة

______________________________

(1)- نهج البلاغة، كتاب 53.

(2)- نهج البلاغة، خطبة 76.

و من الواضح ان حمل كل هذه الاستعمالات علي المجاز بعيد جدّا فلا أقلّ من كونها مؤيّدة لما نقلناه عن كتب اللغة.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(4)- وسائل الشيعة، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 8.

(5)- نفس المصدر، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 284

الواقعة فيها غنيمة

دار الحرب كما يدل عليه سوق الآيات.

و فيه ما عرفت من الشواهد الكثيرة و الروايات المعتبرة الدالة علي انها استعملت في المعني الاعم الموافق لمعناه في اللغة و استعمالات اهل العرف.

اما كونها في سياق ايات الحرب فغير قادح، لعدم كون المورد مخصصا للحكم الوارد عليه.

الثاني: الروايات الكثيرة التي ادعي تواترها فيها روايات صحيحة كثيرة و غيرها نذكر شطرا منها.

1- موثقة سماعة قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الخمس فقال: في كل ما افاد الناس من قليل او كثير». «1»

2- ما رواه عبد الله بن سنان قال: «قال ابو عبد الله عليه السّلام: علي كل امرئ غنم او اكتسب الخمس مما اصاب لفاطمة عليها السلام و لمن يلي امرها من بعدها من ذريتها الحجج علي الناس». الحديث. «2»

3- ما رواه علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن الاشعري قال: «كتب بعض اصحابنا الي ابي جعفر الثاني عليه السّلام اخبرني عن الخمس اعلي جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و علي الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطه الخمس بعد المئونة». «3»

4- ما رواه علي بن مهزيار أيضا عن علي بن محمد النيشابوري: «انه سأل ابا الحسن الثالث عليه السّلام عن رجل اصاب من ضيعته من الحنطة مأئة كرما يزكي فاخذ منه العشر عشرة اكرار و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا و بقي

______________________________

(1)- نفس المصدر، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(2)- نفس المصدر، الحديث 8.

(3)- وسائل الشيعة، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 285

في يده ستون كراما لذي يجب لك من ذلك؟ و هل

يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟ فوقع لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته». «1»

5- ما رواه علي بن مهزيار أيضا قال: «قال لي ابو علي بن راشد قلت له امرتني بالقيام بامرك و اخذ حقك فاعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم و ايّ شي ء حقه فلم ادر ما اجيبه؟ فقال يجب عليهم الخمس. فقلت ففي اي شي ء؟ فقال في امتعتهم و صنائعهم. قلت و التاجر عليه و الصّانع بيده؟ فقال:

اذا امكنهم بعد مؤنتهم». «2»

6- ما رواه علي بن مهزيار أيضا قال: «كتب اليه ابو جعفر عليه السّلام و قرأت انا كتابه اليه في طريق مكة قال: … فالغنائم و الفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة من الانسان للإنسان التي لها خطر و الميراث الذي لا يحتسب من غير اب و لا ابن و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب و ما صار الي موالي من اموال الخرمية الفسقة الحديث». «3»

الي غير ذلك مما رواه في الباب الثامن من الوسائل فقد انهاها الي عشر روايات، مضافا الي روايات كثيرة وردت في الباب الرابع من ابواب الانفال الدالة علي تحليل التجارات و الزراعات و غيرها (تحليلا في برهة خاصة من الزمان) يدل بدلالته الالتزامية علي وجوب الخمس في هذه الامور، و بعض ما ورد في الباب الثالث منه أيضا، و لعل المجموع يبلغ حد التواتر الذي ادعاه بعضهم.

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 2.

(2)- نفس المصدر، الحديث 3.

(3)- نفس المصدر، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 286

و من هنا تعرف انه لا تنحصر الرواية فيما رواه علي بن مهزيار، حتي

يقال انها راجعة الي خبر واحد و ان كان خبر الواحد الثقة أيضا حجة لا سيما بعد عمل الاصحاب علي وفقه.

كما ان الاشكال علي صحيحة علي بن مهزيار الاخيرة بانها متروكة الظاهر «1» او بان فيها احكام كثيرة مخالفة للمذهب «2» او ان في منتها انحاء الاضطراب المانع من الوثوق بصدوره، و لم يعتمد عليها اصحابنا من السلف و الخلف «3» او غير ذلك مما ذكروه، او ان الرواية في غاية الاشكال و نهاية الاعضال و اجوبة صاحب المعالم مع كونها تكلفات مدخولة كما ذكره الحدائق «4» الي غير ذلك.

لكن الانصاف امكان الذب عن جميعها، و قد اشار صاحب المعالم الي اربعة منها، و لكن يمكن انهائها الي ثمانية او سبعة:

احدها: ان قوله: «اوجبت … » مما لا يمكن المساعدة عليه، لان شأن الامام عليه السّلام حفظ الشريعة لا تشريع الاحكام و ايجاب الواجبات.

ثانيها: ان قوله: «فقط» الدال علي انحصار الايجاب لتلك السنة- و هي سنة 220 من الهجرة- ينافي ابدية الاحكام، فان الحلال حلال الي يوم القيامة و الحرام كذلك.

و يمكن دفع كلا الاشكالين بان هذا الحكم ليس من الاحكام الفتوائية الكلية، بل حكم جزئي ولائي، فان للإمام المعصوم عليه السّلام و الفقيه القائم مقامه مقامات مختلفة، مقام الفتوي و مقام القضاء و مقام الولاية، فبالاول يبين

______________________________

(1)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 383.

(2)- مجمع البرهان، المجلد 4، الصفحة 315.

(3)- محاضرات في فقه الامامية للسيد المحقق الميلاني، كتاب الخمس، الصفحة 93.

(4)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 359.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 287

الاحكام الكلية الشرعية و بالثاني يكون بصدد احقاق الحقوق و اجراء الحدود و بالثالث يكون في مقام ادارة شئون المجتمع

الاسلامي، و قد تكون للمجتمع مضايق توجب احكاما جزئية اجرائية في مقاطع خاصة مثل ما هو المعروف عن السيد السند الميرزا الشيرازي في تحريم تنباكو، و الظاهر ان ايجاب خمس الذهب و الفضة في سنة 220 علي شيعته يكون من هذا القبيل و ان كان بعض حكمته تطهيرهم عما قصروا فيه من امر الزكاة و غيره و لكن ظاهر الحديث انه بعض تفسير هذا الحكم لا تمام تفسيره، و الظاهر ان الامام الجواد عليه السّلام كان في تلك السنة جديد العهد ببغداد و كان ضعفاء شيعته في حرج شديد و كانوا محتاجين الي مصارف كثيرة، فلذا اوجب عليهم ذلك في تلك السنة لا في غيرها من السنوات.

و حيث اشتبه هذا الحكم الولائي بالاحكام الكلية علي كثير من الاعلام، زعموا ان ظاهر الحديث متروك مضطرب مخالف للمذهب (و تمام الكلام في ذلك في محله من بحث ولاية الفقيه و ان كان فيما ذكرنا من الاشارة غني و كفاية للمقام).

ثالثها و رابعها: انه كيف خص الذهب و الفضة اللتين قد حال عليهما الحول بهذا الحكم مع ان الحول شرط للزكاة لا الخمس فانه يتعلق بجميع الفوائد بمجرد حصولها، و ان كان الواجب موسعا نظرا الي مؤنة السنة فالحول ليس شرطا للوجوب فيه بل لأخذ مؤنة السنة، هذا مضافا الي ما في اختصاص الذهب و الفضة بالحكم مع ان حكم الخمس عام.

و الجواب عنهما أيضا ظاهر بعد ما عرفت انه حكم ولائي تابع لنظر الامام المعصوم عليه السّلام و الفقيه القائم مقامه، فقد رأي المصلحة لجعله علي شي ء خاص بشرط معين في زمن معلوم، و ليس حكما كليا الهيا لمسألة الخمس.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)،

ص: 288

و قد احتمل بعض ان هذا كان زكاة و ان كان بمقدار الخمس، فامر الامام عليه السّلام بأخذ الزكاة في تلك السنة بدل الواحد من الاربعين (25 في المائة) خمسا (20 في المائة) لتقصير شيعته في اداء الزكاة في السنين المتعددة و كان هذا مصالحة منه بالنسبة اليه (و علي هذا يكون في سلك الاحكام الفتوائية الثابتة لكل من قصر في الزكاة) و انما خص الذهب و الفضة بها لان الخلفاء كانوا يأخذون الزكاة عن الاموال الظاهرة من الزراعات و الانعام، و اما الاموال الباطنة كالذهب و الفضة لم تكن ظاهرة لهم فصار هذا سببا لتخفيفه عليه السلام في غيرهما، و جعل الاستشهاد بآية الزكاة في الرواية شاهدا عليه.

و يرد عليه ان تطهير الشيعة عن حقوقهم الواجبة كان من قبيل الحكمة، فان الحكم عام في حق الجميع مع ان التقصير لم يكن في جميعهم ظاهرا و كان بعضهم يؤدون زكاة اموالهم او كان تقصيرهم أقلّ من الخمس الذي يكون اكثر من الزكاة ثمان مرات.

هذا مضافا الي ان قوله عليه السّلام: «و لم اوجب ذلك عليهم في متاع و لا آنية و لا دواب و لا خدم و ربح تجارة وضيعة الا في ضيعة سأفسر لك امرها تخفيفا مني عن موالي» ينافي ذلك، لعدم جريان الزكاة في هذه الامور فاستثناؤها مما لا يحتاج الي الذكر.

و اما استشهاده عليه السّلام بآية الزكاة، فالظاهر انه لاشتراك الخمس و الزكاة في كونهما سببا لتطهير النفوس و تزكيتها (و كل منهما بدل عن الاخر فله اثره).

فالاولي حمل الخمس علي معناه المعروف و حمله علي الحكم الولائي كما ذكرنا لا الزكاة.

خامسها: ان ما ذكره عليه السّلام في تفسير الغنائم و

الفوائد الذي يشمل

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 289

ارباح التجارات ينافي ما افاده قبله من تخفيفه عليه السّلام فيها.

و الجواب عنه أيضا ظاهر بعد ما عرفت من ان هناك خمسين، خمس واجب عليه بعنوان حكم كلي في كل سنة، و خمس آخر في خصوص تلك السنة اوجبه عليهم لمصالح رآها و هو ولي المسلمين، و الاخير ناظر الي الثاني و الاول الي الاول.

سادسها: ايجاب الخمس علي الميراث ممن لا يحتسب و الجائزة مع انه خلاف ما ثبت من الادلة.

و الجواب عنه انه سيأتي ان شاء اللّه امكان القول بوجوب الخمس فيهما في خصوص من لا يحتسب من الميراث و الجائزة التي لها خطر.

سابعها: ايجاب الخمس علي «مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب» فان المجهول مالكه لا يملك فلا يجب فيه الخمس بل الواجب التصدق به علي الفقراء.

و يمكن الجواب عنه بان المذكور في بعض النسخ «يوجد» بدل «يؤخذ» فيمكن حمله علي اللقطة، و من المعلوم امكان تملكها بعد تعريفها سنة مع ضمانها لو وجد صاحبه، و حينئذ تدخل في عموم المنافع و الفوائد.

و اجيب بامكان حمله علي خصوص المال المحتمل كونه من المباحات الاصلية للفرق بين قوله «لا يعرف له صاحب» و «لا يعرف صاحبه» فالاول يحتمل عدم وجود صاحب له اصلا و لكن لا يخلو عن تكلف.

ثامنها: ما ورد في ذيل الصحيحة و هو وجوب نصف السدس في الضياع و الغلات في كل عام مع انه لا يوافق شيئا مما نعرفه من الاحكام في هذا الباب و لم يفت به احد.

و الجواب: كما اشار اليه غير واحد من المحققين هو ان هذا من باب

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال

(لمكارم)، ص: 290

التخفيف لشيعته و المراد من كل عام، جميع سنوات حياته عليه السّلام و يشهد لذلك مكاتبة ابراهيم بن محمد الهمداني اليه (الظاهر انه الامام الهادي) كتب:

«اقرأني عليّ (علي بن مهزيار) كتاب ابيك فيما اوجبه علي اصحاب الضياع انه اوجب عليهم نصف السدس بعد المئونة و انه ليس علي من لم يقم ضيعته بمئونته نصف السدس و لا غير ذلك فاختلف من قبلنا في ذلك. فقالوا: يجب علي الضياع الخمس بعد المئونة مؤنة الضيعة و خراجها لا مؤنة الرجل و عياله، فكتب و قرأه علي بن مهزيار عليه الخمس بعد مؤنته و مؤنة عياله و بعد خراج السلطان». «1»

فان ظاهرها رجوع حكم الامام الهادي عليه السّلام الي الخمس بعد ما كان حكم ابوه الامام الجواد عليه السّلام تخفيفا نصف السدس، و هذه المكاتبة مما يدل علي جواز تحليل امام عليه السّلام لبعض الازمنة، دون تحليل امام آخر عليه السّلام.

و لعل هذا التخفيف كان بملاحظة ما يغتاله السلطان منهم كما في صدر الرواية و كان ما يغتاله العشر و هو مع نصف السدس يقرب من الخمس (فان مجموعهما يكون 22 من 120 جزء بينما يكون الخمس 24 من 120 جزء).

فقد ظهر بعون الله ان الرواية سليمة عن الاشكالات قابلة للاستناد اليها في باب وجوب الخمس و ساير الابواب مما يستفاد منها حكم بالنسبة اليها.

*** و هاهنا اشكال معروف: حاصله انه كيف يكون خمس الارباح واجبا في الشريعة مع انه لم يعهد من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم اخذه و لا جعل من يجبيه كما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

أنوار الفقاهة - كتاب

الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 291

في جباية الزكاة و الخراج بل و كذلك في عهد الوصي امير المؤمنين عليه السّلام بل و الائمة المتقدمين و لم ينقل في تاريخ و لا رواية اخذهم لهذا القسم من الخمس، نعم اخذها الائمة المتأخرون- عليهم السلام- فكيف يكون هذا من الواجبات و الامر كذلك و كيف يمكن حل هذه المشكلة؟ و اجيب عنه بأمور:

1- انه كان ذلك من طريق اخفاء الظالمين، فكم من حكم جلي اخفوه و كم من حكم واضح غفلوا عنه باسباب شتي لا سيما بسبب تخلل عصر الامويين بيننا و بين عصر النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم، و قد ورد في صحيح ابي داود و سنن النسائي ان اكثر اهل الشام لم يكونوا يعرفون اعداد الفرائض «1» و ليس هذا عديم المثال فانه قد وقع الخلاف في المسائل العام البلوي بين الفريقين كمسائل الوضوء و بعض خصوصيات الصلاة و غيرها.

لكن الانصاف ان الاقتناع بذلك مشكل اذ لا ندري ما هو الداعي للظلمة و اصحابهم علي اخفاء امر خمس الارباح مع امكان انتفاعهم به فاللازم طلب جواب احسن منه.

2- لعل هذا الحكم كان من الاحكام الولائية التي تختلف باختلاف المقاطع و الازمنة بحسب ما يراه اولياء الامر من المصالح و الضرورات و لم يكن كالزكاة المفروضة بعنوان كلي، و لذا تري بعض الائمة- عليهم السلام- يحللونه و بعضهم يأخذونه، و للولي الفقيه النائب عنهم أيضا ذلك.

و فيه انه لا يناسب التعبيرات الكثيرة الواردة في اخبار الباب من تفسير الآية الشريفة به و انها شاملة لجميع الارباح كما مر ذكرها، بل و كذلك ما دل علي ان الخمس حق ثابت لهم بعنوان قانون كلي

الهي، و بالجملة روايات الباب و الآية الشريفة تابي عن هذا الحمل كما هو ظاهر.

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 197 ملخصا.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 292

3- انه فرق كثير بين الزكاة و الخمس، فان الاول ملك للفقراء و حق يصرف في مصالح المسلمين و هو صلي اللّه عليه و آله و سلم مأمور باخذها و جبايتها، و اما الخمس فهو حق له صلي اللّه عليه و آله و سلم و لأوصيائه- عليهم السلام- و من هنا لم يؤمر الا بتبليغه بل قد لا يناسب اخذه من طريق نصب الجباة لجلالة مقامهم و عظمة شأنهم. «1»

4- انه مبني علي تدريجية الاحكام و جواز تأخير التبليغ عن عصر التشريع بابداع بيانه من النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم الي الامام ليظهره في ظرفه المناسب له حسب المصالح الوقتية الباعثة علي ذلك، بل قد يكون بعض الامور مودعا عند المهدي عليه السّلام و هو مأمور بابلاغه. «2»

و الانصاف ان هذا أيضا تكلف واضح لا يروي الغليل و لا يشفي العليل فان الخمس أيضا لم يكن كالأملاك الشخصية لهم- عليهم السلام-. اما سهم السادة فامره واضح فانه بدل عن الزكاة المحرمة عليهم و لم يكن طلبه من الناس مخالفا لعلو مقام الائمة الهادين- عليهم السلام- بعد كونهم اولياء للسادة المحرومين، و اما سهم الامام عليه السّلام فانه أيضا يصرف في خدمة المجتمع الاسلامي في طريق تقوية الحكومة الاسلامية التي تعود فائدتها الي جميع آحاد الناس.

اقول: و يمكن ان يقال في توضيح ذلك و تشييد مبانيه:

اولا: انه لو لم ينحل هذه العويصة لم يضر باصل الحكم بعد قيام الاجماع و ظهور كتاب الله

و دلالة الروايات المتواترة الظاهرة في المقصود المعمول بها بين الاصحاب، فكم من عويصة في باب المصالح و المفاسد و كيفية تشريع الاحكام لم تنحل لنا لا بد من ارجاع امرها الي اهلها من دون ان

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 196.

(2)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 196.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 293

يكون ذلك سببا للشك في اصل الحكم بعد وضوح مداركه.

ثانيا: ان مسألة تشريع الخمس في الإسلام لها ادوار ثلاثة: دورة السكوت عنه و هو عصر النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الائمة المتقدمين كأمير المؤمنين عليه السّلام و الحسن و الحسين و زين العابدين- عليهم افضل صلوات المصلين-، فانه قل ما يري من بيان خمس الارباح في عصرهم عين و اثر.

و الدورة الثانية دورة الصادقين- عليهم السلام-، فانهما تكلما عن اصل حكمه و اكدا و اصرا عليه مع تصريحهما باباحتهما للشيعة اياه نظرا الي ظروفهم المعينة.

مثل ما رواه يونس بن يعقوب قال: «كنت عند ابي عبد الله عليه السّلام فدخل عليه رجل من القماطين، فقال: جعلت فداك تقع في ايدينا الاموال و الارباح و تجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون. فقال ابو عبد الله عليه السّلام: ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم». «1»

و ما رواه داود بن كثير عنه عليه السّلام أيضا قال: «سمعته يقول: الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا الّا انا اجللنا شيعتنا من ذلك». «2»

و ما رواه حكيم موذن بني عيس عنه عليه السّلام أيضا مع التصريح فيها بتحليل ابيه عليه السّلام قال: «قلت له: و اعلموا انما غنمتم من شي ء فان للّه خمسه و للرّسول؟ قال: هي

و اللّه الافادة يوما بيوم الا ان ابي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا». «3»

و ما رواه الحارث بن المغيرة النضري عنه أيضا قال: «قلت له: ان لنا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 6.

(2)- نفس المصدر، الحديث 7.

(3)- نفس المصدر، الحديث 8.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 294

اموالا من غلات و تجارات و نحو ذلك و قد علمت ان لك فيها حقا. قال:

فلم احللنا اذا لشيعتنا الا لتطيب ولادتهم و كل من والي آبائي فهو في حل مما في ايديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب». «1»

و ما رواه في رواية ابي سيار مسمع بن عبد الملك من كون خمس الارض و ما اخرج اللّه منه لهم (بل جميعها لهم من ناحية اخري) و انهم احلوا ذلك لشيعتهم فراجع. «2»

بل قد يشعر او يدل بعض روايات الباب اخذ الصادق عليه السّلام اياه من بعض الشيعة مثل ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: علي كل امرئ غنم او اكتسب الخمس مما اصاب لفاطمة- عليها السلام- و لمن يلي امرها من بعدها من ذريتها الحجج علي الناس فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا و حرم عليهم الصدقة حتي الخياط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق الّا من احللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة انه ليس من شي ء عند اللّه يوم القيامة اعظم من الزنا انه ليقوم صاحب الخمس فيقول يا رب سل هؤلاء بما ابيحوا». «3» بناء علي ان يكون «من» في قوله: «الا من احللناه من شيعتنا» للتبعيض (كما هو الظاهر) لا للبيان.

الدورة الثالثة دورة ابي الحسن الرضا عليه

السّلام و الائمة الهادين من بعده- عليهم السلام- و الظاهر انهم كانوا يأخذونه كما تدل عليه الروايات الكثيرة الواردة في الباب 3 من ابواب الانفال مثل ما رواه محمد بن زيد الطبري قال:

«كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي ابي الحسن الرضا عليه السّلام يسأله

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 9.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الأنفال، الحديث 12.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث 8.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 295

الاذن في الخمس؟ فكتب اليه: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ان اللّه واسع كريم ضمن علي العمل الثواب و علي الضيق اللهم لا يحل مال الا من وجه احله الله ان الخمس عوننا علي ديننا و علي عيالنا و علي موالينا (اموالنا) و ما نبذ له و نشتري من اعراضنا ممن نخاف سطوته فلا تزووه عنا و لا تحرموا انفسكم دعانا ما قدرتم عليه فان اخراجه مفتاح رزقكم و تمحيص ذنوبكم و ما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم و المسلم من يفي للّه بما عهد اليه و ليس المسلم من اجاب باللسان و خالف بالقلب و السلام». «1»

و ما رواه محمد بن زيد أيضا قال: «قدم قوم من خراسان علي ابي الحسن الرضا عليه السّلام فسألوه: ان يجعلهم في حلّ من الخمس. فقال: ما امحل هذا تمحضونا المودة بألسنتكم و تزوون عنا حقنا جعله اللّه لنا و جعلنا له و هو الخمس لا نجعل لأحد منكم في حل». «2»

و هما يدلان علي اخذ الرضا عليه السّلام الخمس منهم.

و ما رواه حسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة عن عمّه الحسين (في حديث) عن

صاحب الزمان عليه السّلام انه رآه و تحته عليه السّلام: «بغلة شهباء و هو متعمم بعمامة خضراء يري منه سواد عينيه و في رجله خفان حمراوان. فقال:

يا حسين كم ترزا علي الناحية و لم تمنع اصحابي عن خمس مالك. ثم قال:

اذا مضيت الي الموضع الذي تريده تدخله عفوا و كسبت ما كسبت تحمل خمسه الي مستحقه قال فقلت السمع و الطاعة ثم ذكر في آخره ان العمري اتاه و اخذ خمس ماله بعد ما اخبره بما كان». «3»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب الانفال، الحديث 2.

(2)- نفس المصدر، الحديث 3.

(3)- نفس المصدر، الحديث 8.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 296

و هذا يدل علي اخذ صاحب الزمان- ارواحنا فداه- الخمس.

و الروايات الواردة في الباب 8 مما يدل علي اخذ الامام الجواد و الامام الهادي- عليهما السلام- الخمس من الشيعة و هي كثيرة مرت الاشارة الي كثير منها فراجع نفس الباب.

اذا عرفت هذا فاعلم: ان المستفاد من هذه الاخبار هو تشريع خمس الارباح في زمن الرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم بصورة عامة ضمن ساير ما يجب فيه الخمس و تبليغه بصورة تدريجية في زمن الائمة المتأخرين- عليهم السلام- حسب ما كانوا يرونها من المصالح، و هذا الامر ليس بعزيز الوجود في الاحكام الشرعية فان الربا و الخمر لم يحرما من اول الامر مع كونهما محرمين في كل شريعة الهيّة. و اما عدم اخذ الخمس في زمن علي عليه السّلام فلعله لكثرة الخراج آنذاك بحيث كان هو العامل الرئيسي لدعم الحكومة الاسلامية طيلة سنوات عديدة كما يشهد علي ذلك هبات عثمان الكثيرة بحيث كانت تبلغ آلاف ألوف و كان

الامر كذلك الي زمن الصادقين- عليهما السلام- فاظهرا امر خمس الارباح لكنهما- عليهما السلام- لم يأخذاه من الشيعة لفقرهم او للضرائب الكثيرة التي كانت الحكومات الجائرة تأخذ منهم، و لذا قال عليه السّلام ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم ثم في عصر الرضا عليه السّلام و الائمة من بعده بدءوا باخذه حسب المصالح المقتضية له.

المقام الثاني: استثناء المئونة منها

قد اتفقت كلماتهم علي استثناء المئونة من هذا القسم، و المراد منها اجمالا هو مؤنة الرجل و عياله في طول السنة و الا استثناء مؤنة العمل فهو ثابت في جميع انواع الخمس.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 297

قال في المدارك: «مذهب الاصحاب ان الخمس انما يجب في الارباح اذا فضلت عن مؤنة السنة له و لعياله». «1»

و ادعي المحقق النراقي الاجماع المحقق عليه و حكاه أيضا عن السرائر و المعتبر و المنتهي و التذكرة و الذخيرة و غيرها. «2»

و قال المحقق الهمداني: «لا اشكال و لا خلاف في ان الخمس انما يجب في الارباح المذكورة بعد وضع المئونة- غير مؤنة التحصيل التي لا يختص استثنائها بهذا القسم». «3»

و كيف كان تدل عليه الاخبار الكثيرة الواردة في الباب 8 من ابواب ما يجب في الخمس، و قد مرت الاشارة اليها و بعضها مطلقة مثل ما رواه محمد بن الحسن الاشعري عن ابي جعفر الثاني عليه السّلام حيث قال: «الخمس بعد المئونة» «4» الدالة علي استثناء مطلق المئونة من مؤنة العمل و مؤنة الرجل.

و بعضها صريحة او ظاهرة في خصوص مؤنة الانسان نفسه حيث اضاف المئونة اليه، مثل ما رواه علي بن محمد بن شجاع النيشابوري عن ابي الحسن الثالث حيث كتب في جواب السؤال عن حكم الخمس فيما

يستفاد من الضيعة: «الخمس مما يفضل من مؤنته». «5»

و في رواية اخري لعلي بن راشد: «اذا امكنهم بعد مؤنتهم». «6»

و في رواية ابراهيم بن محمد الهمداني: «بعد مؤنته و مؤنة عياله و بعد

______________________________

(1)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 385.

(2)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 79.

(3)- مصباح الفقيه، الصفحة 130.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث 1.

(5)- نفس المصدر، الحديث 2.

(6)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 298

خراج السلطان». «1»

و يدل عليه أيضا ما رواه ابي نصر قال: «كتبت الي ابي جعفر عليه السّلام:

الخمس اخرجه قبل المئونة او بعد المئونة؟ فكتب: بعد المئونة». «2»

و ما رواه ابراهيم بن محمد الهمداني عن الرضا عليه السّلام ان في توقيعات الرضا عليه السّلام اليه: «ان الخمس بعد المئونة». «3»

و يدل عليه أيضا بعض فقرات الرواية المعروفة الطويلة لعلي بن مهزيار و قد مر ذكرها. «4»

و بها تقيد الاطلاقات الدالة علي وجوب الخمس في الارباح.

و لنا هنا دليل آخر علي ذلك و هو ان نفقة العمال كما انه مستثني من الربح، كذلك نفقة نفس التاجر و غيره ممن يتصدي للعمل فانه أيضا كالعامل من دون فرق.

و ان شئت قلت: ان من يتصدي لعمل يربح فيه مأئة درهم في يوم واحد و لكن يصرف هذا المائة في نفقة ذهابه الي محل العمل و ايابه و غذائه في ذاك اليوم، لا يقول ربحت اليوم مأئة درهم بل يقول ما ربحت في الحقيقة شيئا لأني انفقت كل ما ربحته في مصارفي.

و هكذا بالنسبة الي نفقات العيال و المسكن و غير

هما، لان الانسان لا يعيش بدون ذلك عادة و لا يقدر علي الاسترباح بدون بذل هذه النفقات فتخرج هذه عن نتيجة عمله، فان فضل شي ء كان ذلك ربحا في الواقع و الا لم يربح شيئا.

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 4.

(2)- نفس المصدر، الباب 12 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 299

و الحاصل: ان نفقات الرجل في الواقع من نفقات العمل و لا بد من كسرها حتي يصدق الربح و الغنيمة و غير ذلك عليه فتدبر جيدا.

بقي هنا شي ء: و هو ان المعروف المشهور تقييد المئونة بالسنة مع اعترافهم بان هذا القيد لم يرد في شي ء من روايات الباب، و قد صرح بكون المسألة اجماعية المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة «1» و صاحب المدارك فيما عرفت من كلامه. «2»

كما مر نقل كلام المحقق النراقي في تحصيله الاجماع المحقق علي هذا المعني، كنقل الاجماع عن جماعة من الاكابر.

هذا و قد وقع الاصحاب في تحصيل الدليل علي قيد السنة مع عدم وروده في شي ء من احاديث الباب في حيص بيص و لكن يمكن الاستدلال له بامور كثيرة:

1- صحيحة علي بن مهزيار الطويلة فقد صرح بتقييد الخمس بالعام في اربع مواضع منها، و هو قوله عليه السّلام: «ان الذي اوجبت في سنتي هذه» و قوله عليه السّلام: «و انما اوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب و الفضه … » و قوله عليه السّلام: «فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم

في كل عام» و قوله عليه السّلام: «فاما الذي اوجبت من الضياع و الغلات في كل عام … ».

و هذا التقييد و ان ورد في ايجاب الخمس المتعارف او الخمس الخاص الذي اوجبه في تلك السنة او خصوص نصف السدس (بناء علي ما عرفت من انه تخفيف في الخمس) الا انه يدل علي ان محاسبة خمس الارباح انما هي بالنسبة الي كل سنة، فاذا جمع بينهما و بين ما دل علي استثناء المئونة (في هذه

______________________________

(1)- مجمع الفائدة و البرهان، المجلد 4، الصفحة 317.

(2)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 385.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 300

الرواية و في ساير روايات الباب) يدل علي ان المدار هو مؤنة السنة كما هو ظاهر.

و العجب من بعض من اتعب نفسه في ان قوله: «كل عام» قيد للجعل لا المجعول (اي قيد لنفس وجوب الخمس لا قيد للفائدة) فلا يدل علي المطلوب.

مع انه لا اثر له في المقصود اصلا لدلالته- علي كل حال- علي محاسبة خمس الارباح في كل سنة فكان يجب عليهم محاسبتها كذلك و بذل الخمس منها و لكنه عليه السّلام جعل في تلك السنة بالخصوص خمسا آخر عليهم فهذا كله تدل علي مفروغية محاسبة هذا النوع من الخمس في كل سنة، فالمئونة المستثناة منها لا تكون الا للسنة.

2- سيرة العرف و العقلاء في المسألة، فانها قد جرت علي محاسبة اباحتهم و نفقاتهم في كل سنة و لعل ذلك كان من قديم الايام فانهم كانوا يدخرون الاقوات من سنة الي سنة لعدم توفيرها في كل فصل من فصول السنة، و دورانها مدار السنة، و كانوا يحاسبون الجدب و الخصب بحسب مجموع السنة، كما ورد في

قصة يوسف و ملك مصر في القرآن الكريم و انما ادخروا الاقوات لأكثر من سنة لما عرضهم من ظروف خاصة، و هو كذلك اليوم في محاسبة مصارف الحكومات و الشركات و غيرها، فان برامجهم و نفقاتهم و ارباحهم كلها تدور مدار السنة كما هو ظاهر و قد امضاه الشرع بسكوته و عدم الردع عنه.

بل قد يدعي جريان سيرة المتشرعة بما هم اهل الشرع علي محاسبة مؤنة السنة و استثنائها من قديم الايام الي يومنا هذا، و لكن لا يبعد رجوع السيرتين الي امر واحد.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 301

3- ملاحظة حال ارباح الزراعات، فانها غالبا تكون في كل سنة مرة واحدة فهكذا تكون المئونة المستثناة منها بالنسبة اليها، فاذا كانت الفوائد و المؤنات تلاحظان هنا في كل سنة سنة فكذلك غيرها من الارباح لعدم الفصل بين الضياع و غيرها في هذا الحكم قطعا (اشار اليه المحقق البروجردي قدس اللّه سره في ما حكي عنه في زبدة المقال). «1»

4- لا شك ان الخمس و الزكاة من باب واحد، و ان الاول بدل عن الثاني حيث ان بني هاشم لما حرموا من الصدقات عوض اللّه لهم الخمس، و قد ورد في روايات الزكاة ان المئونة التي يجوز للفقير اخذها هي مؤنة السنة و ان مدار الفقر و الغني عليها.

فقد ورد في رواية يونس بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه: «تحرم الزكاة علي من عنده قوت السنة و تجب الفطرة علي من عنده قوت السنة» «2»

و في رواية علي بن اسماعيل عن ابي الحسن عليه السّلام: «يأخذ- اي الفقير- و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة لأنها انما هي

من سنة الي سنة». «3»

و قد اشير اليه في الرواية الاولي من ذاك الباب بعينه.

و قد ورد التصريح به أيضا في مرسلة حماد عن العبد الصالح عليه السّلام حيث قال في كيفية تقسيم الزكاة: «يقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير». «4»

و هذا كله دليل علي استمرار سيرتهم- عليهم السلام- و سيرة اصحابهم علي محاسبة المئونة بحسب السنة فاطلاقها في المقام أيضا ينصرف الي ذاك كما لا

______________________________

(1)- راجع زبدة المقال في خمس الرّسول و الآل (ص)، الصفحة 90.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 10.

(3)- نفس المصدر، الحديث 7.

(4)- نفس المصدر، الباب 28 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 302

يخفي.

هذا كله مضافا الي ما عرفت من تسالم الاصحاب عليه و اجماعهم في المسألة و هو و ان كان مدركيا الي انه مؤيد قوي للمطلوب.

ثم ان المراد من السنة هل هي السنة الهلالية او الشمسية؟ لا ينبغي الشك في انصراف اطلاقات كلمات الاصحاب الي خصوص الهلالية، و لكن الانصاف جواز الاخذ بكل منهما لما عرفت من ان تقييد المئونة بالسنة لم يرد في شي ء من روايات الباب و المدار علي ما جرت عليه سيرة العقلاء و اهل العرف في المقام و من الواضح ان مدار كثير منهم علي السنة الشمسية، بل من الواضح ان امر الزراعات كلها تدور علي هذا المعني.

و الحاصل انه لا دليل علي تقييد السنة بالهلالية مع اقتضاء بعض ما عرفت من الادلة علي كفاية الشمسية من استقرار سيرة العرف و العقلاء في كثير من البلاد و كذا ما عرفت من امر

الزراعات، فالحق كفاية كل واحد منهما.

اما شرح المئونة و خصوصياتها فسيأتي في المسائل الآتية إن شاء اللّه. «1»

*** المقام الثالث: في المراد من الأرباح

و هل هي ما يحصل بالتكسب من انواع المكاسب او يشمل كل فائدة يستفيده الانسان و لو لم تكن بالتكسب؟ المتيقن من كلماتهم هو الاول و لكن المستفاد من تعبيرات غير واحد منهم كونها اعم، فعلي الاول تشمل جميع الصناعات و الزراعات و الاجارات و حيازة المباحات و اجرة العمال و الموظفين في جميع انواع الاعمال بل و اجرة العبادات الاستيجارية، فانها باجمعها داخلة في التكسب

______________________________

(1)- في المسألة 61 و ما بعدها من المسائل التي ذكرها في العروة.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 303

و الاسترباح التي هي القدر التيقن من الادلة دون غيرها.

و اما علي الثاني فيشمل ما يحصل بغير التكسب من انواع الفوائد كالهبة و الهدية و الجائزة و المال الموصي به و نحو ذلك من حاصل الوقف الخاص و المنذور بل الميراث أيضا.

و قد اختلفت كلماتهم فيها فقال شيخ الطائفة في الخلاف في المسألة 138 من كتاب الزكاة: «يجب الخمس في جميع المستفاد من ارباح التجارات و الغلات و الثمار علي اختلاف اجناسها … الي ان قال: دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم».

و ظاهره خصوص ارباح المكاسب بل عن السرائر: التصريح بالعدم في غيرها قال فيما حكي عنه: «يجب الخمس في ارباح التجارات و المكاسب و فيما يفضل من الغلات و الزراعات علي اختلاف اجناسها … و قال بعض اصحابنا ان الميراث و الهدية و الهبة فيه الخمس ذكر ذلك ابو الصلاح الحلبي في كتاب الكافي الذي صنفه و لم يذكره احد من اصحابنا الا المشار اليه و لو كان صحيحا لنقل نقل

امثاله متواترا و الاصل براءة الذمة». (انتهي).

و صريحه عدم عمومية الحكم و لكن عن الغنية وجوب الخمس في الفاضل عن مؤنة الحول من كل مستفاد بتجارة او صناعة او زراعة او غير ذلك من وجوه الاستفادة اي وجه كان بدليل الاجماع المشار اليه و طريقة الاحتياط.

بل و هو ظاهر كل من استدل باية الغنيمة و فسرها بمطلق الفائدة، فانه يدل علي عموم الحكم في المقام فلو كان مقيدا بارباح المكاسب بخصوصها كان عليهم اقامة الدليل علي التخصيص، و هذا من اظهر ما يدل علي عموم الحكم عندهم.

و علي كل حال لا تخلو كلمات الاصحاب في المقام عن ابهام و ان

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 304

مرادهم من الارباح مطلق الفوائد او خصوص ارباح المكاسب و شبهها، فهم بين ساكت عن التصريح بالشمول و عدمه و بين مصرح بالعدم و بين من يظهر منه العموم، بل يشكل تعيين المشهور عن غير المشهور في المقام فالاولي صرف عنان البحث الي الادلة فنقول و منه جل ثنائه نستمد التوفيق و الهداية يدل علي عموم الحكم امور:

1- الآية الشريفة فقد عرفت تفسير الغنيمة فيها في اللغة و العرف بكل فائدة لا خصوص ارباح المكاسب، سواء من فسره بانها افادة شي ء لم يملكه من قبل (كما في المقاييس) او كل مال مظفور به (كما في المفردات) او فسر بالفوز بالشي ء من غير مشقة (كما في لسان العرب و تاج العروس) لما قد ذكرنا في محله من ان عدم المشقة لو فرض اخذه في مفهوم الغنيمة فهو غير معتبر فيها باجماع الاصحاب، فمفهوم الآية عام شامل لجميع المنافع سواء كانت من ناحية ارباح المكاسب أم غيرها.

اصف اليه روايات

كثيرة متضافرة تدل علي العموم أيضا و هي:

1- موثقة سماعة قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الخمس. فقال:

في كل ما افاد الناس من قليل او كثير». «1» (6/ 8) من ابواب ما يجب فيه الخمس.

2- صحيحة علي بن مهزيار قال: «كتب اليه ابو جعفر عليه السّلام و قرأت انا كتابه اليه في طريق مكة قال: … فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة من الانسان للإنسان التي لها خطر و الميراث الذي لا يحتسب من غير اب و لا ابن و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث 6.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 305

و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب». الحديث. «1» (5/ 8).

3- ما رواه ابو بصير (10/ 8) عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كتبت اليه في الرجل يهدي اليه مولاه و المنقطع اليه هدية تبلغ ألفي درهم او أقلّ او اكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السّلام الخمس في ذلك و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال انما يبيع منه الشي ء بمائة درهم او خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكتب اما ما اكل فلا و اما البيع فنعم هو كسائر الضياع». «2»

4- ما رواه احمد بن محمد بن عيسي (7/ 8) عن (بن) يزيد قال: «كتبت جعلت لك الفداء تعلّمني ما الفائدة و ما حدّها؟ رأيك ابقاك اللّه ان تمن عليّ ببيان ذلك لكي لا اكون مقيما علي حرام لا صلاة لي و لا صوم. فكتب:

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 5.

(2)- نفس

المصدر، الحديث 10. و في طريقه احمد بن هلال و ربما يقال انه ثقة في الرواية و ان كان متهما في دينه، و لكن المراجع الي كتب ارباب الرجال يعرف ان حال الرجل مبهم جدّا بل وردت في ذمّه روايات تدل علي اشدّ الذم، و يظهر من بعض هذه الروايات اللعن عليه مرارا من ناحية الامام العسكري (ع) لكونه صوفيا متصنعا او لكونه وقف علي ابي جعفر (الجواد) عليه السلام و رجوعه عن الامامة الي النصب، و قد يظهر من بعضها انكاره علي ابي جعفر محمد بن عثمان وكيل الناحية المقدسة و يظهر أيضا انه كان متصنعا جدا بحيث حج 54 حجة، عشرون منها علي قدميه و قد روي كثيرا من اصول اصحابنا، فلذا لمّا ورد الذم عليه من الامام العسكري (ع) وقع التشكيك فيه من كثير من اصحابنا حتي ورد قوله (ع): لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يروي عنا ثقاتنا قد عرفوا باننا نفاوضهم سرنا الي غير ذلك.

و يروي عن ابن الغضائري التوقف في حديثه الا فيما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة و نوادر محمد بن ابي عمير، نظرا الي سماع هذين الكتابين جل اصحاب الحديث و اعتمادهم عليهما.

و صرّح في الخلاصة بعد نقد هذا الكلام: و عندي روايته غير مقبولة كما صرح في فهرست تنقيح المقال بان الرجل في غاية الضعف و مع ذلك توثيقه في مستند العروة عجيب، و علي كل حال يشكل الاعتماد عليه جدا و لمزيد التحقيق راجع تنقيح المقال للعلامة المامقاني.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 306

الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها و حرث بعد الغرام او جائزة».

«1»

5- ما رواه عيسي بن المستفاد (21/ 4) من ابواب الانفال عن ابي الحسن موسي بن جعفر عن ابيه- عليهما السلام- ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال لأبي ذر و سلمان و المقداد: «اشهدوني علي انفسكم … و اخراج الخمس من كل ما يملكه احد من الناس حتي يرفعه الي وليّ المؤمنين و اميرهم و من بعده من الائمة من ولده» الحديث. «2»

6- ما رواه السكوني (4/ 10) من ابواب ما يجب فيه الخمس عن ابي عبد الله عليه السّلام قال: «اتي رجل امير المؤمنين عليه السّلام فقال: اني كسبت مالا اغمضت في مطالبه حلالا و حراما و قد اردت التوبة و لا ادري الحلال منه و الحرام و قد اختلط عليّ فقال امير المؤمنين عليه السّلام: تصدّق بخمس مالك فان اللّه (قد) رضي من الاشياء بالخمس و سائر المال لك حلال». «3»

7- ما رواه علي بن الحسين (2/ 11) بن عبد ربه قال: سرح الرضا عليه السّلام بصلة الي ابي فكتب اليه ابي هل عليّ فيما سرحت إليّ خمس؟ فكتب اليه: لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس». «4»

الي غير ذلك مما يعثر عليه المتتبع، و قد عرفت صحة بعض اسنادها و تضافرها و صحة دلالتها، و فيها غني و كفاية، و لم يثبت اعراض الاصحاب عنها لان اقوالهم فيها مختلفة بعضهم ساكت و بعضهم مصرح بالعموم

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 7.

(2)- نفس المصدر، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 21.

(3)- نفس المصدر، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

(4)- نفس المصدر، الباب 11 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

و منها يظهر انه لو

كان الخمس غير واجب في شي ء من الهبات لم يقيده الامام (ع) بما سرح به صاحب الخمس و هو في مقام البيان.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 307

و بعضهم مصرح بعدم العموم.

و مما يؤيد قويا ما ذكرنا ان ثبوت الخمس في التجارات و الزراعات و غيرها ربما يدل علي ثبوته في ما وصل الي الانسان مجانا، فاذا كانت من كد يده كان فيها الخمس فكيف بما اذا لم يكن كذلك.

و الحاصل: ان اطلاق الآية من جانب و الروايات المتضافرة الكثيرة الواضحة دلالة (فيها بعض صحاح السند) تدل علي المطلوب، مضافا الي الاولوية الظنية التي تكون مؤيدة للمطلوب و دعوي اعراض الاصحاب عن الحكم بالعموم دعوي بلا بينة، و قد عرفت سكوت بعضهم مع تصريح كثير منهم بالعموم بل قد عرفت ان ظاهر كل من استدل بالآية الشريفة هو عدم الفرق بين ارباح المكاسب و غيرها من الفوائد، و الحكم بالعموم قوي جدا.

بقي هنا أمور

ذكرها المحقق اليزدي في العروة نتكلم فيها ثم نتبعها بامور اخري لم يتعرض لها.

1- الهبة و الهدية و الجائزة فيها الخمس و الظاهر ان الفرق بينها ان الهبة لها معني عام و الهدية هي الهبة الناشئة عن المودة و المحبة و الجائزة، هي العطاء من العالي الي الداني و في وجوب الخمس فيها اقوال ثلاثة ثالثها التفصيل بين ماله خطر و ما ليس له خطر، و الاقوي هو العموم لما عرفت من الادلة، و اما التقييد بكونها مما له خطر يمكن حمله علي القيد الغالبي لان الغالب ان ما ليس له خطر لا يبقي الي السنة بل يصرف في المئونة فتأمل.

2- الميراث: و هو و ان كان داخلا في العمومات

المذكورة الا ان جريان السيرة المستمرة علي عدم اعطاء الخمس منه بل مضافا الي المفهوم المستفاد من صحيحة علي بن مهزيار في الميراث ممن يحتسب يكون مخصصا للعموم

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 308

في الميراث فان الميراث الذي لا يحتسب قليل الابتلاء جدّا و لو كان الخمس فيه ثابتا لظهر و بان لكل احد لشدة الابتلاء به.

و العجب ممن استدل بهذا المعني علي العكس، و قال انه لو كان الميراث مستثني من المنافع لظهر و بان لشدة الابتلاء به و ليت شعري ان اثبات شي ء يحتاج الي الدليل او نفيه مع ما عرفت من استقرار السيرة قديما و حديثا علي عدم دفع الخمس منه.

3- المال الموصي به في الوصية التمليكية لا العهدية فانها وصية بفعل و لا تمليك فيها. اما التمليكية فقد ذهب بعض الي كونها غير محتاجة الي القبول فتكون كالميراث و بعض آخر الي احتياجها به فتكون كالهبة.

و علي كل ففيها الخمس.

4- الوقف الخاص و هو سواء كان عقدا أم ايقاعا لا يحتاج تملك البطون اللاحقة فيه الي قبول منهم، و علي كل فلا اشكال في صدق الغنيمة علي ما تحصل عليه هذه البطون من فوائد الوقف. و اما الوقف العام فالمالك فيه هو الجهة لا الاشخاص فيحتاج تملكهم لحاصله الي قبول منهم فاذا قبلوه وجب عليهم الخمس.

5- النذر و هو محتاج الي قبول المنذور له فيكون كالهبة مشمولا لعمومات الخمس و هكذا نذر النتيجة لاحتاجه الي قبول المنذور له فانه ليس للناذر تمليك المنذور له بدون رضاه.

6- المهر او الصداق: و قد استدل علي عدم وجوب الخمس فيه بسيرة المتشرعة حيث لم يعرف منهم اداء خمسه، و بعدم صدق

الفائدة عليه اذ هو في مقابل البضع و حرية الزوجة و لا أقلّ من الشك في صدقها عليه فلا يشمله دليل الخمس.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 309

اللّهم الّا اذا كان المهر كثيرا جدا خارجا عن الحد المتعارف.

و من هنا يظهر ان عوض الخلع الذي تدفعه الزوجة لزوجها كي يطلّقها ليس مما يجب فيه الخمس أيضا، و ذلك لعدم صدق الفائدة عليه اذ الزوج قد حصل علي شي ء (و هو عوض الخلع) و خسر شيئا آخر (و هي زوجته).

ان قلت: علي هذا لا تصدق الفائدة علي اجرة العامل أيضا لأنها في مقابل عمله فيحصل علي شي ء و هو الاجرة و يخسر شيئا آخر و هو عمله في ذاك اليوم مثلا.

قلت: عمل العامل لا يبقي اكثر من يوم واحد فان لم يبعه فقد ذهب من كيسه و خسر، بخلاف المرأة حيث ان رأس مالها قبل التزويج محفوظ فلا يجوز قياس احدهما بالآخر.

7- الدية: و قد ظهر حكمها مما اسلفناه فانها كالمهر لا تصدق عليها الفائدة.

8- من آجر نفسه لسنين او آجر دارا له كذلك و اخذ مال الاجارة كلّها في اول الامر، فهل يتعلق الخمس بالجميع او خصوص ما كان لسنته مما يفضل عن المئونة؟

يحكي عن بعض الاعلام وجوب الخمس فيه لأنه واجب في كل فائدة.

و الانصاف عدم تعلق الخمس بما زاد علي فائدة السنة، لان المفهوم عرفا من روايات خمس الفوائد اذا انضمت الي روايات المئونة ان متعلق الخمس هو المنافع الباقية من سنته بعد وضع مؤنتها، و اما المنافع المتعلقة بالسنين الآتية فهي موقوفة متروكة لمؤنتها فان فضل عنها فقد يتعلق به الخمس.

و يؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه ما مر

من كون وضع مؤنة الانسان عن منافع تكسباته علي القاعدة، و ان الفائدة لا تصدق الا بعد اخراج مؤنة الانسان

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 310

أيضا، فانه بذلها حتي يقدر علي الاكتساب فهو من هذه الجهة كمئونة الاجير الذي يأخذه في استرباح مكاسبه و من الواضح ان اجارة نفسه للسنين الآتية و العمل بها لا يمكن الا ببذل النفقات لنفسه و عياله فهذا المقدار لا يعد منفعة.

9- اذا ابيح التصرف في شي ء لإنسان كما اذا اعطي الوالد ولده مأئة دينار و قال و ليكن هذا عندك في السفر و الحضر، فان احتجت اليها فاصرفها فصرف بعضه و بقي بعضه فلا ينبغي الشك في عدم تعلق الخمس بالباقي لان المفروض عدم دخولها في ملكه بل كان مباحا فاذا لم يصرفها بقي علي ملك صاحبه، فليس من قبيل الهدية و الهبة و الجائزة.

و منه يظهر الحال في امر الاستنابة للحج، فلو اعطاه الفلوس بعنوان الاجارة وجب الخمس فيما يفضل عنه و عن مؤنة سنته، و ان اعطاه بعنوان اباحة التصرفات فلا يجب الخمس عليه و ان كانت الاباحة مستمرة الي ان تنفد النقود.

و لعل ما ورد في رواية علي بن مهزيار «1» أيضا ناظر الي هذا المعني، و الا لم يكن له وجه و لم يفت بمضمونها ظاهرا احد علي فرض الاجارة كما لا يخفي.

10- ما يأخذه الانسان بعنوان القرض لا يتعلق به الخمس و ان بقي سنين، لأنه لا يعد فائدة و غنيمة بل هو مال يجب اداء مثلها او قيمتها، نعم انما يتعلق به الخمس في صورتين:

______________________________

(1)- قال: «كتبت اليه: يا سيدي رجل دفع اليه مال يحج به هل عليه في ذلك

المال حين يصير اليه الخمس او علي ما فضل في يده بعد الحج؟ فكتب (ع): ليس عليه الخمس». وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 11 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 311

احدهما: ما اذا كان من قبيل العروض- كالثياب و الحبوبات و غيرها- و ارتفعت قيمتها السوقية او استقرض بيضا و صارت دجاجا، لا ينبغي الاشكال في وجوب الخمس في الزائد.

ثانيهما: ما اذا كان قرضا نجوميا فادي بعض نجومه من منافع تلك السنة و بقي ما بازاء هذه النجوم الي آخر السنة، فمثل هذا تعد منفعة يجب خمسها.

بقي هنا مسائل:

اشارة

و هي مختلفة بعضها ترتبط بفروع الارباح و بعضها بفروع المئونة و القسم الاول عشرة مسائل:

*** المسألة الأولي: إذا علم أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه

فهو لا يخلو عن احدي ثلث صور: اما تكون العين التي تعلق بها الخمس موجودة شخصها، او عوضها، او لا يكون شي ء منهما موجودا بل يكون في الذمة فقط. اما الاول فلا اشكال و لا كلام في وجوب اداء الخمس منه لما سيأتي ان الخمس حق متعلق بالمال علي نحو الاشاعة او غير ذلك، فما دام المال موجودا يجب ادائه منه فلا يدخل مقداره في الخمس.

و اما الثاني فجواز التبديل لا يكون الا في اوساط السنة لان المالك في سعة حينئذ من هذه الناحية يتصرف فيه كيف يشاء، و اما بعد مضيها فهو أيضا كذلك اذا لم يناف فورية الخمس، او كان باذن الحاكم الشرعي و في غير ذلك يكون البيع و سائر التصرفات المشابهة له فضوليا، فاطلاق كلام المحقق اليزدي- قدس سره- في العروة بوجوب اخراج الخمس عن العوض محمول علي ما ذكرنا.

و اما اذا تلفت العين و العوض و انتقل الخمس الي ذمته كان كسائر الديون التي يكون الارث بعد اخراجها بمقتضي قوله تعالي من بعد وصية

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 312

يوصي بها او دين و دعوي انصراف الدين الي غيره ممنوع، و لو فرض انصرافه الي الديون الشخصية فلا ينبغي الارتياب في الغاء الخصوصية و تنقيح المناط، هذا كله في موارد اليقين و الدليل علي ذلك كله شمول اطلاقات وجوب الخمس ثم اطلاق استثناء الدين من التركة، فلا تصل النوبة الي استصحاب بقاء وجوبه عليه كما في كلمات بعضهم.

و قد يتمسك بما ورد في غير واحد من روايات التحليل من تحليل الميراث

بعدم وجوب اخراج الخمس منه، مثل ما ورد في رواية ابي خديجة في سؤاله: «او ميراثا يصيبه» مع قوله عليه السّلام في جوابه: «هذا لشيعتنا حلال» «1» و ما ورد في رواية يونس بن يعقوب قال: «كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في ايدينا الاموال و الارباح و تجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون. فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم». «2» و رواية الحارث بن المغيرة النضري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: ان لنا اموالا من غلات و تجارات و نحو ذلك و قد علمت ان لك فيها حقا. قال: فلم احللنا اذا لشيعتنا الا لتطيب ولادتهم و كل من والي آبائي فهو في حل مما في ايديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب». «3» من عدم وجوب الخمس فيما يقع في ايدينا من الاموال التي نعلم بثبوت حقهم- عليهم السلام- فيها.

لكن سيأتي ان شاء اللّه ان جميع ذلك ناظر الي موارد خاصة، اما التحليل في المناكح كما هو ظاهر رواية ابي خديجة، او تحليل في زمان خاص كما

______________________________

(1)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 4.

(2)- نفس المصدر، الحديث 6.

(3)- نفس المصدر، الحديث 9.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 313

هو ظاهر رواية يونس و غيرها او غير ذلك فانتظر.

اما اذا شك في تعلق الخمس بالتركة فلا شك ان مقتضي ظهور اليد عدمه، و لا تصل النوبة الي الاصل حتي يقال: الاصل عدم دخول مقدار الخمس في ملكه من اول الامر (لان الاصل في

الاموال عدم الملكية، و الخمس يكون من اول الامر).

و لو شك في ادائه مع العلم بتعلقه بها فالظاهر أيضا عدم وجوب ادائه منه حملا لفعل المسلم علي الصحة و اخذا بظاهر اليد، مضافا الي استقرار السيرة علي عدم اخراج الخمس من الميراث مع ان هذا الشك موجود في غالب موارده، فالامر في موارد الشك سهل.

*** المسألة الثانية: هل يجب الخمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة أو الصدقة المندوبة

اذا اجتمع فيه شرائط الوجوب اذا زاد عن مؤنة سنته أم لا؟

صرح في العروة بعدمه عن جماعة، و خالفه كثير من المحشين و اشكلوا عليه او احتاطوا بوجوب الخمس فيها.

هذا و سيأتي ان شاء اللّه انه لا يجوز اعطاء ما زاد علي مئونة السنة من جهة الزكاة او خمس السادة علي الاقوي، لان المدار علي اخراجه من الفقر الي اول حد الغني و هو ملك مؤنة السنة، فلا تتصور هذه المسألة الا في سهم الامام عليه السّلام الذي ليس ملاكها الفقر، او فيما اعطي مقدار مئونة سنته ثم قتر علي نفسه، او صار ضيفا لغيره او ما اشبه ذلك، بناء علي عدم رجوع ما اخذه الي بيت المال حينئذ كما هو الظاهر، فللمسألة مصاديق كثيرة حتي علي المختار.

و علي كل حال فغاية ما يمكن الاستدلال به علي عدم الوجوب امور:

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 314

1- ان الخمس و الزكاة ملك للسادة و اربابها فاذا دفعت اليهم كان من قبيل اعطاء الدين الي صاحبه فكما لا يجب الخمس في اعطاء الدين فكذا لك فيما نحن فيه، فلا تصدق الفائدة و الغنيمة عليها.

و فيه مضافا الي عدم جريانه في الصدقة المندوبة و لا المجهول مالكه، ان ملكية الزكاة او الخمس بناء علي الاشاعة او الكلي في المعين انما

هو للعنوان الكلي و ليس ملكا لشخص خاص، فالملكية له انما يتجدد بالاعطاء كما لا يخفي و حينئذ تصدق علي تملكه الفوائد و المنافع، اضف الي ذلك انه لو اخذ الطلب اذا لم يؤد خمسه من قبل، يجب عليه اداء خمسه فصدق هذا العنوان عليه لا يمنع عن صدق عنوان الفائدة عليه.

2- ليس هذا من قبيل الفائدة المكتسبة فلا يتعلق به الخمس- و فيه انه قد عرفت عدم اعتبار عنوان الاكتساب و الاحتراف بل الموضوع مطلق الفائدة سواء كانت مكتسبة أم لا.

3- ما رواه ابن عبد ربه قال: «سرح الرضا عليه السّلام بصلة الي ابي فكتب اليه ابي: هل علي فيما سرحت الي خمس؟ فكتب اليه: لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس». «1»

و اورد عليه اولا بضعف السند لاشتماله علي سهل بن زياد، و ثانيا ان موردها الصلة و هي الهبة فلا دخل له بما نحن فيه و قد عرفت وجوبه في الصلة الخطيرة، و ثالثا عدم وجوب الخمس فيه لعله من جهة كون الصلة من ناحية صاحب الولاية المطلقة.

اقول: و الاول و ان كان لا يخلو عن وجه و لكن يمكن دفع الثاني و الثالث بان لحن الرواية يدل علي كون الاستدلال فيه بامر ارتكازي و هو انه لا خمس

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 11 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 315

فيما يأتي من الخمس و لا زكاة في مال الزكاة، فلا يرد عليه اشكال من هذه الناحية.

4- ان الحكم لا يثبت موضوعه فان الحكم فرع ثبوت موضوعه بل هو من قبيل المعلول له و المعلول لا يسبق علّته، فهو من

قبيل قولنا كل خبري كاذب فانه لا يشمل نفسه فكذلك فيما نحن فيه فان دليل الخمس لا يوجد موضوعه. توضيح ذلك: ان الخمس قد دفع الي اربابه بدليل الوجوب المستفاد من ادلة الخمس فلا يمكن له ان يوجد موضوعا جديدا لنفسه لتأخر رتبة الحكم عن رتبة الموضوع، و بعبارة اخري هذا المال الذي دفع بعنوان الخمس الي اربابه قد وجد بعد العمل بدليل الخمس فرتبته متأخرة عن رتبة الحكم فلا يصلح ان يكون موضوعا جديدا لدليل الخمس، و ذلك للزوم تقدم الموضوع علي الحكم بينما هو متأخر فيما نحن فيه. (و قد تعرضوا له في باب الاخبار مع الواسطة في مبحث حجية خبر الواحد).

و فيه: ان الاشكال انما هو فيما اذا كانت القضية من قبيل القضايا الخارجية، اما اذا كانت من قبيل القضايا الحقيقية التي يجري الحكم فيها علي عنوان جامع، فلا مانع من شمولها للمصاديق السابقة و اللاحقة من دون اي تفاوت، و قد اجابوا به عن شبهة عدم شمول ادلة حجية خبر الواحد للأخبار مع الواسطة فراجع.

5- و هو العمدة من انصراف ادلة وجوب الخمس في الارباح و المنافع عما نحن بصدده، كما ذكروا نظيره في قولنا كل خبري كاذب، فانه و ان لم يكن هناك مانع عن العموم الا ان الانصاف انصراف عنوان الخبر عن نفس هذا الخبر فانصراف عموم المنافع و الفوائد عما ينشأ من قبل ادلة الخمس او الزكاة او ما اشبههما قريب جدا و لو شك فالاصل عدمه.

و يؤيده ما مر في رواية ابن عبد ربه من ان التعليل بامر ارتكازي في

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 316

الاذهان من عدم شمول الحكم لما ينشأ من قبله

لا سيما مع ما هو الحق من ان وجوب الخمس في المنافع انما هو بمجرد حصولها، و اما اخراج المئونة فهو من قبيل التوسعة في الحكم و تجويز عدم المبادرة الي تخميس الاموال الي آخر السنة احتياط للمئونات المتجددة، و الا فبمجرد حصول الربح و الفائدة يجب عليه الخمس.

فالفقير اذا اخذ شيئا من الزكاة او سهم السادة او الصدقة وجب عليه الخمس من حينه، و كذا غير الفقير اذا اخذ من سهم الامام عليه السّلام فلو اراد التعجيل باخراج خمسه كان صحيحا.

فهل تري من نفسك ان نقول بوجوب الخمس علي كل فقير يأخذ من الزكاة او الخمس او غيرهما شيئا بمجرد حصوله في يده و انها داخلة في عموم الغنائم و الفوائد و ان كان ادائه عليه موسعا طول السنة؟ الانصاف انه لا نظن باحد الالتزام به بعد ملاحظة هذا التعليل، فاحتمال انصراف اطلاقات ادلة الاخماس عن محل الكلام قوي جدا.

نعم اذا بقيت هذه الامور عنده و نمت نماء امكن الحكم بوجوبه في نماءات، كما اذا انتبحت غنم الصدقة عنده نتاجا لعدم ثبوت وجه للانصراف هنا.

و بالجملة الدليل الوحيد علي اثبات الحكم هو ما ذكرناه من الانصراف مع تحليله بما ذكر و تأييده برواية ابن عبد ربه. «1»

***

______________________________

(1)- و لا يخفي ان هنا طريقا آخر لعدم وجوب الخمس فيما ملك بالخمس او الزكاة حتي بناء علي قول القائلين بوجوبه فيه، و هو عدم قصد التملك حين اخذ الخمس و الزكاة بل قصد اباحة التصرف الّا اذا شاء ان يتصرف فيه تصرفا متوقفا علي الملك كالبيع.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 317

المسألة الثالثة: [إذا اشتري شيئا ثم علم أن البائع لم يؤد خمسه]

إذا اشتري شيئا ثم علم أن البائع لم يؤد خمسه كان

البيع بالنسبة الي مقدار الخمس فضوليا،

و الدليل عليه ما سيأتي إن شاء اللّه من ان مقدار الخمس مملوك لأربابه بالاشاعة او الكلي في المعين او انه حق مالي مثل حق الرهانة او غيرها، فعلي اي مبني كان البيع فضوليا في مقدار الخمس، بل يمكن القول بكونه في الجميع فضوليا بناء علي القول بكون الجميع كالعين المرهونة في مقابل حق ارباب الخمس، و علي كل حال فان اجازه الحاكم الشرعي صح البيع و انتقل الخمس الي المشتري بحصة من الثمن، و حينئذ ان كان البيع بثمن شخصي يرجع الي البائع و يأخذ منه خمس الثمن، و ان كان بثمن كلي يرجع الي المشتري فيأخذ منه مقداره و يرجع المشتري الي البائع بمقداره لو دفعه اليه.

و علي كل حال كان للمشتري مع جهله خيار تبعض الصفقة لعدم صحة البيع في بعض الثمن، بل و في صورة العلم علي احتمال.

و هكذا الحال في غير البيع من المعاوضات، و اما اذا كان الانتقال منه بعنوان الهبة و شبهها بطل في مقدار الخمس الا ان يكون الموهوب له ممن يستحقه فيجوز للحاكم الشرعي اجازته بالنسبة الي مقدار الخمس أيضا، و اما اذا لم يجزه فعلي المنتقل اليه دفع عين الخمس او بدله.

هذا كله اذا كان البائع ممن يعتقد الخمس، و اما اذا كان ممن لا يعتقد فسيأتي في احكام التحليل انه يحل الاخذ منه بالمعاوضات و غيرها و لا يجب عليه شي ء.

بل في كلام بعض الاعلام جريان هذا الحكم في فساق الشيعة ممن يعتقد الخمس و لا يعمل به، و لكن سيأتي المناقشة فيه ان شاء اللّه في محله.

***

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 318

المسألة الرابعة: في حكم النماءات المتصلة و المنفصلة و الحكمية
اشارة

. اذا

كان هناك عين لا يتعلق به الخمس- كالميراث- او تعلق به و اداه ثم نمت نماء، هل فيه الخمس؟

قد اضطربت فيه كلماتهم و اختلفت آرائهم، و قبل نقل الاقوال و الآراء لا بد من تحرير محل البحث.

فاعلم أن النماء علي أقسام:

تارة: تكون منفصلة مستقلة كنتاج الحيوانات و لبنها و فواكه الاشجار.

و اخري: تكون متصلة بحسب الكمية كزيادة الحيوان في السمن و الاشجار في غلظة اصولها و فروعها و امتدادها.

و ثالثة: متصلة بحسب الكيفية كنضوج الاثمار التي ادي خمسها من قبل ثم زادت قيمتها لنضوجها، و من هذا القبيل ارتفاع قيمة ما يكون عتيقه مرغوبا فيه.

و رابعة: ما نسميه بالزيادة المعنوية كزيادة علم العبد و تعلم انواع الفنون و مهارته في الطب و غيره مثلا، و كذا الامة في تدبير المنزل و غيره، و هكذا في الحيوانات المعلمة للصيد و الحراسة و كشف الغائبات و دفع السراق و معرفتهم لأنه لا شك في ارتفاع قيمتها بذلك باضعاف مضاعفة.

________________________________________

شيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، در يك جلد، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)؛ ص: 318

و خامسة: ما تكون حكميا فقط اي لم يزد في شي ء من كميته و لا كيفيته و لا معنوياته و لكن ازدادت قيمته السوقية باختلاف الاحوال و الازمنة و الامكنة و غير ذلك.

كل ذلك قد يكون في موارد قصد الاسترباح و قد لا يكون، و قد يكون قبل بيعها و قد لا يكون.

فهل يكون الجميع داخلا في الارباح يتعلق بها الخمس، او لا يكون شي ء

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص:

319

منها كذلك، او يفصل بين هذه الامور؟

قال الشهيد الثاني- قدس سره- في المسالك: «و لو زاد ما لا خمس فيه زيادة متصلة او منفصلة وجب الخمس في الزائد و في الزيادة لارتفاع السوق نظر و قطع العلامة في التحرير بعدم الوجوب فيه». «1»

و قال الفقيه الماهر صاحب الجواهر- قدس سره-: «ثم لا فرق في الربح بين النماء و التولد و ارتفاع القيمة السوقية كما صرح به في الروضة و غيرها لصدق الربح و الفائدة لكن في المنتهي و استجوده في الحدائق» لو زرع غرسا فزادت قيمته لزيادة نمائه وجب عليه الخمس في الزيادة، اما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه و لم يبعه لم يجب عليه «و كذا في التحرير الا انه لم يقيده بعدم البيع». «2»

و قال المحقق الهمداني: «و اما نماء الارث و الهبة و نحوها فالاشبه انه كأصله لا يتعلق به الخمس ما لم يقصد بابقائه الاسترباح و التكسب كما صرح به بعض خلافا لآخرين فكلما اتخذه للاكتساب فظهر فيه ربح بنماء او اثمار او انتاج تعلق به الخمس و لو اراد الاكتساب و الاسترباح بفوائده لا باصله دخلت فوائده دون زيادة اعيانه كما صرح بهما كاشف الغطاء و لا عبرة بزيادة القيمة السوقية لأنها امر اعتباري لا يعد ربحا بالفعل … فمتي باعه باكثر من راس ماله دخلت حينئذ في الارباح». «3»

الي غير ذلك و هي كما تراها مختلفة متفاوتة.

اقول: اما الزيادة المنفصلة فلا اشكال في دخولها في الغنائم بالمعني

______________________________

(1)- مسالك الافهام، المجلد 1، الصفحة 67.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 57.

(3)- مصباح الفقيه، الصفحة 129.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 320

الاعم و الفوائد و المنافع،

و قد عرفت عدم اشتراط قصد التكسب و الاسترباح فيجب الخمس في نتاج الحيوان و الاثمار اذا زادت عن المئونة، و قد عرفت ما رواه ابو بصير فيمن يكون في داره البستان فيبيع من اثماره و ان عليه الخمس و هو باطلاقه يشمل ما نحن فيه. «1»

اما الزيادة المتصلة المادية في الكمية و الكيفية او الزيادة المعنوية، فان كان بقصد الاسترباح وعد من قبيل الزيادة في اموال التجارة فلا اشكال أيضا في تعلق الخمس بها بعد مضي السنة، و ان لم يبعها فانه يقال كان رأس ماله كذا و كذا و الان زاد عليه بكذا او كذا لان الاغنام المعدة للاسترباح سمنت و كبرت و زاد وزنها، او ارتفعت كيفيتها بمضي الزمان او العمل عليها، او تعلمت الدابة علما ارتفع بها قيمتها مع كونها معدة لذلك و قصد بها الاسترباح فيجب حينئذ خمسها بمضي السنة، كل ذلك لصدق الفائدة.

و اما اذا لم يكن بقصد الاسترباح، كما اذا حصل هذه الامور فيما وصل اليه من طريق الارث و شبهه فزادت فيه هذه الزيادات من دون قصد الاسترباح، فيشكل حينئذ صدق الفائدة فعلا، نعم هي فوائد بالقوة بمعني انه اذا باعها و حصل الثمن في يده صدق عليه الفائدة، بل يمكن دعوي استقرار السيرة عليه في الجملة، فكثير من الناس يبقي لهم اموال مختلفة من آبائهم و اخوانهم و غير ذلك من اقربائهم و تكون هذه الاموال من قبيل الحيوانات او البساتين او شبه ذلك و من المعلوم انها لا تبقي علي حالها، بل كثيرا ما تنمو و تزداد زيادة في الكمية او الكيفية فتزيد قيمتها عما كانت عليه، و مع ذلك لا يلزمون انفسهم بمحاسبتها كل

عام ليعلم مقدار زيادتها في القيمة حتي يدفع عنها الخمس (الا اذا كانت كرأس المال قصد بها الاسترباح) و الظاهر ان هذه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 321

السيرة أيضا نشأت عن عدم صدق عنوان الفائدة عليها الا بالقوة القريبة لا بالفعل، و لكن هذه السيرة علي الظاهر مستمرة الي زمن المعصومين.

و ان شئت قلت: لو كان الخمس واجبا في مثل هذه الاموال لظهر و اشتهر لشدة الابتلاء بها لا سيما مع موارد الارث او المهور، فان كثيرا منها تكون من قبيل الاشجار و البساتين و شبهها، مع انه لا يحاسب كل عام حتي يدفع عنها الخمس.

و ما قد يقال من ان هذه السيرة انما نشأت عن قلة المبالاة في الدين عجيب، فان جميع المبالين بالدين من المؤمنين أيضا علي هذه السيرة كما هو واضح.

و تبقي الزيادة السوقية المجردة عن زيادة الكمية او الكيفية و قد عرفت اختلاف كلماتهم فيها، فقد صرح العلامة في التحرير بعدم وجوب الخمس في الزيادة السوقية. «1»

و قيده في المنتهي بعدم البيع فقال: «اما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه و لم يبعه لم يجب عليه شي ء» «2»

و عن الحدائق أيضا ترجيح الثاني.

و في المستند للنراقي أيضا التفصيل بين بيعها و عدم بيعها، بل صرح بعدم كفاية ظهور الربح حتي في امتعة التجارة بل يحتاج الي الانضاض (اي تبديل السلعة بالاثمان). «3»

اقول: تارة يفرض الكلام فيما اريد به الاسترباح فيشتري التاجر باموال

______________________________

(1)- التحرير، الصفحة 74.

(2)- المنتهي، المجلد 1، الصفحة 548.

(3)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 75.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال

(لمكارم)، ص: 322

ادي خمسها من قبل متاعا فيبيع بعضه و يبقي بعض الي رأس السنة حالكونه زيدت قيمته السوقية، و الانصاف تعلق الخمس به و ان كان قبل الانضاض اذا كان قابلا له من دون اي مانع و ذلك لصدق الربح عليه قطعا فان المتداول بين التجار عند محاسبة الاموال في كل سنة محاسبة الاموال الموجودة بقيمة يرغب فيها اذا كانت مما يمكن بيعها في الاسواق من دون مانع و عليه مدار محاسبة الربح و الضرر، و لا ينتظرون في محاسبتها عند رأس السنة انضاض جميع ما في مخازنهم من الاموال، بل الانضاض بهذا الشكل نادر في اعمالهم فلا يزالون يشترون و يبيعون، و كذلك الزارع و صاحب الحيوان اذا اراد محاسبة ربح مكسبه علي رأس الحول و لو مع قطع النظر عن مسألة الخمس يقوم ما هو الموجود من الحنطة و الشعير في مخازنه او الاغنام في معاطنها بقيمته السوقية ثم يري انه ربح او خسر و باي مقدار هذا الربح، و لا ينتظرون.

فهذه ديدنهم في محاسباتهم في ربح السنة و خسرانها مع قطع النظر عن حكم الاخماس، فليكن الامر في الخمس و صدق الفائدة و الغنيمة كذلك.

نعم اذا لم يكن حين انضاضها فلا شك في كونها منفعة بالقوة لا بالفعل كما سبق نظيره في المسائل السابقة.

اما اذا لم يرد الاسترباح بها كمن ورث من ابيه ارضا او بستانا و لم يرد بيعها لعله يحتاج اليها في المستقبل او يحتاج اليه ابنائه فيبقي سنين و قد تزداد قيمته كل سنة، فليس من المتداول محاسبة قيمته السوقية كل سنة و اداء خمسه منه ففي مثله أيضا قد جرت سيرة الكل علي عدم اداء الخمس منه

كذلك حتي من المبالين امور الدين.

و ان شئت قلت: انه أيضا لا تصدق عليه الغنيمة و المنفعة و الفائدة

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 323

بالفعل فلا تشمله ادلتها، نعم هي فائدة بالقوة فاذا باع الارض او غيرها صدق عليها الفائدة بالفعل و وجب عليه خمسها لعدم قصور في العمومات من شمول امثالها.

هذا هو القول الفصل في ازدياد القيم السوقية و ليعلم انها تدور مدار العرض و الطلب، فان كان العرض اكثر من الطلب رخصت الاسعار و ان كان أقلّ غلت، و ذلك قد يكون بتفاوت فصول السنة كغلاء المبردات في الصيف و منابع الحرارة في الشتاء و الالبسة المختلفة في فصولها، و قد يكون بسبب بعض الحوادث غير المترقبة كبعض الحروب الموجبة لغلاء الاسعار او شيوع بعض الامراض الموجبة لغلاء الادوية الخاصة به، الي غير ذلك من اشباهه.

*** نعم هنا مسألة مهمة

و هي انه قد تزداد القيم السوقية في جميع الاجناس كل سنة بنسبة واحدة، او بنسب مختلفة متقاربة، ففي المسكن اكثر مثلا و في غيره أقلّ، و يعبر عنه بانه قد هبطت قوة الشراء في الفلوس، فهل يعد هذه الزيادة السوقية هنا أيضا منفعة يجب فيها الخمس؟ او هذه منفعة صورية اسمية لا واقعية؟ فالقيمة و ان ازدادت و حصل في يده اموال ضعف ما كان رأس ماله من قبل، و لكنها في الواقع امر ظاهري صوري، لان جميع الاشياء او اكثرها غلت بهذه النسبة او ما يقاربها.

و منشأ ذلك كله الاعتماد علي النقود الورقية، فلو كانت المعاملات تدور مدار النقدين- الذهب و الفضة- مثلا لما كانت هذه الزيادة التي قد تكون اسرع من حركة الشمس في السماء و في كل صباح و مساء.

أنوار

الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 324

و في الحقيقة هذه النقود الورقية لا مالية لها الا بالاعتبار، و ليست الا قراطيس، فان طبعت و اخرجت بمقدار الاموال المتولدة في المصانع و غيرها كانت القيم ثابتة في الجملة، و ان طبعت اكثر من ذلك غلت الاسعار يوما بعد يوم، و فيه بحث طويل ليس هنا محل ذكره.

و علي كل حال قد يشكك في صدق المنفعة علي هذه الزيادة لما عرفت من انها ليست زيادة الا في الصورة لا في الواقع، بل قد يتعدي من ذلك و يقال انه لو كان مهر امرأة مثلا ثلاثة آلاف تومان في اربعين سنة من قبل فلا يمكن ادائه بهذا المقدار، بل لا بد من ملاحظة تفاوت قوة الشراء في الفلوس فيه، و كذا في غيره من الديون.

و هذا الكلام و ان كان يساعده بعض الاعتبارات و يوافقه الطبع اجمالا، و لكن دون الالتزام به خرط القتاد، لأنه يتفرع عليه ما لا يظن من احد الالتزام به في العمل.

منها: جواز اخذ الربا بمقدار هبوط قدرة الشراء في الفلوس، فمن اقرض واحدا الف تومانا يجوز له اخذ الف و مأئة مثلا علي رأس السنة فان هذا المقدار من التفاوت في قوة الشراء امر عادي، و هكذا في امثال المقام من جميع الامثلة، و فتح هذا الباب يوجب الحكم بجواز الربا في اعصارنا غالبا لان هبوط قوة الشراء في عصرنا امر دائمي في جميع السنين.

منها: الحكم في جميع الديون في المعاملات و الاتلافات و المهور و غيرها من اشباهها ان يحاسب كل سنة مقدار هبوط قوة الشراء و يؤخذ التفاوت، فمن اشتري شيئا بعشرة آلاف تومان و لم يوفق لدفع ثمنه

الا بعد حين فعليه ان يدفع احد عشر الف مثلا وفقا لسقوط قوة الشراء.

و كذا من كان عليه دين مطالب و قد اعسر و كان من مصاديق فنظرة الي ميسرة فبعد اليسار لا بد من اداء اكثر منه.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 325

بل و كذا في الديون المؤجلة فهي و ان كان التأجيل مأخوذا فيها و لكن لا يجوز ادائها بمثلها في اوانها (اذا تغيرت قوة الشراء) لان الواجب في القرض ردّ مثله و المفروض انه ليس محل الكلام مصداقا لرد المثل، بل هو انقص منه فلا يؤدي الدين به، و كذا اجرة العمال و الموظفين فلا بد من تغييرها كل حين.

و ان شئت قلت: المماثلة هنا ليست مماثلة في الكمية الظاهرية بل في المالية التي هي قوة الشراء، فاللازم ملاحظة المماثلة من هذه الجهة.

ان قلت: ان العامل او الموجر للدار اذا عقد الاجارة علي ثمن معلوم الي ثلاث سنوات مثلا، لازمه الغاء تفاوت قوة الشراء الحاصل كل سنة.

قلت: اولا ان طرفي المعاملة غالبا غافلان عن هذا المعني كي يوقع العقد مبنيا عليه. و ثانيا لازم ذلك هو الغرر في عقد الاجارة لان مقدار هبوط قوة الشراء في كل سنة غالبا غير معلوم لتفاوت الاحوال السياسية و الاجتماعية و غيرهما في ذلك فيوجب البطلان في العقد، فلا بد من تغيير مقدار الفلوس كل سنة بمقدار تفاوت قوة الشراء حتي يصح العقد.

ان قلت: ان النقود الورقية في الحقيقة حوالة الي الذهب و الفضة الموجودين في البنك المركزي المسميين بالرصيد (پشتوانه) فالتضخم يجري فيه دون النقود.

قلت: ان النقود الورقية الاعتبارية كما حققناه في بعض ابحاثنا ذات مالية مستقلة و لذلك لا يلتفت العقلاء

الي الرصيد الموجود في قبالها في البنك المركزي و لا يعاملون معها كحوالة، مضافا الي ان الرصيد في الواقع هو قدرة الدولة التي اقدم علي طبع النقود و لذلك لو احتلت او خفضت علي الصعيد الاقتصادي لسقطت نقودها الورقية عن الاعتبار و لو كان في مقابلها آلاف ألوف من الذهب و الفضة في البنك المركزي.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 326

و بالجملة فتح هذا الباب يوجب الهرج و المرج في جميع المعاملات و الاجارات، و ان تكون هناك جماعة مأمورين بتعيين مقدار تفاوت قوة الشراء في كل سنة بل في كل شهر ثم يؤخذ بمقتضي ارتفاعها او انخفاضها في جميع الديون و اثمان المعاملات و اجارة المساكن و العمال، و حينئذ لا يستقر حجر علي حجر.

ان قلت: هذا المعني حاصل اليوم، لان البنوك المركزية تبين مقدار التورّم و هبوط قوة الشراء كل شهر او كل سنة.

قلت: نعم و لكن لا اثر له في الديون و القروض و الاثمان و اجور العمال و غيرها و انما ينتفع به في المطالعات الاقتصادية و البرامج المالية.

و ان شئت قلت: هذه دقة عقلية او عقلائية في علم الاقتصاد و لكن المدار علي العرف، فالعرف يري اداء الدين بمثله في الكمية لا غير.

و بتعبير اوضح هناك عرف عام و عرف خاص، فالعرف الخاص يري مقدار الف تومان اليوم غير مساو لمقدار الف تومان بعد سنة حقيقة لما فيها من سقوط قوة الشراء، و لكن العرف العام يري الالف مساويا للألف كما انه لو كان الامر بالعكس فارتفع قوة الشراء لا يقبل أقلّ من الف في مقابل الالف، و من الواضح ان الامر في المساواة المعتبرة في اداء

الديون و شبهها انما هو موكول الي نظر العرف العام و لا اثر للعرف الخاص في ذلك اصلا، و ليس هذا من الامور التي يرجع فيها الي اهل الخبرة بل العرف العام يري نفسه من اهل الخبرة في تشخيص المساواة و عدمها في ابواب الديون و شبهها.

نعم قد يقال ان هناك بنوك في بعض البلاد يقوم باداء ربحين لما يودع عنده من الاموال، احدهما ربح صوري و هو ما يعادل هبوط قوة الشراء،

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 327

و الثاني ربح واقعي للمال بناء علي مبناهم من جواز الربا، فلو عمت هذه الفكرة في المجتمع حتي صارت مما يعرفه الصغير و الكبير و اهل السوق و يبنون عليه فيما دار بينهم من المعاملات، امكن القول بعدم كون الربح الصوري فائدة و غنيمة حقيقة، و لكن من المعلوم انه لم يبلغ الامر الي هنا لا أقلّ فيما نعرفه من اهل هذه البلاد التي نشاهدها فلا يمكن بناء المعاملات عليه.

*** المسألة الخامسة: [إذا اشتري عينا للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية]

إذا اشتري عينا للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية و لم يبعها غفلة او طلبا للزيادة ثم رجعت قيمتها الي رأس مالها او أقلّ،

فقد فصل المحقق اليزدي فيها في العروة بين ما اذا كان ذلك قبل تمام السنة فحكم بعدم ضمان حكم ملك الزيادة (و علله بعدم تحققها في الخارج) و بين ما اذا كان بعد تمام السنة و استقرار الخمس فحكم فيه بالضمان.

اقول: اما عدم الضمان في اثناء السنة فهو حق، لكن تعليله بعدم تحقق الزيادة في الخارج غير مرضي لان الزيادة قد حصلت بالفعل بعد كون المقصود بالعين التكسب بها و قد مر نظيره في المسائل السابقة حيث عرفت عدم اشتراط الانضاض في

تحقق المنفعة، نعم له حق التأخير بملاحظة استثناء مؤنة السنة منها، و لذا حمله بعض الاعلام علي ان مراده عدم تحقق الزيادة علي مؤنة السنة و لكنه مخالف لظاهر كلامه، و المناسب لظاهر كلامه في الشق الثاني للمسألة هو ان يقال لعدم استقرار الوجوب علي الزيادة (لا لعدم الزيادة).

و علي كل حال الحكم بعدم الضمان حق لا ريب، و دليله هو عدم وجوب اداء الخمس عليه فورا بل موسع عليه الي آخر السنة و معه لا ضمان، نعم يكن

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 328

استثناء صورة واحدة من هذا الفرض و هو ما اذا عد تاخيره تفريطا بالنسبة الي تلك المنفعة، كما اذا بانه ستنقص القيمة لو لم يبعها مع حاجة الناس اليها و توفر الدواعي مثل عدم بيع المبردات في فصل الصيف، و ما هو مفيد للتسخين في فصل الشتاء او عدم بيع الغنم في المني يوم العيد فلا يبعد حينئذ الضمان لتعلق حق السادة بالمال، و جواز تأخير الخمس الي آخر السنة احتياطا للمئونة انما يقتضي جواز تأخيره و عدم ادائه بعد بيعه و تحصيل المنفعة لا عدم بيعه و تضييع المنفعة، و ان شئت قلت: لا دليل علي جواز ترك البيع هنا بالنسبة الي سهم السادة، مع انه كالقيم و الولي بالنسبة الي سهمهم، فكما ان الولي لو اخر بيع مال اليتيم عن اوانه فنقصت قيمته الي حد كثير جدا مع علمه بذلك من قبل ضمن فكذلك هنا، و القول بان زيادة القيمة غير مضمون سيأتي الكلام فيه في الشق الثاني.

اما اذا كان رأس السنة فنقصت القيمة فيما لا ينافي الفورية العرفية الواجبة في اداء الخمس كان الحكم كالصورة

السابقة لعدم المنع من حفظه حينئذ.

اما اذا مضي زمان ينافي الفورية و لم يؤد الخمس فنقصت القيمة، فقد يقال بعدم الضمان هنا لان الضمان انما هو في صورة تلف العين او بعض اوصافها اما تلف زيادة القيمة (اي بعض ماليتها) فلا دليل عليه، و لذا لو غصب انسان مالا فابقاه عنده حتي نزلت قيمته السوقية لم يكن ضامنا الا لنفس العين.

نعم حق السادة تتعلق بالعين بعد تمام السنة بنسبة خاصة فلو كانت قيمة العين عشرين فزادت مأئة فصارت مأئة و عشرين كان خمس الزيادة عشرين دينارا، و العشرون سدس مجموع قيمة العين بالفعل (سدس مأئة و عشرين) فيجب عليه دفع سدس العين الموجودة سواء نقصت قيمتها بعد ذلك أم لا.

قلت: اما عدم ضمان الزيادة السوقية علي اطلاقه مشكل جدا،

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 329

ففي الامثلة السابقة لو غصب غاصب الغنم عنه يوم العيد في مني او المبردات في الصيف و وسائل الحرارة في الشتاء ثم رده عليه في غير فصله بما يوجب نقص ماليتها كثيرا و لم يمكن حفظها الي السنة الآتية (فرضا) فالانصاف الضمان في هذه الصورة بحكم العقلاء، بل يمكن الاستدلال عليه بادلة لا ضرر لان الغاصب هو الذي اوجب الضرر و الخسارة الشديدة عليه، و قد قلنا في محله ان ادلة لا ضرر كما تنفي الاحكام الضررية تثبت احكاما يكون الضرر في نفيها.

نعم التفاوت اليسير في القيمة السوقية لا ضمان فيه عندهم، فالاقوي هو الضمان في هذه الموارد.

و قد يقال: ان الضمان انما يدور مدار مقدار الواجب من الخمس في اول تعلقه، مثلا اذا كانت قيمة العين مأئة دينار فزادت قيمته عشرين دينارا، فالواجب من العشرين اربعة دنانير

بعنوان الخمس و نسبة الاربعة الي المجموع (و هو مأئة و عشرون دينارا) هي نسبة الواحد الي الثلاثين، فهذا الجزء المشاع من هذه العين انما هو لأرباب الخمس فاذا نقصت القيمة في الكل وجب هذا الجزء من المجموع أيضا.

و فيه: ما قد عرفت من ان الضمان بالنسبة الي مقدار الخمس بقيمته الاصلية ثابت لا وجه لتغيره فتأمل.

*** المسألة السادسة: [إذا عمّر بستانا و غرس فيه أشجارا ففيه صور]

إذا عمّر بستانا و غرس فيه أشجارا

ففيه صور:

تارة يريد الاكتساب باصل البستان و لا اشكال حينئذ في وجوب الخمس في نمو اشجاره، بل لا يحتاج الي الانضاض لما عرفت سابقا من صدق المنفعة عليها و ان لم يبعه (و لكن بلغ او ان بيعه) فالواجب في رأس

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 330

السنة تقويمه و اداء خمسه.

و اخري لا يريد الا الاكتساب بثمرها و حينئذ لا يجب الخمس في نمو اشجاره فعلا، نعم اذا باعه وجب عليه ذلك الخمس، و العجب من المحقق اليزدي انه أطلق القول بعدم وجوب الخمس فيه مع انه صرح في المسألة 53 بوجوبه في الزيادة المتصلة، و يمكن حمل كلامه علي صورة كونها في سبيل مؤنته، و علي كل حال يجب عليه الخمس في ثمرتها اذا زادت علي مؤنة سنته كما هو ظاهر.

و ثالثة يريد الانتفاع بثمرها في مؤنته كما هو المتداول بين الناس من غرس بعض الاشجار في دارهم لانتفاع العيال بثمرتها، و حينئذ لا يتعلق الخمس لا بنفس الاشجار و لا بثمرتها ما لم تكن الثمرة زائدة علي حاجتها لأنها بتمامها من المئونة، نعم اذا كثرت الاشجار و نمت و بلغت الي حد تكون ثمرتها ازيد من مؤنته وجب الخمس فيها و في ثمرتها، و لكن لا يجب

خمس الاشجار الا اذا باعها لما قد عرفت من عدم قصد الاكتساب بها فهي منفعة بالقوة لا بالفعل كما مر آنفا.

*** المسألة السابعة: [إذا كان له أنواع من الاكتساب و الاستفادة و كان له رأس مال يتجر به]

إذا كان له أنواع من الاكتساب و الاستفادة و كان له رأس مال يتجر به و خان يوجره و ارض يزرعها و عمل يد مثل الكتابة او

نحو ذلك، هل يلاحظ في آخر السنة ما استفاده من المجموع فيجب عليه خمس ما حصل منها بعد اخراج المئونة، او يكون لكل واحد عام مستقل برأسه؟

و الحاصل انه هل العام واحد في الجميع او لكل واحد من انواع تجاراته عام بعينه؟

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 331

ذهب في الدروس و الحدائق و كشف الغطاء (فيما حكي عنهما) الي الاول، و استجوده صاحب الجواهر، و مال اليه في المدارك و الكفاية للسبزواري فيما حكي عنهما، و لكن صريح الشهيد الثاني في الروضة الثاني، فانه قال: «و لو حصل الربح في الحول تدريجا اعتبر بكل خارج حول بانفراده نعم توزع المئونة في المدة المشتركة بينه و بين ما سبق عليهما و يختص بالباقي» «1» و نحوه ما في المسالك. «2»

بل يظهر من عبارته عدم الفرق بين اتحاد النوع و تعدده، فلو كان خطيبا و حصلت المنافع عنده في ايام العاشوراء و آخر الصفر و شهر رمضان كان لكل حول برأسه و كذا اشباهه، او كانت له تجارات في فترات مختلفة.

و ظاهر العروة كجماعة كثيرة من المحشين هو القول الاول و هو الاقوي.

و يظهر الثمرة بين القولين في كيفية توزيع المئونة عليها- كما عرفت في كلام الشهيد- و في لزوم الخمس من جميع المنفعة من دون اخراج المئونة اذا حصلت بعض انواعه في آخر السنة و لم

تكن عليه مؤنة حينئذ.

و كيف كان فقد يستدل علي المختار اعني القول الاول بامور:

1- ان المتعارف بين العقلاء من اهل العرف هو ذلك، فانهم اذا ارادوا محاسبة الربح و المصارف لكل انسان حاسبوا مجموع ما انتفع به طول السنة و اخرجوا منه مصارفه و كان الزائد ربحا خالصا، و كذلك بالنسبة الي الشركات التي فرقت رأس مالها في انواع من المكاسب فبعضها في التجارة و بعضها في التنمية الزراعية و بعضها في المصانع و غيرها فيحاسبون الجميع، ثم يعلنون الربح و الخسران، و كذلك في مصارف الحكومات

______________________________

(1)- شرح اللمعة، المجلد 2، الصفحة 78 من الطبع الحديث.

(2)- مسالك الافهام، المجلد 1، الصفحة 67.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 332

و منافعها فان المعمول فيها أيضا محاسبة جميع المنافع طول السنة و المصارف كذلك ثم محاسبة كسر البودجة.

و اطلاق قوله عليه السّلام: «الخمس بعد المئونة» يرجع الي هذا الامر المتداول بين اهل العرف فيما بينهم.

ان قلت: بل نراهم يحاسبون كل واحد من هذه الامور مستقلا من حيث الربح و الخسران، فيقولون ربحنا في تجارتنا و خسرنا في زراعتنا.

قلت: هذا اذا اريد محاسبة نفس المكاسب من حيث الربح و الخسران لا محاسبة ربح الانسان و خسرانه بعنوان شخصه، ففي الاول يقولون خسرت هذه الصفقة ربحت تلك الصفقة، و لكن اذا اريد مصارف الشخص و منافعه يقول ربحه طول السنة هذا و مصرفه هذا فبقي هذا المقدار الذي هو الربح الخالص الزائد، و انت اذا راجعت احوالهم تراهم لا يتعدون من هذا الامر.

الثاني: جريان السيرة من المتشرعة عليه، فانا نراهم علي ملاحظة المجموع من حيث المجموع دون ملاحظة كل فائدة برأسها، فعلي رأس السنة يحاسبون مجموع اموالهم

الموجودة بعد وضع المؤنات، و يقايسونه مع رأس مالهم في السنة الماضيه فيأخذون بالتفاوت بينهما و يخمسون اموالهم، و لكل واحد منهم وقت معين معلوم لتخميس امواله في كل سنة.

مع ان كثيرا من الناس لهم انواع مختلفة من المكاسب فعنده زراعة و تجارة او الحرفة بيده و غلة دار او دكان و غير ذلك، و لو كان لكل واحد من هذه الانواع، بل لكل مصداق من مصاديق النوع الواحد حول برأسه (لعدم الفرق بين تعدد الانواع او الافراد) لكان سنة تخميس الاموال في كل شهر او كل اسبوع و لو كان ذلك لاشتهر و بان، لا سيما اذا قلنا

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 333

بوجوب الخمس في الهدايا فلا بد من ملاحظة كل هدية و جعل سنة خاصة لها، و هذا مقطوع العدم بينهم.

و لذا قال في الجواهر في رد هذا القول- فيما حكي من عبارته: «كأنه معلوم العدم من السيرة و العمل». «1»

و عدم وقوع السؤال عنها أيضا دليل علي ما ذكرنا.

و هذه السيرة و ان كانت مأخوذة من بناء العقلاء، و لكنها دليل مستقل بعد ظهور جريانها الي زمن المعصومين- عليهم السلام-.

هذا مع استلزام القول الثاني للهرج الشديد في كثير من الأوقات فان جعل سنة خاصة لكل منفعة جديدة (لا سيما اذا قلنا بعدم الفرق بين اتحاد النوع و عدم اتحاده) ثم توزيع مؤنة السنة علي كل واحد في وقته بعضها علي واحد منها و بعضها علي اثنين و بعضها علي الثلاثة مشكل جدا، و يعلم عدم تداوله بين المتشرعة اصلا.

الثالث: ظهور اطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة علي بن مهزيار: «فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل

عام» فان ظاهره ملاحظة المجموع في كل عام، و لا جعل عام لكل واحد مستقلا و ما قد يقال من عدم كونها بصدد البيان من هذه الجهة ممنوع بعد ظهور قوله: «في كل عام» في محاسبة الاموال كل سنة مرة واحدة مع ان كثيرا من الناس لهم منافع و مداخل مختلفة من غلة دار و ربح تجارة و عمل يد الي غير ذلك، و بالجملة ظاهر الصحيحة ان المال يحسب في كل عام مرة واحدة و يؤخذ منه الخمس سواء كان موزعا علي اعمال مختلفة او عمل واحد.

و من هنا يظهر الجواب عما استدل به للقول الثاني من قياس المقام

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 81.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 334

بباب الغوص و المعدن و الكنز تارة حيث يحسب كل اخراج مستقلا و الاخذ بالاطلاقات اخري، لان تقييدها بكون المجموع في سنة واحدة يحتاج الي دليل.

و اصالة البراءة ثالثة، فان مقتضاها عدم وجوب الفور في خمس ما اكتسبه في آخر السنة.

فان قياس المقام عليها قياس مع الفارق (مع عدم صحة القياس في مذهبنا) لان الغوص و شبهه لا يعتبر فيها السنة، و استثناء المئونة حتي يتكلم في وحدة الجمع و عدمها فلا ربط بين المقامين.

و اما الاخذ بالاطلاقات فهو غير تام بعد ما عرفت من الدليل علي التقييد، و كذا اصالة البراءة انما تصح عند فقدان الدليل علي وجوب الخمس فورا بعد مضي السنة، الظاهر في المجموع من حيث المجموع.

ان قلت: ان الالتزام بهذا القول قد يوجب الضرر كما اذا حصد زرعا في آخر السنة و لم يربح عنه شيئا لكنه قد وجب عليه (بناء علي هذا القول) تخميسه اذ خمس

المجموع يلاحظ في آخر السنة دفعة واحدة، و بهذا قد يلزم تحميل ضرر عليه بينما لو قلنا بوجوبه في كل مهنة علي حدة لم يلزم ذلك، بل جاز له التأخير في دفع خمس الزراعة الي مضي الحول.

قلت: مضافا الي ان هذا الكلام مجرد استحسان و هو ليس بحجة عندنا، انه لا يجب عليه دفع جميع ما حصده من الزراعة حتي يلزم ضرر عليه، بل انما يجب تخميسه علي ان الحاكم الشرعي مبسوط اليد في الاخذ و العفو فله ان ينظر الي وضع المكلف الذي وجب عليه الخمس فيهبه او بعضه له اذا رآه مصلحة.

***

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 335

المسألة الثامنة: قال في العروة: [يشترط في وجوب خمس الربح أو الفائدة، استقراره]

«يشترط في وجوب خمس الربح أو الفائدة، استقراره فلو اشتري شيئا فيه ربح و كان للبائع الخيار لا يجب خمسه الا بعد لزوم البيع و مضي زمن الخيار».

اقول: محل الكلام هو زيادة القيمة السوقية او الزيادات المتصلة، اما المنفصلة فهي خارجة عن محل الكلام فان تزلزل العقد لا يوجب تزلزلا في ملكيتها، و علي كل حال فالوجه فيما ذكره عدم صدق الفائدة علي محل الكلام و هو كذلك بناء علي عدم جواز البيع في زمن الخيار، و اما لو قلنا بجوازه مع انتقال حق الخيار معه و اعلام المشتري الثاني به وجد لهذا العين مع هذه الصفة طالب يشتريها باكثر مما اشتراه به، كما اذ اشتراه بعشرين دينارا مع الخيار للبائع فوجد من يشتريه منه بثلاثين مع هذه الصفة فان المنفعة هنا صادقة بالفعل اذا كان من قصده الاسترباح بهذا المتاع، فعلي رأس السنة و بعد اخراج المئونة يجب عليه خمس هذه العشرة لوجود الطالب له مع وصفه هذا.

و كان كلامه مبني

علي عدم جواز البيع في زمن خيار البائع.

و مما ذكرنا يظهر انه اذا مضي زمن الخيار و لم يفسخ و استقر الربح، صدق المنفعة من حينه لا من حين العقد و لا معني للكشف هنا لان المفروض عدم جواز بيعه، نعم بناء علي جواز البيع في زمان الخيار كانت المنفعة صادقة من اول الامر، و لبعض المحشين تفصيلات يظهر ضعفها مما ذكرنا.

*** المسألة التاسعة: [لو اشتري ما فيه ربح ببيع الخيار]

لو اشتري ما فيه ربح ببيع الخيار، فصار البيع لازما (بمضي زمن الخيار مع عدم الفسخ) فاستقاله البائع فاقاله لم يسقط الخمس،

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 336

الا اذا كان من شأنه ان يقيله كما في غالب موارد بيع شرط الخيار اذا رد مثل الثمن (هكذا ذكره المحقق اليزدي في العروة).

قلت: و الوجه فيه عدم صدق الفائدة حينئذ، و ان شئت قلت: الفائدة و ان كانت ثابتة بحكم الشرع بلزوم البيع مع حصول الربح، كما اذا اشتري ما يسوي بالف دينارا باقل منه مع شرط الخيار و انقضي زمانه، و لكن العرف قد لا يراه منفعة لائقة بشأنه و لكن ذلك ثابت في بعض فروض المسألة لا في غالب فروضة، فانه انما يكون اذا اتي بثمنه مع تأخير قليل كيوم او ساعة، لعدم قدرته او لبعض الموانع غير المترقبة، او كان التفاوت بين الثمن الواقعي للمتاع و ثمن المعاملة كثيرا- كما هو المتعارف في من يريد القرض مع الفرار من الربا- فيبيع داره بثمن رخيص مع خيار الشرط لعلمه بانه يقدر علي اداء الثمن و اخذ ماله، فلو لم يقدر عليه لبعض الموانع كان للمشتري اخذ الدار بحسب ظاهر حكم الشرع، و لكن العرف لا يري مثل ذلك كنفعة لائقة

بشأنه بل يراه كسمّ الحيات و العقارب.

ثم قد يقال: انه لا يصح اقالة المشتري بعد مضي زمن الخيار بالنسبة الي خمس المبيع لان الشارع حكم بكونه ملكا لأرباب الخمس، فلا يجوز للمشتري الاقالة الا بالنسبة الي ملك نفسه و هو اربعة اخماس المبيع.

و لكن لقائل ان يقول: ان العرف لا يري الزيادة الحاصلة للمشتري في امثال هذه المعاملات الخيارية (التي تنفقد في كثير من الاوقات للفرار من الربا) منفعة واقعية، بل يري تحصيلها من جانب المشتري و عدم اقالته البيع مخالفا للانصاف جدا و يذمّه علي ذلك، و حينئذ يجوز للمشتري اقالة المبيع بتمامه و لا يجب عليه خمس لعدم صدق المنفعة عرفا.

***

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 337

المسألة العاشرة: هل يجب خمس رأس المال أم لا؟ فيه أقوال

او احتمالات اربعة:

1- وجوب اخراجه مطلقا كما اختاره في العروة بعنوان الاحتياط افتي به بعض المحشين.

2- عدم وجوب اخراجه كذلك و ان ما يحتاج اليه الانسان في رأس ماله من قبيل المئونة.

3- التفصيل بين رأس مال يعادل مؤنة سنته فلا خمس فيه و بين الزائد عليه ففيه الخمس (كما اختاره في مستند العروة).

4- بين ما يحتاج اليه لمؤنة سنته و ما لا يحتاج اليه كما اختاره بعض آخر و هو الاقوي.

و العمدة في ذلك ان لفظ المئونة في بدء النظر ظاهر فيما يصرف في مصارف الحيات من القوت و الملبس و المسكن و المناكح و التداوي و عباداته و غير ذلك من اشباهه، و اما وسائل التنمية و التوليد و التجارة و كذلك آلاتها فليست من المئونة، و هذا دليل القائلين بوجوب الخمس فيه اذا كان من منافع كسبه.

و اما دليل القول بعدم الخمس، انه اي فرق بين رأس المال و آلات العمل

و ساير المؤنات التي يحتاج اليه في حياته، فكل ما يحتاج اليه الانسان في معاشه و معاده مؤنة، حتي ما يحتاج اليه في السنين الآتية سواء كان مثل المأكل و الملبس أم لا.

هذا و لكن الانصاف ان المسألة ذات شقوق.

احدها: اذا كان الانسان يقدر علي اجارة نفسه لبعض الاعمال و يقدر علي تحصيل مؤنة سنته من هذه الناحية و لكن ليس هذا الشغل لا لائقا بشأنه

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 338

و لو لم يكن له رأس مال يكتسب به كان شيئا عليه، فلا ينبغي الشك في كونه من المئونة او بحكم المئونة لإلغاء الخصوصية عنها قطعا، فبالمقدار الذي لا يرتفع الشين عنه باقل منه كان مستثني عن حكم الخمس، و اي فرق بينه و بين السيارة التي يحتاج اليها او الدار الذي يسكنه او الخادم او غير ذلك مما يحفظ به عرضه و جاهه.

ثانيها: ما اذا لم يقدر علي تحصيل مؤنة سنته الّا بالآلات او برأس المال فليس له مهنة الا من طريق الزراعة او الصناعة او التجارة، فاخذ أقلّ ما يكفيه لمؤنة السنة بحيث لو كان أقلّ منه لم يف منافعه بمئونة سنته فهذا أيضا بحكم المئونة سواء صدق عليه عنوانها أم لا.

و ذلك لان ظاهر ادلة استثناء المئونة ان الخمس انما هو بعد اخذ حاجات الحياة اياّ ما كان، ففي المقام يكون ايجاب الخمس عليه سببا لعدم وفاء منافعه بمئونة سنته و صيرورته فقيرا محتاجا الي بيت المال او الي غيره من ابناء نوعه، و من المعلوم من ادلة استثناء المئونة انها لا يرضي الشارع بذلك.

ثالثها: ما اذا كان رأس المال و الآلات بمقدار لو ادي خمسها كان قادرا

علي اكتساب مؤنة سنته بالباقي، كمن كان له رأس مال يعادل مأئة الف دينار لو اعطي خمسها فصارت ثمانين الف كان قادرا علي الاكتساب اللائق بشأنه بهذا المقدار، فلا اشكال حينئذ في وجوب الخمس عليه لصدق المنفعة علي المجموع و عدم منافات الخمس لاكتساب مؤنة سنته فتدبر.

*** المسألة الحادية عشرة: مبدأ السنة ما ذا؟

هل هو ابتداء الاكتساب، او ابتداء ظهور المنافع، او يقال ان المبدأ هو زمان حصول الربح، او التفصيل

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 339

بين من كان مكتسبا؟

فالاول و من لم يكن مكتسبا كمن حصل له فائدة اتفاقا فالثاني، او ان مبدئه هو مبدأ السنة المتعارفة في بلاده كعيد النيروز في بلاد العجم و اوّل المحرم في بلاد العرب. و الاول ظاهر الحدائق «1» و محكي عن شيخنا الانصاري.

و الثاني محكي عن المدارك و الروضة.

و الثالث ظاهر الجواهر و غيره.

و الرابع اختاره في العروة.

و الخامس مال اليه بعض المعاصرين.

و الاقوي هو القول الثالث الذي اختاره في الجواهر و اختاره غير واحد من المحشين علي العروة، و الوجه فيه انه لا خمس الا في المنفعة و الغنيمة فمتي حصلت في يده وجب عليه الخمس.

و بعبارة اخري: مبدأ السنة هو ما اذا ظهر اوّل مصداق لقوله تعالي:

«وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ» و ذلك بحصول الربح في يده.

حقيقة المئونة و مقدارها و فروعها

اشارة

قد عرفت ان استثناء المئونة من هذا القسم مما ريب فيه و لا شبهة تعتريه، انما الكلام في حقيقتها و خصوصياتها فنقول و منه سبحانه نستمد التوفيق و الهداية:

المئونة علي قسمين: مؤنة التجارة و الكسب و مؤنة الانسان نفسه اما الاول فلا ينبغي الكلام في استثنائه بجميع اقسامه، مما يرتبط بمحل الكسب و اجرة

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 354.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 340

العمال و الدلال و اجرة الحمل و مصارف الماء و الكهرباء بل و الضرائب التي تؤخذ من التجار و غيرهم.

و الدليل عليه واضح فان عنوان الربح و الفائدة و الغنيمة الوارد في الاية و الروايات لا يصدق الا بعد

اخراج هذه الامور، هذا مضافا الي ما ورد من التصريح به في بعض روايات الباب مثل ما رواه ابراهيم بن محمد الهمداني في مكاتبته الي ابي جعفر الجواد عليه السّلام حيث قال: «اختلف من قبلنا في ذلك (اي الخمس) فقالوا: يجب علي الضياع الخمس بعد المئونة مؤنة الضيعة و خراجها لا مؤنة الرجل و عياله فكتب و قرأه علي بن مهزيار عليه الخمس بعد مؤنته و مؤنة عياله و بعد خراج السلطان». «1»

و قريب منه ما ورد من التعبير في رواية ابن شجاع النيسابوري من كلام الراوي في سؤاله عن ابي الحسن الثالث عليه السّلام انه: «ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا (من الحنطة)» و جوابه عليه السلام: «الخمس مما يفضل من مؤنته» «2» فالراوي نفسه استثني مؤنة الكسب حيث عبّر عن ذلك بقوله:

(ذهب منه ثلاثون كرّا) و منه يظهر ان استثنائها كان موضع وفاق بين اصحاب الائمة- عليهم السلام- فلا نحتاج للاستدلال علي ذلك الي الاطلاق فانه اقوي دلالة من الاطلاق. و هكذا غيرهما من الأخبار الدالة عليه.

و اما القسم الثاني اعني مؤنة الانسان نفسه فهي علي اقسام:

1- قد يكون من الامور الحيوية التي لا مناص للإنسان منها، كما يرتبط

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

فالاختلاف وقع بينهم في استثناء مؤنة الشخص، و اما استثناء مؤنة الكسب فقد كان مسلّما بينهم و لذا لم يسأل عنه الراوي و تلقاه بالقبول.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 341

بالمأكل و المشرب و الملبس و المسكن و المركب و التداوي عند المرض.

2-

ما يرتبط بالحقوق اللازمة عليه، كأداء الديون و اروش الجنايات و مصارف الحج و الوفاء بالنذر و شبهه.

3- ما يرتبط بامر نكاح نفسه و اولاده و من يكون في عيلولته، بل قد يكون هذا القسم من مصاديق القسم الاول.

4- ما يرتبط بغير حوائجه اللازمة في حياته، كالهدايا و الاضياف و الهبات و الزيارات المستحبة و التنزه و شبهها و الحلّي و انواع التزيين، و كذا ما يصرف لأداء الاحترام الي الاموات من الامور المستحبة و غير المستحبة.

فهل استثناء المئونة يشمل جميع ذلك او يختص ببعضها دون بعض؟

و اللازم قبل كل شي ء الرجوع الي معني المئونة و مفهومها، فانها العنوان الذي يدور مداره احكام الباب، فقد صرح باستثناء المئونة علي الاطلاق او مؤنته و مؤنة عياله في كثير من روايات الباب «1» بل قد ورد التصريح بعدم وجوب الخمس من الفاكهة التي يأكلها العيال في حديث ابي بصير عن الصادق عليه السّلام. «2»

هذا و المئونة كما ورد في كثير من كتب اللغة مثل القاموس و لسان العرب و غيرهما هي القوت (و القوت هو ما يؤكل، فعلي هذا لا تشمل غير المأكول من حوائج الحيات من ضرورياتها و غير ضرورياتها، و بل لا يشمل مثل المسكن و الملبس و اشباههما، و لكن صرح غير واحد من اكابر الاصحاب بان معناه في العرف عام يشمل جميع ما ذكر.

______________________________

(1)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 و 2 و 3 و 4 و 5.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 342

قال في كشف الغطاء:

«كل ما يتعارف بين الناس صرف المال فيه فهو مؤنة».

و قال في المسالك و الروضة فيما حكي عنهما: «المئونة ما ينفقه علي نفسه و عياله الواجبي النفقة و غيرهم كالضيف و الهدية و الصلة لإخوانه … »

و قال في الجواهر: «الاولي ايكاله الي العرف» و صريح كلامه ان مفادها في العرف عام يشمل جميع ما ينفقه علي نفسه و علي عياله.

و قال في المستمسك: «المئونة مطلق ما يحتاج اليه عرفا في جلب المحبوب او دفع المكروه».

و قال في مستند العروة: «هي كل ما يحتاج اليه الانسان في جلب المنفعة او دفع المضرة».

و ظاهر الجميع ان مفادها في العرف عام لا يختص بالقوت و شبهه، و الانصاف انه كذلك، فان المتبادر منه مفهوم عام لا يختص بالقوت بل يشمل جميع ما ينفقه الانسان في حياته مما يتعارف صرف المنافع فيه في جميع الاقوام و الملل. «1»

و يدل علي ذلك أيضا ملاحظة اخبار الباب، فانها لا تقبل الحمل علي خصوص القوت بل الظاهر منها الغاء الخصوصية من هذه الجهة و لو كانت المئونة ظاهرة في خصوص القوت.

اضف الي ذلك ما تقدم من مسألة كون مصارف الشخص

______________________________

(1)- و الاشكال بان هذا المعني العرفي للمئونة لعله مختص بعرفنا الحاضر لا العرف الموجود في زمن الائمة (ع) فلا يمكن الاستدلال به، يجري في التمسك بجميع الظهورات اللغوية و العرفية، و يدفعه اصالة عدم النقل و الاستصحاب القهقرائي كما حقق في الاصول.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 343

في ابواب المكاسب من مصارف الكسب و ان هو الا من قبيل العمال الذين يأخذون الاجور علي اعمالهم، فلو كانت نفقة صاحب الكسب في السنة الف دينار و كانت منفعة كسب

بهذا المقدار لم يصدق عليه في الواقع انه حصل له منفعة او غنيمة، فلا وجه حينئذ للخمس المتعلق بالغنائم.

و علي كل حال الحكم عام شامل لجميع مصاديق المصارف الواجبة و المستحبة، و الضروري و غير الضروري مما يتداول بين الناس صرف المنافع فيها.

هذا و لو شك في بعض مصاديقها و لم يعلم دخوله في عنوان المئونة و عدمه فقد يقال مقتضي اطلاقات وجوب الخمس تعلقه به لعدم ثبوت خروجه عنها، لان امر المخصص دائر بين الاقل و الاكثر فيؤخذ بالقدر المتيقن.

اللهم الا ان يقال: ان هذه العمومات و الاطلاقات من قبيل المحفوف بما يحتمل القرينية، و بعبارة اخري اجمال المخصص يسري الي العام في المخصص المتصل حتي اذا دار امره بين الاقل و الاكثر فلا يصح التمسك بالعموم لا جماله.

و لكن يدفعه: ان هناك عمومات او اطلاقات لا تشتمل علي المخصص المتصل، فلا يجري هذا الاشكال فيها، و لا مانع من الاخذ بعمومها و الحكم بوجوب الخمس في موارد الشك. «1»

بقي هنا امور
1- قد صرح غير واحد من الأصحاب بتقييد المئونة بكونها لائقة بحاله

______________________________

(1)- و لا يخفي ان هذا مبني علي القول بخروج المئونة عن عمومات وجوب الخمس بالتخصيص، و اما علي التخصص كما ذكرناه سابقا فالمرجع هو اصالة البراءة.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 344

موافقة لشأنه كما في مصباح الفقيه «1»، و في الحدائق بعد ذكر مصاديق المئونة: «كل ذلك ينبغي ان يكون علي ما يليق بحاله و ان اسرف حسب عليه ما زاد». «2»

و قد سبقهم الي ذلك الشهيد الثاني في المسالك: «و يعتبر في ذلك ما يليق بحاله عادة». «3»

و لذا صرح المحقق اليزدي في العروة الوثقي بانه لو زاد علي ما يليق بحاله مما يعد سفها و سرفا بالنسبة اليه

لا يحسب منها.

و قد اوضح ذلك سيدنا الاستاد البروجردي كما في تقريراته بانه: «يجب علي كل واحد ان يراعي حد الاعتدال في مؤنته علي ما يقتضيه شأنه بحيث لا يبلغ حد الاسراف و التبذير و ذلك يختلف بحسب اختلاف الاشخاص بالغني و الفقر و بالمناصب علي اختلاف مراتبها … و باختلاف الامكنة و البلدان و الازمنة و الاعصار ثم مثل لذلك من يكفيه من المسكن استيجاره و من لا يكفيه بحسب شأنه الا تملكه» انتهي ملخصا. «4»

و الدليل علي ذلك هو انصراف الاطلاقات اليه كما في نظائره، مثل انصراف اطلاق الوجه و الاصابع في باب الوضوء الي الوجه و الاصابع المتعارفة، فلا اعتبار بمن نبت شعره من اعلي حاجبيه، او نبت شعره من وسط رأسه، او كانت اصابعه قصيرة بحيث لا يدور الابهام و الوسطي الاعلي نصف وجهه عرضا، الي غير ذلك مما ذكروه في باب الكر من حيث الاشبار و الذراع في الابواب المختلفة.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 131.

(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 353.

(3)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 59.

(4)- زبدة المقال في خمس الرسول و الآل، الصفحة 87.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 345

فاطلاقات المئونة لا تشمل المسرف و لا المبذر، بل الخروج عن الشأن حتي و ان لم يعد اسرافا كمن اشتري دارا وسيعا لها طبقات و غرف كثيرة، خارجة من شأنها و ان لم يتلف ماله بل يمكنه بيعه باكثر مما بذله عند الشراء.

و من هنا يظهر ان المراد من الاعتدال ليس إلا عدم التجاوز عن الحد اللائق بحاله لا الاعتدال بمعني الاخذ بحد الوسط، فلو زاد علي ذلك وجب عليه خمسه أيضا، و العجب من المحقق الهمداني

في مصباح الفقيه حيث قال (بعد نقل التقييد بعدم الاسراف عن شيخنا الانصاري قدس سره):

«ان المتبادر من مثل قوله عليه السّلام الخمس بعد المئونة ارادته فيما يفضل عما ينفقه في معاشه بالفعل … فالعبرة بما يتفق حصوله في الخارج كيفما اتفق و دعوي ان المتبادر من الروايات انما هو ارادة ما ينفقه في مقاصده العقلائية علي النهج التعارف لا علي سبيل الاسراف قابلة للمنع الا انه ربما يظهر من كلماتهم دعوي الاجماع عليه». «1»

و فيه ان انصراف الاطلاقات الي الافراد المتعارفة واضح لا يختص بهذا الباب، و الظاهر ان مستند المجمعين أيضا ليس الا هذا.

2- هل هناك فرق في العيال بين واجبي النفقة و غيرها؟

قد صرح غير واحد منهم بعدم الفرق كما في المسالك و الروضة و المدارك و الرياض، و حكي في الجواهر عن السرائر انه اقتصر علي الاول و لكن قال هو نفسه: «لعله لا فرق فيه علي الظاهر بينهما مع صدق العيلولة عرفا» «2» و هذا التعبير لا يخلو عن اشعار بالترديد في المسألة.

و لكن الانصاف شمول الاطلاقات للجميع من غير فرق بين القسمين

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 131.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 59.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 346

لعدم وجود ما يصلح للتقييد لا سيما مع شيوع بذل الاموال علي غير واجبي النفقة فيما بين الناس كما هو ظاهر، فلو كان قيد من هذه الناحية لوجب بيانه.

3- هل هناك فرق بين أروش الجنايات و الإتلافات العمدية و غيرها أم لا؟

ظاهر العروة بل صريحها عدم الفرق و وافقه المعلقون عليها فيما رأينا، و لكن الانصاف انه قابل للإشكال لأنه يمكن ان يقال: اي فرق بينه و بين الاسراف و التبذير؟

غاية الامر ان الاسراف يكون في المنافع و هذه الامور في ما يكون جبرانه بسبب المنافع، فالاحوط لو لا الاقوي عدم استثناء هذه الامور.

4- صرح بعض السادة الأعلام بعدم جريان التفصيل بين اللائق بشأنه و غيره

، في خصوص العبادات و الامور القربية- كما هو ظاهر متن العروة و صريح غيرها- فان شأن كل مسلم التصدي للمستحبات الشرعية و القيام بالافعال القربية طلبا لمرضاته تعالي، من دون فرق بين مسلم و مسلم آخر، فلو صرف جميع منافعه بعد اعاشة نفسه في سبيل الله ذخرا لآخرته في سبيل الانفاقات و الحج و العمرة و زيارة الحسين عليه السّلام و غيرها، لا يعد من الاسراف و التفريط و الخروج عن الشأن. (انتهي ملخصا) «1»

اقول: ما ذكره جيد في بادي النظر اذا ثبت الاستحباب في امر، اما اذا كان مصداقا لقوله تعالي: «وَ لٰا تَبْسُطْهٰا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً» فلا للنهي عنه شرعا.

هذا و ما ذكره من ظهور عبارة المتن في جريان التفصيل في هذه الامور أيضا (من اللائق بالشأن و غيره) غير ظاهر، لأنه- قدس سره- ناظر الي ما يحتاج اليه في معاشه و ليس في كلامه ما يدل علي امر المعاد فراجع و تدبر.

______________________________

(1)- مستند العروة الوثقي، كتاب الخمس، الصفحة 251.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 347

هذا و لكن لقائل ان يقول: ان صرف المال في المستحبات و ان كان جائزا من دون التقييد باللياقة بحاله فانه لائق لكل احد، و لكن صدق المئونة عليه اذا كان خارجا عن المتعارف مشكل جدا، بل الظاهر عدم

صدق المئونة عليه فكأنه وقع الخلط في كلامه دام علاه بين جواز الصرف، و بين صدق المئونة عليه.

و ان شئت قلت: وقع الخلط بين عنوان عدم الاسراف و عنوان المئونة المتعارفة، فربما لا يكون شيئا اسرافا و لكن مع ذلك ليس من مصاديق المئونة المتعارفة، فاذا قلنا بانصراف عنوانها الي المتعارف لم يشمل امثال هذه المصاديق. فهل يمكن ان يقال: مؤنة زيد في السنة آلاف ألوف لأنه يبذل جميع امواله الزائدة في سبيل اللّه؟

فحينئذ يمكن القول بوجوب اداء الخمس الزائد اذا كان خارجا عن المتعارف و كان المال من ارباح المكاسب، اللهم الا ان يقال باستقرار السيرة علي خلافه، و هو مشكل لندرة تحققه بين الناس فيشكل دعوي السيرة عليه، فالاحوط لو لا الاقوي وجوب اخراج الخمس عن الزائد.

فهذا القول في جهة الافراط، و في مقابله في جهة التفريط ما حكاه المحقق النراقي في المستند عن بعض الاجلة من الاستشكال في احتساب الصلة و الهدية اللائقتان بحاله و انه لا دليل علي احتسابه (من المئونة) و كذا الاشكال في مؤنة الحج المندوب و سائر السفر الطاعة المندوبة، ثم قال: «هما في موضعهما بل الظاهر عدم كونهما من المئونة». «1»

اقول: لازم ما ذكرناه تخصيص المئونة بالضروريات و الواجبات

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 80.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 348

و هو عجيب لان نفقات الانسان مركبة منهما، و لم نسمع احدا يكتب جميع ما يصرفه من المصارف في دفتر مخصوص ثم عند المحاسبة رأس السنة للخمس يحسب الواجبات و الضروريات و لا يحسب الهبات و الانفاقات المستحبة و اسفار الطاعة كذلك، فان حفظ حسابه غير ممكن الا بالتسجيل في الدفاتر او اداء خمس

الارباح يوما بيوم، و كلاهما مما استقرت السيرة علي خلافهما.

*** بقي هنا مسائل

الأولي: قد مر آنفا حكم رأس المال و أنه هل هو من المئونة أم لا؟ و لما أعاد القول فيه في العروة

في المسألة 62 بغير ما مضي منه في المسألة 59 كان المناسب توضيحا اكثر في هذه المسألة المبتلي بها لغالب الناس، فان غالب المحن يحتاج الي رأس مال و لا أقلّ من آلات مثل آلات التجار و النساج و الزراعة، و كذا المعامل و المصانع الكبار و الصغار في عصرنا فانها غالبا تحدث او توسع من المنافع الحاصلة من نفس العمل، فهل جميع ذلك متعلق للخمس او لا، او فيه تفصيل؟

فنقول و من اللّه التوفيق و الهداية: ان المسألة غير معنونة في كلمات كثير من الاصحاب و لعل عدم التعرض لها كان لوضوح عدم عدّ رأس المال من المئونة عندهم او لأمر آخر.

نعم صرح المحقق النراقي في المستند في احكام المئونة بانه ليس من المئونة عن الضياع و العقار و المواشي للانتفاع بمنافعها و لو لمؤنة السنة، و لا رأس مال تجارته لعدم التبادر و صحة السلب و لعدم الاضطرار بها

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 349

و لا اللزوم و الحاجة الي رقباتها في ذلك العام للمئونة فيه. «1»

و من الغنائم للمحقق القمي: «الظاهر ان تتميم رأس المال لمن احتاج اليه في المعاش من المئونة كاشتراء الفيعة لأجل المستغل» «2» بعد ان حكم بعدم كون رأس المال من المئونة بلا اشكال، و ظاهر التفصيل بين صورة الحاجة و عدمها لمؤنة سنته.

و عن رسالة شيخنا الاعظم- قدس سره- موافقة ما ذكره صاحب الغنائم في عده من رأس المال اذا احتاج اليه في سنته، بل و زاد عليه انتفاعه بمنافعه في السنين الآتية. «3»

و اختار هذا المسلك- اعني عدم وجوب الخمس اذا احتاج اليه

لمؤنة سنته- غير واحد من اعلام المحشين علي العروة بعد ان احتاط المحقق اليزدي فيه بوجوب الخمس فيه.

اقول: و تحقيق الحال فيه ان يقال: ان المسألة ذات صور مختلفة لكل منها حكمه.

1- قد تجعل الارباح الحاصلة من السنين السابقة رأس مال للسنة الحاضرة، او من السنة الحاضرة للسنين المقبلة.

فهذا مما لا اشكال في تعلق الخمس بها سواء احتاج الي هذا في السنة المقبلة بحيث لم يمكنه الاكتساب بدونه أم لا؟ فان المفروض انه زائد علي مؤنة سنة الربح فيجب فيه الخمس حتي لو احتاج اليه في نفقته في اليوم الآتي بعد السنة.

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 80.

(2)- رواه في المستمسك ذيل المسألة 59.

(3)- رواه في المستمسك ذيل المسألة 59.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 350

2- اذا جعلت ارباح السنة رأس مال لتلك السنة و هذا علي اقسام:

تارة يمكنه الاعاشة بدونه و يكون اخذ رأس المال لتوسعة منافعه من غير ان يكون محتاجا الي هذه التوسعة، و هذا أيضا مما لا اشكال في تعلق الخمس به.

و اخري يمكنه الاعاشة بدون ذلك و لكن يكون كسبه دون شأنه فمقتضي شأنه ان لا يكون مثلا عاملا بسيطا بل لا بد ان يكون له رأس مال يكتسب به و يكون المبلغ الموجود بحيث لوادي خمسه لم يقدر علي ما ذكر، فهذا يعد من المئونة لما عرفت من ان المئونة هي جميع ما يصرفه الانسان فيما يحتاج في حاجات حياته حتي ما يتعلق بحفظ شئونه و مكانته.

و ثالثة ما اذا احتاج اليها لمؤنة سنته او لتتميمها مثل ما اذا حصل له في ستة اشهر من سنته ارباح من طريق العمل باليد و لكن في باقي السنة

لا يوجد له هذا العمل و لا بد له ان يجعل تلك الارباح رأس مال او آلات حتي يتمكن من تحصيل مؤنته في الباقي من سنته بل و في ما بعدها من السنة المقبلة، فهل هذا مما يتعلق به الخمس أم لا؟

و عمدة دليل القائلين بوجوب الخمس فيها (فتوي او احتياطا) هو انصراف لفظ المئونة منها، لأنها ظاهرة فيما يصرف عينها فعلا او يكون من قبيل الفرش و الدار و غيرها مما ينتفع بها في عيشه و حياته لا ما يستفاد منه لتحصيل الربح.

هذا و لكن يمكن الجواب عنه بانه و ان فرض صحة هذا الانصراف بالاعتبار المذكور، و لكن يمكن الغاء الخصوصية عنها بعد كونه مما يحتاج اليه في حياته و لو بالواسطة، و اي فرق بين ما يحتاج اليه بدون الواسطة او يحتاج اليه بسبب انه سبب للمئونة؟

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 351

بل يمكن ان يقال بصدق عنوان المئونة لها، و ان هذا الا مثل ما اذا احتاج الي لبن الشاة او البقرة و لا يحصل الا بابتياع شاة او بقرة، او احتاج الي غرس اشجار للانتفاع بثمرتها و لا يمكن الوصول الي الثمرة بدونها، فهل يشك احد في كون البقرة او الشجرة من المئونة و ان كان يبقي عينها و ينتفع بثمرتها؟

و كذلك ما تداول في ايامنا من الحاجة الي رهن الدار بمبلغ كثير او الاستيجار بقيمة قليلة بشرط قرض هذا المبلغ، فان هذا المبلغ و ان كان يبقي عنه و لكنه يعد من المئونة و لا يتعلق به الخمس، فكذلك رأس المال في محل الكلام و ان ابيت الا عن عدم صدق المئونة علي رأس المال و

ان احتاج اليه، ففي الغاء الخصوصيّة عنها بما عرفت غني و كفاية.

الثانية: المئونة علي أقسام

، قسم منها يصرف عينه و لا يبقي كالمأكول و المشروب، و قسم منها ينتفع بمنافعه و يبقي عينه كالدار و المركب و الظروف و الفرش و شبهها، و هي علي اقسام:

1- قسم منها لا يبقي بعد مضي السنة كبعض الالبسة و لا كلام فيها.

2- قسم يبقي بعد ذلك و لا خمس فيه اذا احتاج اليه في المستقبل، و ذلك لإطلاقات روايات استثناء المئونة مع كون كثير من افرادها مما يبقي بعد السنة، اضف الي ذلك استقرار السيرة عليه في جميع الاعصار و الامصار.

3- قسم منها يبقي و لكن يستغني عنه بعد السنة كالأشياء التي اشتراها للحج مثلا ثم حج و استعني منه، او حلي المرأة بعد كبر سنها و استغنائها عنها، و غير ذلك مما يختص بمكان او زمان او ظروف خاص، و سيأتي الكلام فيها ان شاء اللّه عند ذكر المصنف لها (في المسألة 67).

4- قسم منها يكون من نوع غال يبقي سنين كثيرة لا يحتاج بقائها الي مثل تلك السنين، مثلا اذا كان هناك ظروف تبقي مئات سنة و ظروف تبقي مدة

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 352

حياته و كانت الاولي غالية جدا فاشتراها، يشكل استثنائها من الخمس (لا أقلّ بالنسبة الي ما زاد علي الفرد المتعارف) و ذلك لانصراف الاطلاقات من مثله.

5- قسم منها يحتاج اليه في بعض الاوقات فقط و يمكن استيجارها حينئذ و كان متعارفا بين الناس كالظروف و الفرش لمجالس العرس و شبهها فاشتراها و ادخرها، يشكل استثنائها من المئونة اللهم الّا اذا كان متعارفا و من شئونه.

اما اذا كان الاشتراء و الاستيجار

كلاهما متعارفين و داخلين في شئونه كما هو كذلك في الدار فله اختيار اي واحد منهما، ففي الاستيجار يكون مال الاجارة مستثني و في الاشتراء يكون الثمن كذلك و الوجه ظاهر.

6- اذا كان الدار وسيعا جدا له غرف كثيرة لا يحتاج اليها في الحال و المستقبل القريب، كان الزائد عما يحتاج اليه خارجا عن المئونة و يحتسب في رأس السنة و يؤدي عنها الخمس، و الوجه فيه أيضا ظاهر.

الثالثة: إذا كان له أموال بعضها مما يتعلق به الخمس كأرباح سنته، و بعضها مما لا يتعلق كالإرث
اشارة

، او تعلق به و اداها كالأرباح السابقة، فهل تؤخذ المئونة من الاول، او الثاني، او يوزع عليهما بالنسبة، او هو بالخيار من اي واحد اخذ؟ فان اخذها من الاول فلا خمس فيها.

و قد حكي في المسألة اقوال ثلاثة:

1- ما عن الأردبيلي في مجمع الفائدة من وجوب الاخذ من الاموال التي لا يتعلق بها الخمس قال: «الظاهر ان اعتبار المئونة من الارباح مثلا علي تقدير عدمها من غيرها فلو كان عنده ما يمون به من الاموال التي تصرف في المئونة عادتا فالظاهر عدم اعتبارها مما فيه الخمس بل يجب الخمس من الكل، لأنه احوط و لعموم ادلة الخمس و ثبوت اعتبار المئونة عند الحاجة

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 353

اليها، و لأنه قد يؤل الي عدم الخمس في اموال كثيرة و يحتمل التقسيط و لكنه غير مفهوم من الاخبار الا انه احوط بالنسبة الي اخراجها من الارباح بالكلية (انتهي ملخصا)» «1»

2- احتسابهما من كليهما بالنسبة كما قال في المسالك:

«لو كان له مال آخر لا خمس فيه … فالمئونة مأخوذة منه في وجه، و من الارباح في آخر، و الاول احوط، و الاعدل احتسابهما بالنسبة». «2»

3- ما اختاره كاشف الغطاء من احتسابه عن الربح المكتسب فقط حيث قال: «و يحتسب من الربح المكتسب دون غيره علي اصح الاقوال». «3»

و ظاهر هذه العبارة احتسابها عن ارباح السنة و ان صرف غيرها في المئونة عملا، فيوضع عنها مقدارها عند محاسبتها في رأس السنة.

و يظهر من المحقق الهمداني في مصباح الفقيه، كون القول الثالث هو المشهور بين من تعرض للمسألة و انها ظاهر كل من عبر عن عنوان المسألة بما يفضل من الارباح عن مؤنة سنته. «4»

و اختاره المحدث البحراني في

الحدائق أيضا. «5»

و اختاره أيضا صاحب الجواهر في رسالته نجاة العباد فقال: «لو كان عنده مال آخر لا خمس فيه، فالاقوي اخراج المئونة من الربح دونه خاصة. «6»

4- و يمكن ابداء قول رابع في المسألة و هو انه تابع لصرفها خارجا، فلو

______________________________

(1)- مجمع الفائدة و البرهان، المجلد 4، الصفحة 318.

(2)- مسالك الافهام، المجلد 1، الصفحة 67.

(3)- كشف الغطاء، الصفحة 362.

(4)- مصباح الفقيه، الصفحة 131.

(5)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 354.

(6)- نجاة العباد، الصفحة 87.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 354

اخذها من ارباح السنة تحسب منها، و لو اخذ من مال ادي خمسه تحسب منه، و لو وزعها كان المقدار الذي اخذه من ارباح السنة يوضع من تلك الارباح عند المحاسبة رأس السنة.

5- و هنا احتمال خامس و هو محاسبة ما كان عنده موجودا من قبل من دار و نحوه من المئونة بان يضع من ارباح السنة بمقدارها، فان كان له دار من ارث ابيه يساوي مأئة الف درهم و استفاد في تلك السنة بهذا المقدار لم يجب عليه خمس لأنه يحسب مقداره من المئونة، كما اشار اليه في نجاة العباد و ان لم يقبله، فقال:

«نعم الظاهر عدم احتساب ما عنده من دار او عبد و نحوهما مما هو من المئونة مع عدمه، من الربح بل يقوي ذلك فيمن قام غير بمئونته لوجوب او تبرع و كذا ما بقي من مؤنة السنة الماضية مما كان مبنيا علي الدوام كالدار». «1»

و عمدة ما يمكن ان يستدل به للقول المنسوب الي المشهور اعني القول الثالث، هو قوله عليه السّلام: «الخمس بعد المئونة» الواردة في روايات عديدة بناء علي ان ظاهره هو البعدية في المحاسبة لا

في الاخراج، نظير قوله تعالي في آيات سهام الارث: «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ» * «2» فان المراد ليس منه اخراج الوصية و الدين او لا من ناحية الزمان بل من ناحية المحاسبة، فلو كان وصيته تتعلق بامر متأخر في الوجود يجوز للوراث اخذ سهامهم بعد محاسبة الوصية و مقدارها، و كذلك الدين لو اخّر اخراجها بسبب جاز اخذ الوراث سهامهم، ففي المقام أيضا يقال ان المراد البعدية في المحاسبة

______________________________

(1)- نجاة العباد، الصفحة 87.

(2)- سورة النساء، 11.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 355

فيخرج مقدار المئونة عن الارباح و لو صرف مالا آخر فيها.

و يؤيد ذلك بل يدل عليه ما مر سابقا من ان استثناء المئونة يمكن ان يكون من باب التخصص لا التخصيص، لعدم صدق الربح اذا اشتغل بنفسه بكسب و لم ينتفع الا بمقدار مؤنة سنته، و ان هو من هذه الجهة الا كالعمال التي يستأجرهم لأمور تجارته و زراعته و ينقص اجورهم من ارباح السنة و ليس هو نفسه أقلّ من اجير يستأجره.

و لكن ذلك انما يصح في خصوص ما اذا اشتغل هو بنفسه بالاكتساب، اما لو كان له دار مثلا او ضيعة من ارث ابيه و آجرها و انتفع بثمنها من دون اي عمل فيها او وهبه بعض اصدقائه هبة (بناء علي وجوب الخمس في الهبة).

فهذا دليل اخص من المدعي، اللهم الا ان يقال: ان الغالب من القسم الاول و لاحظه الشارع في حكمه فتأمل.

و عمدة الدليل علي القول الاول الذي ذهب اليه المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة هو اطلاقات ادلة الخمس المقتصر في تخصيصها بالنسبة الي المئونة في صورة الحاجة اليها، و اما كونه احوط، و

كذلك كون القول الثالث، سببا لعدم الخمس في اموال كثيرة مع عدم الاحتياج الي صرفها اصلا كما في اكابر التجار، (و قد عرفت الاستدلال بهما في كلام المحقق الأردبيلي) فهو مما لا يعتمد عليه لان الاصل هو البراءة، و الثاني مجرد استبعاد كالقول بالتقسيط الوارد في كلام المسالك و المدارك لكونه اعدل، فانه مجرد استحسان لا يمكن الاعتماد عليه.

هذا و يمكن دفع الاطلاقات بما مر من ظهور قوله: «بعد المئونة» في تقييدها باخراج المئونة عند المحاسبة و ظهور القيد مقدم.

و يمكن الذهاب الي القول الرابع نظرا الي ان اخراج المئونة بمعني الصرف

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 356

فلو لم يصرف منها تعلق به الخمس، و لكن القول الثالث اقوي.

و لا وجه للاحتمال الخامس و هو اردء الوجوه في المسألة.

و اما الوجه الثاني فقد عرفت ان غاية ما يدل عليه هو قاعدة العدل، و لم تثبت هذه القاعدة في المقام لا سيما مع ملاحظة شمول العمومات التي عرفتها للمقام.

و مما يمكن الاستدلال به علي المطلوب هو رواية علي بن محمد بن الشجاع النيشابوري و غيرها مما ورد في باب الضياع، فان ظاهرها اخذ المئونة بالنسبة الي السنة الآتية عن محصول ضيعته و هو ستّون كرا من الطعام، فان هذا هو المعمول بالنسبة الي الضياع بخلاف التجارات و المكاسب التي تنفع شيئا فشيئا كل يوم فتؤخذ المئونة منها.

و ان شئت قلت: اخذ المئونة مما فضل له من ضيعته اما ما يعادل ما صرفه في السنة الماضية، او ما يعادل مؤنة السنة الماضية التي انفقها من مال آخر، او ما يعادل مؤنة السنة اللاحقة كما هو المتداول بين اهل الزراعات. و علي كل حال يكون

استثنائه بمعني اخراج ما يعادله، و ان كان عنده مال آخر (كما هو الغالب و لا أقلّ انه كثير) و حينئذ يقوي الاعتماد علي القول الثالث.

الرابعة: هل المناط في المئونة ما يصرف فعلا في مصارف الحياة، أو مقدارها

و ان لم يصرفه بالفعل، و تظهر النتيجة في ما اذا قام متبرع بمئونته او كان ضيفا في بعض الايام او الشهور، و كذلك اذا قتر علي نفسه و صرف ما دون شئونه.

صرّح كاشف الغطاء بالاول حيث قال: «و لو اقتصر في قوت او لباس او آلات او مساكن او اوضاع و لم يفعل ما يناسبه لم يحسب التفاوت من المئونة

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 357

علي الاقوي». «1»

و قد صرح بذلك أيضا تلميذه صاحب الجواهر- قدس سره الشريف-. «2»

و قال المحقق الهمداني: «لو تبرع متبرع بنفقته فالظاهر انه لا يحسب له ما يقابله من الربح فضلا عما لو قتر فيه كما صرح به غير واحد من مشايخنا». «3»

و لكن حكي في صدر كلامه عن غير واحد- كالعلامة و الشهيدين و المحقق الثاني- التصريح بانه لو قتر علي نفسه حسب له، بل عن المناهل انه استظهر عدم الخلاف فيه.

و ما ابعد بين ما حكاه هنا و ما اختاره نفسه من نفي الاستبعاد عن تعلق الخمس بما يفضل، لو قصر في اداء بعض التكاليف الواجبة كما اذا ترك الحج الواجب ففضل شي ء من ارباحه وجب عليه خمسه، و لكن لو صرفه في اداء ذلك الواجب لم يبق له شي ء.

و علي كل حال العمدة فيه ما ذكروه من ان المتبادر من اخبار استثناء المئونة انما هو استثناء ما ينفقه فعلا- كما هو كذلك في مثل مؤنة المعادن و الغوص و شبه ذلك- لا استثناء مقدارها، و لا ينافي

ذلك ما مر من ظهور البعدية في قوله: «الخمس بعد المئونة» في البعدية بحسب المحاسبة، فان محاسبة المقدار أيضا انما هي بالنسبة الي ما يصرفه من الاموال في الآتي او ما مر عليه في الماضي.

فعلي هذا لو قلنا بجواز اخذ مؤنة السنة الآتية مما يفضل من الزراعات

______________________________

(1)- كشف الغطاء، الصفحة 362.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 63.

(3)- مصباح الفقيه، الصفحة 131.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 358

و شبهها- كما هو المعمول فيها- فاخذها ثم لم يصرفها بسبب الامساك و التقتير، او وجود متبرع او حصول الرخص و الخصب في البلاد، وجب عليه اداء مقدار خمس الزائد لعدم صرفه فعلا في مؤنته.

ان قلت: المعروف في باب نفقة الزوجة انها لو بذل لها باذل او قتر علي نفسها انها تملكها علي الزوج فما الفرق بين المقامين.

قلت: كأنهم رأو معاوضة بين تمكينها من نفسها و النفقة، و لذا تدور مداره نفيا و اثباتا، و عدم قولهم بذلك في باب نفقة الاولاد و الابوين أيضا شاهد علي ما ذكرنا.

*** الخامسة (66 من العروة): قد يستقرض من ابتداء السنة لبعض مصارف كسبه فلا اشكال في وضع مقداره عند ظهور الربح

، لما عرفت من ان الربح لا يصدق الا بعد اخراج جميع مؤنات الكسب و هذا ظاهر.

اما اذا استقرض لمؤنة شخصه فان كان بعد ظهور الربح و شروع سنة الخمس (و لكن لم يصرف من الربح لمصلحة بل اذا استقرض لمؤنته) فلا اشكال أيضا في وضع مقدارها من الربح لما عرفت من ان الخمس بعد مؤنة الشخص.

و اما اذا كان قبل ظهور الربح و شروع سنة الاكتساب- لان مبدء السنة وقت ظهور الربح لا الاخذ في الاكتساب علي الاقوي- فهذا لا يعد من مؤنة سنة الاكتساب حتي يوضع من ربحه، نعم يجوز له اداء دينه من ارباحه

فان اداء الدين يعد من المئونة و ان كان من السنين السابقة، غاية الامر انه انما يحتسب منها اذا اداه و اما اذا لم يؤده لا يمكن وضع شي ء من الربح في مقابله،

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 359

بل يكون من مؤنة السنين الآتية التي تؤدي فيها لعدم الصدق العرفي بدون الاداء، اللّهم الا اذا كان مشتغلا.

و منه يظهر الحال فيما اذا اكل من رأس ماله قبل ظهور الربح.

فالمناسب للمختار ان يقال: «يجوز له صرف مقداره من الربح لا وضع مقداره من الربح».

هذا كله اذا كان الدين يؤدي دفعة، لو كان يؤدي نجوما فانما يحسب النجم الحاضر من الديون السابقة (لا من دين السنة) فان الديون النجومية لا تحسب من المئونة الا بالنسبة الي مقدار الحاضر منها، كما سيأتي الكلام فيها ان شاء اللّه في المسائل الآتية عند تعرض المصنف لمسألة اصل الدين و كونه من المئونة.

*** السادسة (67 من العروة): لو زاد ما اشتراه و ادخره للمئونة عن مئونة سنته فان كان مما يصرف- كالحنطة

و الشعير و الارز و ساير المأكولات- فلا اشكال في وجوب خمسه، و قال في المستمسك بلا خلاف ظاهر لعدم كونه من المئونة و هو كذلك، و لازم ذلك محاسبة ما يبقي حتي من الملح و زيت السراج و شبهه من الاشياء القليلة عند تمام السنة. اللّهم الا ان يقال: ان امثال ذلك من الاشياء اللطيفة مما جرت السيرة علي خلافه، لكونها مغفولا عنها فلو كان الخمس واجبا في امثال ذلك كان اللازم علي الشارع المقدس توجيه الناس فيها، و لكن الاحوط لا سيما لأهل الورع و التقوي محاسبة شي ء في مقابل جميع هذه الامور الجزئية، اما الاشياء الكثيرة الزائدة علي المئونة فوجوب الخمس فيها مما لا غبار عليه.

و اما اذا كان مما يبقي عينه-

كالفرش و الظروف و غيرها- فلها صورتان:

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 360

تارة لا يستغني عنه في السنة المقبلة كما هو كذلك في كثير من هذه الاشياء فلا ينبغي الشك أيضا في عدم وجوب الخمس منه لإطلاق الادلة اولا، و استقرار السيرة عليه ثانيا، بل كأنه من الواضحات و ان كان قد يظهر من بعض كلمات صاحب الجواهر- قدس سره- وجود القول بوجوب الخمس فيها أيضا و ان لم يستغن عنها، حيث قال: «نعم قد يقال ان ظاهر تقييد المئونة بالسنة يقتضي وجوب اخراج خمس ما زاد منها عليها من غير فرق بين المأكل و غيره من ملبس او فرش» او اواني او غير ذلك الا المناكح و المساكن … و لعله لهذا استثنيت المناكح و المساكن». «1»

بل يظهر من كلامه هذا الميل الي هذا القول وليت شعري كيف يمكن انكار السيرة المستمرة من اهل الشرع علي خلافه و اي فرق بين المناكح و المساكن و غيرهما من الفرش و الاواني، و ما سيأتي استثنائه في باب المناكح و شبهها لا دخل له بما ذكره.

و اخري يستغني عنه بعد حين اما في السنة الآتية او في نفس سنة الخمس، و له امثلة كثيرة (منها) حلي النسوان بعد كبر سنهن و الاستغناء عنها و (منها) الدور المتعددة اذا كان له عائلة كثيرة ثم تزوجوا و ذهبوا من عنده و لم يحتج هو نفسه الي غير دار واحد و (منها) ما اذا تبدل شغله و كان له آلات خاصة بالشغل السابق و كانت من مؤنته ثم استغني عنها في الشغل الجديد و (منها) ما اذا احتاج الي ظروف الماء و مراكب للاستقاء، ثم بعد

نصب الانابيب و اتصالها الي داره استغني منها، الي غير ذلك.

فهل يجب في جميع ذلك الخمس او لا يجب؟ الذي يظهر من كلمات المعاصرين و بعض من تقدم عليهم ان في المسألة اقوال ثلاثة:

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 64.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 361

احدها: وجوب الخمس فيها مطلقا كما يظهر من بعض المعاصرين.

ثانيها: عدم وجوبه كذلك كما هو المصرح به في المستند. «1»

ثالثها: التفصيل بين الاستغناء عنه في سنته فيجب و الاستغناء عنه بعدها فلا، كما يظهر من بعض الحواشي.

و عمدة دليل القول بالوجوب امران: احدهما ان استثناء المئونة هو مادامي فاذا استغني عن بعضها دخل تحت عموم ادلة الخمس. ثانيهما انه لو شك في المقام فالمرجع عموم العام بعد اجمال المخصص و ابهامه.

اقول: و كلاهما محل اشكال. اما الاول: فلانه مجرد دعوي لان اطلاقات استثناء المئونة عن ادلة الخمس ليست ناظرة الا الي اخراجها عنها من غير تعرض لحال الاستغناء عنها، و من يدعي ان الحكم مادامي فعليه اقامة الدليل.

اما الثاني: فلما ذكر في ابواب العام و الخاص ان المرجع في امثال المقام الي استصحاب حكم الخاص، او الاصول العملية و هو البراءة في المقام.

توضيح ذلك: ان العام قد يكون له عموم زماني كما اذا قال اكرم العلماء كل يوم، ثم قال لا تكرم زيدا يوم الخميس، ثم شك في يوم الجمعة و ما بعده انه يجب اكرامه فيها أم لا؟ فالمرجع هنا هو عموم العام لان المفروض كون اكرام العالم في كل يوم فردا مستقلا للعام، اما اذا قال أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فخرج العقد الغبني اول ظهور الغبن منه ثم شككنا انه علي الفور أم لا؟ فلا مجال للأخذ

بالعموم لعدم عموم زماني فيه، بل له عموم افرادي فاذا خرج منه عقد من العقود خرج أحد افراده من غير فرق بين خروجه الي الابد او خروجه في بعض الآنات.

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 80.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 362

و حينئذ فان قلنا بحجية الاستصحاب فيرجع الي استصحاب حكم المخصص و هو في المقام عدم الوجوب، و الا فالمرجع هو الاصول العملية و هو هنا البراءة و النتيجة واحدة.

اضف الي ذلك كله ان وجوب الخمس لو كان ثابتا في هذه الامور لوجب الاشارة اليه في الادلة، لغفلة عامة الناس عنه سواء في مثل حلي المرأة او غيرها.

نعم اذا استغني منه في السنة و لم يحتج اليه بعد ذلك امكن القول بوجوب الخمس فيه، لأنه في رأس السنة اذا اراد احتساب ارباحه عده منها لا سيما اذا اراد بيعها، و في هذه الصورة لو لم يكن الخمس اقوي فلا أقلّ من انه احوط.

بقي هنا شي ء: و هو انه اذا لم يستغن عن بعض هذه الاشياء مثل الدار و المركب و الكتاب و غيرها و لكن اراد تبديلها بما هو انفع و أليق بحاله فباع داره او سيارته و اشتري بثمنه دارا او مركبا آخر (او جعل هذا بعض ثمنه) فالمحكي من بعض اعلام العصر وجوب الخمس فيه فورا (و الظاهر ان قوله به انما هو بعد مضي السنة و اما اذا كان في وسط السنة فانه لا يزيد علي رجوعه الي عنوان الارباح، و من المعلوم جواز اشتراء المئونة من ارباح السنة).

و لازم ما ذكره وجوب الخمس من ثمن هذه الدار مثلا، حتي اذا لم يقدر علي شراء دار آخر بباقي

الثمن و بقي محتاجا!

و في المسألة و جهان آخران: «احدهما» عدم الوجوب مطلقا سواء اراد صرف الثمن في دار آخر مثلا أم لا. «ثانيهما» الفرق بين ما اذا اراد ذلك فلا يجب الخمس، و بين ما اذا لم يصرفه في المئونة مجددا فيجب (فالمسألة ذات وجوه ثلاثة).

اما القول بالوجوب فهو يبتني علي ما مر من احد الامرين:

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 363

احدهما: كون استثناء المئونة عن حكم الخمس ماداميا فاذا خرج عن كونه مؤنة وجب الخمس فيها، و قد عرفت انه دعوي بلا دليل، و مجرد كون تعليق الحكم علي الوصف مشعرا بالعلية غير كاف كما هو ظاهر، مضافا الي انه لو صحت هذه الدعوي لوجب الخمس حتي في صورة عدم الاستغناء عنها و مع عدم بيعها مثل داره و لباسه و فرشه و ظروفه التي يحتاج اليها، فان المستثني عن حكم الخمس هو خصوص مؤنة تلك السنة، لا السنين الآتية، و الحكم مادامي علي هذا القول فما دام يكون شي ء موصوفا بانه من مؤنة السنة يجب فيه الخمس، و اما اذا خرج عن عنوان المئونة مطلقا (كما اذا باعه) او خرج عن عنوان مؤنة السنة و دخل في مؤنة السنة الآتية و ان لم يبعه وجب فيها الخمس، مع انك قد عرفت ان القول بذلك باطل بل بطلانه كالضروري.

ثانيهما: الرجوع الي عموم ادلة خمس الارباح او عموم الغنيمة (علي فرض الشك) لكن قد عرفت انه لا يجوز التمسك بها بعد عدم وجود عموم الزماني فيها، فان هذه الدار مثلا ليس فردا جديدا للعام بعد خروجها عن كونها مؤنة حتي يتمسك بعموم العام.

و اوضح من ذلك ما اذا اراد مجرد تبديله

بدار آخر فان العرف لا يري هذا الثمن غنيمة و ربحا ربحه، بل يراه واسطة في تبديل دار بدار آخر و مؤنة بمئونة اخري، فلو قلنا بان المئونة المستمرة طول السنين- كالدار- لا يجب فيها الخمس، تكون الدار الجديدة الحاصلة من بيع داره السابقة في نظر العرف من استمرار المئونة السابقة، و اي فرق بين ما اذا باع الدار بالدار او باعه بثمن ثم اشتري بالثمن دارا آخر؟ مع انه لا يظن من احد القول بالوجوب في الصورة الاولي.

اضف الي ذلك كله غفلة العامة عن مثل ذلك فان احدا منهم لا

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 364

يري الثمن هنا الا واسطة في التبديل لا ربحا داخلا في ادلة الخمس، فلو وجب الخمس فيها بمجرد البيع لوجب البيان مع كثرة الابتلاء به، فاذا لم يبينه الشارع كشف عن عدم وجوبه فتدبر جيدا.

فالاقوي عدم وجوب الخمس فيها بل الاحتياط فيها ضعيف جدا.

و من هنا يظهر دليل الوجه الثاني.

و اما الوجه الثالث: فدليله صدق الربح في احدي الصورتين دون الاخر فاذا اراد التبديل لم يصدق الربح لما عرفت و اذا لم يرده صدق عليه، و الانصاف ان اطلاق ادلة الغنائم و الارباح و عمومها للمقام مشكل، سواء الصورتان، و ليت شعري لو صدق علي الحلي مثلا الربح بعد بيعها عند الاستغناء عنها فليصدق عليها ذلك حتي قبل بيعها، فالانصاف عدم وجوب الخمس في شي ء من هذه الصور.

و اولي مما ذكرنا اذا كان الاستغناء عنها موقتا- كالاستغناء عن الملابس الصيفية في الشتاء و بالعكس- فلا تحاسب رأس السنة، فلا يقال انها من الارباح لاستغنائه عنها في هذه السنة. و اما مؤنة السنة الآتية فلا يؤخذ من

هذه السنة، لما عرفت من استقرار السيرة علي خلافه، و انصراف اطلاقات الارباح عن مثله، و علي القائلين بوجوب الخمس في بيع الدار القول به هنا، و كذا الحال فيما اذا استغني عنه سنة او سنتين كما اذا سافر الي بعض البلاد سنة او سنتين و لا يحتاج الي بعض البسته هناك لأنها مثلا مختصة بالبلاد الباردة و هناك بلاد حارة و يعلم برجوعه بعد ذلك الي وطنه و حاجته اليها، كل ذلك لا يدل علي وجوب الخمس فيها لما عرفت من الدليل.

و اللّه العالم بحقايق احكامه.

***

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 365

المسألة السابعة (68 من العروة الوثقي): إذا مات المكتسب في أثناء الحول

بعد حصول الربح و قبل التمون به كلا او بعضا قال في المستند:

«يخمس ما بقي منه لظهور انه لا مؤنة له غير ما تمون». «1»

و به قال صاحب الجواهر أيضا في نجاة العباد و قال: «و لو مات المكتسب في اثناء الحول بعد الربح سقط المئونة في باقيه و اخرج الخمس فيه». «2»

و به افتي في العروة و حواشيها بل صرح بانه لا يوضع من الربح مقدارها علي فرض الحياة، و لم نجد من خالفه فيما رأينا عن الحواشي.

و الوجه فيه ظاهر لعدم صدق المئونة الا علي ما صرفه حال حياته، و المراد من استثناء مؤنة السنة هو ما يحتاج اليه في طولها علي فرض الحياة، حتي اذا كان حيا و لم يحتج اليها لكونه ضيقا لا يخرج مقدارها من ارباحه فكيف ما نحن فيه.

بل لو كان الملاك في استثناء المئونة كونها من مؤنة الكسب غالبا و عدم صدق الربح بدون اخراجها كما ذكرناه سابقا كان الامر اوضح.

*** المسألة الثامنة (69 من العروة): إذا لم يحصل له ربح في سنة و حصل في السنة التالية

فهل يخرج مؤنة السنة السابقة من اللاحقة، و هكذا اذا حصل ربح و لم يكفه لمؤنة سنته؟ فقد صرح في العروة و حواشيها بعدم جواز الاخراج، و قال في نجاة العباد في المسألة و جهان لا يخلو ثانيهما (اي عدم

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 82.

(2)- نجاة العباد، الصفحة 88.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 366

الاخراج) من قوة.

و الوجه فيه عدم الدليل علي اخراج المئونة السابقة من السنة التالية، بل تخرج مؤنة كل سنة من ارباحه.

اقول: لو كانت الارباح نتيجة سعيه طول السنتين لم يبعد اخراج مؤنتهما بل مؤنة جميع السنين الماضية منها، بناء علي ما عرفت من ان مؤنة الشخص ترجع في الحقيقة

الي مؤنة الكسب غالبا و لا يصدق الربح بدون اخراجها.

هذا و في اصل تصوير المسألة اشكال لأنه ان استدان في السنة السابقة للمئونة جاز له اخراج الدين من ارباح السنة الجديدة علي كل حال لما سيأتي الاشارة اليها من جواز اخراج الدين الحاضر عن ارباح السنة و لو كان مبدء الدين من السابق، و ان تبرع عليه متبرع فقد عرفت التصريح بعدم جواز اخراج مقداره و لو كان في نفس سنة الربح، و لو صرف في المئونة مالا لا خمس فيه في المئونة اشكل اخراج مقداره حتي من ربح تلك السنة.

نعم انما يتصور ذلك اذا صرف مقدارا من رأس ماله في نفقاته الماضية، فقد افتي في العروة بجواز اخراجه من مؤنة نفس السنة فيبقي الكلام في اخراجه من ربح السنة الآتية و لكن خالف فيه أيضا بعض المحشين، فتصوير فرض المسألة لا يخلو عن صعوبة علي كل حال.

*** المسألة التاسعة (70 من العروة): هل يحتسب مصارف الحج من المئونة أم لا؟

المسألة ذات وجوه خمسة:

1- تارة يحصل له الاستطاعة من ارباح سنته و يحج بها فلا شك انه يحسب له من مؤنته، لما عرفت من اطلاق ادلة المئونة و شمولها لكل ما يليق

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 367

بحاله من الانفاقات و العبادات و غيرها، بل يجوز له الحج المستحبي او احجاج الغير من ارباحه و كلها تحسب من المئونة.

2- اذا حصل له الاستطاعة المالية من ارباح سنته و لم تحصل له الاستطاعة البدنية او من ناحية الطريق او الوقت (فان الاستطاعة لها فروع اربع) الاستطاعة من ناحية المال و الجسم، و الطريق، و الوقت فان انعدمت واحدة منها انعدمت) فلم يحج، فلا شك في وجوب خمس الارباح ما يزيد من ساير نفقاته، لما عرفت

ان المعتبر من المئونة هي المئونة الفعلية لا التقديرية.

3- اذا حصل له الاستطاعة من جميع الجهات و لم يحج عصيانا فقد احتاط في العروة بوجوب اخراج الخمس منه، و لكن صرح كثير من المحشين بان اخراجه هو الاقوي، و قد يقاس ذلك بما اذا قتر علي نفسه فان الواجب عليه الخمس فيما يبقي له، و الوجه في جميع ذلك ان المعتبر في المئونة ان تكون فعلية و مجرد الوجوب الشرعي غير كاف فيها بل لا بد من صرفها و الا يخرج منها الخمس.

اقول: هذا الحكم باطلاقه محل اشكال فانه اذا وجب عليه الحج بالاستطاعة و عصي وجب عليه الحج من قابل، فان قدر علي الحج تسكّعا «1» فلا كلام، اما اذا لم يقدر الا بحفظ هذا المال الي القابل وجب عليه حفظه و لا يجوز له اخراج خمسه، و ان هو الا مثل نذر بعض امواله لمصرف خاص و لكن لم يأت وقت صرفه و سيأتي في العام القابل، كما اذا نذره لحجاج بيت اللّه الحرام و قد مضي وقته هذا العام (مثلا كان النذر في وسط ذي

______________________________

(1)- اصله بمعني المشي بغير هداية ثم استعمل في المشي تذللا و تملقا و المراد منه في كلمات الفقهاء الذهاب الي الحج بغير استطاعة مالية.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 368

الحجّة) او نذره مثلا للإطعام في ايام العاشوراء و لم يأت وقتها.

فالواجب حينئذ حفظها و عدم التصرف فيها حتي تصرف في موردها، فوجوب الوفاء بالنذر او الحج به من قابل يكون بحكم مصرفه و لا يمكن قياسه علي التقتير كما هو واضح فاستثناء هذه الصورة قوي.

4- ما اذا حصلت الاستطاعة من ارباح سنين، لا شك

في وجوب اخراج خمس ما حصل من السنين الماضية، لعدم المانع من شمول ادلة الخمس له، لعدم تمام الاستطاعة علي المفروض و عدم صرفه بالفعل في الحج، و هكذا الكلام اذا جمع ارباح السنين لاشتراء الدار او المركب او التزويج او غير ذلك، فان الواجب اخراج الخمس عما حصل من السنين السابقة.

نعم لا يجب عليه اخراجه مما تممه من هذه السنة الا اذا عصي و لم يحج فيأتي فيه ما ذكرناه في الصورة الثالثة.

5- ما اذا توقف امر الحج علي اعطاء الفلوس من قبل، كما تعارف في عصرنا و بلادنا من اخذ مصارف الحج عن الناس ثم يقرع بينهم ثم يرسل كل طائفة منهم في سنة من السنين لكثرة الحجاج بحمد اللّه، فهل يعد اخراج هذا المال من المئونة حتي لا يجب اخراج خمسه، او هو من قبيل المئونة التقديرية لا الفعلية؟ لم أر من تعرض له لكونه من المسائل المستحدثة (الا بعض المعاصرين).

و الانصاف انه من قبيل المئونة، لان المعيار فيها صرفها و اخراج المال من يده و قد صرفه و اخرجه من يده، فلذا يحسبه في دفاتره من مصارف هذه السنة و ان حصل آثاره في السنين الآتية، و ان هو الا كمن اشتري ارضا من ارباح هذه السنة لبناء الدار و لكن يعلم انه لا يقدر علي بنائها الّا في السنين المستقبلة.

لا يقال: ان المال الذي يؤديه في الحقيقة من قبيل الامانة عندهم و لذا يقدر علي استرجاعه اذا اراد، لأنا نقول: ليس كذلك بل هو كالثمن في البيع

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 369

الجائز، و من الواضح ان جواز الفسخ لا يمنع عن صدق المئونة اذا اشتراه لحاجته،

و المفروض انه مستطيع مستعد للحج و لو في سنته هذا و لو سمح له بالحج يحج فورا.

نعم اذا لم يكن قادرا من حيث البدن (مثلا) و اراد الحج من قابل و بذل الفلوس من هذه السنة ليقدر عليه في القابل لم يكن من مؤنة هذه السنة.

و هكذا الكلام في امثاله مثل ما اذا بذل مالا لان يجعل في النوبة من جهة معالجة مرضه او مرضي اهل بيته، او في النوبة لأمر الدار فقد لا يتمكن منه الا ببذل اموال من قبل، كل ذلك يعد من انفاقاته اذا كان محتاجا الي هذه الامور فعلا، و هكذا بالنسبة الي مشروع الماء و الكهرباء و التلفون و ما ينفق في سبيلها من قبل.

نعم اذا لم يحتج بالفعل الي الدار او العلاج او التلفون مثلا و بذل شيئا ليكون في النوبة لم يعد من مؤنة سنته، اما اذا احتاج اليه و لم يكن له طريق الا هذا فهو من مؤنة سنته بلا اشكال، و هكذا الكلام في امر الحج فلو لم يكن مستطيعا من ناحية البدن مثلا و اعطي الفلوس و اخذ النوبة للسنين الآتية لم يجز محاسبته من مؤنة هذه السنة كما مر.

و العمدة ان هذه الاموال ليست من قبيل الامانة بل من قبيل ما يصرف في مصارفه.

نعم اذا كان طريق الوصول الي حوائجه و لو في المستقبل منحصرا في بذل الفلوس من قبل بحيث اذا لم يبذله فاتت حوائجه عنه، امكن عده من مؤنة سنته لان المفروض انه لا يري بدا من صرفها فتأمل.

و الحاصل ان المسألة ذات شقوق ثلاثة: تارة يحتاج الي شي ء بالفعل و لكن لا يصل اليه الا ببذل الاموال فعلا و ان

كان لا يقدر عليه الا في المستقبل، و اخري لا يحتاج اليه الا في المستقبل و لكن طريق الوصول

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 370

اليه منحصر من بذل المال من قبل، و ثالثة لا يحتاج اليه الّا في المستقبل و طريقه غير منحصر في ذلك. فالاول لا ينبغي الشك في عده من المئونة، و الثاني كذلك علي اشكال، و الثالث لا يعد من مؤنة سنته و اللّه العالم بحقايق احكامه.

و هاهنا اشكال آخر في امر الاستطاعة للحج مع وجوب الخمس عليه، و حاصله انه اذا كان الربح بمقدار نفقة الحج فقط قد يقال انه ليس مستطيعا، لان المفروض تعلق الخمس بالمال من لدن ظهور الربح فخمس هذا الربح ليس داخلا في ملكه فهو مالك لأربعة اخماس فقط و المفروض عدم كفايته للحج.

و لكن يدفعه ان الاستطاعة- كما ذكرنا في محلها- لا تتوقف علي ملك نفقات الحج، بل المراد هو الاستطاعة العرفية و هي حاصلة هنا، لان المفروض جواز صرف الربح في مؤنة السنة و الخمس واجب موسع مشروط ببقاء الربح الي آخر السنة و عدم صرفه في المئونة، فحينئذ لا مانع من جواز صرفه في مصارف حجه و بذلك يكون مستطيعا.

*** المسألة العاشرة (71 من العروة): و هي مسألة هامة ترتبط بالديون، و حاصلها أن أداء الدين هل هو من المئونة أم لا؟

و الدين علي اقسام:

تارة يستدين لسنته و اخري باق من السنين السابقة.

و كل واحد منهما اما لأمر مؤنته او لغيره من قبيل التوسعة في الكسب.

و كل من هذه الاربعة اما ان يكون ما يقابله موجودا او لا. فهذه صور ثمانية:

اما اذا كان ما يقابله باقيا، مثلا استدان الف درهم لمؤنة سنته او السنين

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 371

الماضية و لكن بقي خمسون درهما منه في آخر السنة،

فهذا الدين ليس من المئونة قطعا لعدم صرف مقابله و امكان ادائه منه، نعم لا يعد الباقي من المنافع لعدم كونه ربحا فلا يخرج منه الخمس كما لا يستثني هذا الدين من ساير ارباح سنته و هذا امر واضح.

و اولي منه ما اذا كان الاستدانة لأمر التجارة و بقي مقابله من اموال التجارة و عروضها فهذا ليس من المئونة في شي ء، و بذلك يخرج اربعة صور من محل الكلام.

و اما اذا استدان لمؤنة شخصه في سنة اكتسابه و ليس في مقابله شي ء، فلا اشكال في اخراجه عند المحاسبة علي رأس السنة سواء كان الدين مطالبا أم غير مطالب بالفعل.

اما علي ما ذكرنا من كون مؤنة الشخص مؤنة للكسب غالبا فهو واضح، و اما علي غير هذا القول فلظهور ادلة استثناء مؤنة السنة عن الارباح، و اي فرق عرفا بين اخراجها منه او اخراج بدلها من الدين و هذا امر واضح.

و اما اذا كان الدين من السنين الماضية و قد استدانه لمؤنة شخصه فيها و لم يقدر علي ادائها، فالظاهر جواز ادائه من ارباح هذه السنة لصدق عنوان المئونة عليه عرفا بل كثير من الناس يقدمون اداء الديون علي ساير نفقاتهم حفظا لاعراضهم، نعم يستثني منه صورتان:

احدهما: ما اذا كان الدين نجوميا فما حان حينه من هذه النجوم عد من المئونة و ما ليس كذلك لم يعد منها فتدبر.

ثانيهما: ما اذا صبر علي الدين و لم يخرجه من ارباح سنته فعليه اداء خمس تلك الارباح فانه من قبيل من قتر علي نفسه، و هذا بخلاف ما لو استدان لمؤنة السنة فانه يكسر من ارباحها- سواء ادي دينه أم لا- لما عرفت من ظهور ادلة استثناء مؤنة

السنة في ذلك.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 372

اما اذا كان الدين لتوسعة الكسب و ازدياد المنافع بان استدان لها و لكن تلف و لم يبق مقابله و بقي الدين في ذمته، و الظاهر أيضا عدها من المئونة اذا لم يكن نجوميا، لوجوب ادائه عليه شرعا و توقف حفظ عرضه عليه عرفا، و قد عرفت ان كلما يصرف في اداء الواجبات او حفظ الاعراض يعد من المئونة. «1»

فقد تحصل من ذلك ان المسألة ذات صور مختلفة و لكل حكمه، فما في بعض الكلمات من عد الدين من المئونة مطلقا غير وجيه.

قال المحقق النراقي في المستند: «من مؤنة الرجل ما يصرف في الاكل … و الحقوق اللازمة عليه من النذر و الكفارات و الدين … و منهم من قيد الدين بصورة الحاجة اليه و منه من قيد المتأخر عن الاكتساب الواقع في عامه بالحاجة دون المتقدم و لو كان لا لغرض صحيح، و الكل لأجل اختلاف الفهم في الصدق في مصداق المئونة و العرف يعاضد الاخير جدا». «2»

و الانصاف ان استثناء الدين الذي استدانه لا لغرض صحيح- كما اذا استدان لشرب الخمور- و بقي عليه ديونه، مشكل جدا و قد عرفت نظيره في دية قتل العمد اذا صولح القصاص بالدية.

و قال صاحب الجواهر في نجات العباد: «يعتبر في احتساب الدين و النذور و الكفارة و نحوها من المئونة سبقها علي عام الربح او حصولها فيه كغيره من المؤن دون المتجدد منها بعد مضي الحول». (انتهي) «3» و ظاهره

______________________________

(1)- لكن لا يخفي ان المئونة تصدق قطعا علي المقدار الذي استدانه في سنته الحاضرة، و لو لم يؤده فيها لعدم صدق الربح و الغنيمة علي

مقابل الدين عرفا خلافا لما اذا استدان من السنين الماضية فتلف و لم يؤده في سنته الحاضرة، فانه حينئذ يشكل صدق المئونة عليه. نعم تصدق عليه المئونة اذا ادّاه في هذه السنة بلا اشكال.

(2)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 80.

(3)- نجاة العباد، الصفحة 87.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 373

كون الديون السابقة كدين السنة كلها مستثناة، و لكن قد عرفت لزوم التفصيل في المسألة.

*** المسألة الحادية عشرة (72 من العروة): المعروف بين الأصحاب أنه لا يعتبر الحول في شي ء من انواع الخمس

حتي ارباح المكاسب لكن يجوز تأخير ادائه في خصوص الارباح الي آخر السنة احتياطا لتجدد بعض المؤن و ليس هذا بمعني عدم تعلق الوجوب بل الوجوب متعلق به من لدن ظهورها.

و قد حكي في الجواهر تصريح جماعة به، بل قال: «لا اجد فيه خلافا بل الظاهر الاجماع عليه». «1»

و قال العلامة في التذكرة: «و لا يراعي الحول في غيره و لا فيه (في ربح المكسب) الا علي سبيل الرفق بالمكتسب».

و قال في عبارة اخري له: «و لا يجب في الفوائد من الارباح و المكاسب علي الفور بل يتربص الي تمام السنة و يخرج خمس الفاضل لعدم دليل علي الفورية، مع اصالة براءة الذمة و لان تحقيق قدر المئونة انما يثبت بعد المدة لجواز تجديد ما لم يكن كتزويج بنت و عمارة منزل و غيرهما من المتجددات». «2»

فقد استدل في كلامه هذا بادلة ثلاثة يأتي البحث عنها ان شاء اللّه.

قال المحقق النراقي في المستند: «لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في غير الارباح اجماعا محققا و محكيا … و في اعتباره في الارباح و عدمه

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 79.

(2)- تذكرة الفقهاء، المجلد 1، الصفحة 251.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 374

قولان: ظاهر كلام الحلي

الاول بل ادعي الاجماع عليه». «1»

و ظاهر هذه العبارة كون المسألة خلافية، و لكن قد عرفت من كلام الجواهر خلافه.

و قد نسب الي الحلي في السرائر عرفت في كلام المستند انه اعتبر الحول في تعلق الخمس بالارباح و لكن قال في الجواهر: «ان عبارته ليست بتلك الصراحة بل و لا ذلك الظهور كما اعترف به بعضهم». «2»

و الاولي نقل عبارة السرائر حتي يعلم حالها قال: «اما ما عدا الكنوز و المعادن من ساير الاستفادات و الارباح و المكاسب و الزراعات فلا يجب فيها الخمس بعد اخذها و حصولها بل بعد مؤنة المستفيد و مؤنة من تجب عليه مؤنته سنة هلالية … ».

ثم استدل علي ذلك ب «ان الاصل براءة الذمة و اخراجه علي الفور او وجوبه ذلك الوقت يحتاج الي دليل شرعي بل اجماعنا منعقد بغير خلاف انه لا يجب الا بعد مؤنة الرجل طول سنته … و أيضا فالمئونة لا يعلمها و لا يعلم كميتها الا بعد مضي سنته». «3»

و هذه الادلة الثلاثة شبيه ما ذكره العلامة في التذكرة.

اقول: ظاهر هذه العبارات كلها عدم وجوبه فورا لا عدم وجوبه اصلا، نعم قوله اخراجه علي الفور، او وجوبه ذلك الوقت، يحتاج الي دليل قد يشعر او يدل علي عدم الوجوب اصلا قبل حلول الحول، و لكن يشكل الاعتماد علي هذا الاستظهار فالحق ما ذكره في الجواهر في المقام و قد مر

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 81.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 79.

(3)- سلسلة الينابيع الفقهية، المجلد 5، الصفحة 327.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 375

كلامه. «1»

و كيف كان ينبغي التكلم هنا في مقامات:

احدها: عدم اشتراط الوجوب هنا بمضي الحول.

ثانيهما: عدم وجوب

ادائه فورا بل هو واجب موسع.

ثالثها: ان بقاء الوجوب الي آخر السنة هل من قبيل الاشتراط بالشرط المتأخر او غير ذلك.

اما الاول: فقد استدل له باطلاق ادلة وجوبه، فان الاية الشريفة بناء علي ما هو الحق من دلالتها علي وجوب الخمس في الارباح مطلقة يدل علي وجوب الخمس بمجرد ظهور الربح و شمول عنوان الغنيمة، و كذا قوله عليه السّلام في رواية عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «علي كل امرئ غنم او اكتسب الخمس مما اصاب … حتي الخياط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق قلنا منه دانق». «2»

و ما رواه حكيم مؤذن بني عيس عن ابي عبد اللّه عليه السّلام أيضا قال: قلت له:

«وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ» قال: هي و اللّه الافادة يوما بيوم … ». «3»

و اوضح من ذلك من بعض الجهات ما رواه علي بن محمد النيشابوري بعد سؤاله عما عليه فيما بقي له من ما اصاب من ضيعته من ستين كرا من الحنطة قال عليه السّلام: «لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته». «4»

______________________________

(1)- و لا سيما بملاحظة ان ابن ادريس ادعي الاجماع علي كلامه، و هذا يبعّد جدا كونه قائلا بعدم وجوب خمس الارباح قبل مضي السنة اذ لم يعرف مخالف في المسألة سوي ما نسب اليه فكيف يمكن ادعاء الاجماع فضلا عن تحققه؟!

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 8.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)،

ص: 376

الي غير ذلك من الاطلاقات.

و اما ورود التقييد بانه بعد المئونة في روايات كثيرة لا تدل علي ان الوجوب مشروط باخراجها، بل ظاهرها كما عرفت سابقا ان محاسبة مقداره انما هو بعد كسر مقدار المئونة فالبعدية هي البعدية بلحاظ المحاسبة في المقدار كما فهمه الاصحاب لا البعدية في الوجوب كما هو كذلك في مسألة سهام الارث في قوله تعالي: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ*.

و من هنا يعلم انه لا يجوز التمسك باصالة البراءة عن اصل وجوب الخمس، و لا الاستناد الي عدم الدليل، و لا ان المئونة لا يعلم كميتها الا بعد مضي السنة التي قد عرفت الاشارة اليها في كلام بعض الفقهاء، فان الاولين ممنوعان بما عرفت من الاطلاقات.

و يجاب عن الثالث بان تعيين مقدارها تخمينا امر ممكن بل يمكن الاحتياط لها بجعل شي ء اكثر لها، بل قد يكون هناك اناس تكون منافعهم اضعاف مضاعفة بالنسبة الي مؤنة سنتهم، فهذا الوجه الاستحساني لا قيمة له في مقابل الاطلاقات.

نعم قد يستند الي قوله عليه السّلام في رواية علي بن مهزيار: «اما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام» «1» بدعوي ان ظاهرها كون الوجوب علي رأس السنة فلا يجب من اول ظهور الربح.

و فيه ان الناظر في تلك الصحيحة يعلم ان هذه العبارة ليست بصدد البيان من هذه الجهة، بل في مقابل الخمس الخاص الذي اوجبه عليهم في سنة خاصة اضافة علي الخمس الواجب في كل عام، فهو واجب في كل سنة و هذا واجب في سنة خاصة، فالمقابلة انما وقعت بين الخمسين.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب

الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 377

اما المقام الثاني اي جواز التأخير: فالقاعدة فيه تقتضي كون وجوبه علي الفور لما ذكرنا في محله من ان الامر ظاهر في الفور، فاذا امر المولي عبده بشي ء كان معناه بعثه الي الفعل في تلك الحالة، اما تأخيره فهو مخالف لظاهر البعث، لان البعث نحو العمل يدعو الي الانبعاث و ان هذا الا نظير البعث الفعلي بان يأخذ بيده و يبعثه نحو عمل فكما انه ظاهر في الفور فكذا البعث القولي، هذا مضافا الي ان مقتضي ادلة شركة ارباب الخمس في المال عدم جواز التصرف فيه بعد ظهور الربح، بل عدم جواز امساكه في يده بدون اذن صاحبه فهذا دليل آخر علي وجوب ادائه فورا.

هذا و لكن ظاهر كلماتهم كون جواز التأخير في مسألة الخمس من المسلمات عندهم، لكن الظاهر انه ليس اجماعا تعبديا حتي يقال ان تم هذا و الّا فمقتضي القاعدة عدم جواز التصرف فيه، بل الظاهر ان الاجماع مستندة الي السيرة العملية.

توضيحه: ان السيرة قد استمرت علي حساب الاموال في كل سنة لا في كل يوم و لو كان اداء الخمس واجبا يوما بيوم لاشتهر و بان و ظهر ظهورا تاما لأنه امر يرتبط بحياة جميع الناس، و لم يعهد من وكلاء الائمة الهادين- عليهم السلام- حتي في زمان اخذ الخمس من الناس اخذ اخماسهم يوما بيوم، و لو كان اداء الخمس عليهم واجبا فوريا لوجب اعلام شيعتهم بذلك و اخذه منهم كي لا يكونوا مقيمين علي حرام.

و بالجملة السيرة في المقام من اوضح المصاديق و اظهرها و لذا يظهر من الاصحاب اجماعهم عليه.

و قد يستدل مضافا الي ذلك بامور ضعيفة:

منها: ما مر من رواية علي بن

مهزيار بدعوي ظهورها في كون المحاسبة كل عام، و لكن قد عرفت الجواب عنه آنفا.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 378

و منها: التعبير ب «بعد المئونة» خصوصا في رواية البزنطي «1» حيث سأل ان يخرج الخمس قبل المئونة او بعدها؟ قال عليه السّلام: «بعد المئونة» و فيه أيضا ما عرفت من ان البعدية ليست زمانية بل بملاحظة افرازها و كسرها عن مجموع الارباح. و لا أقلّ من الاجمال فلا يصح الاستدلال مضافا الي ان البعدية المحاسبية موافقة لإطلاق ادلة وجوب الخمس.

و منها: ان المئونة لا تعلم الا بمضي السنة لا سيما بالنسبة الي الهبات و الضيافات و الانفاقات المستحبة اللائقة بشأنه مما لا يمكن تعينها من قبل، هذا و لكن الانصاف انه يمكن ان يكون من قبيل الحكمة لجواز التأخير، فانه امر غالبي و ليس بدائمي لجواز العلم بمقدار المئونة و لا تخمينا من قبل.

فالمستند في المقام هو السيرة القطعية لا غير.

نعم هنا اشكال يجب الجواب عنه و هو انه لو كان حق ارباب الخمس متعلقا بالمال من لدن ظهور الربح بناء علي الاشاعة لكانوا شركاء في ماله، فلو اتّجر بذاك المال تجارة جديدة مكررة- كما هو معمول اهل التجارة- كان تمام ربح الخمس الاول لأرباب الخمس بمقتضي كون المال مشتركا، و خمس ربح الباقي أيضا لهم، و لو اتجر بها ثالثا و رابعا كانت الاخماس مضاعفة بحيث يشكل حسابها جدا، و نذكر هنا مثالا واضحا و هو انه: لو كان رأس ماله 1000 دينار و ربح 1000 دينار في معاملة واحدة، ثم عامل معاملة اخري بالمجموع و هو 2000 فربح 2000 فصار 4000 دينار، فالمعمول في المحاسبة انه يؤدي خمس 3000

دينار و هو 600 دينار، اما بناء علي كون ربح حق ارباب الخمس له يزيد علي ذلك ب 160 دينار، لان الربح الاول يكون خمسه لهم و هو 200 دينار، و اما المعاملة الثانية يكون ربح ذلك و هو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 12 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 379

200 دينار لهم (و ذلك 400 دينار) مضافا الي خمس الربح الجديد اعني خمس 1800 دينار و هو 360 دينار، فيكون المجموع علي هذا الحساب 760 دينار فيزيد علي 600 دينار ب 160 دينار.

هذا اذا كان هناك معاملتان فقط، و لو زادت علي ذلك ازداد حق السادة كذلك.

و بعض كلمات الجواهر ميله الي كون الربح الثاني مشتركا بين المالك و ارباب الخمس لأنه ذكره تحت عنوان «بل قد يقال … » و شرحه و لم يورد عليه شيئا. «1»

هذا و لكن الانصاف ان هذه الاخماس ساقطة جدا، فان السيرة كما تدل علي جواز التأخير تدل علي عدم محاسبة الربح لأرباب الخمس، و هذا امر واضح ظاهر لكل احد لا يرتاب فيه، فكان الشارع و هو ولي الخمس ارفق بهم في تأخير ادائه الي آخر السنة ارفق بهم في عدم محاسبة ربح هذا السهم عليهم، و سيأتي له مزيد بيان في شرح المسألة 77.

و اما المقام الثالث: اعني ان هذا الوجوب علي نحو المشروط بالشرط المتأخر او من قبيل الواجب المعلق او من باب ارفاق الشارع المقدس او ولي الخمس في ذلك، فحاصل الكلام فيه انه علي الاول يكون تجدد المؤن كاشفا عن عدم تعلق الخمس به من الاول، فهذا مع عدم الدليل عليه مخالف

لظاهر ما عرفت من الاطلاقات، و من امكان دعوي الاجماع علي جواز البدار في اعطاء الخمس و انه يحسب خمسا فتأمل. «2»

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 55.

(2)- فان الشرط المتأخر نفسه علي خلاف القاعدة فلا يصار اليه الّا بدليل قطعي كشرطية غسل العشاء لصوم المستحاضة، و هو في المقام مفقود.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 380

و اما الثاني فمعناه ان وجوب الخمس بعد ظهور الربح و ان كان حاليا الّا ان الواجب اي اعطائه لولي الخمس او للمستحق استقبالي يكون بعد تمام الحول، و فيه مضافا الي ما ذكرنا في محله من عدم معقولية هذا القسم من الوجوب و انه من قبيل التناقض في الانشاء فان قول القائل اريد منك الان و هو يوم السبت اكرام زيد يوم الاحد مما لا معني له فان البعث و الانبعاث مثلا زمان في الزمان فالبعث يوم الاحد يلازم الانبعاث فيه و كذا يوم السبت.

فالقول بان الوجوب في الواجب المعلق حالي و الواجب استقبالي بمنزلة ان يقال تكلمه حالي و سماع صوته استقبالي!

اللّهم الا ان يقال: هذا كناية عن ايجاب الاستعداد للوجوب الآتي بتهيئة مقدماته.

سلمنا كونه معقولا و لكنه لا دليل عليه في المقام بل الدليل علي خلافه، لظهور تسلم الاصحاب وفاقا لظواهر الادلة بجواز اداء الخمس بمجرد ظهور الربح، و كونه امتثالا لوجوب الخمس عليه، مع انه بناء علي صحة الواجب المعلق لا يجزي دفع الخمس في اول السنه لكون الواجب استقباليا لا فعليا.

و الاولي هو الوجه الثالث بان يقال ان الوجوب مطلق فعلي و لكن الشارع و هو ولي الخمس ارفق بهم و اجاز لهم صرفه فيما يتجدد بعد ذلك من المؤن، كما

ارفق بهم في غيره من المناكح و شبهها.

و لكن هذا كله مع قطع النظر عما ذكرنا سابقا من رجوع مؤنة الشخص غالبا الي مؤنة الكسب، و الا فمعه يكون من قبيل المنتفي بانتفاء الموضوع لعدم وجود الغنيمة فتأمل.

بقي هنا شي ء و هو انه ذكر في العروة ان تمام الحول ليس شرطا في وجوب الخمس و انما هو ارفاق، ثم فرع عليه بانه لو اسرف او اتلف ماله في اثناء الحول لم يسقط الخمس، و كذا لو وهبه او اشتري بغبن حيلة

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 381

في اثنائه.

قلت: الظاهر ان مراده الهبة غير اللائقة بحاله و كذا الاشتراء بالغبن، فقد يجوز بيع شي ء باقل من قيمته كثيرا لبعض اصدقائه او قرباته بحيث بعد من شئونه و ان هو من هذه الجهة الا مثل الهبة، و يلحق بذلك كل ما يبذله في المعاصي كثمن الخمر و الثمار و آلات اللهو و المواد المخدرة و شبهها، «1» فالخمس يتعلق بثمن كل ذلك اذا تاب من اعماله او لم يتب و لكن اراد اداء الخمس.

*** المسألة الثانية عشرة (73 من العروة الوثقي): إذا تلف بعض أمواله فإن كان من مال التجارة فسيأتي حكمه

و ان لم يكن منه، و كذا لو سرق او اخذ منه غصبا و قهرا فهل يجبر بالربح و ان كان في عامه، او لا يجبر؟

صريح العروة و ظاهر جماعة من المحشين عدم الجبران لعدم صدق المئونة عليه، و هو كذلك لشمول عمومات خمس الارباح للمقام، و التلف و شبهه اذا كان خارجا عن دائرة كسبه لا يمنع عن صدق عنوان الربح عليه، نعم اذا كان المال مما يحتاج اليه في حياته و اشتراه من ارباحه عدّ من المئونة، و لو لم يشتره كان من قبيل التقتير علي النفس.

و لكن

يظهر من حواشي سيدنا الاستاذ الحكيم الاشكال في ذلك و احتمل كونه مانعا عن صدق الفائدة، و لكنه ممنوع جدا بعد خروجه عن دائرة اكتسابه و تجارته.

______________________________

(1)- من الامور المحرمة فمن استعمل حجما كثيرا من الماء في الحمام وسواسا، فقد اسرف فوجب عليه تخميسه.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 382

المسألة الثالثة عشرة (74 من العروة): لو كان له رأس مال و فرقه في نوع واحد أو أنواع من التجارة

فربح بعض و خسر آخر، فللمسألة صور ثلاثة:

1- اذا فرقه في انواع من التجارة فخسر بعض او تلف شي ء من رأس ماله.

2- اذا فرقه في نوعين مختلفين من الكسب كالتجارة و الزراعة، او التجارة و الضيعة، او غير ذلك فربح واحد و خسر الباقي.

3- ما اذا كان في تجارة واحدة كما اذا اشتري خمسين سجادة معا و باعها كذلك فخسر في عشرين منها و ربح في ثلثين، فهل يجبر خسارة بعضها ببعض؟

قد اختلف فيها كلمات الاصحاب، فقد أطلق في المدارك جبران خسارة التجارة و جعله من قبيل المئونة المتجددة في كونها مستثناة من الربح. «1»

و عن الشهيد في الدروس القطع بجبران الخسارة بالربح بنحو الاطلاق. «2»

و عن شيخنا الاعظم الانصاري التفصيل بين ما اذا كان الخسران و الربح في مال واحد في تجارتين متعاقبتين فيجبر، و ما اذا كان في مالين ففيه اشكال اقربه ذلك (اي الجبران). «3»

و قال في مصباح الفقيه: «و لا يعد علي الظاهر جبر الخسارات او تدارك النقص الوارد عليه بسرقة او غصب او نحوه و لو في هذه السنة فضلا عن السنين السابقة من المئونة عرفا، نعم قد يتجه الجبر و التدارك فيما يتعلق بتجارة واحدة لا لكونه معدودا من المئونة بل لعدم الاستفادة و الربح في تجارة

______________________________

(1)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 390.

(2)- المحاضرات في فقه

الامامية للمحقق الميلاني، الصفحة 104.

(3)- نفس المصدر.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 383

واحدة الا اذا حصل له منها ازيد مما استعمله فيها … بل لا يبعد ان يدعي ان المنساق الي الذهن من مثل قوله عليه السّلام «اذا امكنهم بعد مؤنتهم» ارادته في الزيادة الحاصلة في اموالهم بالتجارة و الصناعة مما لا يحتاجون الي صرفه في معيشتهم في عامهم فيتجه حينئذ جبر الخسارة و النقصان الواردة عليه في هذه السنة و لو في غير هذه التجارة و لكنه لا يخلو عن تأمل فالاشبه ما عرفت». «1»

فقد تحصل من ذلك انهم بين من أطلق الجبران و من فصل بين صور المسألة حتي ان بعضهم- كالمحقق النراقي في المستند- بين ما اذا اشتري اشياء دفعة و ان باعها مرارا، و ما اذا اشتري متعددا و ان باعها دفعة و احتمل او اعتقد بالجبران في الاول دون الثاني، «2» و صرح كاشف الغطاء قدس سره بان الاحوط ان لا يجبر خسران تجارة بربح اخري بل يقتصر علي التجارة الواحدة. «3»

و المحقق اليزدي في العروة فصّل بين التجارة الواحدة فقوّي الجبران، و انواع مختلفة كالتجارة و الزراعة فقوّي عدم الجبران، و ما اذا كان فردان من التجارة فاحتاط بعدم الجبران في خسارة احدهما بالاخر و ان قوي ذلك اخيرا، كما انه يظهر من صدر كلامه الفرق بين التلف و الخسارة.

اقول: العمدة في المسألة هي صدق الربح مع الخسران او عدمه، و ان المدار علي صدق الربح في مجموع السنة بالنسبة الي مالك واحد او صدقه علي كل معاملة من معاملاته، بعبارة اخري: هل المدار علي وحدة

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 131.

(2)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 81.

(3)-

كشف الغطاء، الصفحة 362.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 384

المعاملة و تعددها، او وحدة المالك و تعدده؟

و حيث ان استثناء المئونة في طول السنة انما هو بحسب المالك الواحد فحصول الربح أيضا بحسبه كذلك، لا اقول ان جبران الخسارة او التلف من المئونة كلّا، بل اقول ان مسألة المئونة قرينة علي جمع جميع ارباح السنة طول السنة و ملاحظتها شيئا واحدا ثم اخراج المئونة منها، فان بقي شي ء فعليه خمسه.

________________________________________

شيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، در يك جلد، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)؛ ص: 384

و علي هذا اذا ربح في تجارة و خسر في اخري أو ربح في تجارة و خسر في زراعته بمقداره لم ينتفع بشي ء في تلك السنة و لم يكن مصداقا لقوله تعالي: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ … » أو قوله عليه السّلام: «اذا امكنهم بعد مؤنتهم».

فاذا كان المدار علي صدق انتفاع المالك في طول السنة لا صدق الربح علي نتيجة كل تجارة من تجاراته، لم يبق فرق بين الصور الثلاث اعني ما اذا كان الربح و الخسران في تجارة واحدة او تجارتين، او تجارة و زراعة و غير ذلك.

هذا كله بالنسبة الي الخسارات الواقعة في مكاسبه، اما التلف اعني تلف بعض رأس ماله بحرق او غرق او سرقة فان كان بسبب التجارة و في اثنائها، كما اذا اشتري فواكه كثيرة و باعها بربح فيها و لكن فسد بعضها عند الحمل و غيره بمقدار الربح او كسر بعض الا متعة التي تنكسر احيانا،

فلا يقال انه ربح في تجارته فالجبران واضح.

اما اذا تمت التجارة و حصلت الارباح ثم جاءه سارق فسرق بعض تلك الارباح او رأس ماله او تلف بالحرق او الغرق، فالجبران محل الكلام و الاحوط عدم الجبران.

و هذا بخلاف ما ذكرنا سابقا من وقوع الخسارة في بعض امواله

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 385

الموجودة من السنين الماضية و قد خمسها، او لم يتعلق به الخمس اصلا فان جبران الخسارة فيها مشكلة لان المفروض انه انتفع في تجارته و مكاسبه في هذه السنة و بقي ارباح بعد صرف المئونة و انما الخسارة وقع في امواله السابقة فتدبر.

هذا و لو فرض الشك في ان الخسارة او التلف تجبر من الارباح أم لا؟

فمقتضي القاعدة هو الجبران لأصالة البراءة عن الخمس فيما يقابلها من الارباح.

ان قلت: الاصل عدم دخول مقدار الخمس في ملكه بناء علي القول بالاشاعة بين المالك و ارباب الخمس من اول الامر.

قلت: الاصل ان تكون النماءات تابعة للمال فاذا ملك زيد هذا المال كان له منافعه و نماءاته- سواء كانت من الزيادات العينية أم القيمية او غير ذلك- و شركة ارباب الخمس فيها يحتاج الي دليل و مع عدمه تكون تابعة لأصل المال. اللّهم الا ان يقال: تعلق الخمس بالمال من اول ظهور الربح ثابت و سقوطه غير معلوم، فالاستصحاب هنا مقدم و لا وجه للتمسك بتلك القاعدة- اي قاعدة التبعية- و لكن الكلام في الوجوب الحاصل بنفس ظهور الربح فانه وجوب موسع مراعي، و كفاية مثله في المقام غير معلوم. «1»

***

______________________________

(1)- و بعبارة اخري: ان كان المعتبر هو حساب الربح في كل فرد من المعاملة علي حدة فقد تحقق موضوع الخمس بالنسبة الي

بعض المعاملات، و ان كان المعتبر حساب الارباح مجموعيا فلم يتحقق بعد، فالشك هنا شك في صدق الربح الموضوع لوجوب الخمس فنرجع الي قاعدة تبعية النماء للملك و نحكم بعدم حصول الربح كذلك فلا موضوع للخمس فتدبر. و لا يخفي ان هذا علي فرض الشك و التنزل عن الظهور الذي سبق منّا في اول الكلام من ان الظاهر احتساب ارباح انواع التجارات و المعاملات مجموعيا.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 386

المسألة الرابعة عشرة (75 من العروة): هل الخمس يتعلق بالعين
اشارة

و علي القول بتعلقه بها فما هو كيفية تعلقه و المسألة عامة في جميع انواع الخمس لا تختص بباب الارباح.

و هذه مسألة مهمة ذات فروع كثيرة كما اشار اليه في العروة في المسألة 75، ثم فرع عليها في نفس المسألة الامور التالية:

1- يتخير المالك بين دفع الخمس من العين او دفع قيمته من مال آخر.

2- لا يجوز له التصرف في العين قبل اداء الخمس و ان خمسه في ذمته.

3- لو اتلفه بعد استقراره ضمنه.

4- لو اتّجر به قبل اخراج الخمس كانت المعاملة فضولية ثم رتب عليه آثار البيع الفضولي من اجازة المالك (و هو هنا الحاكم الشرعي النائب عن ارباب الخمس) و عدمها، و أخذ العين ان كانت موجودة، و اخذ قيمتها ان كانت تالفة الي غير ذلك من احكام البيع الفضولي.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان الاحتمالات في المسألة خمسة:

1- ان يكون الخمس حكما تكليفيا محضا.

2- ان يكون الخمس حكما وضعيا ثابتا في الذمة لا تعلق له بالعين اصلا، مثل الدية و الكفارات.

3- ان يكون الخمس حقا عينيا خارجيا له تعلق بالمال من قبيل حق الرهانة او غيرها علي اقسامها.

4- ان يكون الخمس من باب ملكية العين علي نحو الكلي في

المعين.

5- ان يكون الخمس من باب ملكية العين علي نحو الاشاعة.

و الفرق بين الاشاعة و الكلي في المعين واضح، فعلي الاشاعة لو تلف بعض العين كان التلف من المالك و ارباب الخمس بالنسبة، و علي فرض الكلي في المعين كان حق ارباب الخمس ثابتا فيها ما دام مقدار خمس مجموع

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 387

الربح باقيا. و هذا الفرق ثابت أيضا فيما لو اشتري صاعا من صبرة علي نحو الكلي في المعين، فما دام مقدار الصاع موجودا كان حقه باقيا.

و الانصاف ان ظاهر الادلة هو الملكية علي نحو الاشاعة، و ذلك لأمور:

1- ظاهر قوله تعالي: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ …

و ظاهر الكلام هو الملكية لا سيما مع تعقبه بالكسر المشاع و هو قوله «خمسه» فانه اظهر في الملكية علي نحو الاشاعة، مضافا الي قرينة المقابلة، فانه لا شك في ان كون اربعة اخماسه للمالك انما هو علي نحو الملكية فالخمس أيضا كذلك.

و ما قد يقال «1» من «ان مفاد اللام هو الاختصاص سواء كان من باب الملك أم الحق او المصرف او لإضافة خاصة غيرها، و ظهورها في الاول يحتاج الي قرينة و هي مفقودة في المقام لو لم نقل بقيامها علي انها في مقام بيان مجرد الاختصاص و المصرفية فقط» ففيه ان ظاهر كلمة اللام اذا اضيفت الي مال هو المكية، و لذا لو اقر واحد بان هذا المال لزيد كان اقرارا بالملكية له، و حملها علي الاختصاص و الحق و المصرف و شبهها يحتاج الي قرينة في ابواب الاموال.

2- الاخبار المشتملة علي كلمة اللام، مثل ما ورد في رواية عبد اللّه بن سنان عن

الصّادق عليه السّلام: «حتي الخياط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق» «2» و كذا قوله عليه السّلام في صدرها: «علي كل امرء غنم او اكتسب الخمس مما اصاب لفاطمة عليه السّلام و لمن يلي امرها من بعدها» الي غير ذلك، و الكلام فيه اشكالا و جوابا ما عرفت.

______________________________

(1)- القائل هو صاحب الحجة العليا، الصفحة 7.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 388

3- الاخبار المشتملة علي كلمة «في» و هي كثيرة، مثل الرواية الثانية و الثالثة و الرابعة و الخامسة و السادسة من الباب الثالث من ابواب ما يجب فيه الخمس، و مضمون الجميع ان في المعادن الخمس.

و قوله عليه السّلام في ما رواه سماعة بعد سؤاله عن الخمس قال: «في كل ما افاد الناس من قليل او كثير» «1» بناء علي ان كلمة «في» اذا استعملت في ابواب الاموال لا سيما مع الكسر المشاع، ظاهرة في الشركة و الملكية المشاعة و ليس ببعيد لا اقول لا يجوز استعمال مثل هذه العبارة في الحق و شبهه، بل اقول ظاهره عند اطلاقه هو الملك.

4- ما يدل علي لزوم اخراج الخمس عن اشياء مثل قول علي عليه السّلام فيما رواه في تفسير النعماني: «و الخمس يخرج من اربعة وجوه من الغنائم …

و من المعادن و من الكنوز و من الغوص». «2»

بل و كل ما ورد فيه التعبير بكلمة «من» (مثل الرواية التاسعة و الرابعة و الحادية عشرة من الباب الثاني من ابواب ما يجب فيه الخمس و غير ذلك) بناء علي ظهور كلمة «من» في هذه المقامات في التبعيض لا سيما

بعد انضمامها الي كلمة و ليس ببعيد.

5- ما ورد فيه عطف الانفال علي الخمس، فان الانفال ملك له عليه السّلام فالخمس أيضا ملكه لاتحاد السياق، مثل ما عن العبد الصالح عليه السّلام: «و له (اي للإمام) بعد الخمس الانفال». «3»

و كذا ما عن ابي جعفر عليه السّلام حيث قال: «ان لنا الخمس في كتاب اللّه و لنا

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 6.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

(3)- نفس المصدر، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 4.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 389

الانفال». «1»

6- ما دل علي التعبير بالسهام، مثل قوله عليه السّلام: «و يقسم بينهم الخمس علي ستة اسهم سهم للّه و سهم لرسول اللّه … » الي قوله «و له ثلاثة اسهم» «2» و قوله عليه السّلام: «فاما الخمس فيقسم علي ستة اسهم» «3» فان هذا التعبير منصرف الي سهام الملك كما لا يخفي علي من راجع موارد استعمالاته، و كذا ما ورد فيه التعبير بالنصيب الظاهر في الملكية، مثل الرواية العاشرة و العشرين من الباب الرابع من ابواب الانفال فراجع.

7- ما دل علي ان من اكل من الخمس فهو داخل فيمن اكل مال اليتيم و نحن و اللّه اليتيم، مثل الرواية الاولي من الباب الاولي من ابواب ما يجب فيه الخمس، فان جعله مصداق اكل مال اليتيم ظاهر في ملكية الخمس لأربابه.

8- ما دل علي انه عليه السّلام صاحب الخمس و ظاهر هذا التعبير الملكية، مثل ما ورد في تفسير العياشي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان اشدّ ما فيه الناس يوم القيامة اذا قام صاحب الخمس فقال: يا ربّ

خمسي و ان شيعتنا من ذلك في حلّ». «4»

فتحصل من جميع ذلك مع انضمام هذه الجهات الثمانية بعضها ببعض، ان الاقوي تعلق الخمس بالاموال علي نحو الملك المشاع، و اما احتمال كونه من قبيل الكلي في المعين فهو ضعيف جدا لأنه، لا يساعد التعبير بالكسر المشاع او لا و هذا القسم من الملكية بالنسبة الي الملك المشاع (في الاملاك المشتركة) قليل جدا، تنصرف عنه الاطلاقات ثانيا.

______________________________

(1)- نفس المصدر، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 14.

(2)- نفس المصدر، الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(3)- نفس المصدر، الحديث 9.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 22.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 390

و اما ادلة القائلين بالخلاف مما يظهر من كلماتهم بعد ضم بعضها ببعض امور:

1- المتبادر مما ذكر فيه كلمة «علي» كون الخمس مفروضا علي العين فتكون حقا لا ملكا، و هو مرسلة ابن ابي عمير: «ان الخمس علي خمسة اشياء الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة و نسي ابن ابي عمير الخامسة». «1»

و فيه: ان هذه المرسلة مضافا الي عدم اسناده الي المعصوم هي بعينها ما روي عن بعض اصحابنا رفع الحديث قال: «الخمس «من» خمسة اشياء من الكنوز و المعادن و الغوص و الغنم الذي يقاتل عليه و لم يحفظ الخامس» «2» مع ذكر «من» بدل «علي» فيه، فلا يعلم ان اصل الحديث كان مع «من» او «علي».

و في معناهما في ذكر الخمسة بعض احاديث اخر ذكر فيها «الخمس من خمسة اشياء، مثل روايتي حماد. «3»

2- و كذا المتبادر من ما ذكر فيه لفظه «في» أيضا ذلك مثل ما رواه عمار بن مروان: «فيما يخرج

من المعادن و البحر … الخمس» «4»

و كذا ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «سألته عن المعادن ما فيها؟

فقال: كل ما كان ركازا ففيه الخمس و قال: ما عالجته بمالك ففيه ما اخرج اللّه سبحانه منه من حجارته مصفي الخمس». «5» و محمد بن مسلم قال: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن الملاحة … ؟ فقال: هذا المعدن فيه الخمس.

______________________________

(1)- نفس المصدر، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 11.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 و 9.

(4)- نفس المصدر، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(5)- نفس المصدر، الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 391

فقلت: و الكبريت و النفط يخرج من الارض؟ قال فقال: هذا و اشباهه فيه الخمس». «1» و غيرهما، فان المتبادر من الظرفية تباين الظرف و المظروف.

و فيه: انه لو قلنا بتباين الظرف و المظروف هنا ورد الاشكال علي الحق أيضا، فان لازمه كون الحق مباينا للمال داخلا في جوفه مع ان الواضح كون المال نفسه متعلقا للحق، و كم فرق بين المظروف و المتعلق، و الحاصل انه لا تباين هنا بينهما بل الخمس اما جزء للمال فبهذا الاعتبار يكون مظروفا له لان الجزء داخل في الكل، او خمس المال متعلق لحق ارباب الخمس فيكون أيضا من قبيل دخول الجزء في الكل الذي لا تباين بينهما.

هذا و المتبادر من ذكر الكسر المشاع في الاموال ليس الا الملك علي نحو الشركة كما مر آنفا.

3- الزكاة و الخمس من واد

واحد و هما كفرسي رهان، بل الخمس بدل الزكاة و لذا يجري فيه كثير من احكامها، فكما ان الزكاة حق ثابت في العين فكذا الخمس. و فيه: انه قياس واضح و مجرد اشتراكهما في بعض الاحكام او كون حكمة تشريع الخمس البدلية غير كاف في اثبات ذلك لا سيما مع اختلاف احكامهما في كثير من الموارد، مثل اشتراط النصاب في جميع اجناس الزكاة و عدم اشتراطه في جميع اصناف الخمس، او اعتبار الحول في كثير منها و عدم اعتباره في الخمس مطلقا، و اختلاف مصارفهما من الاصناف الثمانية في الزكاة دون الخمس، و عدم استثناء مؤنة الشخص في الزكاة دون خمس ارباح المكاسب الي غير ذلك.

و فيه: ان هذا الاشكال وارد بعينه علي القول بالحق أيضا، فانه اذا تعلق

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 4.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 392

حق زيد مثلا بمالي وجب عليّ ادائه- سواء كان مع قصد القربة أم لا- فاعتبار القربة فيه مخالف للقاعدة، كما انه لا يجوز لي اخراج حقه بدون اذنه و كذلك تبديله بشي ء آخر كذلك.

و العجب ان المستشكل غفل عن ورود مثل ذلك عليه.

و الانصاف ان هذا من قبيل اذن ولي الخمس و الزكاة و هو النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الامام عليه السّلام و لو لا اذنهما لم يجز ذلك لا في الخمس و لا في الزكاة، لا علي القول بالملك و لا علي القول بالحق.

5- و مما تمسك به بعضهم تأييد العدم الملكية في المقام: ان التبرعات و الصدقات مطلقا لا تتحقق الملكية فيها الا بالقبض، بل و كذا منذور التصدق به، و كذا الهدي المتعين للذبح لا تخرج

عن ملك مالكه بمجرد ذلك. «1»

قلت: و ليت شعري اي ربط بين التبرعات و الصدقات و الهدي و بين الخمس، و هل هذا الا من اظهر مصاديق القياس، بل القياس هنا قياس مع الفارق، و كم فرق بين التبرعات و شبهها و بين ما نحن فيه.

6- انه قد أطلق الحق علي الخمس في كثير من روايات الباب، مثل ما رواه ابو بصير عن ابي جعفر عليه السلام قال: «كل شي ء قوتل عليه علي شهادة ان لا إله الّا اللّه و انّ محمّدا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فانّ لنا خمسه و لا يحل لأحد ان يشتري من الخمس شيئا حتي يصل إلينا حقنا». «2» و هذا دليل علي كونه حقا لا ملكا.

و فيه: ان جعل الحق مقابلا للملك انما هو من اصطلاح الفقهاء، فانه يطلق الحق عندهم علي ما يقابل الملك في كثير من المقامات

______________________________

(1)- الحجة العليا في شرح العروة الوثقي، للسيد عبد الاعلي السبزواري.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 393

(لا في جميعها) و لكن اطلاقه علي الملك في اللغة و العرف و الآيات و الروايات كثير جدّا. قال اللّه تعالي في آية كتابة الدّين: وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَ لْيَتَّقِ اللّٰهَ … فَإِنْ كٰانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لٰا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ. «1»

و الحق هنا الدّين، و قال تعالي: «وَ آتِ ذَا الْقُرْبيٰ حَقَّهُ» «2» و قد ورد في تفسيرها روايات عديدة تدل علي انها ناظرة الي قضية فدك (او ان فدك احد مصاديقها البارزة) مع ان رسول اللّه

صلي اللّه عليه و آله و سلم ملكها فاطمة عليه السّلام.

و قد ورد في روايات الارث اطلاق الحق عليه مع انه ملك. «3»

و تقسيم الحق الي قسمين و اطلاق حق الناس علي ما يكون ملكا لهم معروف.

7- ان ثبوت الحق في العين هو المتيقن بخلاف الملك فانه مشكوك و الاصل عدمه، فان الحقيقة و الملكية من صغريات الاقل و الاكثر. «4»

و فيه: انه اوهن من الجميع لان الحق و الملك امران متباينان اعتبارا و حكما، مثلا اذا شككنا ان هذا الدار ملك لزيد او رهن له، فقد دار الامر بين المتباينين لا الاقل و الاكثر، و كيف يكون حق الرهانة مرحلة ضعيفة من الملكية مع انه لا يتعلق الا بملك الغير و محال ان يتعلق بملك نفسه و هذا دليل علي تباينهما، و كذا حق التحجير و غيره.

و بالجملة لا يجوز رفع اليد عن المحكمات التي اشرنا اليها في دليل القول الاول بمثل هذه الوجوه الضعيفة جدا، فالحق ما عرفت من القول

______________________________

(1)- البقرة، 282.

(2)- الاسراء، 26.

(3)- فراجع وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 6 من ابواب ميراث الزوجة، الحديث 1 و 12.

(4)- الحجة العليا في شرح العروة الوثقي، للسيد عبد الاعلي السبزواري.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 394

بالملك علي نحو المشاع.

فذلكة: و هاهنا قول آخر اختاره بعض من عاصرناه، و حاصله ان ارباب الخمس يشتركون في الملك لكن لا في خصوصيته بل في ماليته، و لذا لا يلزم علي المالك اداء الخمس من نفس العين و يجوز له تبديله الي شي ء آخر لانحفاظ المالية بذلك، و غيره من الاحكام.

و استدل له تارة بظهور تعبيرات الادلة في ذلك حيث عبر فيها بالمال و الفائدة

و الربح، و هي ظاهرة في ان النظر هنا الي المالية لا الي الخصوصيات.

و اخري بان الارتكاز العرفي في الضرائب و الماليات المأخوذة منهم انما هو علي المالية لا الخصوصيات العينية، و يكون ذلك قرينة لصرف ادلة الخمس اليه.

و ثالثة بان سيرة المتشرعة استقرت علي عدم الالتزام باداء الخمس من نفس العين، و هذه قرينة اخري علي ما ذكر.

و رابعة بان الظاهر من ادلة الزكاة تعلقها بمالية العين لا بخصوصيتها، مثلا قوله في خمس من الابل شاة ينادي بذلك بعدم وجود الشياة في نفس الابل بل يكون قيمتها في قيمته و كذلك اشباهه، فليكن الخمس أيضا كذلك (لاتحادهما في كثير من الاحكام).

اقول: و في كلامه مواقع للنظر:

اولا: ان تفكيك المالية عن الخصوصيات العينية انما هو في عالم الذهن و الخيال و الا فهما متحدان في الخارج نظير اتحاد الكلي مع افراده و وجوده بعين وجودها، و الشاهد الظاهر علي ذلك انه لا يصح لمالك ان يقول وهبت خصوصية هذا الدار لزيد و ماليتها لعمرو، او وهبت ماليتها لعمرو و جعلت الخصوصية لنفسي، فان هذا التفصيل و التفكيك مما لا عرفية له و ليس ذلك

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 395

الا لاتحادهما في الخارج، انما الفرق بينهما في الاغراض المترتبة علي الاموال، فالتاجر ينظر الي الثياب بما انها مال و يجلب له اموالا اخري، و لكن المشتري ينظر اليها بما انه يمكن خياطة الالبسة منها و ما يقي الانسان من الحرّ و البرد.

و ثانيا: فقد ظهر الجواب عن دليله الاول مما ذكرنا، فان تعبيرات الروايات أيضا ناظرة الي الاموال بخصوصياتها لا المجردة عنها لعدم وجودها في الخارج.

و ثالثا: ان الضرائب و الماليات العرفية

انما هي من قبيل الديون في ذمة من تعلقت به و يكون اموالهم كالعين المرهونة في مقابلها، و لذا يصرحون عنها بلاديون المالية و ديون الضريبة و تراهم الحكومة مديونين و تري الماليات دينا في ذمتهم كما هو واضح لمن راجع تعابيرهم في ذلك و حمل جميع ذلك علي المجاز كما تري.

و رابعا: ما افاده من السيرة حق لا ريب فيها كما سيأتي ان شاء اللّه مشروحا، و لكنها اعم من ان يكون بسبب تعلق الخمس بمالية العين او تعلقه بخصوصيتها، و لكن الشارع المقدس رخص للمالك في تبديله كسائر ترخيصاته في هذه الابواب.

و خامسا: قياس ما نحن فيه علي الزكاة قياس مع الفارق (مضافا الي ان القياسات الظنية ليست من مذهبنا اصلا) فان تعلق الزكاة بالاموال ليست بعنوان الملك، بل هي نوع حق كما ذكرناه في محله.

هذا كله مع مخالفة هذا القول للأدلة الكثيرة التي اسلفناها عند بيان المختار من الشركة في العين علي نحو الاشاعة.

و بالجملة هذا القول مع كونه غير معقول في نفسه لا يساعده شي ء من الادلة.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 396

ان قلت: كيف لا يعقل تملك المالية دون الخصوصيات العينية مع ان له بعض الامثلة في الفقه مثل عدم ارث الزوجة من اعيان البناء و ارثه من قيمته، و ليس ذلك الا بمعني انها مالكة لماليتها و ليست مالكة لخصوصياتها.

قلت: اولا كونها مالكة لمالية العين اول الكلام، فقد صرح بعضهم هناك بان المرأة تملك قيمتها في ذمة سائر الورثة، و هذا صاحب الجواهر الفقيه الماهر قال في هذا المقام ما نصه:

«الظاهر ثبوت ذلك في ذمة الوارث من غير فرق بين بذل الوارث العين و عدمه و

لا بين امتناعه من القيمة و عدمه، و ان كان مع الامتناع يبقي في ذمته الي ان يتمكن الحاكم من اجباره علي ادائها او البيع عليه قهرا، كغيره من الممتنعين من اداء الحق و لو تعذر ذلك كله يبقي في ذمته الي ان تتمكن الزوجة من تخليصه و لو مقاصة». «1»

و ذكره هذا المعني مع عدم اشارته الي قول مخالف دليل علي عدم وجدانه مخالفا في المسألة. نعم لا يبعد كون عين المال من قبيل الرهن في مقابل هذا الحق اي الدين و اين ذلك من ملك المالية.

ثانيا: لو فرضنا ظهور بعض ادلة تلك المسألة في ذلك، فاللازم صرفه الي ما ذكر من الدين بعد عدم كون ملكية المالية معقولا فالحق ما عرفت و الحمد للّه.

بقي هنا أمور أشار إليها في العروة في ذيل المسألة
اشارة

1-

[الأول] لا اشكال عندهم في تخيير المالك بين أداء الخمس من العين أو من قيمته

، و محل الكلام بعد استقرار الخمس و مضي السنة في ارباح

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 39، الصفحة 217.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 397

المكاسب، و اما في طول السنة فلا اشكال و لا كلام.

و لا شك انه علي القول بالشركة علي نحو الاشاعة الاصل عدم جواز التصرف و التبديل في العين الا باذن ولي الخمس لعدم جواز التصرف في المال المشترك، و كذا علي القول بتعلقه به بعنوان الكلي في المعين، و كذا اذا كان بعنوان الحق كحق الرهانة و شبهها، نعم علي القول بانه من قبيل التعلق بمالية العين، فقد يقال ان الاصل في المسألة الجواز لانحفاظ المالية بذلك، لكن قد عرفت ان المالية بمعني امر كلي موجود في الخارج غير متحد مع الخصوصية العينية غير معقول.

و علي كل حال تخيير المالك في ذلك كأنه مما لا خلاف فيه بينهم.

و عن شيخنا الانصاري ان جواز اداء القيمة مذهب الاصحاب.

هذا و لكن المصرح به في كلماتهم في خمس الارض التي اشتراها الذمي ان ولي الامر مخير بين اخذ عين الارض او ارتفاعها، و هذا ينافي تخيير المالك هنا فراجع كلماتهم في البابين تجدهما متخالفين ظاهرا.

اللّهم الا ان يقال: ان ذلك الحكم مختص بغير المسلم، اما المسلم فهو مخير بين الامرين و لا يجبرهما الحاكم علي شي ء.

و اما دليل المسألة: فالدليل الوحيد الذي تمسك به في المستند، هو ما استدل به الفقهاء في باب الزكاة و هي صحيحة احمد بن محمد بن خالد البرقي قال: «كتبت الي ابي جعفر الثاني عليه السّلام هل يجوزان اخرج عما يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب علي الذهب، دراهم قيمة ما يسويه

أم لا يجوز الا ان يخرج من كل شي ء ما فيه؟ فاجاب عليه السّلام: ايما تيسر يخرج» «1»

نظرا الي اطلاق قوله و ما يجب علي الذهب فانه يشمل الزكاة و الخمس

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 9 من ابواب الزكاة الغلات، الحديث 1

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 398

جميعا، و كون صدرها في خصوص الزكاة لا ينافي اطلاق الذيل.

اقول: الانصاف ان الذهب بما هو ذهب- اعني بهذا العنوان- لا يجب فيه شي ء الّا الزكاة، و اما كونه من مصاديق المعدن او ارباح المكاسب فهو عنوان آخر غير الذهب، و ليس الحديث بصدد بيانه لا سيما مع ملاحظة صدره فالاحذ باطلاقه بعيد جدّا.

و قد يتمسك باخبار خاصة وردت في موارد معينة يمكن اصطياد العموم من مجموعها او الغاء الخصوصية من كل واحد منها مثل ما يلي.

1- ما رواه ريان بن الصلت قال: «كتبت الي ابي محمد ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحي ارض في قطيعة لي و في ثمن سمك و بردي (البردي نبات كالقصب)؟ فكتب عليه السّلام: يجب عليك فيه الخمس ان شاء اللّه تعالي». «1»

2- ما ورد في خبر ابي بصير فيمن كان في داره البستان فيأكل شيئا من الفواكه و يبيع بعضها، فسأل الصادق عليه السّلام: «هل يجب عليه فيه الخمس؟

فكتب عليه السّلام: اما ما اكل فلا و اما البيع فنعم هو كسائر الضياع». «2»

3- ما رواه ابو سيار حين ولي الغوص ببحرين و اصاب أربعمائة الف درهم و اتي بخمسها ثمانين الف درهم ابا عبد اللّه عليه السّلام. «3»

4- ما رواه الحرث بن حصيرة الازدي فيمن وجد ركازا علي عهد امير المؤمنين عليه السّلام و باعه

من آخر بثلاثمائة درهم و مأئة شاة متبع ثم وقع التنازع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9. لكن يلاحظ علي الاستدلال بها ان الراوي لم يقل انه باع البردي و السمك، فاراد دفع خمسهما من الثمن بل لعله باعهما في اثناء السنة و بقي ثمنهما في يده فتعلق به الخمس.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.

(3)- نفس المصدر، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 399

بينهما، فقال عليه السّلام: «لواجد الركاز ادّ خمس ما اخذت (اي ما اخذت من القيمة)». «1»

ففي ذلك دلالة علي جواز اعطاء القيمة بدل العين.

اقول: الانصاف ان الاخير دليل علي جواز اجازة ولي الامر بالنسبة الي البيع الفضولي الواقع علي سهم ارباب الخمس (اذا اقتضي مصلحتهم) و لا ربط له بتخيير المالك فانه لا اشكال في جواز البيع و الشراء طول السنة، و انما الكلام في تبديله بعد سنة الربح و كذا الثاني، فلعل بيع الثمرة أيضا كان في طول سنة الخمس و جواز بيعها و تبديلها بالثمن في هذا الحال جائز قطعا كما عرفت.

نعم رواية ابي سيار دليل علي عدم وجوب اداء الخمس من عين المال الذي حصل بالغوص و جواز تبديله بعد اخراجه، و لكن التعدي منه الي غير الغوص حتي ارباح المكاسب اول الكلام. و الحاصل: ان شيئا منها غير رواية ابي سيار غير واف باثبات المطلوب، و مجرد رواية واحدة واردة في باب الغوص لا يمكن استفادة العموم منه.

كما ان التمسك بجواز التبديل في باب الزكاة فيتعدي منها الي الخمس أيضا غير كاف

بعد كونه من القياس الممنوع.

و العمدة هنا هي السيرة المستمرة الجارية علي ذلك بيانه:

الثالث: و هو العمدة استقرار سيرة المتشرعة علي ذلك، فان المتداول في اداء خمس المعادن او الغوص او مثل ذلك ليس اداء عين المعدن او الجواهر بل المتعارف اداء قيمتها، و كذلك بالنسبة الي ارباح مكاسب التجار بعد مضي الحول مع عدم الانضاض كما هو كثير، فليس المتعارف اخراج

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 6 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 400

الثياب و الفرش و الظرف و غير ذلك من اشباهها بل و المواد المأكول أيضا، و انما المتعارف اخراج قيمتها.

و اوضح حالا من الجميع ما اذا كان بلد المالك بعيدا نائيا و اراد حمل الخمس الي الامام عليه السّلام او وكيله، فلا يحملون في هذه الحال الا الفلوس لا الاعيان التي تعلق بها الخمس كما هو ظاهر.

و كذلك الكلام بالنسبة الي ما يبقي في البيت من زيارات المواد الغذائية من الحبوبات و الدهن و امثالها، فلا يؤخذ من كل واحد جزء صغير بعنوان الخمس بل يؤدي مبلغا من الجميع.

و اوضح حالا من ذلك ما اذا كانت العين التي تعلق الخمس بها مما لا يمكن اخراج خمسه كثوب واحد او كفرش كذلك.

و من هذا كله نعلم باجازة ولي الخمس في تبديله بالاموال.

انما الكلام في انه هل يجوز دفع جنس آخر لا النقود، كدفع الحنطة بدل الثياب او بالعكس او لا يجوز؟ صرح غير واحد بعدم جوازه او الاشكال فيه، و هو كذلك لان الادلة السابقة سواء رواية البرقي، أم الروايات الخاصة او السيرة هو دفع القيمة من النقود فقط لا الاجناس الاخر،

لا سيما اذا لم يكن الجنس مما يحتاج اليه ارباب الخمس، كدفع الخمس من بعض الادوية و الالات التي ليست مما يتعلق بها حاجتهم، او دفع كتاب الجواهر لفقير يسكن البادية كما مثل به بعض الاعلام.

و قد عرفت ان مقتضي القاعدة عدم الجواز، و لكن مقتضي القول بتعلقه بماليته جوازه لانحفاظ المالية بذلك.

نعم يمكن ان يقال اذا كان لأرباب الخمس حاجة الي شي ء معين جاز تبديله به، كما اذا كان متعلق الخمس من الفرش و كان الفقير محتاجا الي الحنطة جاز دفعها اليه بدله و لا يمكن ان يقال لا يكفي هنا الي دفع النقود،

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 401

للعلم بانه اولي منه فتدبر.

هذا و في كلام بعض الاعلام استثناء الحلال المختلط بالحرام من مسألة تخيير المالك، فقال: «لا يترك الاحتياط فيه باخراج خمس العين» «1» مع تصريحه في مصرف هذا الخمس «بانه مصرف غيره من اقسام ما يتعلق به الخمس». «2»

و لعل الوجه فيه ما ورد في بعض رواياته من الامر باخراج الخمس من ذلك المال، فان اللّه عزّ و جلّ قد رضي من ذلك المال بالخمس «3» و هكذا قوله عليه السّلام: «فليبعث بخمسه الي اهل البيت- عليهم السلام-» «4» الي غير ذلك.

او يقال: ان الوجه فيه كونه من قبيل مجهول المالك و قد صالحه الشارع المقدس بالخمس و عين صرفه في مصارف الخمس، فمال الغير صار مشاعا في هذا المال و ان وجب صرفه في ذاك المورد الخاص.

و لكن الانصاف ان الراوي لا يفهم منه وجوب بعث خمس الحنطة و الظروف و الفرش لا سيما اذا كان نائيا لا للحرج و العسر، بل يفهم منه ما يفهم من

ساير موارد الخمس من تخيير المالك بين دفع العين او القيمة، و الحاصل ان السيرة المستمرة التي ذكرنا تجري هنا أيضا.

هذا و يمكن الاستشكال في اداء العين في بعض فروض المسألة و هو ما اذا علم المالك ان اداء العين لا يفيد ارباب الخمس و لا يمكنهم الانتفاع بها كبعض الاجناس العتيقة التي لا ينتفع بها غالب الناس، و تبديله بالقيمة أيضا مشكل و لا يتمكن من بيعها الا بايع العتائق، فعلي المالك هنا بذل قيمتها اذا

______________________________

(1)- تحرير الوسيلة، كتاب الخمس، المسألة 23.

(2)- نفس المصدر، المسألة 27.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(4)- نفس المصدر، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 402

كان يقدر علي تبديلها بالقيمة بسهولة علي الاحوط.

الثاني: لا يجوز له التصرف في مجموع العين بعد مضي السنة

في الارباح و في غيرها مطلقا قبل اداء الخمس و ان ضمنه في ذمته، و هذا هو المشهور بين المعاصرين و من قارب عصرنا فيما رأينا من كلماتهم.

و لكن في الجواهر في غير مورد جواز ضمان الخمس و جعله في الذمة ثم التصرف في مجموع المال، قال في بعض كلماته: «لو ضمنه و جعله في ذمته جاز له ذلك لكن ليس في الادلة هنا تعرض لبيان ان له ضمانه مطلقا او بشرط الملاءة او الاطمينان من نفسه بالاداء، او غير ذلك، بل لا تعرض فيها لأصل الضمان و جواز التأخير اعم من ذلك». «1»

و لكن الظاهر انه ناظر الي التصرفات قبل مضي الحول بقرينة صدر كلامه الذي هو شرح كلام الشرائع (لكن يؤخر ما يجب في ارباح التجارات احتياطا للمكتسب) بل ذيل كلامه اعني قوله: «و جواز التأخير اعم» أيضا شاهد علي ما ذكرنا،

فهو خارج عن محل الكلام بل جواز التصرف في اثناء الحول بلا حاجة الي ضمان الخمس في الذمة مما لا ينبغي الاشكال فيه.

نعم في بعض كلماته في مسألة وجوب خمس المعادن ما يظهر منه جواز نقله الي الذمة حيث قال:

«لكن له ضمانه علي ان يؤديه من مال آخر». «2»

اقول: تبديل الخمس بعد استقراره الي ما في الذمة مشكل جدّا، امّا بحسب القواعد فلما عرفت من انه من قبيل المال المشترك و لا يجوز لأحد الشريكين التصرف في جميعه و نقل السهم الاخر الي ذمته حتي

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 80.

(2)- نفس المصدر، الصفحة 22.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 403

علي القول بكونه من قبيل الكلي في المعين، او تعلق الخمس بالمالية، بل و كذا علي القول بكونه حقا متعلقا بالعين أيضا لا يجوز ذلك، لعدم الدليل عليه بل الدليل علي العدم، لعدم جواز ذلك في الحقوق.

هذا مضافا الي النصوص الخاصة الدالة علي عدم شراء شي ء من الخمس حتي يؤدي حق اربابه، فقد روي ابو بصير عن ابي جعفر الباقر عليه السّلام قال: «لا يحل لأحد ان يشتري من الخمس شيئا حتي يصل إلينا حقنا». «1»

و في رواية اخري له قال سمعته يقول: «من اشتري شيئا من الخمس لم يعذره اللّه، اشتري مالا يحل له». «2»

فلو جاز ضمانه في الذمة و التصرف في المال، لوجب الاشارة اليه كما لا يخفي.

الثالث: قال في العروة لو أتلفه بعد استقراره ضمنه

، و الدليل عليه واضح لقاعدة الاتلاف الشاملة للمقام أيضا، و لأنه مال الغير، و علي اليد ما اخذت حتي تؤدي، و ليعلم ان الاتلاف هنا اعم من العمد و الخطاء لعموم ادلة الضمانات، بل هو اعم من صرفه في مؤنته او

اتلافه بلا فائدة فيه، لعموم الادلة، و لكن قد مر سابقا انه لو كان الاتلاف بلا فائدة او في طريق المعصية كان ضامنا للخمس و لو في اثناء السنة.

الرابع: لو اتجر به قبل إخراج الخمس

(كما هو المشاهد في اموال الذين لا يؤدون الاخماس فهي باقية في اموالهم يتجرون بها دائما الي ان تشملهم العناية الالهيّة بالتوبة و اداء ما عليهم من الاخماس) قال في العروة: المعاملة فضولية بالنسبة الي مقدار الخمس، فان امضاه الحاكم الشرعي اخذ العوض،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(2)- نفس المصدر، الباب 3 من ابواب الانفال، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 404

و الا رجع بالعين بمقدار الخمس ان كانت موجودة و بقيمته ان كانت تالفة …،

هذا اذا كانت المعاملة بعين الربح، و اما اذا كانت في الذمة و دفعها عوضا، فهي صحيحة و لكن لا يبرء ذمته بمقدار الخمس، و يرجع الحاكم به ان كانت العين موجودة و بقيمته ان كانت تالفة …

كل ذلك موافق للقواعد بناء علي القول بالاشاعة، او الكلي في المعين، او كونه حقا متعلقا بالعين نفسها كالعين المرهونة.

فالمعاملة تارة تكون شخصيا بان تكون المثمن او الثمن عين المال الذي تعلق به الخمس (و البيع الشخصي من ناحية المبيع و المثمن كثير و لكن في ناحية الثمن غالبا كلي) و حينئذ تكون المعاملة فضولية تجري فيها جميع احكام الفضولي، و ليعلم ان امضاء الحاكم لها منوط بكونها مصلحة لأرباب الخمس، و الا وجب عليه رد المعاملة و اخذ المال بعينه.

و اما اذا كان المثمن كليا كمن باع مأئة من حنطة كليا في الذمة ثم اداه من عين تعلق بها الخمس،

او الثمن كذلك بان اشتري دارا او لباسا او مركبا لثمن في ذمته ثم اداه من مال فيه الخمس، فمن الواضح ان المعاملة صحيحة ليست فضولية لكونه مالكا لذمته، و لكن ادائه من مال تعلق به الخمس لا يكون مبرئ الذمته في مقدار الخمس، الا ان يأذن الحاكم الشرعي و كان مصلحة و حينئذ يؤخذ مقداره من المالك المثل في المثلي و القيمة في القيمي، و ان لم يأذنه اخذ الخمس من عين الثمن من يد البائع، و احكام تعاقب الايدي و الرجوع الي كل منها هو ما ذكروه في محله ليس هنا موضع ذكرها.

هذا كله اذا لم نقل باستثناء المتاجر في ابواب الخمس، اما اذا قلنا بحلية المتاجر مطلقا او في خصوص من لا يعتقد الخمس، فالبيع مع هؤلاء حلال للمسلم المعتقد به فيملك العين التي فيها الخمس و يبقي الخمس

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 405

في عوضها، و ذلك باذن من ولي الخمس و هو الامام المعصوم عليه السّلام.

و اما المعاملات المتعددة الفضولية الواقعة علي ما تعلق به الخمس علي فرض اذن الحاكم الشرعي و حكم ارباحها، فسيأتي الكلام فيه ان شاء اللّه في ذيل المسألة 77.

*** المسألة الخامسة عشرة (76 من العروة): كان الكلام في المسألة السابقة في التصرف في جميع المال

الذي تعلق به الخمس بعد استقراره بالاتجار و غيره، اما لو تصرف في بعضه بحيث كان مقدار الخمس باقيا، سواء كان بنية ادائه عما بقي او غافلا من ذلك او بانيا علي العدم، فقد صرح في العروة بجواز ذلك اذا كان قصده اخراج الخمس من البقية، لان شركة ارباب الخمس مع المالك انما هي علي وجه الكلي في المعين علي مختاره.

قلت: قد عرفت ان الكلي في المعين انما هو في مقابل الكلي في

الذمة، فمن باع صاعا من صبرته او مأئة من من الحنطة من مخزنه، فانما يبيع شيئا خارجيا لكن يوصف بالكليّة في دائرة معينة فهو كلي من جهة و جزئي اضافي من جهة اخري، و هذا البيع جائز اذا لم يكن فيه الغرر، كما يجوز تعلق الارادة و الحب و غير ذلك من اشباهها بمثل هذا فكذلك في المعاملات، و مثل هذا جائز في الامور الاعتبارية و شبهها و ان لم توجد الكلي بوصف الكلية في الخارج حقيقتا، و الفرق بينه و بين الشركة في العين يظهر في مقام التلف فالكلي في المعين موجود ما دام صاع من الصبرة موجودا مثلا، لأنه يوجد و لو بوجود فرد منه، و لكن في الشركة يتلف من المالين بحسب مقدار الشركة كلما تلف منها شي ء و هذا واضح.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 406

انما الكلام في دليله في المقام، و قد عرفت انه لا دليل الا علي الشركة علي نحو الاشاعة. نعم التعبير بقوله «فيه الخمس» او «عليه الخمس» قد يوهم ذلك، و لكن قد عرفت انها بضميمة غيرها من التعبيرات دليل علي الشركة.

هذا و لو قلنا بهذا القول جاز التصرف في المال ما دام مقدار الخمس باقيا، قصد ادائه من الباقي أم لا، انما الحرام هو التصرف في خصوص مقدار الخمس الباقي بعد صرف مقدار الاربعة اخماس، كما هو كذلك فيما اذا باع صاعا من صبرة، فيجوز له التصرف فيها ما دام مقدار الصاع باقيا، فتقييده بقوله مع قصد اخراجه من الباقي مما لا وجه له.

و هنا طريق آخر لجواز التصرف في البعض و لو علي المختار من الشركة، و هو ان يقال ان المالك

مخير في تعيين مقدار الخمس في اي جزء من اجزاء امواله اما بالعزل او بمجرد النية، و لكن الكلام بعد في اقامة الدليل علي هذا الاختيار لأنا لم نجد له دليلا في ابواب الخمس، نعم قد يستدل ببعض الادلة في ابواب الزكاة من جواز العزل و غيره، و لكن عرفت ان قياس الخمس علي الزكاة في جميع الاحكام قياس ظني لا نقول به.

*** المسألة السادسة عشرة (77 من العروة): إذا حصل الربح في ابتداء السنة أو في أثنائها

فلا مانع من الصرف فيه بالاتجار، و اذا حصل من هذا الربح ربح آخر فهل يجب خمس ما يقابل هذا الربح لأرباب الخمس، بان يكون لهم خمس الربح الاول و سهم من الربح الثاني بازاء هذا الربح و خمس الباقي أم لا؟

و قد مثلنا له سابقا بما اذا كان له رأس مال 1000 دينار فربح 1000

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 407

دينار، ثم اتجر بمجموع الالفين فربح 2000 دينار اخري، فجاء رأس السنة فهل يجب عليه خمس 3000 دينار، لان المجموع 4000 دينار يخرج منه رأس ماله الاول فيبقي ثلاثة آلاف و خمسه 600 دينارا؟

او يجب اخراج الخمس الاول 200 دينار، ثم يخرج من التجارة الثانية 200 دينار ربح الخمس الاول، فيبقي له 1800 دينار و يخرج منه خمسه 360 دينار، فالحاصل لأرباب الخمس من التجارة الثانية 560 دينار، و الحاصل من الاولي 200 فيبلغ 760 دينار يزيد علي الحساب الاول 160 دينار.

ظاهر كلمات القوم هو الاول، اي ملاحظة خمس مجموع الربح رأس السنة لا جعل كل معاملة مستقلة و اخذ الربح منها ثم اخذ الربح من الربح لأرباب الخمس و هكذا، نعم قد يظهر من بعض كلمات الجواهر الميل الي الاخير حيث ذكر هذا القول و استدل له

بتبعية النّماء لأصل المال و لم يستشكل عليه، بل ذكر في اخر كلامه قوله: «فتأمل جيدا» الذي يدل علي ارتضائه ظاهرا بهذا القول. «1»

و العجب انه قدس سره صرح في نجاة العباد أيضا بذلك فقال: «و لو تحقق الربح في اثناء الحول ثم اتجر به فربح أيضا فالاحوط ان لم يكن اقوي اخراج ما يختص الخمس من الربح الاول … و يتبعها نمائها من الربح الثاني (مضافا الي خمس الباقي)». «2»

لكن قد عرفت ان هذا القول مما استمرت السيرة القطعية علي خلافه، فانا لم نجد احدا يحاسب ارباحه رأس السنة الا بملاحظة المجموع و اخراج

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 55.

(2)- نجاة العباد، الصفحة 85.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 408

رأس المال و المئونة ثم اداء الخمس منه، لا محاسبة الربح و ربح الربح و هكذا.

بل لو كانت المعاملات كثيرة بحيث كان يتجر او يكتسب و يربح كل يوم، كان حساب هذه الارباح المتداخلة كل يوم صعبا جدا محتاجا الي وقت كثير او استخدام الكمبيوتر.

بل ظاهر صحيحة علي بن مهزيار من وجوب اخراج خمس الفوائد كل عام، و الروايات الاخري الدالة علي اخراج المئونة الظاهرة في مؤنة السنة ليس الا ما ذكرنا.

اما اذا اتجر به بعد مضي السنة و استقرار الخمس، فقد صرح في العروة بانه ان حصل منه ربح كان ما يقابل الخمس من الربح لأربابه مضافا الي اصل الخمس فيخرجهما (اي الخمس الاول و ربح هذا الخمس) ثم يخرج خمس الباقي ان زاد عن مؤنة السنة، و وافقه كثير من المحشين و خالف فيه بعضهم.

و لازم ذلك ان من ترك حساب خمس امواله سنين متعددة او لم يؤد شيئا

في عمره ثم شملته العنايات الالهيّة فاراد تطهير امواله وجب ملاحظة الاخماس المضاعفة في امواله، و محاسبة كل تجارة مستقلة و ربحها ثم يشاركه ارباب الخمس في التجارة الثانية من حيث رأس المال، مضافا الي وجوب خمس ربحها لهم ثم في المعاملة الثالثة كذلك، ففي كل معاملة تمر عليه يكثر سهم ارباب الخمس في امواله و يغلب عليها شيئا فشيئا.

و لا شك انه مقتضي القول بالملك علي نحو الاشاعة بل علي نحو الكلي في المعين او ملك المالية، لان المفروض استقرار الخمس في الجميع.

نعم علي القول بكونه حقا متعلقا بالمال من دون المشاركة في الملكية، لم يجب عليه غير الخمس الاول.

و علي جميع الاقوال كل هذه المعاملات فضولية بالنسبة الي حق ارباب الخمس، و لكن الحاكم الشرعي اذا رأي مصلحتهم ينفدها.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 409

هذا مقتضي القاعدة و لكن السيرة هنا أيضا علي خلافه، فلم نر عند محاسبة اموال الذين لم يخمسوا اموالهم طول سنين الا محاسبة رأس مالهم الاول ثم محاسبة الارباح الحاصلة و تخميسها.

مضافا الي ما عرفت من الصعوبة الكثيرة بل العسر و الحرج الشديد في محاسبة هذه الارباح المتداخلة اذا كانت كثيرة، اللّهم الا ان يقال ان طريق حله واضح و هو التوسل الي الصلح بين المالك و الحاكم الشرعي الذي يكون وليا او وكيلا لأرباب الخمس، و العمدة ما عرفت من كونه أيضا مخالفا لما هو المعهود من سيرة المتشرعة، فلعل هذا أيضا من الارفاقات الحاصلة من قبل الشارع في المتاجر، و لا أقلّ من عدم ترك الاحتياط بالمصالحة مع المالك في هذا الامر.

*** المسألة السابعة عشرة (78 من العروة): قد عرفت أنه ليس للمالك نقل الخمس إلي ذمته

لعدم ولايته علي ذلك، و لو اراد المالك التصرف في جميع المال

و نقل الخمس الي ذمته يجوز له ذلك بالتوسل باحد امور:

احدها: اخراجه و اعطائه بيد الحاكم الشرعي ثم استقراضه منه و هو المسمي عندنا ب «دستگردان كردن» و في الحقيقة هذا مصداق لأداء الخمس، و الاستقراض عن الحاكم الشرعي يوجب اشتغال ذمته باموال بيت المال و ارباب الخمس، و هو امر آخر، و لكن لا يجوز ذلك للحاكم الا اذا اقتضت المصالح، كما اذا كان المال المتعلق به الخمس من الاعراض و تبديلها الي النقود يحتاج الي زمان، او كان المالك لا يستطيع اداء الخمس مرة واحدة و يريد ادائه نجوما، او كان يقدر علي ذلك و لكن نفسه تأبي عنه بحسب المال، او لغير ذلك من الاسباب و لا يمكن للحاكم استيفاء حق

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 410

ارباب الخمس الا من هذا الطريق.

ثانيها: المصالحة مع الحاكم بمعني مصالحة الخمس الموجود في المال مع مبلغ خاص في ذمته، بان يقول له صالحتك هذا المقدار من الخمس مثلا مأئة منّ من الحنطة بمائة دينار في ذمتك و يقبله المالك، و هذا أيضا منوط بالمصلحة، و هذا هو ما ذكره في العروة، و في هاتين الصورتين تكون منافع المال في المستقبل له.

ثالثها: اجازة الحاكم الشرعي له في التصرف فيه و الاتجار به، لكن يكون سهم ارباب الخمس من المنافع لهم كما لا يخفي.

هذا و قد ذكر في العروة بعد الحكم بجواز تصرف المالك بعد المصالحة مع الحاكم الشرعي بانه: «لو فرض تجدد مؤن له في اثناء الحول علي وجه لا يقوم بها الربح انكشف فساد الصلح».

و مفهوم هذا الكلام غير معلوم- كما اشار اليه كثير من المحشين- فانه لو كان في اثناء الحول،

فهو غير محتاج في تصرفاته الي المصالحة مع الحاكم الشرعي لجواز تصرف المالك قبل انقضاء السنة في امواله كيفما كان و المنافع الحاصلة له كما عرفت آنفا، و ان كان بعد مضي الحول لم يكن معني لقوله:

«لو فرض تجدد المؤن له في اثناء الحول».

اما احتمال كشف وجود مؤن في الحول الماضي مثل بعض ديونه الذي لم يظهر له من قبل ثم علم بها فهو أيضا بعيد جدا عن سياق كلامه، و الاولي ان يقال انه سهو من قلمه الشريف- قدس اللّه سره-.

*** المسألة الثامنة عشرة (79 من العروة): قد عرفت أنه يجوز له تعجيل إخراج خمس الربح

اذا حصل له في اثناء السنة، و لا يجب التأخير الي آخرها

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 411

(لما عرفت من انه من قبيل الواجب الموسع و يتضيق بعد تمام السنة) فان التأخير من باب الارفاق كما مر.

و قد فرع علي ذلك في العروة بانه: «لو اخرجه بعد تقدير المئونة بما يظنه فبان بعد ذلك عدم كفاية الربح لتجدد مؤن لم يكن يظنها (كما اذا مرض مرضا شديدا يحتاج الي مصارف كثيرة او خربت داره في زلزلة و شبهها) كشف ذلك عن عدم صحته خمسا».

ثم فصل في جواز رجوعه بين ما اذا كانت العين باقية فله الرجوع لان ذلك كشف عن عدم صحته خمسا، و ما اذا كانت تالفة فلا يجوز (لان المستحق كان مغرورا من هذه الجهة لا يجوز رجوع المالك اليه) الا في صورة واحدة و هو ما اذا كان المستحق عالما بالحال (يعني كان عالما بامكان تجدد بعض المؤن للمالك بحيث يكشف عن عدم كون هذا المال خمسا) فان الظاهر ضمانه في هذه الصورة (هذا تمام كلامه مع توضيح منا).

لكن صرح في المسالك بانه: «لو عجل الاخراج فزادت

المئونة لم يرجع بها علي المستحق مع عدم علمه بالحال و تلف العين و في جواز رجوعه عليه مع بقاء العين او علمه بالحال نظر و قد تقدم مثله في الزكاة الا ان عدم الرجوع هنا مطلقا متوجه». «1»

اختاره صاحب الجواهر حيث قال: «بل (لا يجوز الرجوع) مع العلم و بقاء العين في وجه قوي». «2»

و عن شيخنا الاعظم الانصاري أيضا انه حكم بعدم جواز الرجوع مطلقا، فلا تسوغ له المطالبة مع بقاء العين فضلا عن التلف (علي ما حكاه عنه في

______________________________

(1)- مسالك الافهام، المجلد 1، الصفحة 68.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 80.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 412

مستند العروة). «1»

اقول: اما وجه جواز الرجوع في صورة بقاء العين و في صورة تلفه اذا لم يكن المستحق مغرورا لكونه عالما بالحال، فهو ان وجوب الخمس عليه كان مشروطا بشرط متأخر و هو عدم تجدد مؤن له و المفروض ان هذا الشرط لم يحصل فلا يصح خمسا، و بعبارة اخري كان وجوب الخمس عليه مراعي بعدم ذلك.

و اما وجه عدم جواز الرجوع فهو ان الخمس واجب عليه مطلقا وجوبا موسعا و ليس مشروطا بشرط متأخر و لا مراعي بشي ء لعدم الدليل عليه، غاية الامر انه لو لم يخرجه و بقي في ماله ثم تجدد له مؤن جاز له صرفه فيها، و هذا هو مقتضي الوجوب الموسع، فما اخرجه قبل تجددها فهو مصداق للواجب، و بعد التجدد لم يكن الموضوع باقيا، و في الواقع جواز تأخير الخمس ارفاق لا انه مشروط بشي ء.

و لكن يرد عليه ان ظاهر الادلة ان المئونة المستثناة هي مؤنة مجموع السنة بقرينة ما مر في مبحث اعتبار السنة، فالواجب

من اول الامر مشروط و مقيد به، فانظر الي قوله عليه السّلام: «اذا امكنهم بعد مؤنتهم» فان ظاهره اشتراط الوجوب من اول الامر بما زاد علي المئونة، و كذا قوله عليه السّلام: «الخمس بعد المئونة»، و اما الارفاق و الوجوب الموسع فانما هو بالنسبة الي ما يزيد ربحه علي مؤنة مجموع سنته، فانه لا يجب عليه اخراج الخمس فورا و له ابقائه احتياطا لبعض مالا يعلم به من المؤن المتجددة، فمن لم تقم ارباحه بمئونة سنته لم يكن الخمس واجبا عليه موسعا و لا مضيقا، فالحكم من هذه الناحية مشروط بحسب ظاهر الادلة.

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 259.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 413

المسألة التاسعة عشرة (80 من العروة): إذا اشتري شيئا بالربح قبل إخراج الخمس

لا يجوز له التصرف فيه، لما عرفت من عدم صحة البيع بالنسبة الي سهم ارباب الخمس، فلو كان جارية لم يجز وطؤها و إن كان لباسا لم تصح الصلاة فيه بناء علي بطلان الصلاة في المغصوب، و كذا اذا كان دارا او ارضا، و حرم اكله لو كان مأكولا و الحرمة هنا وضعي و تكليفي كما هو ظاهر، و لذا توصلنا في المسألة 78 بطرق التخلص للمالك من هذا الامر اذا لم تسمح له الظروف باداء الخمس فورا.

نعم علي القول بكون الخمس في المال من قبيل الكلي في المعين جاز له التصرفات و البيوع ما دام مقداره موجودا- سواء قصد ادائه منه أم لم يقصد- فما ذكره في العروة من اشتراط القصد علي مبناه فهو مما لا وجه له، و اما علي المختار فلا يجوز مطلقا.

بل لازم القول بتعلق الخمس بمالية المال أيضا جوازه، لان المالية محفوظة في الجنس المشتري بعد مساواتهما من هذه الناحية و المفروض

عدم تعلق الخمس بالخصوصيات.

ان قلت: ان الميزان في المالية هو النقود فلا يجوز تبديله الا بها.

قلنا: هذا ممنوع لان النقود انما هي المقياس للمالية لا الملاك لها و فرق بين المقياس و الملاك، فالطول مثلا في جميع الاشياء موجود و ان كان مقياسه الأمتار و كذا الوزن، و ان كان مقياسه خصوص الوزنة الخاصة و هو ظاهر.

هذا و قد ذكر في العروة انه: لو بقي منه بمقدار الخمس في يده و كان قاصدا لإخراجه منه جاز و صح، (انتهي) و هذا الكلام مضافا الي ما اوردنا عليه سابقا من الاشكالات ممنوع بان الجواز ان كان بمعني الحكم التكليفي هنا كان مقيدا بعدم منافاته لفورية وجوب اداء الخمس بعد مضي السنة و الا

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 414

فلا يجوز- كما لا يخفي- اللّهم الا ان يقال ان الحكم هنا حيثي، اي جاز من حيث التصرف في البعض.

*** المسألة العشرون (81 من العروة): قد مر أن مصارف الحج الواجب و المستحب و سائر الزيارات تعد من مئونة السنة

، انما الكلام في ان المدار علي وقت إنشاء السفر فان كان إنشائه في عام الربح فمصارفه من مؤنته- ذهابا و ايابا- و ان تم الحول في اثناء السفر فلا يجب اخراج خمس ما صرفه في العام الآتي في الاياب و غيره، او المقدار علي زمان المصرف فما صرفه في عام الربح يكون من مؤنته و ما صرفه بعد العام فلا بل يجب فيه الخمس؟

و يجري مثل هذا في غير الاسفار أيضا احيانا مما يطلب مصارف تدريجية.

و الظاهر ان دليله علي ما ذكره هو عد الجميع عرفا من مؤنة هذه السنة، و لكن الانصاف انه ليس كذلك كما ذكره اعلام المحشين من المعاصرين و من قارب عصرنا.

و الحق في المسألة التفصيل فان هذه المصارف علي

اقسام:

1- ما يعطيه للحكومة او مدير الكاروان من الفلوس لجميع مصارف الحج بحيث لا يمكنه الحج بدون اعطاء هذه الفلوس من قبل، او يمكنه ذلك و لكن الارفق بحاله ان لا يتصدي بنفسه لأمر المصرف بل يكون داخلا في بعض القوافل او الكاروانات التي تأخذ جميع الاجرة من قبل.

فهذا مما لا ينبغي عده عرفا من مصارف العام الذي فيه إنشاء السفر، بل قد عرفت سابقا انه لو احتاج للحج او بعض الزيارات ان يؤدي مصارفه من قبل بسنة او سنتين أيضا يعد من مصارف سنة الاداء.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 415

فهذا لا اشكال في عدم تعلق الخمس بالنسبة الي ما يحاذي مصارف بعد مضي السنة.

2- ما يشتريه من المراكب او الملابس بل و ثوبي الاحرام و الخيام مثلا التي يحتاج اليها في عرفات و مني و ان وقع حجه بعد مضي السنة، بان كان رأس سنة خمسه اول ذي الحجة و كان إنشاء السفر مع اعداد هذه الامور من ذي القعدة، هذا أيضا لا يتعلق به الخمس لصدق المئونة عليه عرفا، اللّهم الا اذا امكنه تحصيل هذه الامور فيما بعد بسهولة.

3- ما يصرف تدريجا كالطعام و الكراء للسيارات و المساكن ذهابا و ايابا و كان صرف هذه الامور بيده لا بيد الكاروان و شبهه، و الحق ان المئونة هو خصوص ما صرفه في عام الربح، اما الزائد و الباقي يعد من مؤنة العام المقبل و لا وجه لعد الجميع من مؤنة عام الربح و ان كان هذا مما لا بد منه.

و هكذا الامر اذا سافر لبعض حوائجه فكان ذهابه في عام الربح و عوده في العام الثاني، فما صرفه في الذهاب

يعد من مؤنة هذا العام و ما يصرف في العود من مصارف العام المقبل، و ان اخذ بطاقة الذهاب و الاياب في عام الربح الا اذا لا يبيعونها الا مرجعا.

و قد يكون الامر في سائر الامور التدريجية مثل بناء الدار كذلك، فان كان لا بد له من اعطاء كل فلوسه من قبل بما يسمي الكنترات لم يجب عليه الخمس و ان وقع بعض البناء او الاصلاح بعد ذلك بل و ان وقع جميعه بان اخذ منه الفلوس و جعله في النوبة.

اما ان امكنه اعطاء الفلوس تدريجا و لكن اعطاه دفعة للفرار عن الخمس او بغير هذا القصد لم يجز له، بل وجب عليه خمس المصارف التي تكون بعد مضي السنة الي غير ذلك من الامثلة.

***

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 416

المسألة الحادية و العشرون (82 من العروة): لو جعل الغوص أو المعدن مكسبا له

هل يجب عليه خمس واحد بعنوان الفائدة او يجب عليه خمسان، خمس من حيث المعدن او الغوص و لا يعتبر فيه استثناء المئونة، و خمس آخر من حيث الكسب و يستثني منه المئونة.

صرح في العروة بوجوب خمس واحد و وافقه المحشون فيما رأينا، منهم قال في مستند العروة خلاف لجماعة حيث ذهبوا الي تعدد الخمس نظرا الي تعدد العنوان. انتهي. «1»

هذا و لكن لم نعثر علي هذه الجماعة باعيانهم، كيف كان فاللازم أوّلا الرجوع الي القواعد و العمومات الاولية و ملاحظة مقتضاها، ثم ملاحظة ما ورد في بعض الروايات الخاصة و ادلة اخري.

اما الاول فانه و ان كان قد يدعي ان لازم تعدد العنوان تعدد المعنون و تعدد الاسباب يوجب تعدد المسبب علي القاعدة لاستدعاء كل سبب مسببا خاصا به، و لكن الظاهر ان جميع عناوين الخمس تندرج في عنوان الغنيمة

و الفائدة، كما يدل او يشعر به قوله عليه السّلام: «ليس الخمس الا في الغنائم خاصة» «2» و تدل عليه الرواية المفسرة للغنيمة بانها «الافادة يوما بيوم» «3» و كذا عطف الفوائد علي الغنائم في صحيحة علي بن مهزيار «4»

الظاهر في عطف التفسير، فكل واحد من العناوين الخمسة للخمس، او اكثرها احد مصاديق هذا العنوان الجامع.

و لا ينافي ذلك اختلاف مصاديقها في بعض الاحكام الخاصة- كالفورية-

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 300.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(3)- نفس المصدر، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 8.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 417

في غير ارباح المكاسب و الوجوب الموسع فيها، كذا استثناء مؤنة الشخص من الاخير دون غيره.

هذا مضافا الي انه لو كان الواجب خمسين في المعدن و الغوص و غنائم الحرب لبان في اخبارهم عليه السّلام و في سيرة اصحابهم مع انا لم نسمع اخذ الخمسين من احد، نعم صرحوا بوجوب الخمسين في مسألة المال المختلط بالحرام (ذكره المصنف في المسألة 36 و تعرضنا له هنا) و لكن قد عرفت هناك ان وجوب الخمس في المال المختلط ليس من جهة دخوله في المنافع و الفوائد، لعدم منفعة هناك بل انما هو من باب المصالحة و التخليص في الاموال المشتركة كما لا يخفي فراجع.

اضف اليه ما ورد في رواية تحف العقول عن الرضا عليه السّلام في كتابه الي المأمون، قال: «و الخمس من جميع المال مرة واحدة» «1»

و اضف الي ذلك ما ورد في رواية ابي سيار حيث استفاد 400

الف درهم من الغوص، فاخذ خمسه ثمانين الف درهم و اهداه الي ابي عبد اللّه عليه السّلام مع ان الغوص كان كسبا له ظاهرا فلم ينكر عليه الامام عليه السّلام بان الواجب عليك انما هو خمسان. «2»

بل الظاهر ان قول المحقق اليزدي في العروة من فرض المسألة فيما اذا جعل الغوص او المعدن مكسبا له لا وجه له، فان خمس ارباح المكاسب انما يترتب علي مطلق الفائدة- سواء جعله كسبا له او لم يجعله كسبا له- و من هنا يمكن التمسك للمسألة بكثير من الروايات الواردة في باب خمس المعدن و الغوص، فان الراوي اذا سأل عنه و قال عليه السّلام فيه خمس، الظاهر في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 13.

(2)- فراجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 418

الخمس الواحد علم منه عدم وجوب غير هذا الخمس (لا سيما في مثل ما روي من وجدان رجل ركازا- اي معدنا- علي عهد امير المؤمنين عليه السّلام و انه عليه السلام لم يأخذ منه الا الخمس).

ان قلت: هذا كله ليس في مقام البيان الا من حيث المعدن و الغوص.

قلنا: لكن لو كان هناك خمسان بعنوانين، وجبت الاشارة اليه بعد عدم انفكاكهما و غفلة العامة من مثله.

و المسألة بحمد اللّه من الواضحات.

و لو شك في ذلك، فمقتضي اصالة البراءة أيضا عدم وجوب الازيد من الخمس لأنه من قبيل الاقل و الاكثر الاستقلاليين.

*** المسألة الثانية و العشرون (83 من العروة): المرأة التي تكتسب في بيت زوجها

(او في غير بيتها كما هو المتداول اليوم بالنسبة الي كثير من النساء الموظفات في قسم التعليم او الادارات او غيرها) و يتحمل زوجها مؤنتها

يجب عليها خمس ما حصل له من غير اعتبار اخراج المئونة … الا ان لا يتحمل هكذا ذكره في العروة.

و الوجه فيه ظاهر بعد ما عرفت من ان المئونة المستثناة من الربح انما هي المئونة الفعلية لا ما هو بالقوة، و منه يظهر الحال في الابناء المجردين الذين يعيشون عند آبائهم، و كذا كل من كان له ارباح و كان له ارباح و كان نفقته علي غيره بالفعل و ان لم يكن واجبا عليه.

نعم اذا لم يتحمل الزوج النفقة، او تحمل و لكن ارادت الزوجة طعاما او ثيابا او زينة بحسب شأنها فوق القدر الواجب علي الزوج مما لا يعد اسرافا في حقها فصرفت فوائدها فيها لم يكن عليها خمس، و كذا اذا اراد اعانة

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 419

زوجها- و ان لم يكن محتاجا- فصرفت ارباحها في هذا الطريق لم يكن عليه شي ء.

هذا و لو لم يتحمل الزوج نفقتها كان في ذمته، فان صرفت المرأة ارباحها في النفقة فهل يجب عليه الخمس فيما يأخذه من الزوج من باب ديونه في هذا السبيل أم لا؟ لا يبعد ذلك لأنها في الواقع بدل الارباح التي صرفتها في نفقتها فيجب فيها الخمس، بل النفقة أيضا فيها الخمس بذاتها اذا لم تصرفها تقتيرا علي نفسها، او لاستغنائها عن صرفها بان تعيش مدة في بيت ابيها مثلا، بناء علي وجوب الخمس في مطلق المنافع لا في خصوص ارباح المكاسب.

*** المسألة الثالثة و العشرون (84 من العروة): هل يشترط البلوغ و التكليف في الخمس أو لا يشترط

، او فيه تفصيل بين موارده؟ هنا وجوه او اقوال:

قال في الشرائع: «الخمس يجب في الكنز سواء كان الواجد له حرا او عبدا او صغيرا او كبيرا، و كذا المعادن و الغوص». «1»

و يظهر منه التفصيل

(لا انه مشعر به كما ذكره في الجواهر).

و قد اشكل علي ذلك صاحب الجواهر قدس سره في غير الغنيمة ان لم ينعقد الاجماع عليه نظرا الي اشتراك الادلة و شمولها للمكلف و غيره، و ظاهر كلامه الميل الي وجوب الخمس في الجميع غير الغنيمة «2» مع ان الاية عامة، و لعله لعدم شركة غير المكلف في الجهاد.

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 77.

(2)- نفس المصدر، الصفحة 78.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 420

و قال النراقي في المستند: «هل تشترط في وجوب الخمس في الاموال البلوغ و العقل و الحرية أم لا؟

صرح في الشرائع و الارشاد و القواعد بعدم اشتراطها في خمس المعادن و الكنز و الغوص، و في التحرير بعدمه في الاول (اي المعادن) و في الدروس بعدمه في الاولين (اي المعادن و الكنز) و في المنتهي و التذكرة بعدمه في الثاني (اي الكنز) مدعيا في المنتهي انه قول اهل العلم كافية.

ثم ذكر في آخر كلامه ان الظاهر عدم ثبوت الخمس في مال اليتيم و العبد مطلقا الا ان يثبت الاجماع كليا او في بعض الانواع». «1»

و قال في مصباح الفقيه بعد ذكر بعض الاقوال و الاستدلالات:

«الاظهر عدم الفرق في شي ء من هذه الانواع بين اصناف الناس، نعم ثبوته في الارض المشتراة لطفل الذمي لا يخلو من تردد الانحصار مستنده في الرواية المشتملة علي لفظ «علي» الظاهرة في التكليف مع ان اطلاق الذمي عليه مبني علي التوسع و لكنه مع ذلك لعله الاظهر اذ الغالب في مثل هذه الموارد استعمال لفظة «علي» في مجرد الثبوت و الاستقرار كما في قوله عليه دين و علي اليد ما اخذت». «2»

اقول: يظهر مما ذكرنا ان

المسألة ذات اقوال كثيرة:

1- ظاهر بعضهم عدم اعتبار البلوغ و التكليف في شي ء منها (كمصباح الفقيه) و ذكر في مستند العروة: «الظاهر ان المشهور هو ثبوت الخمس مطلقا اما في هذه الثلاثة (الكنز و المعدن و الغوص) او في الجميع».

2- اشتراط التكليف مطلقا فلا يجب في مال الصبي و المجنون خمس

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 81.

(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 140.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 421

كما لا تجب الزكاة فيه، ذكره في مستند العروة و نسبه الي المدارك أيضا ثم قال: «نعم يجب الخمس بالنسبة الي المال المختلط بالحرام لان مقدارا من المال لم يكن للصبي و التخميس طريق للتطهير». «1»

3- ظاهر بعض آخر عدم اعتباره فيما عدا الغنيمة (كصاحب الجواهر يظهر ميله اليه).

4- ظاهر آخر عدم اعتباره في خصوص الثلاثة، الكنز و الغوص و المعدن كصاحب الشرائع و غيره.

5- ظاهر بعض استثناء خصوص الكنز.

6- ظاهر بعض آخر استثناء اثنين منها- اي الكنز و المعدن- كما مرت عليك كلماتهم و العمدة في المقام هو الاستظهار عن العمومات و الاطلاقات الواردة في العناوين المختلفة مما يجب فيه الخمس، و الا لم يرد في المسألة نص خاص حتي يتمسك به.

دليل القائلين بوجوبه في مال الصغير و المجنون مطلقا، اطلاقات الادلة مثل قوله: «كل شي ء قوتل عليه علي شهادة ان لا إله الا اللّه و انّ محمّدا رسول اللّه فان لنا خمسة». «2»

و قوله: «فيما يخرج عن المعدن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام اذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس». «3»

و قوله: «الخمس علي خمسة اشياء علي الكنوز و المعدن و الغوص و الغنيمة و نسي ابن ابي عمير الخامس». «4»

______________________________

(1)-

مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 304.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(3)- نفس المصدر، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(4)- نفس المصدر، الحديث 7.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 422

و ما عن ابي جعفر الثاني عليه السّلام في جواب كتابة بعض الاصحاب يسأله عن الخمس و انه علي جميع ما يستفيده الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و علي الصناع و كيف ذلك؟

فكتب: «الخمس بعد المئونة». «1»

و غير ذلك مما هو كثير جدا تغني كثرتها عن ملاحظة اسنادها، و ظاهر الجميع ان الخمس من الاحكام الوضعية التي متعلقه نفس المال، فلا فرق فيها بين المكلف و غير المكلف- كالضمانات و شبهها- بل الخمس مستقر في نفس المال، اما بعنوان الشركة كما هو المختار او بعنوان الحق.

نعم يشكل ذلك بالنسبة الي الارض التي اشتراها الذمي، فان التعبير الوارد فيها هو هذا: «ايما ذمي اشتري من مسلم ارضا فان عليه الخمس» هذا ما ورد في رواية ابي عبيدة الحذاء «2» و مثله ما ورد في مرسلة المفيد في المقنعة «3» و ظاهره وجوب التكليفي و ان كان اطلاق هذه العبارة في موارد الضمانات أيضا غير عزيز و لكن ظهوره البدوي هو الوجوب التكليفي.

اللّهم الا ان يقال ان هذا الظهور انما هو في غير ابواب الاموال، و اما فيها فالتعبير ب «عليه» كالتعبير ب «له» لا يدل علي التكليف بل علي الوضع و هو غير بعيد.

و اما الغنيمة فان قلنا بانها تقسم علي الاطفال كما تقسم علي غيرهم كما هو ظاهر المشهور بل ادعي عدم الخلاف فيه في الجواهر فلا وجه

لاستثنائها من هذا الحكم، و ان قلنا بعدم سهم للأطفال بل ينفل لهم بعنوان الرضائخ

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- نفس المصدر، الباب 9 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(3)- نفس المصدر، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 423

(الرضخ في الاصل بمعني الكسر ثم استعمل في القليل من العطايا) و ان لم اجد من افتي بذلك فلو قلنا بخروجه عن عنوان الغنيمة بالمعني العام فلا أقلّ من انه داخل فيها بمعناها العام.

فلا اجد وجها لاستثناء الغنيمة من هذا الحكم كما فعله في الجواهر.

هذا و استدل علي عدم الوجوب مطلقا علي غير البالغ (كما في مستند العروة) بعد اسناد ثبوت الخمس الي المشهور مطلقا او في خصوص الثلاثة، بان المستفاد مما دل علي رفع القلم عن الصبي و المجنون استثنائهما عن دفتر التشريع و عدم وضع القلم عليهما بتاتا- كالبهائم- فلا ذكر لهما في القانون و لم يجر عليهما شي ء، و مقتضي ذلك عدم الفرق بين قلم الوضع و التكليف فترتفع عنهما الاحكام جميعا بملاك واحد و هو الحكومة علي الادلة الاولية.

نعم لو كان هذا منافيا للامتنان- كما في موارد الضمانات- او ورد فيه نص خاص- كالتعزيرات الواردة في الصبي- يستثني من ذلك، اما فيما عدا ذلك فلا وجه لاختصاص رفع القلم بالتكليف بعد اطلاق الدليل بل يعم الوضع أيضا (انتهي كلامه ملخصا). «1»

نعم استثني موردا واحدا في ذيل كلامه و هو المال المختلط بالحرام نظرا الي ان المفروض عدم كون الصبي مالكا للحرام و انه مال الغير، و ان طريق تطهير المال هو التخميس.

اقول: شمول حديث الرفع لغير التكليف من

الاحكام الوضعية مشكل جدا، فان كثيرا من الاحكام الوضعية ثابتة في حق الصغير كالزوجية و الملكية و الحرية و العبودية و احكام المحارم النسبية و السببية و الرضاع بل و حكم

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 304.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 424

مس الميت و الجنابة عند الدخول و غير ذلك، كيف يمكن استثناء جميع ذلك من هذا العموم، و كيف يناسب ذلك مع عدهما كالبهائم فان البهائم لا تجري في حقها هذه الاحكام.

ان قلت: انما لا يجري في حقهم ما ينافي الامتنان، و ما ذكرته لا ينافي الامتنان كمسألة الزوجية و الملكية و شبههما اذا كان مصلحتهم ذلك.

قلنا: كلا بل يجري في حقه مثل حكم الجنابة و مس الميت و الحدث الاصغر و شبه ذلك، من حرمة نساء عليه بتمام الرضاع او باسباب المصاهرة كحرمة زوجة ابيه عليه و اخته من الرضاعة و ان كان هو صغيرا.

هذا اولا، و ثانيا ان عطف النائم عليهما دليل علي ان المراد منه خصوص قلم التكليف فان النائم لا يجري عليه قلم التكليف فقط، مثلا اذا حصل له في حال النوم ربح او اخرج له عماله معدنا او غوصا او غير ذلك او اسهم له سهم الغنيمة و هو في حال النوم، و كذا اذا حال حول الزكاة عليه و هو نائم او شبه ذلك، فانه لا يشك احد في جريان احكام الوضع عليه من وجوب الخمس او الزكاة بعنوان دين شرعي، فاذا كان حال النائم هذه، كان الامر في الصبي و المجنون كذلك لاتحاد السياق في الجميع.

ثالثا: لا شك ان اخذ العشور و الماليات و الضرائب كان مقررا بين العقلاء من اهل العرف قبل

الإسلام بين جميع الحكومات، فليس من الاحكام التأسيسية.

نعم امضاها الشارع المقدس مع شرائط عادلة و في ظروف خاصة صالحة و الغي القوانين الظالمة بينهم.

و من المعلوم انهم يأخذون هذه الضرائب و الماليات من الاموال من دون ملاحظة ان صاحبها هو الصغير او الكبير، فيأخذون الخراج من الاراضي سواء كان ملكا للصغير أم الكبير، و كذلك الماليات المقررة لنقل ملك الدار

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 425

الي الغير و ضرائب الطرق و البلاد و غير ذلك.

نعم الولي مكلف بادائها من مال الطفل.

و ان شئت قلت: كل من الامرين (قانون الماليات و الضرائب و قانون رفع القلم عن الطوائف الثالثة) من القوانين الامضائية و ان كان سن البلوغ عندهم مغايرة لما ورد في الشريعة المقدسة و هم غير قائلين برفع قلم الوضع عنهم كما لا يخفي.

و يؤيد ذلك كله ان ما ورد من حكمة الاخماس و الزكوات و ما نعلم من الخارج من فلسفة وضع هذه القوانين بين العقلاء من اهل العرف جارية في اموال غير المكلفين، مثلا من حكمة وضعها ان كل مالك يستفيد ربحا فانما هو يستفيده من الضرب في الارض مثلا و الانتفاع بالشوارع و الطرق و في ظل امن البلد و بقاء نظامه، و من الواضح ان حفظ هذه الامور اعني الامن و النظم و الشوارع و الطرق، يحتاج الي مصارف كثيرة من تجنيد الجنود و حفظ الثغور و اصلاح الطرق و الشوارع، فالواجب علي كل من انتفع بها اداء بعض هذه المصارف.

و ان شئت قلت: هناك مصارف شخصية في المجتمع الانساني و مصارف نوعية، و الاول يرتبط بالاشخاص، و الثاني بعموم الناس، فمن انتفع من المجتمع انتفاعا اكثر، فعليه

اداء مال اكثر.

و من الواضح ان هذه الاموال مصارف للحكومة، و لو لا الحكومة لم يمكن للتاجر التجارة و للزارع الزراعة و لغيرهما غير هذه المنافع، فعليهم اداء ما تبقي به الحكومة بنسبة انتفاعهم من وجودها، و من المعلوم انه لا تفاوت بين الصغير و الكبير في ذلك.

و هذا و ان لم يمكن عده دليلا و لكن يمكن جعله مؤيدا للمقصود.

و من هنا يظهر ان اخذ هذه الاموال أيضا منة عليهم و انها لا تنافي الاحكام

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 426

الامتنانية.

و اي منة احسن من نظم البلاد و امنها و حفظ الثغور و اصلاح الطرق و شبهها.

ان قلت: فمن يقوم بهذا الامر مع عدم تكليف الصغير و المجنون؟

قلت: الذي يقوم بسائر مصالحهم، فعلي الولي القيام بجميع هذه الامور.

هذا و الذي قد يوجب التردد في مسألة وجوب الخمس هنا مطلقا، ان قدماء الاصحاب- رضوان اللّه عليهم- لم يتعرضوا للمسألة في كتبهم المعدة لنقل فتاوي الائمة من اهل البيت- عليهم السلام- تبعا لروايات الباب، فهل كان هذا عندهم بمعني اطلاق الحكم في المسألة و عدم اشتراط الخمس بشرط من هذه الجهة فيشمل الصغير و الكبير و العاقل و المجنون، او انهم عطفوا المسألة علي باب الزكاة فان الخمس يقوم مقامها من بعض الجهات فكما ان العقل و البلوغ هناك من الشرائط فكذا في المقام، و لعله من هذه الجهة تشتتت الفتاوي في المقام.

و لكن اعتبارهما هناك أيضا علي اطلاقهما محل تأمل، فان المشهور بل المجمع عليه اعتبار البلوغ في الذهب و الفضة.

نعم اذا اتجر له الولي استحب له اخراج الزكاة من ماله و لا يجب بلا خلاف (كما حكاه في الجواهر) و اما

في غلاته و مواشيه فقد اختلفوا فيه، فحكم جمع بوجوب الزكاة فيها و عدم الفرق بين الصغير و الكبير، و افتي جماعة اخري بعدم الوجوب بل قد يقال انه المشهور بين الاصحاب و لعل المراد الشهرة بين من تأخر، و دليلهم في ذلك اطلاق الروايات الكثيرة الدالة علي انه لا زكاة في مال اليتيم «1» و خصوص بعض الروايات الواردة في ابواب

______________________________

(1)- راجع وسائل الشيعة، الباب 1 و 2 و 3 من ابواب من تجب عليه الزكاة و خصوص رواية 3 و 11 من الباب 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 427

الغلات. «1»

نعم هناك بعض الروايات الدالة بظاهرها علي عدم وجوب الزكاة في المال الصامت، و اما الغلات فعليها الصدقة واجبة. «2»

فلو قلنا بالاول اي عدم الوجوب في الغلات و المواشي كان حكم الخمس شبيها له من بعض الجهات، و ان قلنا بالوجوب كان أيضا كذلك، فكأنّ الشارع المقدس قد نفي طريقة عقلاء العرف من عدم الفرق بين الصغير و الكبير، و ارفق في حق الصغار و المجانين.

ان قلت: الست تقول انه لا يجوز قياس احكام الخمس علي الزكاة مع الفرق بينهما من جهات شتي؟

قلت: نعم هو كذلك، انما الكلام في انه هل يمكن الاخذ باطلاقات ادلة الخمس هنا و الحال هذه، او يوجب هذا تزلزلا في الاخذ بالاطلاقات هنا؟ و المسألة لا تخلو عن اشكال و الاولي الاخذ بالاحتياط بان يقال الاحوط ادائه الخمس بعد البلوغ، و اما قبله من ناحية الولي فلا.

بقي هنا شي ء: و هو ان جميع ذلك انما هو في غير المال المختلط بالحرام، و اما فيه فلا ينبغي الشك في وجوب الخمس نظرا الي ما عرفت من

ان الحرام ليس من مال اليتيم و الخمس في الواقع من قبيل المصالحة عند اشتباه الحال، اما الاقوال المفصلة الاخري فهي مما لا وجه لها معتد به لما عرفت من وجود الاطلاق في جميع موارد الخمس بلا تفاوت، و الدليل الخاص غير موجود هنا.

______________________________

(1)- راجع وسائل الشيعة، الباب 1 و 2 و 3 من ابواب تجب عليه الزكاة و خصوص رواية 3 و 11 من الباب 1.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 429

الفصل الثاني في قسمة الخمس و مستحقيه

اشارة

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 431

مستحقين الخمس

اشارة

لا اشكال و لا كلام في ان الخمس يقسم ستة اسهم، و تعبير العروة الوثقي «بالاصح» مشعر بوجود الخلاف في المسألة مع انه مما لا خلاف فيه. قال شيخ الطائفة في الخلاف: «عندنا ان الخمس يقسم ستة اقسام، سهم للّه و سهم لرسوله و سهم لذي القربي، فهذه الثلاثة اسهم كانت للنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم و بعده لمن يقوم مقامه من الائمة، و سهم لليتامي و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل من آل محمد صلي اللّه عليه و آله و سلم لا يشركهم فيه غيرهم، و اختلف الفقهاء في ذلك فذهب الشافعي الي ان خمس الغنيمة يقسم علي خمسة اسهم (باسقاط سهم اللّه كأنه عندهم امر تشريفي) ثم نقل عن مالك انه قال: ان خمس الغنيمة مفوض الي اجتهاد الامام ليصرفه الي من رأي ان يصرفه اليه، و حكي عن ابي العالية من فقهاء التابعين موافقته في ستة اسهم، ثم حكي عن ابي حنيفة اسقاط السهام الثلاثة: سهم اللّه و سهم رسول اللّه و سهم ذوي القربي الذين كانوا علي عهده صلي اللّه عليه و آله و سلم فيصرف في ثلاثة اسهم سهم لليتامي و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل (انتهي ملخص كلامه)». «1»

ففي الواقع هم مختلفون بين اربعة اقوال: من قائل بستة اسهم، و قائل

______________________________

(1)- كتاب الخلاف، المجلد 2، كتاب الفي ء و الغنائم، المسألة 37.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 432

بخمسة، و قائل بثلاثة، و قائل بان امره مفوض الي الامام.

و يظهر من ابن قدامة في المغني اكثر من هذه الاقوال فراجع. «1»

و قال المحقق

النراقي في المستند: «الخمس يقسم اسداسا للّه و لرسوله و لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابناء السبيل علي الحق المعروف بين اصحابنا، بل عليه الاجماع عن صريح السيدين و الخلاف و ظاهر التبيان و مجمع البيان و فقه القرآن للراوندي بل هو اجماع حقيقة لعدم ظهور قائل منا بخلافه سوي شاذ غير معروف لا يقدح مخالفته في الاجماع. «2»

و في بعض كلمات المحقق الهمداني في مصباح الفقيه بعد نقل الاجماع عن جماعة ان: «ما حكي عن شاذ من اصحابنا من انه اسقط سهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم ضعيف بل لم يعرف قائله و قد حكي عن بعض استظهار كونه ابن الجنيد و اعترضه شيخنا المرتضي- قدس سره- بان المحكي عن ابن الجنيد في المختلف موافقة باقي علمائنا و ربما يظهر من المدارك ان هذا القائل اسقط سهم اللّه تعالي». «3»

و من احسن ما قيل في المقام ما عن المحقق الفقيه البروجردي- قدس سره- علي ما في زبدة المقال حيث قال: «اتفقت كلمة اصحابنا الامامية علي انقسام الخمس الي ستة اسهم … و ان المراد بذي القربي هو خصوص الامام عليه السّلام فلم يرد من كلمة ذي القربي الجنس و ان المراد باليتامي و المساكين و ابن السبيل المتصفين بهذه الصفات من بني هاشم … و اما العامة فقد خالفوا في جميع هذه الجهات». «4»

______________________________

(1)- المغني، المجلد 7، الصفحة 300.

(2)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 83.

(3)- مصباح الفقيه، الصفحة 144.

(4)- زبدة المقال، الصفحة 122.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 433

و مراده من قوله هذه الجهات، الجهات الثلاثة فقد اسقطوا بعض السهام الثلاثة و لم يختصوا الامام

عليه السّلام سهم ذي القربي، و لم يقولوا في الثلاثة الباقية بانها مختصة ببني هاشم.

و كيف كان الحق ما اختاره الاصحاب- رضوان اللّه عليهم- و الاصل في ذلك قوله تبارك و تعالي: «و اعلموا انّما غنمتم من شي ء … » و حمل بعض السهام علي التشريف خلاف الظاهر كما ان ترك سهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم بعد وجود القائم مقامه لا معني له، كما ان سهم اللّه يكون لرسوله القائم بامره تعالي.

اضف الي ذلك الروايات الكثيرة الواردة في هذا المعني رواها شيخنا الحر العاملي في الباب الاول من ابواب قسمة الخمس من الوسائل مثل رواية 2 و 7 و 8 و 9 و 12 و 13 و غيرها.

نعم هناك رواية صحيحة عن ربعي بن عبد اللّه عن ربعي بن عبد اللّه عليه السّلام و هي من احسن روايات الباب سندا تخالف جميع ما ذكرنا قال: «كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم اذا اتاه المغنم اخذ صفوة و كان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة اخماس و يأخذ خمسه ثم يقسم اربعة اخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ثم قسم الخمس الذي اخذه خمسة اخماس يأخذ خمس اللّه عزّ و جلّ لنفسه ثم يقسم الاربعة اخماس بين ذوي القربي و اليتامي و المساكين و ابناء السبيل يعطي كل واحد منهم حقا و كذلك الامام اخذ كما اخذ الرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم». «1»

و حاصله: تقسيم الخمس خمسة اسهم باسقاط سهم الرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم و اخذه صلي اللّه عليه و آله و سلم سهم اللّه.

و اجيب عنها بوجوه:

______________________________

(1)- وسائل

الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 434

اولها: ما ذكره الشيخ في الاستبصار و حاصله انها حكاية فعله و جاز ان يكون اخذ دون حقه توفيرا للباقي علي المستحقين.

و لكن يرد عليه ما اورده في المدارك عليه حيث قال: «و هو بعيد جدا لان قوله عليه السّلام و كذلك الامام عليه السّلام يأخذ كما اخذ الرسول صلي اللّه عليه و آله و سلم يأبي ذلك». (انتهي) «1»

و هو جيد و ان قال في مصباح الفقيه انه: «استبعاد لغير بعيد» (انتهي) لان ظاهر ساير روايات الباب التي مرت عليك تقسيم الائمة للخمس ستة اسهم، و هو ينافي قوله الامام يأخذ كما اخذ الرّسول كما لا يخفي.

اللّهم الا ان يقال: المراد من الامام علي بن ابي طالب عليه السّلام فعل ذلك في حكومته (بقرينة التعبير بفعل الماضي «اخذ» كما في نسخة الوسائل بناء علي صحتها) و لكنه أيضا بعيد.

ثانيها: انها محمولة علي التقية، لان تقسيمه الي خمسة اسهم هو قول معروف بينهم حكاه ابن قدامة في المغني عن جماعة مثل عطاء و مجاهد و الشعبي و النخعي و قتادة و ابن جريح و الشافعي.

و لكن الظاهر انهم اسقطوا سهم اللّه و جعلوه امرا تشريفيا بينما تدل صحيحة ربعي بن عبد اللّه علي اسقاط سهم الرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم فكيف يمكن حملها علي التقية، و الظاهر ان تصريح جماعة من الاكابر بذلك انما هو ناش عن الغفلة من ان فتاواهم علي نفي سهم اللّه لا سهم الرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم.

ثالثها: ان يقال انها رواية شاذة متروكة لا حجية

فيها يرد علمها الي اهلها.

و علي كل حال لا اشكال في ان الاسهم الثلاثة الان للمهدي صاحب الزمان- ارواحنا فداه- كما وقع التصريح به في روايات الباب. منها ما

______________________________

(1)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 397.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 435

عرفت من رواية حماد عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام قال: « …

و له ثلاثة اسهم سهمان وراثة و سهم مقسوم له من اللّه و له نصف الخمس كملا» «1» و احسن من ذلك صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السّلام حيث قال: « …

قيل له فما كان للّه فلمن هو؟ فقال لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم و ما كان لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فهو للإمام». «2» الي غير ذلك.

أما الشرائط المعتبرة في الأصناف الثلاثة فهي أمور:

1- الإيمان:

فلا يعطي الكافر بل و لا غير المؤمن، قال في الجواهر:

«لا اجد فيه خلافا محققا» «3» و حكي عن الغنية و المختلف الاجماع عليه، و لكن العجب انه مع ذلك قال المحقق في الشرائع: «الايمان معتبر في المستحق علي تردد».

و كيف كان فقد استدل له بامور:

اولها: الاصل، فان اصالة الاشتغال يقتضي الاقتصار علي المتيقن و هو المؤمن كما في الجواهر و المستمسك، اللّهم الا ان يقال بعدم جواز الرجوع اليه بعد ملاحظة الاطلاقات، و لكن الانصاف انصراف الاطلاقات عن الكافر بل عن غير المؤمن- كما لا يخفي- سيما مع كون الخمس كرامة بل كرامة اقوي من الزكاة لأنها اوساخ و ليس هو باوساخ فلا يستحقه الا المطهرون من الكفر و عدم الايمان.

ثانيها: ما تضمنه غير واحد من نصوص الباب من مسألة بدلية الخمس عن الزكاة، و قد اجمعوا علي اعتبار الايمان في

الزكاة حتي انهم صرحوا تبعا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(2)- نفس المصدر، الحديث 6.

(3)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 115.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 436

للنصوص بان غير المؤمن اذا استبصر لا يجب عليه اعادة شي ء من اعماله الا الزكاة لأنه وضعها في غير مواضعها، و هذا الاستدلال جيد.

ان قلت: الست تقول ان احكام الخمس و الزكاة متفاوتة لا يمكن قياس احدهما بالاخر، و ان كان مسألة البدلية حقا في الجملة؟

قلت: نعم لكن الظاهر ان اختلاف احكامهما لا ينافي وحدة المستحق فيهما فان الظاهر ان المحرومين من الطوائف الثلاثة في الزكاة عوضهم اللّه بالخمس، و من الواضح ان المحرومين هم المؤمنون منهم و اما غيرهم فهم خارجون بالمرة.

ثالثها: التعليل الوارد في بعض نصوص الزكاة، مثل ما ورد في رواية يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام: اعطي هؤلاء الذين يزعمون ان اباك حي من الزكاة شيئا؟ قال: لا تعطهم فانهم كفار مشركون زنادقة». «1»

و يرد عليه تارة بان التعليل ليس عاما فان معني العموم هنا ان كل من كان كافرا باي نحو من انحاء الكفر فهو محروم عن الزكاة فلا دخل له بالخمس، اللّهم الا ان يرجع الي مسألة الغاء الخصوصية و مسألة البدلية، فهذا الوجه يرجع الي الوجه السابق كما لا يخفي.

و الحاصل: ان قياس المنصوص علته كالمثال المعروف لا تشرب الخمر لأنه مسكر مشتمل علي كبري محذوفة و هي كل مسكر حرام و يمكن التعدي بسببها الي ساير المسكرات، و الكبري المحذوفة هنا هو ان كل كافر محروم عن الزكاة سواء كان واقفيا أم فطحيا او غير ذلك من اصناف

الكفار لا انه يتعدي من الزكاة الي الخمس، و ان كان المراد التمسك بمسألة البدلية

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 7 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 437

و الغاء الخصوصية، فهذا الامر لا يختص بهذا الحديث بل يجري في ساير ما دل علي حرمان الكافر او غير المؤمن من الزكاة.

و اخري بضعف سنده بسهل بن زياد و اشتمالها علي محمد بن احمد بن الربيع الاقرع و هو مجهول.

و الحاصل: ان الدليلين الاولين تامان و الدليل الاخير يشك الركون اليه.

2- الفقر:

هل يعتبر الفقر في المستحقين السادات أم لا؟

اما المساكين فهم الفقراء، و اما ابناء السبيل فسيأتي الكلام فيه، و اما اليتيم فقد قال المحقق النراقي في المستند: «الحق اعتبار الفقر في مستحق الخمس من يتامي السادات و فاقا لظاهر الانتصار و النافع و الارشاد بل للمشهور علي ما صرح به جماعة … خلاف للشيخ و الحلي و الجامع». «1»

و صرح الشيخ في المبسوط بان اليتامي و ابناء السبيل منهم يعطيهم مع الفقر و الغني لان الظاهر يتناولهم «2» كما صرح بذلك في السرائر أيضا. «3»

و كذلك في الجامع للشرائع. «4»

و العجب من المحقق في الشرائع حيث قال: «و هل يراعي ذلك (اي الفقر) في اليتيم؟

قيل نعم و قيل لا. و الاول الاحوط «مع ان القولين ليسا بمنزلة واحدة يعبّر عن كليهما ب «قيل» بل الاول هو المشهور نقلا ان لم يكن تحصيلا كما اشار اليه في الجواهر «5» و عن الدروس التوقف في المسألة.

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 85.

(2)- المبسوط، المجلد 1، الصفحة 262.

(3)- سلسلة الينابيع الفقهية، المجلد 5، الصفحة 333.

(4)- المصدر السابق، الصفحة 411.

(5)- جواهر الكلام،

المجلد 16، الصفحة 113.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 438

و عن الشافعي في احد قوليه انه لا يعتبر و في الاخر شرط كما حكاه العلامه في المنتهي عنه. «1»

و كيف كان ما يدل علي مقالة المشهور امور:

اولها: ان ابن السبيل ليس بمعني كل مسافر، و لا يصدق في العرف هذا العنوان علي جميع المسافرين بل المتبارد منه هو المنقطع في الطريق عن الاهل و العشيرة و المال كأنه ليس له اب الا الطريق، فهذا العنوان بنفسه كاف في اثبات وصف الحاجة له.

و ان شئت قلت: لا اطلاق لهذا العنوان حتي يحتاج الي التقييد بل القيد مأخوذ في ذاته، و لو تنزلنا و فرضنا الشك في مفاده وجب الاخذ بالقدر المتيقن اعني اصالة الاشتغال بالبيان الذي مر في مسألة الايمان.

ثانيها: ما عرفت من ظهور ادلة البدلية فانا و ان لم نقل باتحاد الحكمين الزكاة و الخمس من جميع الجهات، و لكن الانصاف ان المستحق من السادة هو من كان مستحقا للزكاة لولا كونه هاشميا، فاذا حرم بهذا السبب عن الصدقات و الزكوات، استحق الخمس.

و الحاصل: ان المستحق فيهما واحد بحسب الصفات ما عدا كون احدهما هاشميا دون الاخر، فهذا هو المستفاد من مجموع ادلة تشريع الخمس.

ثالثها: ما يظهر من غير واحد من روايات الباب، فقد روي حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام قال: « … و انما جعل هذا الخمس لهم دون مساكين الناس و ابناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس تنزيها لهم لقرابتهم برسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فجعل لهم خاصة من عنده ما

______________________________

(1)- المنتهي، المجلد 1، الصفحة 552.

أنوار الفقاهة - كتاب

الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 439

يغنيهم به … و في موضع آخر منه و جعل للفقراء قرابة الرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم نصف الخمس فاغناهم به من صدقات الناس … فلم يبق فقير من فقراء الناس و لم يبق فقير من فقراء قرابة الرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم الا و قد استغني فلا فقير». «1»

و مرسلة احمد بن محمد رفع الحديث الي ان قال: «فهو (اي الامام) يعطيهم علي قدر كفايتهم فان فضل من ذلك شي ء فهو له و ان نقص عنهم و لم يكفهم اتمه لهم من عنده». «2»

و هاتان الروايتان و ان كانتا ضعيفي السند و لكن يمكن اخراجهما كمؤيد في المسألة، كما يمكن تأييدها بان اليتيم اذا كان له اب ينفق عليه مؤنته و لم يكن لنفسه مال كان محروما، فكيف لا يحرم الان و هو صاحب الآلاف و الالوف من الاموال بعد موت والده، مضافا الي انه لا معني لإعطاء الهاشمي الغني السوي من هذا المال فيؤخذ من افراد في حد أقل الغني و يعطي اناس في حد اكثر منه، كما لا يخفي.

و استدل للقول الثاني باطلاق الآية و غيرها تارة، و جعله مقابلا للمساكين اخري، لأنه لو كان الفقر معتبرا في اليتيم كان داخلا في عنوان المساكين فلا يحتاج الي افراده بالذكر و لم يكن قسما مستقلا برأسه.

و يمكن الجواب عن الاول بانصرافها قطعا عن الاغنياء لا سيما بعد الارتكاز العقلائي بان وضع الماليات و الضرائب انما هو لتأييد الحكومة و مصارفها او حماية المستضعفين لا غير، و اما اخذها من بعض الافراد و اعطائها لمن هو اغني منهم من دون ان يكونوا جناحا

للحكومة و شبه ذلك مما لا يعهد (و لو كان العمل من الظالمين خلاف ذلك).

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 440

و الحاصل: ان وزان الخمس و الزكاة وزان الضرائب الحافظة للمجتمع او جماعة المستضعفين، و اعطاء الاغنياء من اهل بيته- عليهم السلام- من سهم الخمس لا يعد كرامة للنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم لو لم يكن ضد كرامة في انظار اهل العرف.

و من الثاني بان تخصيص اليتامي بالذكر، من بين الفقراء انما هو للاهتمام بشأنهم كما وقع ذلك في الكتاب العزيز، فقد صرح باسمهم و اوصي لهم كرارا مع انهم داخلون في المساكين كما هو ظاهر.

3- أبناء السبيل:

هذا كله بالنسبة الي اليتامي اما ابناء السبيل، انما أطلق عليهم هذا العنوان لانقطاعهم عن القوم و العشيرة و الآباء و الاخوة فكأنهم ليسوا الا ابناء للطريق و السبيل، و هل يعتبر فيهم الحاجة في بلد التسليم و ان لم يكونوا فقراء في بلادهم؟

قال في مصباح الفقيه في شرح كلام المحقق في الشرائع: «ابن السبيل لا يعتبر فيه الفقر بل الحاجة في بلد التسليم و لو كان غنيا في بلده».

ما نصه: «بلا شبهة و بلا خلاف فيه علي الظاهر بل عن المنتهي دعوي الاجماع عليه». «1»

و لكن في الجواهر: «بل ربما استظهر من اطلاق بعضهم عدم اعتبار الفقر فيه عدم اعتبار هذه الحاجة فيه أيضا فيعطي و ان كان غير محتاج بل لعله كان يكون صريح السرائر و لكن اعترف الشهيد في روضته بان ظاهرهم عدم الخلاف في اشتراط

ذلك فيه». «2»

اقول: الانصاف انه لا ينبغي الاشكال في اعتبار الحاجة في بلد التسليم، اما اولا: فلان جعله قرينا للمساكين و الايتام الذين عرفت اعتبار الفقر فيهم

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 150.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 112.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 441

قرينة قوية علي انه انما يعطي بسبب حاجته و فقره في بلد التسليم و لو كان غنيا في بلده، بل اطلاق ابن السبيل عليه أيضا يشهد بذلك، فانه لا يطلق هذا العنوان علي كل مسافر خرج من بلده الي بلد آخر بل علي من انقطع عن امواله و امكانياته و لم يبق له صلة الا بالطريق و السبيل.

و ثانيا: ما عرفت من الارتكاز العقلائي في وضع الضرائب و الماليات و انه لا وجه عندهم لإعطاء المسافرين الاغنياء من اموال الناس، فهذا الارتكاز سبب لانصراف الاذهان من اطلاق ابناء السبيل الي المحتاجين.

و ثالثا: ما عرفت ان مسألة البدلية من الزكاة في امر المستحقين للخمس و قد صرحوا في باب الزكاة باعتبار الحاجة في بلد التسليم و بانه لا خلاف و لا اشكال فيه، و من المعلوم ان ابناء السبيل من بني هاشم انما يعطون من الخمس ما يعطي غيرهم من الزكاة.

و رابعا: قد مر في رواية حماد بن عيسي التصريح بانه جعل للفقراء قرابة الرسول نصف الخمس، فاغناهم به عن صدقات الناس (الي آخر ما ورد فيها من التصريح مرة بعد مرة بذلك). «1»

و كذا قوله عليه السّلام في مرسلة احمد بن محمد فهو يعطيهم- اي الاصناف الثلاثة- علي قدر كفايتهم الخ «2» و هذا أيضا صريح فيما ذكر كما لا يخفي.

و بالجملة لا ينبغي الاشكال في اعتبار الفقر فيهم بهذا

المعني، و من هنا يظهر عدم جواز التمسّك بالاطلاقات و لا بانه لما ذا جعل في مقابل المساكين لعين ما مرّ آنفا في اليتامي.

و هناك مسائل اخري في هذا الباب قد اشرنا اليها في ابواب الزكاة و نشير

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(2)- نفس المصدر، الباب 3 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 442

هنا اليها اجمالا.

منها: ان لا يكون قادرا علي الاستقراض او بيع بعض ما لا يحتاج اليه بالفعل كآلات الزينة و الالبسة الزائدة و الدليل عليه هو انصراف الاطلاقات من مثله، فانه لا يقال انه المنقطع في الطريق بل قد يكون له آلاف درهم من هذا الطريق.

و منها: انه لو زاد شي ء منها فهل يملك او يجب رده الي بيت المال؟

الظاهر هو الثاني، لان المفروض ان المال باق و هو حاضر في وطنه.

و منها: انه يجعل مقدار الحاجة ملكا له او يمكن جعله قرضا؟ ظاهر الادله هو الاول و ان كان استقراضه من بيت المال أيضا مما لا مانع له فتأمل.

و منها: ان الحاجة لا بد ان تكون من ناحية السفر، فلو كان فقيرا في بلده ثم سافر و احتاج في السفر كاحتياجه في الحضر، لا بد ان يعطي من سهم الفقراء لا ابناء السبيل.

و منها: ان يكون سفره في غيره معصية لان اعطائه من الخمس كرامة له و العاصي بسفره كالسارق و القاطع للطريق، و من يسافر لقتل مؤمن لا يستحق مثل هذه الكرامة.

و ان شئت قلت: انهم قد ذكروا اعتبار هذا الشرط في باب الزكاة و تسالموا عليه فكيف يمكن تركه هنا مع انك قد عرفت

ان الخمس من ناحية المصرف، و شرائطه في المسكين و اليتيم و ابن السبيل واحد.

و العجب من المحقق اليزدي حيث شرط في باب الزكاة «ان لا يكون سفره في معصية و قال هنا لا فرق ان يكون سفره في طاعة او معصية» مع انهما كما عرفت من باب واحد و لذا خالفه جميع المحشين فيما رأينا من كلماتهم هنا، و هم بين من احتاط بعدم اعطاء العاصي بسفره و من افتي به، و يدل عليه مضافا الي ما مر من انصراف الاطلاقات، ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 443

عن العالم عليه السّلام: «ان ابن السبيل ابناء الطريق الذين يكونون في الاسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب مالهم فعلي الامام ان يردهم الي أوطانهم من مال الصدقات». «1»

و هي و ان كانت مرسلة الا ان اسناده القطعي من علي بن ابراهيم الي الامام عليه السلام لو لم يوجب حجته قطعا فلا أقلّ من جعله مؤيدا قويا، و من الواضح ان لحن الرواية يكون علي نحو لا يفترق فيه الخمس و الزكاة فانه بصدد تفسير عنوان ابن السبيل.

و المراد من طاعة اللّه فيها ان لا يكون في معصيته، و الا لا اشكال في كفاية كون السفر مباحا.

و قد صرح بعض اعلام المعاصرين في حاشيته بعدم كون نفسه أيضا في معصيته علي الاحوط. (انتهي) و الظاهر ان المراد به عدم اشتغاله بالمعاصي في سفره و ان كان نفس السفر في الطاعة كمن سافر للزيارة او تجارة مباحة و لكن اشتغل في سفره- نعوذ باللّه- بشرب الخمور و الغناء و القمار و غير ذلك، و لكن الانصاف ان

اعتبار ذلك يشكل فهمه من الادلة- كما لا يخفي- الا اذا اعتبرنا العدالة او عدم التجاهر بالفسق فيما يأتي و هو امر آخر.

4- العدالة:

هل يعتبر في مستحقي الخمس؟

قال المحقق في الشرائع: «و العدالة لا تعتبر علي الاظهر».

و ذكر صاحب المدارك في شرحه: «ان هذا مذهب الاصحاب لا اعلم فيه مخالفا تمسكا باطلاق الكتاب و السنه … و القول باعتبار العدالة هنا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 444

مجهول القائل و لا ريب في ضعفه». «1»

و قال المحقق الهمداني بعد نقل كلام الشرائع: «ربما يستشعر من عبارة المتن حيث جعله اظهر و لم يرسله ارسال المسلمات وجود الخلاف فيه و لعله لم يقصد بهذا التعبير الاشارة الي الخلاف بل نبه بذلك علي استناد الحكم الي ظواهر الادلة ثم صرح في ذيل عبارته بعدم معروفية القائل بالاشتراط». «2»

و قال في الرياض: «و لا تعتبر العدالة هنا بلا خلاف اجده».

ثم قال: «نعم ربما يظهر من الشرائع وجود مخالف في المسألة و في المدارك انه مجهول اقول و لعله المرتضي فانه و ان لم يصرح باعتبارها هنا لكنه اعتبرها في الزكاة مستدلا بما يجري هنا». «3»

و صرح صاحب الجواهر قدس سره أيضا في شرح كلام الشرائع عدم وجدانه الخلاف في المسألة …، لكن قد يوهم ما في المتن الخلاف فيه بل لعله المرتضي لما حكي عنه من اعتبارها في الزكاة مستندا لما يشمل المقام من النهي كتابا و سنة عن معونة الفساق و العصاة. «4»

اقول: قد ورد التصريح باعتبار العدالة في باب الزكاة في كلمات غير واحد من اساطين الفقه منهم الشيخ الطوسي قدس سره

في الخلاف في المسألة 3 من مسائل كتاب قسمة الصدقات بل قال: «ان الظاهر من مذهب اصحابنا ان زكاة الاموال لا تعطي الا العدول من اهل الولاية دون الفساق منهم».

______________________________

(1)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 411.

(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 150.

(3)- رياض المسائل المجلد 1، الصفحة 297.

(4)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 115.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 445

و ادعي في الغنية أيضا الاجماع عليه «1» و ذكر في المبسوط أيضا اعتبار العدالة كما في المختلف. (الصفحة 182)

و مقتضي اتحاد باب الخمس و الزكاة في اوصاف المستحقين جريان الحكم في المقام و لكنه ضعيف هنا و هناك، فان غاية ما يمكن الاستناد اليه لإثبات اشتراط هذه الصفة امور:

اولها: ما عرفت من استدلال المرتضي رحمه اللّه بالمنع عن اعانة الفاسقين كتابا و سنة.

و فيه: ان الحرام هو اعانتهم و لو كان اعطاء الزكاة اعانة للفاسق في فسقه و عصيانه امكن القول به، و لكن محل الكلام عام مثلا زيد فاسق لارتكابه الغيبة و الكذب و لكنه فقير تعطيه من الزكاة لسد جوعه و كسوته و مسكنه و اين هذا من الاعانة علي الاثم.

ان قلت: قد ورد النهي في رواية صفوان المعروفة عن اكراء الابل لسلطان الجور حتي للحج.

قلت: اجيب عنه بان حرمته ليست من باب الاعانة علي الاثم فان الحج ليس اثما، بل من باب تقوية شوكة الظالمين فكل ما يوجب تقوية شوكتهم و لو كان بالحضور في مجالسهم الدينية و نشر الكتب العلمية التي نشروها كان حراما، مضافا الي ما فيه من تحريم حب بقائهم حتي يرجعوا عن الحج و يعطوا كرائهم و اين هذا مما نحن فيه؟

ثانيها: ما في زكاة الخلاف من

ان دليلنا طريق الاحتياط.

________________________________________

شيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، در يك جلد، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)؛ ص: 445

و فيه: انه لا وجه للرجوع اليه بعد اطلاقات الادلة، فان الاطلاق دليل لفظي من قبيل الامارات و لا مجال للاحتياط الذي هو من الاصول العملية معه.

______________________________

(1)- سلسلة الينابيع الفقهية، المجلد 5، الصفحة 341.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 446

ثالثها: ما ورد في رواية داود الصرمي قال: «سألته عن شارب الخمر يعطي من الزكاة شيئا؟ قال: لا» «1» و داود و ان كان مجهولا و لكن يمكن جبر ضعف سند الحديث بعمل المشهور به بل ادعي الاجماع علي اعتبار العدالة فتأمل.

هذا و لكن لا يدل الا علي حرمان شارب الخمر، غايته جواز التعدي منه الي سائر الكبائر العظيمة لا مطلقا.

رابعها: ما ورد في امر تقسيم الزكاة في رواية ابي خديجة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و فيها: «فليقسمها في قوم ليس بهم بأس اعفاء عن المسألة» «2» نظرا الي ان عدم البأس بهم دليل علي عدم ارتكابهم المعاصي فهو ظاهر في العدالة.

و فيه: مضافا الي ان ابا خديجة المعروف هو سالم بن مكرم و هو مجهول لا يمكن الركون اليه. اللّهم الا ان يقال: بجبر ضعف السند بما عرفت، ان عدم البأس لا يدل علي العدالة و عدم الذنب مطلقا، غاية الامر يمكن ان يقال بعدم شموله للمتجاهرين بالكبائر، مضافا الي ان الحديث مشتمل علي مستحبات مثل كون الفقير عفيفا لا يسئل الناس شيئا، او الامر بعدم تقسيم جميع

الزكاة في القرابة الوارد في ذيل الحديث مع انه ليس حراما، و اشتماله علي مثل هذه الامور يوجب سقوطها عن الدلالة علي الوجوب.

خامسها: ما ورد في رواية محمد بن سنان عن الرضا عليه السّلام و هو حديث طويل في علة تشريع الزكاة و في بعض فقرائه قوله:

«مع ما فيه من الزيادة و الرأفة و الرحمة لأهل الضعف و العطف علي اهل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 17 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 14 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 447

المسكنة و الحث لهم علي المواساة و تقوية الفقراء و المعونة لهم علي امر الدين». «1»

و فيه: مع الاشكال في السند فان وثاقة محمد بن سنان محل كلام، انه لا دلالة له علي المطلوب لان اعطاء الزكاة للفاسق أيضا قد يكون معونة له علي امر دينه او امر مباح، لان الكلام ليس فيما يكون معونة له علي الحرام كما هو ظاهر.

الي غير ذلك مما قد يتمسك به و لا دلالة له علي اعتبار العدالة شيئا.

نعم يمكن ان يقال كما ان دفع الزكاة الي شارب الخمر ممنوع، فكذلك دفعه الي ساير مرتكبي الكبائر لا سيما مع تجاهرهم بالفسق ممنوع أيضا.

اما الاول فلما عرفت من امكان القول بانجبار ضعف رواية داود الصرمي «2» بعمل المشهور، و اما الثاني فلا مكان الغاء الخصوصية من شارب الخمر اليه و لا أقلّ من عدم ترك الاحتياط بذلك فتدبر.

و كذا من يستمد منه للحرام، فان في ادلة المنع عن الاعانة علي الاثم في المقام و اشباهه كفاية، و لا سيما اذا كان المنع سببا لردعه عنه، فان ادلة

النهي عن المنكر أيضا يشمله.

هذا و قد يستدل علي عدم الفرق بين العادل و الفاسق بما ورد في مرسلة علي بن محمد عن بعض اصحابنا عن بشر بن بشار قال: «قلت للرجل، يعني ابا الحسن عليه السّلام (و الظاهر ان المراد به ابو الحسن الهادي عليه السّلام كما يظهر بملاحظة حال بشر بن بشار): ما حد المؤمن الذي يعطي من الزكاة؟ قال:

يعطي المؤمن ثلاثة آلاف. ثم قال: او عشرة آلاف و يعطي الفاجر بقدر،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب ما يجب فيه الزكاة، الحديث 7.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 17 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 448

لان المؤمن ينفقها في طاعة اللّه و الفاجر في معصيته». «1»

و من الواضح ان ذكر هذا العدد الخاص لا يكون معيارا لكل زمان، بل المقصود اعطاء المؤمن بقدر مؤنة سنته علي نحو لائق بشأنه، و اعطاء الفاجر بمقدار قليل يصرفه عادة في حوائجه الواجبة و لا يقدر علي صرفه في غيرها من اصناف الفجور، و حينئذ يكون دليلا علي الجواز بهذا المقدار فقط لا اكثر من ذلك.

هذا و لكن الرواية ضعيفة بالارسال، ثم بالجهل ببعض رواتها مثل بشير بن بشار فانه مجهول الحال.

ان قلت: الظاهر من الحديث جواز اعطاء الفاجر شيئا منها و ان علم انه يصرفه في الفجور.

قلت: كلا بل المراد اعطاء مقدار قليل لا يزيد عن حوائجه الواجبة كي لا يقدر علي صرفها في الفجور.

بقي هنا مسائل

الأولي: أن مستضعف كل فرقة (كالصبي و المجنون) ملحق بها

، و المراد به الالحاق من حيث الايمان و الكفر لا من حيث الفسق و العدالة، لجواز اعطاء اطفال السادة الفقراء من الخمس بلا اشكال و ان كان ابوه فاسقا

متجاهرا به، و قلنا باشتراط العدالة، اما الالحاق من الجهة الاولي فهو مما لا ريب فيه في جميع احكام الشرع في باب الطهارات و النكاح و المواريث و غيرها، بل عليه سيرة العقلاء في احكامهم ففي محاسبة عدد اتباع كل مذهب يعدون الصغار و المجانين منهم، فيقولون مثلا عدد المسلمين في

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 449

الدنيا الف ملايين و عدد اليهود 16 ملايين و كذا عدد ساير المذاهب، فيحاسبون الاطفال من كل فرقة من تلك الفرقة.

الثانية: هل يجب البسط علي الطوائف الثلاث (الأيتام و المساكين و أبناء السبيل)

او يمكن اعطاء النصف لصنف واحد؟ و علي فرض البسط هل يجب استيعاب افراد الطائفة- اي جميع افراد اليتامي- او جميع افراد المساكين؟

اما الاول فالمشهور بين الاصحاب كما في الحدائق جواز تخصيص النصف الذي للطوائف الثلاث بواحدة منها، ثم قال: «و ظاهر الشيخ في المبسوط المنع حيث قال: … و لا يخص فريقا منهم بذلك دون فريق بل يعطي جميعهم علي ما ذكرناه من قدر كفايتهم و يسوي بين الذكر و الانثي» ثم حكي عن ابي الصلاح انه قال: «يلزم من وجب عليه الخمس اخراج شطره للإمام عليه السّلام و الشطر الاخر للمساكين و اليتامي و ابناء السبيل لكل صنف ثلث الشطر». «1»

و قال المحقق النراقي في المستند: «هل يجوز ان يخص بنصف الخمس الذي للطوائف الثلث طائفة او طائفتان منها، أم يجب البسط علي الاصناف المحكي عن الفاضلين و من تأخر عنهما الاول بل هو المشهور بين المتأخرين كما صرح به جماعة … ثم قال: و عن المبسوط و الحلبي و التنقيح الثاني و مال اليه جمع من متأخري المتأخرين منهم الذخيرة و الحدائق و بعض شراح المفاتيح و هو

الاقوي». «2»

و قال في الجواهر بعد ذكر كلام الشرائع، اي قوله هل يجوز ان يخص بالخمس طائفة؟ «قيل نعم و قيل لا و هو الاحوط، قال و ان كان الاول اقوي

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 380.

(2)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 85.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 450

بل لعله لا خلاف متعد به فيه لعدم ظهور عبارة من حكي عنه ذلك فضلا عن صراحتها». «1»

اقول: الانصاف ظهور عبارة المحكي عن الشيخ و الحلبي- قدس سرهما- او صراحتها فالمخالف في المسألة موجود و ان كان المشهور الاول.

و عمدة ما استدل به لقول المشهور امور:

1- الاصل، و الظاهر ان المراد به البراءة عن وجوب بسطها علي الطوائف، لكن الانصاف ان الاصل هنا هو الاشتغال بمعني ان الحق الواجب تعلق بالمال (بعنوان الملك او غيره) و لا يعلم ادائه بدون البسط عليهم جميعا فاللازم هو البسط عليهم، و ان شئت قلت حق السادة موجود في ماله و في ضمانه و لا يعلم ادائه بغير البسط.

2- صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السّلام: « … و فيها أ فرأيت ان كان صنف من الاصناف اكثر و صنف أقلّ ما يصنع به؟ قال: ذاك الي الامام أ رأيت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كيف يصنع؟ أ ليس انما كان يعطي علي ما يري، كذلك الامام». «2»

و اورد علي الاستدلال به في الحدائق بانها ناظرة الي صورة تفاوت افراد الطوائف كثرة و قلة، و ان الامام يعطي حينئذ علي ما يراه من المصلحة لا جواز تخصيص طائفة بها دون الاخري.

و الانصاف ان اشكاله وارد و لا أقلّ من ابهام الحديث فلا يصح التمسك به

في المقام، اللّهم الا ان يقال: قوله عليه السّلام يعطي علي ما يري عام يشمل البسط مع التفاوت و عدمه فتدبر.

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 108.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 451

3- السيرة المستمرة علي عدم البسط، و لو كان البسط واجبا لوجب حفظ مقدار من الخمس ليوجد صاحبه من ابناء السبيل، اذا لم يكن هناك موجودا كسائر الاموال المشتركة و من الواضح انه كثيرا لا يوجد ابن السبيل او لا نعرفه بعينه لو كان موجودا مع انا لم نسمع احدا ادخر سهم ابن السبيل حتي يلاقيه، فهذه قرينة علي عدم البسط، لا سيما اذا كان الخمس قليلا.

4- البدلية الثابتة بالقرائن القطعية، و قد صرحوا في ابواب الزكاة بعدم وجوب البسط بل المسألة اجماعية هناك علي الظاهر، و دلت عليه روايات كثيرة فراجع «1» و مقتضاه عدم البسط هنا أيضا. اللّهم الا ان يقال: ان القدر المسلم منه انما هو البدلية في المستحقين و اوصافهم، اما مقدار ما يعطي اليهم و ان الواجب البسط و عدمه فلا يمكن استفادته من ادلتها، و لكن الانصاف انه يفهم منه ان وزان تقسيم الخمس وزان تقسيم الزكاة، فلو كان متفاوتا معه كان الواجب التصريح به في روايات الباب و حيث لم يرد يعلم انهما غير متفاوتين من هذه الناحية.

و استدل للقول الثاني بظاهر آية الخمس ادالة علي تقسيمه الي ستة اسهم مع ما يعلم من ان نصف الخمس يتعلق باللّه تعالي و رسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم و الامام المعصوم عليه السّلام و هذا بنفسه قرينة علي البسط.

و ان

شئت قلت: لا شك ان السهام الثلاثة الاولي من قبيل البسط و انه مع التسوية أيضا و ان كان اختيار كلها بيد النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم في حياته و بيد الامام المعصوم عليه السّلام بعده، فهذا قرينة علي كونه كذلك في الثلاثة الاخيرة، و من البعيد التفرقة بينهما من هذه الجهة.

و يمكن الجواب عنها بانها لو لم تكن ظاهرة في القول الاول فلا أقلّ

______________________________

(1)- راجع جواهر الكلام، المجلد 15، الصفحة 428.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 452

من عدم دلالتها علي الثاني و ذلك لأمور:

اولها: ان الظاهر هو كون الاصناف الثلاثة الاخيرة مندرجة تحت عنوان الفقير او ذوي الحاجة فليس اليتيم قسيما للمسكين، و كذلك ابناء السبيل فانهم أيضا فقراء في السفر و ان كانوا ذوي المكنة في اوطانهم.

ففي الواقع ينقسم الخمس الي قسمين، نصف منه للحكومة الاسلامية التي يكون امرها بيد النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الامام عليه السّلام او نائبه بعده صلي اللّه عليه و آله و سلم و نصف منها لذوي الحاجة من اهل بيته- عليهم السلام- و من الواضح- كما سنشير اليه ان شاء اللّه- انه لا يجب استيعاب كل فرد من افراد هذا العنوان، فاذن لا مانع من صرفه في بعض اليتامي فقط او بعض المساكين او غير ذلك.

ثانيها: ان ابناء السبيل قليلون في جنب الباقي جدا لا سيما في جنب المساكين، و من الواضح انه لا يمكن تخصيص سهم مساو لهم في مقابل الباقين، مع ان ظاهر الاية- كما عرفت- كون السهام الستة متساوية فهذه قرينة اخري علي ان المراد من الاية ليس ما يبدو منها في بادي النظر.

ثالثها:

انها كما تدل علي لزوم البسط علي الطوائف الثلاث، تدل علي لزوم استيعاب الطوائف الثلاث بحسب الافراد لكونها عاما شاملا لجميع افراده، و حيث لا يجب الاستيعاب قطعا بل لا يمكن ذلك عادة، و لو امكن لا يكون المال كافيا لذلك غالبا فاللازم رفع اليد عن ظاهر الاية، فهذه أيضا قرينة علي ان المراد ليس ظاهرها.

و العمدة من بين هذه الوجوه هو الاول (و هو اندراج جميع الطوائف الثلاث في واحد) و استيعاب الافرادي غير واجب بالاتفاق.

و اما ما اجاب به بعضهم عن هذا الدليل بانها مسوقة لبيان المصرف كما في آية الزكاة، ففيه: انه مخالف لظاهرها لاستلزامه القول بامكان صرف الجميع في مصارف سهم الامام، او جميع الخمس في خصوص السادة

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 453

المحتاجين و لم يقل به احد.

و استدل لهذا القول أيضا برواية حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا و فيها: «و نصف الخمس الباقي بين اهل بيته فسهم ليتاماهم و سهم لمساكينهم و سهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم علي الكفاف و السعة ما يستغنون به في سنتهم». «1»

و ما رواه احمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفع الحديث قال: « …

و سهم لليتامي و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل». «2»

و ما رواه السيد المرتضي في رسالته: و فيه «ثم يقسم الثلاثة السهام الباقية بين يتامي آل محمد و مساكينهم و ابناء سبيلهم». «3»

و مثلها ما رواه اسحاق عن رجل: « … و ثلاثة اسهم لليتامي و المساكين و ابناء السبيل يقسمه الامام بينهم فان اصابهم درهم درهم لكل فرقة منهم نظر الامام بعد فجعلها في ذي القربي». «4»

و انت خبير بان هذه الروايات كلها ضعيفة

الاسناد، مهجورة عند المشهور، فلا يمكن الركون اليها، مضافا الي انها و ان كانت في بادي النظر ظاهرة في البسط علي الاصناف الثلاثة و لكن عند الدقة يظهر منها خلافه، ففي رواية حماد جعل فقراء قرابة الرسول في مقابل فقراء الناس فقال: «و ان فقراء الناس جعل ارزاقهم في اموال الناس علي ثمانية اسهم لم يبق احد منهم و جعل للفقراء من قرابة الرسول نصف الخمس فاغناهم به» و من المعلوم انه لا يجب البسط هناك فكذلك هنا فتأمل.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(2)- نفس المصدر، الحديث 9.

(3)- نفس المصدر، الحديث 12.

(4)- نفس المصدر، الحديث 19.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 454

مضافا الي ان ظاهر الرواية الاخيرة لزوم التقسيم بالسوية بين افراد كل واحد من هذه الاصناف الذي لا يقول به احد.

فتحصل مما ذكرنا: ان القول بالبسط بين الطوائف الثلث مما لا يمكن المساعدة عليه، و اظهر من ذلك عدم لزوم الاستيعاب بالنسبة الي الافراد لعدم امكانه غالبا و مخالفته للسيرة المستمرة قطعا و لفعل المعصومين- عليهم السلام- و مما ذكرنا ظهر الحال في المقام الثاني- اعني عدم وجوب رعاية المساوات بين الاصناف- لما عرفت من التصريح به في صحيحة البزنطي.

و اما المقام الثالث (و هو الاستيعاب لجميع افراد صنف واحد):

فالمشهور فيه أيضا عدم الوجوب حتي ان المحقق الذي احتاط في مسألة البسط علي الطوائف الثلاث صرح بعدم وجوب استيعاب اشخاص كل طائفة هنا، بل قد حكي عن غير واحد من الاصحاب نفي الخلاف او الاجماع فيه، و يدل عليه امور:

1- الاصل، فان مقتضاه هو البراءة عن القيد الزائد و هو وجوب الاستيعاب، و لكن

قد عرفت آنفا ان الاصل هنا هو الاشتغال بمعني ان ارباب الخمس مالكون لسهمهم مشاعا في المال، او مستحقون له بنحو آخر و هو في الحقيقة امانة بيد المالك و لا يعلم انه هل يؤدي بدفعه الي بعضهم دون بعض، و القدر المتيقن من الاداء هو الاستيعاب فقاعدة علي اليد و قاعدة الاشتغال تقتضي ذلك.

2- مقتضي البدلية عن الزكاة هنا أيضا عدم الاستيعاب بالبيان الذي مر آنفا.

3- الاستيعاب غير ممكن او متعسر فهو غير واجب.

و فيه: ان العسر و الحرج امر شخصي يتقدر بقدره، فاللازم الاستيعاب مهما امكن و يسقط وجوبه عند التعذر و التعسر.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 455

4- الجمع المحلي باللام في كتاب اللّه بمعني الجنس لا العموم، فقوله تعالي اليتامي و المساكين محمول علي الجنس.

و فيه: انه مجرد دعوي لم تثبت صحته و ان كان الاقرب في النظر ارادة الجنس في امثال هذه الموارد.

5- الخطاب هنا للمجموع، فالمؤمنون جميعهم مخاطبون باداء خمسهم لمجموع اليتامي و المساكين و ابناء السبيل من بني هاشم، و لازمه التقسيم باعطاء كل واحد الي بعضهم.

و فيه: انه أيضا دعوي بلا دليل، بل الاصل في العمومات الحمل علي العموم الافرادي لا المجموعي لأنه المتبادر الي الذهن عند اطلاقها.

6- السيرة المستمرة الجارية علي عدم الاستيعاب فانه لم يسمع من فعل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم و الائمة المعصومين، و كذا العلماء في البلاد المختلفة استيعاب جميع بني هاشم او من حضر منهم البلد، و لو وجب ذلك لاشتهر اشتهارا تاما.

7- و استدل له أيضا بقوله عليه السّلام كذلك الامام (اي يعطي علي ما يري) فان اطلاقه يشمل عدم الاستيعاب لآحاد المستحقين،

و لكن قد عرفت انه يشكل الاعتماد علي هذا الظهور بعد كون السؤال عن التساوي بين الاصناف الثلاثة و عدمه فلعل الجواب أيضا ناظر اليه فقط، و بالجملة لو لا ظهوره في ذلك فلا أقلّ من اجماله فلا يجوز التمسك به لما نحن بصدده.

و الحاصل: انه لا دليل علي وجوب الاستيعاب بل الدليل موجود علي عدمه، و لولاه كان مقتضي الاصل الاستيعاب بحسب الافراد مهما امكن، نعم لا شك انه اذا كان هناك اموال كثيرة للسادة بيد ولي الامر و كان فيهم اناس كثيرون محتاجين غاية الحاجة فعليه تنظيم البرنامج لسد خلتهم و رفع حاجتهم، و يشكل اعطائه بعضهم تمام حاجاتهم السنوية من دون رعاية حال

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 456

الباقين، بل لعله يعد ذلك تقصيرا منه في امر الولاية و اداء الحقوق و نظم الامور، فعليه جعل النقباء و احصائهم و جعل الرواتب لهم و تقسيم حقوقهم علي نحو مطلوب لا سيما في عصرنا و زماننا الذي يعد القصور في هذه الامور تقصيرا في اداء امر الولاية، و هذا هو المستفاد من ادلة ولايته.

و بالجملة لو لم يكن ذلك واجبا قطعيا عليه فلا أقلّ من الاحتياط الذي هو سبيل النجاة، بل الامر في حق غيره أيضا في بعض الظروف كذلك، فلو كان فيمن حضره ايتام من بني هاشم يحتاجون الي الاوليات مما يحتاج اليه في امر الحياة كاللباس و الغذاء و …، فلو اعطي الخمس كملا لغيره ممن يصرفه فيما يليق بشأنه من غير الضروريات كالخادم اللائق بحاله و سفر الزيارة و بعض الهدايا و الصلاة اللائقة بحاله، كان صرف سهم السادة في الثاني دون الاول في غاية الاشكال، و

الوجه فيه انا و ان قلنا بعدم لزوم الاستيعاب و لكن ادلة الجواز منصرفة عن مثل هذه الصورة و اشباهها و يشكل البراءة عن حق السادة بذلك كما لا يخفي علي من رقق النظر في لسان ادلة الخمس و غيرها.

*** الثالثة: [مستحق الخمس من انتسب إلي هاشم بالأبوة]

مستحق الخمس من انتسب إلي هاشم بالأبوة، فلو انتسب اليه بالام لم يحل له الخمس و تحل له الزكاة.

هذا هو المعروف و المشهور بين الاصحاب، و لكن حكي الخلاف فيه عن السيد المرتضي و ابن حمزة و لكن في كون الثاني اعني ابن حمزة- قدس سره- مخالفا كلام، فان صاحب الجواهر قال: «ان فيما حضرني من نسخة الوسيلة موافقة المشهور و يؤيده نسبة غير واحد من الاصحاب الخلاف الي السيد المرتضي خاصة».

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 457

هذا و لكن صاحب الحدائق قدس سره استند الخلاف في المسألة الي جماعة كثيرة من الاصحاب نظرا الي ما ذكروه في الابواب الاخر و إليك نص عبارته:

«و الاصحاب لم ينقلوا الخلاف هنا الا عن السيد- رحمه اللّه- و ابن حمزة مع ان شيخنا الشهيد الثاني في شرح المسالك في بحث ميراث اولاد الاولاد نقله عن المرتضي و ابن ادريس و معين الدين المصري.

و نقله في بحث الوقف علي الاولاد عن الشيخ المفيد و القاضي و ابن ادريس».

ثم قال: «و نقل بعض افاضل العجم في رسالة صنفها في هذه المسألة و اختار فيها مذهب السيد، هذا القول أيضا عن القطب الراوندي و الفضل الشاذان.

و نقله المقداد في كتاب الميراث من كتابه كنز العرفان عن الراوندي و الشيخ المحقق احمد بن المتوج البحراني الذي كثيرا ما يعبر عنه بالمعاصر.

و نقله في الرسالة المشار اليها عن ابن ابي

عقيل و ابي الصلاح و الشيخ الطوسي في الخلاف و ابن الجنيد و ابن زهرة في الغنية.

و نقل عن المحقق المولي احمد الأردبيلي الميل اليه أيضا.

و هو مختار المحقق المدقق المولي العماد مير محمد باقر الداماد و له في المسألة رسالة جيدة قد وقفت عليها.

و اختاره أيضا المحقق المولي محمد صالح المازندراني في شرح الاصول و السيد المحدث نعمة اللّه الجزائري و شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد اللّه بن صالح البحراني».

ثم قال صاحب الحدائق في ادامة كلامه:

«و انت خبير بان جملة من هؤلاء المذكورين و ان لم يصرحوا في مسألة

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 458

الخمس بما نقلناه عن السيد المرتضي- رضي اللّه عنه- الا انهم في مسائل الميراث و الوقف و نحوها لما صرحوا بان ولد البنت ولد حقيقة اقتضي ذلك اجراء حكم الولد الحقيقي عليه في جميع الاحكام التي من جملتها جواز اخذ الخمس و تحريم اخذ الزكاة ثم نقل عباراتهم تفصيلا في تلك الابواب» (انتهي محل الحاجة من كلامه). «1»

اقول: قد وقع الخلط هنا بين مسألتين (كما اشار اليه كثير من الاعلام):

احدهما: صدق الولد حقيقة علي ولد البنت و هو مما لا ريب فيه عرفا و شرعا، فان الاولاد و الاسباط تكون من الجانبين من ناحية الاب و الام، و يشهد له ان احكام النكاح و الارث المترتبة علي النسب جارية فيهما بلا خلاف فيها بين علماء الإسلام، و السرّ فيه ان تكوّن الولد تكون من ناحية الاب و الام، و قد ثبت اليوم انه لو لا التركيب بين خلية من الرجل المسماة بالاسبر ماتوزوئيد و خلية من المرأة و هي المسماة بالاوول لم تنعقد النطفة في الرحم.

نعم قد

كان هناك فكر جاهلي يتجسم في شعرهم المعروف:

بنونا بنو ابنائنا و بناتنا بنوهن ابناء الرجال الاباعد

الذي يخالف العقل و النقل من الكتاب و السنة، و لنعم ما قال سيدنا الاستاذ العلامة المحقق البروجردي فيما حكي عنه في محاضراته (زبدة المقال): «انه هل يمكن التمسك بقول شاعر مجهول هويته فيرد به علي كتاب اللّه و سنة رسوله، و هل هذا الا كدفع ما حكم به العقل السليم بتخيلات شعرية». «2»

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 390.

(2)- زبدة المقال، صفحة 134 و ما بعده.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 459

و قوله «كتاب اللّه» اشارة الي ما ورد في قوله تعالي اشارة الي ابراهيم الخليل علي نبينا و آله و عليه السلام: «و من ذرّيّته داود و سليمان و ايّوب و يوسف و موسي و هارون و كذلك نجزي المحسنين و زكريّا و يحيي و عيسي و الياس كلّ من الصّالحين» «1»

فان عيسي عليه السّلام لا يكون من ذرية ابراهيم عليه السّلام الا من قبل الام، و قوله «سنة رسول اللّه» اشارة الي احكام الارث و المناكح الثابتة بالسنة.

و الظاهر ان العرب الجاهلي و من تبعهم بعد ظهور الإسلام كانوا يعتقدون ان الام لا يكون الا وعاء لحفظ النطفة الحاصلة من الاب كما تكون الارض وعاء لحفظ البذور و تنميتها، كما يقول شاعرهم.

و انما امهات الناس اوعية مستودعات و للأحساب آباء.

و قد اخذ بهذه الفكرة جمع من اعداء اهل البيت المنكرين لفضائلهم حيث كان من مفاخرهم العظيمة انهم ابناء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم و يراهم الناس في هذا الموقف، فخالفهم المعاندون و قالوا انكم منتسبون الي رسول اللّه صلي اللّه

عليه و آله و سلم من ناحية الام اي الزهراء المرضية (سلام اللّه عليها) و ولد البنت ليس ولدا حقيقة فاجابوهم بالكتاب و السنة و الدلائل الظاهرة.

فهذا الحكم اعني كون ولد البنت ولدا حقيقة حكم واضح يعرفه كل مسلم بلا ريب، و كان انكار ذلك مسألة سياسية جاهلية من ناحية الخلفاء الجائرين و اذنابهم دفعا لأئمة اهل البيت- عليهم السلام- عن حقهم الذي جعل اللّه تعالي لهم.

ثانيتهما: ان حكم الخمس يجري علي اولاد هاشم اي كل من ينتسب اليه شرعا و عرفا من طريق الولادة او خصوص من ينتسب اليه بالابوة فقط،

______________________________

(1)- سورة الانعام، الآية 84 و 85.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 460

و مدعي الاصحاب في المقام هو الثاني لقيام دليل خاص فيه لا انكار صدق البنوة.

و الشاهد القوي علي ذلك نفس ما ذكره صاحب الحدائق (و اتعب نفسه الزكية فيه لتأييد مذهبه و الحال انه دليل علي خلاف مذهبه) انهم صرحوا في الابواب الاخر من الفقه بعموم الحكم، و لكن قصروا هنا علي خصوص من ينتسب بالابوة فهذا دليل واضح علي كون الحكم في المقام لدليل خاص.

و صاحب الحدائق و جماعة اخري حيث تخيلوا ان المسألتين من واد واحد قالوا بالعموم مع انهما مختلفتان لا ينسجان علي منوال واحد.

بل قد يظهر من مستند العروة ان ما نسب الي السيد- قدس سره- من عموم الاستحقاق للمنتسب الي هاشم من طرف الام أيضا غير ثابت. «1»

و الذي تفحصنا في كتب السيد- قدس سره- لم نجد هذه الفتوي في هذا المبحث، بل الذي يظهر من كلمات غير واحد منهم ان السيد لم يصرح بهذه المقالة في الخمس بل الذي صرح به هو كون

ولد البنت ولدا حقيقة ففرعوا عليه ذلك.

قال العلامة- قدس سره- في المختلف: اختلف في استحقاق من امه هاشمية و ابوه غير هاشمي، فاختار الشيخ في المبسوط و النهاية المنع من الخمس و يجوز له ان يأخذ الزكاة، و اختاره ابن ادريس و ابن حمزة، و ذهب السيد المرتضي الي ان ابن البنت ابن حقيقة، و من اوصي بمال لولد فاطمة دخل فيه اولاد بنتها و اولاد بناتها عليه السّلام حقيقة، و كذا لو اوقف علي ولده دخل فيه ولد البنت لدخول ولد البنت تحت الولد. «2»

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 317.

(2)- المختلف، الطبعة القديمة، كتاب الزكاة و الخمس، الصفحة 34.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 461

و ذكر الوصية و الوقف دون ذكر الزكاة و الخمس دليل علي ان السيد لم يتعرض له في المقام بل تعرض للمسألة في مقامات اخري، فاستنبطوا منه حكم المقام زعما منهم ان المسألتين من باب واحد.

و قال المحقق القمي في الغنائم: «المشهور بين الاصحاب أيضا اشتراط الانتساب الي عبد المطلب بالاب و لا يكفي الانتساب بالام … و خالف في ذلك المرتضي و ابن حمزة باستعمال لفظ الابن و البنت في المنتسب بالام، كما في تسمية الحسن و الحسين بابني رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم». «1»

و هذا التعبير أيضا شاهد علي ما ذكرنا، و لعل اختلاف كلماتهم في ما ذهب اليه ابن حمزة فنسب العلامة اليه فيما عرفت من كلامه مذهب المشهور، و نسب اليه المحقق القمي مذهب السيد أيضا ناش من هذا الامر، فالعلامة رأي فتواه في مذهب الخمس و المحقق القمي رأي قوله ان ولد البنت ولد حقيقة.

اذا عرفت هذا

فاعلم ان غاية ما يمكن الاستدلال به علي مذهب المشهور امور:

1- مرسلة حماد (و لا يضرها الارسال اما لأنه من اصحاب الاجماع و اما لانجبارها بعمل المشهور) عن العبد الصالح قال: « … و من كانت امه من بني هاشم و ابوه من سائر قريش فان الصدقات تحل له و ليس له من الخمس شي ء». «2»

فهذا الكلام صريح في مذهب المشهور و لا يبعد استنادهم اليه لأنه اصرح شي ء في المقام، و المفروض ان الحكم علي خلاف القاعدة لان

______________________________

(1)- الغنائم، الصفحة 378.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 8.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 462

مقتضاها العموم لان ولد البنت ولد حقيقة كما عرفت، فاستناد فتواهم اليه قريب جدا.

2- استقرار الفتاوي في الابواب الاخر من المناكح و المواريث و غيرها علي العموم مع استقرارها علي الخصوص دليل واضح علي وجود دليل صالح للاستناد اليه هنا، مع شدة الابتلاء بها فقد قال في مستند العروة ان الحكم لو شمل المنتسب الي هاشم بالام دخل غالب الناس فيه فانه قلما يتفق عدم استناد المسلمين اليه من هذا الطريق في طول سلسلة نسبهم.

3- و يؤيده او يشهد له ما ذكره في مصباح الفقيه انه لو كان الانتساب الي بني هاشم من قبل الام موجبا لحرمة الصدقة و اباحة الخمس، استقرت السيرة علي ضبط النسبة و حفظها من الصدر الاول كي لا يرتكبوا الحرام، و يحل لهم الاخماس مع انه ليس كذلك بعدم جريان عادة المتشرعة علي حفظ هذه الانساب و ضبطها كجريان عادتهم علي حفظها من طرف الاب من اقوي الشواهد علي انه ليس لها هذا الاثر في الشريعة.

(و لا يخفي

ان عمدة الاثر الشرعي تظهر في هذين الحكمين حكم الزكاة و حكم الخمس).

4- يمكن الاستدلال له بما ورد من التعبير في الروايات فان التعابير فيها مختلفة:

الف: في بعضها ورد التعبير ب: «آل محمّد» (راجع الرواية 9 و 12 و 16 من الباب الاول من ابواب قسمة الخمس).

ب: في بعضها الاخر ورد التعبير ب: «اقرباء الرّسول او اهل بيته» (راجع 1 و 2 و 5 و 10 و 13 منه).

ج: في بعضها التعبير بقوله منا خاصة او فينا خاصة (4 و 7 منه).

و هذه التعابير كلها شاملة عامة للجميع.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 463

لكن المصرح به في روايات كثيرة في ابواب الزكاة هو عنوان بني هاشم و بني عبد المطلب بحيث يظهر منه ان الحكم تدور مدار هذا العنوان.

راجع الرواية (1 و 2 و 3 من الباب 29 من ابواب المستحقين للزكاة).

و الرواية (1 و 2 و 3 و 5 و 6 و 7 و 9 من الباب 32).

و الرواية (1 من الباب 33).

و الرواية (1 و 2 و 4 من الباب 34).

الي غير ذلك و ظاهر كونها في مقام البيان من حيث حرمة الصدقة علي بني هاشم، و هي اكثر عددا و اقوي ظهورا و اظهر دلالة من ما ورد في باب الخمس- كما لا يخفي علي الخبير المتدبر- و من المعلوم ان عنوان بني هاشم و بني عبد المطلب لا يصدق الا علي من انتسب اليهما من طريق الاب، و لعل الاصحاب عند الجمع بين هذه التعبيرات المختلفة رأوا ان الاخير اقوي من بينها فافتوا بمقتضاه.

اللّهم الا ان يقال: نسبة هذه الرواية مع الروايات السابقة (اي الطوائف الثلاث الاولي) و

ان كان نسبة المطلق و المقيد الا انهما من قبيل المثبتين، و من المعلوم عدم التقييد في مثله. و ان شئت قلت: اثبات جواز الخمس علي بني هاشم (بناء علي اختصاص هذا العنوان بمن يكون نسبته من طريق الاب) لا ينافي العموم المستفاد من قوله آل محمّد او قرابة الرّسول او غيرها من امثالها، فان اثبات الشي ء لا ينفي ما عداه.

و لكن الانصاف ان هذه الروايات الواردة في ابواب الزكاة حيث وردت في مقام بيان عنوان المستحقين يستفاد منها المفهوم، فقوله عليه السّلام في صحيحة الفضلاء: «ان الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب» «1» و قوله عليه السّلام في صحيحة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 29 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 464

ابن سنان: «لا تحل الصدقة لولد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم» «1» في مقام بيان جميع من يحرم عليه الصدقة و يحل له الخمس طبعا، فاستفادة المفهوم منه و تقييد تلك الروايات السابقة بها غير بعيد.

و اوضح حالا منها قوله في مرسلة حماد: «انما جعل اللّه هذا الخمس خاصة لهم، يعني بني عبد المطلب عوضا لهم من صدقات الناس». «2»

ان قلت: ما الدليل علي اختصاص هذا العنوان بمن يكون منسوبا من قبل الاب فقط، لأنا نعلم ان الابن هنا يشمل جميع الاولاد من المذكر و المؤنث لعدم اختصاص الخمس بالرجال من بني هاشم، و الانتساب الي هاشم كما يكون من قبل الاب يكون من قبل الام أيضا؟

قلت: فرق بين مسألة النسب و القرابة و الرحم، و بين مسألة القبيلة و الطائفة- كما لا يخفي علي من راجع العرف- فالاول لا فرق فيه بين

الانتساب من ناحية الاب و الام، لأنه مسألة الدم و اخذ النطفة و تكوّنها، و لكن الثاني اشارة الي حقيقة اجتماعية تدور مدار الاب فقط كالهاشمي او التميمي او القرشي، (و مثله بنو هاشم و بنو تميم أيضا و بنو اسد لان هذا التعبير بين العرب انما يكون اشارة الي الطائفة و القبيلة) فلو تزوج رجل من بني اسد امرأة من بني تميم، عد ابنائهما من طائفة بني اسد اي طائفة الزوج لا من بني تميم.

و هكذا اليوم فان الرجل اذا تزوج امرأة من طائفة اخري يسمي الاولاد باسم قبيلة الرجل و يأخذون الجنسية باسم طائفة الرجل لا المرأة، و الظاهر انه لا يختص هذا المعني بالعرب و العجم في جوامعنا بل الامر كذلك في ساير

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 3.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 32 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 465

جوامع العالم حتي اليوم.

فالمنتسب بهاشم من قبل امه اذا كان ابوه من بني اسد مثلا لا يسمي هاشميا بل اسديا و هكذا اشباهه.

و من هنا يظهر ان الاحكام التي تدور مدار النطفة و الدم- مثل المناكح و المواريث- لا يفترق الحال فيها بين الانتساب من ناحية الاب او الام، و اما الاحكام التي تدور مدار عنوان الطائفة فلا يجري الحكم الا من ناحية الانتساب من طريق الابوة.

فهذا هو السر في الفرق الذي يستفاد من فتاوي المشهور من اعاظم العلماء و اساطين الفقه. و لكن الغافل عن هذا التفاوت يزعم انهم غفلوا عن وحدة الاحكام فتدبر جيدا.

ان قلت: النسبة بين الروايات الدالة علي ان الخمس لمطلق قرابة النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و

الروايات الكثيرة الدالة علي انه لبني هاشم او بني عبد المطلب الظاهرة في خصوص من كان منسوبا الي هذه الطائفة من طريق الاب هو العموم من وجه، لان الاول لا يشمل اعمام النّبيّ و نظرائهم و الحال ان بني هاشم يشملهم.

قلت: عدم شمول تلك العناوين لا عمامه صلي اللّه عليه و آله و سلم و نظرائهم اول الكلام لا سيما مع العلم بدخولهم من القرائن الخارجية و انهم داخلون في هذا الحكم بالإجماع.

سلمنا اذا وقع التعارض من جهة العموم من وجه فحكمه التساقط لا الرجوع الي المرجحات، و بعد التساقط الاصل عدم جواز التعدي عن القدر المعلوم و هو المنتسب بالاب كما عرفت.

و مما ذكرنا يظهر الوجه في الاستدلال بقوله تعالي: ادعوهم

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 466

لآبائهم «1» في مرسلة حماد بن عيسي بعد قوله: «و من كانت امه من بني هاشم و ابوه من سائر قريش فان الصدقات تحل له و ليس له من الخمس شي ء». «2»

فان دعائهم باسم آبائهم من أوضح القرائن علي ان المعيار في معرفة الاشخاص في ذلك المجتمع كان من ناحية الاب و كذا شمول اسم القبيلة و الطائفة كما ان المعمول اليوم أيضا كذلك في المجتمعات العربية فيدعون كل انسان باسم ابيه فيقال مثلا سليمان محمود، فالاول اسمه و الثاني اسم ابيه.

و الحاصل: انه فرق بين قولنا ادعوهم باسم آبائهم لا باسم امهاتهم و بين قولنا انهم بنو آبائهم لا بنو امهاتهم.

بقي هنا شي ء: و هو ان صاحب الحدائق (رض) قد اتعب نفسه الزكية باثبات شمول الحكم للمنصوبين من ناحية الام و دافع عن هذا القول في كتابه الحدائق المجلد الثاني عشر بما يقرب من

ثلاثين صفحة. «3»

و لا بأس بالنظر الإجمالي اليها كي يتبين حالها، و الناظر في كلامه يري فيها الامور التالية.

1- قسم كبير منها ناظر الي بيان اقوال الفقهاء لا في المسألة، بل في الابواب الاخر في اثبات ان ولد البنت ولد في الحقيقة كأبواب المواريث و الاوقاف و الوصايا.

و قد عرفت انها كلها خارجة عن محل الكلام لان كون ولد البنت ولدا حقيقة مما لا ريب فيه، و لذا يترتب عليها احكام الولد بلا كلام في الارث

______________________________

(1)- سورة الاحزاب، 6.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(3)- راجع الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 390 الي 418.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 467

و المناكح، انما الكلام في وجود خصوصية في باب الخمس يوجب اختصاص الحكم لمن ينتسب من قبل الاب فقط.

2- قسم كبير اخر منها ناظر الي الروايات الدالة علي ان ولد البنت ولد حقيقة، و ان ائمة اهل البيت الهداة المهديين- عليهم السلام- اولاد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم حقيقة لا مجازا.

و هذا أيضا حق لا ريب فيه و لكن خارج عن محل الكلام.

3- قد جعل احسن الادلة في المقام مرسلة حماد، ثم اورد عليها بانها ضعيفة السند علي مصطلح القوم و ان كانت صحيحة علي مختاره، و اورد عليها أيضا بانها مخالفة لكتاب اللّه اولا و موافقة للعامة ثانيا.

اما مخالفتها لكتاب اللّه فلأنّه دال علي ان ابن البنت ابن حقيقة، و اما مخالفته للعامة فلما ذكره السيد المرتضي من ان مخالفينا لا يوافقونا في تسمية ولد البنت ولدا علي الحقيقة.

و فيه اولا: ان المرسلة منجبرة بعمل الاصحاب كما عرفت فهي معتبرة علي اصطلاحنا

أيضا.

و ثانيا: اول المرجحات هي الشهرة كما ذكر في محله، و الشهرة هنا موافقة لحرمان اولاد البنت.

و ثالثا: قد عرفت مرارا انه ليس الكلام في كون ولد البنت ولدا حقيقة، و ان المرسلة أيضا لا تنفي ذلك حتي تكون مخالفة لكتاب اللّه بل هي ناظرة الي النسب الاجتماعي و الطائفي و انما هو الي الاب لا الام، هكذا كان الامر في الاعصار السابقة و في عصرنا هذا.

و رابعا: ان العامة أيضا لا يخالفونا في اجراء احكام الولد علي ولد البنت، و انما انكر بعض المعاندين منهم تسمية الائمة- عليهم السلام- باسم اولياء رسول اللّه انكارا لفضلهم.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 468

4- و اخيرا ذكر في كلامه موارد من روايات اهل البيت- عليهم السلام- ورد التعبير فيها بالعلوي او المحمّدي (لا في باب الخمس و اشباهه بل في مناسبات اخري).

و لكن من الواضح انها ليست ناظرة الي عشيرة او طائفة بهذا الاسم، بل انما هو في مقام بيان تشريف بعض الاشخاص و علو منزلتهم مثلما قد يقال سلمان المحمّدي عوض سلمان الفارسي.

ثم قال في الحدائق: «الظاهر ان معظم الشبهة عند من منع في هذه المسألة من تسمية المنتسب بالامّ ولدا بالنسبة الي جدّه من امّه هو انه انما خلق من ماء الاب و الام انما هي ظرف و وعاء». «1» ثم اشار الي حديثين احدهما في بيان ما اعترضه هارون الرشيد علي الامام الكاظم عليه السّلام بقوله لما ذا لا تمنعون شيعتكم عن خطابكم بابن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم؟ فاجابه عليه السّلام بقوله تعالي:

فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ

ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَي الْكٰاذِبِينَ فان المراد من الابناء هو الحسن و الحسين- عليهما السلام- ابناء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم و بقوله تعالي في سورة الانعام (الآية 184).

و الآخر هو قصة الحجاج مع الشعبي الذي كان من علماء العامة لكن كان له ميل الي اهل البيت- عليهم السلام- فاطلع الحجاج علي ذلك و استعظمه فامر بعقد مجلس من علماء مصرين و اعترض فيه علي الشعبي اعتراضا شديدا، فاجابه الشعبي بالآية السابقة و الحديث المعروف المنقول عن الرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم:

«ان هذا ابني حسن، فبهت الذي كفر».

ثم استدل في الحدائق لحسم مادة الشبهة عند المشهور (علي زعمه) بقوله تعالي: يخرج من بين الصّلب و التّرائب فان الصلب من الرجل و الترائب

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 411.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 469

من المرأة، و قوله تعالي: انّا خلقناه من نطفة امشاج ففسّر الامشاج بنطفة مختلطة من نطفة الاب و نطفة الام، و بالاحاديث القائلة بانه ان سبقت نطفة الاب فكان الولد شبيها لأبيه، و ان سبقت نطفة الام فكان شبيها لأمّه فلا مجال لما زعمه لا مشهور. «1»

اقول: قد سبق ان قلنا ان الامر اشتبه علي صاحب الحدائق- رضوان اللّه عليه- فتوهم ان الموضوع في باب الخمس هو صدق الولد علي اولاد البنت و لكن عرفت ان الحق خلافه، فان للإنسان نسبتين:

الاولي: نسبته الي ابيه و امه و عليه فلا شك ان ولد البنت ولد حقيقة، و هذا هو موضوع البحث في ابواب المواريث و الاوقاف و النكاح.

الثانية: نسبته الي قومه نسبة اجتماعية و لا اشكال في ملاحظة الانتساب من طريق

الاب فيها دون الام، و الاضافة الملحوظة في اطلاق الهاشمي او بني هاشم علي شخص فانما هي الاضافة الاجتماعية من اجل التمييز بين القبائل و الانساب.

و قد قال المجلسي الاول- رحمه اللّه-: الاحتياط عدم اخذ المنتسب الي الام من الخمس و لا الزكاة.

لكن لا يخفي ان هذا خلاف الاحتياط جدّا اذ الخمس و الزكاة شرعا لإغناء الفقراء و رفع حوائجهم، فكيف يجوز منع كثير من الناس و هم المنتسبون الي هاشم من ناحية الام عن الخمس و الزكاة؟!

ثم هل يكون المستحق للخمس منحصرا في بني علي عليه السّلام و بني فاطمة او يشمل مطلق بني هاشم؟

قال في الجواهر: «الاجماع محصل و منقول عليه يعني علي استحقاق

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 411 و 410 و 401.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 470

مطلق بني هاشم علويا كانوا او عباسيا او عقيليا او غيرهم». «1»

و لا يخفي ان ولد هاشم منحصر في عبد المطلب و قد اختلف في عدد اولاده بين العشرة واحد عشر و اثني عشر، و قد بقي خمسة منهم و هم عبد اللّه و ابو طالب و عباس و حمزة و زبير، و اما عبد اللّه و ابو طالب فصار نسلهما نسلا واحدا لزواج علي عليه السّلام و فاطمة- عليها السلام- و اما ابناء عقيل بن ابي طالب فلم يعرف احد منهم، و اما حمزة و الزبير فلم يبق منهما نسل.

و قد استدل علي المجمع عليه بين الاصحاب اولا: باخبار كثيرة قد سبقت بعضها من جعل الحكم علي عنوان المطلبي و الهاشمي.

و ثانيا: بما رواه عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تحل الصدقة لولد عباس

و لا لنظرائهم من بني هاشم». «2»

و هذه الرواية صحيحة معمول بها بين الاصحاب، و قد ذكر عليه السّلام فيها بني عباس بالخصوص ثم عمّم الحكم لمطلق بني هاشم.

لكن هناك اخبار قد يستشم منها الخلاف، لترتب الحكم فيها علي عنوان بني فاطمة، و التعبير بان الخمس فينا خاصة.

و الحق انها في مقام بيان الفرد الجليّ لا اقتصار الخمس علي بني فاطمة- عليهم السلام- و لا شك في كون رواية عبد اللّه بن سنان و ما وافقها من الاخبار اقوي من هذه الروايات.

ثم ان السيادة امر معنوي ناشئ من وجود الرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم المبارك فانه صلي اللّه عليه و آله و سلم كان سيدا بذاته فسيادة الهاشم كان منه صلي اللّه عليه و آله و سلم لا بالعكس و هذه السيادة قد اثرت في ابنائه الي يوم القيامة، و اما سيادة عبد اللّه و عبد المطلب و هاشم فلقد كانت

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 104.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 29 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 471

من اثر نورانية وجوده صلي اللّه عليه و آله و سلم لكونهم حاملين لنوره صلي اللّه عليه و آله و سلم في صلبهم.

و اما ابو هاشم و ساير اجداده- رضوان اللّه عليهم- فلا يكفي الانتساب اليهم (لو ثبت) في سيادة الشخص، و ذلك لا لعدم تأثير نور وجوده صلي اللّه عليه و آله و سلم فيهم فانه ممتد الي آدم عليه السّلام بل لمحدودية الانتساب الاجتماعي فتدبر.

الثانية: قال المحقق اليزدي في العروة:

«و ينبغي تقديم الاتم علقة بالنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم علي

غيره او توفيره كالفاطميين»

و قد تبع في ذلك صاحب الجواهر و غيره- قدس اللّه اسرارهم- حيث صرح في بعض كلماته بعد نقل كلام الدروس» ينبغي توفير الطالبيين علي غيرهم و ولد فاطمة علي الباقين» ثم قال: «و لا بأس به خصوصا الثاني منه بل و لا بما في كشف الغطاء انه ليس بالبعيد تقديم الرضوي ثم الموسوي ثم الحسيني ثم الحسني و تقديم من كان علاقته بالأئمة- عليهم السلام- اكثر». «1»

و قد افتي في نجاة العباد أيضا بمثل ذلك و قال: «و ينبغي تقديم الاتم علقة بالنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم علي غيره او توفيره». «2»

و المراد من التوفير، جعل سهامهم ازيد من غيرهم في خصوص ما يحتاجون لا ازيد من مقدار الحاجة، كما ان المراد من التقديم اعطائهم و عدم اعطاء غيرهم اذا لم يكن المال بمقدار يرفع حاجة كليهما، هذا و لم يذكر دليلا علي هذا المعني و لعله لوضوحه فان المستحق و ان كان كل هاشمي، الا ان حفظ حرمة من كان علاقته اتم يكون حفظا لحرمة النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم.

هذا و لكن قد يكون هذا معارضا لجهة اخري توجب اولوية غيرهم، كما اذا كان غيرهم شديد الحاجة بخلافهم، او كان العلوي او الحسني اتقي

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 105.

(2)- نجاة العباد، الصفحة 19.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 472

و افضل و اشد علاقة بخدمة الإسلام من الرضوي او الموسوي او شبه ذلك.

الثالثة: بما ذا يثبت النسب؟

الظاهر ان طريق ثبوته كسائر الموضوعات، فلا بد من ان يثبت بالعلم او الشياع المفيد له او قول البينة لو قامت بينة في مثل المقام،

بل الظاهر كفاية الشياع و الاشتهار في بلده و ان لم يوجب ذلك علما، و ذلك لجريان السيرة عليه في باب الانساب بل ليس له طريق غالبا الا هذا، بحيث لو لم نقبل الشياع في بلده انسد طريق اثبات النسب في غالب الموارد، و ان شئت قلت:

مقدمات الانسداد الصغير قائمة هنا فلا بد من الاخذ بها و العمل علي وفقها، و لكن العدول الي كل ظن مشكل، لان نتيجة مقدمات الانسداد مهملة لا بد من الاخذ بالقدر المتيقن و هو الشياع في البلد.

و الحاصل: ان قيام السيرة من جانب، و امكان تحصيل مقدمات الانسداد الصغير من جانب آخر- لعدم امكان تعطيل احكام الانساب- يوجب التعويل علي مثل هذا الشياع.

و لعل هذا هو المراد مما ذكره الصدوق فيما رواه بعض الاعلام منه انه:

«يؤخذ بظاهر الحال في خمسة امور: الولايات و المناكح و الذبائح و الشهادات و الانساب» و الا ليس هنا طريق الي ظاهر الحال الا ما ذكر.

نعم الاخذ بزيّ السادة من العمامة السوداء او الخضراء في بلده الذي يعرفه الناس أيضا دليل علي اشتهاره بالنسب فيه، و الا لم يكن يقدر علي الاخذ بزيّهم كما هو واضح، و يمكن ان يكون كلام الصدوق اشارة اليه.

ثم انه هل يصدق مدعي النسب أم لا؟ قال في كشف الغطاء: انه يصدق مدعي النسب ان لم يكن متهما كمدعي الفقر» و خالفه في ذلك صاحب الجواهر و تبعه صاحب العروة و جماعة من المحشين و المستمسك و مستند العروة.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 473

و يدل علي ذلك- اي عدم تصديق المدعي- انه لم يقم دليل علي كفاية الادعاء في ذلك و مقتضي الاصل عدم براءة

الذمة بدفع الخمس اليه، فانه مال السادة و لا يجوز دفعه الي مشكوك الحال.

و قد يقال: ان مقتضي استصحاب العدم الازلي أيضا عدم الانتساب الي هاشم و لا يعارضه عدم الانتساب الي غيره أيضا، لان الاول له الاثر الشرعي و الثاني لا اثر له. «1»

ان قلت: اثره جواز اعطاء الزكاة له.

قلت: هذا من آثار عدم الانتساب الي هاشم لا من آثار انتسابه الي غيره فتأمل جيدا.

و العمدة انا ذكرنا في محله عدم حجية استصحاب العدم الازلي لعدم الحالة السابقة له في نظر العرف، فان زيدا مثلا قبل تولده لم يكن شيئا مذكورا حتي يقال بانه منتسب الي هاشم او ليس منتسبا اليه، و المنتفي بانتفاء الموضوع انما هو شي ء حاصل بالدقة العقلية الخارجة عن افهام العرف.

و ان شئت قلت: ان السالبة في الحالة السابقة هي السالبة بانتفاء الموضوع و في الثانية بانتفاء المحمول، فاتحاد القضيتين المعتبر في صحة الاستصحاب غير حاصل هنا.

اما قياس المسألة علي مسألة مدعي الفقر، فقياس مع الفارق لان مدعي الفقر مسبوق به لكون الفقر موافقا للأصل في كل انسان الا ما شذ، و لكن قد عرفت ان الاستصحاب غير جارية في مسألة الانتساب الي هاشم.

هذا مضافا الي ان تصديق مدعي الفقر أيضا محل اشكال، بل المتيقن منه

______________________________

(1)- و بما ان موضوع الاستصحاب يجب ان يكون حكما شرعيا او موضوعا ذا حكم شرعي و عدم الانتساب الي غير هاشم ليس منهما فلا يجوز استصحابه.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 474

هو قبول من يكون ظاهره الفقر و ان كان يكفي فيه الظن كما ذكرنا في محله في الزكاة.

هذا و قد يستند لجواز التصديق باصالة صحة دعوي المسلم فيما لا يعارضه

فيه احد كما جرت عليه سيرة العقلاء، فمن ادعي ان الكيس المطروح في الطريق ماله و قد اخذه بنفسه من الطريق، حكم له بالملكية و جرت عليها آثارها.

و قد ورد في الحديث ذلك أيضا، ففي مرسلة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت: عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه الف درهم، فسأل بعضهم بعضا الكم هذا الكيس؟

فقالوا كلهم: لا. و قال واحد منهم: هو لي فلمن هو؟ قال: للذي ادعاه». «1»

و بعض طرق الحديث خال عن الارسال.

و هكذا الروايات الكثيرة الدالة علي قبول قول المرأة في عدم كون الزوج لها (راجع الباب 23 و 24 من ابواب عقد النكاح الي غير ذلك) فجميع ذلك دليل علي قبول قول المدعي اذا لم يعارضه غيره.

و فيه: انه لا دخل لها بما نحن فيه، فان الكلام هنا في جواز دفع مال له مالك خاص الي من لا يعرفه، و اين هذا من اخذ المدعي المال الذي لا نعلم مالكه؟ و ما نحن فيه انما هو من قبيل ما اذا كان هناك مال من الموقوفة او من الارث، و ادعي واحد انه من الموقوف عليهم او من ابناء الميت، فلا اشكال و لا كلام في عدم جواز دفعه اليه بمجرد هذه الدعوي، و مسألة دعوي الخلو عن الزوج أيضا مسألة خاصة واردة في مورد خاص لا يتعدي منه الي غيره.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 18، الباب 17 من ابواب كيفية الحكم، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 475

بقي هنا شي ء: و هو انه قال في الجواهر انه يمكن الاحتيال في الدفع الي المجهول المدعي للنسب بان يوكله صاحب الخمس في دفع خمسه

الي مستحقه اذا فرض عدالته او قلنا بعدم اشتراطها فاخذه لنفسه، فانه يكفي ذلك في براءة ذمته فان المدار علي علم الوكيل لا الموكل لكنه لا يخلو عن تأمل. «1»

و تبعه المحقق اليزدي في العروة و قد خالفه كثير من المحشين.

اقول: الانصاف انه لا فائدة في هذا الاحتيال و لا جدوي تحته، و ذلك لان مقتضي وجوب اداء الامانات الي اهلها- و حق السادة في يد المالك بمنزلة الامانة- هو تحصيل العلم او الحجة الشرعية بوصولها الي مالكها، و مجرد التوكيل غير كاف في ذلك ما لم يعلم بذلك، فهل يكفي في اداء الديون او الامانات توكيل رجل غير موثوق به و يكتفي بادعائه في الايصال، و هل يكفي علم الوكيل او ادعائه العلم في ذلك، و هل تحصل البراءة بمجرد ذلك؟ لا اظن احدا يلتزم بذلك في ابواب الديون، و ما نحن فيه من قبيلها.

و لذا قلنا في باب الاستيجار للحج ان مجرد دعوي الاجير غير كاف في الحكم ببراءة ذمة الميت، بل لا بد من العلم او الوثوق.

نعم اذا كان ثقة امكن الاعتماد عليه نظرا الي ما هو المختار من حجية قول العدل الواحد او الثقة في الموضوعات (في غير ابواب الدعاوي) و لكن مثل هذا غير محتاج الي التوكيل، فالتوكيل لا يغني في المقام شيئا.

و مما ذكرنا ظهر ان ما رواه الصدوق من انه يؤخذ بظاهر الحال في خمسة امور الولايات و المناكح و الذبائح و الشهادات و الانساب (كما رواه مستند العروة) غير دال علي شي ء مما نحن فيه، لان الاخذ بظاهر الحال غير الأخذ

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 106.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 476

بمجرد الدعوي

كما هو ظاهر.

الرابعة: هل يجوز إعطاء الخمس لواجبي النفقة

اشارة

كما اذا كانت زوجته من بني هاشم فدفع نفقتها اليها محتسبا لها من الخمس الواجب عليه؟

المحكي عن شيخنا الانصاري- قدس سره-: الجزم بعدم جوازه، و مال اليه او افتي به في مستند العروة، و ذكره المحقق اليزدي في العروة بعنوان الاحتمال من دون جزم بالحكم، و لكن قواه- اي عدم الجواز- سيدنا الحكيم و غيره في بعض الحواشي و هو الاقوي كما ذكرناه في تعليقاتنا علي العروة.

و ذلك لما يظهر من بعض التعليلات الواردة في كتاب الزكاة الشامل للمقام، مثل ما ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الاب و الام و الولد و المملوك و المرأة و ذلك لأنهم عياله لازمون له». «1»

و في الحقيقة هذا تعليل بامر عقلي لا امر تعبدي فان الخمس او الزكاة واجب مالي تصرف في مصارفه، و اما ما يصرف في مصارف الانسان نفسه فلا ربط له بمسألة الخمس او الزكاة، و من الواضح ان مصارف واجب النفقة مصارف شخصه فانهم لازمون له كما في الحديث.

و ان شئت قلت: ان ايجاب الخمس امر وراء الواجبات الاخري فلا يتداخل معه، بناء علي ان الاصل عدم تداخل الاسباب لظهور كل سبب في مطالبة مسبب خاص به، و لذا لو نذر انفاق شي ء في سبيل اللّه اذا قضي اللّه حاجته، لا يكفيه الانفاق علي واجب النفقة بلا اشكال، و مثل هذا التعليل ما ورد في مرفوعة عبد اللّه بن الصلت عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة الولد و الوالدان و المرأة و المملوك، لأنه يجبر علي النفقة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة،

المجلد 6، الباب 13 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 477

عليهم». «1»

يعني هذا امر واجب آخر لو تخلف عنه يجبر عليه فكيف يكفي عن الزكاة، و من الواضح ان هذا التعليل بعينه جار في الخمس أيضا.

و يؤيده حرمة ذلك في باب الزكاة بالإجماع بل كونها امرا مفروغا عنه عند اصحاب الائمة- عليهم السلام- و لذا سأل اسحاق بن عمار عن ابي الحسن موسي عليه السّلام و قال: «من ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتي لا احتسب الزكاة عليهم؟ فقال: ابوك و امك الحديث». «2»

فقد سأله عن بعض مصاديق واجب النفقة و كان اصل حكم تحريم الزكاة عليهم معلوما عنده مفروغا عنه، و حيث ان الخمس بدل عن الزكاة يكون شبيها له في الاحكام غالبا (و هذا يؤيد لا دليل كما عرفت سابقا).

نعم يجوز الإنفاق عليهم من الخمس أو الزكاة لأمور:

1- لما يحتاجون اليه مما لا يكون من النفقة الواجبة كنفقة من يعولون، فان نفقة زوجة الابن غير واجبة علي الاب و لو كان فقيرا، و انما يجب عليه نفقة نفسه.

2- للتوسعة عليهم فيما لا يجب من باب النفقة مثل اشتراء الكتب التي يحتاج اليه ولده كما اذا كان من اهل العلم، او الانفاق عليه لسفر الحج و مثله.

3- اذا لم يقدر الاب علي تحصيل نفقتهم و كانوا فقراء، فانه يجوز الانفاق عليهم من باب الخمس او الزكاة لما ذكرناه في ابواب الزكاة فانه يجري دليله هنا أيضا كما لا يخفي علي الخبير.

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 4.

(2)- نفس المصدر، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 478

الخامسة: هل يجوز دفع أكثر من مئونة سنة واحدة لمستحق

سواء كان تدريجا او دفعة واحدة؟

قال المحقق النراقي في المستند: «ظاهر الاكثر انه لا يعطي فقير من الخمس ازيد من كفاية مؤنة السنة علي وجه الاقتصاد و لو دفعة واحدة، ثم قال و الحق ان حكم نصف الاصناف (سهم السادة) حكم الزكاة و يجوز اعطاء الزائد من المئونة دفعة واحدة اي قبل خروجه عن الفقر لإطلاق الادلة، و اما نصف الامام عليه السّلام فلا يجوز اعطاء الزائد عن مؤنة السنة علي وجه الاقتصاد قطعا لأنه القدر المتيقن اذنا فيه بل يعلم عدم رضاه بغير ذلك مع وجود المحتاج غيره بل يشكل اعطاء قدر مؤنة السنة كاملة لواحد مع وجود محتاج بالفعل». «1»

و قال في الجواهر ما حاصله: «الاقوي في النظر وفاقا للدروس و المسالك و غير هما بل لا اجد فيه خلافا انه لا يجوز اعطاء الفقير من الذرية زائدا عن مؤنة السنة و ان كان دفعة». «2»

و اختاره بعض الاساتذة الكرام في مستند العروة،

و لكن احتاط المحقق اليزدي فيها بعدم الجواز من دون الفتوي به.

و لكن الانصاف عدم الجواز هنا و كذا في ابواب الزكاة و ان كان الحكم مشهورا بينهم هناك او ادعي الاجماع عليه، و يدل علي هذا امور:

الاول: لا اشكال في ان الضرائب و الماليات كانت بين العقلاء من اهل العرف قبل الإسلام، و كانت سنوية كما هو اليوم كذلك، فكل حكومة لها نظام سنوي بحسب الخراجات و الضرائب تحسب فيه مداخلها و مصارفها

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 91.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 112.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 479

في كل سنة، فكما ان الماليات سنوية، مصارفها أيضا كذلك، و قد جاء الشرع القويم و اتي بضرائب خاصة مشتملة علي مصالح الامة و رفض الخرائج الظالمة، و لكن امضي طريقة السنوية فيها غالبا كما في زكاة النقدين و الانعام الثلاثة، بل زكاة الغلات أيضا سنوية غالبا، و هكذا خمس ارباح المكاسب و الخراج.

و من الواضح ان هذه الضرائب كما تكون سنوية فكذلك مصارفها تكون بحسب السنة، كما ان مدار الفقر و الغني أيضا بتملك ما يحتاج اليه في السنة و عدمه، فعلي هذا لا يجوز دفع اكثر من مؤنة السنة لا هنا و لا في الزكاة و ان ادعي الاجماع عليه هناك.

الثاني: مع قطع النظر عما ذكرنا الادلة قاصرة عن اثبات الازيد من مؤنة السنة، اما تدريجا فواضح لأنه بعد ما صار غنيا بدفع مؤنة السنة يخرج عن عناوين المستحقين للخمس و يدخل تحت عنوان الغني، و اما دفعة فلان اطلاقات جواز دفع الخمس الي الفقير من بني هاشم و الزكاة الي فقراء الناس منصرفة الي ما يدفع به فقرهم

لا ازيد، فان هذا هو العلة لتشريع الخمس و الزكاة فاعطاء الازيد مشكل جدا، لا سيما انه ليس للأزيد في كلماتهم فيما رأيناه حد فيجوز اعطاء جميع الاخماس او زكوات بلد واحد لفقير واحد و ان صار به اغني اغنياء البلد، و من الواضح ان الالتزام به غير ممكن لمن كان له المام بمدارك الحكم و مصادر تشريع الخمس و الزكاة.

الثالث: ما افاده في مستند العروة من ان العبرة في الغني و الفقر انما هي بملاحظة حال الاعطاء لا قبله و لا بعده، فلو اعطاه زائدا علي حد الغني (اي مصارف السنة) كان دفع الزائد الي الغني فهو غير جائز. و ان شئت قلت:

لا يجوز اعطاء الخمس لغني في حال اعطائه، و المفروض انه باعطاء مؤنة السنة يصير غنيا فاعطاء الزائد في تلك الحالة يكون اعطاء للغني و هو غير

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 480

جائز، هذا ملخص كلامه «1» و هو جيد.

ان قلت: ظاهر الادلة تحقق موضوع الفقر و الغني قبل ذلك.

قلت: دعوي الظهور ممنوعة في جميع الموارد، و لو فرض صحتها في غير المقام فهي غير صحيحة في محل الكلام لمناسبة الحكم و الموضوع كما لا يخفي.

و الاصحاب القائلون بالجواز في مسألة الزكاة لم يقيموا عليه ما تطمئن به النفس- كما ذكر في محله- فالاقوي عدم الجواز في المقامين، بل لا يبعد عدم جواز اعطاء مؤنة السنة أيضا في بعض المقامات اذا كان بنو هاشم في عسرة شديدة، و يكون تخصيص بعضهم بمئونة السنة موجبا لحرمان الباقين و وقوعهم في حرج شديد.

السادسة: في حكم الخمس في زمن الغيبة بالنسبة إلي سهم السادة و سهم الإمام عليه السّلام

اشارة

و هذه المسألة معركة للآراء، و قد وقع فيه اضطراب شديد في كلماتهم و ان كان اكثر العلماء

كما نسب اليهم علي تولي نائب الغيبة عنه عليه السّلام في سهمه او في جميع السهام سهم الاصناف الثلاثة و سهمه عليه السّلام.

و اللازم نقل الاقوال في المسألة ثم الرجوع الي الادلة، و ان كان كثير من هذه الاقوال واضح الضعف بل بعضها غير قابلة للذكر، و لكن نذكرها دفعا لما وقع في بعض النفوس من الشك في هذه المسألة فيقول و منه جل ثنائه التوفيق و الهداية: ذكر المحقق في الشرائع فيه اقوالا خمسة و لكن صاحب الحدائق انها الي اربعة عشر قولا «2» نذكرها ملخصا مع تقديم و تأخير كثير فيها، لرعاية الاهم فالاهم و لجهات اخري، و ستعلم ان بعض هذه

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 324.

(2)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 444 الي 437.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 481

الاقوال ليس من اقوال المسألة حقيقة.

1- انه يسقط في زمن الغيبة و يباح للشيعة، حكاه في المختلف عن سلار و حكاه في الحدائق عن صاحب الذخيرة المحقق السبزواري ثم قال، و هذا القول مشهور الان بين جملة من المعاصرين.

2- حصة الاصناف الثلاثة تؤدي اليهم و اما حصة الامام عليه السّلام تقسم علي الهاشميين أيضا توفيرا لهم (ذكره المحقق في الشرائع بعد ذكر الاقوال السابقة و جعله الاشبه) و قال في الحدائق هو المشهور بين المتأخرين كما نقله شيخنا الشهيد الثاني في الروضة.

3- يصرف النصف الي الاصناف و اما الباقي فيصرف اليهم أيضا، و مع عدم حاجة الأصناف يباح للشيعة و هو مختار الشيخ الحر العاملي في الوسائل.

4- يصرف النصف الي الأصناف الثلاثة وجوبا او استحبابا و يحفظ نصيب الامام الي حين ظهوره، و لو صرفه العلماء الي من يقصر

حاصله من الاصناف كان جائزا و هو اختيار الشهيد في البيان.

5- عزله و الوصية به من ثقة الي اخر الي وقت ظهوره عليه السّلام ذهب اليه المفيد في المقنعة.

6- يدفع النصف الي الاصناف، و اما حقه فيجب حفظه كما عن ابي الصلاح و ابن البراج و ابن ادريس و اختاره العلامة في المختلف.

7- حصة الاصناف تصرف اليهم و حصته عليه السّلام تسقط لإباحتها، و هو ظاهر المدارك و المحدث الكاشاني.

8- حصة الاصناف تصرف اليهم و حصته عليه السّلام لمواليه العارفين كما عن ابن حمزة.

9- يدفن جميعها حكاه شيخنا المفيد في بعض كلماته و لم يسم قائله.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 482

10- يدفع النصف الي الأصناف، و اما حقه يودعها من ثقة الي ثقة او يدفن و هو مذهب الشيخ في النهاية.

11- حصة الاصناف تصرف اليهم، و اما حصة الامام يتخير فيها بين الدفن و الوصية بها و صلة الاصناف اختاره الشهيد في الدروس.

12- خمس الارباح مباح للشيعة فانه باجمعه للإمام عليه السّلام دون ساير الاصناف، و اما سائر ما فيه الخمس فهو مشترك بينه عليه السّلام و بين الاصناف، اختاره صاحب المعالم في المنتقي (و لكن لم يبين فيما حكي عن كلامه حال غير الارباح و انه كيف يصرف).

13- قصر اخبار التحليل علي جواز التصرف في المال الذي فيه الخمس قبل اخراج الخمس منه بان يضمن في ذمته، و هو مختار المجلسي- قدس سره-.

و من الواضح انه ليس قولا في المسألة بل هو توجيه لروايات التحليل.

14- لا يباح شي ء بالكلية حتي من المناكح و المساكن و المتاجر التي جمهور الاصحاب علي اباحتها، و هو مذهب ابن الجنيد.

و غير خفي ان هذا

أيضا ليس قولا في المسألة، بل هو قول بالخلاف في مسألة اخري و هي مسألة تحليل المناكح و المساكن و المتاجر و سيأتي الكلام فيها ان شاء اللّه.

فالاقوال في الواقع اثنا عشر قولا و ان كان قد يحكي اقوال اخري أيضا في المسألة عن بعض آخر.

15- و يظهر من بعض كلمات المحقق الهمداني في مصباح الفقيه قول آخر و هو صرف حصة الاصناف اليهم و التصدق بمال الامام عليه السّلام نظرا الي جواز التصدق بحال الغائب الذي تعذر ايصاله اليه و عدم انحصار هذا الحكم لمجهول المالك، و لكن ذكر في آخر كلامه في المقام: «الانصاف ان القول بجواز صرفه الي الفقراء مطلقا بل و كذا الي سائر المصارف التي يحصل بها

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 483

تشييد الدين و اعلاء كلمة الحق ممّا يكون القيام به من وظائف الامام عليه السّلام لا يخلو عن قوة». «1»

16- لكن هنا قول آخر و هو المشهور بين اعاظم المتأخرين و المعاصرين و هو الاقوي في النظر و الموافق للأدلة- كما سيأتي- و هو القول بصرف سهم الاصناف اليهم، و صرف سهم الامام عليه السّلام فيما يحرز رضاه به اي فيما كان يصرفه حال ظهوره فيه مما يرجع الي تقوية الإسلام و المسلمين و تشييد الحوزات العليمة، و مما يرتبط بامر تبليغ الإسلام و امر اهل البيت في جميع اقطار الارض، و بناء المساجد و المدارس و المكتبات و غيرها في موارد ليس لها باذل خير و متبرع يتبرع به، و حفظ ضعفاء الشيعة في دينهم من شر الاعداء و في دنياهم من الفقر و شبهها، بل و في امور الخير مما يوجب حسن سمعة

الإسلام و الدين، و يدل علي كون احكامه في جانب حفظ المستضعفين من الناس الي غير ذلك مما هو وظيفة الامام عليه السّلام و رئيس الحكومة الاسلامية، و قد كانوا يصرفون اموالهم في حياتهم- عليهم السلام- في هذه السبل كما لا يخفي، فهذا يحرز به رضاهم في صرف هذه الاموال.

*** اذا عرفت ذلك فلنرجع الي ادلة المسألة، و العمدة في اختلاف الاقوال الروايات الواردة في باب تحليل الخمس و ما يفهم منها و من القرائن الاخري، و قد اوردها صاحب الوسائل (رحمة اللّه عليه) في الباب 4 من ابواب الانفال و هي 22 رواية، واحد منها و هي ما رواه عيسي بن المستفاد «2»

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 160.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 21.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 484

لا تدل علي امر التحليل بل هي علي خلاف المطلوب ادل، فقد صرح فيها بوجوب دفع الخمس الي اهله مهما امكن و لو بمقدار يسير، فلا دلالة لها علي المقصود بل تدل علي الخلاف.

و كذا لا دلالة علي ما رواه معاذ بن كثير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «1» فيبقي عشرون رواية و هي علي طوائف:

[الروايات الواردة في أدلة المسألة]
الطائفة الأولي: ما يدل علي إباحتهم عليهم السلام الخمس لشيعتهم،

و هي بظاهرها في بدو النظر مع قطع النظر عن ساير الادلة تساعد القول بالاباحة مطلقا لا في زمن الغيبة بل و في زمن ظهورهم- عليهم السلام- مما لا يقول به القائلون بالاباحه ظاهرا و هي:

1- ما رواه حكيم مؤذن بني عيس عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له:

و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فانّ للّه خمسه و للرّسول. قال: هي و اللّه الافادة يوما بيوم الّا ان ابي

جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا». «2»

و قوله «ليزكوا» و ان كان يحتمل ان يكون اشارة الي زكاة النطفة فيكون اشارة الي تحليل المناكح فقط و لكن ظاهره عام يشمل هذا و غيره.

2- ما رواه اسحاق بن يعقوب فيما ورد عليه من التوقيع بخط صاحب الزمان- ارواحنا فداه- الي ان قال عليه السّلام: «و اما الخمس فقد ابيح لشيعتنا و جعلوا منها في حلّ الي ان يظهر امرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث». «3»

و قوله «لتطيب ولادتهم» قد يوهم التخصيص في اطلاق الخمس المذكور في الرواية فيكون ناظرا الي خصوص تحليل المناكح، و العمدة

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 11.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 8.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 16.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 485

ان الروايه وردت في جواب أسئلة اسحاق بن يعقوب و لا نعلم ان سؤاله ما ذا حتي يكون الجواب ناظرا اليه، و مع الاسف لم يصل إلينا اسئلته و هذا من المشاكل في هذه الرواية الباهرة.

3- ما رواه الحارث بن المغيرة قال: «دخلت علي ابي جعفر عليه السّلام الي ان قال: ان لنا الخمس في كتاب اللّه و لنا الانفال الي ان قال: اللهم انا قد احللنا ذلك لشيعتنا». «1»

4- ما رواه ابن حمزة عن ابي جعفر الباقر عليه السّلام في حديث قال: «فنحن اصحاب الخمس و الفي ء و قد حرمناه علي جميع الناس ما خلا شيعتنا». «2»

5- ما عن تفسير الامام الحسن العسكري عليه السّلام عن آبائه عن امير المؤمنين عليه السّلام انه قال لرسول اللّه «قد علمت يا رسول اللّه انه سيكون بعدك ملك

عضوض و جبر فيستولي علي خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه فلا يحل لمشتريه لان نصيبي فيه فقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحل لهم منافعهم من مأكل و مشرب و لتطيب مواليدهم و لا يكون اولادهم اولاد حرام. قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: ما تصدّق احد افضل من صدقتك و قد تبعك رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم في فعلك احلّ للشيعة كل ما كان فيه من غنيمة و بيع من نصيبه علي واحد من شيعتي و لا احلّها انا و لا انت لغيرهم». «3»

و ظاهر الرواية ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم و امير المؤمنين عليه السّلام هما اللذان احلا الخمس للشيعة و مع هذا التحليل كيف يحتاج الي تحليل غيرهما من الائمة الهادين- عليهم السلام- أ ليس هذا دليلا علي ان التحليل كان مقطعيا

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 14.

(2)- نفس المصدر، الحديث 19.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 20.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 486

محدودا بزمن خاص و هو زمنهم فليكن هذا علي ذكر منك.

هذا مضافا الي ان التعبير بطيب الولادة قد يشعر بانحصار التحليل بالمناكح فتدبر.

6- ما رواه العياشي في تفسيره عن فيض بن ابي شيبة عن رجل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان اشد ما فيه الناس يوم القيامة اذا قام صاحب الخمس فقال: يا رب خمسي و ان شيعتنا من ذلك في حل». «1»

و يحتمل اتحاد هذه الرواية مع ما سيأتي من رواية محمد بن مسلم «2» فتكون ناظرة الي حلية

المناكح فقط.

*** الطائفة الثانية: ما يدل علي تحليلهم- عليهم السلام- لحقهم مطلقا

الشامل للخمس و غيره من الحقوق من الانفال و شبهها و هي أيضا روايات:

7- ما رواه ابو بصير و محمد بن مسلم و زرارة كلهم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «قال امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنهم لم يودوا إلينا حقنا الّا و ان شيعتنا من ذلك و آبائهم في حلّ». «3»

و لكن لم يذكر فيه الا ما يرتبط بالبطون و الفروج فتأمل.

8- ما رواه علي بن مهزيار قال: «قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السّلام من رجل يسأله ان يجعله في حلّ من مأكله و مشربه من الخمس. فكتب

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 22.

(2)- نفس المصدر، الحديث 5.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 487

بخطه: من اعوزه شي ء من حقي فهو في حلّ». «1»

و لكن ورد فيه التعبير بالاعواز بمعني النقصان، و لعله ناظر الي موارد التعسر و الضيق فلا يدل علي العموم.

9- ما رواه داود بن كثير الرقي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول:

الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا الّا انا احللنا شيعتنا من ذلك». «2»

10- و ما رواه الحارث بن المغيرة النضري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«قلت له: ان لنا اموالا من غلات و تجارات و نحو ذلك و قد علمت ان لك فيها حقا؟ قال: فلم احللنا اذا لشيعتنا الّا لتطيب ولادتهم و كل من والي آبائي فهو في حل مما في ايديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب». «3»

صدر الحديث خاص و لكن ذيله عام كما لا يخفي.

*** الطائفة الثالثة: ما دل علي تحليل المناكح

، و هي ناظرة الي

مورد خاص قد اشتهر استثنائه عن الخمس بين الفقهاء حتي ادعي عليه الاجماع، و يمكن ان تكون شاهدة علي الجمع بين المتعارضات كما سنشير اليه مبسوطا ان شاء اللّه.

و هي أيضا روايات:

11- ما رواه ضريس الكناسي قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: «أ تدري من اين دخل علي الناس الزنا؟ فقلت: لا ادري. فقال: من قبل خمسنا اهل البيت الّا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 2.

(2)- نفس المصدر، الحديث 7.

(3)- نفس المصدر، الحديث 9.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 488

لشيعتنا الاطيبين فانه محلل لهم و لميلادهم». «1»

و التعبير فيه بالزنا لعله بملاحظة حكمه الواقعي و ان كان في الظاهر محكوما بالحلية بمناسبة كون الوطء عن شبهة فتدبر.

12- ما رواه سالم بن مكرم و هو ابو خديجة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«قال رجل و انا حاضر: حلل لي الفروج ففزع ابو عبد اللّه عليه السّلام فقال له رجل:

ليس يسألك ان يعترض الطريق انما يسألك خادما يشتريها او امرأة يتزوجها او ميراثا يصيبه او تجارة او شيئا اعطيه، فقال: هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم و الغائب و الميت منهم و الحيّ و ما يولد منهم الي يوم القيامة فهو لهم حلال اما و اللّه لا يحل الا لمن احللنا له و لا و اللّه ما اعطينا احدا ذمة و ما عندنا لأحد عهد (هوادة) و لا لأحد عندنا ميثاق». «2»

13- ما رواه محمد بن مسلم عن احدهما- عليهما السلام- قال: «ان اشدّ ما فيه الناس يوم القيامة ان يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ خمسي و قد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم و لتزكو اولادهم». «3»

14-

ما رواه الفضيل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد اللّه علي اول النعم. قال قلت: جعلت فداك ما اول النعم؟ قال:

طيب الولادة. ثم قال ابو عبد اللّه عليه السّلام قال امير المؤمنين عليه السّلام لفاطمة- عليها السلام-: احلّي نصيبك من الفي ء لآباء شيعتنا ليطيبوا. ثم قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: انا احللنا امهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا». «4»

15- ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام انه قال: «ان امير المؤمنين عليه السّلام

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 3.

(2)- نفس المصدر، الحديث 4.

(3)- نفس المصدر، الحديث 5.

(4)- نفس المصدر، الحديث 10.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 489

حللهم من الخمس يعني الشيعة ليطيب مولدهم». «1»

و هو من قبيل ما تكون العلة فيه مخصصة.

16- ما رواه عبد العزيز بن نافع عن الصادق عليه السّلام و هو حديث طويل يدل علي ان بعض اصحابهم ممن كان ابوه سباهم بنو امية استحل منه من جهة حقهم، فقال له عليه السّلام: «انت في حل مما كان من ذلك و كل من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حل من ذلك». «2»

اقول: لا نعلم لما ذا كان بعض اصحابه عليه السّلام يستأذنونه بعد هذا الاذن العام، و لما ذا كانوا مصرين علي التصريح باسم كل واحد منهم بعد هذا العموم، و يظهر من هذا الخبر أيضا ان اذنه يؤثر فيما سبق و يؤيد مذهب الكشف في باب الفضولي، و يكون اذنه عليه السّلام موجبا لصحة نكاح الآباء و الامهات (مع كونهم عبيدا و اماء) من اول امرهم، و الا علي مبني النقل اذا انعقدت النطفة حراما لا تنقلب مما هي

عليه.

هذا و ذكر الآباء فيه- مع ان الامهات اللاتي كن ارقاء اجدر بالذكر- لعله من جهة ان آبائهم اذا كانوا سبايا و قد تزوجوا في تلك الحالة باذنهم (مع عدم حق لهم في الاذن) او باعوهم او اعتقوهم و بعد ذلك تزوجوا، و قد كان عتقهم بغير اذن الامام المعصوم عليه السّلام باطلا فهذا كله كان سببا لبطلان نكاحهم، فدخل هؤلاء الابناء الوحشة من ناحية عدم طيب المولد و خافوا ان يكونوا اولاد زنا، فاجاز لهم الائمة الهادين من هذه الجهة بما تطمئن به نفوسهم بطيب الولادة.

***

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، ج 6، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 15.

(2)- نفس المصدر، الحديث 18.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 490

الطائفة الرابعة: ما يدل علي تحليلهم الخمس في زمن خاص

و مقطع معين لما كانت الشيعة و الموالين لأهلبيت- عليهم السلام- في ضعف شديد و عسر اكيد، و من هذا الباب:

17- ما رواه محمد بن سنان عن يونس بن يعقوب قال: «كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في ايدينا الاموال و الارباح و تجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون. فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: «ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم». «1»

و هذه الرواية من ابلغ ما يدل علي ان عفوهم كان لمشاكل خاصة في ذاك الزمان بحيث لو لم تكن تلك المشاكل لما كان هناك سبب للعفو.

*** الطائفة الخامسة: ما يدل علي تحليل الأنفال للشيعة

و موالي اهل البيت- عليهم السلام- الي ان يقوم القائم المهدي- ارواحنا فداه- و في الحقيقة هذه الطائفة خارجة عن مبحث الاخماس و ناظرة الي مبحث الانفال، و لكن نتعرض لها لاستيفاء جميع روايات هذا الباب و هي أيضا روايات:

18- ما رواه ابو سيار مسمع بن عبد الملك في حديث قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اني كنت وليت الغوص فاصبت أربعمائة الف درهم و قد جئت بخمسها ثمانين الف درهم و كرهت ان احبسها عنك و اعرض لها و هي حقك الذي جعل اللّه تعالي لك في اموالنا فقال: و ما لنا من الارض و ما اخرج اللّه منها الّا الخمس، يا ابا سيار الارض كلها لنا فما اخرج اللّه منها من شي ء فهو لنا. قال: قلت له: انا احمل إليك المال كله فقال لي: يا ابا سيار قد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 6.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 491

طيبناه لك

و حللناك منه فضم إليك مالك و كل ما كان في ايدي شيعتنا من الارض فهم فيه محللون و محلل لهم ذلك الي ان يقوم قائمنا فيجيبهم طسق ما كان في ايدي سواهم فان كسبهم من الارض حرام عليهم حتي يقوم قائمنا فيأخذ الارض من ايديهم و يخرجهم منها صغرة». «1»

و صدر هذه الرواية و ان كان ظاهرا في تحليل الخمس لكن آخرها يشهد بان جميع ما استفاده ابو سيار من المنافع كان ملكا للإمام عليه السّلام، اما ملكا تشريعيا معروفا (و هذا انما يتم في الانفال) او ملكا تشريعيا في طول ملك الناس بحيث لا ينافي كون المال ملكا للناس يبيعونه و يشترونه باذن المولي كما ان العالم كله ملك للّه تكوينا و تشريعا قبل ان يكون ملكا لهم- عليهم السلام- فهم قد اخذوا ملكهم عن اللّه تعالي شأنه.

و علي كل حال ذيل الرواية دليل علي خروجها عن مبحث الاخماس و دخولها في مبحث الانفال، او ما هو فوقها اعني ملكية جميع الارض لهم باذن اللّه تبارك و تعالي لأنه مالك الملوك.

19- ما رواه عمر بن يزيد قال: «سمعت رجلا من اهل الجبل يسأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اخذ ارضا مواتا تركها اهلها فعمرها و كري انهارها و بني فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا؟ قال فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: كان امير المؤمنين عليه السّلام يقول: من أحيا ارضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤديه الي الامام في حال الهدنة فاذا ظهر القائم فليوطن نفسه علي ان تؤخذ منه». «2»

20- ما رواه يونس بن ظبيان و المعلي بن خنيس عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1)-

وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 12.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 13.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 492

و محصلها ان جميع الارض لهم و ان ما كان لهم فهو لشيعتهم. «1»

و الكلام فيه هو الكلام في رواية مسمع بن عبد الملك. و علي كل حال الطائفة الاخيرة خارجة عن نطاق البحث.

*** و الذي يتحصل من مجموع الطوائف الثلاث تحليلهم- عليهم السلام- الخمس لشيعتهم، اما في خصوص المناكح او مطلقا او في خصوص حقهم اعني سهم الامام عليه السّلام بناء علي عدم شمول عنوان الحق لسهم السادة، و علي كل حال لا تختص بزمن الغيبة فقط بل تشتمل اعصار الحضور أيضا بل من زمن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم و امير المؤمنين عليه السّلام و فاطمة- سلام اللّه عليها- و لازمها سقوط الخمس بالمرة في جميع الاعصار، و حينئذ تكون مع قطع النظر عن الاخبار المعارضة الآتية غير حجة في نفسها، لأنها تكون معرضا عنها للأصحاب بل مخالفا للإجماع لان سقوط الخمس في جميع الاعصار مما لم يقل به احد هذا اولا.

اما ثانيا: فلازمه حرمان بني هاشم عن الزكاة و الخمس جميعا، و هذا مما لا يمكن الالتزام به، و تخصيص التحليل بسهم الامام عليه السّلام لا شاهد له، مخالف لإطلاقها او صريحها، لان طيب الولادة لا يحصل بمجرد تحليل نصف الاخماس بل اللازم تحليل جميعها، و اشتمال بعضها علي مجرد الحق لا يمنع عن عموم الباقي، مضافا الي ان الخمس بجميع سهامه تحت ولايتهم و لذا ورد تحليل الجميع في غير واحد منها في خصوص المناكح او اعم

منها كما عرفت.

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 17.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 493

و ثالثا: تحليل الخمس حتي بالنسبة الي سهم الامام عليه السّلام أيضا مناف لحكمة تشريعه، لما قد عرفت ان حق الامام ثابت له بماله من المنصب و بماله من الولاية علي الخلق اجمعين و هذا المنصب له مصارف كثيرة لا تخفي علي احد، و الخمس عون لهم علي دينهم و علي عيالهم و علي مواليهم و سبب لحفظ اعراضهم (كما ورد في رواية محمد بن زيد الطبري عن الرضا عليه السّلام. «1»

حتي انه في عصر الغيبه و ان كان هو عليه السّلام غائبا و لكن وظائفه باقية علي ايدي نوابه، و هل يمكن تعطيل الدين او تعطيل امر بني هاشم و غيرهم من فقراء الشيعة، او ما يتعلق بنشر آثار اهل البيت في العالم و حفظ الشباب في مقابل تيارات دعايات الكفر و الضلال، و حفظ طلاب العلم الذين يبذلون انفسهم في طريق حفظ آثارهم- عليهم السلام- و نشرها في شيعتهم و في اقطار العالم؟

فكيف يمكن تعطيل الخمس مع ان مصارفه باقية قائمة علي قدميها، و من المعلوم ان ما كانوا ينفقون منها علي انفسهم شخصيا كان قليلا جدا في مقابل ما يتعلق باموال المسلمين من هذه الحقوق، و في الحقيقة امر الامام عليه السّلام في عصر الغيبة كأمر زعيم قوم يسافر من بينهم وحده الي سفر طويل و تبقي عائلته و من هو تحت نفقته، فهل يمكن تعطيل جميع اموره و ترك الانفاق علي عائلته من حقوقه استنادا الي انه قد سافر مع ان و كلائه موجودون حاضرون و حقوقه و امواله أيضا موجودة، و هل يعقل المعاملة مع

امواله معاملة مجهول المالك، او من غاب عن ملكه، او يدفن تحت الارض، او يعطي الي ثقة و منه الي ثقة اخري و تبقي عائلته مشردين محرومين، و اموره معطلة و وكلائه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب الانفال، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 494

صفر الايدي؟ كلّا ان جميع ذلك مما يقطع ببطلانه.

و ان شئت قلت: ان لم تكن حكمة في تشريع هذا الحكم كان الواجب عدم تشريعه من اول الامر، و ان كان فيه حكمة (كما انه كذلك) و الحكمة باقية لا معني لتحليله مطلقا.

نعم يمكن تحليلها موقتا و في بعض الاوقات لمقاصد خاصة لا غير.

فاذا لم يمكن العمل بهذه الروايات لمنافاتها للإجماع و حكم العقل و حكمة التشريع علي ظاهرها، فلا بد من حملها علي احد امرين:

1- حملها علي خصوص تحليل المناكح و شبهها من المتاجر و المساكن (كما سيأتي الكلام فيها ان شاء اللّه).

2- حملها علي تحليل مالكي خاص في بعض الازمنة او الامكنة، او بالنسبة الي اشخاص معلومين لا تحليل تشريعي عام، و قد عرفت ان في غير واحد منها شاهدا عليه: «منها» ما عرفت في ما رواه يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السّلام حيث قال: «ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم». «1»

و ليس ناظرا الي التقية بل الي كون الشيعة في عسر شديد.

و هكذا قوله: «من اعوزه شي ء من حقي فهو في حل» الوارد في ما رواه علي بن مهزيار في رواية صحيحة عن ابي جعفر عليه السّلام «2» فان الاعواز دليل علي عدم التحليل مطلقا، و حينئذ تقيد جميع اطلاقات الباب بمفهوم هذه الصحيحة و يقال ان التحليل في مورد الاعواز

و النقصان فقط لا مطلقا.

***

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 6.

(2)- نفس المصدر، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 495

الروايات المعارضة
اشارة

هذا و قد تعارض تلك الروايات بروايات عديدة اكثر منها عددا و اوضح منها سندا و اصرح منها دلالة، و هي أيضا طوائف:

الطائفة الأولي: ما دل علي نصب الوكلاء و أخذ الخمس عن أصحابهم

او التصريح بعدم تحليلهم اياه، و العجب ان روايات التحليل اكثرها من الائمة المتقدمين و روايات اخذ الخمس من الائمة المتأخرين- صلوات اللّه عليهم اجمعين-.

1- منها ما رواه محمد بن زيد الطبري قال: «كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي ابي الحسن الرضا عليه السّلام يسأله الاذن في الخمس؟ فكتب اليه:

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ان اللّه واسع كريم ضمن علي العمل الثواب و علي الضيق الهمّ لا يحل مال الّا من وجه احلّه اللّه ان الخمس عوننا علي ديننا و علي عيالنا و علي موالينا (اموالنا) و ما نبذ له و نشتري من اعراضنا ممن نخاف سطوته فلا تزووه عنا و لا تحرموا انفسكم دعانا ما قدرتم عليه فان اخراجه مفتاح رزقكم و تمحيص ذنوبكم و ما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم و المسلم من يفي للّه بما عهد اليه و ليس المسلم من اجاب باللسان و خالف بالقلب و السلام». «1»

2- و ما رواه محمد بن زيد قال: «قدم قوم من خراسان علي ابي الحسن الرضا عليه السّلام فسألوه ان يجعلهم في حلّ من الخمس. فقال: ما امحل هذا تمحضونا المودة بألسنتكم و تزوون عنا حقا جعله اللّه لنا و جعلنا له و هو الخمس لا نجعل لأحد منكم في حلّ». «2»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب الانفال، الحديث 2.

(2)- نفس المصدر، الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 496

3- ما رواه ابان عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سمعته يقول: من اشتري شيئا من

الخمس لم يعذره اللّه اشتري ما لا يحلّ له». «1»

4- ما رواه في الخرائج عن صاحب الزمان عليه السّلام انه رآه و تحته عليه السّلام بغلة شهباء و هو متعمم بعمامة خضراء يري منه سواد عينيه و في رجله خفان حمراوان فقال: «يا حسين كم ترزا علي الناحية و لم تمنع اصحابي عن خمس مالك. ثم قال: اذا مضيت الي الموضع الذي تريده تدخله عفوا و كسبت ما كسبت تحمل خمسه الي مستحقه. قال فقلت: السمع و الطاعة ثم ذكر في آخره ان العمري اتاه و اخذ خمس ماله بعد ما اخبره بما كان». «2»

5- ما رواه ابو بصير عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «كل شي ء قوتل عليه علي شهادة ان لا إله الّا اللّه و انّ محمّدا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فان لنا خمسه و لا يحل لأحد ان يشتري من الخمس شيئا حتي يصل إلينا نصيبا». «3»

6- ما رواه اسحاق بن عمار عن الصادق عليه السّلام قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا يعذر عبد اشتري من الخمس شيئا ان يقول: يا رب اشتريته بمالي حتي يأذن له اهل الخمس». «4»

7- ما رواه الحكم بن علبا الاسدي قال: «دخلت علي ابي جعفر عليه السّلام فقلت: اني وليت البحرين فاصبت بها مالا كثيرا و اشتريت متاعا و اشتريت رقيقا و اشتريت امهات اولاد و ولد لي و انفقت و هذا خمس ذلك المال و هؤلاء امهات اولادي و نسائي قد اتيتك به. فقال: اما انه كله لنا و قد قبلت ما جئت به و قد حللتك من امهات اولادك و نسائك و ما انفقت و ضمنت

لك

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 5.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من أبواب الأنفال، الحديث 8.

(3)- نفس المصدر، الحديث 9.

(4)- نفس المصدر، الحديث 10.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 497

عليّ و علي ابي الجنة». «1»

و لكن الرواية ذات وجهين، الوجه الظاهر منها انه عليه السّلام انما حلل له امهات اولاده و نسائه و ما انفقه قبل ذلك (كما اشير اليه في السؤال بقوله «و انفقت») فقبل منه خمس الاموال و حلل له الباقي، و الوجه الاخر انه حلل له جميع ما اتي به، و لكن الانصاف انه مخالف لظاهرها فدلالتها علي المطلوب اولي.

8- و منها ما رواه علي بن مهزيار في رواية صحيحة طويلة معروفة له عن ابي جعفر الجواد عليه السّلام حيث امر فيه الشيعة باعطاء خمسين في سنة واحدة لأمر خاص فسره عليه السّلام فيها اجمالا و هو تطهير مواليه عليه السّلام مما وقع منهم من التقصير فيما يجب عليهم (في امر الخمس او غيره أيضا) فاراد ان يطهرهم، ثم ذكر فيها ما لفظه: «فاما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام» ثم شرح الغنائم و الفوائد حتي انه اشار الي الاموال العظام التي صارت الي بعض مواليه من الخرمية الفسقة ثم قال: «فمن كان عنده شي ء من ذلك فليوصله الي وكيلي و من كان نائيا بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله و لو بعد حين». الحديث «2»

فهذه الرواية صريحة في اخذه الاخماس في كل عام، و انه كان له وكيل او وكلاء في البلاد النائية يجمعون الاخماس من مواليه و كان من بحضرته عليه السّلام يوصله اليه.

9- ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: «قال ابو عبد اللّه عليه

السّلام علي كل امرئ غنم او اكتسب الخمس مما اصاب لفاطمة- عليها السلام- و لمن يلي امرها من بعدها من ذريتها الحجج علي الناس فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا

______________________________

(1)- نفس المصدر، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 13.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 498

و حرّم عليهم الصدقة حتي الخياط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق الّا من احللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة انه ليس من شي ء عند اللّه يوم القيامة اعظم من الزنا انه ليقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب سل هؤلاء بما ابيحوا». «1»

و قوله عليه السّلام: «الا من احللناه من شيعتنا لتطيب لهم الولادة» الي آخر ما ذكره من احسن ما يمكن به الجمع بين روايات الباب فليكن علي ذكر منك.

10- ما رواه أيضا علي بن مهزيار قال: «قال لي ابو علي بن راشد قلت له: امرتني بالقيام بامرك و اخذ حقك فاعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم: و ايّ شي ء حقه فلم ادر ما اجيبه؟ فقال يجب عليهم الخمس.

فقلت: ففي ايّ شي ء؟ فقال: في امتعتهم و صنائعهم (ضياعهم). قلت:

و التاجر عليه و الصانع بيده؟ قال: اذا امكنهم بعد مؤنتهم». «2»

و هذا أيضا دليل علي نصب الوكلاء المختلفين لأخذ الاخماس.

11- ما رواه علي بن مهزيار عن علي بن محمد بن الشجاع النيشابوري انه: «سأله ابا الحسن الثالث عليه السّلام عن رجل اصاب من ضيعته من الحنطة مأئة كرّ ما يزكّي فاخذ منه العشر عشرة اكرار و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّا و بقي في يده ستون كرّا ما الذي يجب

لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟ فوقع: لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته». «3»

و من الواضح انه لو كان الخمس مباحا لهم مطلقا لم يكن وجه لهذه

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 8.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(3)- نفس المصدر، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 499

المحاسبات الدقيقة و ما يبقي بعد المئونة و ان خمسه اي مقدار يكون، الي غير ذلك من الروايات.

12- ما رواه الحرث بن حصيرة الازدي قال في قصة له طويلة انه وجد رجل ركازا علي عهد امير المؤمنين عليه السّلام الي ان قال: «قال عليه السّلام لصاحب الركاز ادّ خمس ما اخذت فان الخمس عليك فانك انت الذي وجدت الركاز و ليس علي الاخر شي ء». «1»

و هذا كالصريح في ان امير المؤمنين عليه السّلام اخذ منه الخمس.

13- ما رواه حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس». «2»

14- ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل من اصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة: «قال: يؤدي خمسا و يطيب له». «3»

فان ظاهر قوله يؤدي خمسا، انهم كانوا يؤدون الاخماس اليهم لا سيما ان الظاهر كون المسألة شخصية واردة في موارد الابتلاء و الحاجة.

الطائفة الثانية: ما يدل علي شرائط الخمس من كونه بعد المئونة

و هي روايات كثيرة اوردها في الوسائل في الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، فان سؤال الروات عن مسألة استثناء المئونة و جواب الائمة الهادين عن ذلك، او ابتدائهم باستثناء المئونة دليل واضح علي ان الاصحاب كانوا ملتزمين باداء خمس اموالهم الي

الائمة- عليهم السلام- او وكلائهم، و لو كان ذلك حلالا لهم و هم معافين عنه لم يكن وجه لهذه الاسئلة و الاجوبة.

______________________________

(1)- نفس المصدر، الباب 6 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 500

و كذلك ما ورد من بيان حد النصاب، نصاب المعدن و الغوص و ما يخرج من البحر «1» و انه اذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس و في رواية اخري «ليس فيه شي ء حتي يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا». «2»

و كذا ما ورد من كون النصاب في الكنز هو النصاب في الزكاة (عشرون دينارا) «و ما لم يبلغ حد ما يجب فيه الزكاة فلا خمس فيه». «3»

فهل كان بيان النصاب لأمر احلوه لشيعتهم مما لا حاجة لهم اليه بعد التحليل و ان هو مثل ان يكون الدائن قد ابرء ذمة المديون و احل له ما كان عليه ثم يأتيه و يحاسبه في صغيره و كبيره، و ان الّذي وقع الابراء فيه ما حده و مقداره.

الطائفة الثالثة: الروايات الكثيرة الواردة في أبواب قسمة الخمس

و بيان السهام:

1- ما رواه حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام و فيها: «له- اي للإمام- نصف الخمس كملا و نصف الخمس الباقي بين اهل بيته فسهم ليتاما هم و سهم لمساكينهم و سهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم علي الكتاب و السنة (الكفاف و السعة) عوضا لهم من صدقات الناس …

فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن ان يصيرهم في

موضع الذل و المسكنة». الحديث «4»

و فيها تعابير صريحة لا تساعد التحليل كما لا يخفي، و كيف بعض الاصحاب غفلوا عن هذه الروايات و اشباهها و حكموا بالتحليل مطلقا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 8.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 501

2- و منها ما هو اصرح من ذلك رواه الريان بن الصلت عن الرضا عليه السّلام و فيها: «و سهم ذي القربي قائم الي يوم القيامة فيهم للغني و الفقير لأنه لا احد اغني من اللّه و لا من رسول اللّه فجعل لنفسه منها سهما و لرسوله سهاما فما رضيه لنفسه و لرسوله رضيه لهم». الحديث «1»

فلو كان الخمس مباحا و محللا من لدن عصر النّبيّ و فاطمة و امير المؤمنين و الصادقين- عليهم السلام- فما معني قوله قائم الي يوم القيامة.

3- منها ما رواه احمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفع الحديث الي ان قال: «و النصف لليتامي و المساكين و ابناء السبيل من آل محمد- عليهم السلام- الذين لا تحل لهم الصدقة و لا الزكاة عوضهم اللّه مكان ذلك بالخمس». «2»

4- و اوضح منها ما ورد في عدم وجوب استيعاب كل طائفة من مستحقي الخمس و ان الامام يعطي علي ما يري. «3»

فلو كان الخمس حلالا لما وصلت النوبة الي تقسيمه حتي يتكلم في وجوب الاستيعاب و عدم وجوبه.

5- و اصرح منها

ما ورد فيه من وجوب اعطاء السادة ما يستغنون به في سنتهم، و انه ان فضل عنه شي ء فهو للوالي و ان قصر عنهم كان علي الوالي ان ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، و هو حديثان رواهما صاحب الوسائل في الباب 3 من ابواب قسمة الخمس الحديث 1 و 2 فراجع.

و ليت شعري انه ما معني هذه الكلمات علي فرض تحليل الخمس باجمعه حتي سهم السادة، بل يظهر منها ان سهم الامام عليه السّلام أيضا غير محلل

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 10.

(2)- نفس المصدر، الحديث 9.

(3)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 502

للشيعة فانه ينفق منه علي ذوي الحاجة من السادة لو لم يكفهم سهامهم، فاللازم ان يكون كلا السهمين قائمين علي اصولهما.

الطائفة الرابعة: ما ورد في الأبواب المختلفة مما يجب فيه الخمس

الدالة علي وجوب الخمس بعد سؤال الروات من اصحابهم عن بعض احكامه الظاهرة في انها بصدد بيان ما يمس بعمل المكلفين و وظيفتهم الفعلية لا مجرد علمهم بان هذه الامور كانت مما يجب فيه الخمس و ان ابيحت للشيعة بعد ذلك، و الحاصل ان السؤال كالجواب فيها ظاهر في بيان الوظيفة الفعلية و هو لا يجتمع مع اباحته و عدم وجوبه فعلا، و إليك نماذج منها:

1- ما رواه الريان بن الصلت قال: «كتبت الي ابي محمد عليه السّلام: ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلة رحي ارض في قطيعة لي و في ثمن سمك بردي و قصب ابيعه من اجمة هذه القطيعة؟ فكتب عليه السّلام: يجب عليك فيه الخمس ان شاء اللّه تعالي». «1»

و قد وقع السؤال عما يجب عليه فعلا و اجابه عليه السّلام

بوجوب الخمس عليه كذلك، و من الواضح عدم صحة السؤال و الجواب كذلك علي فرض اباحته مطلقا.

2- ما رواه ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كتب اليه في الرجل يهدي اليه مولاه و المنقطع اليه هدية تبلغ ألفي درهم او أقلّ او اكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السّلام: الخمس في ذلك، و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال انما يبيع منه الشي ء بمائة درهم او خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكتب عليه السّلام اما ما اكل فلا و اما البيع فنعم هو كسائر الضياع». «2»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.

(2)- نفس المصدر، الحديث 10.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 503

و من الواضح ان ذكر مبلغ الهدية و مقدار ثمن الفاكهة دليل علي ان سؤاله كان بقصد العمل بما ذكره عليه السّلام و اوضح منه الفرق الوارد في الجواب بين ما اكل و ما باع.

3- ما رواه الحلبي قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ، فقال: عليه الخمس». «1»

________________________________________

شيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، در يك جلد، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)؛ ص: 503

4- ما رواه الحلبي أيضا انه: «سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الكنز كم فيه؟

فقال: الخمس». «2»

5- ما رواه محمد بن مسلم قال: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن الملاحة، فقال: و ما الملاحة؟ فقلت: ارض سبخة مالحة يجتمع فيه الماء فيصير

ملحا. فقال: هذا المعدن فيه الخمس». «3»

الي غير ذلك من اشباهه، و من المعلوم انه لا يمكن حمل جميع ذلك علي ان سؤال الرواة كان لتحقيق ما يجب فيه الخمس شأنا، لمزيد علمهم بهذه الامور من دون اثر له في اعمالهم، و من العجب فتوي القائلين بالاباحة من دون العناية بهذه الروايات الكثيرة التي فيها الصحاح و غيرها.

اذا عرفت ذلك و علمت وقوع التعارض بين هذه الطوائف الاربع من الروايات مع ما دل علي الاباحة (علي فرض تماميتها) فلا بد اولا من الجمع الدلالي لو ساعدنا لسانها، و الا فالرجوع الي المرجحات.

و من الواضح ترجيح روايات الوجوب الفعلي، لاشتهارها و اشتهار العمل بها، و كونها اكثر عددا و اتم دلالة، بل و كونها موافقة لكتاب اللّه فان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 7 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 504

ظاهر آية الخمس كونه واجبا فعليا.

و اما الجمع الدلالي فهو واضح في المقام، لان روايات التحليل تنقسم الي قسمين: قسم تدل علي تحليل الخمس الي يوم القيامة من دون تقييد بزمان خاص، و هي ظاهرة في خصوص المناكح لتطيب اولاد محبي اهل البيت- عليهم السلام- و الشواهد علي هذا الجمع في هذا القسم كثيرة كما لا يخفي علي الخبير.

و قسم آخر لا يختص بالمناكح و لكنها محمولة علي التحليل المالكي او الشرعي في بعض الاعيان لضرورات اقتضت ذلك و الشواهد علي ذلك فيها أيضا كثيرة، و علي هذا

قد اباحه بعض الائمة- عليهم السلام- في بعض الازمنة، و قد اخذه امام آخر في زمن آخر، او كان ذلك من امام واحد عليه السّلام في زمان دون زمان و افراد دون اخري، و ان هو الا نظير ما اذا كان لرجل مؤمن اموال في ذمة اناس فأبرأ ذمة بعض دون بعض لمصالح رآها.

كلام في التوقيع المروي عن الناحية المباركة لكن هنا اشكال و هو ان الحمل علي التحليل المالكي او الشرعي في مقطع خاص دون مقاطع اخري و ان كان قريبا جدا، و طريقا وحيدا للجمع بين روايات الباب مما يشهد باباحة بعض الائمة الهادين و اخذ بعض آخر- صلوات اللّه عليهم اجمعين- و لكن المهم لنا هو عصر الغيبة، و الرواية المروية في اكمال الدين عن محمد بن عصام الكليني عن محمد بن يعقوب الكليني عن اسحاق بن يعقوب فيما ورد من التوقيعات بخطّ صاحب الزمان- ارواحنا فداه- تدل علي انه اباح الخمس لشيعته حيث قال: «اما الخمس فقد ابيح لشيعتنا و جعلوا منه في حل الي ان يظهر امرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث» «1» و رواها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 16.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 505

الطبرسي أيضا في الاحتجاج عن اسحاق بن يعقوب.

و ظاهرها التحليل في طول زمان الغيبة و ينطبق علي مختار جماعة من المحدثين و غيرهم حيث اختاروا و الاباحة في عصر الغيبه فقط.

اقول: الانصاف انه يرد عليه امور:

اولا: من ناحية السند فقد صرح غير واحد من الاعلام بعدم صحة سند الرواية لاشتمالها علي المجاهيل، لان محمد بن محمد بن عصام الكليني و كذا اسحاق بن يعقوب لم يرد

النص علي وثاقتهما ما عدا كون الاول من مشايخ الصدوق و الثاني من مشايخ الكليني- قدس سرهما- بل اطلاق عنوان المشيخة علي اسحاق بن يعقوب غير واضح لأنه لم يرو عنه في معجم رجال الحديث إلا حديثا واحدا في التوقيعات الواردة في كمال الدين (و الظاهر هو هذا التوقيع). «1»

كما ان محمد بن محمد بن عصام أيضا لم يوثق في كتبهم بشي ء، و ممن صرح بقصور سند الحديث صاحب الرياض في بعض كلماته في المقام و علله باشتماله علي جملة من الجهلاء. «2»

و مما يوجب العجب ان راوي هذه الرواية و هو الشيخ الصدوق- رحمة اللّه عليه- و كذا ثقة الإسلام الكليني- قدس سره- الواقع في السند لم يروياه في آثارهما المعروفة- اعني كتاب من لا يحضر و الكافي بل الكتب الاربعة- كما صرح به بعض الاكابر خالية عن ذكر التوقيعات مطلقا!

و هذا قد يوجب الوهن في هذه التوقيعات و يسري الشك اليها، و لكن اجاب عن هذا الاشكال العلامة المحقق الاميني صاحب الغدير- قدس سره-

______________________________

(1)- راجع معجم رجال الحديث، المجلد 3، الصفحة 75.

(2)- رياض المسائل، المجلد 2، الصفحة 301.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 506

في بعض كلماته في المجلد الثالث صفحه 280 من ذلك الاثر القيم و قال:

اوضح ما هناك من السر المستسر في عدم تعبدهم بها و عدم ذكر المحامدة الثلاثة (المحمدون الثلاث) مؤلفوا الكتب الاربعة التي هي عمدة مراجع الشيعة الامامية في تلكم التآليف شيئا من الرقاع و التوقيعات الصادرة من الناحية المقدسة، و هذا يوقظ شهور الباحث الي ان مشايخ الامامية الثلاثة كانوا عارفين بما يؤل اليه امر الامة من البهرجة و انكار وجود الحجة فانهم كانوا منهيين

عن ذكر تلك الآثار الصادرة من الناحية الشريفة في تأليفهم مع انهم هم رواتها و حملتها الي الامة، و ذلك لئلا يخرج مذهب العترة عن الجعفرية الصادقة الي المهدوية حتي لا يبقي لرجال العصبية العمياء مجال للقول بان مذهب الامامية مأخوذ من الامام الغائب الذي لا وجود له في مزعمتهم و انهم يتعبدون بالرقاع المزورة في حسبانهم، و هذا سر من اسرار الامامة يؤكد الثقة بالكتب الاربعة و الاعتماد عليها.

ثانيا: لو تم سنده، كان اعراض المشهور كافيا في اسقاطه عن الحجية، لما ذكر في محله ان الروايات المعرض عنها كلما ازدادت صحته، ازدادت و هنا.

ثالثا: معارض في مورده ببعض ما ورد في المقام مما يدل علي اخذ الخمس من ناحية صاحب الزمان (روحي فداه) مثل ما رواه الراوندي في الخرائج و قد مر ذكره آنفا، و قد ورد فيه ان العمري وكيل الناحية المقدسة اخذ الخمس من بعض مواليه. «1»

و في نفس الباب توقيعان آخران عن صاحب الزمان عليه السّلام يدلان علي انكاره عليه السّلام اشد الانكار فعل من استحل من امواله شيئا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب الانفال، الحديث 8.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 507

نعم لم يصرح فيهما بمال الخمس و لكن قد يقال ان الاخماس من اوضح مصاديق امواله، فلو كانت مباحة لا بد من التصريح فيهما بالاباحة، و تخصيص هذه الروايات المعارضة بزمن غيبة الصغري، و اباحة الخمس بالغيبة الكبري دعوي بلا دليل.

رابعا: ما صرح به غير واحد من الاكابر منهم المحقق الهمداني في مصباح الفقيه عند التكلم في خمس الارباح «1»: انه لا يثبت اذن الامام عليه السّلام الذي هو من الموضوعات الخارجية- كإذن

سائر الناس في التصرف في اموالهم- بمثل هذا التوقيع.

و حاصله ان الخبر الواحد علي فرض صحة سنده انما يعتبر في الاحكام، و اما الموضوعات فالمعتبر فيها التعدد الذي يعتبر في البينة. هذا و لكن ذكرنا في محله حجية خبر الواحد أيضا في الموضوعات فراجع كتابنا «القواعد الفقهية» و مع ذلك يشكل الاعتماد علي هذا الحديث في المقام، و لو فرض صحة اسناده لما حققناه في الاصول من ان حجية خبر الواحد في الاحكام و غيرها لها حدود خاص، و انه يشكل الاعتماد عليه في الموضوعات الهامة، بل لا بد فيها من التظافر او عمل الاصحاب او غير ذلك من القرائن، و من الواضح ان تحليل جميع الاخماس في طول الغيبة الكبري من تلك الموضوعات الهامة التي لا يمكن الركون فيها الي خبر واحد حاله كما عرفت.

خامسا: من ناحية الدلالة لما مر سابقا من ان سؤال الراوي اسحاق بن يعقوب لم يذكر في الرواية و لا ندري مما سئل، و من الواضح ان الجواب دائما ينظر الي السؤال فلعله سأله عليه السّلام عن المناكح و اشباهها و اجابه

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 127.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 508

بالاباحة، فهي من هذه الجهة مبهمة مجملة لا يصح الركون اليها.

سادسا: من ناحية الدلالة أيضا و هو ان التعليل الوارد في ذيله مع قطع النظر عن ابهام السؤال يوجب ظهوره في خصوص المناكح، لان العلة قد يعمم و قد يخصص، مثل قولك لا تأكل الرمان لأنه حامض فانه يوجب اختصاص النهي بخصوص هذا القسم من الرّمان و ان اوجب تعميمه من ناحية اخري، و لا أقلّ من الاجمال و عدم الدلالة علي العموم.

سابعا: ان تحليل الخمس

و اباحته ينافي حكمة جعله و تشريعه لبقاء مصارفه و موارده في طول الغيبة الكبري، فانه لتأييد الدين و حفظ مدرسة الائمة الهادين- عليهم السلام- و الذب عن شيعتهم و بسط الإسلام و الدفاع عن حوزة المسلمين، و كل هذه الامور باقية علي ساقيها.

مضافا الي حرمان ارباب الحاجة من السادة الكرام عن الزكاة و الخمس جميعا.

فتلخص من جميع ذلك انه لا يمكن الاعتماد علي مثل هذا التوقيع لإثبات التحليل من جهات شتي و الحمد للّه رب العالمين.

الي هنا تم الكلام في نفي القول بالاباحه المطلقة (اي اباحة الخمس بجميع سهامه في عصر الغيبة الكبري) حكاه صاحب الجواهر عن الديلمي و صاحب الذخيرة و قال لا ثالث لهما فيما اجد. «1» و حكاه صاحب الحدائق عن المحدث الشيخ عبد اللّه بن صالح البحريني، و لكن النراقي في المستند اظهر الشك في وجود قول في المسألة بهذا المنوال.

و أما الأقوال الأخر:

فمنها: القول بدفنه او الايصاء به من ثقة الي ثقه و هو شي ء لا ينبغي ان

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 156.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 509

يذكر، فان الدفن و الايصاء كليهما مظنة للفساد و التلف مع وجود مستحقيه من الاصناف و ساير المصارف لسهمه عليه السّلام و ان هو الّا من قبيل ما اذا كان سافر المالك لأموال او المتولي لوقف و كان بعض امواله بيد اناس فدفنوها او اودعوها الي ثقة مع ان اهل بيت المالك يحتاجون اليها حاجة شديدة، و يعلم علما قطعيا بان رضاه انما هو في صرفها عليهم.

و منها: القول بصرف سهم الاصناف الثلاثة اليهم و قد ابيح الباقي و كان الوجه فيه التمسك باخبار التحليل، و هي و ان

كانت مطلقة الا انها تقيد بخصوص سهم الامام عليه السّلام دون الاصناف نظرا الي حاجة بني هاشم و كونه عوضا عن الزكاة، و ان الامام عليه السّلام لا يبيح الا سهمه الخاص، و يشهد له التعبير بتحليل حقهم في غير واحد من الاخبار.

و فيه اولا: ان اخبار التحليل مطلقة من هذه الجهة بل كثير منها صريح او كالصريح في تحليل سهم السادة أيضا فراجع الروايات الكثيرة الواردة في تحليل المناكح و شبهها، فان مجرد تحليل سهمه الخاص لا يوجب طيب الولادة بعد شركة الاصناف و كون حقهم في موارد المناكح.

و راجع أيضا ما رواه ابو سيار مسمع بن عبد الملك، فانه عليه السّلام وهبه جميع خمسه بل و جميع ما أخذه من الانفال.

و ثانيا: التعبير بتحليل الخمس في الروايات الكثيرة لا يمكن حمله علي خصوص سهمه عليه السّلام لأنه عشر الاموال لا خمسه، و حمل الخمس علي العشر عجيب، و التعبير بالحق في بعضها الاخر لا ينافيه لان ظاهر روايات الباب او صريحها، كون جميع الخمس حقهم اما بالملك او بحق الولاية علي السادة، و كذا كانوا يعطون جميع الخمس اليهم او الي وكلائهم، فانظر الي روايات علي بن مهزيار و غيره من الوكلاء الذين كانوا يأخذون الاخماس لهم و قد ورد في رواية الراوندي ان وكيل الناحية العمري- قدس اللّه نفسه الزكية- اتي الحسين

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 510

عم ناصر الدولة و اخذ خمس ماله.

و الحاصل: ان الناظر في روايات الباب يعلم بيقين انه لم يكن هناك فرق بين سهم الاصناف و سهمه الخاص، و ان جميعها كان من حقه.

ثالثا: ان كان بقاء مصرف سهم الاصناف يوجب عدم تحليله فكذا

سهمه عليه السّلام فان مصارفه أيضا باقية قائمة علي ساقيها، فهل كان جميع هذه الاموال الكثيرة غاية الكثرة نفقة لبيته الشريف عليه السّلام و عياله المخصوصين به؟

كلّا فان هذا لمصرف لا يطلب الا عشرا من اعشاره بل أقلّ، فالباقي انما هو نفقة لأهدافه المقدسة من اعلاء كلمة الإسلام و الذب عن حريم اهل البيت و الاهتمام بامور الشيعة و حفظ دينهم و دنياهم في اقصي البلاد و ادناها.

و اما القول بتتميم حق الاصناف و توفيره عليهم فهو مختار المحقق في الشرائع و محكي عن جماعة من علمائنا، بل هو مشهور بين المتأخرين علي ما ذكره في الحدائق. «1»

و علله في متن الشرائع بقوله: «لان عليه الاتمام عند عدم الكفاية و كما يجب ذلك مع وجوده فهو واجب عليه عند غيبته» و اضاف اليه في الجواهر قوله: «لان الحق الواجب لا يسقط بغيبة من يثبت عليه مؤبدا».

و العمدة في ذلك هي المرسلتان المرويتان عن حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح، قال بعد الاشارة الي سهم الاصناف: «يقسم بينهم علي الكتاب و السنة ما يستغنون به في سنتهم، فان فضل عنهم شي ء فهو للوالي، فان عجز او نقص عن استغنائهم كان علي الوالي ان ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، و انما صار عليه ان يمونهم لان له ما فضل عنهم». «2»

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 441.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 511

و في معناه مرسلة احمد بن محمد عن بعض اصحابنا فراجع. «1»

هذا و لكن يرد عليه ما ذكره في الجواهر من ان العمل بالمرسلتين غير

موافق لأصول المذهب بعد عدم وجود الشهرة الجابرة في المقام (لما عرفت من تشتت الاقوال في المسألة و ذهاب كثير منهم الي خلاف هذا القول).

ان قلت: لا حاجة الي الانجبار بعمل الاصحاب هنا لان اصل المسألة (اعني تتميم الوالي لحصة الاصناف لو نقص حصتهم عن حاجتهم) مفروغ عنه بين الاصحاب، فان اعوز كان عليه و ان زاد كان له بل لم ينقل الخلاف فيه الا عن الحلي، و ما نحن فيه لازم هذا المعني.

قلنا: كلا بل اللازم انجبارهما بالنسبة الي ما نحن بصدده و ما هو مرتبط بعصرنا و زماننا، هذا مضافا الي ان المرسلتين ناظرتان الي زمن بسط يد الامام عليه السّلام لا في غيره الذي هو محل الكلام، كما يظهر لمن راجع ذيل الحديث الاول الوارد في تقسيم الزكاة فانه ينادي باعلي صوته انه ناظر الي زمان بسط اليد (فراجع الي ما رواه الكليني- قدس سره- في الكافي في المجلد 1 الصفحة 541) (انتهي ما ذكره في الجواهر بتوضيح منا).

هذا و لكن الانصاف انه لو ثبت عمل الاصحاب بهما في اصل المسألة (اعني تتميم الوالي عند الاعواز) و لو في غير المقام جاز العمل به في المقام من باب الغاء الخصوصية، كما ان احتمال اختصاصه بزمن حضوره و بسط يده أيضا منفي بهذا المعني- اعني الغاء الخصوصية- فعلي نائب الغيبة أيضا ذلك.

هذا و لكن يرد علي هذا القول امور اخري:

احدها: ان مفروض الكلام ما لو زاد سهم الامام عليه السّلام عن حاجتهم،

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 512

و من المعلوم انه لا يمكن اعطائهم اكثر من حاجة سنتهم كما ورد التصريح به في نفس الرواية.

و ثانيها:

ما مر مرارا من انه لا وجه لتعليل سهم الامام عليه السّلام او صرفه في مورد آخر مع بقاء مصارفه الاصلية، فانه ثابت للإمام عليه السّلام بمقامه السامي في تدبير امر العباد و البلاد و نشر آثار الدين و سنة سيد المرسلين و حفظ عقائد المسلمين و سدّ خلّة المحاويج من محبي اهل البيت و غير ذلك من اشباهه، فلا معني لصرفه في مصرف آخر.

و ان شئت قلت: تتميم سهم فقراء بني هاشم عند عدم كفاية الخمس لهم مما لا كلام فيه، بل قد عرفت في كلام الجواهر ان هذا مما لا خلاف فيه الا من الحلي، و قد دلت عليه المرسلتان السابقتان- كما انه لو زاد من حاجتهم كان للإمام عليه السّلام انما الكلام في وجوب صرف كل منهما في مصارفه المختصة لو لا ملاحظات اخري.

ان قلت: اذا دار الامر بين رفع حاجة السادة و بين صرف سهم الامام عليه السّلام في نشر آثار الدين و مثله و لم يكن وافيا بكليهما، فايهما اولي و اقرب.

قلنا: المقامات مختلفة و لا بد فيها من ملاحظة المرجحات، فربما يكون السادة في حاجة شديدة مبرمة، و الدين قائم علي ساقيه، و قد يكون الامر بالعكس، و خطر الاعداء علي الدين و هجومهم شديدا عنيفا لا سيما علي ضعفاء المسلمين لا يندفع الا بصرف اموال هامة، و لا بد في كل مقام من ملاحظة المرجح الذي يعلم او يظن ان الامام عليه السّلام لو كان بنفسه الشريفة حاضرا لما اقدم علي غير ذلك.

بقي الكلام في القول بانه يعامل معه معاملة مجهول المالك الذي مال اليه المحقق الهمداني في بعض كلماته، و قد سبقه الي ذلك في الجواهر حيث

قال: «و اقوي من ذلك معاملة المال المجهول مالكه باعتبار تعذر

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 513

الوصول اليه- روحي له الفداء- اذ معرفة المالك باسمه و نسبه دون شخصه لا تجدي، بل لعل حكمه حكم مجهول المالك باعتبار تعذر الوصول اليه للجهل به فيتصدق به حينئذ نائب الغيبة عنه، و يكون ذلك وصولا اليه علي حسب غيره من الاموال التي يمتنع ايصالها الي اصحابها و اللّه اعلم بحقايق احكامه». «1»

و قد استدل له في مصباح الفقيه ببعض ما ورد في ابواب اللقطة و البيوع من اجراء حكم مجهول المالك علي ما تعذر وصوله الي مالكه، و ان كان مالكه معلوما.

مثل ما رواه يونس بن عبد الرحمن في رواية معتبرة قال: «سئل ابو الحسن الرضا عليه السّلام و انا حاضر» الي ان قال: «رفيق كان لنا بمكة و رحل منها الي منزله و رحلنا الي منازلنا، فلما ان صرنا في الطريق اصبنا بعض متاعه معنا فاي شي ء نصنع به؟ قال: تحملونه حتي تحملوه الي الكوفة. قال: لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع؟ قال: اذا كان كذا فبعه و تصدق بثمنه.

قال له: علي من جعلت فداك؟ قال: علي اهل الولاية». «2»

و ما رواه علي الصائغ قال: «سألته عن تراب الصواغين و انا نبيعه. قال:

اما تستطيع ان تستحله من صاحبه؟ قال: قلت: لا اذا اخبرته اتهمني. قال:

بعه. قلت: بايّ شي ء نبيعه؟ قال: بطعام. قلت: فايّ شي ء اصنع به؟ قال تصدق به إما لك و اما لأهله. قلت: ان كان ذا قرابة محتاجا اصله؟ قال:

نعم». «3»

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 177.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 7 من ابواب اللقطة،

الحديث 2.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 12، الباب 16 من ابواب الصرف، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 514

بل يمكن ان يقال: انه مع قطع النظر عن الروايتين لا يبعد الغاء الخصوصية عن روايات مجهول المالك او اللقطة بالنسبة الي المقام مما يكون مالكه معلوما، لان الظاهر ان الوجه فيه ايصال المال الي صاحبه بوجه، فان الصدقة عنه نوع ايصال اليه و لو من حيث ثوابه، فتأمل (هذا غاية ما يمكن ان يقال في المقام).

و لكن هذا كله و ان كان جيدا الّا انه يتم في الاموال الشخصية مما لا يعلم مصارفها، اما اذا علمنا بان المال كان له بمقامه السامي لعدم حاجته بشخصه الي هذه الاموال الضخمة، و يستحيل في حكمة الباري- جل شأنه- ان يجعل لهم هذه الاموال التي لا يحتاجون اليها في حياتهم الشريفة الشخصية بل و لا الي عشر من اعشارها، فحينئذ لا بد من صرفها في مصارفها مما نعلم رضاه بذلك قطعا لا خصوص الصدقة.

*** فذلكة البحث في حكم الخمس في زمان الغيبة

فقد ظهر مما ذكرنا انه لا اعتبار بشي ء من الاقوال المشيرة الي اباحة الخمس في زمن الغيبة بتمامه او خصوص سهم الامام عليه السّلام و كذا ما يدل علي الايصاء به او دفنه او صرفه في تكميل حق الاصناف الثلاثة من بني هاشم- ايدهم اللّه- او صرفه في مصرف مجهول المالك او شبه ذلك.

فلا يبقي الا صرفه في مصارفه التي لو كان بنفسه الشريفة حاضرا كان يصرفه فيها، و يمكن بيان ذلك بطريقين او بدليلين:

احدهما: ما ذهب اليه جماعة كثيرة من المعاصرين او من قارب عصرنا من لزوم صرفه فيما يحرز به رضاه- عليه السلام- قال سيدنا الاستاذ في المستمسك بعد ذكر

الاقوال الاخر (اجمالا) و الاشكال فيها ما نصه:

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 515

«و كيف كان فلم يتضح ما يدل علي تعيين صرف سهمه عليه السّلام في جهة معينة، فيشكل التصرف فيه الا ان يحرز رضاه عليه السّلام بتصرفه في بعض الجهات كما في زماننا هذا، فانه يعلم فيه رضاه عليه السّلام بصرفه في اقامة دعائم الدين و رفع اعلامه و ترويج الشرع الاقدس و مؤنة طلبة العلم الذين يترتب علي وجودهم اثر مهم في نفع المؤمنين بالوعظ و النصيحة، و بث الحلال و الحرام، و غير ذلك من الواجبات الدينية التي انسلخ عنها اليوم اكثر المتدينين، و الاحوط فيه التصدق عنه كما عرفت». «1»

اقول: لازم ما ذكره من الاحتياط عدم دفع السهم المبارك الا للفقراء من اهل العلم، فلو كان غنيا بحسب موازين الشرع لا يمكن اعطائهم منه، و لو كان خطيبا مصقعا او مدرسا بارعا او كاتبا ماهرا يستفاد منه في طريق ترويج الدين، و هكذا يشكل صرفه في بناء المساجد و طبع الكتب و شبهها و لو كان ضروريا جدا لعدم كونها من مصارف الصدقة.

ثانيهما: ما هو اقرب الي الاعتبار و ما هو مستفاد من الاخبار، و هو ان يقال: ان هذا المال الكثير- كما مر مرارا- انما جعله له لمقامه السامي لا لحياته الشخصية لعدم حاجته فيها الي عشر من اعشار ذلك، و القرائن الكثيرة شاهدة علي انه عليه السّلام لما كان في قمة الحكومة الاسلامية بعناية الهية كان له مصارف كثيرة يستحيل في حكمة الحكيم ان لا يجعل له مداخل، فكما انه اذا منع عن الحكومة و غصب حقه من هذه الناحية يبقي هذا السهم له بما

يبقي من كثير من مصارفه من المحافظة علي الدين و علي شيعتهم و ضعفاء المؤمنين و غير ذلك، فكذلك اذا غابت شمس وجوده المنيرة عنا و بقيت اهدافه و مقاصده، كما اذا غاب متولي الوقف عن موقوفته.

______________________________

(1)- مستمسك العروة الوثقي، المجلد 6، الصفحة 649، الطبعة القديمة.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 516

و لا شك حينئذ في لزوم صرفه في مصارفه من طريق نوابه او وكلائه لا من جهة احراز رضاه عليه السّلام- و ان كان رضاه ثابتا قطعا- بل بما ان المصارف باقية و الحوائج موجودة و النواب حاضرون.

و هذا التفاوت له آثار تأتي الاشارة اليها ان شاء اللّه و ان كان الظاهر في بادي النظر عدم الفرق بين الطريقين، و من اظهر الآثار انه علي القول الاول قد يقال بجواز صرف العامي اياه فيما يعلم برضي الامام عليه السّلام كما يجوز صرف مال كل انسان فيما يعلم رضاه فيه، (و قد مال اليه سيدنا الحكيم في بعض كلماته في المقام و حكاه عن غرية المفيد و عن الحدائق الميل اليه) و اما علي الثاني فهو غير جائز قطعا، فانه ليس مالا شخصيا يلاحظ فيه رضا المالك بل مال له لمنصبه و مقامه السامي و مصارفه معلومة، و لا بد لمن يقوم مقامه من حيث الولاية العامة او الخاصة القيام به، و لا يجوز لغيره ذلك فتأمل في المقام فانه دقيق.

و مما ذكرنا يظهر الاشكال فيما افاده المحقق اليزدي- قدس سره- في العروة من ان الاحوط الاقتصار علي السادة ما لم يكفهم النصف الاخر، فان ذلك لا يكون موافقا للاحتياط دائما، بل قد يكون مخالفا للاحتياط او محرما اذا كان سببا لتعطيل

مصارفه الاهم كما لا يخفي.

***

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 517

حكم الخمس من حيث ملكه للإمام عليه السّلام
بقي هنا أمور
أحدها: ظاهر كلمات الأصحاب بل صريحها أن الخمس يقسم ستة أقسام

، ثلاثة منها للنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم في حياته الشريفة و للإمام المعصوم القائم مقامه بعد حياته و الثلاثة الاخري لبني هاشم ايتامهم و مساكينهم و ابناء سبيلهم، و قد خالف فيه جماعة من العامة (كما حكي عن الشافعي و ابي حنيفة) و جعلوه خمسة اسهم بحذف سهم اللّه و ان افتتحت الآية به فانه في زعمهم انما هو من باب التشريف، فالامة متفقة علي تقسيمه بالاسهم و ان خالف العامة في كون الاسهم ستة.

نعم حكي عن مالك بان الفي ء و الخمس واحد يجعلان في بيت المال، و لكن الفتاوي المحكية عن غيره فيما وصل إلينا شاهدة علي التقسيم.

و قد صرح في الجواهر بان تقسيمه الي ستة اسهم مشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة كادت تكون اجماعا بل المسألة اجماعية، و صرح في ذيل السهام الثلاثة الاخيرة بانه مقتضي الكتاب و السنة المستفيضة بل المتواترة بل الاجماع. «1»

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 88 و 84.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 518

و كتب القوم مشحونة بهذا التقسيم، و لكن علي رغم جميع ذلك خالف فيه بعض المعاصرين و زعم ان الخمس حق واحد جعل لمنصب الامامة، و الحكم و حيث ان الحكم اولا و بالذات للّه تعالي، جعل للّه ثم جعل للرّسول من ناحيته تعالي ثم جعل لذي القربي (الامام المعصوم) من قبل الرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم فالخمس باجمعه ملك له تعالي و في المرتبة التالية باجمعه للرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم و في المرتبة الاخيرة ملك للإمام

المعصوم القائم مقامه صلي اللّه عليه و آله و سلم كالأنفال و ليس ملكا لشخص الامام بل لمنصب الامامة، و اما بنو هاشم فلا ملكية لهم و لا اختصاص بل هم مصارف له فقط.

و اول من قال بهذه المقالة فيما رأينا هو صاحب كتاب «ذخائر الامامة» العلامة الشيخ فياض الزنجاني، حيث قال في كلام له في المقام: «ان هذا الحق (اي الخمس) ليس الّا له تعالي و منحصر فيه، و ان اختصاصه بالرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم الذي يذكره بعده عين اختصاصه به تعالي فالقول بالسهام و الاشتراك لا معني له». «1»

و قال في مقالة اخري له: «تقديم الخبر علي الاسم في قوله تعالي: فان للّه خمسه هو لإفادة ان الخمس ليس حقا مشتركا حتي يقسم علي سهام، بل انما هو مختص به تعالي و ما هو مختص به فهو مختص برسوله. «2»

و قال في اواخر كلامه: «خاتمة- اعلم ان مقتضي الآية و الاخبار المفسرة لها و غيرها ان الخمس حق وجداني راجع الي حيث السلطنة و الامارة القائمة- باللّه سبحانه بالاصالة و برسوله بالخلافة و بذي القربي المراد منه الامام عليه السّلام بعد الرّسول في زمن الحضور أيضا بالخلافة و بالفقيه في الغيبة فلا وجه

______________________________

(1)- ذخائر الامامة، الصفحة 162.

(2)- نفس المصدر، الصفحة 163.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 519

للقسمة و لا لكيفيتها». «1»

و كأنه لم تصل اليه روايات القسمة المتضافرة الصريحة في ذلك المعمول بها بين الاصحاب، او وصلت اليه و حسب انه لا بد من توجيهها، و اما كيف يمكن توجيهها مع وضوحها في معناها فهو غير معلوم.

و قد وافقه في ذلك غير واحد من المعاصرين لأمور

يطول المقام بشرحها.

هذا و في بعض كلمات صاحب الجواهر جاء ذكره بصورة الاحتمال و انه لو لا مخافة الانفراد افتي به.

ثم استدل لذلك بالآية و الروايات، و اما الآية فذكر في معناها ان اللام للاختصاص التام و الملكية المستقلة و مقتضاه كون جميع الخمس للّه و جميعه للرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم و جميعه للإمام عليه السّلام و حيث لا يمكن ذلك عرضا فلا محالة ملكية طولية مترتبة، و تقديم قوله «فان للّه» علي «خمسه» دليل علي هذا الحصر أيضا، و اما الأصناف الاخر فلا ملكية لهم و لذا لم يدخل عليها اللام.

ثم استدل باخبار زعم دلالتها علي كون الخمس جميعه حقا واحدا ثابتا لمنصب الامامة، و اوضحها لمقصوده ما يلي:

1- ما رواه السيد المرتضي نقلا عن تفسير النعماني عن علي عليه السّلام قال:

«و اما ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق و اسبابها فقد اعلمنا اللّه ذلك من خمسة اوجه وجه الامارة … فاما وجه الامارة فقوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ فجعل للّه خمس الغنائم و الخمس يخرج من اربعة وجوه من الغنائم … و من

______________________________

(1)- ذخائر الامامة، الصفحة 226.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 520

المعادن و من الكنوز و من الغوص». «1» و ظاهر هذه الرواية ان جميع الخمس للّه.

2- ما رواه عمران بن موسي عن موسي بن جعفر عليه السّلام الي ان قال: «و اللّه لقد يسر اللّه علي المؤمنين ارزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحدا و اكلوا اربعة احلاء». «2»

و هذا كسابقه في الدلالة.

3- ما رواه علي بن مهزيار قال:

«قال لي ابو علي بن راشد: قلت له:

امرتني بالقيام بامرك و اخذ حقك فاعلمت مواليك بذلك. فقال لي بعضهم:

و اي شي ء حقه؟ فلم ادر ما اجيبه. فقال: يجب عليهم الخمس» (الحديث). «3»

و ظاهره ان جميع الخمس حقه عليه السّلام.

و في معناه احاديث اخري تدل علي اخذ الوكلاء جميع الخمس.

4- ما رواه محمد بن الفضيل عن ابي الحسن الرّضا عليه السّلام قال: «سألته عن قول اللّه: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ؟

قال: الخمس للّه و للرّسول و هو لنا». «4»

و ظاهره ان مجموعه له عليه السّلام.

و استدل له أيضا بالاخبار الدالة علي التحليل عموما او خصوصا الظاهرة في تحليل جميعه (انتهي ملخصا).

و يرد عليه مضافا الي ما عرفت من كونه مخالفا لإجماع الاصحاب او

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 18.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 521

اجماع علماء الإسلام، و مخالفة مثل هذا الاجماع مشكل و لو كان مدركيّا امور:

1- ظاهر آية الخمس دليل قوي علي نفي هذا القول، فان ذكر اللام و تكراره في «اللّه» و «الرّسول» و «ذي القربي» دليل علي التشريك كما هو كذلك في قولنا هذا الدار لزيد و لعمرو، او خمس هذا المال لزيد و لعمرو، و لذا لو اعترف واحد بان الدار الذي يسكنه له و لأخيه كان اقرارا بالشركة بلا اشكال.

2- عدم تكرار اللام

في الثلاثة الاخيرة لا يخرجهم عن الشركة لأنه معطوف علي المجرور و لا يحتاج الي تكرار حرف الجر (الي للتأكيد كما في الثلاثة الاولي).

و يشهد له عدم تكرار حرف الجر في آية الانفال: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ …

3- هناك روايات كثيرة تبلغ عشر روايات او اكثر مروية في المنابع المعتبرة المشهورة تدل علي تقسيم الخمس أسداسا، سهم اللّه و سهم الرّسول و سهم ذي القربي و سهام الاصناف الثلاثة، و هي صريحة او كالصريح في هذا المعني:

منها: ما رواه حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام و فيها: «و يقسم بينهم الخمس علي ستة اسهم، سهم للّه و سهم لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم و سهم لذي القربي و سهم لليتامي و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل، فسهم اللّه و سهم الرّسول لأولي الامر بعد رسول اللّه وراثة و له ثلاثة اسهم … و له نصف الخمس كملا و نصف الخمس الباقي بين اهل بيته … ». «1»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 8.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 522

و العجب انه استدل بذيل الرواية و قال انه جعل جميع الخمس للنبي و الوالي، فيجب توجيه التقسيم مع انه صريح في التقسيم، و لو فرض لذيله ظهور في غيره فلا بد من توجيه ذلك لا توجيه هذا المعني الصريح.

و منها: ما رواه البزنطي عن الرضا عليه السّلام قال: «سئل عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ.

فقيل له: فما كان للّه

فلمن هو؟ فقال: لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم و ما كان لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فهو للإمام … » الحديث. «1»

و منها: ما رواه عبد اللّه بن بكير عن بعض اصحابه عن احدهما- عليهما السلام- في قول اللّه تعالي: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ قال: «خمس اللّه للإمام و خمس الرّسول للإمام و خمس ذوي القربي لقرابة الرّسول الامام و اليتامي يتامي آل الرّسول و المساكين منهم و ابناء السبيل منهم فلا يخرج منهم الي غيرهم». «2»

و منها: ما رواه زكريا بن مالك الجعفي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه: «سأله عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فقال: اما خمس اللّه عزّ و جلّ فللرّسول يضعه في سبيل اللّه و اما خمس الرّسول فلا قاربه و خمس ذوي القربي فهم أقرباءوه و اليتامي يتامي اهل بيته فجعل هذه الاربعة اسهم فيهم و اما المساكين و ابن السبيل فقد عرفت انا لا نأكل الصّدقة و لا تحل لنا فهي للمساكين و ابناء السبيل». «3»

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 6.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6 الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 2.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6 الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 523

و منها: ما رواه ربعي بن عبد اللّه بن الجارود عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«كان رسول اللّه

صلي اللّه عليه و آله و سلم اذا اتاه المغنم اخذ صفوه و كان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة اخماس و يأخذ خمسه ثم يقسم اربعة اخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ثم قسم الخمس الذي اخذه خمسة اخماس يأخذ خمس اللّه عزّ و جلّ لنفسه ثم يقسم الاربعة اخماس بين ذوي القربي و اليتامي و المساكين و ابناء السبيل يعطي كل واحد منهم حقا و كذلك الامام يأخذ كما اخذ الرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم». «1»

و ما ورد فيه من تقسيم الخمس اخماسا انما هو لإعطائه صلي اللّه عليه و آله و سلم سهم نفسه لسائر المستحقين، و لذا ورد التصريح فيه بانه يأخذ سهم اللّه لنفسه الذي هو دليل علي تقسيمه أسداسا كما هو واضح علي الخبير.

و منها: ما رواه احمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفع الحديث الي ان قال: «فاما الخمس فيقسم علي ستة اسهم، سهم للّه و سهم للرّسول الحديث». «2»

و منها: ما رواه ريان بن الصلت عن الرضا عليه السّلام و فيها انه قرن (اللّه) سهم ذي القربي مع سهمه و سهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم. «3»

الي غير ذلك من اشباهه «4» بل الظاهر ان الروايات الدالة علي انه لو فضل من سهم السادة كان للإمام عليه السّلام و لو نقص عنهم كان عليه ان يتم من عنده (الواردة في الباب 3 من ابواب قسمة الخمس) المعمول بها بين الاصحاب أيضا دليل علي الاخذ بالسهام.

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 3.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.

(3)- نفس المصدر، الحديث 10.

(4)- فراجع الحديث 12 من

هذا الباب و الحديثين 1 و 2 من الباب 2 من ابواب قسمة الخمس.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 524

و انت اذا تأملت في هذه الروايات الصريحة في مسألة التقسيم تعلم انه يمكن الجمع بينها و بين الروايات السابقة التي قد تظهر منها او من بعضها (لا سيما روايات التحليل) ان جميع الخمس ملك للإمام عليه السّلام بحمل تلك الطائفة علي ان الخمس و ان انقسم الي ستة اسهم و لكن الامام عليه السّلام هو المتولي لأمر الجميع فهو ولي علي جميعه و ان كان نصف منها ملكا للأصناف الثلاثة و الباقي ملكا للحكومة الالهية التي يكون الامام عليه السّلام في قمته.

و الحاصل: ان حاله عليه السّلام حال ساير الاولياء علي الاموال فهو ولي علي جميع الخمس و ان لم يكن مالكا للجميع، نظير ولايته علي اموال الغيب او مجهول المالك، و نظير ولاية المتولي بالنسبة الي الموقوفة التي تحت يده، و قد يكون المتولي بنفسه من الموقوف عليهم و له سهم منه فهو متول لسهم نفسه و متول علي ساير السهام.

و من هنا تظهر الثمرة بين هذا القول و سابقه فانه لو قلنا بان الخمس ملك وحداني و سهم واحد للّه، ثم يكون جميعه للنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم ثم من بعده للإمام عليه السّلام و ان كان عليه الانفاق علي بني هاشم، لم يجب عليه انفاق نصف الخمس كملا عليهم بل يجوز له ذلك و غيره من مصارف الحكومة، فليس لهم حد معين كما ليس لسائر المصارف حد خاص.

اما لو قلنا بمقالة المشهور المجمع عليه كان جميعه تحت يده عليه السّلام و لكن يجب عليه انفاق نصفه

علي بني هاشم.

ان قلت: فلما ذا يكون له ما يزيد عليهم و عليه ما ينقص عنهم؟

قلنا: هذا لا ينافي ملكية السادة للنصف لأنه من قبيل الملك المشروط بشرط، و يمكن التمثيل له بملك الوقف بان شرط الواقف للوقف الخاص بان نصف غلته للمتولي الذي هو ولده الكبير و نصفه الاخر لسائر اولاده، و شرط أيضا انه لو نقص سهم اخوتهم عن حاجتهم كان علي الولد الاكبر ان يزيد

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 525

عليهم ما يرفع حاجتهم و انه لو زاد سهمهم علي حاجتهم كان للولد الاكبر، و كذا شرط في عقد الوقف انه لو وقع عمال الوقف (مثلا الزارعون في ملك الزراعة) في عسر شديد و حرج اكيد كان للمتولي ان يهب لهم فوائد الارض في برهة خاصة من الزّمان او في نوع خاص من النماءات، و هذا كله شرط سائغ يجوز للواقف شرطه في عقد الوقف.

و حال الامام عليه السّلام بالنسبة الي سهمه و سهم الاصناف الثلاثة من هذا القبيل تقريبا، فله سهمه الخاص به و له الولاية علي الاصناف و عليه تتميم ما نقص و له زيادة ما زاد، و له أيضا تحليل الخمس باجمعه او ببعضه لشخص او لجماعة او في برهة من الزمان لمصلحة من المصالح الالهية.

و الحاصل: ان هناك روايات تدل علي ان الخمس حق للإمام، و روايات تدل علي جواز التحليل من قبله، و روايات تدل علي وجوب التتميم من عنده و اخذ ما زاد له.

كما ان هناك روايات تدل علي تقسيم الخمس الي ستة اسهم و قد عرفت صراحتها في ذلك، و انه لا يمكن حملها علي المصرف لأنها تصرح بان سهم اللّه للرّسول

كما ان سهم اللّه و سهم رسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم للإمام عليه السّلام في عصره و ان سهم السادة لا بد ان يدفع اليهم، و شي ء من هذا لا يناسب حملها علي المصرف كما هو واضح، مضافا الي تأييده بفهم الاصحاب و اجماعهم عليه قديما و حديثا بل موافقة اكثر العامة له.

و احسن طريق للجمع بين روايات الباب بعد ضم بعضها ببعض هو ما ذكرنا من قبول السهام كل واحد في محله مع ولاية الامام عليه السّلام علي السادة، و علي التتميم و التحليل و شبه ذلك.

و العجب من بعض القائلين بالمقالة الشاذة انه ذكر ان اخبار السهام تحمل علي الجدل او تحمل علي بعض المحامل من دون تصريح به مع انها مشتملة

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 526

علي امور لا تناسب مقالة المخالفين، فلا يمكن حملها علي الجدل بل لا معني للجدل هنا كما لا يخفي علي من تدبر فيها.

و لنتم هذا المقال بكلام للمحق النراقي في مستند الشيعة حيث قال:

«الخمس يقسم أسداسا للّه و لرسوله و لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابناء السبيل علي الحق المعروف بين اصحابنا، بل عليه الاجماع عن صريح السيدين و الخلاف، و ظاهر التبيان و مجمع البيان و فقه القرآن للراوندي، بل هو اجماع حقيقة لعدم ظهور قائل منا بخلافه سوي شاذ غير معروف، و لا يقدح مخالفته في الاجماع». «1»

*** ثانيها: هل النصف المبارك الذي سهمه عليه السّلام ملك شخصه أو ملك له لمقام الإمامة؟

و تظهر الثمرة بينهما:

1- فيما يبقي عن كل امام عليه السّلام فان كان ملكا له بشخصه ينتقل الي وارثه و الا ينتقل الي من بعده من الائمة- عليهم السلام- و هذه الثمرة و ان لم تكن تفيدنا في

هذا الزمان- كما هو ظاهر- و لكن هناك ثمرات اخري تأتي.

2- ما عرفت من ملاحظة مجهول المالك (اي متعذر الوصول) معه لأنه مال شخصي كسائر الاموال لا بد فيه عند تعذر وصوله الي مالكه من الصدقة، اما لو كان له بمقامه ينتقل الي نوابه القائمين مقامه في جميع شئون الحكومة او في بعضها.

3- ما مر أيضا من انه هل يكفي للعامي احراز رضاه عند صرفه في مصارفه أم يجب ايصاله الي الفقيه؟ فان قلنا بالاول قد يكون له ذلك لان

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 82.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 527

سبيله كسبيل الاموال الشخصية، و اما ان قلنا بالثاني لا يجوز ذلك بل لا يحرز رضاه الا بايصاله الي نوابه عليه السّلام الي غير ذلك من امثاله.

قال في الشرائع ما حاصله: «ان ما كان للنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم من سهمه و سهم اللّه ينتقل بعده للإمام القائم مقامه عليه السّلام نعم ما كان قبضه النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم او الامام عليه السّلام ينتقل الي وارثه» (انتهي).

و زاد في الجواهر ضرورة صيرورته حينئذ كسائر امواله التي فرض اللّه تقسيمها علي الوارث، و احتمال اختصاص الامام عليه السّلام به أيضا لقبض النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم له مثلا بمنصب النبوة أيضا باطل قطعا، اذ هو و ان كان كذلك لكنه صار ملكا من املاكه بقبضه، و ان كان سببه منصب النبوة و فرق واضح بينه و بين انتقال الاستحقاق السابق للإمام (انتهي). «1»

و تبعه المحقق الهمداني في مصباح الفقاهة حيث قال: «انه كغيره مما تركه بعد وفاته ينتقل الي وارثه حسب ما

يقتضيه آية المواريث لا آية الخمس». «2»

و استدل المحقق الأردبيلي في بعض كلماته في مجمع الفائدة عند شرح قول العلامة: «لا يجوز لغيره التصرف في حقه عليه السّلام الا باذنه» بانه لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفسه «3» و هذا الاستدلال و ما اشبهه دليل علي ان غير واحد منهم عاملوا مع سهم الامام عليه السّلام معاملة الملك الشخصي.

و قال العلامة الميلاني- قدس سره- في محاضراته: «ان ما قبضه النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الامام عليه السّلام ينتقل الي وارثه لأنه بالقبض قد صار ملكا لشخصه». «4»

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 87.

(2)- مصباح الفقاهة، الصفحة 145.

(3)- مجمع الفائدة و البرهان، المجلد 4، الصفحة 345.

(4)- محاضرات العلامة الميلاني، كتاب الخمس، الصفحة 156.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 528

هذا و الانصاف ان الامر ليس كذلك، بل الظاهر ان جميع ما قبضه من سهمه ينتقل الي الامام عليه السّلام من بعده (الا ما اخذه لصرفه في مصارفه الشخصية و حاجاته اليومية اما غيره فلا) و ذلك لأمور:

1- قد عرفت ان سهمه المبارك مقدار عظيم غاية الكثرة لا يحتاج هو عليه السّلام الي عشر من اعشاره في حياته الشخصية المقدسة، و من البعيد جدا في حكمة الحكيم جعله له عليه السّلام بلا حاجة منه اليه، و لا امكان جذبه في حياته عليه السّلام الشخصية، بل القرائن الواضحة شاهدة علي انه انما جعله له عليه السّلام بمقامه السامي، و هو الولاية علي الخلق.

و ان شئت قلت: انه يكون لمقام الحكومة العامة الالهية التي جعلها له، فيجعله في بيت مال المسلمين و يكون ناظرا علي صرفه في مصارفه و واليا

عليه، و حيث ان الحكومة له عليه السّلام بالجعل الالهي فهذه الاموال له عليه السّلام.

نعم ما يأخذه منه لحياته المقدّسة الشخصية يكون له كما هو كذلك عند رؤساء الحكومات و ان كان بينهم و بين الامام عليه السّلام فرق عظيم، فرئيس الحكومة العادلة يأخذ شيئا قليلا من الاموال العظيمة التي تحت يده لنفسه و لمصارفه الشخصية فهذا يكون ملكا له، و يأخذ الباقي لصرفه في مصارف الناس عموما.

2- ان اطلاق قوله عليه السّلام: «ما كان لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فهو للإمام عليه السّلام» في صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السّلام «1» شامل لما اخذه بالفعل و لما لم يأخذه، و حمله علي خصوص ما لم يأخذه بان يكون المراد انتقال الاستحقاق لسهم النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم اليه عليه السّلام غير واضح.

و كذلك قوله عليه السّلام: «له ثلاثة اسهم سهمان وراثة و سهم مقسوم له

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 6.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 529

من اللّه» الوارد في مرسلة حماد بن عيسي «1» الي غير ذلك من اشباهه.

سلمنا ان المراد منه انتقال الاستحقاق اليه عليه السّلام و لكن يجوز الغاء الخصوصية بعد قبضه، فما قبضه عليه السّلام بهذا العنوان أيضا ينتقل الي امام بعده عليه السّلام و مجرد القبض لا يوجب فرقا بعد ظهور هذه الروايات في ان اصل استحقاقه عليه السّلام لهذه الاموال انما هو لمقام الامامة.

3- ما رواه الصدوق باسناده الي ابي علي بن راشد قال: «قلت لأبي الحسن الثالث: انا نؤتي بالشي ء. فقال: هذا كان لأبي جعفر عليه السّلام عندنا فكيف نصنع؟ فقال:

ما كان لأبي بسبب الامامة فهو لي و ما كان غير ذلك فهو ميراث علي كتاب اللّه و سنة نبيه صلي اللّه عليه و آله و سلم». «2»

و الكلام فيه من حيث السند ان ابا علي بن راشد كان من الوكلاء المعروفين لأبي الحسن العسكري (الامام الهادي عليه السّلام) و قد ذكر الكشي رواية بليغة في مدحه و مقامه العالي «3» و هذا كاف في وثاقته حتي ان علي بن مهزيار مع جلالته يعتمد في ظاهر عبارته عليه. «4»

و قد صرح العلامة- قدس سره- في رجاله بوثاقته، و عدّه الشيخ المفيد- قدس سره- من الفقهاء الاعلام و الرؤساء المأخوذ منهم الحلال و الحرام الذين لا يطعن عليهم بشي ء. «5»

لكن في طريق الرواية ضعف، فان ابا علي بن راشد و اسمه الحسن بن راشد و ان كان من وكلاء ابي الحسن الهادي عليه السّلام و قد ورد في شأنه ما يدل

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 8.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب الانفال، الحديث 6.

(3)- جامع الرواة، المجلد 2، الصفحة 404.

(4)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(5)- نقله في معجم رجال الحديث، المجلد 4، الصفحة 324.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 530

علي جلالة شأنه، الا ان في طريق الصدوق- قدس سره- ضعف- كما في جامع الرواة- فالاعتماد عليه مشكل الا انه يمكن اخراجه مؤيدا للمقصود، و قد يستشكل في دلالته- كما في محاضرات العلامة الميلاني- قدس سره- بان ابا علي و ان كان وكيلا للإمام ابي الحسن الهادي عليه السّلام و لكن لم يذكر في الرواية ان الشي ء الذي كان يؤتي به كان

مما قبضه الامام ابو جعفر الجواد عليه السّلام او قبضه وكيله، و لعل العلة في ذلك ان السهم حق مالي او ان السهم ملك لعنوان الامامة، و لم يكن ابو جعفر عليه السّلام قبضه حتي يكون ملكا شخصيا.

هذا و قد رجع في ذيل كلامه و قال: «لكن للتأمل مجال فان جملة «ما كان لأبي» لها عموم خصوصا مع اقترانها بجملة «ما كان غير ذلك فهو ميراث» التي مفادها ما يملكه بغير الامامة». «1»

اقول: مضافا الي امكان الغاء الخصوصية مما قبض بلا اشكال فانه اذا كان السهم المبارك ملكا له لعنوان الامامة، و قد اخذ منه آلافا و كان عنده ثم ارتحل عليه السّلام من الدنيا فهم من الحديث كونه للإمام عليه السّلام من بعده.

و ان شئت قلت: ان قبض الامام عليه السّلام أيضا علي قسمين، تارة يكون بعنوان شخصه و اخري بعنوان ولاية الامر، كما ان قبض الوكيل او الولي او الوصي في ساير المقامات، قد يكون لنفسه و قد يكون من قبل الموكل او المولي عليه او الموصي، و من الواضح اختلاف احكامه فلا يكون مجرد قبض شي ء دليلا علي كونه ملكا شخصيا.

و بالجملة لا ينبغي الشك في عدم صرفه في الميراث و لا يترتب عليه آثار الملك الشخصي و اللّه العالم.

______________________________

(1)- المحاضرات، الصفحة 156.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 531

[ثالثها] حكم سهم السادة في عصر الغيبة

ثالثها: قد عرفت ان سهم السادة لا يسقط في عصر الغيبة بل لا ينبغي الاشكال فيه بعد وجود مصرفه، و حرمان بني هاشم عن الزكاة و عدم امكان ترك ذوي الحاجة منهم بلا تشريع الهي فيكونوا أسوأ حالا من غيرهم.

و لكن الكلام في ان امر هذا السهم أيضا بيد نائب

الغيبة او يجوز للمالك صرفه في مصارفه بشخصه؟

قال المحقق اليزدي في العروة في ذيل المسألة السابعة: «اما النصف الاخر الذي للأصناف الثلاثة فيجوز للمالك دفعه اليهم بنفسه لكن الاحوط أيضا الدفع الي المجتهد او باذنه لأنه اعرف بمواقعه و المرجحات التي ينبغي ملاحظتها انتهي».

و وافقه كثير من المحشين و ظاهر كلامه الاخير ان اعطائه بيد المجتهد احتياط استحبابي ليس من باب احتمال ولايته علي جميع الخمس، بل من حيث كون الفقيه اعلم و اعرف بمواقعه (و ليكن هذا علي ذكر منك).

و قال المحقق النراقي في المستند: «لا يشترط مباشرة النائب العام و هو الفقيه العادل و لا اذنه في تقسيم نصف الاصناف علي الحق للأصل خلافا لبعضهم فاشترط، و نسبه بعض الاجلة الي المشهور». «1»

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 91.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 532

و قال العلامة المجلسي علي ما في الجواهر: «و اكثر العلماء قد صرحوا بان صاحب الخمس لو تولي دفع حصة الامام عليه السّلام لم تبرأ ذمته بل يجب عليه دفعها الي الحاكم، و ظني ان هذا الحكم جار في جميع الخمس». «1»

و صاحب الجواهر نفسه صرح في نجاة العباد بجواز تولي المالك لصرف نصيب غير الامام، و ان كان الأحوط احتياطا شديدا دفعه الي ناب الغيبة.

و استدل لعدم وجوب الاستيذان:

اولا: باصالة العدم كما صرح به في مستند الشيعة و مستند العروة.

و فيه: ان الاصل كما عرفت سابقا في امثال المقام هو الاشتغال، لان المفروض تعلق حق السادة بماله و لا يحصل اليقين بالبراءة منه الا بدفعه باذن الحاكم الشرعي.

و ثانيا: انه ملك لعنوان السادة و دفع الملك لمالكه لا يحتاج الي اذن الحاكم الشرعي.

و فيه: ان

دفع الملك الي مالكه او بعبارة اصح تطبيق الملك الثابت لعنوان عام علي بعض افراده قد يحتاج الي اذن الولي او المتولي، و ذلك كالوقف الخاص علي الاولاد او الوقف علي الطلاب مثلا لا يقتضي جواز تصرف كل واحد من الموقوف عليهم في غلة الوقف بدون وساطة المتولي في ذلك، كما انه لا يجوز لمستأجري العين الموقوفة في هذه المقامات ايصال الغلة مستقيما الي ايدي الموقوف عليهم بل عليهم دفعها الي المتولي، و علي الموقوف عليهم اخذها منهم.

و الحاصل: ان ما ذكر من انه لا يمكن اعتبار الاذن في دفع المال الي مالكه ممنوع بان مفروض البحث ليس هو المالك الشخصي بل هو المالك

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 178.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 533

العنواني و جواز تطبيق العنوان علي فرد يحتاج الي دليل و القدر المتيقن منه هو ما اذا كان باذن المالك اما غيره فمشكل جدا.

ثالثا: ان هذا السهم من الخمس- كما مر- بدل عن الزكاة و الصدقات الممنوعة لبني هاشم، و من المعلوم جواز دفع المالك الزكاة بنفسه الي الفقراء فيجوز في الخمس أيضا.

و فيه: انك قد عرفت ان البدلية ليست في جميع الاحكام، و القدر المتيقن منه هو المشابهة في المصرف، فان قلنا مثلا في الزكاة لا يجوز دفعها الي خصوص المنتسب الي هاشم من ناحية الاب، فكذا الخمس لا يجوز دفعها الا لمن كان منتسبا كذلك، و اما في ساير الاحكام (غير شرائط المصرف) فاتحادهما غير ثابت، بل الثابت الاختلاف في كثير من الاحكام كما ذكرنا سابقا.

رابعا: يمكن التمسّك باطلاقات ادلة الخمس، فانها دليل علي وجوب ادائه و ايصاله الي مصارفه مطلقا سواء كان باذن الامام

عليه السّلام او نائبه عليه السّلام أم لم يكن.

و فيه: انه لا اطلاق هناك بعد كون مفاد اطلاقات الادلة في زمن الحضور ايصال الخمس باجمعه الي الامام المعصوم عليه السّلام او وكلائه، و ايصال الخمس حتي سهم فقراء بني هاشم الي اربابه لم يكن معمولا بين الاصحاب اصلا، و مع ذلك كيف يمكن دعوي الاطلاق في الادلة؟

و ان شئت قلت: كثير من ادلة وجوب الخمس صريحة او ظاهرة في ايصاله الي الامام عليه السّلام و اما غيرها مما يدل علي وجوب الخمس مثلا في المعدن او في خمسة اشياء فانما هي في مقام بيان اصل الوجوب لا في مقام بيان كيفية ادائه، فالاخذ بالاطلاق مشكل علي كل حال.

هذا و يمكن الاستدلال علي وجوب الاستيذان بامور:

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 534

1- ما عرفت من استقرار السيرة في عصر الظهور علي ايصاله باجمعه اليهم- عليهم السلام- و لم يعهد صرفه في مصارفه مستقلا كما في الزكاة، و قد كان عندهم محاويج من بني هاشم و مع ذلك لم نسمع باعطائهم شيئا من الخمس، و هذه السيرة ترشدنا الي ان امر الخمس- حتي بالنسبة الي سهم السادة- كان بايديهم- عليهم السلام- فيشكل دفعه الي غيرهم و غير وكلائهم.

و لهذا كانوا ينصبون الوكلاء لأخذ الاخماس باجمعها لا خصوص سهم الامام عليه السّلام و هذا دليل علي كون امره جميعا بايديهم لا سيما مع بعض التأكيدات الصريحة الواردة في الاخبار كقوله عليه السّلام في خبر علي بن مهزيار:

«فمن كان عنده شي ء من ذلك فليوصله الي وكيلي و من كان نائيا بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله و لو بعد حين» «1» و القول بان ذلك من جهة عدم وجود السادة عندهم ممنوع جدا بعد

انتشار بني هاشم- ادام اللّه تاييداتهم في اقطار الارض في تلك الايام بل و قبله.

2- التحليل و لو في موارد خاصة، او في زمن خاص، و شبهه شاهد علي كون الامر في هذه المسألة لا يتجاوز عنهم- عليهم السلام- و انهم- عليهم السلام- و ان لم يكونوا مالكين لها الا ان الولاية علي تقسيمه بين اهله كانت لهم.

3- اضف الي ذلك ان الاصل يقتض الاشتغال و الاستيذان لما مر عليك ذكره آنفا. فمن جميع ذلك يعلم ترجيح القول بوجوب دفع الجميع الي الحاكم في زمن الغيبة كما كان يجب دفعه في زمان الحضور الذي حاكه في مصباح الفقيه عن بعض، «2» و مال اليه بعض اعلام العصر و لا أقل من ان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(2)- مصباح الفقيه، الصفحة 160.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 535

يكون الصرف باذنهم.

فالأحوط بل الاقوي في عصر الغيبة كون الامر فيه أيضا بايدي نواب الغيبة، و انه لا يجوز صرفه في مصارفه من بني هاشم الي باذنهم.

*** المسألة السابعة: هل يجوز دفع الخمس إلي غير من يقلده في الأحكام الشرعية؟

المعروف بين غير واحد ممن عاصرناه انه لا بد لكل مكلف من دفعه الي مرجعه او وكيله او من اذن له، و قد يستثني ما اذا علم بان غيره من المجتهدين ممن يدفع اليهم يصرفونه فيما يصرفه مرجعهم في التقليد فيه، و ان نظره مثل نظره في المصرف كما و كيفا.

و الوجه في هذا الفتوي انه اذا دفعه الي من يصرفه في غير هذا المصرف لم تبرأ ذمته، بل اذا شك في ذلك كان الاصل أيضا عدمه.

لكن هذا فرع كون الفقيه وكيلا من قبل المالك، و كون وظيفة الوكيل مراعات

حال الموكل.

اما اذا قلنا بان الفقيه انما يأخذه من باب الولاية العامة الثابتة للفقهاء- ايدهم اللّه- بادلة الولاية، فلو اعطاه بيد الولي فقد برئت ذمته لان هذا هو مفهوم الولاية كمن دفع مال الغائب الي الفقيه الذي هو ولي الغيب، و اما الولي فله صرفه في مصارفه طبقا لعقيدته، هذا من طريق الفتوي.

و هناك طريق آخر لوجوب دفعه الي مرجعه من باب مقام الحكم، بان يحكم مرجعه بلزوم دفعه اليه لإقامة الحوزات العليمة و شبهها من المصارف اللازمة عنده، و من المعلوم وجوب اطاعته في هذا الحكم.

هذا و لكن دائرة الحكم اوسع من مقلديه كما لا يخفي علي الخبير اللهم

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 536

الا ان لا يري المصلحة باجراء الحكم علي غير مقلديه نظرا الي ملاحظة حال سائر الفقهاء.

و هناك طريق ثالث لوجوب دفعه الي المراجع و هو ان اهم مصارف الخمس في عصرنا، بل القدر المتيقن منه هو اقامة الحوزات العليمة و تحصيل نفقة طلاب العلم و رواده، و بث احكام الإسلام و معارفه في بلد الإسلام و ساير اقطار الارض.

و من الواضح ان امر هذه الامور في الحال الحاضر انما هو بيد المراجع الدينية دون غيرهم، حتي ان الولي الفقيه الذي له زعامة الحكومة في عصرنا يعتني بشئون اخري لبلد الإسلام من الامور السياسية و الاقتصادية و غيرها، و لها مداخل اخري غير الخمس.

و اما الشئون الدينية بمعناها الخاص تكون تحت اشراف الفقهاء المراجع، فما دام الامر كذلك فالاحوط لو لا الاقوي وجوب صرفه في مصارفه باذنهم و دفعه اليهم او الي وكلائهم، لكن لازم ذلك دفعه بايدي بعض المراجع لا خصوص مرجعه في التقليد فتدبر فانه حقيق

به.

و هناك طريق رابع و هو ان يكون امر المراجع بدفعه اليهم من باب الاستدعاء و العمل بالاصلح لا الامر الواجب الشرعي فيكون كالأوامر الارشادية، و من الواضح انه لا يجب اطاعته علي مقلديهم و ان كان اولي بخلاف التوجيهات الثلاثة السابقة فان لازمها وجوب الاطاعة و امتثال هذا الامر.

ان قلت: لازم ذلك علي كل حال قد يكون حرمان بني هاشم في ساير البلاد عن حق السادة و حرمان ساير حملة الدين و ناشري شريعة سيد المرسلين في البلاد النائية عن سهم الامام عليه السّلام.

قلنا: كلا لا يلزم ذلك فان اللازم علي الفقهاء و المراجع الدينية الاشراف

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 537

علي جميع البلاد من طريق الوكلاء و العلماء في ذلك، لا النظر الي خصوص بلدهم و خصوص الحوزة العلمية الكبري كما لا يخفي علي الخبير، و قد وصل إلينا اخيرا خبر من البلد الشقيق افغانستان و ان بعض الاكابر من المراجع الماضين اجاز لهم صرف جميع الوجوه الشرعية الحاصلة من جميع البلد في خصوص بلادهم في سنة خاصة و عدم ارسال شي ء منها الي الحوزات العلميّة الكبري لما هم عليه من العسر الشديد و الحاجات التي يطلبها الجهاد في مقابل الاعداء، و قد طلبوا منّا أيضا تمديد هذه الاجازة لسنة اخري و قد اجزنا لهم ذلك و هذه سنة 1412 من الهجرة النبوية علي هاجرها السلام.

و هذا اوضح شاهد علي عدم لزوم حرمان البلاد النائية و الحوزات البعيدة، كيف و جميعها تحت اشرافه و رعايته.

*** المسألة الثامنة: هل يجوز نقل الخمس من بلد إلي بلد آخر

اشارة

، و هل يضمنه لو تلف اثناء الطريق او قبل دفعه الي وليه او اربابه؟

قد ذكر في العروة هنا فروعا ستة في هذا السبيل (من

المسألة الثامنة الي الثالثة عشر) لا بد من التعرض لها واحدا بعد واحد، فنقول و من اللّه جل ثنائه نستمد التوفيق و الهداية:

قال في المدارك في شرح قول المحقق: «لا يحل حمل الخمس الي غير بلده مع وجود المستحق و لو حمل و الحال هذه ضمن و يجوز مع عدمه» ما نصه:

«لا ريب في جواز النقل مع عدم المستحق لأنه توصل الي ايصال الحق الي مستحقه، اما مع وجوده فقد قطع المصنف و جماعة بالمنع منه لأنه منع للحق مع مطالبة المستحق فيكون حراما و يضمن لو فعل لعدوانه.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 538

ثم قال و الأصحّ ما اختاره الشارح (اي صاحب المسالك) من جواز النقل مع الضمان خصوصا لطلب المساواة بين المستحقين». «1»

و قد حكي النراقي في المستند عن النافع و المنتهي و التحرير و الدروس أيضا عدم الجواز مع وجود المستحق. «2»

و في الحدائق سوي بين المسألة و مسألة الزكاة بينما ذكر في تلك المسألة ان المشهور التحريم و اسنده في التذكرة الي علمائنا اجمع. «3»

و لكن المشهور و المعروف بين المعاصرين و من قارب عصرنا هو الجواز، بل استقرت عليه سيرتهم لا سيما بناء علي وجوب دفعه الي المراجع او اولويته، و عليه المحقق اليزدي في العروة و اعلام المحشين.

اذا عرفت ذلك فلنرجع الي ادلة المسألة و نقول:

اما جواز نقله مع عدم وجود المستحق في البلد فمما لا ينبغي الاشكال فيه، بل قد يجب لان حبسه مع امكان ايصاله الي مستحقيه حرام مخالف لوجوب دفع الحق الي صاحبه و مناف للفورية المستفادة من الاوامر، و من الواضح انه لو تلف و الحال هذا كان ضامنا لان المفروض تقصيره

في هذا السبيل.

أما مع وجود المستحق فقد استدل لعدم جواز نقله بأمور:

1- «انه مناف للفورية و استلزامه تأخير الحق مع مطالبة صاحبه و لو بلسان الحال» هكذا في بعض العبارات من الاكابر، و الانصاف انه لا يحتاج وجوب دفع الحق الي صاحبه الي مطالبته لا بلسان القال و لا بلسان الحال، بل امساكه

______________________________

(1)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 410.

(2)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 86.

(3)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 239.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 539

بدون اذنه حرام.

هذا و لكن قد يورد علي هذا الاستدلال صغري و كبري: اما الاول فبانه قد لا يكون فيه منافاة للفورية بان كان ايصاله في البلد يحتاج الي الفحص و التحقيق عن المستحقين مع علمه اجمالا بوجودهم فيه حينما لا يحتاج الارسال الي مزيد مؤنة بان كان الامين مع الوسيلة السريعة حاضرا، او كان له وكيل في البلد الاخر يتصل معه بالهاتف و شبهه. و هذا الاشكال جيد.

و اما الكبري فلما ذكره في مستند العروة «1» من عدم وجود دليل علي الفورية، غايته عدم جواز التهاون و المسامحة كما في ساير الواجبات الالهية و ذاك امر آخر، و عدم رضا مستحقي البلد بالنقل لا يقدح بعد كون المالك طبيعي السادة المستحقين (انتهي).

اقول: الانصاف ان الفورية مما تدل عليها طبيعة الاوامر- كما ذكرنا في محله- فان الامر يدعو الي ايجاد متعلقه، و ليست لهذه الدعوة حالة منتظرة و ان هو الا كالتحريك باليد نحو العمل و دفع المأمور بيده الي الخروج من الدار مثلا.

هذا مضافا الي ان الامر في باب الحقوق و الاموال اوضح فلا يحل امساكها بغير اذن صاحبها، و مقتضي القاعدة ايصال كل مال الي صاحبه فورا لان الامساك محتاج الي الدليل

و هذا ظاهر.

و قد ذكر المحقق الهمداني في توجيه جواز التأخير بان الحق غير منحصر بمن يطلبه في البلد و لا يرضي بتأخيره، فان من يحمل اليه في غير البلد أيضا من المستحقين، و قد لا يرضي هو أيضا بذلك و لا مدخلية لرضا اشخاص

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 322.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 540

المستحقين و عدمه، بل الامر في تعيين الاشخاص موكول الي المالك. «1»

قلت: لكن يرد عليه انه ليس الكلام في عدم رضا هذا المستحق و ذاك المستحق، بل الكلام في انه ملك لهذا العنوان و مصاديقه موجودة في البلد و لا يجوز امساك مال الغير بغير دليل و لا تأخيره في ادائه، فالامساك هو الذي يحتاج الي دليل، لا الفور في الاداء.

نعم الفورية المعتبرة هنا هي الفورية العرفية التي لا تنافي برهة قصيرة من الزمان لا مثل الشهر و الشهرين الذي ورد في كلام المحقق الهمداني.

و ما قد يقال من ان التأخير ربما يكون لطلب الاستيعاب و المساوات بين المستحقين او الاشد حاجة فيجوز مع هذا القصد، كما في بعض كلمات المحقق المذكور ممنوع بان هذه امور مستحبة لا يجوز تأخير اداء الحق الواجب الي مستحقيه بامثالها كما لا يخفي.

2- و استدل أيضا لعدم جواز النقل بانه تغرير للمال و تعريض لتلفه.

و فيه اولا: انه كثيرا ما لا تغرير فيه ابدا بل قد يكون نقله احسن اذا كان البلد غير مأمون، و ثانيا ان هذا المشكل يندفع بضمانه كما هو ظاهر.

3- انه ورد في ابواب الزكاة ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كان يقسم صدقة اهل البوادي علي اهل البوادي، و صدقة اهل

الحضر علي اهل الحضر. «2»

و الخمس مثل الزكاة في هذه الامور لعنوان البدلية.

و فيه: انهم حملوها في موردها علي الاستحباب فكيف بالمقام، مضافا الي ما عرفت غير مرّة من عدم عمومية حديث البدلية.

فتحصل من جميع ذلك عدم تمامية شي ء من ادلة عدم جواز نقل الخمس

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 150.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 38 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 541

من بلد الي بلد.

نعم اذا كان ذلك منافيا للفور الواجب لم يجز، كما انه قد يكون الامر بالعكس اي يكون التقسيم في البلد منافيا للفور لعدم معرفة المستحقين و احتياجها الي فحص و تحقيق مع كون غير البلد سهل الوصول جدا لقربه او امكان التوكيل او غير ذلك.

بل يمكن اخذ الاجازة من نائب الغيبة في هذا التأخير، و يجوز له ذلك اذا رأي فيه مصلحة لا بد من مراعاتها او يفضل مراعاتها.

و يمكن الاستدلال علي الجواز بأمور:

1- الاصل هو الجواز لان الكلام في الحكم التكليفي هنا و هو جواز نقله شرعا و الاصل هو البراءة.

2- السيرة المستمرة التي كانت في اعصار الائمة- عليهم السلام- من انهم ينقلون الاخماس اليهم- عليهم السلام- او الي وكلائهم، و قد ورد التصريح به في غير واحد من روايات الخمس، و قد مر ذكرها عليك لا سيما ما عرفت في صحيحة علي ابن مهزيار من قوله عليه السّلام: «و من كان نائيا بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله و لو بعد حين». «1»

و دعوي ان ذلك كله كان بسبب عدم وجود المستحق في البلد، دعوي باطلة بعد انتشار السادة و غيرهم في البلاد.

و حيث ان نائب الغيبة نائب عنه عليه السّلام في جميع هذه الامور فيحمل الخمس

اليه.

و لكن يرد عليه بان مفروض الكلام ما اذا كان في البلد بعض نواب الغيبة فاراد نقله الي نائب آخر في بلد آخر، و السيرة لا تدل علي جواز ذلك.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 542

3- النصوص الواردة في جواز نقل الزكاة من بلد الي بلد، مثل ما رواه هشام بن الحكم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يعطي الزكاة يقسمها الي ان يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها الي غيرها؟ فقال: لا بأس. «1»

و اصرح منه ما رواه احمد بن حمزة قال: «سألت ابا الحسن الثالث عن الرجل يخرج زكاته من بلد الي بلد آخر و يصرفها في اخوانه فهل يجوز ذلك؟ قال: نعم». «2»

الي غير ذلك مما ورد في هذا المعني.

و اذا جاز في الزكاة ذلك فليجز في الخمس الذي هو بدل له.

و لكن يرد عليه ما مر من الاشكال في حديث البدلية.

هذا و العمدة في الجواز هو الاصل.

*** هذا كله من ناحية الحكم التكليفي و اما من جهة الحكم الوضعي- اي الضمان لو تلف- فتارة يفرض الكلام فيما اذا لم يجد مستحقا في البلد فنقله الي غيره فتلف من دون تعد و تفريط، و صرح المحقق اليزدي في العروة بعدم الضمان و وافقه جماعة من المحشين، بل عن المنهي الاجماع عليه، و لكن عبارة العلامه- قدس سره الشريف- في المنتهي غير ظاهر في دعوي الاجماع و ان كان عدم الضمان مذهبه نفسه. «3»

و استدل له تارة بالاصل اعني القاعدة المعروفة و انه ليس علي الامين ضمان عند عدم التقصير، و المفروض

ان جواز الايصال يجعل المال امانة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 37 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- نفس المصدر، الحديث 4.

(3)- راجع المنتهي، المجلد 5، الصفحة 552.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 543

شرعية في يده كما ان المفروض عدم تقصيره في الحفظ.

و اخري بظاهر التعليل الوارد في ابواب المستحقين للزكاة في صحيحة محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتي تقسم؟ فقال: اذا وجد لها موضعا فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتي يدفعها، و ان لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها الي اهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده». الحديث. «1»

و يرد علي الاول بان الامين و ان لم يكن ضامنا بلا اشكال الا ان الكلام في ان الخمس هل ينعزل بالعزل أم لا؟ و ان شئت قلت: ان الزكاة يجوز عزله من ناحية المالك، فتتلون بهذا اللون و يخرج من المال و تكون امانة شرعية في يد صاحبها، و لكن في جواز ذلك في الخمس اشكال كما صرح به صاحب العروة نفسه في المسألة 15 من نفس الباب، نعم للمالك ادائه من اي قسم من امواله اراد، و لكن لا يكون خمسا الا اذا دفعه الي اربابه.

و حينئذ ان حمل المال كله الي ارباب الخمس فضاع الجميع لا اشكال في عدم الضمان، كما انه لو صرف اربعة اخماس منه في مصارف اخري و بقي منه الخمس فحمله فضاع فلا اشكال أيضا، انما الكلام في ما اذا بقي الباقي او بقي في البلد منه بمقدار الخمس، فانه علي القول بكون شركة ارباب الخمس علي

نحو الكلي في المعين يكون حقهم في الباقي و التلف وقع في مال نفسه، و علي الاشاعة يكون التلف لكل من المالك و ارباب الخمس بالنسبة.

و ان شئت فقل: انه من قبيل اداء الدين، فاذا كان الانسان مديونا لأحد فحمل بعض امواله اليه فضاع قبل دفعه اليه فلا اشكال في كون ضياعه من مال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 39 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 544

نفسه، فكذا المقام.

و الحاصل: انه ليس الاشكال في عدم ضمان الامين، انما الاشكال في تلون ما يحمله الي اربابه بهذا اللون اعني الخمس.

و منه يظهر الاشكال في الاستدلال الثاني بعموم تعليل الرواية، فانها واردة في الزكاة و ما اشبهها مما يمكن عزله و يتلون بلونها، و اما فيما نحن فيه فليس الامر كذلك بل الخمس باق في باقي المال كما عرفت.

و لذا قد صرح في بعض روايات باب الزكاة بذلك، ففي رواية ابي بصير عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «اذا اخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سماها لقوم فضاعت او ارسل بها اليهم فضاعت فلا شي ء عليه». «1»

فان قوله: «سماها لقوم» دليل واضح علي جواز عزل الزكاة بالنية، و لم يقم دليل علي ذلك في الخمس فلا يقاس عليها.

اللهم الا ان يقال: قول ابي سيار مسمع عبد الملك في روايته المعروفة:

«اني كنت وليت الغوص فاصبت أربعمائة الف درهم و قد جئت بخمسها ثمانين الف درهم … ». «2»

دليل علي جواز العزل و لكنه لا يخلو عن اشكال، و تمام الكلام في المسألة 15.

و يمكن ان يقال: ان جعل التالف علي المالك هنا مع انه لم ينقله الا بمصلحة ارباب الخمس

نوع اضرار به فينتفي بادلة نفي الضرر.

و بعبارة اخري: كيف يمكن تضمين المالك (و لو مرارا متعددة) اذا نقل المال لإيصاله الي ارباب الخمس و لم يقصد بذلك الا التقرب الي اللّه باداء

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 39 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 545

تكليفه من هذه الجهة مع ما ورد من عدم الضرر و الضرار في الاحكام الاسلامية و عدم الحرج فيها؟

فبهذا يمكن نفي الضمان و كفايته في الاخراج، و لكن يرد عليه النقض في ساير الديون، فمن كان مديونا بزيد الف دينار فحمله اليه و اراد بذلك اداء دينه تقربا الي اللّه فتلف من غير تعد و تفريط، ثم حمله ثانيا فكان عاقبة امره كذلك أيضا، فهل يمكن الحكم بابراء ذمته نظرا الي قاعدة لا ضرر و نفي الحرج؟

و ان شئت قلت: هذا نظير ما ذكروه في قاعدة لا ضرر من انه اذا كان الضرر متوجها الي شخص اولا و بالذات لا يمكن دفعه بالاضرار بالغير، مثل ما اذا جري السيل الي دار فلان لا يجوز توجيهه الي دار غيره لدفعه عن نفسه، و الضرر هنا بطبيعة الحال متوجه الي المالك فلا يمكن توجيهه الي ارباب الخمس لنفي الضرر عن المالك.

هذا كله اذا لم يجد محلا له في البلد، و اما اذا وجد له اهلا فلم يدفعه اليهم فضمانه اولي و اظهر، لأنه مقتضي القاعدة اعني قاعدة الاشتغال، مضافا الي جريان التعليل الوارد في صحيحة محمد بن مسلم فيه بطريق اولي، لأنه ان انعزل الخمس بعزل المالك كان داخلا في اطلاق التعليل، و

ان لم ينعزل كان باقيا في ملكه فالتلف انما هو من ماله، هذا اذا قلنا بان تعلق الخمس بالمال من باب الكلي في المعين، و لو كان من قبيل الاشاعة يكون التلف من الجانبين لو لم يكن هنا تعدّ و تقصير، و لو كان ذلك كان كله عليه و لو من جهة ترك الاداء فورا بناء علي وجوبه.

هذا كله اذا كان النقل سببا لتأخير الاداء- كما هو الغالب- و لو لم يكن كذلك بل كانا متساويين، او كان النقل سببا لسرعة الاداء- كما قد يتفق- فالحكم بالضمان كالصورة السابقة بلا تفاوت.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 546

المسألة التاسعة: إذا أذن الفقيه في النقل

فقد صرح في العروة الوثقي بانه ليس عليه ضمان و لو مع وجود المستحق، و كذا لو و كله في قبضه عنه بالولاية العامة ثم اذن في نقله.

اما الصورة الثانية فالامر فيها واضح، فانه بعد القبض من قبل الفقيه يخرج الخمس عن ماله و ينحصر في المقبوض، و يده حينئذ عليه يد امانة لا تضمن ما لم يفرط فيها.

و اما عند عدم التوكيل بل كان هناك مجرد اذن الحاكم في النقل، فقد استدل لعدم الضمان فيه في مستند العروة بان عدم الضمان انما هو لكون يده يد المأذون، لأنه باذن الولي في التصرف فتخرج عن كونها يد ضمان. «1»

قلت: و لكن يأتي فيه الاشكال الذي مر في المسألة السابقة من انه لا ينعزل الخمس بعزل المالك ما لم يقبضه الحاكم او ارباب الخمس، و حينئذ يكون التلف من ماله، و مجرد الاذن في النقل بدون الاذن في قبضه غير كاف في صرورته خمسا.

اللهم الا ان يقال: ان اذن الفقيه في نقل الخمس اليه لا ينفك

عن الاذن بافراز حق ارباب الخمس في مال معين و الا لا يكون معني لنقل الخمس، فالحكم بعدم الضمان حينئذ قوي. نعم اذا حمل جميع المال اليه بقصد افراز الخمس عنده فتلف بعض المال لا جميعه امكن الحكم بالضمان، بناء علي كون الخمس في المال من باب الكلي في المعين، و لو قيل بالاشاعة تلف من الجانبين بالنسبة.

***

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 334.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 547

المسألة العاشرة: قال في العروة الوثقي [مؤنة النقل علي الناقل في صورة الجواز]

: مؤنة النقل علي الناقل في صورة الجواز، و من الخمس في صورة الوجوب،

و وافقه علي ذلك كثير من المحشين.

و استدل غير واحد لعدم الوجوب في الصورة الاولي بانه لا دليل علي اخراجها عن الخمس بعد عدم وجوب النقل و عدم توقف اداء الواجب عليه، و مقتضي قاعدة الاشتغال اداء جميع الخمس و لا ينقص منه شيئا.

كما استدل علي الثاني اعني كون المئونة من الخمس بانه موجب لضرر المالك، و من الواضح ان وجوب الايصال لا يقتضي الا وجوب النقل، اما وجوب تحمل الضرر في هذا السبيل فهو منفي بادلة نفي الضرر (هذا هو الذي يستفاد من المستمسك و مستند العروة و غيرها).

و لكن لقائل ان يقول: ان المئونة في الصورة الثانية أيضا علي المالك لأنه من قبيل مقدمة الواجب، فان الايصال واجب عليه فيجب عليه بذل المال لأنه مقدمة له، و ان هو الا كأداء الديون ورد الامانات فلو وجب عليّ اداء دين و توقف ذلك علي بذل المال كالمصارف التي يأخذها البنوك لإيصال هذا المال الي صاحبه لا يمكن اخذه من اصل الدين.

و كذلك الامر في باب الأمانات، فانه اذا وجب عليّ ايصال امانة الي اهلها وجب بذل المال في

هذا السبيل أيضا.

و ان شئت قلت: ان كان مجرد تخلية اليد عن مقدار الخمس و اعلام اربابه او الحاكم الشرعي كافيا في اداء الواجب عليه، لم يجب عليه بذل المال، و اما ان لم يكن مجرد التخلية كافية بل وجب عليه ايصالها الي اهلها كما هو ظاهر قوله: «فليتعمد لإيصاله و لو بعد حين» في صحيحة علي بن مهزيار «1» و غيرها مما يدل علي هذا المعني، فلما ذا لا يجب عليه بذل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 548

المال في هذا السبيل؟ و لا يشمله ادلة نفي الضرر كما في ساير المقدمات مثل بذل المال في طريق تطهير المساجد او الثياب للصلاة، او تحصيل الماء للوضوء و غيرها، فهل يجوز لأحد نفي شي ء من ذلك من باب الضرر؟

نعم اذا حصل منه ضرر كثير- كما اذا استلزم اداء خمسين- لإيصال الخمس، ربما يمكن نفيه بادلة الحرج كما ذكروه في باب الوضوء اذا لا يمكن تحصيله الا ببذل مال كثير فراجع و تدبر.

*** المسألة الحادية عشرة: ذكر المحقق اليزدي- قدس سره الشريف- صورا ثلاثة

و نفي كونها من النقل و ان كان فيه نتيجة النقل.

احدها: ما اذا كان له مال في بلد آخر، فدفعه فيه للمستحق عوضا عن الذي عليه من الخمس.

ثانيها: ما لو كان له دين في ذمة مستحق في بلد آخر فاحتسبه من الخمس.

ثالثها: لو نقل شيئا من امواله التي لا يتعلق به الخمس او نقل خمسه الي بلد آخر فبذله من باب الخمس لان المالك يجوز له التبديل.

كل ذلك لعدم صدق عنوان النقل عليه، فلا يشمله دليل الحرمة او الكراهة.

اقول: لم يرد في شي ء من الادلة عنوان النقل

لا في معقد الاجماعات (لان المسألة كما عرفت ليست اجماعية) و لا في غيره من الادلة التي ذكروها في المسألة، و قد عرفت ان عمدة الدليل علي حرمته عند وجود المستحق في البلد احد امور:

اولها: منافاتها للفورية فان كان ذلك فبعض هذه الصور الثلاث ينافي

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 549

الفور، و بعضها لا ينافي، بل بعضها قد ينافي و قد لا ينافي- كما هو واضح للخبير- ففي كل مورد لا بد من ملاحظة الفورية.

و ثانيها: كونه موجبا للتغرير و الخطر بمال الخمس، فلو كان الدليل هذا لم يكن اشكال في شي ء من المواضع الثلاثة لعدم التغرير بمال الخمس.

و ثالثها: ما ورد عن فعل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم في ابواب الزكاة، و انه كان يقسم صدقة اهل البوادي علي اهلها و اهل الحضر علي اهله (بناء علي توافق حكم الخمس و الزكاة هنا) فان كان الدليل هذا لا يجوز شي ء من الصور المذكورة، لأنها تمنع عن تقسيم خمس كل بلد علي اهله.

و بالجملة مقتضي الادلة مختلفة، و العجب من الاعلام حيث افتوا هنا بعدم كون هذه الصور الثلاث من النقل من دون اعتناء بشأن ادلة حرمة النقل، بل اكتفوا بعدم صدق النقل عليها مع عدم ورود هذا العنوان في الادلة.

*** المسألة الثانية عشرة: هل المدار في البلد (علي القول بلزوم صرف الخمس في البلد) هو بلد المالك أو بلد المال؟

قال في العروة:

لو كان (المال) الذي فيه الخمس في غير بلده فالاولي دفعه هناك، و يجوز نقله الي بلده مع الضمان

، و وافقه جماعة المحشين.

و ظاهره كون المدار علي بلد المال، فلو قلنا بحرمة النقل او الضمان مع النقل يكون العبرة ببلد المال، و اللازم هنا أيضا الرجوع الي الادلة السابقة فان كان المدار علي منافاة النقل

للفورية كما هو المختار، فلو كان المال في بلد آخر و كان نقله مستلزما للتأخير لم يجز ذلك، و هكذا لو كان المدار علي وقوع المال في الخطر، و اما بناء علي ما حكي عن فعل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فالواجب او المستحب دفع الخمس في خصوص بلد المال، و اما اضافة

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 550

الاموال الي مالكيها بقوله: «اموال اهل البوادي و اموال اهل الخصر» فهي مبنية علي الغالب من وحدة بلد المال و بلد المالك، فلا اطلاق لها بالنسبة الي غيرها حتي يستظهر منها ان المعيار هو بلد المالك و الظاهر ان حكمه بالأولوية ناظر الي الاخير المبني علي الاستحباب.

و اما مسألة الضمان فهو مبني علي ما مر من جواز العزل و عدم جوازه، و وجود المستحق في بلد المال و عدم وجوده هناك، فالكلام فيه كما مر.

*** المسألة الثالثة عشرة: هل التفاصيل السابقة في مسألة نقل الخمس من بلد إلي بلد ناظرة إلي خصوص سهم السادة

، او تشمل سهم الامام عليه السّلام؟

ظاهر عبارة العروة الوثقي انها مختصة بسهم السادة حيث قال: ان كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلده جاز نقل حصة الامام عليه السّلام اليه بل الاقوي جواز ذلك، و لو كان المجتهد الجامع للشرائط موجودا في بلده أيضا بل الاولي النقل اذا كان من في بلد آخر افضل او كان هناك مرجح آخر (انتهي).

و لكن لم يذكر حكم الضمان لو تلف لا سيما في الصورتين الاخيرتين، و لعل ظاهر كلامه عدم الضمان، و يظهر من مستند العروة أيضا امضاء هذا الفرق.

هذا و الانصاف انه لا فرق بين المسألتين، فلو قلنا بعدم الجواز في سهم السادة اذا كان يوجد له مصرف، فكذا في سهم الامام عليه السّلام لا يجوز

نقله مع وجود المجتهد الجامع للشرائط في بلده، و اذا لم يوجد يجوز نقله الي غير البلد و حكم الضمان في المسألتين واحد، و دليل الفور او الخطر جار في المسألة أيضا، نعم يمكن ان يقال رواية تقسيم الصدقات في عصر

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 551

النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم ناظرة الي خصوص سهم الفقراء، و تجري في خصوص سهم السادة هنا.

و الحق ما عرفت سابقا من ان تقسيم الخمس الي القسمين، و دفع سهم السادة اليهم من قبل المالك، و دفع النصف الاخر الي الامام عليه السّلام او نائبه لم يكن معمولا في عصر الائمة- عليهم السلام- بل المتداول في تلك الاعصار جميعا حمل كل الخمس اليهم او الي وكلائهم من دون فرق بين السهمين، فالحكم بالجواز في الجميع جيد و لكن لا يرتفع الضمان بذلك لما عرفت من الاشكال في انعزاله بالعزل.

كما انك قد عرفت ان الاحوط لو لا الأقوي صرف سهم الامام عليه السّلام في اعصارنا في تحكيم قواعد الحوزات العلمية و نفقة طلاب الدين و تعظيم شعائره و بث الاحكام بين الانام في مختلف بلاد العالم لا سيما بين المسلمين المستضعفين، فيحمل الي من يكون هذه الامور تحت اشرافه من المراجع الدينية، و لو كان غير اعلم كما لا يخفي.

*** المسألة الرابعة عشرة: هل يجوز دفع القيمة بالنقد الرائج بدل الخمس المتعلق بالمال

، او دفع جنس آخر عوض الجنس الذي تعلق به الخمس؟

صرح صاحب العروة هنا و في المسألة 75 من المسائل التي ذكرها في باب ما يجب فيه الخمس، بتخيير المالك بين اداء العين او قيمته او عوضه من جنس آخر، و قد وافقه عليه كثير من المحشين، و لكن خالف بعض سادة اساتذتنا في

خصوص الدفع من جنس آخر.

و الظاهر انه لا وجه لتكرار المسألة هنا الا بعنوان التوطئه، لما ذكره بعده

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 552

من عدم جواز محاسبة العروض باكثر من قيمته و ان رضي المستحق.

و كيف كان اما اصل المسألة فقد مر الكلام فيها مبسوطا عند ذكر المسألة 75 من المسائل التي ذكرناها هناك.

و مجمل القول فيه انه لا ينبغي الاشكال في جواز تبديل الخمس بالقيمة من النقد الرائج، و لعله مما لا اشكال فيه بين الفقهاء، و ما قد يتراءي من الاشكال فيه في مستند الشيعة بقوله: «مقتضي الآية و الاخبار تعلق الخمس بالعين فيجب ادائه منها و لا يجوز العدول الي القيمة الا اذا اعطي العين الي اهلها ثم اشتراها منه» «1» في غير محله قطعا.

و ذلك لاستقرار السيرة عليه قديما و حديثا، فالبقال الذي له اجناس مختلفة في دكانه اذا جاء رأس السنة و تعلق به الخمس لا يحمل من كل نوع من انواع ما عنده خمسه الي الامام عليه السّلام او نائبه بل و لا الي السادة، بل يحسبه بحساب النقد الرائج و يؤديه، و كذا صاحب المعدن لا يؤدي من ترابه، و صاحب الاودية و الاقمشة و اللؤلؤ و القصيب و الاشجار و غيرها لا يؤدون الا القيمة كما هو الظاهر.

و ما ورد في غير واحد من الروايات شاهد عليه، مثل ما ورد في رواية مسمع بن عبد الملك ابي سيار من انه حمل ثمانين الف درهما قيمة ثلث ما استخرجه بالغوص. «2»

و ما ورد في حديث الريان بن الصلت من سؤاله عن تعلق الخمس بثمن السمك و شبهه. «3»

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 91.

(2)- وسائل

الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 553

و ما ورد في حديث ابي بصير من تعلق الخمس بقيمة فاكهة البستان. «1»

الي غير ذلك.

و ظاهر هذه الروايات ان تبديل العين بالقيمة كان امرا رائجا معلوما عندهم لا يحتاج الي السؤال و كانوا يسئلون عن اشياء اخر في جانبه، و قد امضي الائمة الهادون- عليهم السلام- هذا الارتكاز، و احتمال ان هذه البيوع كانت فضولية فاجازها الامام عليه السّلام مما لا وجه له كما لا يخفي.

و اما تبديله بجنس آخر من العروض فانه لا دليل عليه من السيرة و الروايات الواردة عن المعصومين و الاصل عدم البراءة بها، نعم يمكن استثناء ما اذا طلب ارباب الخمس جنسا آخر او كانوا في حاجة شديدة بالنسبة اليه، و كأنه و كل المالك في تبديله هنا او يشتري بعض العروض من المالك في ذمته ثم يحتسب المالك ثمنه عليه.

هذا و لا يجوز محاسبة العروض (في كل مورد يجوز التبديل بها) باكثر من قيمتها كما صرح به كثير من الاعلام- قدس اللّه اسرارهم- و منهم كاشف الغطاء، حيث قال: «و ليس لهاشمي ان يبرء احدا من الخمس و لا ان يضيع حقوق السادات باخذ القليل جدا عوضا عن الكثير و لو كان باختلاف يسير جاز له شرائه ثم يحتسب المالك ثمنه عليه». «2»

و صرح صاحب الجواهر أيضا به في نجاة العباد حيث قال: يجب عليه دفع العروض بقيمته في نفس الامر و لا عبرة بقبول المستحق لها باضعافها ما لم يكن علي وجه شرعي. «3»

______________________________

(1)- نفس

المصدر، الحديث 10.

(2)- كشف الغطاء، الصفحة 363.

(3)- نجاة العباد، الصفحة 92.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 554

و هو كذلك لعدم الدليل علي حصول البراءة بذلك و لأنه تضييع لحق السادة كما هو ظاهر.

نعم يجوز لهم قبولها وردها اورد بعضها الي من عليه الخمس اذا كان في عسر شديد و حتي بدونه اذا كان بينهما مصادقة و كان من شئون السادة مثل هذا البدل، فبحسب الكمية و الكيفية يلاحظ مقدار شأنهم و لا يتعدي عنه فما يري بين بعض العوام او بعض من يشبه العوام من الخواص من ابراء ذمة المالك القادر علي اداء الخمس او قبول قليل بدل كثيرا شبه شي ء بلعب الصبيان اعاذنا اللّه من هذه الحيل.

*** المسألة الخامسة عشرة: لا إشكال في براءة الذمة من الخمس بعد أخذ المستحق أو الحاكم الشرعي

اشارة

او نائبه و صيرورة باقي المال طلقا، انما الكلام في انه هل يجوز تعينه في مال معين بالعزل ليترتب عليه آثاره، من جواز التصرف في الباقي، و عدم ضمانه لو تلف بغير تعدّ و لا تفريط اولا؟

يظهر من المحقق النراقي في المستند دعوي الاجماع علي جواز العزل، حيث قال: «و لرب المال القسمة بالإجماع و ظواهر الاخبار المتضمنة لإفراز رب المال خمسه و عرضه علي الامام عليه السّلام و تقريره عليه». «1»

و لكن يظهر من صاحب الجواهر في نجاة العباد الاشكال في جواز العزل، حيث قال: «الاحوط ان لم يكن اقوي عدم تشخصه بالعزل». «2»

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 91.

(2)- نجاة العباد، الصفحة 93.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 555

كما استشكل في العروة في جوازه و قرره علي هذا الاشكال من رأينا من المحشين و هو الموافق للأصل، فان انعزاله بالعزل يحتاج الي دليل و لا يخرج العين من الشركة

بعنوان الاشاعة او الكلي في المعين او تعلق الحق بها باي نحو كان بمجرد العزل، و ان هو الا كسائر الاموال المشتركة التي لا يجوز افرازها بغير اذن الشركاء جميعا، نعم له عزل بعض امواله ثم دفعه بيد المستحق فيكون خمسا بعد الدفع كما في ساير الحقوق المتعلقة بالذمة او بالمال.

غاية الامر قام الدليل هنا علي تخيير المالك في اداء حق ارباب الخمس من بين امواله، و هذا غير مسألة العزل كما هو ظاهر.

و عمدة ما يستدل به علي جواز العزل في مقابل هذا الأصل أمور:

1- ما مر من دعوي الاجماع في كلام المحقق النراقي- قدس سره- و قد عرفت انه لا اعتبار به، و كأنه اخذه من تعبيرات القوم من عدم جواز النقل و كونه ضامنا لو نقله الي غير ذلك من التعابير بظن انها تدل علي انعزاله بالعزل.

و لكن الانصاف ان شيئا من ذلك لا يدل عليه، بل المراد من ذلك هو كون التلف من مال المالك و يبقي الخمس في باقي امواله او في ذمته.

سلمنا و لكن كلماتهم في تلك المسألة محدودة معدودة ليست شاملة لجميع الاصحاب، او جلهم حتي يكون اجماعا فراجع المسألة الثامنة.

سلمنا و لكن من الواضح عدم اعتبار الاجماع في هذه المسألة مما له مدارك آخر.

2- ظواهر الاخبار المتضمنة لإفراز رب المال خمسه و عرضه علي الامام و تقريره عليه (كما ذكره المحقق النراقي) و هو اشارة الي امثال قوله عليه السّلام في رواية علي بن مهزيار: «فمن كان عنده شي ء من ذلك فليوصله الي وكيلي

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 556

و من كان نائيا بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله و لو بعد حين» «1» و قوله ادّ خمس ما اخذت الوارد في رواية الازدي «2» و قوله

عليه السّلام: «خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس» «3» الي غير ذلك.

و لكن الانصاف ان غاية ما يستفاد من ذلك، كون رب المال مخيرا في اداء الخمس من اي بعض من ابعاض ماله من دون مراجعة نائب الغيبة (لو لم نقل ان هذه الاوامر بنفسها مصداق الاذن) و اما صيرورة المعزول مصداقا لحق السادة قبل ان يصل اليهم فلا، فالمعزول كسائر امواله الي ان يؤديه الي ارباب الخمس كما هو كذلك في ساير الحقوق و الديون.

3- السيرة المستمرة في عصر المعصومين- عليهم السلام- و بعدهم الي زماننا هذا من تولي المالك لإخراج الخمس و هو مستلزم عرفا للولاية علي العزل، و كذا ولايته علي دفع القيمة عوضا عن العين فانها أيضا دليل علي جواز العزل عرفا.

و فيه: ما عرفت من ان غاية ما يستفاد من هذا الامر هو جواز تولي المالك لإخراج اي بعض من امواله لدفعه خمسا و جواز تبديله بالقيمة بالنقود الرائجة، و اما اتصافه بوصف الخمس قبل وصوله الي ايدي اربابه فذلك مما لا دليل عليه.

4- جواز ذلك نصا و فتوي في باب الزكاة مع ما نعلم من مساواة المسألتين في الاحكام، دليل علي جواز ذلك في الخمس أيضا.

اقول: قد عرفت غير مرة ان المتيقن من المماثلة انما هو في المستحق،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 6 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 557

فالاوصاف المعتبرة في مستحقي الزكاة تعتبر في مستحقي

الخمس الا انهم من بني هاشم، و اما المساواة في جميع الاحكام فهو شي ء لا يمكن المساعدة عليه، لاختلافهما في اشياء كثيرة، و قبول المساواة كأصل في المسألة أيضا مما لا دليل عليه.

فقد تحصل من جميع ما ذكرنا عدم كفاية ما ذكروه من الادلة لإثبات جواز العزل بحيث يترتب علي المعزول احكام الخمس جميعا و يكون امانة في يده، نعم يستثن من روايات اداء الخمس و كذا السيرة جواز افراز رب المال، و لكن حيث لا يبلغ حد الدلالة المعتبرة نكتفي بالاشكال في المسألة و الاحتياط فيها و اللّه العالم.

*** المسألة السادسة عشرة: إذا كان للمالك دين في ذمة المستحق فهل يجوز احتسابه خمسا أو لا؟

اشارة

صرح في العروة بجوازه، و وافقه جماعة من المشيخة غير ان بعضهم قيده باذن الحاكم الشرعي و بعضهم جعله محلا للإشكال، فهنا اقوال ثلاثة.

و قال سيدنا الاستاذ الحكيم في المستمسك: «ان جوازه يتوقف علي احد امور:

احدها: ان تكون اللام للمصرف لا للملك، و يكفي في المصرف ابراء الذمة و اسقاطها لأنه نوع من المصرف، لكن جعل اللام للمصرف مخالف الظاهر لا سيما مع ملاحظة السهام الراجعة للإمام.

ثانيها: ان اللام و ان كان للملك و لكن لما كان المالك هو الطبيعة (و العنوان) لا الاشخاص، فالمالك او الفقيه بحسب ولايته علي المال المذكور الذي ليس له مالك معين يصرفه في مصالح الطبيعة التي منها ابراء

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 558

ذمة بعض افرادها».

و فيه: ان الولاية المطلقة غير ثابتة، و غاية ما ثبت هو الولاية علي تطبيق الطبيعة علي الفرد و بعده يدفعه تمليكا.

ثالثها: البناء علي جواز عزل الخمس في المال الذي في الذمة و بعد تطبيق المستحق الكلي علي صاحب الذمة يسقط المال قهرا، و لكن قد عرفت الاشكال في جواز عزل

الخمس … ».

ثم قال: «نعم بناء علي ثبوت ولاية الفقيه اذا اذن للمالك تبعيض الخمس فيما له في ذمة الغير و تعيين الفقير فيمن عليه المال سقط قهرا عملا بمقتضي الولاية» (انتهي ملخصا).

اقول: الاولي من هذه الوجوه ان يتكلم في امرين آخرين:

احدهما: هل الابراء الذي من قبيل الايقاع لا محالة لا التمليك المحتاج الي الايجاب و القبول، يعد من مصاديق الاداء أم لا؟ الظاهر انه اداء عرفا، و حيث لا دليل علي كون الاداء بنحو خاص فيجوز كل ما كان اداء عرفا.

و ان شئت قلت: ان ملكية السادة و ارباب الخمس و ان كان امرا معلوما الا ان ابراء المديون من الخمس يعدّ عرفا من اداء الملك الي اهله بعد كونه مصداقا للعنوان الكلي، فلا حاجة الي التمليك لان الملكية حاصلة للعنوان، بل الكلام في اداء الملك و ايصاله الي اهله و هو هنا حاصل من غير حاجة الي اذن الحاكم الشرعي، الا اذا قلنا بوجوبه في جميع الموارد و هو امر آخر.

ثانيهما: ان هناك روايات متعددة وردت في باب الزكاة من جواز احتساب دين الفقير من باب الزكاة، بعضها ناظرة الي حال الحياة و بعضها ناظرة الي ما بعد الوفاة، مثل ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال: «سألت ابا الحسن الاول عليه السّلام عن دين لي علي قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون علي قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي ان ادّعيه فاحتسب به عليهم من

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 559

الزكاة؟ قال: نعم». «1»

الي غير ذلك مما اورده في الوسائل في الباب 46 من ابواب المستحقين من الزكاة.

و الظاهر ان العرف يلقي الخصوصية من باب الزكاة في

مثل هذا المورد و يري هذا حكما كليا في جميع موارد اداء الحقوق، لا انه تعبد خاص بمورده، لا اقول جميع احكام الخمس و الزكاة متوافقة، بل اقول في خصوص المورد العرف يقضي بالغاء الخصوصية كما لا يخفي.

نعم ورد في بعض روايات الباب تفصيل بين القادر علي ادائه عرفا من بعض امواله (و لو كان من مستثنيات الدين) او يرجي منه في المستقبل و من لا يرجي منه شي ء ابدا، فلا يجوز احتسابه من الدين في الثاني و يجوز في الاول، و هو ما رواه سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل يكون له الدين علي رجل فقير يريد ان يعطيه من الزكاة، فقال: ان كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دين من عرض من دار او متاع من متاع البيت او يعالج عملا ينقلب فيه بوجهه فهو يرجو ان يأخذ منه ماله عنده من دين، فلا بأس ان يقاسه بما اراد ان يعطيه من الزّكاة او يحتسب بها، فان لم يكن عند الفقير وفاء و لا يرجو ان يأخذ منه شيئا فيعطيه من زكاته و لا يقاسه بشي ء من الزكاة». «2»

و لكن هذا التفصيل محمول علي ضرب من الندب كما اشار اليه في الجواهر في كتاب الزكاة «3» لمخالفته القواعد المشهورة، و اطلاق سائر الأدلة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 46 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 46 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- جواهر الكلام، المجلد 15، الصفحة 364.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 560

التي هي في مقام البيان، و عدم ظهور الفتوي بهذا التفصيل، و اوضح منه روايات

الوفاء عن الميت فان مورده فرض عدم وجود مال له يمكن اداء دينه منه.

بقي هنا أمور

1- ان هذا الامر اعني احتساب الدين لا يتوقف علي رضا المستحق، لأنه من قبيل الابراء الذي هو ايقاع لا من قبيل العقد القائم بالطرفين، كما انه لا يحتاج الي اذن الحاكم الشرعي بناء علي عدم وجوبه في مصرف سهم السادة، و لكن بناء علي المختار فالاحوط لو لا الاقوي وجوب الاستيذان منه.

2- يظهر مما ذكرنا أيضا عدم وجوب الاعلام، لعدم الدليل عليه بعد كون المعيار ايصال الحق الي مستحقه علم ذلك أم لم يعلم، و في ابواب الزكاة أيضا اشارة اليه.

3- كما يظهر أيضا عدم الفرق بين الحي و الميت كما ورد التصريح به في باب الزكاة و المقايسة بين المسألتين هنا جائز لما عرفت من توافقهما فيما يرجع الي المصرف، فكما يجوز اداء دين الميت غير بني هاشم من الزكاة يجوز اداء دين الاموات من بني هاشم من الخمس كما لا يخفي، مضافا الي انه موافق للقواعد بعد عدم سقوط ذمة الميت بالموت فتدبر.

4- و ظهر أيضا انه يجوز دفع الخمس الي الدائن (اذا كان معطي الخمس غير الدائن) و اداء ذمته منه، لعدم الفرق بين ان يحاسبه رب المال او يعطيه الي الدائن، و العرف يلقي الخصوصية هنا قطعا.

*** المسألة السابعة عشرة: لا إشكال في ولاية المالك علي جواز تبديله

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 561

بمال آخر من النقود (اما العروض فقد عرفت الاشكال في جوازه الا في بعض الصور) انما الكلام في انه هل يعتبر رضي ارباب الخمس في ذلك التبديل، اي رضا نائب الامام في سهمه عليه السّلام و رضي السادة في سهامهم، اولا؟

الظاهر عدم اعتبار شي ء من ذلك و ان كان مقتضي الاشاعة علي القول به رضا الطرفين في القسمة، و يدل عليه اولا السيرة المستمرة

من اعصارهم- عليهم السلام- الي عصرنا هذا، فان المتداول هو اخذ المالك شيئا من امواله بعنوان الخمس و دفعه الي اربابه من دون جلب رضاهم.

و ثانيا: الاخبار الكثيرة الدالة علي الامر بدفع الخمس متوجها الي المالك، مثل ما مر آنفا من رواية اخذ مال الناصب و دفع الخمس اليهم «1» او رواية علي بن مهزيار الدالة علي ايصال الخمس اليهم «2» و رواية الازدي «3» الي غير ذلك مما دل علي جواز دفع الاثمان، و كذلك ما يدل علي حمل بعض الاصحاب خمس اموالهم اليهم باختيار شي ء من اموالهم لهذا الامر كرواية مسمع بن عبد اللّه «4» و غيره، و حمل جميع ذلك علي اذنهم- عليهم السلام- في ذلك مخالف لظاهرها، فان ظاهرها كونها بصدد بيان حكم فتوائي كلي لا اذن ولائي.

و قد يستدل له أيضا بقياسه بباب الزكاة التي يجوز فيها ذلك، و لكن قد عرفت الاشكال في هذه المقايسة غير مرة الا فيما استثني.

و مما ذكرنا تعرف ان ما افاده في العروة في ذيل المسألة من ان الاولي اعتبار رضاه خصوصا في حصة الامام عليه السّلام لا مستند له، الّا ما يستفاد من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 6 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 562

ظاهر الشركة علي نحو الاشاعة الذي لا بد من قطع النظر منه بعد السيرة، و ورود الاخبار الدالة علي

ولاية المالك.

*** المسألة الثامنة عشرة: هل يجوز للمستحق أن يأخذ من باب الخمس و يرده علي المالك؟

صرح في العروة بعدم جوازه الا في بعض الاحوال، كما اذا كان عليه مبلغ كثير و لم يقدر علي ادائه بان صار معسرا و اراد تفريغ الذمة، و حينئذ لا مانع منه اذا رضي المستحق بذلك.

و قد وافقه علي ذلك كثير من المحشين.

و لكن الحق ان في المسألة تفصيلا: فان المالك قد يدفع المقدار الكثير من الخمس- لا بالقصد الجدي- الي اربابه، بل يكون كالحيل في الربا التي لا يقصد البيع فيها جديا، و حينئذ لا اثر لهذا الدفع اصلا بل وجوده كعدمه، و كذا اذا شرط فيها اعادته عليه بحيث لا يرضي بدفعه مطلقا، فهذا أيضا لا اثر له بل هو كالعدم.

اما اذا دفعه اليهم مطلقا جديا من دون اشتراطه بشي ء، فهذا الدفع صحيح يوجب براءة ذمته من الخمس و طهارة ماله و جواز تصرفاته فيه، و لو كان يرجو اعادته عليه من طرف ارباب الخمس فان هذا بمنزلة الداعي لا اثر له لا في ابواب المعاملات و لا الايقاعات، هذا من ناحية الدفع.

و اما من جهة الرد عليه ثانيا، فجوازه منوط بان يكون الهبة بهذا المقدار من شئونه، فلو كان زائدا عليها كما او كيفا لم يجز، و ان كان بمقدار شئونه جاز.

فلا تتوقف المسألة علي كون رد الخمس الي مالكه تضييعا لحق الفقراء،

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 563

بل المدار علي كون هذه الهبة زائدة علي شأنه.

و من هنا يظهر ان ما ذكره من الاستثناء في ذيل كلامه «من جواز ذلك اذا كان علي المالك مبلغ كثير و لم يقدر علي ادائه و اراد تفريغ ذمته مما عليه من الحق و انه لا مانع من رده عليه

حينئذ اذا رضي المستحق» ممنوع، لان عدم قدرة المالك و اعساره لا اثر له في بذل المستحق زائدا علي شئونه.

اللهم الا ان يكون بينهما صلة يكن بمقتضاها مؤنته عليه.

*** المسألة التاسعة عشرة: المعروف بين الأصحاب استثناء المناكح و المساكن و المتاجر من أمر الخمس

اشارة

اذا انتقل اليه ممن لم يخمسه، و اللازم البحث اولا عن اصل الحكم، ثم التكلم في المراد من هذه الامور الثلاثة، فنقول و من اللّه جلّ ذكره نستمد التوفيق و الهداية:

اما اصل الحكم فقد ذكر العلامة- قدس سره- في المنتهي ما نصه:

«و قد اباح الائمة لشيعتهم المناكح في حالتي ظهور الامام و غيبته و عليه علمائنا اجمع … و الحق الشيخ المساكن و المتاجر». «1»

و ظاهره ان الاجماع علي خصوص الاول دون الاخيرين، و ذيل كلامه اشارة الي ما افاده شيخ الطائفة في النهاية بقوله: «و ليس له ان يتصرف فيما يستحقه الامام من الاخماس و الانفال الا باذنه … هذا في حال ظهور الامام، اما في حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق بالاخماس و غيرها فيما لا بد لهم من المناكح و المتاجر و المساكن، فاما

______________________________

(1)- المنتهي، المجلد 1، الصفحة 555.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 564

ما عدا ذلك فلا يجوز له التصرف فيه علي حال». «1»

و قريب منه ما ذكره في المبسوط.

و يقرب منه أيضا ما ذكره ابن ادريس في السرائر. «2»

و صرح الشيخ المفيد في المقنعة باختصاص الحكم بالمناكح، و لكن كثيرا من المتأخرين صرحوا بعموم الحكم في الثلاثة، و نقله في الجواهر عن جماعة. «3»

و قال في الحدائق: «جمهور الاصحاب علي تحليلها (اي الثالثة) بل ادعي الاجماع علي اباحة المناكح». «4»

نعم يظهر من كلام ابي الصلاح الحلبي في الكافي و ابن الجنيد علي ما حكاه

في المختلف، عدم الاباحة في شي ء من ذلك.

قال الاول منهما ما نصه: «فان اخل المكلف بما عليه من الخمس و حق الانفال كان عاصيا للّه سبحانه … لكونه مخلا بالواجب … و لا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث فيها، لان فرض الخمس و الانفال ثابت بنص القرآن و اجماع الامة … و لإجماع آل محمّد علي ثبوته و لا يجوز الرجوع عن هذا المعلوم بشاذ من الاخبار». «5»

و ظاهر هذه العبارة ترك اخبار التحليل كلها لأنها اخبار شاذة! في مقابل نص القرآن و اجماع الامة!

بل يظهر من الثاني منهما عدم جواز التحليل في شي ء من ذلك للحاكم

______________________________

(1)- النهاية، الصفحة 200.

(2)- الينابيع الفقهية، المجلد 5، الصفحة 335.

________________________________________

شيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، در يك جلد، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)؛ ص: 564

(3)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 145.

(4)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 443.

(5)- الينابيع الفقهية، المجلد 5، الصفحة 108.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 565

الشرعي بل الامام عليه السّلام! حيث قال في بعض كلماته في المقام: «ان التحليل انما هو مما يملكه المحلل لا مما لا ملك له، و انما اليه ولاية قبضه و تفريقه في اهله الذين سماه اللّه تعالي لهم». «1»

و لكن الانصاف ان قول هذين الفقيهين (ابي الصلاح الحلبي و ابن الجنيد) شاذ بين الاصحاب ادعي الاجماع علي خلافهما.

هذا و ظاهر العروة ان الحكم عام شامل لجميع ما ينتقل الي الانسان ممن لا يعتقد الخمس من دون فرق بين المناكح و المساكن و

المتاجر و غيرها، و قد وافقه علي ذلك جماعة المحشين.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان العمدة في المقام خصوص الروايات الكثيرة الواردة في ابواب الخمس و الانفال (و ليعلم انا لا نتصدي لذكر الاخبار العامة الدالة علي تحليل الخمس مطلقا لأنك عرفت الكلام فيها مبسوطا، و انما نتكلم عن خصوص ما يتعلق بهذه العناوين الثلاثة) و هي روايات كثيرة تبلغ عشر روايات رواها في الوسائل في الباب 4 من ابواب الانفال، و قد ذكرناها سابقا عند الكلام في اخبار التحليل مطلقا و جعلناها طائفة خاصة برأسها.

منها: ما رواه الفضلاء ابو بصير و زرارة و محمّد بن مسلم كلهم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «قال امير المؤمنين عليه السّلام علي بن ابي طالب: هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا الا و ان شيعتنا من ذلك و آبائهم في حل». «2»

______________________________

(1)- المختلف، الصفحة 207.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 566

و ما رواه ضريس الكناسي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام. «1»

و ما رواه ابو خديجة عنه عليه السّلام. «2»

و ما رواه محمد بن مسلم عن احدهما. «3»

و ما رواه الحارث بن المغيرة عن الصادق عليه السّلام. «4»

و ما رواه الفضيل عنه عليه السّلام. «5»

و ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام. «6»

و ما رواه اسحاق بن يعقوب عن الناحية المقدسة. «7»

و ما رواه عبد العزيز بن نافع عن ابي عبد اللّه عليه السّلام. «8»

و ما رواه في تفسير الامام الحسن العسكري عن امير المؤمنين عليه السّلام. «9»

و قد ذكرناها سابقا فلا نحتاج الي اعادتها.

ثم اعلم ان هذه

كلها تدل علي استثناء المناكح و في بعضها استثناء المأكل و المشارب (مثل ما في الحديث 20 و 9 و 4 و 1) و لعلها أيضا راجع الي طيب المولد لان الطعام يؤثر في الولد لا محالة فان كان حراما اثر اثر السوء و ان كان حلالا اثر الاثر الطيب.

لم نظفر بما يدل علي حكم المساكن او مطلق التجارات غير ما حكاه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 3.

(2)- نفس المصدر، الحديث 4.

(3)- نفس المصدر، الحديث 5.

(4)- نفس المصدر، الحديث 9.

(5)- نفس المصدر، الحديث 10.

(6)- نفس المصدر، الحديث 15.

(7)- نفس المصدر، الحديث 16.

(8)- نفس المصدر، الحديث 18.

(9)- نفس المصدر، الحديث 20.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 567

في الحدائق (مع اعترافه بعدم الظفر بغيره) من مرسلة عوالي اللئالي عن الصادق عليه السّلام قال: «انه سأله بعض اصحابه فقال: يا بن رسول اللّه ما حال شيعتكم فيما خصكم اللّه اذا غاب غائبكم و استتر قائمكم؟ فقال عليه السّلام: ما انصفناهم ان واخذناهم و لا احببناهم ان عاقبناهم بل نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم و نبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم و نبيح لهم المتاجر لتزكوا اموالهم». «1»

و رواه في المستدرك في الباب 4 من الانفال، و لكن ربما يكون دليلا علي التحليل مطلقا، لان اباحة المتاجر لتزكوا جميع اموال الشيعة عبارة اخري عن التحليل المطلق فلا يصح الاستدلال به في المقام بل لا بد من ذكرها في بحث التحليل مطلقا، و قد اجبنا عنه و قلنا بانه لا دليل علي التحليل المطلق في زمن الغيبة مضافا الي ضعف سند الحديث، و ما ذكره بعضهم من انجبار سندها بعمل المشهور مشكل، لان

عمل المشهور بها غير ثابت، و اما مثل حديث يونس بن يعقوب قال: «كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في ايدينا الاموال و الارباح و تجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون؟ فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم». «2» و حديث حكيم مؤذن بني عيس عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ. قال: هي و اللّه الافادة يوما بيوم الّا ان

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12 الصفحة 447. و من العجب انه لم يذكر في العوالي الّا قوله ما انصفناهم ان واخذناهم، و اما ذيل الرواية التي هي المقصود الاصلي فلم يرد في نفس المصدر. نعم هي مذكورة في الحدائق و متن المستدرك، فلعل النسخة الموجودة بايدينا قد سقطت منها هذه العبارة.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 6.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 568

ابي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا». «1» و اشباههما فخارج عن محل الكلام، لأنها دليل علي حلية الخمس بقول مطلق فلا يصح ذكرها في المقام بعد ما مضي الكلام فيها، فما ذكره المحقق الميلاني في محاضراته منظور فيه فراجع. «2»

*** اذا عرفت ذلك فاعلم انه قد وقع البحث في المراد من هذه الامور الثلاثة، فقال المحقق الهمداني في مصباح الفقيه ما حاصله:

«المراد بالمناكح كما صرح به غير واحد الاماء المغنومة من اهل الحرب، فانه يباح للشيعة في زمن الغيبة و يباح نكاحها سواء كان جميعها ملكا للإمام عليه السّلام كما

اذا كان الحرب بغير اذنه عليه السّلام او كان له خمسها كما اذا كان باذنه عليه السّلام.

و ربما فسرت بما يتناول مؤنة التزويج و مهور النساء و ثمن الجارية التي اشتراها من كسبه.

ثم اورد عليه بانها مندرجة في هذا الحال في المئونة المستثناة علي تقدير حصولها عام الربح بل المتبادر بقرينة الغلبة، و ورود جملة منها في سبايا بني امية و اشياعهم انما هو السبايا فيشكل تناولها لغيرها». «3»

اقول: الانصاف انها و ان كانت واردة في موارد خاصة و لكن التعليل فيها عام فيمكن التعدي الي كل مورد يكون تعلق الخمس بالمال سببا لعدم حلية الولد، مثل ما اذا اشتري الجارية من مال كان زائدا من مؤنة سنته بحيث تعلق

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 8.

(2)- محاضرات في فقه الامامية، كتاب الخمس، الصفحة 280.

(3)- مصباح الفقيه، الصفحة 156.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 569

به الخمس و لم يمكن جعله من المئونة، فالتعليل كما انه يخصص اخبار التحليل من جهة، يعممها من ناحية اخري كما لا يخفي.

و الحاصل: ان الذي يمكن ذكره في تفسير المناكح هو الاماء المغنومة باذن الامام عليه السّلام او بغير اذنه او من يشتري من مال تعلق به الخمس و كان ذلك بعد مضي السنة، و اما الثلاثة الاخري التي ورد ذكر غير واحد منها في كلامه و بعضها في كلام غيره و هي «مهور النساء» و «مؤنه التزويج» و «الطعام الذي ينعقد منه الولد» فلا دليل علي استثنائها من الخمس، اما مؤنة التزويج فواضح، و اما المهور فلان حرمتها لا تؤثر اثرا في النكاح، فلو كان المهر عينا شخصية محرمة كان المهر باطلا و وجب مهر المثل، و اما حرمة

الطعام لا ينافي حلية الولد و ان كان ينافي كمالها.

*** و أما المساكن فقد ذكر لها أقسام و احتمالات:

منها: الاراضي المختصة بالامام عليه السّلام اما لكونها مغنومة بغير اذنه بناء علي كونها له او لكونها من الانفال.

منها: ما تعلق به الخمس اذا كانت مفتوحة باذنه عليه السّلام علي القول به.

منها: المنتقلة الي الشيعة من غيرهم اذا كانت متعلقة للخمس.

منها: ما انتقلت اليهم ممن يعتقد الخمس و لم يخمس امواله و الانتقال اما بالوراثة او الهبة او غيرهما.

و منها: اشترائها بثمن فيه الخمس كما اذا كان من ارباح السنة الماضية.

هذا و لكن قد عرفت عدم ورود دليل في خصوص المساكن، و رواية العوالي مضافا الي ضعف سندها بالارسال و بما في نفس الكتاب من الكلام، يوجد في متنها من الاختلاف في الكتب ما ربما يسقطها عن الحجية، فقد

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 570

روي الذيل في بعضها و لم يرو في بعض آخر، و عدم ثبوت عمل المشهور بها لان الشهرة في المسألة غير ثابتة.

و قد استدل المحقق الميلاني له بما ورد في حديث مسمع بن عبد الملك من اباحة الارض كلها للشيعة «1» و كذلك ما ورد في رواية يونس بن ظبيان او المعلي بن خنيس في هذا الباب. «2»

لكن الظاهر انهما ناظرتان الي نوع آخر من الملك الذي في طول الملك المتعارف، لان مفهومها ان جميع الاراضي و ما يخرج منها لهم- عليهم السلام- فلا تصل النوبة الي الخمس.

سلمنا لكنهما لا تختصان بالمساكن، بل تشملان جميع انواع الاراضي مما هي خارجة عن محل الكلام.

سلمنا لكن الظاهر انهما من روايات التحليل لمطلق، و قد عرفت ان التحليل بقول مطلق محل الاشكال الا ان يكون في خصوص الانفال فتدبر جيدا.

و اما

المتاجر فقد ذكر في المسالك انها ما يشتري من الغنائم المأخوذة من اهل الحرب حالة الغيبة و ان كانت باسرها او بعضها للإمام عليه السّلام او ما يشتري ممن لا يعتقد الخمس كالمخالف مع وجوب الخمس فيها، و قد علل اباحة هذه الثلاثة في الاخبار بطيب الولادة و صحة الصلاة و حل المال. «3»

و قال المحقق الهمداني: «و المراد بالمتاجر المال المنتقل اليه ممن لا يخمس، و القدر المتيقن منه الذي يمكن دعوي انصراف اخبار التحليل اليه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.

(2)- نفس المصدر، الحديث 17.

(3)- مسالك الافهام، المجلد 1، الصفحة 68.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 571

انما هو فيما اذا كان ممن يستحل الخمس كالمخالف و شبهه لا مطلق من لا يخمس». «1»

و قد ذكر العلامة الميلاني بان المتاجر علي انحاء: تارة يشتري من الانفال ممن لا يعتقد الخمس، و اخري يتعامل مع من لا يعتقد الخمس (و يكون ذلك من غير الانفال) و ثالثة يتعامل مع من يعتقده، و رابعة تكون التجارة بنفس الانفال مثل ما يتخذه من الاجام و الاحجار في الاراضي الموات، و خامسة ينجبر بامواله و يربح و لا يخمس اصلا، و سادسة يتجر و يربح و يؤخر الربح الي آخر السنة. «2»

اقول: قد عرفت انه لا دليل علي استثناء المساكن و المتاجر الّا مرسلة عوالي اللئالي بما فيها من الاشكال. نعم في بعض اخبار التحليل وقع السؤال عن الارباح و الاموال و التجارات التي ثبت حقهم فيها، فاجيب بعدم الاخذ منه في تلك الايام العسرة (مثل ما رواه يونس بن يعقوب «3» و قد مر ذكره).

و في مصححة الحارث بن

المغيرة التعبير بالغلات و التجارات و نحوها مما يثبت حقوقهم فيها «4» (و قد مر ذكرها أيضا).

و في رواية تفسير الامام العسكري عليه السّلام حلية المنافع من المآكل و المشارب. «5»

الي غير ذلك من اشباهه، و لكن الظاهر انها عامة شاملة لجميع الاموال و لا اختصاص بالمتاجر فهي داخلة في اخبار التحليل مطلقا، و قد عرفت

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 156.

(2)- محاضرات في فقه الامامية، كتاب الخمس، الصفحة 208 و ما بعدها.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 6.

(4)- نفس المصدر، الحديث 9.

(5)- نفس المصدر، الحديث 20.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 572

وجوب حملها علي محامل مختلفة لدلالة ما هو اصرح و اكثر و اقوي متنا و سندا علي عدم التحليل المطلق.

نعم هناك سيرة مستمرة قوية علي عدم تخميس ما يقع في ايدي الشيعة من اهل الذمة، او من المخالفين الذين لا يعتقدون بالخمس مع انهم عندنا مكلفون بالفروع كما انهم مكلفون بالاصول، مضافا الي ظهور ادلة الخمس في انه وضعي و حق يتعلق بنفس المال ايّا كان مالكه من دون فرق بين انتقال هذه الاموال اليهم من طريق البيع و التجارة، او الهبة و الهدية، او الميراث و غيرها.

فلو كان الخمس واجبا في هذه الاموال علي من ينتقل اليه، لظهر و بان و لم يخف علي احدكما هو ظاهر.

هذا و لكن لا يختص هذا الدليل بخصوص التجارات او المناكح و المساكن، بل يشمل كلما انتقل اليهم باي نحو انتقل من دون فرق بين موارده، و يمكن الاستدلال له أيضا ببعض ما مر من الروايات السابقة مع اخذ القدر المتيقن منها.

هذا و يظهر من بعض اعلام اهل العصر من

اساتذتنا عدم الفرق بين ما ينتقل ممن يعتقد بالخمس و ممن لا يعتقد، فاذا انتقل الي انسان مال من الشيعة المعتقدين بالخمس و يعلم وجود الخمس فيه و يكون المالك عاصيا في عدم دفعه، يكون حلالا للمنتقل اليه.

و اعترف بان هذا الحكم مخالف لظاهر الاصحاب حيث قيدوا الحكم بمن لا يعتقد الخمس، و لكن استدل علي مختاره باطلاق الروايتين: رواية يونس بن يعقوب «1» فان السؤال فيها عن مطلق ما يقع في الايدي من الاموال

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 6.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 573

و الارباح و تجارات مع حكم الامام عليه السّلام بالتحليل في ذيله، و لا وجه لتقييده بخصوص من لا يعتقد.

و رواية ابي سلمة سالم بن مكرم «1» حيث أطلق التحليل فيها أيضا، و لا وجه لتقييدها بخصوص من لا يعتقد.

و قد حكم بصحة سند الروايتين، و استفاد منهما التفصيل بين الخمس الواجب علي المكلف بنفسه ابتداء فلا تحليل، و بين ما انتقل اليه من الغير فلا خمس فيه. (انتهي كلامه ملخصا) «2»

و ظني اني اذا كنت في محضره دام علاه قبل اربعين عاما في النجف الاشرف كان يستدل بالسيرة أيضا في هذه المسألة و كان يعتقد ان في نفس البلد اناسا كثيرين لا يعطون خمس اموالهم، و اهل التقوي لا مناص لهم من معاشرتهم و انواع المعاملات معهم.

هذا و لكن يشكل الاعتماد علي هذا العموم بعد امكان حمل افعال الشيعة علي الصحة غالبا، مضافا الي عدم العلم التفصيلي او الإجمالي في محل الابتلاء فيما ينتقل من بعضهم الي بعض.

مضافا الي ان الرواية الاولي ظاهرة- كما مر غير مرة- في تحليل جميع

الخمس بلا فرق بين موارده في برهة خاصة من الزمان، و كان زمانا عسرا حرجا و لا دلالة له علي التحليل في جميع الازمنة.

و اما الثانية فهي أيضا قابلة للإشكال سندا و دلالة، اما من ناحية السند فلاختلاف ارباب الرجال في سالم بن مكرم (ابي خديجة) فقد صرح بعضهم بانه ثقة ثقة روي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و لكن صرح الشيخ في بعض كلماته ان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 4.

(2)- مستند العروة الوثقي، كتاب الخمس، الصفحة 348 و 346.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 574

ابا خديجة سالم بن مكرم و يكني ابا سلمة أيضا ضعيف، و قد رووا انه كان من اصحاب ابي الخطاب الملعون (اسمه محمد بن المقلاص) كان مستقيما في اول امره ثم ادعي النبوة و اظهر الاباحات، و لما ظهر امرهم في ذلك امر المنصور عامله بالكوفة و هو و عيسي بن موسي (و كانوا في مسجد الكوفه حينئذ) فقتلهم جميعا لم يفلت منهم الا رجل واحد سقط في القتلي، فلما جنه الليل خرج من بينهم و هو ابو سلمة سالم بن مكرم الملقب بابي خديجة.

لكن سيدنا الاستاذ دام علاه قد اصر في كلامه علي ان الثقة هو سالم بن مكرم ابي خديجة، و قد كناه الصادق عليه السّلام بابي سلمة كما ورد في كلام النجاشي، و الذي محكوم بالضعف هو سالم بن ابي سلمة الكندي السجستاني الذي وصفه النجاشي بان حديثه ليس بالنقي و ان كنا لا نعرف منه الّا خيرا (و قد ضعفه في الخلاصة) و ان الشيخ انما ضعف سالم بن مكرم لظنه ان ابا سلمة هو كنية

مكرم، حيث قال: «سالم بن مكرم يكني ابا خديجة و مكرم يكني ابا سلمة» فجعل ابا سلمة كنية لأبيه لا كنية لنفسه. «1»

هذا و لكن ورد التصريح في رواية الكشي بان سالم بن مكرم الذي كان كنيته ابا خديجة ثم كنّاه الصادق عليه السّلام بابي سلمة هو الذي كان من اصحاب ابي الخطاب الملعون، ثم بعد ذلك تاب و رجع فكيف يمكن الاعتماد عليه و مجرد توبته بعد ذلك لا يجعله ثقة، و لذا توقف فيه العلامة في الخلاصة لتعارض الاقوال فيه فيشكل الاعتماد علي سند الرواية.

و اما من حيث الدلالة أيضا مضطربة لان صدرها ناظرة الي خصوص المناكح للسؤال عن حلية الفروج، و تفسير الذيل بالاعم الذي صدر من غير السائل لا يجعله عاما، و يمكن حمل ذيلها أيضا علي خصوص المناكح و الا

______________________________

(1)- مستند العروة، كتاب الخمس، الصفحة 347.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 575

كان تفسيرا لا يوافق سؤال السائل.

سلمنا لكنها من الروايات المطلقة الدالة علي التحليل في تجارات النفس و غيرها، فليحمل علي بعض ما مر سابقا.

و بالجملة يشكل الاعتماد علي ما افاده من العموم فيمن يعتقد بالخمس و من لا يعتقد.

*** بقي هنا شي ء: و هو انه يمكن ان يقال لو لا حلية الاموال المأخوذة المتعقلة للخمس ممن يعتقد و ممن لا يعتقد، لوقعنا في حرج اكيد و عسر عسير لكثرة التاركين لهذا الفرض الالهي حتي من المعتقدين به، فيشكل لنا اشتراء حاجاتنا من الاسواق و الشركات، و يشكل لنا ركوب السيارات و الطائرات و غيرها، و كذا قبول الهدايا او الدعاء الضيافات، و ربما يكون هذا دليلا علي استقرار السيرة علي عدم الاعتناء بهذا الامر فتدل علي

الحلية.

و لكن الانصاف ان هذا المقدار غير كاف لنفي حكم الخمس في المقام، لأنه اوّلا منقوض بما نعلم في اموالهم من المحرمات الكثيرة غير الخمس من بيع المحرمات و اخذ الرشوات و اخذ الربا كثيرا، و قد نهوا عنه، و اكلهم اموال الناس بالباطل بانواع الحيل و التطفيف و غيره، فهل تقل هذه الاموال المحرمة عن الاخماس المتعلقة بهم، و هل يمكن الحكم بتحليل ذلك كله؟

و ثانيا: ان هناك امورا ثلاثة توجب سهولة الامر في هذه المواقع، اولها:

حمل فعل المسلم علي الصحة، و المعاملة مع سوق المسلمين معاملة الحلية ما لم يعلم علما قطعيا بحرمة ما يؤخذ منه بعينه. ثانيها: ان العلم التفصيلي في هذه الموارد غير حاصل غالبا، و العلم الإجمالي غير مفيد كذلك لخروج بعض موارده عن محل الابتلاء فالانسان لا يبتلي بجميع اموال غيره ممن يعلم

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 576

قطعا بانه لا يخمس و لعل ما ابتلي به ليس من المحرم، و من الواضح جريان حكم الحلية في هذه المواضع. و ثالثها: ان كثيرا من المعاملات او اكثرها تكون بصورة البيع الكلي المعاطاتي، فمن يشتري شيئا يشتريه بثمن كلي لا بثمن شخصي بعينه، و من الواضح انه اذا اشتري شيئا بهذا النحو يملكه و ان دفع الثمن من مال محرم، و اذا كان مالكا له جاز لي اشترائه منه او قبول هداياه و دعوته الي الضيافات و شبهها.

لا اقول انه لا توجد موارد يعلم بوجود الخمس في المال بعينه، بل اقول ليس هذه الموارد كثيرة جدا كما توهم و اللّه العالم بحقايق احكامه.

و من هنا يظهر حال البنوك و الاموال الموجودة فيها من المخمس و غير المخمس،

و من المحرم و غير المحرم.

*** المسألة العشرون: هل يجب صرف عين الخمس في مصارفه، أو يجوز جعله كرأس المال يتجر به

و ينتفع بمنافعه، او يشتري به شي ء تنتفع السادة بمنافعه من دون تمليكهم اياه كاشتراء السيارة او الدار او الكتب او غيرها من دون تمليك ارباب الخمس بل جعلها في ايديهم لينتفعوا بمنافعه؟

فلو جاز ذلك امكن حل مشاكل كثيرة من الحوزات العليمة و حاجات السادة و غيرهم.

و هل يجوز اشتراء هذه الامور و وقفها عليهم أم لا؟

اما بالنسبة الي سهم الامام عليه السّلام المنوط بتحصيل رضاه و اذن الفقيه القائم مقامه، فالظاهر انه مما لا ينبغي الاشكال فيه لعدم قيام الدليل علي وجوب صرف عينه، بل يجوز حفظ عينه و الانتفاع بمنافعه كما يجوز اشتراء شي ء به و وقفه اذا اقتضت مصالح الامة، فلذا يجوز بناء المساجد و المدارس الدينية

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 577

منه، و اشتراء الكتب العليمة و وقفها علي طلاب العلم، و كذا يجوز بناء الدور لهم او المستوصفات او المستشفيات او غير ذلك.

و اما بالنسبة الي سهم السادة ففي بدء الامر يشكل ذلك لان ظاهر الادلة صرفه بعينه في منافعهم. اللهم الا ان يقال: انه ملك للعنوان و لا يدل علي وجوب تمليك الافراد بل يجوز بقائه علي هذا الامر و انتفاع الافراد به، فلا يخرج عن ملك العنوان، و لا يجوز وقفه و لكن يجوز ابقاء عينه و تسبيل منافعه، و لا يكون ذلك منافيا لوجوب الاداء بل هو نوع من الاداء.

هذا مع قطع النظر عن ولاية الحاكم علي هذا الامر، فان الظاهر من فعل الائمة- عليهم السلام- انهم كانوا يعاملون مع سهم السادة معاملة سهم الامام عليه السّلام فالفقيه القائم مقامه أيضا يجوز له مثل هذه التصرفات، و علي

كل حال هذا منوط بمصالح ارباب الخمس و كون ذلك اصلح لهم لا غير.

و الحاصل: ان جواز هذه التصرفات حتي بالنسبة الي سهم السادة غير بعيد.

*** المسألة الواحدة و العشرون: هل يجوز أخذ الأخماس قهرا و جبرا اذا امتنع المالك عن أدائه؟

الظاهر ذلك كما هو كذلك في باب الزكاة، فان المفروض تعلقه بالعين- سواء كان بالاشاعة او بنحو الكلي في المعين او بنحو المالية او غير ذلك- فاذا امتنع عن ادائه اجبر عليه او اخذ منه قهرا كسائر الحقوق- سواء كانت من حق الناس او حق اللّه- حتي انه لو كان متعلقا بالذمة أيضا جاز قهره عليه.

ان قلت: او ليس يعتبر في ادائه قصد القربة فكيف تحصل مع الجبر؟

قلنا: يجاب عنه اولا بالنقض بباب الزكاة التي لا اشكال في جواز اخذها

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 578

جبرا بل المقاتلة عليه، و ثانيا بان الظاهر من ادلتهما ان لهما جهتين، جهة التوصلية و هي جهة حفظ الحكومة الاسلامية و شئون الامام عليه السّلام بالنسبة الي سهم الامام عليه السّلام و سد خلة فقراء بني هاشم و رفع حوائجهم، وجهة القربية و هي كونهما من العبادات المفروضة التي تتوقف صحتها علي قصد القربة، فاذا لم تحصل قصد القربة فسدتا من هذه الجهة و صحتا من الناحية الاولي، و في الحقيقة هما من قبيل تعدد المطلوب و لكن تفكيكهما يصح من ناحية الحاكم الشرعي لا من قبل المكلف نفسه، فلو اعطاه نفسه بغير قصد القربة لم يصح مطلقا فتدبر جيدا.

*** المسألة الثانية و العشرون: إذا كان هناك شريكان يتجران برأس مالهما المختلط

، احدهما يؤدي خمس ارباحه و الثاني لا يؤدي، فهل يصح للاخر تصرفاته في هذا المال المشترك بعد اداء خمس نفسه؟

الظاهر عدم جوازه، لان الخمس يتعلق بالعين- كما عرفت- سواء تعلق بماليته او بشخصيته، و سواء كان من باب الاشاعة او الكلي في المعين او بنحو آخر، فهو كالمال المخلوط بالحرام و حقوق الغير لا يجوز التصرف فيه. نعم يمكن تصحيحه باحد امور:

1- لو قلنا بان

الخمس يتعلق بالذمة جاز امر شركتهما.

2- لو شك في ان شريكه دفع خمسه أم لا؟ جاز حمل فعله علي الصحة و لم يجب الفحص عنه.

3- اذا قلنا بان تحليل التجارات عام يشمل ما اذا انتقل اليه ممن يعتقد الخمس و ممن لا يعتقد، امكن القول بالحلية هنا أيضا، لان المقام من قبيل الانتقال اليه ممن لا يخمس مع اعتقاده الخمس بحسب مذهبه.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 579

و للحاكم الشرعي ان يجيز لهذا الشريك المؤدي لخمسه في التصرف في الباقي عند وجود المصلحة.

*** المسألة الثالثة و العشرون: إذا مر عليه سنين لم يخمس أمواله و مع ذلك اشتري البيت

او متاع البيت و اثاثه و صرف ما صرف في مؤنته و مؤنة عياله ثم تاب و رجع و اراد تطهير امواله من هذا الحق، ففيه صور مختلفة:

تارة يعلم زمان ظهور الربح في كسبه فهو مبدء سنة الخمس له. مثلا يعلم ان اول ظهور الربح كان اول المحرم، فحينئذ يخرج جميع المؤنات الي آخر السنة ثم يحاسب الباقي و يخرج خمسه.

اما اذا لم يعلم مبدء ظهور الربح، او علم به و لكن لم يعلم ما ذا اشتري للمئونة في تلك السنة و ما ذا اشتري بالمال الذي فيه الخمس بعد مضي السنة حتي يكون البيع فضوليا فيه حق السادة، بل يعلم انه ربح ارباحا و انفق نفقات طول سنين من دون علم بكيفية الامر، فحينئذ يكون امواله مختلطة كلها بحق السادة كالمختلطة بالحرام، فاللازم محاسبة الجميع و اخراج الخمس عن الجميع سواء في ذلك رأس ماله الموجود و مطالباته عن غيره، و ما اشتراه للمئونة من الدار و الفرش و غيرهما.

و لكن اذا احتمل اشتراء ما في يده من المؤن- كالدار و الفرش و المراكب و غيرها- من منافع

سنة الربح، فلا بد من المصالحة مع الحاكم الشرعي بالنصف او بالثلث او باكثر او باقل من ذلك، حسب قوة الاحتمال و ضعفه، و حسب توافق الطرفين مع ملاحظة مصلحة ارباب الخمس من جانب الحاكم الشرعي.

***

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 580

المسألة الرابعة و العشرون: لا إشكال في إمكان اجتماع الخمس و الزكاة في مال واحد

و لا يكفي واحد منهما عن الاخر، مثلا اذا حصل له من الزراعة ما يزيد علي النصاب فزكّاه، ثم بقي الباقي و زاد عن مؤنة سنته وجب عليه الخمس، و كذا ما يحصل له من ارباح التجارات اذا كانت من الذهب و الفضة و حال عليهما الحول، و كذا ما يحصل له من المواشي. و يشهد له ما مر في الابحاث السابقة من رواية علي بن محمد بن شجاع النيشابوري عن ابي الحسن الثالث حيث ان الراوي يسئل عن وجوب الخمس بعد ما اخذ العشر من الحنطة بعنوان الزكاة، و يجيبه عليه السّلام بوجوب الخمس منه بعد المئونة. «1»

و الحاصل: انه لا منافاة بين الواجبين فلا بد من العمل بكليهما بعد اجتماع شرائطهما، غاية الامر ان احدهما و هي الزكاة تتعلق باصل المال، و الثاني و هو الخمس يتعلق بما يزيد عن مؤنة الشخص من ربح المال.

و ليعلم انه لا بد من الابتداء بما تعلق به اولا، فلو كان تعلق الزكاة به قبل حلول حول الخمس فيبدء بها لأنه واجب فوري، فلو اخرجها و لم يبق بعدها شي ء يزيد عن مؤنته لم يجب عليه الخمس و الا وجب، و لو حال حول الخمس علي الذهب و الفضة قبل حلول حول الزكاة فاخرج منه الخمس فلم يبق نصاب الذهب و الفضة بعد ذلك لم تجب الزكاة، و كذا في الانعام الثلاثة.

و

لو حصلا في زمن واحد بان حال حول الخمس و الزكاة في يوم واحد، كمن حصلت له من ربح تجارة مقادير من الذهب و الفضة فبقيت عنده الي حول و كان نصابا و زائدا عن مؤنة سنته فيجب الخمس و الزكاة معا، و لكن لو

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 8 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 581

كان اداء الخمس يوجب سقوطه عن النصاب في الزكاة فهل يجب عليه زكاة أم لا؟ الظاهر عدمه اذا كان في آن حلول حول الزكاة متعلقا لوجوب الخمس، لان احدهما من قبيل ما فيه الاقتضاء و الاخر من قبيل ما ليس فيه الاقتضاء فلا يزاحم احدهما الاخر.

*** المسألة الخامسة و العشرون: قد عرفت اعتبار الإيمان في الفقراء من بني هاشم

بالنسبة الي سهم السادة، و هل يعتبر الايمان او الإسلام في سهم الامام عليه السّلام او يجوز دفعه حتي الي غير المسلمين اذا كان سببا لمزيد شوكة الإسلام- كما اذا اعطاه كاتبا غير مسلم يكتب كتابا يدافع فيه عن بعض شئون المسلمين- او كان ذلك سببا لتأليف القلوب و حسن سمعة الإسلام، او دفعه لمداوا بعض مرضاهم اذا كان ذلك سببا لإسلامهم، او لحسن ظنهم بالمسلمين و معاونتهم له الي غير ذلك من المصالح؟

و الظاهر جواز جميع ذلك من دون فرق بين الامثلة لما عرفت في مصارف سهم الامام عليه السّلام.

*** المسألة السادسة العشرون: إذا ربح التاجر بحسب ظاهر الحال بأن زاد رأس ماله آخر السنة

من مأئة الف تومان الي مأئة و خمسين، و لكن في الواقع كان ذلك بسبب الغلاء الحاصلة في جميع الاشياء بحيث لو كان الثمن من قبيل الدراهم و الدنانير لكانت تجارته في خسران.

مثل ما اذا اشتري عشرين كيسا من الارز بمائة الف ثم باعه بمائة و خمسين، و لكن عند حلول الحول غلت جميع الاشياء بحيث لا يعطونه بمائة

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 582

و خمسين الف اكثر من تسعة عشر كيسا، فهو في الواقع قد خسر و ان كان في الظاهر قد ربح، فهل هذا ربح كاذب لا يجب فيه الخمس او ربح واقعي يجب فيه الخمس؟

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 583

الفصل الثالث في أحكام الأنفال

اشارة

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 585

ختام في الأنفال

اشارة

ذكر جماعة من فقهائنا الاعلام- رض- احكام الانفال ذيل احكام الخمس لمناسبة واضحة بينهما و هو اختصاص الانفال بالامام كاختصاص الخمس به، و نحن نقتفي آثارهم في هذا الامر و ان صرف النظر عنه المحقق اليزدي في العروة الوثقي.

فنقول و منه جل ثنائه نستمد التوفيق و الهداية هنا ابحاث:

1- ما المراد بالأنفال؟

اشارة

ان هذا العنوان (الانفال) مأخوذ من الآية الشريفة: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ وَ أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» «1»

فقد ذكر هذا العنوان مرتين في الآية الشريفة و سميت السورة باسمها و لا يوجد هذا العنوان في غير هذه الآية من القرآن الكريم، و قد وقع الخلاف في تفسير الآية و بيان المراد منها بعد اتفاق كثير من ارباب اللغة في ان الانفال جمع النفل بالسكون و التحريك بمعني الغنيمة، كما صرح به الراغب في

______________________________

(1)- سورة الانفال، الآية 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 586

المفردات و ابن الاثير في النهاية و الطريحي في مجمع البحرين و صاحب المصباح في مصابحه، او بمعني الغنيمة و الهبة كما في القاموس و لسان العرب.

و قد صرحوا أيضا بان النفل في الاصل بمعني الزيادة، و لذا يطلق علي الصلوات المستحبة عنوان النافلة لأنها زيادة علي الفريضة، و علي ولد الولد لأنه زيادة علي الولد، و منه قوله تعالي: «وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ نٰافِلَةً» «1» فقد وعد اللّه ابراهيم اعطاء الولد فوهبه له، و قد زاده بولد الولد و هو يعقوب.

و اما اطلاقه علي الغنيمة، فلأنها كانت محرمة علي الامم السالفة، كما قيل و قد زادها اللّه علي الامة المرحومة، او انها منحة من اللّه

من غير وجوب، و لكن ليعلم ان الغنيمة هنا بمعني كل ما يحصل للمسلمين من الكفار لا خصوص ما يكون لهم بالحرب (كما سيأتي) و علي كل حال فقد اختلف المفسرون في تعيين المراد من الانفال في الآية الشريفة (اختلافا مصداقيا لا مفهوميا فلا تنافي كلماتهم لما ذكره ارباب اللغة) بما يربوء علي سبعة اقوال او ثمانية:

1- انها غنائم يوم بدر.

2- انها انفال السرايا.

3- انها ما شذ من المشركين الي المسلمين من عبد او جارية من غير قتال.

4- انها ما سقط من المتاع بعد قسمة الغنائم.

5- انها سلب الرجل و فرسه.

6- انها الخمس.

______________________________

(1)- سورة الانبياء، الآية 72.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 587

7- انها ما أخذ بغير قتال من دار الحرب، و كل ارض انجلي اهلها، و سائر ما ذكره اصحابنا- رضوان اللّه عليهم- تبعا لما وصل اليهم من ائمة اهل البيت- عليهم السلام- الي غير ذلك.

ثم اعلم ان الاختلاف في بيان المراد و المصداق لا في المفهوم اللغوي كما اشرنا اليه آنفا.

و الانصاف انه لا يمكن ان يراد بها الغنائم المأخوذة من اهل الحرب بطريق القهر و الغلبة، لان ظاهر آية الخمس ان فيها الخمس فقط فلا يمكن ان يكون كله للّه و لرسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم فيعلم من هذا ان مورد آية الغنائم غير مورد آية الانفال فحملها علي غنائم بدر او السرايا او الخمس او شبه ذلك مما لا وجه له، فيمكن ان يكون التفاوت بينهما كون الاول ما اخذ من الكفار بالقهر و الغلبة فلذا يستحق المقاتلون اربعة اخماسه، و الثاني ما اخذ عنهم لا بسبب الجهاد فلذا لا حقّ للمقاتلين فيها.

و ربما يكون

آية الفي ء قرينة علي هذا الجمع و هي قوله تعالي:

«مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَليٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُريٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لٰا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيٰاءِ مِنْكُمْ … » «1»

لأنها مصرحة بان ما اخذ بغير القتال كلها للّه و للرّسول و المحتاجين من المسلمين، و الظاهر ان ذكر الفرق الثلاث من اهل الحاجة بيان لما يصرفه الرسول فيه من المصارف، و لذا عبّر غير واحد منهم عن الانفال بالفي ء.

و هاتان القرينتان (آيتا الخمس و الفي ء) شاهدتان علي المراد من الانفال اجمالا (مضافا الي مفهوم النفل و هو الزيادة فانها امر زائد علي الخمس او هبة من اللّه تعالي من دون قتال).

______________________________

(1)- سورة الحشر، الآية 7.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 588

و من الجدير بالذكر ان ظاهر الآية كون مفهوم الانفال امرا واضحا بين المسلمين في الصدر الاول، و لذا قال تعالي: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ … » كما ان ذيل الآية يشهد بانه كان فيه مظنة الخلاف بينهم، و لذا قال سبحانه: «فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ» كما كان فيه مظنة المعصية و ترك الطاعة، و لذا قال عزّ اسمه: «وَ أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ».

بقي هنا أمران

احدهما: انه ذكر سيدنا الاستاذ العلامة البروجردي فيما حكي عنه في بعض محاضراته: «ان فقهاء العامة ذكروا ان الأنفال عبارة عن الزيادات التي كان يعطيها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم لبعض المجاهدين خاصة». «1»

و لكن هذا التفسير مع عدم موافقته لظاهر آية الانفال، مخالف لما مر من كلماتهم المختلفة في هذا الباب، نعم يمكن ان يكون احد الاقوال

في المسألة.

ثانيهما: انه يتلخص مما ذكرنا هنا و في ابحاث الخمس، ان ما يأخذه المسلمون من المشركين علي انحاء اربعة:

1- ما يؤخذ باذن الامام بالقهر و الغلبة من المنقول فذلك يكون داخلا في الغنيمة و فيه الخمس، و الاربعة الباقية للمقاتلين.

2- ما يؤخذ كذلك من الاراضي و شبهها و هذا لجميع المسلمين.

3- ما يؤخذ بغير اذن الامام عليه السّلام فذلك من الانفال كما سيأتي.

4- ما يؤخذ بغير القهر و الغلبة، كما اذا صالحوا من دون حرب فهذا أيضا من الانفال كما يأتي (إن شاء اللّه).

***

______________________________

(1)- زبدة المقال في خمس الرسول و الآل، الصفحة 143.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 589

2- موارد الأنفال و مصاديقها

اشارة

اختلفت كلماتهم في بيان تعداد مواردها، فقد ذكر المحقق في الشرائع انها خمسة و قال العلامة في القواعد انها عشرة (و قد لا يكون بينهما اختلاف كثير في الواقع) و العمدة هنا اقتفاء الادلة في كل مورد منها فنقول:

الأول: «الأرضون التي تملك من غير قتال
اشارة

سواء انجلي اهلها او سلموها للمسلمين طوعا».

و قد ادعي في الجواهر عدم وجدان الخلاف فيها بل ظهور الاجماع عليه.

و استدل له بروايات:

1- ما رواه حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الانفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب او قوم صالحوا او قوم اعطوا بايديهم». «1»

2- ما رواه معاوية بن وهب عنه عليه السّلام أيضا و فيها: «و ان لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث احب». «2»

3- ما رواه حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح (في حديث) قال: «و كل ارض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و اعطوا بايديهم علي غير قتال». «3»

4- ما في حديث علي بن اسباط عن ابي الحسن موسي عليه السّلام بعد ذكر قضية فدك مع حدوده الوسيعة انه: «قيل له كل هذا؟ قال: نعم. ان هذا كله مما لم يوجف اهله علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم بخيل و لا ركاب». «4»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 1.

(2)- نفس المصدر، الحديث 3.

(3)- نفس المصدر، الحديث 4.

(4)- نفس المصدر، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 590

5- قوله عليه السّلام في ما رواه محمد بن مسلم انه سمع ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول في جواب السؤال عن الانفال: «كل قرية يهلك اهلها او يجلون عنها فهي نفل للّه عزّ و جلّ». «1»

لكن في ذيله ما لم يعمل به الاصحاب و هو قوله: «نصفها يقسم بين الناس و نصفها لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فما كان لرسول

اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فهو للإمام عليه السّلام».

و لكن لعله عناية و تفضل علي الناس لا من باب استحقاقهم له.

6- ما رواه زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام فقد ذكر في جواب السؤال عن الانفال: «هي كل ارض جلا اهلها من غير ان يحمل عليها بخيل و لا رجال و لا ركاب فهي نفل للّه و للرّسول». «2»

7- ما رواه محمد بن مسلم عنه عليه السّلام أيضا: «ان الانفال ما كان من ارض لم يكن فيها هراقة دم او قوم صولحوا و اعطوا بايديهم». «3»

الي غير ذلك من الروايات مثل ما رواه الحلبي «4» و محمد بن مسلم «5» و مرفوعة احمد بن محمد «6» و ما رواه في تفسير النعماني «7» و اسحاق بن عمار «8» و رواية اخري لمحمد بن مسلم «9» و لزرارة «10» و ما رواه العياشي عن

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 7.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 9.

(3)- نفس المصدر، الحديث 10.

(4)- راجع نفس المصدر، الأحاديث 11 و 12 و 17 و 19 و 20 و 22 و 23 و 27 و 32.

(5)- راجع نفس المصدر، الأحاديث 11 و 12 و 17 و 19 و 20 و 22 و 23 و 27 و 32.

(6)- راجع نفس المصدر، الأحاديث 11 و 12 و 17 و 19 و 20 و 22 و 23 و 27 و 32.

(7)- راجع نفس المصدر، الأحاديث 11 و 12 و 17 و 19 و 20 و 22 و 23 و 27 و 32.

(8)- راجع نفس المصدر، الأحاديث 11 و 12 و 17 و 19 و 20 و 22

و 23 و 27 و 32.

(9)- راجع نفس المصدر، الأحاديث 11 و 12 و 17 و 19 و 20 و 22 و 23 و 27 و 32.

(10)- راجع نفس المصدر، الأحاديث 11 و 12 و 17 و 19 و 20 و 22 و 23 و 27 و 32.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 591

ابي اسامة «1» و ما رواه عن داود بن فرقد. «2»

هذا و قد وقع الكلام في ان هذا الحكم مختص بالاراضي او يشمل غيره من الاموال المنقولة. حكي عن المشهور الاعم، و قال في الجواهر ظاهر المصنف و غيره من الاصحاب ذلك.

و يدل علي العموم الآية الشريفة: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَليٰ رَسُولِهِ … » فانه عام يشمل المنقول و غيره- كما لا يخفي- فكذلك آية الانفال، و هكذا غير واحد من الأحاديث السابقة التي ظاهرها العموم و عدم اختصاص الحكم بالاراضي، كالرواية الاولي و الثانية اعني صحيحتي حفص بن البختري و معاوية بن وهب، فان قوله: «ما لم يوجف عليه … » و كذا قوله: «ما غنموا» عام يشمل الجميع.

مضافا الي مرسلة العياشي عن زرارة.

نعم عنوان البحث في كثير من هذه الروايات الواردة في الباب هو خصوص الاراضي و شبهها، و لكن اثبات الشي ء لا ينفي ما عداه و القول بانها في مقام البيان و الاحتراز فيدل علي المفهوم كما تري.

فالحق عدم الفرق بين المنقول و غيرها، و يؤيده الاعتبار، فان المسلمين اذا لم يوجفوا علي شي ء بخيل و لا ركاب و صالحهم الكفار علي ألف دراهم او دنانير لا وجه لشركتهم في هذا المال- كما هو ظاهر- فان الغنيمة في الواقع جابرة لشي ء من مشاق القتال.

***

______________________________

(1)- راجع نفس

المصدر، الأحاديث 11 و 12 و 17 و 19 و 20 و 22 و 23 و 27 و 32.

(2)- راجع نفس المصدر، الأحاديث 11 و 12 و 17 و 19 و 20 و 22 و 23 و 27 و 32.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 592

الثاني: الأرضون الموات
اشارة

القسم الثاني من الانفال هو الارضون الموات سواء ملكت ثم باد اهلها او لم يجر عليها ملك.

هكذا ذكره في الشرائع، و الكلام يقع تارة فيها حكما و اخري موضوعا.

اما من ناحية الحكم فقد ادعي شيخ الطائفة الاجماع فيها بعد ما قال:

«الارضون الموات للإمام خاصة لا يملكها احد بالاحياء الا ان يأذن له الامام- ثم قال- و قال الشافعي من احياها ملكها اذن له الامام او لم يأذن، و قال ابو حنيفة لا يملك الا باذن و هو قول مالك و هذا مثل ما قلنا … دليلنا: اجماع الفرقة و اخبارهم و هي كثيرة. «1»

و ادعي في الغنية أيضا اجماع الطائفة عليه، و قال في مستند الشيعة ان «كونها من الانفال مما لا خلاف فيه، بل في التنقيح و المسالك و المفاتيح و شرحه و غيرها الاجماع عليه». «2»

و يدل عليه مضافا الي ذلك، كثير من روايات الباب مثل ما يلي:

1- ما في صحيحة حفص: «و كل ارض خربة و بطون الاودية فهو لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم و هو للإمام من بعده». «3»

2- ما رواه حماد في مرسلته: «و الانفال كل ارض خربة باد اهلها … و له رءوس الجبال و بطون الاودية و الاجام و كل ارض ميتة لا رب لها». «4»

3- ما رواه سماعة قال: «سألته عن الأنفال. قال عليه

السّلام: كل ارض

______________________________

(1)- الخلاف، كتاب احياء الموات، المسألة 3.

(2)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 93.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 1.

(4)- نفس المصدر، الحديث 4.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 593

خربة». «1»

4- صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه سمعه يقول: «ان الانفال ما كان من ارض لم يكن فيها هراقة دم … و ما كان من ارض خربة او بطون اودية فهذا كله من الفي ء و الانفال للّه و الرسول … ». «2»

5- و في رواية احمد بن محمد: «و بطون الاودية و رءوس الجبال و الموات كلها هي له و هو قوله تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ». «3»

الي غير ذلك من الروايات مثل رواية محمد بن مسلم و مرسلة ابي اسامة و ابي بصير و داود بن فرقد و غيرها. «4»

و اما من الناحية الثانية- اعني موضوعها- فقد ذكر الاصحاب هنا امورا، منها المفاوز و سيف البحار و بطون الاودية و رءوس الجبال. و المراد من المفاوز، الفلاة التي لا ماء فيها سميت بذلك.

اما من فوز اي مات لأنها مظنة الهلاك لعدم الماء فيها، او لأنه من قطعها و خرج منها فقد فاز، او للتفأل فيها بالنجاة بعد كونها مظنة للهلاك.

و المراد بسيف البحار هو ساحلها، و المراد من بطون الاودية محل جريان السيول، قال اللّه تعالي: أَنْزَلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَسٰالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهٰا.

و المراد من رءوس الجبال، المحل الذي لا ينبت عليها الزرع و الاشجار غالبا (بخلاف ذيولها فانها محل لذلك) و لذا جعلت في مقابل اذيالها في كلمات بعضهم، قال و لو كانت الاذيال مواتا دخلت في الانفال أيضا.

و علي

كل حال يدخل جميع ذلك في العناوين العامة المصرح بها في

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 8.

(2)- نفس المصدر، الحديث 10.

(3)- نفس المصدر، الحديث 17.

(4)- نفس المصدر، الأحاديث 22 و 27 و 28 و 32.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 594

روايات الباب، مثل قوله عليه السّلام: «كل ارض لا رب لها» «1» و قوله عليه السّلام: «كل ارض خربة». «2» و عنوان الموات كلها. «3»

مضافا الي التصريح بخصوص هذه العناوين في بعض روايات الباب، كالتصريح بعنوان رءوس الجبال و بطون الاودية في رواية حماد «4» و رواية محمد مسلم «5» و داود بن فرقد «6»

و كالتصريح بخصوص بطون الاودية في رواية حفص «7» و رواية محمد مسلم «8» و رواية اخري لمحمد بن مسلم. «9»

و كالتصريح بسيف البحر في رواية علي بن اسباط. «10»

فرع: هل هناك فرق بين ما اذا لم يكن لها مالك معروف (سواء ملكها بالاحياء او بغيره كالإرث و شبهه) او كان كذلك؟ ففي الواقع هنا صور ثلاث:

الاولي: ما لم يكن له مالك معروف، و هذا هو القدر المتيقن من المسألة.

الثاني: ما كان له مالك معروف ملكها بغير الاحياء.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 20.

(2)- نفس المصدر، الأحاديث 1 و 4 و 8 و 22 و 27.

(3)- نفس المصدر، الحديث 17.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 4.

(5)- نفس المصدر، الحديث 22.

(6)- نفس المصدر، الحديث 32.

(7)- نفس المصدر، الحديث 1.

(8)- نفس المصدر، الحديث 10.

(9)- نفس المصدر، الحديث 12.

(10)- نفس المصدر، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 595

الثالث: ما كان له مالك معروف ملكها بالاحياء.

و قد عرفت ان الاولي

هي القدر المتيقن من محل البحث، و اما الثانية فقد ادعي في مصباح الفقيه عدم الخلاف في كونها لمالكها، و في الثالث قولان:

زوال ملكيتها بعروض الخراب لها، و رجوعها الي ملك الامام عليه السّلام و عدم زوالها بذلك.

هذا و ظاهر قوله عليه السّلام: «باد اهلها» في مرسلة حماد «1» و في رواية حلبي «2» و مرسلة العياشي «3» و مرسلة اخري له عن ابي بصير. «4»

و كذلك التصريح في غير واحد من اخبار الباب بان: «اهلها قد هلكوا او انجلي اهلها». «5» ظاهر هذه الروايات الكثيرة المتضافرة و صريح بعضها دليل علي عدم معروفية مالك لها، و هي حجة و ان كان فيها ضعاف لاشتهارها رواية و فتوي.

نعم فيما ملك بالاحياء ثم عاد الي الموات خلاف في كتاب احياء الموات، و المشهور علي انه باق علي ملك مالكه، و عن جماعة من المتأخرين جواز تملكه بالاحياء لأنه يعود الي الانفال لبعض ما ورد في الباب من الروايات فراجع. «6»

***

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 4.

(2)- نفس المصدر، الحديث 11.

(3)- نفس المصدر، الحديث 26.

(4)- نفس المصدر، الحديث 28.

(5)- كما في رواية عبد اللّه بن سنان (الحديث 24 من الباب 1 من ابواب الانفال) و رواية اخري له (الحديث 29) و رواية زرارة (الحديث 9 من نفس الباب) و رواية محمد بن مسلم (الحديث 7 من نفس الباب).

(6)- جواهر الكلام، المجلد 38، الصفحة 21 من كتاب احياء الموات.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 596

و قد يلحق بهذا القسم- اي القسم الثاني من الانفال- امران:

1- «الاجام» و ان لم يصدق عليها عنوان الموات، بل هي في الحقيقة من قسم الاراضي المحياة بالاصالة، و المراد بالآجام التي هي

جمع «اجمة» ليس خصوص ما ينبت فيه القصب بل يشمل ما فيه الاشجار الملتفة الكثيرة، و ما في كلام النراقي- قدس سره- في المستند من انها ما يقال بالفارسية «بيشه» غير تام، فان كلمة «بيشه» في الفارسية بمعني منبت القصب (نيزار يا نيستان، يا جنگل كوچك) و لكن الاجام في العربية يعم ذلك و غيره، و لذا صرح في القاموس بانها هي الشجر الكثير الملتف.

و علي كل حال كونها من الانفال هو المعروف في كلمات الاصحاب، كما صرح به في المدارك «1» و يدل عليه أيضا مرسلة حماد بن عيسي «2» و كذلك مرسلة العياشي عن ابي بصير «3» و مرسلة داود بن فرقد، «4» و هي و ان كانت ضعاف الاسناد و لكن عمل المشهور بها يوجب جبر ضعفها.

هذا مضافا الي امكان اصطياد عموم من مجموع روايات الانفال، و هو ان ما ليس ملكا لمالك خاص فهو للإمام عليه السّلام الا ما خرج بالدليل و هذه قاعدة مهمة جدا.

و يلحق بذلك بطون الاودية اذا كانت فيها اشجار، و كذلك سيف الانهار اذا كانت كذلك لصدق الاجام عليها او لما عرفت من القاعدة الكلية.

ثم انه هل هذا الحكم يختص بما اذا كانت الاجام في أراضي غير مملوكة لمالك خاص او يعمها و غير ذلك؟ و كون الاجام في ملك مالك خاص

______________________________

(1)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 415.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 4.

(3)- نفس المصدر، الحديث 28.

(4)- نفس المصدر، الحديث 32.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 597

يتصور علي وجوه:

تارة: اوجد المالك فيها اشجارا كثيرة ملتفة مثل ما نري في عصرنا من الاجام الصناعية، و لا اشكال في

عدم دخول هذا القسم في الاجام المذكورة في روايات الباب لانصرافها عنه.

و ثانية: يكون بترك زرعها فنبتت فيها اشجار كثيرة ملتفة مع كون الارض انتقلت اليه بناقل قهري او اختياري من غيره.

و ثالثة: هذا الفرض بعينه مع تملكها بالاحياء، و الانصاف ان شيئا منهما أيضا لا يدخل في حكم الانفال لما عرفت من عدم القول به في القسم الاول حتي في مورد طروّ الموات، و اما القسم الثاني فعلي فرض القول به في طروّ الموات لا يمكن القول به هنا، لان العمدة هناك مصححة ابي خالد الكابلي و معاوية بن وهب «1» و هما واردتان في الارض التي عمرها ثم تركها حتي صارت مواتا.

ان قلت: هذا أيضا يصدق عليه الموات.

قلت: كلا هي من المحياة غالبا. نعم قد تقطع اشجارها لجعلها ارضا زراعية تكون منافعها اكثر و الا لا يقول احدائها ارض موات.

______________________________

(1)- الحديث 1 من الباب 3 من كتاب احياء الموات عن معاوية بن وهب قال: «سمعت ابا عبد اللّه (ع) يقول: ايما رجل اتي خربة بائرة فاستخرجها و كري انها رها و عمرها فان عليه فيها الصدقة فان كانت ارض لرجل قبله فغاب عنها و تركها فاخر بها ثم جاء بعد يطلبها فان الارض للّه و لمن عمّرها».

الحديث 2 من نفس الباب عن ابي خالد الكابلي عن ابي جعفر (ع) قال: «وجدنا في كتاب علي (ع) ان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبته للمتقين لنا و اهل بيتي الذين اورثنا الارض و نحن المتقون و الارض كلها لنا، فمن أحيا ارضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها الي الامام من اهل بيتي و له ما اكل منها فان تركها و اخر

بها فاخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و احياها فهو احق بها من الذي تركها» الحديث.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 598

2- المراتع، الظاهر ان المراتع الموجودة في الاراضي التي ليست ملكا لشخص خاص من الانفال أيضا، الا ان يكون حريما لملك عامر من قرية و شبهها، و قلما يوجد في كلماتهم تصريح بذلك، الا انهم صرحوا في كتاب احياء الموات ان من شرائط الاحياء ان لا يكون حريما لعامر، و مثل له في التذكرة بما نحن فيه فقال: «لا نعلم خلافا بين علماء الامصار ان كل ما يتعلق بمصالح العامر، كالطريق و الشرب و مسيل ماء العامر و مطرح قمامته و ملقي ترابه و آلاته، او لمصالح القرية كقناتها، و مرعي ماشيتها، و محتطبها و مسيل مياهها لا يصح لأحد احيائه و لا يملك بالاحياء». «1»

و هذا و شبهه دليل علي مفروغية كون المراتع من الانفال التي تملك بالاحياء لو لم يكن هناك مانع.

و المراتع كالآجام علي أقسام:

منها: ما يكون مصنوعيا، و قد كثر ذلك في اعصارنا، بان ينشر بذره في ملك خاص فلا اشكال في كونه لمالكه كسائر الزراعات.

منها: ما يكون بالاصالة في ملك خاص، كان يترك ارضه سنين عديدة فصارت مرتعا بمرور الزمان، و هذا يدخل فيما مرّ من المحياة التي رجعت مواتا بما فيها من التفصيل لو قلنا بصدق الموات علي المراتع (كما لا يبعد في بعضها) و اما اذا كانت بحيث لا يصدق عليه الا المحياة فلا ينبغي الشك في بقائه علي ملك مالكه، لعدم الدليل علي خروجه بصيرورته مرتعا محياة.

و منها: ما كان موجودا من الاول في الاراضي المفتوحة عنوة او الاراضي المملوكة لأشخاص، و الظاهر انها لا

تدخل في ملك الاشخاص و لا ملك المسلمين بعد عدم حيازتها و عدم احيائها كما هو ظاهر و كيف كان

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 38، الصفحة 34.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 599

تدل عليه مضافا الي صدق الموات علي كثير من المراتع، القاعدة الكلية المشار اليها المستفادة من مجموع ابواب الانفال، من ان كل ما لم يكن ملكا لمالك خاص فهو ملك للإمام عليه السّلام (الا ما خرج بالدليل).

بل قد يدخل في قوله: «و كل ارض لا رب لها» الوارد في رواية ابي يصير عن الباقر عليه السّلام «1» و مثله ما رواه اسحاق بن عمار عن الصادق عليه السّلام. «2»

*** الثالث: المعادن
اشارة

قد وقع الخلاف في كونها من الموات او من المشتركات، فعن المفيد و سلار و الكليني و شيخه علي بن ابراهيم بل عن الشيخ أيضا- قدس سره- كونها من الانفال، و لكن المحكي عن المشهور نقلا و تحصيلا- كما في الجواهر- انها من المشتركات التي يكون الناس فيه شرع سواء، بل قد يقال انه يلوح من المبسوط نفي الخلاف فيه. «3»

و صرح في الدروس- بعد نقل القولين- بضعف القول بعدم كونه ملكا للإمام عليه السّلام و قد ذكر المحقق الهمداني بان الاصحاب اختلفوا في المعادن:

1- فعن الكليني و المفيد و الشيخ و الديلمي و القاضي و القمي في تفسيره و بعض متأخري المتأخرين، انها من الانفال مطلقا من غير فرق بين ما كان منها في ارضه او غيرها، و بين الظاهرة و الباطنة كما تشهد له جملة من الاخبار …

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 28.

(2)- نفس المصدر، الحديث 20.

(3)- جواهر الكلام، المجلد 38، الصفحة 109.

أنوار الفقاهة

- كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 600

2- و عن جملة من الاصحاب بالاشهر ان الناس فيها شرع سواء مطلقا …

3- التفصيل بين ما كان في ملك الامام و غيره … «1»

و عمدة ما يدل علي كونها من الانفال روايات:

1- ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره عن اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و فيها: «و كل ارض لا ربّ لها» و المعادن منها. «2»

2- مرسلة العياشي عن ابي بصير عن الباقر عليه السّلام قال: «و منها (من الانفال) المعادن و الاجام و كل ارض لا رب لها». «3»

3- ما رواه داود بن فرقد في حديث عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت: و ما الأنفال؟ قال: بطون الاودية و رءوس الجبال و الاجام و المعادن». «4»

و قد يؤيد ذلك كله بما ورد في اخبار كثيرة: «ان الدنيا و ما فيها لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم و للأئمة المعصومين- عليهم السلام- من بعده» و ان شئت الاحاطة بها فراجع الكافي المجلد الاول باب ان الارض كلها للإمام. «5»

هذا و قد يقال بضعف هذه الاخبار، اما المراسيل فواضحة، و اما رواية اسحاق بن عمار فالظاهر انه لاشتمال سندها ب «ابان بن عثمان» و هو محل الكلام عندهم، مضافا الي اعراض المشهور عنها.

اضف الي ذلك السيرة المستمرة في سائر الامصار و الاعصار في زمن تسلطهم و غيره علي الاخذ منها بلا اذن حتي ما كان في الموات بل و ما كان في المفتوحة عنوة.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 153.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 20.

(3)- نفس المصدر، الحديث 28.

(4)- نفس المصدر، الحديث 32.

(5)- الكافي، المجلد 1، الصفحة 408.

أنوار الفقاهة - كتاب

الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 601

اقول: اولا دعوي الشهرة علي عدم كون المعادن من الانفال مع ذهاب جماعة كثيرة من اعيان القدماء الي ذلك قابلة للمنع. اللهم الا ان يراد شهرة المتأخرين، و شهرتهم لا تمنع عن حجية الاخبار.

و قد تهافت في ذلك كلمات صاحب الجواهر (رضوان اللّه تعالي عليه).

فقال في كتاب احياء الموات: «المشهور نقلا و تحصيلا علي ان الناس فيها شرع سواء، بل قد يلوح من محكي المبسوط و السرائر نفي الخلاف فيه». «1»

بينما صرح في كتاب الخمس باختلاف الاصحاب فيها، ثم حكي عن الدروس ان الاشهر مساواة الناس فيها، و قال في آخر المسألة: «ان المسألة غير سالمة الاشكال و الاحتياط الذي جعله اللّه ساحل بحر الهلكة فيها مطلوب». «2»

هذا و قد افتي في رسالة نجاة العباد عند ذكر الانفال بكون المعادن منها.

فقال: «منها المعادن التي لم تكن لمالك خاص تبعا للأرض او بالاحياء». «3»

فقد تهافت كلماته في هذه الكتب كما لا يخفي.

و الانصاف ان هذه الروايات الثلاث مع عمل جماعة كثيرة من افاضل القدماء بها كافية في اثبات كون المعادن من الانفال لا سيما ان ضعف خبر اسحاق بن عمار غير ثابت، فقد وصفه صاحب الجواهر و صاحب الرياض و المحقق الهمداني و المحقق الخوانساري- قدس اسرارهم- في جامع

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 38، الصفحة 108.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 131.

(3)- نجاة العباد، الصفحة 94.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 602

المدارك بالوثاقة.

و الوجه فيه ما عرفت من الكلام في ابان بن عثمان. هذا و قد صرح الكشي فيما رواه بان ابان بن عثمان كان من الناووسية. «1»

ثم قال: ان العصابة اجمعت علي تصحيح ما يصح عن ابان و

الاقرار له بالفقه.

و ذكر العلامة في الخلاصة: «ان الاقرب عنده قبول روايته و ان كان فاسد المذهب للإجماع المذكور».

و ظاهر هذه العبارة اعترافه بصحة دعوي الاجماع المذكور، و لكن عن ولده فخر المحققين انه قال: «سألت والدي عنه فقال الاقرب عدم قبول روايته لقوله تعالي ان جاءكم فاسق … و لا فسق اعظم من عدم الايمان».

و الظاهر ان هذه العبارة أيضا دليل علي ان الرواية من قسم الموثق، و انه لا اشكال فيها من حيث وثوق الراوي، بل قد ذكر صاحب الرجال الكبير:

«قد يقال ان الاجماع الثابت بنقل الكشي دليل علي عدم كونه ناووسيا».

نعم قد اورد علي الرواية بانها مجملة من حيث المتن و الدلالة، اما اولا فلان الضمير في قوله «و المعادن منها» يمكن رجوعه الي الارض في قوله:

«و كل ارض لا ربّ لها» و ثانيا فقد حكي عن بعض النسخ «فيها» بدل «منها» فيكون ظاهره عدّ المعادن الموجودة في الاراضي الموات من الانفال.

هذا و لكن لازمه علي كل حال قبول كون قسم كبير من المعادن من الانفال و هي الموجودة في اراضي الموات، فالرواية و ان كانت مجملة من

______________________________

(1)- هم علي المعروف طائفة من المبتدعة الذين قالوا بان جعفر بن محمّد (ع) حيّ لا يموت و هو المهدي، فهم قائلون بالأئمة السنة منسوبون الي رجل يسمي ناووس او الي قرية بهذا الاسم.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 603

حيث المتن لكن القدر المتيقن منها كون هذه المعادن من الانفال، و من الواضح ان عمدة المعادن هي الموجودة في الموات.

هذا و يمكن ان يكون التعبير ب «منها» في غير واحد من روايات الباب شاهدا علي رفع الابهام هنا فتأمل.

و هناك رواية اخري

تدل علي المطلوب رواها في المستدرك عن عاصم بن حميد الحناط عن ابي بصير في حديث قال: «و لنا الانفال. قال قلت:

و ما الانفال؟ قال: المعادن منها و الاجام و كل ارض لا ربّ لها». «1»

اضف الي ذلك كله ما قد عرفته من القاعدة الكلية المصطادة من روايات الانفال كلها من ان كل مال لا مالك له فهو للإمام عليه السّلام الا ما خرج بالدليل.

فمن جميع ذلك يمكن جعل المعادن من الانفال لا من المشتركات.

و قد يستدل علي ذلك- كما في كلمات غير واحد منهم- بالروايات الكثيرة الدالة علي ان الدنيا كلها لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم و للأئمة من بعده- عليهم السلام- فراجع. «2»

و الانصاف انه لا دلالة لها علي هذا المدعي و المراد منها- كما ذكرنا مرارا- نوع آخر من الملكية المعروفة، و هي تكون في طول هذه الاملاك التي لنا لا في عرضها، كما ذكروه في ملكية الموالي و العبيد بالنسبة الي مكتسبات العبيد، و اوضح منها ملكية اللّه تعالي لجميع ما في السماوات و الارض، و في الحقيقة هو المالك الاصلي و هذه الاموال اماناته عندنا.

و من الواضح ان هذا النوع من الملكية لا تنافي ملكية الناس لأموالهم.

***

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل، المجلد 1، الصفحة 295 الباب الاول من الانفال.

(2)- الكافي، المجلد 1، الصفحة 409 باب ان الارض كلها للإمام (ع).

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 604

هذا و استدل للقول بان المعادن من المشتركات المباحات بامور:

1- الاصل: اي أصالة الاباحة و عدم الملكية لأحد بعد ضعف روايات الباب سندا او دلالة، و ذهاب المشهور علي خلافها فلا جابر لها.

و فيه: ما عرفت من صحة الاستدلال بالروايات

بعد ضم بعضها ببعض فالموثقة صحيحة سندا، و الروايات الثلاثة الباقية واضحة الدلالة و بعد انضمامها تكون حجة علي المقصود، مضافا الي القاعدة المصطادة من اخبار الانفال.

2- السيرة المستمرة في جميع الاعصار و الامصار حتي في زمن تسلطهم- عليهم السلام- علي الأخذ من المعادن بغير اذن منهم حتي ما كان في الموات الذي قد عرفت انه لهم، او في المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين فهذه السيرة المعاضدة للشهرة، و لقوله تعالي: «خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ» و لشدة حاجة الناس الي بعضها علي وجه يتوقف عليه معاشهم نحو الماء و النار و الكلاء (هكذا ذكره في الجواهر في كتاب احياء الموات).

و فيه: ان السيرة لا تكون دليلا الا علي جواز الاخذ منها، و الجواز هذا كما يمكن ان يكون بسبب كونها من المشتركات، يمكن ان يكون مستندا الي اذنهم العام في الأخذ من الانفال و ان من احياها فهي له.

و ان شئت قلت: سبيل المعادن سبيل اراضي الموات، فكما ان جريان السيرة علي تملكها بالاحياء لا يكون دليلا علي كونها من المباحات الاصلية فكذلك بالنسبة الي المعادن.

3- الاخبار الكثيرة القريبة من التواتر بل المتواترة الدالة علي ان المعادن مما يجب فيه الخمس، و هو مناف لكونها من الانفال اذ لا معني لوجوبه في مال الغير (حكاه في الرياض و استدل به غيره). «1»

______________________________

(1)- رياض المسائل، المجلد 1، الصفحة 298.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 605

و الانصاف انها أيضا لا تدل علي المقصود، فكما يمكن ان يكون جواز تملكها ثم اداء الخمس منها بسبب كونها من المشتركات، فكذلك يحتمل كونه من باب اذنهم- عليهم السلام- في مطلق الانفال، بل من لدن عصر النّبيّ

صلي اللّه عليه و آله و سلم.

و ان شئت قلت: ان هذه الاخبار لا تعارض الاخبار السابقة الدالة علي كونها من الانفال، بل طريق الجمع بينهما واضح، فالثاني دليل علي كونها من اموالهم- عليهم السلام- و الاول دليل علي اذنهم في التصرف فيها بل و تملكها.

و من هنا يظهر الاشكال فيما افاده في الرياض من ان هذا الجواب انما يتمشي علي تقدير كونها له فيرتكب جمعا، و الا فلا ريب انه خلاف الظاهر. «1»

4- و قد يستدل له كما ذكره المحقق الميلاني في محاضراته في المقام بما دل علي ان الارض المفتوحة عنوة للمسلمين سواء كانت ذات معدن أم لا.

ثم اجاب عنه بما حاصله: ان المعادن خارجة عن اسم الارض و العنوان هناك هو الاراضي المفتوحة عنوة، و بعبارة اخري ليس مفادها الا ما يؤخذ عنوة منهم مما هو لهم لا ما ليس لهم بل هو من اصله لغيرهم، كالأنفال التي كانت المعادن منها (انتهي ملخصا).

اقول: خروج المعادن كلها عن اسم الارض غير ثابت بل كثير من المعادن يصدق عليها اسم الارض قطعا، كمعادن الجص و النورة و انواع الاحجار التي يستفاد منها في الأبنية و معدن (السيمان) و كثير من معادن

______________________________

(1)- رياض المسائل المجلد 1، الصفحة 298.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 606

الفلزات التي تكون بشكل الاحجار او التراب، نعم معادن النفط و شبهها خارجة عن مسماها.

فالاولي ان يقال في الجواب: ان الادلة السابقة الدالة علي ان المعادن كلها للإمام و ان كانت نسبتها مع اطلاقات المفتوحة عنوة بالعموم من وجه، و لكنها في مفادها اظهر و اقوي منها فيقدم عليها.

و لو سلم الاشكال في خصوص ما يوجد في اراضي المفتوحة

عنوة، فلا اشكال في المعادن التي تكون في الموات و هي عمدة المعادن.

و مما ذكرنا ظهر وجه القول بالتفصيل بين المعادن الموجودة في الموات و غيرها، و قد تلخص مما ذكرنا ان القول بكون المعادن من الانفال هو الاقوي و لكن تفاصيله يأتي فيما يلي.

بقي هنا امور
1- أقسام المعادن:

المعادن علي اقسام تارة تكون في الاراضي الموات، و اخري في المفتوحة عنوة، و ثالثة في الاملاك الشخصية، و كل واحد منها قد يكون من المعادن الظاهرة كالملح و كثير من الاحجار، و اخري من الباطنة التي تعد تابعا للأرض (اي قريبا من سطح الارض) و ثالثة تكون في اعماقها التي لا تعد من توابعها (فقد ذكر في محله ان ما هو المعروف من اعماق الارض الي تخومها تابعة لها و كذلك الي عنان السماء غير ثابت، و لذا لا تحتاج الطائرات في عبورها من فوق البلاد الي اذن صاحب البيوت، و اما لزوم اذن الحكومات فهو امر آخر، و كذلك لا يحتاج من يتصرف تحت اراضي البلد مثلا في عمق كيلومترات الي اذن اهله، لان التبعية هنا امر عرفي عقلائي يتقدر بقدرها).

فما يكون من المعادن في اراضي الموات لا شك انها من الانفال، اما

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 607

الظاهرة و الباطنة القريبة فهما واضحان، و اما الاخير فلدخولها تحت عنوان المعادن في ما سبق من الادلة.

و اما اذا كان في المفتوحة عنوة و الاملاك الخاصة، فان كان من القسم الاخير اي الباطنة جدا فكذلك لعدم التبعية و لدخلوها تحت عنوان المعادن في الاخبار السابقة.

اما ان كانت ظاهرة او قريبة من سطح الارض، فيمكن ان يقال انها أيضا ملك للإمام عليه السّلام اذا كانت شيئا يعتد

بها، لان النسبة بين اطلاقات ادلة الانفال و عموماتها و دليل التبعية للأملاك الخاصة و ان كانت عموما من وجه الا ان ادلة كون المعادن من الانفال اوضح و اقوي و اظهر.

و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في هذين القسمين بالمصالحة لا سيما مع ملاحظة ما ذكره الفقهاء من انه لو احيا ارضا و ظهر فيها معدن ملكه تبعا لها، و صاحب الجواهر- قدس سره- بعد نقل هذا الكلام عن المحقق قال: «بلا خلاف اجده فيه كما عن المبسوط و السرائر الاعتراف به، بل قيل ان ظاهر الاول بل الثاني نفيه بين المسلمين لأنه جزء من اجزائها و ان استحال الي حقيقة اخري غيرها». «1»

و كيف كان كأنّ الذي اوقع جماعة من الاصحاب في انكار كونها من الانفال مطلقا او في خصوص ما يكون في الملك الخاص هو ما عرفت من السيرة علي التصرف فيها بعدم الاذن، و كذلك مسألة الخمس الدالة علي كون المعادن داخلة في ملك الشخص، و لكن قد عرفت الجواب عنهما بما لا مزيد عليه.

2- ثمرة النزاع في المسألة

- قد يقال انه لا ثمرة مهمة في المسألة، فقد

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 38، الصفحة 113.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 608

ذكر بعض اعلام العصر من اساتذتنا- ادام اللّه تأييده- بعد اختيار التفصيل في المسألة بين ما كان في ارض هي من الانفال و بين المستخرج من غيرها، فالاول من الانفال دون الثاني. ان هذا التفصيل غير بعيد و ان لم يكن لهذا البحث اثر عملي لوجوب التخميس بعد الاخراج علي كل حال و البحث علمي محض، و ان تملك الاربعة اخماس هل هو بتحليل اللّه ابتداء او باذن من الامام عليه السّلام؟

«1»

اقول: بل تظهر الثمرة اذا قلنا بان الحكومة الاسلامية اذا تشكلت لها النظر فيما للإمام عليه السّلام من الانفال و ان لها التصرف فيها و المنع منها بغير اذن (كما هو ليس ببعيد) فحينئذ ان كانت المعادن من المباحات الاصلية فلا يحتاج التصرف فيها باذن الحكومة (الا اذا كان هناك عناوين ثانوية من وقوع مفاسد مهمة لا بد لها من منعها) و اما لو كانت من الانفال لم يجز التصرف فيها بغير اذن الحكومة الشرعية الاسلامية بالعنوان الاولي.

ان قلت: انهم- عليهم السلام- أجازوا التصرف في الانفال و تملكها بالاحياء عند بسط ايديهم- كعصر النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و عصر امير المؤمنين عليه السّلام- بل قد يظهر من بعض الروايات ان اذنهم- عليهم السلام- في عصر الغيبة ثابت الي يوم الظهور كما لا يخفي علي من راجع روايات الباب.

قلت: يمكن ان يقال هذا الاذن و الترخيص مقطعي مشروط بعدم تشكيل الحكومة الاسلامية الجامعة للشرائط، فاذا حصلت مع شرائطها كان لها حق المنع و الاعطاء (مع مراعات مصالح الامة و الحكومة) فتلك الادلة الدالة علي الاذن المطلق منصرفة عن هذه الصورة فتأمل.

3- هل المعادن تملك بالإحياء

و كيف تملك بناء علي الاذن العام منهم

______________________________

(1)- مستند العروة الوثقي، كتاب الخمس، الصفحة 363.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 609

- عليهم السلام- في الاحياء؟ المعروف بين الاصحاب تقسيم المعادن الي قسمين: المعادن الظاهرة و المعادن الباطنة.

اما المعادن الظاهرة، كالملح و الكبريت و القير و النفط (في الازمنة السابقة حيث كانت تخرج من بعض عيونها) فلا تملك بالاحياء و لا يكون احد اولي به بسبب التحجير كما صرح به الشيخ في المبسوط حيث قال: «اما الظاهرة … فهذا

لا يملك بالاحياء و لا يصير احد اولي به بالتحجير من غيره و ليس للسلطان ان يقطعه، بل الناس كلهم يأخذون منه قدر حاجتهم بل يجب عندنا فيها الخمس، و لا خلاف في ان ذلك لا تملك … فاذا ثبت انها لا تملك فمن سبق اليها اخذ منها قدر حاجته». «1»

و الظاهر ان عدم جريان الاحياء و التحجير فيها لعدم وجود موضوعه فان المفروض كون المعدن ظاهرا فلا يحتاج الي الاحياء، و امّا التحجير فانّه مقدمة للإحياء ليكون مختصا به ليملكه بالاحياء، فاذا لم يكن هناك احياء فلا يكون تحجير، و ان هو الا كالمياه الجارية في الشطوط الكبار يأخذ منه كل انسان بمقدار حاجته، فهي تملك بالحيازة فقط.

و اما الاقطاع (اي تخصيص الحاكم الشرعي بعض من يري المصلحة في اقطاعهم بشي ء منها، و يكون هذا التخصيص بمنزلة التحجير فيكون هو اولي به من غيره) فقد يقال- كما مر في كلام المبسوط- انه لا يجوز اقطاعه لان الناس كلهم فيه سواء، و لأنه لا يجوز تحجيره فلا يجري فيه الاقطاع. هذا و لا فرق في ذلك بين القول بكونها من الانفال او المشتركات.

اقول: اذا قلنا انها من الانفال- كما هو الحق- لا يجري فيها الاحياء و التحجير لعدم الموضوع لهما، و اما الاقطاع فلا مانع له لأنه ملك الامام عليه السّلام

______________________________

(1)- المبسوط، المجلد 3، الصفحة 274.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 610

فاذا رأي فيه مصلحة اقطع بعضها لبعض الناس.

و هل للحاكم الشرعي اقطاعها اذا كان فيه مصلحة للمسلمين بان كان المقطع له قادرا علي الانتفاع بها في طريق مصالح المسلمين منافع كبيرة؟ فقد ذكر صاحب الجواهر انه لا يجوز ذلك للنائب العام،

لعدم عموم نيابته علي وجه يشمل ذلك. «1»

و لكن الحق عمومها لأنه قائم مقامه في المصالح العامة كما ذكرنا في محله من بحث ولاية الفقيه فراجع. و من المصالح العامة الاقطاع هنا، و هذا امر شايع في الحكومات في عصرنا فهم يرون ذلك حقا للحكومة، و قد ذكرنا ان الامور التي تكون بيد الحكومات فيما هو دائر بينهم يرجع فيها في عصر الغيبة الي الحاكم الشرعي، و لا نحتاج في كل مورد الي دليل خاص.

اما المعادن الباطنة فقد ادعي عدم الخلاف في تملكها بالاحياء، افتي به الشيخ و ابن البراج و ابن ادريس و العلامة و الشهيدان و المحقق الكركي و غيرهم علي ما حكي عنهم، بل ظاهر المبسوط الاجماع عليه حيث قال:

«اما المعادن الباطنة … فهل تملك بالاحياء أم لا؟ فيه قولان:

احدهما انه يملك و هو الصحيح عندنا». «2»

و الظاهر ان الوجه فيه عموم ادلة الاحياء. «3»

مضافا الي استقرار السيرة عليه و امضائها من الشرع.

ان قلت: ان اخبار الاحياء تدور مدار عنوان الارض، و المعدن لا يكون ارضا حتي يملك بالاحياء فقد خرج عن اسم الارض.

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 38، الصفحة 103.

(2)- المبسوط، المجلد 3، الصفحة 274.

(3)- راجع وسائل الشيعة، المجلد 17، البابان 1 و 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 611

هذا مضافا الي ان الاحياء انما يصدق بالنسبة الي الزراعة و الحرث، و اما في المعدن فهو استخراج و اخراج و شبه ذلك من العناوين لا الاحياء.

قلت اولا: ان كثيرا من المعادن يصدق عليها عنوان الارض.

و ثانيا: يمكن الغاء الخصوصية لأنا لم نر احدا يفرق بين اقسام المعادن في مسألة الاحياء، فيستفاد من كلماتهم انه لا خصوصية لعنوان الارض هنا.

و

اما عنوان الاحياء في قوله عليه السّلام: «ايما قوم احيوا ارضا» و ان لم يكن صادقا في بدو النظر بالنسبة علي المعادن و حفرها بحيث تكون قابلة لإخراج موادها بسهولة، الا ان الظاهر من كلمات الاصحاب ان الاحياء له معني وسيع يشمل ما نحن فيه فقد اشتهر بينهم ان احياء كل شي ء بحسبه، و لذا قال المحقق في الشرائع: «هي- اي المعادن- تملك بالاحياء» و اضاف اليه في الجواهر قوله: «بلا خلاف اجده بين من تعرض له … و لعله يصدق الاحياء الذي هو سبب الملك بملاحظة ما سمعته من فتوي الاصحاب فان احياء كل شي ء بحسبه، و من هنا يملك البئر ببلوغه الماء الذي فيها اذ هو كالجوهر الكائن فيها» «1» و هكذا غيره.

و الحاصل: انه و ان لم يرد نص خاص في مسألة تملك المعادن الباطنة بحفرها و بلوغ جواهرها، الا ان الغاء الخصوصية عن عنوان الاحياء بقرينة استقرار السيرة علي تملكها بذلك، و بقرينة فهم الاصحاب (رضوان اللّه عليهم) قوي جدا.

و اما اقطاعها و جعل قسم منها لبعض الناس- بعد كونها من الانفال و امرها بيد نائب الغيبة فالظاهر جوازه لعموم الادلة كما عرفت، و كثيرا تكون مصلحة الامة في امر الاقطاع، و الا بقيت كثير منها متروكة مهجورة لا تنتفع

______________________________

(1)- الجواهر، المجلد 38، الصفحة 110.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 612

بها لعدم الداعي الي استخراج بعضها بدون الاقطاع.

و في بعض الروايات المروية من طرق العامة: «ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم اقطع بعض اصحابه بعض المعادن فلما اخبروه انه كالماء العد (اي دائم ظاهر لا انقطاع له) امتنع منه». «1»

و هذا أيضا دليل علي

جواز اقطاع المعادن الباطنة.

و ادعي في التذكرة اجماع علمائنا علي جواز الاقطاع ازيد من حاجته في مقابل قول الشافعي انه لا يجوز الاقطاع الا علي قدر حاجته، قال العلامة:

«و قال علمائنا للإمام ان يقطعه الزائد» و اضاف اليه في مفتاح الكرامة بعد نقل هذا الكلام: «هو ظاهر المبسوط او صريحه و ظاهر اطلاق الباقين لكنه اختار في التحرير مذهب الشافعي». «2»

و الدليل علي جواز الازيد من الحاجة هو عمومات الباب، مضافا الي انه قد يكون فيه مصلحة الامة- كما نشاهد في عصرنا- من جعل ذلك ذريعة للنشاطات الاقتصادية و رفع حوائج الناس و توفير المواد في الاسواق، و لو اختص كل انسان بقدر حاجته حصل ضيق شديد في كثير من حوائج الناس كما لا يخفي علي من له خبرة بهذه الامور.

و اما اذا حفره و لم يبلغ الجوهر، فقد صرح في مفتاح الكرامة: «ان الظاهر انه لا خلاف في كونه تحجيرا و ليس باحياء و حيث تحجر يكون احق به» «3» و الدليل عليه هو سيرة العقلاء و قد امضاها الشرع.

و اذا تحجر المعدن بالحفر و تركه و اراد غيره احيائه، قال الامام له: «اما

______________________________

(1)- سنن البيهقي، المجلد 6، الصفحة 149.

(2)- مفتاح الكرامة، المجلد 7، الصفحة 47.

(3)- نفس المصدر.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 613

ان تحييه او تخلي بينه و بين غيرك» هذا ما صرح به ابن البراج في المهذب. «1»

و صرح غيره أيضا بهذا المعني، و الدليل عليه هو مسألة الجمع بين الحقوق حق التحجير و حق الامام في الانفال كما لا يخفي.

4- المعادن الموجودة في أعماق البحار و أطرافها

كمعادن البترول و ما اشبهه، قد تكون ظاهرة و تدخل في عنوان الغوص الواجب فيه الخمس، و اخري

لا تدخل في عنوانه، و تارة تكون باطنة، و هي أيضا علي قسمين تدخل في عنوان الغوص كما اذا كانت من اللؤلؤ كامنة تحت البحر خرجت بالحفر و شبهه.

و قد يتصور ان ما كان داخلا في عنوان الغوص فهو من المباحات الاصلية و ان صدق عليه عنوان المعدن أيضا، و ذلك لأدلة وجوب الخمس الدالة علي ملك الاربعة اخماس بالحيازة، لكنّك قد عرفت ان هذه الادلة كما توافق كونها من المباحات توافق كونها من الانفال، و قد اذنوا- عليهم السلام- في تملّكها بالاحياء و شبهه (و احياء كل شي ء بحسبه).

و الانصاف ان عنوان المعدن عام شامل لجميع المعادن البرية و البحرية الظاهرة و الباطنة، فتكون جميعها من الانفال و تحتاج الي اذن مالكها و هو الامام عليه السّلام او نائبه.

5- المعادن المستخرجة علي أيدي الكفار

و من لا يعتقد بالانفال و الاخماس يجوز ابتياعها و التصرف فيها، بل و يجوز تملكها بكل ناقل اختياري او قهري، و عدم جواز تصرفهم في الانفال الموجودة في اراضيهم لو ثبت كعدم اداء خمسها مما لا ينافي ذلك لما عرفت من اباحة التجارات و الاموال المنتقلة ممن لا يعتقد الخمس و حقوق الائمة مطلقا، فان ادلتها

______________________________

(1)- المهذب البارع، المجلد 2، الصفحة 34.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 614

عامة تشمل موارد الخمس و الانفال كما لا يخفي علي من راجع ما ذكرنا في مبحث التحليل.

4-

[الرابع] صفايا الملوك و قطائعهم

و يقع الكلام فيه تارة في حكمها و اخري في موضوعها.

اما الاول فقد صرح في الجواهر بانه مما لم يجد فيه خلافا و الظاهر انه كذلك. و لا يتوهم انها ليست في محل الابتلاء في عصرنا، فان الصفايا المنقلة بعد الثورة الاسلامية ربما تدخل في هذا العنوان بناء علي كفر الملك، او عموم الحكم لمن يدعي الإسلام و هو يعارضه عملا.

و كيف كان فقد استدل له بروايات معتبرة فيها الصحيح و غيره مثل ما يلي:

1- ما رواه حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا و فيه: «و له صوافي الملوك في ايديهم من غير وجه الغصب لان الغصب كله مردود». «1»

ان قلت: و هل في اموالهم غير الغصب؟

قلنا: قد يتفق ذلك باخذهم الاموال ممن لا حرمة لأموالهم او تحصيلهم من طريق الزرع او الحيازة او التجارات او شبهها، فربحوا فيها و اشتروا صفايا منها.

2- ما رواه داود بن فرقد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قطائع الملوك كلها للإمام و ليس للناس فيها شي ء». «2»

3- ما رواه سماعة قال: «سألته عن الانفال؟ فقال: كل ارض خربة او

______________________________

(1)-

وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 4.

(2)- نفس المصدر، الحديث 6.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 615

شي ء يكون للملوك فهو خالص للإمام و ليس للناس فيها سهم». «1»

4- ما رواه محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام و فيها: «او شي ء كان يكون للملوك». (و ذكر المملوك في النسخ اشتباه). «2»

5- مرسلة داود بن فرقد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و فيها: «و قطائع الملوك». «3»

و دلالتها ظاهرة علي المدعي.

و قد صرح كثير منهم باشتراطها بما اذا لم تكن مغصوبة من مسلم او معاهد، كما صرح به في الشرائع و الجواهر و مصباح الفقيه و مستند الشيعة و المدارك. «4»

و يدل عليه مضافا الي انه مقتضي القواعد المعروفة الثابتة في الفقه في باب الاموال، مرسلة حماد بن عيسي و قد عرفتها آنفا.

و علي كل حال هذا من قبيل الاستثناء في ادلة الغنائم بالنسبة الي الاموال المنقولة، و ادلة الاراضي المفتوحة عنوة بالنسبة الي غير المنقولة فهي مستثناة منهما، و تختص بامام المسلمين اعني بعنوان الحكومة الالهية لا بالغانمين و لا يعم جميع المسلمين.

و اما المراد من الصفايا و القطائع فقد صرح في الحدائق بان: «المراد بالقطائع الارض التي تختص به، و الصوافي ما يصطفيه من الاموال يعني يختص به و مرجع الجميع الي ان كل ما يختص به سلطان الحرب مما لا ينقل

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 8.

(2)- نفس المصدر، الحديث 22.

(3)- نفس المصدر، الحديث 32.

(4)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 124 و مصباح الفقيه، الصفحة 152 و مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 92 و مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 416.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)،

ص: 616

و لا يحول او مما ينقل فهو للإمام عليه السّلام كما كان للنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم». «1»

و ظاهر هذا الكلام عام يشمل جميع اموالهم المنقولة و غير المنقولة، لا خصوص اموالهم النفيسة.

و قال المحقق النراقي في المستند: «و ضابطه كل ما اصطفاه ملك الكفار لنفسه و اختص به من الاراضي المعبر عنها بالقطيع، او من الاموال المعبر عنها بالصوافي». «2» الي غير ذلك من اشباهه و ظاهرها عام.

و لكن يظهر من المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة معني اخص من ذلك، حيث قال بعد قوله و قيل هي الجارية و الفرس و الغلمان: «الظاهر انها اعم لأنها اشتقت من الصفو و هو اختيار ما يريد من الامور الحسنة الا ان المراد منها غير القري بمقابلتها بالقطائع و هي القري و البساتين و الباغات المخصوصة بالملوك». «3»

و ظاهره ان المراد بالصوافي خصوص الامور الحسنة.

و لكن الذي يظهر من الادلة هو دخول جميع اموالهم المختصة بهم في ذلك، لان المذكور في رواية حماد و ان كان صوافي الملوك، و في حديث داود بن فرقد قطائع الملوك، الا ان المذكور في رواية سماعة و محمد بن مسلم و مرسلة الثمالي: «شي ء يكون للملوك» او ما يقرب من هذه العبارة و هو عام، بل القطائع أيضا عام تشمل جميع اراضيهم الخالصة لهم فالقول بالعموم اقوي، و لا يعارضها ما دل علي عنوان الصوافي لإمكان حملها علي الغالب، كتوصيفها في كلام المحقق الهمداني بالمنقولات النفسية، فان هذا

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة، المجلد 12، الصفحة 476.

(2)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 92.

(3)- مجمع الفائدة و البرهان، المجلد 4، الصفحة 344.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 617

هو

الغالب علي اموالهم فلا يفهم منها التخصيص.

و كأنّ الوجه فيها ان ما كان لسلطان الجور تنتقل الي سلطان العدل من المسلمين، و لا يشترك فيه سائر المجاهدين او المسلمين.

و علي كل حال، المذكور في الاخبار- كما صرح به بعضهم- هو خصوص الملوك، فلا تشمل الحكام و الولاة و الملاء الذين يحيطون بالملك و ابنائه و اخوته كما لا يخفي.

*** الخامس من الأنفال ما يصطفيه المعصوم عليه السّلام من الغنيمة
اشارة

قال المحقق في الشرائع: «و كذا له ان يصطفي من الغنيمة ما شاء من فرس او ثوب او جارية او غير ذلك مما لم يجحف» و زاد عليه في الجواهر: «او سيف فاخر ماض». «1»

و قال العلامة في المنتهي: «و من الانفال ما يصطفيه من الغنيمة في الحرب مثل الفرس الجواد و الثوب المرتفع و الجارية الحسناء و السيف القاطع و ما اشبه ذلك ما لم يجحف بالغانمين ذهب اليه علمائنا اجمع». «2»

و قيده الشيخ في المبسوط بقوله: «مما لا نظير له».

و ظاهره في الخلاف أيضا دعوي الاجماع عليه، حيث قال: «دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم» و لكن صرح بان: «جميع الفقهاء (فقهاء العامة) قالوا ان ذلك يبطل بموت النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم». «3»

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 124.

(2)- المنتهي، المجلد 1، الصفحة 553.

(3)- الخلاف، كتاب الفي ء، المسألة 6.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 618

و بالجملة المسألة مما لا خلاف فيها.

و كأنّ السر في هذا الحكم ان هذه الصفايا و الاموال الحسنة النفيسة مما تشتاق اليه النفوس و يتنافس فيها المتنافسون، و قد يكون ذلك مظنة لوساوس الشيطان و سببا للنزاع بين المسلمين او أمراء الجيوش و قادتهم، فاختصت بالامام عليه السّلام كي لا يكون دولة بين الاغنياء.

و

من الواضح الذي علمناه من فعل النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و الائمة عند بسط اليد، انهم لا يختصون بذلك كثيرا بل ينفقونها في سبيل اللّه و لو بان تباع و تنفق، فانا لم نسمع انه صلي اللّه عليه و آله و سلم او احد اوليائه المعصومين لبسوا البسة فاخرة من اموال الصفايا و لا من غيرها كما كان متداولا و لا يزال بين الملوك.

و علي كل حال يدل عليه مضافا الي ما عرفت من الاجماع روايات كثيرة:

1- ما رواه ربعي بن عبد اللّه عن الصادق عليه السّلام قال: «كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم اذا اتاه المغنم اخذ صفوه و كان ذلك له ثم يقسم الباقي». «1»

2- ما رواه ابو بصير عن ابي عبد اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: «سألته عن صفو المال؟

قال: الامام يأخذ الجارية الروقة و المركب الفاره و السيف القاطع و الدرع قبل ان تقسم الغنيمة فهذا صفو المال». «2»

3- ما رواه حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام و مضمونه قريب منه. «3»

4- مرسلة المفيد في المقنعة عن الصادق عليه السّلام قال: «لنا الانفال و لنا صفو المال يعني يصفوها ما احب الامام من الغنائم و اصطفاه لنفسه قبل القسمة من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب قسمة الخمس، الحديث 3.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 15.

(3)- نفس المصدر، الحديث 4.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 619

الجارية الحسناء و الفرس الفاره». «1»

5- ما رواه ابو الصباح الكناني قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: نحن

قوم فرض اللّه طاعتنا لنا الانفال و لنا صفو المال». «2»

و دلالة هذه الروايات علي المقصود واضحة مع صحة سند بعضها و تظافرها كما ان موضوع المسألة اعني صفو المال أيضا ظاهر، فهي كل ما كان في الغنيمة من الاشياء النفيسة التي ترغب فيها النفوس.

و المراد من الفاره الواردة في روايات الباب هو الحسن الماهر النشط كما ان المراد من الروقة ذات الجمال و الحسن و الخير، و من الواضح ان كلما ذكرت في روايات الباب من باب المثال و الا لا تنحصر فيما ذكر فيها.

________________________________________

شيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، در يك جلد، انتشارات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قم - ايران، اول، 1416 ه ق أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)؛ ص: 619

*** بقي هنا امور

1- الظاهر من اخبار الباب ان للإمام عليه السّلام اخذ صفوه كما ان له تركه اذا رأي فيه المصلحة، و مقداره موكول الي اختياره، فقد يصطفي بعض الصفو و يترك بعضه الاخر فليس سبيل صفو المال سبيل الانفال بان يكون ملكا له اخذه او لم يأخذه، بل له اخذه و تركه فان اختاره ملكه و ان تركه كان سبيله سبيل سائر الغنيمة.

2- قد عرفت مما ذكره الشيخ- قدس سره- في الخلاف ان العامة قائلون باختصاص ذلك بالنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم و انه يبطل بموته و قد حكاه العلامه في التذكرة أيضا عنهم. «3»

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 21.

(2)- نفس المصدر، الباب 2 من الانفال، الحديث 2.

(3)- تذكرة الفقهاء، المجلد 1، الصفحة 433.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 620

و لكن المقطوع من مذهب الاصحاب ثبوته

للإمام المعصوم عليه السّلام القائم مقامه، و هل يجوز لنائب الغيبة ذلك، بان يأخذه نيابة عنه ثم يصرفه فيما يحرز به رضاه عليه السّلام؟ لا يبعد ذلك بعد عموم ادلة الولاية الشاملة لجميع الامور (الا ما خرج بالدليل) و الظاهر انه لا فرق بينه و بين الانفال و سهم الامام عليه السّلام من الخمس، فاذا جاز تصرف الفقيه الجامع لشرائط النيابة في هذه الامور فكذا في صفو المال.

3- قد عرفت في كلام المحقق في الشرائع تقييده بقوله: «ما لم يجحف» و في كلام بعض آخر: «ما لم يجحف بالغانمين» و في بعض آخر: «ما لم يضر بالعسكر» و صرح كثير منهم بان هذا القيد مستغني عنه.

قال في مصباح الفقيه بانه: «لقد اجاد في المدارك حيث قال: هذا القيد مستغني عنه بل كان الاولي تركه». «1»

و نظره في ذلك الي ان الامام المعصوم- عليه السلام- بنفسه ناظر الي هذه الامور لا يجحف في حق احد و لا يضر باحد، و لكن الظاهر ان نظر من اعتبره الي احد امرين: احدهما ما اذا قلنا بشمول الحكم لنائب الغيبة أيضا كما عرفت نفي البعد عنه. ثانيهما ما اذا كان قائد الجيش يصطفي للإمام المعصوم عليه السّلام في زمن الحضور فالواجب عليه ان لا يجحف بالغانمين، و اما الوجه في اصل الحكم فلانصراف ادلة استثنائها الي خصوص هذه الصورة لا غير و هو واضح.

***

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 153.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 621

السادس من الأنفال ما يغنم بغير إذن الإمام عليه السّلام

قال في الجواهر: «علي المشهور بين الاصحاب نقلا و تحصيلا و في الروضة نفي الخلاف عنه». «1»

بل ظاهر الشيخ في الخلاف كون المسألة اجماعيّا عندنا حيث قال: «اذا دخل قوم دار الحرب

و قاتلوا بغير اذن الامام فغنموا كان ذلك للإمام خاصة و خالف جميع الفقهاء ذلك. دليلنا: اجماع الفرقة و اخبارهم». «2»

و لكن الظاهر وجود المخالف في المسألة بيننا و بينهم، و اما بين العامة فقد حكي العلامة في المنتهي لأحمد بن حنبل فيه ثلاثة اقوال احدها يوافق المشهور بين اصحابنا و استدل له بانهم عصاة بالفعل فلا يكون فعلهم ذريعة للتملك الشرعي. «3»

و اما بيننا فقد حكي صاحب المدارك عن المنتهي تقوية كون هذه الغنيمة تساوي غيرها من الغنائم في انه ليس للإمام فيها الا الخمس، ثم استجود ذلك و استدل له بما ستأتي الاشارة اليه.

بل يظهر من بعض كلمات الشيخ في الخلاف في كتاب السير في المسألة 3 انه اذا غزت طائفة بغير اذن الامام فغنموا، فالامام مخير ان شاء اخذه منهم و ان شاء تركه ثم ادعي الاجماع عليه.

و الظاهر انه ليس مخالفا لما ذكره في كتاب الفي ء، و كأنّه فهم من الادلة ان هذا حق للإمام عليه السّلام يعمل به ما يشاء فتدبر جيدا.

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 126.

(2)- الخلاف، كتاب الفي ء، المسألة 16.

(3)- المنتهي، المجلد 1، الصفحة 553.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 622

و في العروة الوثقي في اول كتاب الخمس التفصيل بين زمن الحضور و امكان الاستيذان عنه عليه السّلام فالغنيمة له خاصة، و بين زمن الغيبة فالاحوط اخراج خمسها من حيث الغنيمة لا سيما اذا كان للدعاء الي الإسلام (فالمسألة ذات اقوال).

و كيف كان لا شك في كون المشهور بيننا كونه من الانفال، و المشهور بينهم خلافه.

عمدة الدليل علي مذهب الاصحاب هي مرسلة العباس الوراق عن رجل سماه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«اذا غزا قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام، و اذا غزوا بامر الامام فغنموا كان للإمام الخمس». «1»

و ضعف سنده منجبر بالشهرة كما لا يخفي.

و استدل له صاحب الحدائق مضافا الي ما مر بصحيحة معاوية بن وهب (او حسنته بابراهيم بن هاشم) عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: السرية يبعثها الامام عليه السّلام فيصيبون غنائم كيف يقسم … ». «2» و ذكر ثلاثة اخماس فيها لا يضر بالاستدلال به، لان الصحيح كما في الكافي هو اربعة اخماس.

هذا و لكن يمكن المنع عن الاستدلال به بان المذكور في صدرها هو وجود قيدين: كون الغنيمة حاصلة بالقتال و كونه عن اذن الامام عليه السّلام و المذكور في ذيله هو عدم القتال، و من الواضح انه لو لم يكن هناك ايجاف خيل و لا ركاب كان كلها للإمام عليه السّلام و لم يذكر فيها ما اذا كان هناك قتال و لم يكن اذن منه عليه السّلام الذي هو محل الكلام، فلا يصح الاستدلال به.

اللهم الا ان يقال: لا يخلو ذكر القيد في هذا المقام اعني مقام الاحتراز،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 16.

(2)- نفس المصدر، الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 623

و ذكر ما هو شرط في الحكم عن الدلالة علي المفهوم و حينئذ يتم الاستدلال به، فان قوله عليه السّلام: «ان قاتلوا عليها مع امير امره الامام عليهم» دليل علي دخل كل واحد من القيدين (القتال و اذن الامام في الحكم) و الا كان ذكره لغوا، فالاستدلال به نقيّ عن الاشكال.

بقي الكلام في التفصيل الذي اشار اليه في العروة، و كأنه نظر

الي ان قوله عليه السّلام في مرسلة الوراق اذا غزا قوم بامر الامام او بغير اذنه منصرف الي زمان الحضور و امكان الوصول اليه، و لكن الانصاف منع هذا الانصراف كما ان الشرط في ساير المقامات ليس دليلا علي امكان الوصول اليه، فقوله «لا صلاة الا بطهور» لا ينصرف الي ما اذا امكن الوصول الي الطهور، و لا يستفاد منه ان فاقد الطهورين لا تشترط في صلاته الطهارة بل اطلاق الشرطية دليل علي عدم تحقق الصلاة و لو في هذا الحال، فهو دليل علي سقوط الصلاة في هذا الحال لو لم يكن هناك دليل آخر مثل «ان الصلاة لا تسقط بحال».

هذا و عدم امكان الوصول اليه (عليه السلام) بعد امكان الوصول الي نائبه غير قادح فتدبر.

و علي كل حال لا يبعد ان تكون الحكمة في هذا الحكم منع الناس عن القيام بحروب لا فائدة فيها للإسلام و المسلمين، بل تكون مضرة طمعا في حطام الدنيا و غنائمها و اموالها.

نعم يمكن الاخذ من اموال اهل الحرب بلا قتال انما الكلام في مسألة القتال، فهذا مؤيد آخر لعدم الفرق بين زمن الحضور و الغيبة.

هذا و قد يستدل لقول العلامة و صاحب المدارك (كون المقام كسائر موارد الغنيمة يتعلق به الخمس فقط) بامور:

1- الاصل اي اصالة عدم صيرورته من الانفال.

2- اطلاق آية الغنيمة فانها شاملة للمقام و غيره.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 624

3- عدم ذكر هذا القسم في روايات الانفال مع كثرتها و انه لو كان منها لذكر فيها.

4- ضعف سند مرسلة الوراق تارة بالارسال، و اخري باشتماله علي علي بن الحسن بن احمد بن يسار (بشار) المجهول، و ثالثة بان يعقوب مشترك بين

الصحيح و الضعيف.

و لكن كلها قابلة للمنع، اما الاخير فلما عرفت من جبر ضعف سند الخبر بعمل الاصحاب كلهم ما عدا قليل لا سيما مع كونه الدليل الوحيد في المسألة.

و بعد قوة الرواية بهذه الملاحظة لا يبقي مجال للرجوع الي الاصل و اطلاق الآية (مع ان الاصل معارض بمثله كما لا يخفي) و عدم ذكره في اخبار الانفال غير قادح بعد عدم كونها في مقام الحصر من جميع الجهات، و كم له نظير في الفقه.

نعم هناك دليل آخر علي هذا القول و حاصله ان ظاهر كثير من روايات الخمس و الانفال انهم- عليهم السلام- صرحوا بان حقهم في الغنائم التي حصلت في الحروب الاسلامية بعد النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم لا سيما في حروب بني امية و بني العباس لم يكن الا الخمس مع انه لم تكن هذه الحروب باذنهم، فلا بد ان تكون جميعها لهم.

و يمكن دفعه أيضا بما ذكرنا من انهم اذنوا فيما كان في طريق نصرة الإسلام و تقوية الدين.

*** بقي هنا مسائل
الأولي: المشهور بين الأصحاب كون ميراث من لا وارث له من [الأنفال]

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 625

الانفال، بل ادعي الاجماع عليه.

قال العلامة- قدس سره- في المنتهي: «و من الانفال ميراث من لا وارث له، ذهب علمائنا اجمع الي انه يكون للإمام خاصة ينقل الي بيت ماله، و خالف فيه الجمهور كافة و قالوا انه للمسلمين اجمع». «1»

و قال شيخ الطائفة في الخلاف: «ميراث من لا وارث له و لا مولي نعمة لإمام المسلمين سواء كان مسلما او ذميا، و قال جميع الفقهاء ان ميراثه لبيت المال و هو لجميع المسلمين، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم». «2»

و قال في مصباح الفقيه: «انه كان علي المصنف (صاحب الشرائع)

ذكر ميراث من لا وارث له غير الامام هنا من الانفال اذ هو كذلك عند علمائنا اجمع كما عن المنتهي» ثم استدل عليه بالروايات الآتية ثم قال: «لعل ترك تعرض المصنف اليه هاهنا اكتفاء بما ذكروه في طبقات الارث». «3»

و قد عده المحقق النراقي- قدس سره- أيضا من الانفال بقوله: «التاسع ميراث من لا وارث له». «4»

و قال في كتاب الميراث بعد ذكر كون المسألة مشهورة بل ادعي عليها الاجماع مستفيضا، ما نصه: «خلافا للصدوق في الفقيه ففرق بين حال الحضور و الغيبة فجعله في الاول للإمام و في الثاني لأهل بلد الميت (جمعا بين اخبار الباب)». «5»

و لعل خلاف الصدوق انما هو في مصرفه في زمن الغيبة بعد كونه للإمام

______________________________

(1)- المنتهي، المجلد 1، الصفحة 553.

(2)- الخلاف، كتاب الفرائض، المسألة 1.

(3)- مصباح الفقيه، كتاب الخمس و الانفال، الصفحة 153.

(4)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 95.

(5)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 726 (كتاب الفرائض).

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 626

علي كل حال لا في اصل كونه للإمام، كما اختلفوا في مصرف سهم الامام عليه السّلام في عصر الغيبة اختلافا شديدا فتأمل.

و علي كل حال تدل علي المقصود روايات كثيرة، و قد جمعها صاحب الوسائل- رحمة اللّه عليه- في الباب 3 من ابواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة من كتاب الارث في المجلد 17 من كتابه.

1- منها ما رواه محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «من مات و ليس له وارث من قرابته و لا مولي عتاقه قد ضمن جريرته فما له من الانفال». «1»

2- ما رواه الحلبي عن الصادق عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ»

قال: «من مات و ليس له مولي فماله من الانفال». «2»

3- رواية اخري له بهذا المضمون بعينه مع اضافات «3» و الظاهر اتحاد الروايتين.

4- ما رواه حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن ابي الحسن الاول عليه السّلام فقد ذكر بعد عد كثير من الانفال قوله: «و هو وارث من لا وارث له» «4» و قد حكاه في الوسائل في ابواب الانفال أيضا. «5»

5- ما رواه عن ابان بن تغلب قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: من مات لا مولي له و لا ورثة فهو من اهل هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ». «6»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 3 من ابواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة، الحديث 1.

(2)- نفس المصدر، الحديث 3.

(3)- نفس المصدر، الحديث 4.

(4)- نفس المصدر، الحديث 5.

(5)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 4.

(6)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 3 من ابواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة، الحديث 8.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 627

6- ما رواه عن اسحاق بن عمار قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الانفال؟

فقال: هي القري التي قد خربت و انجلي اهلها فهي للّه و للرّسول و ما كان للملوك فهو للإمام و ما كان من الارض بخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب و كل ارض لا ربّ لها و المعادن منها و من مات و ليس له مولي فماله من الانفال». «1»

الي غير ذلك (فراجع الأحاديث 11 و 12 و 13 من الباب 3 من ولاء ضمان الجريرة و الامامة) و في غير هذا الباب.

و لكن قد يعارض ذلك بروايات

دلت علي ان ميراثه لأهل بلده (و هي دليل لقول الصدوق قدس سره).

1- منها ما رواه ابن ابي عمير عن خلاد السندي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«كان علي عليه السّلام يقول: في الرجل يموت و يترك مالا و ليس له احد اعط المال همشاريجه». «2»

2- ما رواه أيضا ابن ابي عمير عن خلاد السندي عن السري يرفعه الي امير المؤمنين عليه السّلام في الرجل يموت و يترك مالا ليس له وارث قال: «فقال امير المؤمنين عليه السّلام اعط المال همشاريجه». «3» و الظاهر انهما رواية واحدة.

3- مرسلة داود عمن ذكره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «مات رجل علي عهد امير المؤمنين عليه السّلام لم يكن له وارث فدفع امير المؤمنين عليه السّلام ميراثه الي همشهريجه (همشيريجه)». «4»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 20.

(2)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 4 من ابواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة، الحديث 1.

(3)- نفس المصدر، الحديث 2.

(4)- نفس المصدر، الحديث 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 628

4- مرسلة الصدوق حيث قال (بعد ذكر صحيحة محمد بن مسلم):

«روي في خبر اخر ان من مات و ليس له وارث فميراثه لهمشاريجه يعني اهل بلده». «1»

و الظاهر انه ليس خبرا آخر، فجميع هذه الاخبار تندرج في خبرين بل يحتمل كون الجميع رواية واحدة كما اشار اليه النراقي في المستند.

هذا و يقع الكلام تارة في اسنادها و اخري في دلالتها. لا شك في ضعف اسناد الجميع كما لا يخفي علي من راجعها.

و اما الدلالة فقد وقع الاختلاف في النسخ، فان كانت النسخة همشاريجه فالمشهور علي انه اهل بلده و الكلمة فارسية مأخوذة

من «همشهري» و لازمه اعطاء ميراثه لمن يعرف من اهل بلاده هناك او يرسل اليهم، و هذا التعبير انما نشأ من كون من لا وارث له من غير بلاد العرب من الغرباء من بلاد ايران و شبهها فعبّر بهذا التعبير، و ان كانت النسخة همشيريجه فقد يقال بانه بمعني الاخ او الاخت من الرضاعة فحينئذ يكون مخالفا للإجماع لان الرضاع كالنسب يوجب الحرمة في النكاح و ليس كالنسب في باب الارث بالإجماع.

قلت: و لكن كون هذا التعبير في الفارسية بمعني خصوص الاخ او الاخت الرضاعي غير ثابت، بل اليوم يطلق علي الأخت النسبي و لا ندري انه هل هو مستحدث او كان من سابق الايام.

و علي كل حال لا ينبغي الريب في تقديم الطائفة الاولي بعد تظافرها و صحة اسناد بعضها و كونها موافقة للمشهور، مع ضعف اسناد الثانية و دلالتها و كونها مهجورة متروكة فالمسألة واضحة بحمد اللّه.

***

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 4 من ابواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة، الحديث 4.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 629

الثانية: أن غير واحد من الفقهاء جعلوا «البحار» أيضا من الأنفال

. قال المحقق النراقي في المستند: «الحادي عشر: البحار» «1» و هي علي الاظهر من الانفال وفاقا لصريح الكليني و ظاهر ابن ابي عمير و المحكي عن المفيد بل الديلمي، للعمومات المتقدمة و حسنة البختري … و يؤيده بل يدل عليه صحيحة عمر بن يزيد انتهي». «2»

و قال المفيد في المقنعة: «و الانفال كل ارض فتحت من غير ان يوجف عليها بخيل و لا ركاب- الي ان قال- و الاجام و البحار و المفاوز … ». «3»

و قال ابو صلاح الحلبي في الكافي: «فرض الانفال مختص بكل ارض لم يوجف عليها بخيل

و لا ركاب- الي ان قال- و رءوس الجبال و بطون الاودية من كل ارض و البحار و الاجام». «4»

و ذكر ثقة الإسلام الكليني في الكافي في عداد الانفال: «و كذلك الاجام و المعادن و البحار و المفاوز هي للإمام خاصة». «5»

و ذكره سيدنا الحكيم في المستمسك و استدل عليه بعد قوله: «و عن غير واحد الاعتراف بعدم الدليل عليه، ببعض ما مر ذكره و يأتي». «6»

و من الواضح ان البحار في اعصارنا مما يهتم بامرها لمرور السفن و الصيد و المعادن التي في قعرها و غير ذلك من المنافع الكثيرة، بل قد يقال بامكان استخراج الجواهر من مائها أيضا، مضافا الي دورها الكبير في

______________________________

(1)- و ليعلم انه لم يذكر في هذا التعداد الكثير شيئا ازيد مما ذكرنا ما عدا المجهول مالكه، و انما فرق الباقي في هذا العدد و لم يأت بعنوان جديد فراجع.

(2)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 95.

(3)- سلسلة الينابيع الفقهية، المجلد 5، الصفحة 54.

(4)- نفس المصدر، الصفحة 107.

(5)- الكافي، المجلد 1، الصفحة 538.

(6)- مستمسك العروة الوثقي، المجلد 6، الصفحة 663.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 630

المسائل المرتبطة بالعساكر و الجيوش و غير ذلك، فلعل ترك ذكرها في كلمات القوم غالبا و عدم سؤال كثير من الروات عنه كان لعدم الانتفاع بها في تلك الايام بخلاف ايامنا هذا. و علي كل حال فيمكن الاستدلال عليه بامور:

1- العموم المصطاد من اخبار الانفال من ان كل مال ليس له مالك خاص فهو للإمام (الا ما خرج بالدليل) و اصطياد هذا العموم كما عرفت غير بعيد.

2- مصححة حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان جبرئيل كري برجله خمسة

انهار لسان الماء يتبعه، الفرات و دجلة و نيل مصر و مهران و نهر بلخ فما سقت او سقي منها فللإمام و ابحر المطيف بالدنيا و هو افسيكون». «1»

و في طريق الصدوق الي حفص كلام عندهم، و لكن رواه الكليني- رضوان اللّه عليه- في الكافي بسند صحيح الا انه حذف قوله «و هو افسيكون» (فراجع الوسائل ذيل الحديث).

و قوله البحر المطيف بالدنيا يشمل جميع البحار لما ثبت عندنا اليوم ان جميع البحار في الدنيا مرتبطة بعضها ببعض فهي مطيفة بالدنيا و تكون بحرا واحدا.

و اما قوله «هو افسيكون» فقد ذكر العلامة المجلسي- قدس سره- في البحار، ما نصه: «و لعله من الصدوق فصار سببا للإشكال لان افسيكون معرب آبسكون و هو بحر الخزر و يقال له بحر جرجان و بحر طبرستان و بحر مازندران و هذا غير محيط بالدنيا- الي ان قال- و ما في الكافي (اي بدون ذكر هذه الجملة) اظهر و اصوب و المعني ان البحر المحيط أيضا للإمام عليه السّلام». «2»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 1 من ابواب الانفال، الحديث 18.

(2)- بحار الأنوار، المجلد 57، الصفحة 43 من كتاب السماء و العالم.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 631

اقول: و يحتمل ان يكون آبسكون اسما لما يسمي اليوم الاقيانوس الكبير و يسمي البحر الهادي اي الساكن (يقال في الفارسية اقيانوس آرام) و كأنه لعظمه و ارتباطه بسائر البحار مطيف بالدنيا.

و الحاصل: الاستدلال بالرواية علي المطلوب ظاهر، اللهم الا ان يقال: ان صدرها مما لا يمكن العمل به، فان مجرد استقاء الاراضي من هذه الانهار لا يوجب كون ثمرتها للإمام و لم يفت بذلك احد، فاللازم حمل الرواية علي نوع

آخر من الملكية اشرنا اليها غير مرة تكون في طول ملك الناس.

و ان شئت قلت: ان صدرها قرينة علي ان المراد بالذيل أيضا هو الملكية العامة الواردة في كثير من الروايات من ان الدنيا كلها للإمام عليه السّلام (بعد ما كان لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم) و من الواضح ثبوت الملك الخصوصي للأفراد- كما صرح به آيات الارث و غيرها من القرآن الكريم- فلا يمكن كون شي ء واحد في زمان واحد ملكا لشخصين بتمامه، فلا بد من حملها علي ان المراد من الملكية هنا ما يكون من قبيل ملك المولي للعبد و ما في يده من الاملاك (بناء علي القول به).

و من هنا يظهر الكلام في الاستدلال بتلك الروايات «1» كدليل مستقل للمطلوب فان الأخذ بظاهرها مناف لضرورة الفقه و ما ثبت من الكتاب و السنة، اللهم الا ان يراد منه ما ذكرنا من نوع آخر من الملكية.

3- و استدل له أيضا بصحيحة عمر بن يزيد عن ابي سيار مسمع بن

______________________________

(1)- رواها في الكافي، المجلد 1، الصفحة 407 كتاب الحجة باب ان الارض كلها للإمام (ع).

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 632

عبد الملك و فيها: «الارض كلها لنا فما اخرج اللّه منها من شي ء فهو لنا». «1»

قال في المستند: «وجه الدلالة ان المال الحاصل للسائل و سؤاله كان عن الغوص و منه يفهم ان مراده عليه السّلام من الارض و ما اخرج منها ما يشمل ارض البحار أيضا». «2»

و فيه: ما مر في مثله مما يدل علي ان الارض كلها للإمام عليه السّلام و انها لا دلالة لها علي المطلوب.

فتلخص ان العمدة في المسألة هي العموم المستفاد من

ادلة الانفال لو بلغ هذا العموم المصطاد حد الحجية، و لكنه لا يخلو عن اشكال و الارجح في المسألة الاحتياط لا سيما مع جريان سيرة العقلاء في جميع اقطار العالم علي معاملة البحار (ما عدا بعض ما يكون حريما للبلاد المختلفة).

معاملة المشتركات المباحات الاولية منذ سابق الايام الي زماننا هذا.

و من هنا يظهر حال الانهار الكبار أيضا، فانه يمكن الاستدلال علي كونها من الانفال بصحيحة حفص بن البختري للتصريح فيها بالانهار الكبار في العالم و انها للإمام عليه السّلام، و لكن قد عرفت الجواب عنها و ان دلالتها قابلة للمناقشة بما مر، و كذلك يظهر حال الفضاء و الجوّ في ايامنا هذا مما يمكن الانتفاع بها بكثير من المنافع، و كذا اعماق الارض و تخومها مما لا يعد جريما لأملاك الناس و لا يكون تابعا لها عرفا، و الاظهر في جميع ذلك معاملتها معاملة المشتركات للأصل، و عدم الدليل الكافي علي اثبات كونها من الانفال، و ان كان رعاية الاحتياط في جميع ذلك حسنا.

***

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.

(2)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 95.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 633

الثالثة: قد عد أبو الصلاح الحلبي في كتابه المسمي بالكافي من الأنفال: «كل ارض عطلها مالكها ثلاث سنين»

«1» استنادا الي بعض ما ورد في الباب 17 من ابواب كتاب احياء الموات و شبهه.

و لكن الانصاف انه مع ما اورد عليه في محله من الاشكال في بعض الروايات التي تكون مستندا لهذا الحكم من حيث السند و اعراض جل الاصحاب لو قلنا به لا يكون عنوانا مستقلا، بل معناه عود ذلك الملك بعد التعطيل ثلاث سنين الي الموات فيشملها ما دل علي ان الموات من الانفال.

*** الرابعة: حكي في الجواهر عن أستاذه الجليل كاشف الغطاء عد ثلاثة أشياء أخر من الأنفال

حيث قال:

«منها- اي من الانفال- ما يوضع له من السلاح المعدّ له و الجواهر و القناديل من الذهب و الفضة و السيوف و الدروع، و منها ما يجعل نذرا للإمام عليه السّلام بخصوصه علي ان يستغله بنفسه الشريفة و منها المعين للتسليم اليه ليصرفه علي رأيه». «2»

اقول: لكنه ممنوع صغري و كبري، كما اشار الي بعضه في الجواهر.

اما الاولي فلان صيرورة هذه العناوين الثلاثة (ما يعد له- ما يجعل منذورا له- و ما عين للتسليم اليه) لا يوجب الملك له الا اذا و هب له و قبله عليه السّلام بنفسه او قبله بعض وكلائه (وكيله الخاص، او وكيله العام اذا قلنا بعموم الوكالة

______________________________

(1)- سلسلة الينابيع الفقهية، المجلد 5، الصفحة 107.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 132.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 634

لنائب الغيبة في هذه الامور، و لكن الانصاف الاشكال في عموم الادلة من هذه الناحية).

او كان نذرا له و لكن النذر لا يجعله ملكا فتأمل، او كان وقفا عليه خاصة (لو قلنا بعدم حاجته الي القبول) او جعل وفقا لروضته و مشهده كما هو المعمول في الاوقاف الكثيرة التي جعلوها لمشهدهم الشريفة و مواقفهم الكريمة- صلوات اللّه عليهم اجمعين- من السلاح و الدور

و ساير الاموال المنقولة و غير المنقولة، فمجرد الوضع له عليه السّلام او النذر له او تعيينه له عليه السّلام لا يوجب كونه من الانفال.

و اما الثانية فلان امثال هذه خارجة عن عنوان الانفال لثبوته في حق كل احد، و المراد من الانفال ما ثبت له بحكم الشرع من الاموال لمقام ولايته كما لا يخفي.

و من العجب انه ذكر بعد هذا الكلام فيما حكاه عنه في الجواهر: «ان هذه الثلاثة من الانفال لا يجوز التصرف فيها، بل يجب حفظها و الوصية بها، و لو خيف فساد شي ء منها بيع و جعل نقدا و حفظ علي النحو السابق، و لو اراد المجتهد الاتجار به مع المصلحة قوي جوازه»!

و فيه: ما عرفت سابقا من ان حفظ هذه الاموال او حفظ قيمتها مشكل جدا بل هو مظنة للضياع قطعا فلا مناص من ان يصرف فيما يرضاه عليه السّلام فكما يجوز الاتجار به (للمجتهد اما بناء علي احراز رضاه او عموم ادلة الولاية) فكذلك بالنسبة الي بيعها و صرفها فيما يحرز به رضاه عليه السّلام، الا اذا كانت موقوفة لناحية المقدسة فيعمل فيها بحكم الوقف.

*** الخامسة: في حكم الأنفال قال في الجواهر: «إنه لا كلام في كونها ملكا [للنبي ص]

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 635

للنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم كما يدل عليه الكتاب و السنة و الاجماع ثم من بعده لقائم مقامه» و قد صرح بعد ذلك تبعا للمحقق في الشرائع بانه «لا يجوز التصرف في ذلك بغير اذنه و لو حصل له قائدة كانت للإمام عليه السّلام» ثم تكلم بعد ذلك في حكمها في زمن الغيبة «و انهم ابا حوا ذلك لشيعتهم مطلقا او في خصوص المناكح و المساكن و المتاجر». «1»

اقول: اللازم التكلم في

مقامين احدهما: حكم الانفال من حيث الملكية انها لمن هي بحسب الحكم الاولي. ثانيهما حكمها في زمن الغيبة او الحضور من حيث اذن صاحبها و عدمه.

اما الاول فقد عرفت دعوي الاجماع من صاحب الجواهر علي انها ملك للنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم ثم بعده للقائم مقامه من الائمة المعصومين، و استدل له بالادلة الثلاثة و هو كذلك، و لكن قد يتصور ان ظاهر آية الانفال هو تقسيمها الي سهمين سهم اللّه و سهم الرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم قال اللّه تعالي: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ، قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ» «2» و ان كان لا اثر لهذا التقسيم بعد كون حقّ اللّه للنبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم بلا اشكال، و اوضح منه في التقسيم آية الحشر قال اللّه تعالي: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَليٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُريٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ». «3» فقد ذكر فيها السهام الستة المذكورة في آية الخمس، فكيف يقال بتقسيم الخمس هناك الي ستة اسهم و لا يقال به هنا؟! و قال المحقق النراقي في المستند: «ليس علينا بيان حكم الانفال في حال حضور الامام عليه السّلام فانه المرجع في جميع الاحكام». «4»

______________________________

(1)- جواهر الكلام، المجلد 16، الصفحة 133 و ما بعده.

(2)- سورة الانفال، 1.

(3)- سورة الحشر، 7.

(4)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 95.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 636

و لكنه كما تري، لان المقصود من بيان حكمه في زمن الحضور استنباط حكم زمن الغيبة منه بحسب الاصل و القاعدة، كي يعمل به فيما لا دليل علي خلافه.

و قال الشيخ في

الخلاف: «الفي ء كان لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم خاصة و هو لمن قام مقامه من الائمة- عليهم السلام- الي ان قال دليلنا: اجماع الفرقة» «1» و لكن عن غير واحد من فقهاء العامة خلاف ذلك، فحكي عن الشافعي: انه كان الفي ء يقسم علي عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم علي خمسة و عشرين سهما، اربعة اخماسه للنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم و يبقي اربعة اسهم بين ذوي القربي و اليتامي و المساكين و ابناء السبيل، و حكي عن ابي حنيفة مساواة حكم الفي ء و الغنيمة و انه علي عهده كان يقسم علي خمسة اسهم (سهمان له و ثلاثة اسهم للطوائف الثلاث) و بعد وفاته صلي اللّه عليه و آله و سلم يقسم علي ثلاثة اسهم اي علي الطوائف الثلاث». «2»

و كيف كان ظاهر الآية و ان كانت تقسيم الفي ء علي ستة اسهم، و لكن يحمل علي بيان ما يصرفه صلي اللّه عليه و آله و سلم فيه تفضلا او بحسب مقامه السامي فانه كافل لليتامي و ساير ارباب الحاجة من الناس، و ذلك مثل ما يكون لرئيس العشيرة خاصة و لكنه بحسب مقامه يصرفه في افراد عشيرته، و تدل علي هذا الحمل الآية الاولي لأنه اقتصر فيها علي ذكر اللّه و النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم و يشهد له أيضا التعبير بقوله تعالي «و ما افاء اللّه» علي رسوله لظهورها و اشعارها بان الفي ء كله للرّسول صلي اللّه عليه و آله و سلم.

و لذا يحكي عن فعل النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم انها بعد ما نزلت الآية في

اموال يهود بني النضير، قسمها صلي اللّه عليه و آله و سلم في المهاجرين و معدود من الانصار.

______________________________

(1)- الخلاف، المجلد 2، كتاب الفي ء، المسألة 1.

(2)- الخلاف، المجلد 2، كتاب الفي ء، المسألة 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 637

و تدل عليه أيضا الروايات الواردة في ابواب الانفال التي هي بمنزلة التفسير للآية، و المسألة بعد اجماعية ظاهرا.

و يؤيده أيضا ما روي من طرق العامة في هذه المسألة، قال الواقدي في المغازي: «قال عمر: يا رسول اللّه! الا تخمس ما اصبت من بني النضير كما خمست ما اصبت من بدر؟ فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: لا، اجعل شيئا جعله اللّه عزّ و جلّ لي دون المؤمنين بقوله: «ما افاء اللّه علي رسوله من اهل القري الآية» كهيئة ما وقع فيه السهمان للمسلمين (و كان المراد بالسهمين سهم له صلي اللّه عليه و آله و سلم و سهم للمسلمين». «1»

و هذا مما يؤيد ما ذكرنا من ان قوله تعالي ما افاء اللّه علي رسوله قرينه علي انه تعالي ارجع كله علي رسوله الاكرم صلي اللّه عليه و آله و سلم.

و ما رواه البيهقي في سننه عن مالك بن اوس عن عمر في حديث قال:

«كانت اموال بني النضير مما افاء اللّه علي رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل و لا ركاب فكانت لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم خالصا دون المسلمين، و كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم ينفق منها علي اهله نفقة سنة فما فضل جعله في الكراع و السلاح عدة في سبيل اللّه» «2» و نحوه ما ذكره الشافعي في كتاب

الام. «3»

*** و اما المقام الثاني اي حكم الانفال في عصر الغيبة فقد وقع الخلاف فيه، كما وقع الخلاف في حكم الخمس في ذلك الزمان.

______________________________

(1)- المغازي، المجلد 1، الصفحة 377.

(2)- السنن للبيهقي، المجلد 6، الصفحة 296.

(3)- الام، المجلد 4، الصفحة 64.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 638

فقال المحقق الهمداني في مصباح الفقيه: «وقع الخلاف بين الاصحاب في الانفال بل في مطلق ما يستحقه الامام عليه السّلام و لو من الخمس في انه هل ابيح ذلك للشيعة مطلقا او في الجملة في زمان الغيبة او عدمه مطلقا علي وجوه:

فعن الشهيدين و جماعة التصريح باباحة الانفال جميعها للشيعة في زمان الغيبة، بل نسبه في الروضة و المسالك و الذخيرة الي المشهور استنادا الي اخبار التحليل.

و عن كثير من الاصحاب قصر الاباحة علي المناكح و المساكن و المتاجر، بل عن الحدائق نسبته الي المشهور، و عن ابي الصلاح ما يظهر منه الجميع حتي الثلاثة.

ثم اختار هو بنفسه التفصيل بين الارضين الموات و توابعها من المعادن و الاجام و غيرها مما جرت السيرة علي المعاملة معها معاملة المباحات الاصلية، فلا ينبغي الريب في اباحتها للشيعة في زمان الغيبة، و اما ما عداها و هي الغنيمة بغير اذن الامام و صفايا الملوك و ميراث من لا وارث له، فمقتضي الاصل بل ظواهر النصوص الخاصة عدم جواز التصرف فيها الا باذن الامام عليه السّلام انتهي ملخصا». «1»

و ذكر صاحب الجواهر- قدس سره- في نجات العباد تفصيلا آخر قال:

«الظاهر اباحة جميع الانفال للشيعة في زمن الغيبة علي وجه يجري عليها حكم الملك من غير فرق بين الغني منهم و الفقير، نعم الاحوط من ذلك ان لم يكن اقوي ايصاله

الي نائب الغيبة». «2»

و قد ذكر المحقق النراقي بعد نقل الاقوال الثلاثة في المسألة (1- المشهور

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، الصفحة 154.

(2)- نجات العباد، الصفحة 94.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 639

اباحتها للشيعة. 2- اباحة خصوص المناكح و المساكن و المتاجر. 3- ما عن الحلبي و الاسكافي من عدم اباحة شي ء منها) تفصيلا آخر في المسألة فصل بين اقسام الانفال. «1»

فهذه تفاصيل اربعة في المسألة:

و صرح في المدارك بان الأصحّ اباحة الجميع كما نص عليه الشهيدان و جماعة. «2»

فتحصل مما ذكر بان في المسألة قول بالتحليل مطلقا، و قول بعدم التحليل، و اقوال بالتفصيل، و الظاهر ان جميعها ينشر من روايات الباب، فاللازم الرجوع اليها بعد وضوح ان الاصل في المسألة عدم جواز التصرف فيها الا باذنهم لأنها لهم خاصة، فنقول و منه جل ثنائه التوفيق و الهداية: هناك طوائف من الاخبار:

الطائفة الاولي: ما دل علي اباحة حقهم من الانفال مطلقا بحيث يشمل جميع اقسام الانفال، سواء الاراضي و بعض الغنائم و ميراث من لا وارث له و المناكح و المتاجر و غيرها.

منها: ما رواه علي بن مهزيار قال: «قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السّلام من رجل يسأله ان يجعله في حل من مأكله و مشربه من الخمس. فكتب بخطه: من اعوزه شي ء من حقي فهو في حل». «3»

و منها: ما عن يونس بن يعقوب قال: «كنت عند ابي عبد اللّه فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في ايدينا الاموال و الارباح

______________________________

(1)- مستند الشيعة، المجلد 2، الصفحة 95.

(2)- مدارك الاحكام، المجلد 5، الصفحة 418.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و

الأنفال (لمكارم)، ص: 640

و تجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون؟ فقال: ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم». «1»

و منها: ما رواه الحارث بن مغيرة و موردها و ان كان خاصا الا ان قوله عليه السّلام في الجواب «و كل من والي آبائي فهو في حل مما في ايديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب». «2»

و منها: ما رواه الحارث بن المغيرة أيضا و قد صرح فيها بعنوان الانفال. «3»

الي غير ذلك مما ذكرناه في مباحث الخمس عند الكلام في التحليل و عدمه.

الطائفة الثانية: ما دل علي اباحة خصوص المناكح من غير مفهوم لها، و قد مر أيضا مشروحا في ابواب الخمس مثل رواية 10 و 15 و 20 من الباب 4 من ابواب الانفال و غيرها.

الطائفة الثالثة: ما دل علي تحليل خصوص الاراضي التي تكون في ايدي شيعتهم و انهم اباحوها لهم دون غيرهم مثل ما رواه ابو سيار مسمع بن عبد الملك «4» و ما رواه يونس او المعلي بن خنيس عن الصادق عليه السّلام «5» و ما اشبه ذلك.

الطائفة الرابعة: ما دل علي ان من احيا ارضا ميتة فهي له و قد رواها

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 6.

(2)- نفس المصدر، الحديث 9.

(3)- قال (ابو جعفر «ع») يا بخية ان لنا الخمس في كتاب اللّه و لنا الانفال و لنا صفو المال و هما و اللّه اول من ظلمنا حقنا في كتاب اللّه (الي ان قال:) اللهم انا قد احللنا ذلك لشيعتنا الحديث. نفس المصدر، الحديث 14.

(4)- نفس المصدر، الحديث 12.

(5)- نفس المصدر، الحديث 17.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 641

صاحب

الوسائل في المجلد 17 في كتاب احياء الموات في الباب الاول، و قد نقل فيها ثمان روايات كلها تدل علي المطلوب و فيها عناوين عامة يشمل الشيعة و غيرهم بل اهل الذمة أيضا، مثل قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم: «من احيا ارضا مواتا فهي له». «1»

و قول ابي جعفر الباقر عليه السّلام: «ايما قوم احيوا شيئا من الارض و عمروها فهي احق بهم و هي لهم» «2» الي غير ذلك.

بل في بعضها التصريح بان اهل الذمة اذا عملوها و احيوها فهي لهم. «3»

الطائفة الخامسة: ما دل علي حرمة اموالهم لغيرهم- عليهم السلام- و انه لا يجوز التصرف فيها الا باذنهم مثل ما يلي:

ما ورد في توقيع محمد بن عثمان العمري ابتداء لم يتقدمه سؤال:

«بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين علي من استحل من مالنا درهما الحديث». «4»

و ما رواه ابو حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سمعته يقول من احللنا له شيئا اصابه من اعمال الظالمين فهو له حلال و ما حرمناه من ذلك فهو حرام». «5» الي غير ذلك.

انما الكلام في طريق الجمع بينها، فان الواجب اولا الجمع بين العام و الخاص و المطلق و المقيد و ساير انحاء الجمع الدلالي لو كان، و بعد ذلك الاخذ بالمرجحات و لولاها التخيير.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 1 من احياء الموات، الحديث 5.

(2)- نفس المصدر، الحديث 4.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 4 من احياء الموات، الحديث 1.

(4)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 3 من ابواب الانفال، الحديث 7.

(5)- نفس المصدر، الحديث 4.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 642

و الانصاف ان يقال

اما اخبار الاحياء فهي حاكمة علي ما دل علي انها لهم- عليهم السلام- لأنها اذن في التملك بالاحياء اذن من اللّه و رسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم و الائمة الهادين من بعده عليه السّلام، فلا تعارض بينها و بين ما دل علي انها حق لهم.

انما الكلام في انه هل يجوز للحاكم الشرعي او الحكومة الاسلامية المنع من التملك بالاحياء و لو في بعض المناطق او ببعض الطرق و الوجوه- كالمنع عن احياء المعادن- الا باذنها؟ لا يبعد ذلك بعد عموم ادلة مالكيتهم و عموم ادلة النيابة، و كون هذه الاموال عونا للإمام عليه السّلام في حكومته الالهية.

ان قلت: أ ليس قد ورد في غير واحد منها ان التحليل في الاراضي باق الي ظهور القائم، و ذلك مثل رواية مسمع عبد الملك «1» و رواية عمر بن يزيد «2» فكيف يصح للحكومة الاسلامية او الفقيه عند بسط يده المنع من ذلك؟

قلت: اولا ذلك وارد في الخمس أيضا مثل قوله عليه السّلام: «اما الخمس فقد ابيح لشيعتنا و جعلوا منها في حل الي ان يظهر امرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث». «3» مع انا لا نقول بالاباحة المطلقة فتأمل.

و ثانيا: ان ظهور الامر اعم من ظهور الحجة المهدي- ارواحنا فداه- و ظهور الفقهاء من مواليهم- عليهم السلام- فهذا أيضا ظهور امرهم.

و ان شئت قلت: التحليلات الواردة في الاراضي منصرفة عن مثل ما اذا ظهرت الحكومة الاسلامية و كانت محتاجة الي هذه الاراضي و اصلاح امرها، و كذا ما يتبعها من المعادن و غيرها، هذا بالنسبة الي ما ورد فيه جواز

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.

(2)- نفس المصدر، الحديث

13.

(3)- نفس المصدر، الحديث 16.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 643

الاحياء.

اما المناكح و شبهها فهي مباحة بلا اشكال لكون ادلتها اخص من ادلة الحرمة بل هي حاكمة عليها لإذنهم في ذلك، و جوازها مع الاذن لا ينافي كونها ملكا لهم كما هو ظاهر.

و اما غير ذلك من الصفايا و الغنائم بلا قتال او بغير اذنهم- عليهم السلام- و ميراث من لا وارث له فلا يبعد ان تكون روايات التحليل شاملة لها، و لكن العمدة انها تدل علي التحليل المالكي الحاصل من اذنهم لا التحليل بعنوان الحاكم الشرعي من الاحكام فحينئذ يجوز للفقيه المنع منه، و اخذ هذه الاموال و صرفها في مصارفها، بل يمكن ان يقال ان التحليل منهم- عليهم السلام- كان مقطعيا خاصا بزمانهم فالاحوط لو لم يكن اقوي، الاستيذان من الفقيه في هذه الامور و عدم التصرف فيها الا باذنهم.

بقي هنا شي ء: و هو ان الاباحة المذكورة ان كانت بمعني مجرد جواز التصرف، فلازمها عدم جواز ترتيب آثار الملكية علي موردها من جواز الوطء و البيع و الشراء و الوقف و الوصية و الارث و غير ذلك، مع انا لظاهر ترتيب جميع ذلك عليه بحسب السيرة في باب المناكح و المتاجر و غيرها مما اباحوا لمواليهم- عليهم السلام-.

و من هنا وقع الاعلام في حيص بيص من جهة تطبيق هذه الاباحة علي القواعد، قال شيخنا الاعظم فيما حكاه عنه المحقق الهمداني في مصباح الفقيه بعد ان ذكر وجوها من الاشكال في تطبيق هذه الاباحة علي القواعد ما نصه:

«و الذي يهون الخطب الاجماع علي انا نملك بعد التحليل الصادر منهم كل ما يحصل بايدينا تحصيلا او انتقالا، فهذا حكم شرعي لا يجب

تطبيقه علي القواعد.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 644

ثم ذكر توجيهين لهذا الامر: احدهما ان ملكية الائمة- عليهم السلام- لها ليست ملكية فعلية لتنافي ملكية الناس بالتحليل و الاباحة بل هي ملكية شأنية من اللّه سبحانه، فالشارع بملاحظة رضاهم بتصرف مواليهم لم يجعل هذه الامور في زمان قصور ايديهم ملكا فعليا لهم بل ابقاها علي حالتها الاصلية (من كونها من المباحات الاولية) فصيرورتها من المباحات انما نشأت من رضاهم بذلك.

ثانيهما: ان يقال انها ملك لهم فعلا، و لكن هذه الملكية لا تنافي ملكية الموالين لها بالاحياء و الحيازة حتي تحتاج الي الانتقال اليهم باحد النواقل الشرعية بل هو معني يشبه ملكية اللّه سبحانه للأشياء (نظير ما اشرنا اليه في المباحث السابقة) انتهي ملخصا» و قال المحقق الهمداني بعد ذلك لعل التوجيه الثاني أوفق بظواهر النصوص و الفتاوي و اقرب الي الاعتبار. «1»

اقول: اولا ان هذه الملكية كما اشرنا اليه سابقا ليست ملكية فقهية يبحث عنها في هذه المباحث بل هي ملكية فوق هذه الملكية لها آثار آخر معنوية و الهية.

و ان شئت قلت: انها ملكية طولية لا ملكية عرضية- اي في عرض ملك العباد لبعض الاشياء- مع ان ظاهر آية الخمس و رواياته انها من قبيل القسم الثاني اعني الملكية العرضية و لذا يكون اربعة اخماسه للناس و خمس لهم، و كذا يكون لهم- عليهم السلام- خصوص الموات و شبهها و الا لو كان المراد النوع الثاني- اي الملكية الطولية- فجميع الدنيا للّه تعالي و لرسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم و خلفائه الهادين من بعده.

و الحاصل: ان هذا النوع من الملك امر وراء الملك الذي تترتب عليها

______________________________

(1)- مصباح الفقيه،

الصفحة 156.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 645

الآثار الخاصة في الفقه نظير ملك اللّه التكويني لجميع ما في السماوات و الارض، فحمل روايات الانفال علي هذا النوع بعيد جدا.

و ابعد منه حمل تلك الروايات الكثيرة الواردة في هذه الابواب علي الملك الشأني مع كونها من المباحات الاصلية بالفعل، فان لسانها آبية عن هذا المعني جدا بل ظاهرها او صريحها انها ملك لهم بالفعل.

ثانيا: لا حاجة الي هذه التكلفات بعد امكان تطبيق هذا التحليل علي القواعد و ذلك من طرق مختلفة.

1- اعراضهم- عليهم السلام- عنها عند ارادة تملك الشيعة لها و قد ذكرنا في محله ان الملك يخرج عن عنوان الملكية بالاعراض، و هذا مثل بعض ما يستغني عنه الانسان فيجعله خارج باب داره او يدفعه الي خارج البلد او في بعض الطرق فيعرض عنه و يأتي آخر فيأخذه و يتملكه، و قد جرت علي ذلك سيرة العقلاء و امضاها الشرع و لو بعدم الردع.

2- انهم جعلوا لشيعتهم التوكيل عنهم في تمليكها لأنفسهم و تملكها، و قد ذكر مثل ذلك في البحث المعروف في قول الرجل لاخر اشتر بهذا النقد خبزا او ثوبا او دارا لنفسك، فكل ما يقال هناك نقوله هنا.

3- ان تكون الاباحة هنا بمعني الهبة فهم قد وهبوا لمواليهم كل ما احيوا من الموات او حازوا من المعادن او اشتروا من الاماء، و الاحياء و الحيازة و الاشتراء قبول فعلي من قبل الموالين، و قد ورد التصريح بعنوان الهبة في بعض روايات الباب، مثل ما عن الامام العسكري عليه السّلام عن امير المؤمنين عليه السّلام قال: «فقد وهبت نصيبي لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي». «1»

و بالجملة: تطبيق

هذه الاباحة بمالها من الآثار المترتبة علي الملك علي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 20.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 646

القواعد، ليس امرا صعبا حتي تحتاج الي التكلف بالتزام الملكية الشأنية او شبهها و الحمد للّه رب العالمين.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 647

مسائل مهمّة في إحياء الموات

اشارة

و لما وقع الفراغ بحمد اللّه عن مباحث الانفال بعد مباحث الخمس، نذكر بعض ما يتعلق بها من المسائل الهامة من كتاب احياء الموات فنقول و منه جلّ ثنائه نستمد التوفيق و الهداية:

الأولي: لا إشكال و لا كلام في أن الإحياء في أراضي الموات و شبهه يوجب اختصاص الأرض بالمحيي

اذا كان باذن الامام (الاذن العام لجميع المسلمين او الخاص علي ما مر آنفا) انما الكلام في انه يوجب الملكية أم لا؟

قال العلامة- قدس سره- في القواعد في كتاب احياء الموات: «الميت من الاراضي تملك بالاحياء، و قال صاحب مفتاح الكرامة في شرحه باجماع الامة- اذا خلت عن الموانع- كما في المهذب البارع، و باجماع المسلمين كما في التنقيح و عليه عامة فقهاء الامصار و ان اختلفوا في شروطه، و الاخبار به كثيرة من طرق الخاصة و العامة كما في التذكرة … و قد صرحت عبارات اصحابنا و اجماعاتهم بانها تملك بالاحياء اذا كان باذن الامام». «1»

و مع ذلك حكي في الرياض عن النهاية بان المراد بملكها بالاحياء ملك منافعها لا رقبتها، فانها له عليه السّلام فله رفع يد المحيي ان اقتضت المصلحة ذلك

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة، المجلد 7، الصفحة 3.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 648

ثم قال و هو كما تري و ان اشعرت به عبارة الماتن (اي المحقق) اخيرا كالدروس حيث عبر عن الملكية بالاحقية و الاولوية. «1»

و يظهر ذلك أيضا من بعض كلمات الشيخ في المبسوط حيث قال في كتاب الجهاد بعد ذكر الاراضي المفتوحة عنوة: «فاما الموات فانها لا تغنم و هي للإمام خاصة، فان احياها احد من المسلمين كان اولي بالتصرف فيها و يكون للإمام طسقها». «2»

و ظاهر هذه العبارة او صريحها عدم تملكها بالاحياء و الا لا معني للطسق.

و من هنا يظهر التدافع بين

كلمات الاعلام، فمن جانب نري دعوي الاجماع من الشيعة و السنة علي انها تصير ملكا بالاحياء، و من جانب آخر ظاهر بعض هذه العبارات عدم كونها ملكا للمحيي بل له حق الاولوية، فمن هنا وقعت الوسوسة في هذا الحكم في عصرنا من بعض و تظهر الثمرة في جواز رفع يده عنها حتي لو كانت محياة من ناحية الامام عليه السّلام او نائبه او عودها الي ملكه عليه السّلام بعد موات الارض مرة اخري فتأمل.

و الاقوي كونها ملكا بالاحياء لا يجوز ازالة يد المالك عنها ما دام محياة (و اما حكمها بعد زوال الاحياء فسيأتي ان شاء اللّه) و ذلك لوجهين:

1- اخبار الباب و ان كانت مختلفة جدا ففي بعضها انها بعد الاحياء له الظاهر في الملكية في جميع ابواب الاملاك (و ذلك مثل صحيحة الفضلاء التي قلما يوجد مثلها في الفقه، فقد رواها سبعة روات من اكابرهم عن الامامين الباقر و الصادق- عليهما السلام-: «انه من احيا ارضا مواتا فهي له». «3»

______________________________

(1)- رياض المسائل، المجلد 2، الصفحة 371.

(2)- المبسوط، المجلد 2، الصفحة 29.

(3)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 1 من احياء الموات، الحديث 5.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 649

و هكذا الرواية السادسة و الثامنة.

و في بعضها الاخر انه احق بها (مثل ما رواه محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام. «1»

و في بعضها الاخر قد جمع بين لام الملك و قوله «هم احق به» فقال:

«ايما قوم احيوا شيئا من الارض او عملوه فهم احق بها و هي لهم» «2» و كذلك 4 و 7 من ذاك الباب.

و طريق الجمع بينها هو ان ظاهر اللام في باب الاموال اذا استعمل في

مورد الانسان هو الملكية لا الاختصاص الاعم، و لذا يمثلون للاختصاص في العلوم الادبية ب الجل للفرس، و يشهد لذلك انه لا اشكال في ان من قال ان هذا الدار لزيد يعدّ اقرارا منه بالملك، و كذا في باب صيغة الهبة، و هكذا في الوصايا و غيرها، كل ذلك يكون ظاهرا في الملك و اقرارا صريحا به بلا ريب.

و اما التعبير بالاحق فهو امر عام يشمل الملك و غيرها، و لذا يقال انا احق بميراث ابي من غيري، و لو كان له ظهور في غير الملك فلا ريب ان ظهور اللام في الملكية اقوي و اظهر فيقدم عليه لا سيما مع ما ورد في ذيل رواية عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام من ان له اجر بيوتها و انه ليس عليه الا الزكاة العشر و نصف العشر الظاهر في الملكية كما لا يخفي علي الخبير بفنون البيان.

2- السيرة المستمرة في جميع الاعصار من معاملة الملك مع ما يحيي من الاراضي و المعادن و الاجام و شبهها، و لذا يتعلق به الخمس و تصح

______________________________

(1)- نفس المصدر، الحديث 3.

(2)- نفس المصدر، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 650

النواقل التي لا تصح الا في الملك- كالبيع و الشراء و الوقف و غيرها- و لم نر من شك في صحة وقف ارض احياها انسان للمسجد و اجراء احكام المسجد عليه، و كثير من المساجد في البلاد او في القري و الرساتيق من هذا القسم.

و ان شئت قلت: بعض الانفال تملك بالحيازة- كالمعادن الظاهرة- و بعضها بالاحياء، فكما ان الاول لا يكون بمجرد الاباحة و الا لا معني لتعلق الخمس به، فكذا

الثاني لعدم الفرق بينهما من هذه الناحية.

و يؤيد ذلك كله فهم المشهور كما عرفت، و المسألة مما لا غبار عليها و الوسوسة فيها في عصرنا انما نشأت من بعض النزعات الفاسدة كما لا يخفي علي اهله.

هذا مضافا الي ما هو المعلوم من كون الاراضي المفتوحة عنوة ملكا لجميع المسلمين لانتقالها من الكفار اليهم مع ان كثيرا منها او جميعها ملكت بالاحياء، فلو كانت رقبتها باقية علي ملك الامام عليه السّلام لم يملكها المسلمون كما هو ظاهر.

ان قلت: هناك روايات تدل انه اذا قام القائم يأخذ من الشيعة طسق اراضي الانفال و يتركها في ايديهم حينما يأخذ رقبة الارض من غيرهم و يخرجهم منها (مثل رواية مسمع بن عبد الملك) «1» او تدل علي وجوب الطسق في حال عدم بسط اليد و اخذها من المؤمنين عند بسط اليد (مثل رواية عمر بن يزيد) «2» الي الامام.

و في بعضها مثل صحيحة ابي خالد الكابلي التعبير بوجوب الخراج الي الامام عند احياء الارض، و انه عند ظهوره عليه السّلام يقاطع الشيعة علي ما

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 6، الباب 4 من ابواب الانفال، الحديث 12.

(2)- نفس المصدر، الحديث 13.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 651

في ايديهم من الارض و يخرج الباقين «1» و كل ذلك مناف لحصول الملك كما هو ظاهر.

اقول: الظاهر ان هذه الروايات معرض عنها عند الاصحاب، لان ظاهر كلماتهم حصول الملك للمحيي من دون حاجة الي اداء الخراج او الطسق حتي ان ظاهر كلماتهم عدم الفرق بين المؤمن و غيره، مضافا الي السيرة المستمرة في حال الظهور و الغيبة علي عدم اداء الخراج او الطسق من غير انكار كما لا يخفي.

سلمنا لكن يمكن

ان يكون الطسق من قبيل الاشتراط في ضمن اجازة التملك بالاحياء، و الاخذ منهم عند قيام الحجة من قبيل اشتراط الفسخ، و بالجملة لا يمكن رفع اليد عن تلك الادلة بهذه الظواهر.

الثاني:

[الثانية] هل يعتبر إذن الإمام عليه السّلام في الإحياء أم لا؟

ظاهر عبارة كثير من الاعلام كالعلامة في التذكرة و المحقق الثاني في جامع المقاصد و صاحب التنقيح في التنقيح و غيرهم، انه معتبر و ان ذلك اجماعي. «2»

و الظاهر انه كذلك بعد اجماعهم علي انه للإمام عليه السّلام لان من الضروري عدم جواز التصرف في ملك الا باذن اهله، و هذا مما لا يحتاج الي مزيد بيان.

انما الكلام في انه هل يحتاج الي اذن خاص منهم- عليهم السلام-؟

الظاهر عدم الحاجة هنا الي اذن خاص، لأنه ثبت الاذن العام من لدن عصر النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلم الي ما بعده في ذلك في زمن الحضور فكيف بعصر الغيبة، و الشاهد عليه ما عرفت من الروايات الكثيرة الواردة في باب الاول من كتاب

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 3 من احياء الموات، الحديث 2.

(2)- جواهر الكلام، المجلد 38، الصفحة 11.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 652

الاحياء و ساير ابوابه، مضافا الي السيرة المستمرة في جميع الاعصار و الامصار من لدن عصره صلي اللّه عليه و آله و سلم الي عصر الغيبة.

نعم لا يبعد اعتبار اذن الفقيه عند بسط اليد لا سيما مع اشتراط ذلك.

الثالث:

[الثالثة] هل يعتبر في المحيي الإسلام

فلا يملكها الكافر و لو احياها باذن الامام او لا؟ فقد تهافتت فيه كلماتهم فعن ظاهر جماعة ان الكافر لا يملكها بل ادعي في التذكرة الاجماع عليه و كذلك في جامع المقاصد (فيما حكي عنهما في الجواهر).

و لكن صرح الشهيد الثاني ان المسألة ذات قولين، و عن صريح المبسوط و الخلاف و السرائر و جامع الشرائع و غيرها عدم اعتبار الإسلام، بل نسب الخلاف في ذلك الي الشافعي الذي يظهر منه كون المسألة اجماعية عندنا.

و لا يخفي

ما في تعبير بعضهم ان الكافر لا يملك و لو اذن له الامام، لان ذلك التعبير لا يناسب مقام العصمة، اللهم الا ان يكون المراد نائبه الخاص في حال الحضور او العام في حالتي الحضور و الغيبة.

و كيف كان ظاهر النصوص و الفتاوي عدم الفرق في التملك بالاحياء بين المسلمين و الكفار، فان التعبير بايما قوم احيوا من الارض او التعبير ب «من احيا ارضا» او شبه ذلك دليل علي ذلك، و لا ينافيها ادلة اشتراط الاذن بعد وجود الاذن العام هذا اوّلا.

و ثانيا: الظاهر استقرار السيرة علي الملكية لا سيما بالنسبة الي اهل الذمة في بلاد الإسلام من دون نكير.

و ثالثا: يدل علي ذلك صريحا مصححة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام فانه بعد السؤال عن شراء الارض من اهل الذمة قال: «لا بأس بان يشتريها منهم اذا عملوها و احيوها فهي لهم». «1»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 17، الباب 4 من احياء الموات، الحديث 1.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 653

و اوضح منه صحيحة محمد بن مسلم الواردة في ابواب الجهاد قال:

«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الشراء من ارض اليهود و النصاري؟ فقال: ليس به بأس قد ظهر رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم علي اهل خيبر فخارجهم علي ان يترك الارض في ايديهم يعملونها و يعمرونها فلا اري بها بأسا لو انك اشتريت منها شيئا، و ايما قوم احيوا شيئا من الارض و عملوها فهم احق بها و هي لهم». «1»

و رابعا: لا شك في كون الاراضي المحياة المفتوحة عنوة لجميع المسلمين مع ان كثيرا منها من قبيل الاراضي الموات التي احيوها، و

التفصيل بين الموات الموجودة في بلاد الإسلام و الكفر لا وجه له.

فالاقوي عدم اشتراط الإسلام.

الرابع:

[الرابعة] المراد من الموات من الأرض كما صرح به كثير من الأصحاب في كتبهم: «هو ما لا ينتفع به لعطلته

اما لاستيجامه او لانقطاع الماء عنه او لاستيلاء الماء عليه» «2» (او غير ذلك من اشباهه).

و اضاف في مفتاح الكرامة بعد ما عرفت قوله: «و كيف كان فحال الموات كحال الاحياء لعدم وجود نص في بيان معناها و قد قال في التذكرة و اما الاحياء فان الشرع ورد به مطلقا و لم يعين له معني يختص به و من عادة الشرع في ذلك رد الناس الي المعهود عندهم المتعارف بينهم» … و مثل ذلك صرح في المبسوط و السرائر و التحرير و الدروس و غيرها و بمثل ذلك نقول في الموات». «3»

و ما ذكروه جيد بعد عدم وجود نص في المسألة و ايكالها الي العرف،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، المجلد 11، الباب 71 من ابواب جهاد العدو، الحديث 2.

(2)- مفتاح الكرامة، المجلد 7، الصفحة 2.

(3)- مفتاح الكرامة، المجلد 7، الصفحة 2.

أنوار الفقاهة - كتاب الخمس و الأنفال (لمكارم)، ص: 654

فالموات من الارض ما لا يمكن الانتفاع به علي حاله بل يحتاج الي امور بعنوان المقدمة حتي يصير قابلا لذلك بالقوة القريبة من الفعل، و لا يعتبر فيه الزرع فيه فعلا او بناء النباتات او شبه ذلك.

و ليعلم ان حياء كل شي ء بحسبه و ان ذلك مختلف بحسب المقامات، فالاحياء للزراعة لا يكون الا برفع موانع الزرع من الأحجار و الماء الغالب عليها و النباتات الوحشية، و ايجاد المقتضيات من تهيئة الماء اذا احتاج اليه و لا يكفيه المطر، و تسطيح الارض اذا كانت مرتفعة لا يجري عليها الماء او غير ذلك.

و احياء الارض لبناء المساكن قد يكون بتسطيحها و ايجاد الشوارع لها

و غير ذلك مما لا يمكن الانتفاع بها من هذه الناحية الا بها.

و احياء المعدن هو حفره و جعله معدا للاستخراج منه، و كذا احياء الارض من جهة حفر الآبار لاستخراج المياه و غير ذلك، و بالجملة المتبع هو الصدق العرفي في جميع المقامات.

و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.